- أحاديث رمضان
- /
- ٠16رمضان 1430هـ - الفوائد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
معرفة الله تعالى نوعان:
1 ـ معرفة إقرار وهي التي اشترك فيها الناس و هي معرفة لا تقدم ولا تؤخر:
أيها الأخوة الكرام، مع فائدة جديدة من فوائد كتاب الفوائد القيم لابن القيم رحمه الله تعالى.
هذه الفائدة تقول: معرفة الله تعالى نوعان، النوع الأول معرفة إقرار وهي التي اشترك فيها الناس , البر والفاجر , والمطيع والعاصي، كل أهل الأرض إلا قلة قليلة ممن عطلت عقلها تؤمن بالله:
﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾
إبليس آمن بالله رباً، قال ربي:
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
﴿ َأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) ﴾
إبليس آمن بالله خالقاً، قال:
﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12)﴾
هذه المعرفة التي هي مشتركة بين كل الخلائق معرفة لا تقدم ولا تؤخر، وكأن هذه المعرفة لا تحمل على طاعة الله.
من لم يستقم على أمر الله لا قيمة لإيمانه إطلاقاً:
الإيمان بالله من دون أن تلتزم، من دون أن تقف عند الحلال والحرام، من دون أن يراك حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، لا قيمة لها إطلاقاً وقد أُكد هذا كثيراً حينما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمَ وَلَا دِينَارَ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ يَأْتِي بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))
النقطة الدقيقة جداً أنك إن لم تستجب، إن لم تستقم، إن لم تلتزم، إن لم يراك الله حيث أمرك، ويراك حيث نهاك، فهذا الإيمان لا جدوى منه إطلاقاً والدليل:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) ﴾
لا بد من عمل صالح وفي هذا العمل الصالح استقامة على أمر الله.
2 ـ معرفة توجب محبة الله و تعلق القلب به و خشيته و الإنابة إليه:
معرفة الله نوعان ؛ نوع تسمى معرفة إقرار، وهي التي اشترك فيها جميع الناس البر والفاجر , والمطيع والعاصي، لكن المعرفة التي أرادها الله التي دفعنا إليها، التي طلبها منا، معرفة توجب الحياء من الله، توجب المحبة له، توجب تعلق القلب به، توجب الشوق إلى لقائه، توجب خشيته، توجب الإنابة إليه، توجب الأنس به، توجب الفرار من الخلق إليه، هذه المعرفة الخاصة الجارية على لسان القوم هي المطلوبة، معرفة تثمر طاعة، معرفة تثمر محبة، معرفة تثمر شوقاً، معرفة تثمر حياءً، فما لم يكن هناك نتائج إيجابية لهذه المعرفة، هذه المعرفة لا تقدم ولا تؤخر.
التفكر في آيات الله الكونية و القرآنية و التكوينية طريق الإنسان لمعرفة الله عز وجل:
أيها الأخوة، هذه المعرفة لها بابان واسعان، والحقيقة التي أقولها كثيراً، هناك آيات كونية، وآيات تكوينية، وآيات قرآنية، والآية الدالة على عظمة الله هذا الكون، فهو مظهر لأسماء الله الحسنى، وأفعال الله عز وجل فيها حكمة بالغة، لأن كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
وآياته القرآنية كرمه، آياته بشكل مطلق أنواع ثلاثة، خلقه نوع، وأفعاله نوع، وقرآنه نوع، آيات الكون ينبغي أن تتفكر بها، الدليل الأول:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: "الويل لمن لم يتفكر بهذه الآية".
أي طريق معرفة الله أن ترى صنعته، أن ترى حكمته، أن ترى علمه، أن ترى قدرته، أن ترى غناه، أنت حينما تتعرف على أسماء الله الحسنى تقبل عليه، تماماً كما لو أن طالب علم يتحرق على مسكن يؤوي إليه، بلغه أن محسناً كبيراً عنده بيت هيأه لطالب علم، هذه المعلومة تجعله ينطلق إلى هذا المحسن، هو طالب علم، وما عنده بيت، أحياناً المعلومة الدقيقة عن الله عز وجل تدفعك إليه، تدفعك إليه بكل ما تملك.
وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا: من معاني هذه الآية:
1 ـ حينما تعرف أسماء الله الحسنى تقبل عليه وتعرفه و ترضى بأفعاله:
لذلك:
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
أنت حينما تعرف أسماء الله الحسنى، تعرف صفاته الفضلى، تعرف كمالاته، تسعى إليه، تقبل عليه، تسأله وحده، تتوكل عليه وحده، تعلق الأمل عليه وحده، لا بدّ من أن تعرفه حتى تقبل عليه، لا بدّ من أن تعرفه حتى تستسلم لقضائه وقدره، لا بدّ من أن تعرفه حتى ترضى بقضائه وقدره، حتى ترضى بأفعاله، المعرفة هنا من أجل أن تنطلق إليه، الإنسان ينطلق إلى القوي، إلى الغني، إلى القدير، إلى الحكيم:
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
هذا المعنى الأول.
