- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المشقة ليست مطلوبة لذاتها:
أيها الإخوة المؤمنون؛ لا زلنا مع الحديث النبوي الشريف، ولا زلنا في باب الاقتصاد في الطاعة.
الحديث الأول:
(( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ, إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ, فَسَأَلَ عَنْهُ, فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ, نَذَرَ أَنْ يَقُومَ, وَلَا يَقْعُدَ, وَلَا يَسْتَظِلّ,َ وَلَا يَتَكَلَّم,َ وَيَصُومَ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ, وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ, وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ))
نذر على نفسه, أن يقوم في الشمس، أن يقف في الشمس؛ ولا يعرف شمس الحجاز إلا من زارها، نذر أن يقوم في الشمس، وألا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:
لو أن هناك سيارةً, تنقلك إلى المدينة المنورة، هل يعقل أن تذهب إليها ماشياً؟ هل تظن أن الثواب لو ذهبت إليها ماشياً أكبر؟ لا، لأن هذه المشقة أصبحت مطلوبةً لذاتها، لأن هذه المشقة أصبحت نوعاً من تعذيب الإنسان نفسه، والله سبحانه وتعالى غنيٌ عن تعذيب الإنسان نفسه، لم نُخلق لنعذَّب، ولم نُخلق لنعذب أنفسنا باختيارنا، ولكن لو أنك أردت أن تصل إلى مجلس علمٍ, وكان البرد شديداً، والأمطار منهمرةً، والمواصلات صعبةً، ووقفت وقتاً طويلاً, تنتظر مركبةً عامة, تنقلك إلى مجلس العلم, فهذه مشقة، ولكن هذه المشقة وسيلةٌ لطلب العلم، إذاً: أنْعِمْ بها من مشقة، عندئذٍ يفوق أجر هذا الذي تحمَّل هذه المشقة, أجر الذي لم يتحمَّلها، عندئذٍ تدخل المشقة في الحساب، في الأجر والثواب، لا تدخل المشقة في الحساب, والأجر والثواب, إلا إذا كانت وسيلةً لعملٍ عظيم.
لو أن الإنسان باع واشترى، وربح أموالاً طائلة في يوم من الأيام، ولم يزدد في هذا اليوم من الله قرباً، ولم يزدد في هذا اليوم من الله علماً، فهذا اليوم ليس مباركاً، هذا اليوم لا يمتد أثره إلى الدار الآخرة، بل ينقطع أثره عند الموت، مهما ربحت من أموال، مهما أنجزت من أعمال، لكنك في يومٍ ما تقرَّبت إلى الله عزَّ وجل، ازددت منه قرباً بعملٍ صالح، ازددت منه علماً بتعلم شيءٍ من كتاب الله، ازددت منه محبةً بأن تتقن عباداتك، إذا كنت كذلك فقد ربح يومك، وربحت تجارتك.
النبي عليه الصلاة والسلام, خاطب أحد أصحابه الكرام، وقد جاء من مكة إلى المدينة مهاجراً، لما وصل المدينة, حدَّث النبي بما جرى له في الطريق، تبعه أناسٌ, وضيقوا عليه الخناق، حتى افتدى نفسه بمالٍ له في مكة، قال:
(( لو دللتكم على مالي فأخذتموه, هل تَدعوني وشأني؟ قالوا: نعم، قال: مالي في المكان الفلاني والفلاني، فقال عليه الصلاة والسلام: ربحت تجارتك ))
إنسان يقف في الشمس بلا سبب، وبلا طائل, تقرباً إلى الله عزَّ وجل، ليس هذا في الدين الإسلامي في شيء، إن الله عزَّ وجل قال:
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
لكن إذا كان طلب العلم, يحتاج إلى مشقة، يحتاج إلى سفر، يحتاج إلى أن تخرج من بيتك الدافئ، لكن طلب العلم إذا كان يحتاج إلى بذل مال، وقد يكون هذا المال أنت بحاجةٍ إليه، فبذل هذا المال، بذل هذا الوقت، تحمُّل هذه المشقة، هذه مشقةٌ جعلتها وسيلةً لعملٍ عظيم.
