- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠16برنامج ومضات قرآنية - قناة بغداد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين.
النبي الكريم بشر و تجري عليه كل خصائص البشر :
أيها الأخوة المشاهدون؛ الآية اليوم هي قوله تعالى وهي دعاء لسيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، قال تعالى:
﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ ﴾
ما معنى منهم؟ أي من بني البشر، كل الخصائص التي أودعها الله في البشر هي في رسول الله، ولولا أنه بشر، وتجري عليه كل خصائص البشر، لما كان سيد البشر، لأنه انتصر على بشريته، وهو القدوة، قال تعالى:
﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ ﴾
ولن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لنا إلا إذا كان منا، من بني البشر، يعاني ما يعاني البشر، يتمنى ما يتمنى البشر، يخاف ما يخاف منه البشر، لأنه بشر تجري عليه كل خصائص البشر، كان سيد البشر، قال تعالى:
﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
الكون كله مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى :
الحقيقة الله عز وجل له آيات كثيرة، لكن بعض هذه الآيات هي آيات كونية، الكون كله ينطق بوجود الله، ووحدانيته، وكماله، فالكون من آيات الله الدالة على عظمته، الآن أفعال الله عز وجل آياته التكوينية، الكون آياته الكونية، وأفعاله آياته التكوينية، فإذا أهلك الله أمة فسقت وفجرت هذا من آياته التكوينية، وإذا أكرم الله أمة استقامت وارتقت هذا من آياته التكوينية، وهناك آياته القرآنية بمعنى أن آياته الكونية خلقه، وأن آياته القرآنية كلامه، وأن آياته التكوينية أفعاله، إ ذاً هذه الآيات كلها يمكن أن تكون قنوات نسلك بها طريق معرفة الله عز وجل، إذاً الآية الكريمة:
﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ﴾
لكن حينما جاءت كلمة:
﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ﴾
وبعد قليل:
﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
كأن الآيات هنا تنفرد بالآيات الكونية خلقه، فالكون كله مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، قال تعالى:
﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ﴾
فالقرآن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان، لذلك قال تعالى:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
هذه الآيات في الآفاق خلق السموات والأرض، هذه الآيات في الأنفس خلق الإنسان، هذه الآيات دليل لمعرفة الله عز وجل، والله عز وجل يقول:
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
من عرف الله تفانى في طاعته :
إذاً:
﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ﴾
هذا كأنه درس للدعاة، أنت حينما تدعو إلى الله، وتعرف بالله من خلال آياته الكونية، أنت ماذا تفعل؟ أنت بهذا عرفت الناس بالآمر، ثم جاء دور التشريع فعرفتهم بالأمر، فإذا عرفت الناس بالآمر ثم بالأمر ما الذي يحصل؟ تفانوا في طاعة الآمر، أما إذا عرفتهم بالأمر ولم تعرفهم بالآمر تفننوا في معصية الآمر، وكأني وضعت يدي على المشكلة الأولى في العالم الإسلامي، الأمر معروف تعلمناه في الدراسة في المدارس، التشريع، أحكام الزواج، أحكام الطلاق، أحكام الصلاة، أحكام الصيام، الحج، الزكاة، لكن أنت تصلي لمن؟ تطيع من؟ الآمر ينبغي أن نعرفه، لذلك بقي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة أعواماً طويلة يعرف أصحابه بالآمر، إنك إذا عرفت الآمر أولاً ثم عرفت الأمر ثانياً تفانيت في طاعة الآمر.
﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ﴾
الدالة على عظمتك، آيات كونية خلقه، تكوينية أفعاله، قرآنية كلامه.
كليات الدين في القرآن الكريم وتفاصيله في السنة المطهرة :
قال تعالى:
﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
قال بعض المفسرين: الحكمة هي الحديث الشريف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في كل أحاديثه وقد تزيد عن أربعمئة ألف حديث هي شرح بشكل أو بآخر للقرآن الكريم، فكأنك إذا قرأت الحديث فهمت القرآن، والقرآن هذا النص الأصيل الذي فيه كليات الدين، فكليات الدين في القرآن الكريم وتفاصيله في السنة المطهرة، إذاً:
﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ﴾
الكونية تعريفاً بالله، قال تعالى:
﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
القرآن الكريم، والحكمة أي السنة، إذاً هناك بنود كبرى ثلاثة؛ الكون والقرآن والسنة، قال تعالى:
﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾
من عرف الله و استقام على أمره أقبل عليه و اشتق منه كمالاً إلهياً :
الشيء الدقيق جداً أن هذا الإنسان إذا تعرف إلى الله ماذا ينبغي أن يكون من هذه المعرفة؟ إذا تعرف على الله، واستقام على أمره، وثق أن الله يحبه، إذاً يقبل عليه، إذا أقبل الإنسان على الله عز وجل اشتقت نفسه كمالاً إلهياً، هذه هي التزكية، أنت إذا أقبلت على الله بعد أن عرفته أقبلت على الله، بعد أن استقمت على أمره أقبلت على الله، بعد أن تقربت إليه بالعمل الصالح، من خلال هذا الإقبال على الله، والاتصال به، تشتق منه الكمال، هذا الكمال يجعلك على خلق عظيم، لذلك الفرق الكبير بين المؤمن و غير المؤمن الخلق، لذلك قالوا: الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين، إذاً:
﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾
بعد أن عرف الكتاب وطبقه، وعرف السنة وطبقها، وعمل الأعمال الصالحة اتصل بالله، اشتقت نفسه الكمال من الله عز وجل، إذاً:
﴿ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾
والله عز وجل يقول:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾
إذاً:
﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
أيها الأخوة الكرام؛ في هذه الآية التي شرحنا بعض معانيها أركان الإيمان، أولاً معرفة بالله من خلال الكون، ثم فهم لكتاب الله من خلال كليات الدين، ثم فهم للسنة المطهرة من خلال التفاصيل، وبعد ذلك النتيجة، هذه التزكية التي يتميز بها المؤمن عمن سواه.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه المعاني نافعة لنا جميعاً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.