المعنى الثاني كيف تتقرب إلى الله ؟ تتقرب إلى الله بكمال مشتق من كماله، هو رحيم فأنت إذا رحمت من حولك يحبك الله:
(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))
هو عدل، فإذا كنت عادلاً بين أولادك، بين أصهارك، إذا كنت عادلاً حينما تحكم في موضوع إذا كنت منصفاً إنصافك هو قربة إلى الله.
2 ـ حينما تعرف أسماء الله الحسنى تقبل عليه بكمالات مشتقة من كمالاته:
المعنى الثاني:
﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
أي أقبلوا عليه بكمالات مشتقة من كمالاته.
النظر في أفعال الله عز وجل و التدبر في آياته:
أيها الأخوة، الباب الأول أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، الباب الثاني أن تنظر في أفعاله، قال تعالى:
﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
صناديد قريش، أقوياء قريش، زعماء قريش، سادة قريش، الأغنياء الأقوياء حينما وقفوا في وجه الحق أين مصيرهم ؟ إلى مزبلة التاريخ، الضعاف الشباب المؤمنون الذين آمنوا بالله عز وجل والتفوا حول رسول الله أين هم اليوم ؟ في السجل الذهبي للبشرية، نقول: سيدنا أبو بكر، سيدنا عمر، سيدنا عثمان، سيدنا علي، سيدنا طلحة، سيدنا ابن الزبير، فلذلك:
﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ﴾
هؤلاء الذين طغوا وبغوا ما مآلهم ؟ وفي التاريخ المعاصر هذا الذي هدم بيوتاً لا يعلمها إلا الله، وقتل أناساً بريئين، وهذه السنة السادسة لم يمت بعد:
﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
فأفعال الله ينبغي أن تنظر إليها، الباخرة العملاقة التي قيل عنها إنَّ القدر لا يستطيع إغراقها، غرقت في أول رحلة من رحلاتها، وتحمل على متنها نخبة أغنياء أوربا، قدروا ثمن الحلي بالمليارات، مدينة صنعت بشكل لا تحتاج إلى قوارب نجاة، لأنه بحدِّ زعمهم إن القدر لا يستطيع إغراقها، فارتطمت بجبل ثلجي، وانشقت شطرين، وغرقت، وسمعت خبراً قبل أيام أن آخر إنسان نجا من ركابها مات قبل يومين، إغراق هذه الباخرة فيها حكمة بالغة، فأنت مع خلق الله تتفكر، ومع أفعاله تنظر، ومع آياته تتدبر.
عطاء الله عز وجل ابتلاء و حرمانه دواء:
قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) ﴾
جاء الرد الإلهي بكلمة ردع ونفي، قال:
﴿ كَلَّا ﴾
أن يا عبادي ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني
دواء:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) ﴾
مصير المؤمن،
﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) ﴾
صليت الفجر في وقته، صليت الفجر في مسجد، كنت مستقيماً، كنت صادقاً، كنت أميناً، كنت مخلصاً، كنت متقناً لعملك.
على كل إنسان عندما يقرأ آيات القرآن الكريم أن يعرض نفسه عليها أين هو منها:
أيها الأخوة، هذه الأعمال تثمر العطاء الإلهي، إذاً معرفة الله عن طريق التفكر بآياته الكونية، والنظر بأفعاله، وتدبر آياته القرآنية، إذاً ولهذه المعرفة بابان واسعان باب التفكر والتأمل في آيات الله بأنواعها، والباب الثاني باب التفكر والتأمل في آياته المشهودة و تدبرها، أي لك أن تقرأ القرآن قراءة تعبد هذا شيء طيب، لكن لا بدّ من أن تقرأه قراءة متأنية، قراءة تدبر، أن تقف عند آية آية أين أنا منها ؟ الله عز وجل يصف المؤمنين:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ (2) ﴾
يا ترى أنت حينما تقرأ القرآن هل يضطرب قلبك ؟ هل تدمع عينك ؟ هل تتشوق إلى الله ؟ هل تعيش حالة راقية مع الله عز وجل ؟ فإذا قرأت هذه الآية ينبغي أن تعرض نفسك عليها أين أنت منها ؟ أنت مطبق لها، التدبر يعني أن تعرض نفسك على الآيات آية آية.