لو أن إنساناً طلب منك أن تعاونه في إنجاز قضية، فذهبت معه صيفاً أو شتاءً، وتحملت في هذه المساعدة المشقة، هذه المشقة تؤجر عليها أضعافاً مضاعفة.
أنه لا يجوز أن يسعى المؤمن إلى مشقةٍ بلا هدف، لا يجوز أن يحمِّل نفسه مشقة لا طائل منها، لأن المشقة ليست مطلوبةً لذاتها، يمكن أن تكون المشقة وسيلة لعلمٍ، أو لعملٍ، أو لقربة، أو لجهادٍ، هذا كله تحسب عندئذٍ هذه المشقة بثوابٍ كبير لا يعلمه إلا الله.
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام بينما كان يخطب، إذا هو برجلٍ قائمٍ، يبدو أنه قائمٌ في الشمس، فسأل عنه, فقالوا:
يجب ألا تُستهدف المشقة لذاتها، أما إذا كانت طريقاً إجبارياً، أو وسيلةً وحيدةً لبلوغ مرتبةٍ عند الله، الصيام فيه مشقة؛ لكنه أمرٌ تعبدي، وأمرٌ إلهي، يجوز أن يكون الجهاد في سبيل الله شاقاً، لكنْ هناك هدفٌ نبيل، وهو نشر الإسلام في الخافقين، فحينما خرج الصحابة الكرام من بلادهم، وفتحوا مشارق الأرض ومغاربها، لا شك أنهم تحملوا مشقةً كبيرة، بل هي كبيرةٌ كبيرة، لكن هذه المشقة, كانت وسيلةً إلى عملٍ عظيم لله سبحانه تعالى, يثيب عليها ويتقبلها.
الحديث الثاني:
(( عَنْ أَبِي صَالِحٍ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ, فَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فَخُذُوا عَنِّي, فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ, وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ))
ربنا عزَّ وجل أمرنا بأشياء، ونهانا عن أشياء، وسكت عن أشياء، فالحكمة التي نستشفُّها من الذي سكت عنه، لا تقل عن الحكمة التي نستشفها من الذي أمر به، ولا تقل عن الحكمة التي نستشفها من الذي نهى عنه، فهناك أمرٌ، وهناك نهيٌ، وهناك سكوت، فالذي سكت الله عنه, يجب أن نسكت عنه، فكلما سألت في هذا الموضوع, ضاقت عليك الأمور، بنو إسرائيل جعلهم الله لنا عبرةً، أُمروا أن يذبحوا بقرة فقط، لو أنهم مسكوا أية بقرة وذبحوها لأجزأتهم، قالوا: ما لونها؟ قال تعالى:
﴿
ما زالوا يسألون عن هذه البقرة إلى أن ضاقت الدائرة، وأصبحت هذه الصفات لا تتوافر إلا في بقرةٍ واحدة، طلب صاحبها ثمناً فوق الخيال، لذلك ضيق بنو إسرائيل على أنفسهم بكثرة السؤال، الشيء الذي سكت الله عنه, يجب أن تسكت عنه، والذي أمر به, يجب أن تبحث عنه، والذي نهى عنه, يجب أن تبحث عنه, لتكون عابداً لله عزَّ وجل، لتكون عند الأمر والنهي، لذلك:
أنت إذا بعت حاجةً, لست مكلفاً أن تسأل المشتري: ماذا ستفعل بها؟ صحن يباع، هل ستستخدمه في وضع طعامٍ محرم؟ لست مكلفاً أن تسأله هذا السؤال، هذا الشيء لم تطالب به، لذلك الإنسان أحياناً يترك الأشياء الواضحة البيِّنة، ويتَّبع الشبهات فيقع فيها، فالإنسان عليه أن يكون أديباً مع الله عزَّ وجل، أن يأتمر بما أمر الله، وأن ينتهي عما نهى عنه الله، والشيء الذي سكت الله عنه، يجب أن تعلم علم اليقين: أن في السكوت عنه حكمةً ما بعدها حكمة
