- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠5إتحاف المسلم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
حقائق الإيمان و حلاوة الإيمان :
أيها الأخوة الكرام: في الإيمان حقائق, وفي الإيمان حلاوة, وبينهما بون شاسع, لو معك كتيب فيه صور سيارات؛ صورة خارجية, وصورة داخلية, وصورة للمحرك, بعض الميزات, والسرعة, والتسارع, والمكبح؛ معلومات دقيقة, وصور جميلة جداً, فأنت لو تصفحت هذا الكتاب مئات المرات ما ذقت حلاوة ركوب هذه السيارة, معلومات، هذه حقائق.
لو وضع أمامك خرائط لقصر؛ هذا الصالون, غرفة الضيوف, المدخل, الحديقة، شيء جميل, لكن أنت تسكن في كوخ, كم هي المسافة بين أن تطلع على خرائط القصر وبين أن تسكن القصر, وبين أن تطلع على صور السيارات وأن تقتني أحد هذه السيارات، هذه هي المسافة بالضبط بين حقائق الإيمان وبين حلاوة الإيمان؛ حقيقة الإيمان تحتاج إلى فكر, إلى مطالعة, إلى قراءة, إلى استماع؛ أما حلاوة الإيمان فلها طريق آخر.
يقول عليه الصلاة والسلام:
((ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان))
الذي يدفعك إلى الله, الذي يجعلك تضحي بالغالي والرخيص, والنفس والنفيس, الذي يجعلك تستقيم على أمر الله, وتحرص على طاعته حرصاً لا حدود له ليس حقائق الإيمان, بل حلاوة الإيمان؛ عشت في أجواء الإيمان, ذقت معنى القرب من الله عز وجل.
من ذاق معنى السعادة في طاعة الله زهد في الدنيا :
لذلك من أراد أن يندفع إلى الله بسرعة عالية جداً عليه أن يذوق حلاوة الإيمان, لا أن يكتفي بحقائق الإيمان, حقائق الإيمان أي إنسان مثقف, أوتي حظاً من العقل؛ اطلع, قرأ, استمع، يدرك حقائق الإيمان, لكن لو تفحصت سلوكه, وعمله, وبيته, لوجدته بعيداً عن الالتزام, مقتنعاً لكنه لا يطبق؛ لأنه عرف حقائق الإيمان, أما حينما تذوق حلاوة الإيمان تصبح إنساناً آخر.
الصحابة الكرام ذاقوا حلاوة الإيمان, فباعوا أنفسهم في سبيل الله, وقدموا لآخرتهم كل شيء, البارحة كنت في تعزية أحد الدعاة إلى الله، توفي بعد فترة طويلة من المرض, فذكرت في كلمة التعزية أن أهل الدنيا يموتون, يتركون كل شيء, بينما أهل الدين يموتون, يأخذون معهم كل شيء؛ له باع طويل في تعليم القرآن, فلذلك: حلاوة الإيمان غير حقائق الإيمان, هذه قضية مهمة جداً.
((من كُنَّ فيه, وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان مَن كان اللَّهُ ورسولُهُ أحبَّ إليه مما سواهما))
طبعاً كل إنسان يقول ذلك: الله عز وجل أحب إليّ من كل شيء, هذا كلام, لكن الحقيقة حينما تتعارض مصلحتك مع نص شرعي, تتعارض مصلحتك مع آية تحرم كسب المال الحرام, مصلحتك بهذا المبلغ الضخم, لكن فيه شبهة؛ من الذي يذوق حلاوة الإيمان؟ هو الذي يضع مصلحته تحت قدمه ويؤثر طاعة الله عز وجل, أكبر عطاء لهذا الإنسان يذيقه حلاوة الإيمان, الإنسان لماذا يعيش؟ ليسعد, لو ذاق معنى السعادة في طاعة الله لزهد في الدنيا.
من يضع تحت قدمه الأهواء و الشهوات يستحق أن يذوق حلاوة الإيمان :
(( مَن كان اللَّهُ ورسولُهُ ))
أي هناك نص قرآني, أو نص نبوي صحيح يحرم شيئاً, وهذا الشيء ألقى في روعه أنه كل سعادته, فيه يحل كل مشاكله؛ يشتري بيوتاً لأولاده, لا يوجد عنده مشكلة, لكن أكبر مشكلة أنه عصى الله عز وجل, حلّ كل مشاكله الدنيوية, وانقطع عن الله, يأتي المؤمن يقول: لا, أنا لا أضحي بهذه الصلة, وليكن ما يكن, الله عز وجل يكافئه بشيء غير مرئي, يكافئه بأن يذيقه حلاوة الإيمان، وحلاوة الإيمان شيء لا يوصف.
وازن بين صحابي وبين مؤمن عادي, هذا غير هذا؛ هذا فهم حقائق الإيمان لكنه لم يطبق شيئاً, ذاك الصحابي ذاق حلاوة الإيمان.
