وضع داكن
03-07-2025
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 054 - الأدب مع رسول الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

أدب النبي عليه الصلاة السلام مع ربه :


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الرابع والخمسين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، وقد بدأنا في الدرس الماضي بمنزلة الأدب، وكان هذا الموضوع منشعباً إلى ثلاث شعب، الأدب مع الله، والأدب مع رسول الله، والأدب مع الخلق، تحدثنا عن الأدب مع الله عز وجل، وننتقل اليوم إلى الأدب مع رسول الله، الله عز وجل وصف أدب هذا النبي الكريم فقال: 

﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)﴾

[ سورة النجم ]

زاغ البصر انحرف، طغى تجاوز، فأدبه يتجلى في نظره، ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾ لم يلتفت جانباً ولم يتجاوز ما رآه، وهذا كمال الأدب، والإخلال بالأدب أن ينظر المرء عن يمينه وعن شماله، أو أن يتطلع أمام المنظور، فالالتفات زيغ، والتطلّع إلى ما أمامَ الأمامِ المنظور طغيان ومجاوزة. 
شيء آخر؛ من أدب النبي عليه الصلاة والسلام التوافق التام بين بصره وبصيرته:

﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)﴾

[ سورة النجم ]

أنت قد تــرى إنساناً بحالة مادية رائعة جداً فتغتر به، وينتقل إلى القلب تعظيم له، فإذا كان خارقاً لحدود الله، فكيف يتوافق تقييم القلب أي بصيرته مع تقييم العين المبهورة به؟ فمن كمال أدب الإنسان ألا تتناقض بصيرته مع بصره، إن رأيت شيئاً جميلاً فيه ترف شديد، وعلمت أن صاحب هذا الشيء على انحراف تام، ينبغي أن يدخل إلى القلب استصغار له على ما عنده من مظاهر الترف.
 

بطولة الإنسان أن يستخدم المقاييس التي يُقيّم بها الله عباده المؤمنين:


قد ترى ذكرت لكم من قبل كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام مرّ به رجل وهو بين أصحابه الكرام، فسألهم عنه، يبدو أن أصحابه الكرام رأوه غنياً كريماً معطاءً، فقالوا:

(( عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ: هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ ألا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَلا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَلا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا. ))

[ صحيح البخاري ]

فالبطولة أن تصل إلى رؤية تُقيّم الشخص لا وفق مقاييس البشر، بل وفق مقاييس خالق البشر، تقييم الشخص وفق مقاييس البشر، تُعظِّمه لماله، وتُعظّمه لجماله، وتُعظّمه لنواله، ولكن تقييم الشخص بمقاييس خالق البشر، تُعظّمه لعلمه، تُعظّمه لورعه، تُعظّمه لاستقامته، تُعظّمه لدعوته، تُعظّمه لإخلاصه، هذه بطولة أيها الإخوة، أن تستخدم المقاييس التي يُقيّم بها الله عباده المؤمنين، من هنا قيل: ابتغِ الرفعة عند الله.
 

ضرورة اتفاق البصيرة مع البصر:


﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ أي ما تناقضت البصيرة مع البصر، لو فرضنا أنك ذهبت لمحل تصليح مركبات في حيّ شعبي، المحل بارد، وفيه أدوات، وفيه أطيان، وفيه زيوت، وعمل شاق، وصاحبه مستقيم، ووفي، وصادق، وعمله متقن، وأجره معتدل، ودخلت إلى محل بأجمل أسواق المدينة، يبيع حاجات نسائية، وبهذا المحل يوجد نظرات، وهمزات، ولمسات، وكلام فاحش، وشباب يتطلعون إلى النساء الغاديات الرائحات، فإذا أُعجبت بهذا المحل التجاري بأناقته وجماله ونعومته، ولم تُعجَب بذاك المحل القاسي، فبصيرتك تختلف عن بصرك، يجب أن ينبع البصر من البصيرة، ينبغي أن ترى بحسب الحقيقة لا بحسب ما ترى، هذا معنى كما قال بعض العلماء: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ .
 

الأدب هو الدين كله:


أيها الإخوة؛ الأدب قال هو الدين كله، الدين كله أدب، ومن قال: لا حياء في الدين، لعله ذكرها على غير ما أرادوها، الدين كله حياء، النبي عليه الصلاة والسلام عندما قال: يا بنيتي! إن هذه الثياب الرقيقة تصف حجم عظامك، اختار كلمة لا يمكن أن تُثير شهوة، وأية كلمة أخرى تثير شهوة، فالنبي يتكلم بأعلى درجات الحياء، وامرأة سألته عن دم الحيض، قال:

(( تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا، فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا، حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ، ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا، فَقَالَتْ أَسْمَاءُ: وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا؟ َقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِينَ بِهَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَأَنَّهَا تُخْفِي ذَلِكَ تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ، وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَ: تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ، أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ، ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُؤُونَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ، وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ فِي هَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ، وَقَالَ: قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِي بِهَا وَاسْتَتَرَ. ))

[ صحيح مسلم ]

فكان عليه الصلاة والسلام أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، والدين كله حياء، وهذا الذي لا يستحي بعيد عن الدين، أنت تستحي بقدر إيمانك، والحياء من الإيمان، وورد في بعض الأحاديث الشريفة أن استحيوا من الله حقّ الحياء، قالوا: وما حق الحياء؟ قال: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر القبر والبِلى، فإن فعلت ذلك فقد استَحْييتَ من الله حقّ الحياء، فالأدب هو الدين كله، وإن ستر العورة من الأدب، والوضوء وغُسل الجنابة من الأدب، والتطهر من الخبث من الأدب، حتى تقف بين يدي الله طاهراً، فالدين كله أدب.
 