لكن لما يكون للإنسان عمل تجاري، أو عمل مهني، وهناك أسئلة كثيرة تتعلق بحرمة المال أو بحلِّه، هذه الأسئلة ليست من هذا الباب، مهما سألت فيما يتعلق بتحري الحلال, فأنت تعبر عن ورعك، وركعتان من ورع خيرٌ من ألف ركعةٍ من مخلِّط ، لكن أشياء غيبية، أشياء متعلقة في الجنة والنار، لو بالغت في السؤال عنها، هذه الأسئلة مضيعةٌ للوقت، فقد صحّ في الحديث القدسي.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ, مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ, وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ, وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ, فَاقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ:
فالشيء الذي أخبرنا الله عنه, نكتفي بما أخبرنا عنه، ولا نزيد، لا نسأل، لا نستفهم، لا نستوضح، الله سبحانه وتعالى أخبرنا عن الجنة، وذكر في هذه الأخبار أوصاف الجنة، أنت تريد هذه المرأة؛ مَن سيتزوجها في الجنة؟ يا أخي الرجل له من الحور العين ما يكفي، فهذه المرأة ما الذي لها؟ أسئلة كثيرة متعلقة بالجنة، والله سبحانه وتعالى ذكر في هذا الباب آياتٌ محدودة، حكمة الله عزَّ وجل اقتضت أن تكون هذه الموضوعات محدودةً في القرآن حول الجنة والنار، فليس هناك من طائل, في أن تطرح أسئلةً في هذا الموضوع, أنت في غنىً عنها، يا ترى سيدنا يوسف بعد ما خرج من السجن، وصار عزيز مصر، هل تزوج امرأة العزيز؟ والله لا أدري، الله سبحانه وتعالى سكت عن ذلك، ونحن أيضاً يجب أن نسكت عن ذلك، لأن هذا الشيء خارج المغزى.
كنت أضرب مثلاً: أن إنسان أراد أن يعلم إنسانًا مقومات التجارة الناجحة، فسرد له قصة, قال له: فلان الفلاني، أو أعرف شخصاً, اختار محلاً تجارياً في المكان المناسب، واختار بضاعة مناسبة، وكانت معاملته لطيفة، وأسعاره معتدلة، وما باع ديناً، ولا رفع السعر ، فربح أرباحاً جيدة، واشترى بيتاً، وتزوج، أنت تريد أن تعلمه, أنه لا بد من أن تختار الموقع الجيد لمحلك التجاري، ولا بد من أن تختار البضاعة الجيدة، والسعر المناسب، ولا ينبغي أن تبيع ديناً، وينبغي أن تكون لطيفاً، وما شاكل ذلك، فسألك هذا السائل: هذا الشخص الذي حدثتني عنه أهو طويلٌ أم قصير؟ هذا لا علاقة له بالموضوع، ولا بالمغزى، هذا السؤال يدل على أنك لم تفهم المغزى.
فأحياناً ربنا عزَّ وجل يذكر قصة، وتنتهي القصة عند حدثٍ معين، أنت تريد أن تعرف ماذا وقع بعد ذلك؟ هذه الوقائع لا علاقة لها بالمغزى، ربنا عزَّ وجل كلامه موجز، وربنا عزَّ وجل يتكلم فيما له علاقة بالمغزى، أما فيما ليس له علاقة، حتى كُتَّاب القصة, يقولون: التفصيلات لا تُذكر إلا إذا كانت في خدمة القصة، فإذا لم تكن في خدمة القصة, فهي عبءٌ عليها، عندنا جزئيات كثيرة، فإما أن تذكر هذه الجزئيات، وتكون في خدمة القصة، أو أن تصبح هذه الجزئيات عبئاً على القصة، فالقصد أنه بالإسلام في ناحية العملية الجواب:
﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141) ﴾
هذا مضيعةٌ للوقت، هذا من شأن الله عزَّ وجل، هذا الرجل العارف بالله, له عند الله مقام, لا يرفعه مدح المادحين، ولا يضعه ذم الذامِّين، له عند الله مقام، لذلك ماذا جرى في صفين؟ ماذا جرى في موقعة الجمل؟ أصحيح ما قاله المؤرخون؟ هذه موضوعات لا تقدم ولا تؤخر، ولا تجدي، أنت في زمنٍ محدود.
