- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠5إتحاف المسلم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
إلى ماذا ينصرف هذا الحديث ؟
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:
((مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ، ولا استَخْلَفَ مِن خَليفةٍ، إلا كانَتْ لَهُ بِطَانَتانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمعْرُوفِ، وَتَحُضُّهُ عليه، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ، وَتَحُضُّهُ عليه، والمَعْصُومُ مَنْ عَصمَ اللهُ))
نعرف في التاريخ, وفي الحياة الواقعية, أناساً كثيرين كانوا طيبين, إلا أن البطانة السيئة التي حولهم أهلكتهم, وأعرف أناساً ليسوا طيبين, ولكن البيئة التي أحاطت بهم, كانت طيبة فأنقذتهم.
فالبيئة لها دور خطير جداً في حياة الإنسان, والإنسان المؤمن يختار بعناية فائقة, هؤلاء الذين يعيش معهم, فكم من إنسان اتبع غافلاً فأرداه؟ قال تعالى:
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾
قال تعالى:
﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾
وهذا الذي يتولى أهل الدنيا, ويعيش معهم, ويقيم معهم علاقات حميمة, هذا الإنسان ربما هلك, وشقي في حياته الدنيا.
الإنسان إذا قرأت على رأسه كثيراً, وغذيته تغذية مستمرة, في النهاية يستجيب, قل له: أين رأسك ثلاث مرات؟ يضع يده على رأسه, التغذية لها أثر كبير جداً.
فإنسان تاب إلى الله, ما لم يغير من حوله, ما لم يختر أناساً آخرين؛ طيبين, طاهرين, يأمرونه بالخير, ويحضونه عليه, فإنه هالك.
الله عز وجل يقول:
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾
﴿لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾
لعل أحد أسباب فساد المسلمين: أنهم اختلطوا بأهل الدنيا, وعاشوا معهم, وتنزهوا معهم.
تجد إنساناً زوجته محجبة, واتجاهه الديني واضح, يجلس في مكان عام؛ غناء, وتقلت, واختلاط, وأحياناً: شرب خمر معهم, نقول له: هذا المكان ليس مكانك, التواجد المستمر مع أهل الدنيا, مع المنحرفين, مع العصاة, هذا يترك بصمات واضحة في حياة المؤمن.
من هو الصاحب الذي ينبغي أن تتخذه خليلاً, وما أثر الصحبة السيئة على دين المرء ؟
أيها الأخوة, مرة في دروس الطاووسية, أحد الحاضرين تأثر تأثراً بالغاً بالدرس, على خلاف الأصول, والعادة, والمألوف, وقف وقطع الدرس, وقال: نحن يا أستاذ, نسمع الدرس, نرتاح جداً, نذهب, ترجع أحوالنا القديمة, كل السرور نفقده في البيت, وفي عملنا, ما هو تفسير هذا الشيء؟ فالله ألهمني جواباً سريعاً, قلت له: غير الطقم, الطقم الذي تعيش معه, ينبغي أن تغيره, قلت: الطاولة حرام, اللعب فيها, هذه الطاولة حرام اللعب فيها, إذا لم تغير هؤلاء الذين حولك, انتقيت مؤمنين, صليت؟ لا, قم لنصلي, أمرك بغض البصر, المجلة ينبغي ألا تكون في عيادتك, هو نصحه, المجلة لا تليق فيك.
المؤمن ينصحك, يأخذ بيدك, والمؤمن حكيم, لا ينصحك أمام الناس, ينصحك فيما بينك وبينه.
فما لم يكن لك أصحاب مؤمنين, أطهار, أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام, أنا أسميهم: أمراء دعوته, وقادة ألويته, ومن سعادة الإنسان: أن يكون من حوله مؤمنين, من سعادة الإنسان: أن يصاحب من كان على شاكلته, إذا كان مؤمناً: يصاحب مؤمناً, إذا كان أخلاقياً: يصاحب أخلاقياً, إذا كان ورعاً: يصاحب إنساناً ورعاً على العكس.
((لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله, ولا يدلك على الله مقاله))
يجب أن تصاحب أعلم منك في أمر الدنيا, انظر إلى من هو أدنى منك؟ أما في أمر الآخرة: انظر إلى من هو فوقك؟ والصاحب -كما تعلمون- ساحب, وقل لي: من تصاحب, أقل لك: من أنت؟ والمؤمن دائماً يعين أخاه المؤمن, يتفقده, أما أهل الفجور, والضلال......