ذكرت البارحة في الخطبة أن الصور الإسلامية صارخة الآن؛ مساجد جميلة جداً, كتب، مكتبة إسلامية, شيء لا يصدق, يوجد مكتبة أشرطة الآن, مكتبة فيديو, مؤتمرات, لكن لا يوجد حلاوة إيمان؛ لأن هناك معاص, ما دام هناك معصية فلا يوجد حلاوة إيمان, الناس يعيشون حياة غربية, الشاشة نازعة عليهم كل حلاوة الإيمان, لم يعد عندهم حلاوة الإيمان إطلاقاً؛ لأنه دائماً محجوب عن الله عز وجل, المعاينة: معاينة إنسان فاسق, يعيش مع الفسقة في أدوارهم؛ فسق, وخيانات, وسقوط, الجو العام كله مسموم, وجو بُعد عن الله, وإطلاق بصره في الطريق، هذا كله حجبه عن حلاوة الإيمان, بقي حقائق الإيمان, يقول لك: أنا مسلم, خلفيتي إسلامية، أرضيتي إسلامية، لي نزعة إسلامية، كله صحيح, لكن لا يوجد حلاوة الإيمان؛ هذا أدق شيء في الحديث, هذه حلاوة الإيمان, حينما تضع تحت قدمك الرغبات, الشهوات, الأهواء, المصالح, عندئذ تستحق أن تذوق حلاوة الإيمان.
(( ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان مَن كان اللَّهُ ورسولُهُ أحبَّ إليه مما سواهما))
المعنى البسيط الساذج: كل إنسان يقول ذلك, لكن المعنى عند التعارض؛ عندما تتعارض مصلحتك مع نص شرعي وتؤثر النص الشرعي, وطاعة الله عز وجل, سيسمح لك أن يقربك منه, وأن يذيقك حلاوة الإيمان, وعندئذ تعرف ما هو الإيمان؟
المؤمن علاقاته أساسها المبدأ و العقيدة :
الشيء الثاني:
((ومَنْ أحبَّ عبداً لا يُحِبُّهُ إلا لله))
كل علاقاتنا الاجتماعية إما أنها شرعية, أو غير شرعية, أحياناً لك شخص قريب, بعيد عن الدين, لكنه غني, يهمك أن تزوره, وتلتقي معه, ويدعوك إلى طعامه, وشرابه, ويغدق عليك مما تفضل الله به عليه, وأنت تميل إليه بدافع مصالحك, ولك رجل قريب فقير جداً, لكن إيمانه كبير, لست مهتماً به, قلّما تزوره؛ أنت تبني علاقاتك على المصالح, أما ابنيها على الإيمان؛ وانظر ما سيحصل, أعرض عن هذا الغني, وصل ذاك الفقير تذوق حلاوة الإيمان, ابنِ علاقاتك ليس على أساس مصالح, وغنى, وفقر, بل على أساس إيمان.
((ومَنْ أحبَّ عبداً لا يُحِبُّهُ إلا لله))
لا يوجد محبة أساسها المصلحة, المحبة أساسها العقيدة, طبعاً:
((ومَنْ أحبَّ عبداً لا يُحِبُّهُ إلا لله))
أي الولاء والبراء؛ يكره الكفار ولو غمروه بالنعم, يحب المؤمنين ولو حملوه التعب، قد يكون المؤمن عبئاً عليك ومع ذلك تحبه, وقد يكون الكافر أغدق عليك نعماً كبيرة جداً فلا تحبه هذا الإيمان, أما القلب يميل مع العطاء, مع المصالح, أي بنى علاقته على أساس الإيمان, تجد العالم كله هكذا,مثلاً شخص وكيل شركة, يأتي المندوب فيضيفه خمراً, يعطيه كل رغباته, يقول لك: مصالحي معلقة معه, فالعلاقات أساسها المصلحة, أما المؤمن علاقاته أساسها المبدأ؛ يحب المؤمن, ويكره الكافر.
من أراد أن يذوق حلاوة الإيمان فلتكن مقاومته قوية أمام الشهوات :
الشيء الثالث: تلاحظ ملاحظة في الإنسان أنه يلتزم لكن مقاومته هشة, على الحرف، أحياناً ينتكس, يعود إلى ما كان عليه, أما هنا:
((ومن يكْرهُ أن يعودَ في الكفر ـ بعد أن أنقذه الله منه ـ كما يكرَه أن يُلقى في النار))
دخل في الأعماق, الحديث يكفي من أجل أن تذوق حلاوة الإيمان, عند التعارض تؤثر طاعة الله عز وجل.
ثانياً: علاقاتك أساسها: الولاء والبراء؛ الولاء للمؤمنين, والبراء للكافرين.
ثالثاً: أنت في الأعماق, فلو قطعت إرباً إرباً, لا تعود إلى ما كنت عليه, إذا كنت كذلك ذقت حلاوة الإيمان, أما إن لم تكن كذلك فالمشكلة كبيرة جداً, أنت مع خرائط القصر؛ مع الخرائط, مع الكتالوكات, لكن لا يوجد عندك سيارة, ولا يوجد عندك بيت, ما ذقت نعيم الإقامة في بيت مريح, ولا ذقت نعيم ركوب هذه المركبة الجميلة, لكن عندك معلومات عنها دقيقة, وصحيحة, وإذا تكلمت مشوقة, لكن أنت لا تملك هذه الأشياء، هذه هي المشكلة, العالم الإسلامي مقتنع, لكن لا يوجد تطبيق, لذلك محروم حلاوة الإيمان, لكنه متمتع بحقائق الإيمان, فنرجو الله سبحانه وتعالى أن يستدل على الطريق الذي يذوق من خلاله حلاوة الإيمان.