لما يستيقظ الإنسان, صباح كل يوم, يقول له اليوم: يا بن آدم! أنا خلقٌ جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني قبل ألاّ أعود، تزود مني, فإني لن أعود إلى يوم القيامة.
فالوقت خطير، لذلك الإنسان يشبه وضعه تماماً: لو كان عنده امتحان بعد يومين في كتاب مقرر، وفي مكتبته ألف كتاب؛ قصص، كتب تاريخ، كتب سير، كتب في المغازي، كتب علمية، فلو أنه أمسك كتاباً من هذه الكتب, لا علاقة له بالامتحان بعد يومين، وطالعه، واستمتع به، أليس بهذا العمل غير حكيم؟ طبعاً إنه غير حكيم، لأن الكتاب المقرر مهم جداً.
هذا الذي أريد أن أقوله، هناك موضوعات في الإسلام لا تقدم ولا تؤخر، مهما طرحت فيها أسئلة، مهما تلقيت الإجابات الصحيحة، إنها موضوعاتٌ ثانوية، للإسلام جوهر، فاجعل همك أن تصل إلى جوهر الإسلام، اجعل همك أن تضع يدك على جوهر الدين، اجعل همك أن تحقق الهدف من وجودك في هذه الدنيا، اجعل همك أن ترتقي أنت, لا أن تمدح زيداً أو عُبيداً، ارتقِ أنت إلى الله عزَّ وجل، فالحديث عن السابقين، وعن خلافاتهم، وعن مشكلاتهم، هذا الحديث لا يقدم ولا يؤخر، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال:
يعني: كونوا عمليين، ولا تكونوا حالمين، كن عمليًا، أنت في زمن محدود، والموت على الأبواب، ولا بد من أن نموت، وسوف تحاسب على أعمالك كلها، أما لو ضيَّعت أشهرًا, في موضوع مضى خلاف بين بعض المذاهب مثلاً، خلاف بين أصحاب رسول الله، لو أمضيت كل عمرك في هذا الموضوع, ماذا تستفيد؟ شيء وقع، وانتهى، عليك أن تبحث عن عملٍ يُجْدي، ويصلح للعرض على الله عزَّ وجل.
الحديث الثالث:
(( عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً, ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ, وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ, فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ, وَالسَّمْعِ, وَالطَّاعَةِ, وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ, فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ, يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا, وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ, فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ, فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ, فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي, وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ, عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ))
(( عَنْ أَبِي نَضْرَةَ, حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ, فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ, أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ, وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ, أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ, وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ, وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ, وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ, إِلَّا بِالتَّقْوَى, أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ثُمَّ قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ, ثُمَّ قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ, قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ, قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ, قَالَ: وَلَا أَدْرِي, قَالَ: أَوْ أَعْرَاضَكُمْ أَمْ لَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا, فِي شَهْرِكُمْ هَذَا, فِي بَلَدِكُمْ هَذَا, أَبَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ))
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
(( عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ, وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ, وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ ))
فالتعصب انحياز أعمى إلى جهة, على الحق, أو على الباطل، وليس من أخلاق المسلم التعصُّب.
(( فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا, وَإِنْ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ, كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ))
أنا ملك الملوك, ومالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فإن العباد أطاعوني, حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن العباد عصوني, حولت قلوب ملوكهم عليهم بالسخط والنقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسبِّ الملوك, وادعوا لهم بالصلاح, فإن صلاحهم بصلاحكم، الإمام مالك يقول: لو أن لي دعوةً مستجابة, لادَّخرتها لأولي الأمر, لأن في صلاحهم صلاح الأمة، فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
هذا البدوي الذي امتحنه سيدنا عمر، قال له: بعني هذه الشاة.
قال: والله ليست لي.
قال: خذ ثمنها.
قال: ليست لي.
قال: خذ ثمنها.
قال: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها ماتت, أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادقٌ أمين، ولكن أين الله؟.
هذا البدوي وضع يده على جوهر الدين، فأنت عد للينابيع، الدين في جوهره؛ أقام الصلاة, وآتى الزكاة، اتصالٌ بالخالق، وإحسانٌ إلى المخلوق، هذا جوهر الدين، فإذا كنت متصلاً بالله عزَّ وجل، محسناً إلى خلقه، فقد حققت الهدف من وجودك، هذا هو جوهر الدين، اتصالٌ بالخالق، وإحسانٌ إلى المخلوق.
لذلك:
(( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر, لم يزدد من الله إلا بعدا. ))
وعلى الصيام أيضاً.
(( فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ, وَالْعَمَلَ بِهِ, وَالْجَهْلَ, فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ, في أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))
الحج: حجوا قبل ألاّ تحجوا، قبل أن يصبح الحج تجارةً، وسياحةً، وقلوب الحجاج في غفلةٍ عن ذكر الله عزَّ وجل، يعني: هذه العبادات لها مغزى، ولها جوهر.
فلذلك:
جاء أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام, كانوا رهباناً في الليل، فرساناً في النهار، الآن في حلقات دينية؛ دوران، وطبل، وزمر، هكذا الدين؟ هكذا كان أصحاب رسول الله؟ في حلقات أخرى, الدين فيها طرب، في حلقات أخرى, الدين أن يمسك بآلةٍ حادة, فيخرق بها بطنه، هكذا فعل أصحاب النبي؟
لذلك علماء الحديث قالوا: القول الذي يقوله الصحابي الجليل, يعد حديثاً شريفاً، لأنه لا يعقل أن يقول قولاً إلا وسمعه عن النبي عليه الصلاة والسلام، فالحديث إما أن يكون مرفوعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وإما أن يكون مقطوعاً عند الصحابي الجليل، وهذا يدخل في الحديث الشريف:
فالموضوع دقيق: إذا أحدثت في العبادات ما ليس منها, فهذه بدعةٌ في الدين، أما إذا الإنسان طوَّر حياته، رفع مستوى معيشته، سكن ببيت, صار في تدفئة من نوع معين، إضاءة من نوع معين، نام على السرير، والنبي نام على الفراش في الأرض، هذه لا علاقة لها بالدين، النبي لبس ثوبًا، أنت لبست زيًّا موحَّدًا, تقريباً سروال وسترة، فهذا الشيء لا يمس, إلا إذا كان هذا الثوب وصف العورة، وصف لونها أو حجمها، دخل الموضوع في المحرَّمات، فما يستحدثه الإنسان في شأن الدنيا, مما ليس له علاقة بأوامر الدين ونواهيه, هذه معفو عنها، لكن ما يستحدثه الإنسان في الدنيا, مما له علاقةٌ بالحلال والحرام، ما كان حلالاً يجوز، وما لم يكن حلالاً فلا يجوز.
إذاً:
صور من مواقف علي بن أبي طالب .
والآن إلى بعض الأخبار عن سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه.
سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه، رابع الخلفاء الراشدين، اسمه: علي بن أبي طالبن فمن أبو طالب؟.
من هو أبو طالب؟ وما هي وصيته قبل موته؟.