أنا بخلاف الدعوة, في حالات كثيرة من أخواننا, والله أخوان أكارم, طيبون, لكن التقوا صدفة بأشخاص من أهل الدنيا, صرفوهم عن الحق كلياً.
والله أعرف رجلاً, له من الأعمال الطيبة ما لا يصدق؛ ببناء مساجد, محترم جداً, سنه سن الوقار, بعمل تجاري شارك شخصاً, أعطاه كم فيلم, انحرف مئة وثمانين درجة.
فالإنسان يكون دقيقاً جداً في اختيار أصدقائه, واختيار أصحابه, ولما آمن, يحتاج إلى مجموعة جديدة كلياً من الأصدقاء الأوائل؛ إن استقاموا على شاكلته: فأهلاً وسهلاً, لم يستقيموا:
﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾
كلمة فراق: يجب أن يقولها المؤمن, لأنه في شيء اسمه: تسلل دون أن يشعر.
التغذية ذكية جداً, تأتي؛ نحن على سلامتك, نحن معك, يعطيه فكرة, إلى متى تبقى وراء الناس؟ ألا تتحرك؟ الناس كلها تفعل هكذا, أنت عندك أولاد, تبقى تعيش وراء الناس؟ تريد أن تحرم أولادك؟ يُمهد لك أن تأكل مالاً حراماً.
لما الإنسان يأكل مالاً حراماً, سقط من عين الله, وبكلمات واقعية؛ أنت محروم, أنت عندك أولاد, مثلك مثل الناس, هذه بلوة عامة, لا تدقق, أما لو صاحب مؤمناً, والله هو الغني:
﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾
فالمطلوب: أن الإنسان دائماً يكون مع الله, ويكون مع المؤمنين الصادقين, وهذا معنى قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾
إن أردتم أن تتقوا الله, يجب أن تكونوا مع الصادقين.
أنا لا أتصور: أن إنساناً يستطيع أن يتابع طريقه إلى الله, ومن حوله: فاسدون, ومن حوله: ضائع, من حوله: غارق بالدنيا, لأن هذا الفاسد: له لسان يتحدث به, لا يبقى صامتاً, والإنسان منطقي في الأعم الأغلب, يحاول أن يمرر أخطاءه, يحاول أن يعتمد على نص ضعيف, ويرفض نصاً قوياً, يحاول أن يطعن بالطاهرين المستقيمين, حتى يرتاح.
إذا الإنسان انحرف, اختل توازنه, يستعيده بحالتين؛ إما بالاستقامة, والصلح مع الله, وإما أن يستعيده؛ بأن يسفه أقوال الصالحين؛ إنهم كاذبون, لا تصدقهم.
فأحد المخاطر: أن تصاحب إنساناً شارداً, دائماً: يسفه لك أهل الإيمان, هو منحرف, ومختل توازنه, يستعيد توازنه بتسفيه أهل الإيمان, وهذا الشيء واضح جداً, لا يوجد إنسان محترم, مؤمن, إلا ويحاول أن يطعن؛ إما في عقيدته, أو في استقامته, أو في نواياه, بحيث يسقطه, يسقطه بدافع من الشيطان, وهو لا يدري؛ المتكلم: شيطان, المحرض: شيطان, فأنت إذا جلست مع أهل الدنيا, تقع في إشكال.
والنبي عليه الصلاة والسلام:
((لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ))
والجماعة رحمة, تشعر أن المؤمن هكذا, كم أخ من أخواننا, لهم جلسة أسبوعية؛ يوم الجمعة, أو يوم السبت, يتذاكرون في درس الجمعة, درس السبت, تجد: يقوي بعضهم بعضاً, يشحنون بعضهم, القوي يأخذ بيد الضعيف, الشارد يأخذ بيد الواصل, الواصل يأخذ بيد الشارد, إنسان أصابته مصيبة, تجد يصبرونه, لا يدفعونه لمعصية, هذا الحديث دقيق جداً.
أصغ السمع مرة أخرى إلى معاني هذه الأحاديث :
يقول عليه الصلاة والسلام:
((مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ، ولا استَخْلَفَ مِن خَليفةٍ، إلا كانَتْ لَهُ بِطَانَتانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمعْرُوفِ، وَتَحُضُّهُ عليه، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ، وَتَحُضُّهُ عليه، والمَعْصُومُ مَنْ عَصمَ اللهُ))
أحياناً: تجد ابنك, تكلم نغمة جديدة, كلاماً ضد الدين, الكلام هذا ليس منه, شخص بدأ يغذيه, أنت تعرف ابنك, ليس هذا كلامه, وقناعاته جيدة, ومقتنع بالمنهج الصحيح, فجأة بدأ يسمعك نغمة جديدة, النغمة هذه: قد أخذها من صديق منحرف, فالصديق خطير جداً؛ خطير على ابنك, وخطير على نفسك.
