- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠16برنامج ومضات قرآنية - قناة بغداد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين.
من يتبع هدى الله لا خوف عليه و لا يحزن :
أيها الأخوة المشاهدون؛ مع حلقة جديدة من برنامج:" ومضات قرآنية "، والآية اليوم هي في سورة البقرة قوله تعالى:
﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون َ﴾
وهذه الآية الكريمة تذكرنا بآية تشبهها قال تعالى:
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
لو جمعنا الآيتيتن لكان هذا الذي يتبع هدى الله عز وجل، هذا الإنسان الذي تعرف إلى الله من خلال آياته الكونية والتكوينية والقرآنية، هذا الإنسان الذي عرف سرّ وجوده، وغاية وجوده، هذا الإنسان الذي أدرك أنه مخلوق لجنة عرضها السموات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هذا الإنسان الذي بحث عن سرّ وجوده، وغاية وجوده، هذا الإنسان إذا عرف الله، وخضع لمنهجه، وطبق هداه:
﴿ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون َ﴾
وكأن هذه الآية غطت الزمن كله لا خوف عليهم في المستقبل، ولا هم يحزنون على الماضي، لا خوف عليهم أي أن المؤمن إن أمره كله خير، المستقبل كله خير، وكأن حياة المؤمن ترسم بخطّ بياني صاعد، هذه الصعود مستمر، حتى الموت نقطة على هذا الخط الصاعد، لأن نعم الدنيا عندئذ تتصل بنعم الآخرة، فالآية الكريمة:
﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾
في المستقبل، قال تعالى:
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
فرق كبير في اللغة كتب الله لنا لها معنى أما كتب الله علينا فلها معنى آخر:
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
من خير، ومن سعادة.
من يتبع هدى الله لا يضل عقله ولا تشقى نفسه :
الحقيقة الإنسان إذا غفل عن الله، يوجد عنده قلق شديد، قلق الاقتراب من الموت، الموت ينهي قوة القوي، وضعف الضعيف، ينهي غني الغني، وفقر الفقير، ينهي وسامة الوسيم، ودمامة الدميم، ينهي كل شيء، إلا المؤمن الموت نقطة تحول من دار محدودة إلى دار لا نهاية لها، المؤمن ينتقل من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة كما ينتقل الجنين من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا، المؤمن يمكن أن يكون الموت تحفة للمؤمن، لأن المؤمن حينما يموت بدأ العطاء، بدأ الإكرام، بدأت السعادة التي لا تنتهي، هو مع المؤمنين في جنة عرضها السموات والأرض، فلذلك:
﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى﴾
الشاهد في قوله تعالى:
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ﴾
القلق من المستقبل انتهى، الخوف من الضياع انتهى، الخوف من زوال الدنيا انتهى، لأنه تتصل عند المؤمن نعم الدنيا بنعم الآخرة:
﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾
لا خوف عليهم غطت المستقبل بأكمله، وحتى نهاية الحياة، ولا هم يحزنون على ما مضى، لذلك أثر عن الصديق رضي الله عنه أنه ما ندم على شيء فاته من الدنيا قط، لذلك حيثما وردت مثل هذه الآيات:
﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون َ﴾
هذه الآيات تغطي الزمن كله، هذه الآيات تغطي ما مضى، لا هم يحزنون، وتغطي المستقبل، فلا خوف عليهم، فإذا تذكرنا آية مشابهة:
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، أي إذا اتبعت هدى الله عز وجل دقق أيها الأخ المشاهد لا يضل عقلك، ولا تشقى نفسك، ولا تندم على ما فات، ولا تخش مما هو آت، فماذا بقي من سعادة الدنيا والآخرة؟ الذي اتبع هدى الله عز وجل لا يضل عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخش مما هو آت.
مقومات السعادة :
الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى أودع فينا الشهوات، لكن ما أودع فينا هذه الشهوات إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسموات، ما من شهوة أودعها الله فينا إلا جعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، إذاً:
﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾
في المستقبل:
﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون َ﴾
على الماضي:
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
إذاً العقل لا يضل، والنفس لا تشقى، والمستقبل لصالحك، والماضي لا تندم عليه، هذه مقومات السعادة، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، إلا أن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل.
لذلك أيها الأخوة أنت حينما تقرأ هذه الآية:
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون َ﴾
ألا تشعر أنه لا بد من أن تنطلق من فورك إلى طاعة الله؟ إلى القرب منه؟ إلى عمل صالح تتقرب به إليه؟
أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الحقائق القرآنية والومضات القرآنية طريقاً لسلامتنا وسعادتنا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.