أبو طالب عم النبي عليه الصلاة والسلام، حينما كان هذا الشيخ الوقور, مُسَجًّى على فراشه، وهو يحتضر - أي في النزع الأخير - أوصى قومه هذه الوصية قال:
طبعاً: أبو طالب عم النبي عليه الصلاة والسلام هذه وصيته، ولكن سوف ترون في هذه الوصية, أنه كان رجلا شريفًا، وكان من عليَّة القوم، وكان نبيلاً، وكان كريماً، وكان محبوباً من قومه، يقول أبو طالب:
فالشخص الذي سأل النبي عليه الصلاة والسلام, قال:
(( ماذا بقي علي من بر والدي بعد موتهما؟ قال: أربعة أشياء؛ أن تصلي عليهما، وأن تدعو لهما، وأن تنفذ عهدهما، وأن تصل صديقهما، وأن تصل الرحم التي لم يكن لها صلة إلا بهما، فهذا الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما. ))
إنسان له أخت, يجب أن يزورها، هي أمام زوجها, تشعر أنها مقطوعة، إذا زارها أخوها من حين لآخر, تحس بكيان، تحس أن لها أهل لا ينسونها، فليتفقد الإنسان أقرباءَه، أرحامه، أقرباءه من طرف الأب، من طرف الأم، أخواله، خالاته، وحتى يكون الوضع دقيقًا، إلا إذا كان في هذه الصلة معصية، عندئذٍ درء المفاسد مقدَّمٌ على جلب المنافع، إذا كنت أصل خالتي، وتحدث علاقة مع بنات خالتي، وبنات خالتي أجنبيات عني، وأقع في التفات نفس، ومخالفة شرعية، فهذه الصلة نشأ عنها معصية، إذاً: ليس من الحكمة أن تتبع خيراً ربا عليه الشر، درء المفاسد مقدم على جلب المنافع.
قال: صلوا أرحامكم ولا تقطعوها، فإن صلة الرحم منسأة في الأجل.
أي: تطيل العمر، وكلمة: تطيل العمر, دائماً في الأحاديث, بمعنى: أن الإنسان عندما الله عز وجل يرزقه أعمال صالحة، فهذه أعمال الصالحة تثمِّن عمره، فكأنه طال، واحد اشتغل في السنة بمئة ألف، وإنسان اشتغل في سنة بمئتي ألف، كأنه اشتغل بسنتين، اشتغل بسنة بثلاثمائة ألف، كأنه اشتغل ثلاث سنوات، فعندما يأتي الحديث بإطالة العمر، أي أن يكون هذا العمر غنياً بالأعمال الصالحة, فكأنك عشت ستين عامًا، سبعين عامًا، الإمام الشافعي مات في الخمسينات، ولكنه ترك آثارًا، وهناك أناس عاشوا مئة سنة, لم يحصلوا شيئًا, مما حصله الإمام الشافعي، فالعمر الزمني عمر تافه في حساب الأعمال الصالحة، لأن العمر الأساسي: ما في هذا العمر من أعمال الصالحة.
اتركوا البغي, فقد أهلك القرون من قبلكم، يا معشر قريش, أجيبوا الداعي، وأعطوا السائل، فإن فيهما شرف الحياة, وشرف الممات.
أحياناً إنسان يدعوك, وأنت وقتك ضيق، وقد يكون البيت بعيدًا، وقد يكون الشخص من عامة الناس، ولكن إجابة الداعي حق، من آداب المسلم: أنه من دعاه, وجب حقه عليه، فتلبية الداعي صفةٌ أصيلةٌ في أخلاق المسلم.
وعليكم بصدق الحديث، وأداء الأمانة, ألا وإني أوصيكم بمحمدٍ خيراً، فإنه الأمين في قريش، والصادق في العرب، وهو الجامع لكل ما أوصيكم به.
جمع كل هذه الفضائل، جمع صلة الرحم، وجمع حُسن الجوار، وجمع الأمانة، وجمع الصدق، وجمع الرحمة.