وفي حديث آخر:
((مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ، ولا كان بعده مِن خَليفةٍ، إلا كانَتْ لَهُ بِطَانَتانِ: بِطَانَةٌ تَأمُرُهُ بِالمعروف، وتَنْهَاهُ عن المُنكرِ، وبِطَانَةٌ لا تَألُوهُ خَبَالا، فَمَن وُقِيَ شَرَّهَا فقد وُقي))
.
ومرة الإمام الحسن البصري: كان عند والي البصرة, وجاءه توجيه يغضب الله عز وجل؛ فإن نفذه أغضب الله, وإن لم ينفذه أغضب يزيد, وربما عزله, عنده الحسن البصري, كان إمام التابعين, قال له:
((ماذا أفعل؟ -لو عند إنسان دنيوي؛ أنت عبد مأمور, أنت ليس لك شأن, الآن أكثر كلام الناس؛ إذا في أمر: في ظلم, أو أمر: في انحراف, يقول: أنت ليس لك شأن, أنت عبد مأمور, وهذا العمل عبادة, واتركهم, في رقبته إن شاء الله- قال: اعلم أن الله يمنعك من يزيد, ولكن يزيد لا يمنعك من الله))
أحيانا: تأخذ نصيحة قاطعة, نصيحة لا تقدر بثمن, إذا أنت أطعت الله, وأرضيته, يمنعك من يزيد, وإذا كان أغضبت الله عز وجل, الله أحب أن يؤدبك تأديباً شديداً جداً, يزيد لا يفعل معك شيئاً إطلاقاً.
والحديثان: الأول في البخاري, والثاني في البخاري, كلاهما في البخاري.
تصاحب زوجتك جارة, تغير كل نمطها, تركت الصلاة, تريها وضعها, زوجها؛ اختلاطهم, سرورهم, سهراتهم, احتفالاتهم, وهي في بيت طاهر, مستقيم, منضبط, ما في حركة خلاف الحق, ترى نفسها محروقة, تجد تغير وضعها كله.
فينبغي أن تعتني عناية بالغة جداً؛ بصديقات زوجتك, وبصديقات أولادك, وبأصدقائك, هؤلاء الذين تعيش معهم دائماً؛ من هم؟ ماذا يفعلون؟ ما مستواهم؟ عقيدتهم؟ استقامتهم؟ .
سيدنا عمر بن عبد العزيز, اتخذ مستشاراً أحد العلماء, قال له:
((راقبني, فإذا رأيتني ضللت, فأمسكني من تلابيبي, وهزني هزاً شديداً, وقل لي: اتق الله يا عمر, فإنك ستموت))
سيدنا عمر جالس مع أصحابه, شخص أحب أن يتقرب منه, قال:
((والله ما رأينا أفضل منك بعد رسول الله؟ فنظر إليه النظرة المخيفة, حدق فيهم, واحداً واحداً, -خافوا عمر, كان مخيفاً- إلى أن قال أحدهم: لا والله! لقد رأينا من هو خير منك؟ قال: ومن هو؟ فقال: أبو بكر -رضي الله عنه- فقال عمر: لقد صدقت, وكذبتم جميعاً, -اعتبر سكوتهم كذباً, شخص تكلم كلمة نفاق, سكوت الباقين كذب- والله كنت أضل من بعيري, وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك))
انظر النصوح؛ لا تغلط, فلان أحسن منك, فلان فعل كذا, مجتمع النفاق عجيب؛ يمدحونه الحاضر مدحاً غير معقول, يذمونه في غيبته .
فالإنسان لا يصاحب إنساناً من أهل الدنيا.
((لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ))
مسموح لك أن تقيم مليون علاقة عمل, ولو مع إنسان غير مسلم, علاقات العمل مسموحة, أما العلاقات الحميمة؛ شراكة, زواج, اندماج كامل, رحلة طويلة, سهرة للساعة الواحدة بالليل, يجب أن تكون مع المؤمنين الصادقين, مع الأطهار, مع المستقيمين.