إغلاق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء:
1 ـ اشتغال الناس بالنعمة عن شكرها:
أيها الأخوة، أما الإنسان حينما لا يستقيم على أمر الله، لا يطيعه، لا يقبل عليه، لا يتوكل عليه، هناك أسباب ذكرها ابن القيم في كتابه الفوائد ـ رحمه الله تعالى ـ قال: أغلق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء: اشتغالهم بالنعمة عن شكرها. الله عز وجل قال في الفاتحة:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
الحمد موجود يرى هذه النعم، والكافر يرى هذه النعم، بل إن الكافر يستمتع بهذه النعم أضعافاً مضاعفة لكنه لا يعزوها إلى الله، لا يعبرها إلى المنعم، المؤمن يعبر النعمة إلى المنعم، استيقظ صباحاً، له جاهزية عالية، سمعه، بصره، قوته، يمشي، يتكلم، يأكل، يشرب، النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ يقول:
(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ ))
سمح لي أن أعيش يوماً جديداً:
(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي ))
سمعه، بصره، نطقه، حركته، أجهزته، قلبه، رئتيه، معدة، أمعاؤه:
(( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ ))
سمح لك أن تستيقظ كي تصلي، فالمؤمن ينتقل من النعمة إلى المنعم، ببيته زوجة الحمد لله، عنده أولاد الحمد لله، يحمل اختصاصاً معيناً يرتزق منه جيداً، يتقن صنعة، سمعته طيبة، ينتقل من النعمة إلى المنعم، فالمؤمن دائماً مع الله شاكراً، يا رب لك الحمد، الذي أغلق على الناس باب التوفيق اشتغالهم بالنعمة عن المنعم، ما رأوا المنعم رأوا النعمة، إنسان في الصحراء على وشك أن يموت جوعاً، وجد مائدة عامرة بما لذّ وطاب، أكل، ألا يقتضي أن يسأل من جاء بهذه المائدة ؟ من هيأها ؟ من قدمها لي ؟
2 ـ رغبتهم في العلم وتركهم العمل:
الآن رغبتهم في العلم , وتركهم العمل. العلم يعمل وجاهة، من تعلم العلم ليماري به السفهاء، أو ليجادل به العلماء، أو ليصرف وجوه الناس إليه، فليتجهز إلى النار، اشتغل بالعلم ولم يعمل به، اشتغل بالعلم ليحصل مكانة، الآن هناك ألقاب ؛ فلان دكتور، فلان رئيس قسم، فلان أستاذ ذو كرسي، لكن انشغل بالعلم، ومكانته، وعباراته، وألقابه، ولم يعبأ بتطبيقه، فلذلك السبب الثاني أنهم رغبوا بالعلم وتركوا العمل.
3 ـ المسارعة إلى الذنب و تأخير التوبة:
الآن: وسارعوا إلى الذنب وأخروا التوبة، مع أن الله عز وجل يصف المؤمنين بأنهم:
﴿ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ ﴾
يحدث عند كل خطأ توبة.
4 ـ الاغترار بصحبة الصالحين وترك الاقتداء بهم:
اغتروا بصحبة الصالحين، وتركوا الاقتداء بهم، شيء مألوف أن الناس يحبون العلماء، وضع جيد وطيب، لكن يدعوه، يمدحه، يثني على أخوانه، لكن لا يطبق منهجه، حياته الخاصة تختلف عن حياة العالم في بيته، في علاقاته، في ولائمه، في احتفالاته، في سفره، في إقامته، لكن يهمه إذا عمل عقد قران أن يكون فلان أحد المتكلمين، وإصراره عجيب على حضور العلماء فلان حضر، فلان حضر، يعتز بهم، شيء جيد، لكن أنت في واد وهم في واد، أي اغتروا بصحبة الصالحين وتركوا الاقتدار بهم.
5 ـ الحرص على الدنيا حرصاً لا حدود له:
الدنيا تدبر عنهم، الإنسان في سن الخمسين أو الستين يوجد خمسين علة بجسمه، وهو حريص على الدنيا حرصاً لا حدود له، الدنيا تدبر عنهم وهم يتعلقون بها، والآخرة تقبل عليهم، وهم معرضون عنها، والله بلغني عن إنسان بالثمانين أسس كازينو، ماذا بقي لك للقبر ؟ هذا وقت توبة، وقت صلة بالله، وقت أعمال صالحة، وقت إنفاق مال، فالذي يصر على الدنيا، فهذه الأشياء الست منعت عنهم التوفيق.
6 ـ ترك الرغبة فيما عند الله والرهبة منه:
لذلك هذا الوضع المتردي في الإنسان أصله ترك الرغبة فيما عند الله، والرهبة منه، لا هو راغب فيما عنده، ولا هو خائف منه، وأصل هذا ضعف اليقين، وأصل ضعف اليقين ضعف البصيرة، وأصل ضعف البصيرة مهانة النفس، أنت لا تعلم أنك المخلوق الأول، لأنك من بني البشر، إنك المخلوق الأول:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾
أيها الأخوة، أي الذي يتوهم أنه يعرف الله ولا يطيعه يعلم علم اليقين أنه لا يعرفه، فمن أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه، وأن تحبه ثم لا تطيعه.