في هذه الدعوة القلب قبلها، واللسان رفضها مخافة هذه المعارضة التي قام بها قريش ضد النبي عليه الصلاة والسلام.
وايم الله.
كان له نظر ثاقب.
معنى صعلوك بالمفهوم الحديث: إنسان من الطبقة الدنيا في المجتمع؛ خلقاً ونسباً، ولكن في المعنى القديم الفقير فقط.
وايم الله لكأني أنظر إلى صعاليك العرب, وأهل الأطراف، خارج مكة، والمستضعفين من الناس, قد أجابوا دعوته، وصدَّقوا كلمته، وعظَّموا أمره.
الحقيقة: إذا كان الإنسان صعلوكًا كما وصف أبو طالب، وكان من أطراف البلاد، وكان مستضعفًا، وأجاب دعوة النبي عليه الصلاة والسلام، وصدق كلمته، وعظَّم أمره, صار في أعلى عليين، صار شريفاً، صار عظيماً، صار مقدَّساً، صار طاهراً، البطولة أن تعرف ما الذي يرفعك عند الله عز وجل، إذا آمنت بهذا النبي العظيم، وصدقت دعوته، واتبعت سنته، رفعك الله إلى أعلى عليين، سيدنا يوسف, كان عبداً عند العزيز، ولكن قوله:
لذلك صحابي جليل, قد تفقده النبي عليه الصلاة والسلام بعد معركة أحد فلم يجده، فسأل عنه، فلم يعلم أحد عنه شيئاً، فكلف أحد أصحابه البحث عنه، توجه إلى ساحة المعركة، فإذا بهذا الصحابي, الذي تفقده النبي بين الموت والحياة، قال له:
فالعرب محضوه الوداد، لأنه كان أرحم بهم من أنفسهم، وأعطته قيادها.
يعني هذا الكلام فيه حكمةٌ، وفيه معرفة لقدر النبي عليه الصلاة والسلام، وأنتم يا معشر بني هاشم, أنتم أقرب الناس إلى النبي، وأنتم يا معشر بني هاشم، أجيبوا محمداً, وصدقوه, تفلحوا, وترشدوا.
علي بن أبي طالب هذه مكانته، وهذا شأنه، وهذه معرفته بالنبي عليه الصلاة والسلام، وهذا نصحه لقريش, ولبني هاشم.
موقفه من ابنه حين أسلم.
أيها الإخوة؛ أبو طالب قبل أن يموت, رأى ولده علياً, يصلي خفيةً وراء رسول الله، وكانت هذه أول مرة, يعلم فيها أن ابنه الصغير, قد اتبع محمداً، وما اضطرب الطفل حين رأى أباه يبصره مصلياً، ولما أتم صلاته، ذهب تلقاء والده, وقال له في صراحةٍ وثباتٍ:
انظر الموقف الكامل، إذا ابنك بدأ بطريقة دينية، بدأ يغض بصره، بدأ يصلي، يجب أن تشجعه، يجب أن تفرح به، فقال له:
بل إن أبا طالب, رأى النبي عليه الصلاة والسلام يوماً يصلي، وقد وقف عليٌّ إلى يمينه، ولمح من بعدٍ ولده جعفر، فناداه حتى إذا اقترب منه, قال له: صل جناح ابن عمك، صل وراء رسول الله، وصل عن يساره، فقد كان يعرف قدر النبي، وكان يعرف شأنه، ويعرف جوهر دعوته.
هذا أبو طالب.
فمن هو عبد المطلب؟ جد سيدنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب.
بقى مع أبي طالب قليلاً ، ذهب أبو طالب إلى قريش, وقال:
يا معشر قريش، إن ابن أخي أخبرني بكذا وكذا، فهلم صحيفتكم، فلما قاطعت قريش النبي عليه الصلاة والسلام, كتبوا صحيفة، كتبوا قرار المقاطعة، فجاءت الأرضة -نوع من الحشرات- فأكلت هذه الصحيفة، وأبقت فيها كلمة الله عز وجل, فحين أنبأه النبي عليه الصلاة والسلام، أنبأ عمه أبا طالب بهذه الحادثة، جاء أبو طالب إلى قريش في ناديهم، وقال لهم:
قبل هذا ذهب وجهاء قريش إلى أبي طالب, وقالوا:
يا أبا طالب, إن لك لنا فينا سناً, وشرفاً ومنزلة، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك، ولم تنهه عنا، يعيب آلهتنا، ويسب ديننا، وإنا لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وعيب آلهتنا، وتسفيه أحلامنا، فإما أن تكفُّه عنا، أو ننازله وإياك، حتى يهلك منا أحد الفريقين -حينما قالوا هذا الكلام, جاء رد النبي عليه الصلاة والسلام، طبعاً: أبو طالب نقل هذه الرسالة إلى النبي عليه الصلاة والسلام- فكان رد النبي عليه الصلاة والسلام: والله يا عم, لو وضعوا الشمس في يميني, والقمر في يساري, على أن أترك هذا الأمر ما تركته, حتى يقضيه الله, أو أهلك دونه .
عندئذٍ قال:
دافع عنه كذلك، لما مات أبو طالب, كان عليه الصلاة والسلام يقول:
والله ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه, حتى مات أبو طالب
كان قد بذل جهدًا كبيرًا في الدفاع عنه، وفي حمايته، وفي دعمه في هذا المجتمع الكافر، النبي عليه الصلاة والسلام مرةً كان متألِّماً, فقال:
يا عم, ما أسرع ما وجدت فقدك
حينما افتقد عمه أبي طالب, أحس بفراغ كبير، لأنه كان خير نصير له في محنته مع قريش.
وقصة عبد المطلب: لما جاء أبرهة الأشرم إلى مكة ليهدم الكعبة، كيف وقف هذا الموقف الذي يعبِّر عن إيمانه بالله؟ فقال: اللهم إن المرء يمنع رحله, فامنع رحلك، هذه بلادك، وهذه أرضك، وهذا بيتك, فامنعه أنت.
وله قول شهير:
وقال مرة: اللهم هؤلاء عبيدك -في أحد السنوات الشحيحة- وأبناء عبيدك، وقد نزل بنا ما ترى، فاذهب عنا الجدب, وائتنا بالمطر والخصب.
هذا دعاء عبد المطلب في بعض السنوات الناحلة.
لما ولد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام, كان عبد المطلب له أبيات من الشعر, يتمثل بها، كان يقول:
الحمد للّه الّذي أعطاني هذا الغلام الطيّب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان أعيذه بالبيت ذي الأركان
حتّى يكون بلغة الفتيان حتّى أراه بالغ التّبيان
تفاءل هذا الجد العظيم بهذا الحفيد، وكأنه شعر أن لهذا الغلام الصغير مستقبلاً عظيماً.
قبيل وفاة عبد المطلب, أوصى أبا طالب ابنه, قال: يا أبا طالب، سيكون لابني هذا شأنٌ فاحفظه، ولا تدع مكروهاً يصل إليه، عن رسول الله, اللهم صل عليه.
في هذه الكلمات القصيرة, أردت أن تعرفوا: أن هذا الخليفة الراشد, سيدنا علي بن أبي طالب، أبو طالب كان ذا شأنٍ، وذا مكانةٍ، وذا حلمٍ، وذا فضل، وكان خير من رعى النبي عليه الصلاة والسلام، ودعمه, وحماه، وكان يقف كالمتراس تجاه كفار قريش، وكان يتمنى أن يتبعه بنو هاشم, ليكونوا سنداً له، ولأنه يدعو إلى خير.
وفي درس قادم إن شاء الله تعالى, ننتقل إلى الأحداث التفصيلية المتعلقة بسيدنا عليٍّ رضي الله عنه وأرضاه.
و الحمد لله رب العالمين