أركان الدين:


لذلك بعضهم يقسم الدين عقائد، وعبادات، ومعاملات، وآداب، في الدين أربعة أركان، عقائد وعبادات ومعاملات وآداب، ولا يغيب عن ذهنكم أن الأصل في الأشياء الإباحة، ولا يُحرّم شيء إلا بالدليل، وأن الأصل في العبادات الحظر ولا تُشرَّع عبادة إلا بالدليل، فإذا قلنا: الدين عقائد وعبادات ومعاملات وآداب، الآداب تاج يُتوَّج به المؤمن، حتى إن أصحاب النبي عليهم رضوان الله تعجبوا من أدب النبي عليه الصلاة والسلام، فقالوا: يا رسول الله! ماهذا الأدب؟ فقال: أدبني ربي فأحسن تأديبي ، والله عز وجل فيما يبدو يؤدب المؤمنين.
أحد إخواننا عنده معمل ملبوسات، يبيع بالجملة كميات كبيرة، فدخل لعنده شخص من رواد المسجد، طمع أن يبيعه بسعر معتدل، فقال له: أريد خمس قطع لأولادي، فصاحب هذا المعمل شعر أن هذا البيع فيه إهانة، هو يبيع أربعمئة دزينة، ما هذه الكمية أربع قطع فقط؟ فاعتذر قال: أنا والله لا أبيع بالمفرق، فهذا انكفأ وخرج من محله التجاري، لم يتكلم بكلمة، يقول لي صاحب هذا المعمل: والله ثلاثة وثلاثون يوماً لم يدخل لهذا المعمل زبون، قال لي: حتى جفّ دمي، فقلت: يا رب والله سأبيع قطعة واحدة بالمستقبل، الله أدبه، وعلى هذا فَقِس، الله يؤدب، تتكلم كلمة فيها تجاوز، يحجبك الله أو يفعل شيئاً يعلمك أن كلمتك خطأ، أحياناً الإنسان يعتد بنفسه، أحياناً يعتمد على ماله، رجل جالس بجلسة ماله كثير قال: كل شيء يُحلّ بالمال، قال: الدراهم مراهم، انزلق إلى تأليه المال وهو لا يشعر، وقع بمشكلة بقي بالمنفردة ثلاثة وستين يوماً، ويأتيه كل يوم خمسون خاطراً، هل تُحلّ هذه الأزمة بالمال؟ تفضل حلّها بالمال، فربنا أدبه، فأنت كلما ازداد إيمانك ازداد أدبك مع الله، لا تتكلم كلمة فيها تجاوز، الأدب مطلوب والدين كله أدب، وإذا قلنا: الدين عبادات وعقائد ومعاملات، الأدب تاج يوضع على رأسك.
 

الأدب عند النبي عليه الصلاة والسلام:


قال: النبـي عليه الصلاة والسلام ما رئي ماداً رجليه قط أبداً، من شدة أدبه مع أصحابه، هم أصحابه وأحبابه، ما رئي ماداً رجليه قط، كان إذا طرق باباً يعطي ظهره للباب، إذا سأل ابنته على موضوع زواج، يخاف أن تستحي منه يعطيها ظهره، ويقول: يا بنيتي إن فلاناً قد ذكرك، والحقيقة إذا الإنسان قرأ السيرة يرى من أدب رسول الله الشيء الكثير، الشيء الذي لا يصدق. 

  الأدب في الصلاة مع الله عز وجل:

 

1-ألا ترفع بصرك إلى الأعلى: 

قال: من الأدب في الصلاة ألا ترفع بصرك إلى الأعلى، هذا من الأدب، أن ترى مكان سجودك، إلا في حالة أن تكون في بيت الله الحرام، فمستحب أن تنظر إلى الكعبة، ومن كمال أدب الصلاة أن يقف العبد بين يدي ربه مُطرقاً خافضاً طرْفه إلى الأرض، ولا يرفع بصره إلى فوق. 

2-ألا يستقبل بيته الحرام ولا يستدبره عند قضاء حاجته: 

من الأدب مع الله ألا يستقبل بيته الحرام وألا يستدبره عند قضاء حاجته، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أيوب وسلمان وأبي هريرة وغيرهم، وقال بعض العلماء: إن هذا الأدب يعُمّ الفضاء والبنيان كما ذكرنا في غير هذا الموضع، إذا الإنسان كان يكسي بيتاً، يحاول ألا تكون دورة المياه باتجاه القبلة أو بعكس القبلة، شرقاً أو غرباً، الأكمل كما ورد هنا. 

3-السكون في الصلاة: 

من الأدب مع الله عز وجل السكون في الصلاة، لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه، الحركات الكثيرة، والتنحنح، وتغيير المكان، وتعديل وضع الرأس، وإصلاح الثياب، والله سمعت أن بعضهـم يرى ساعته في الصلاة، وبعضهم الآخر يعدّ دراهمه، هكذا سمعت، لكن لم أرَ، كلما كان الأدب مع اله  عالياً تقل الحركات في الصلاة، حتى إن بعض علماء التفسير قالوا: 

﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)﴾

[ سورة المعارج ]

بمعنى أنهم يخشعون في حركاتهم، أطرافهم دائمة على سكونها، وقد فرّق العلماء بين أمرين؛ بين الدوام على الصلاة وبين المداومة عليها، فالدوام على الصلاة سكون الأعضاء أثناء الصلاة، والمداومة على الصلاة هي الحفاظ عليها: 

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)﴾

[ سورة المعارج ]  

4-استماع القراءة: 

من الأدب مع الله عز وجل استماع القراءة، أن يلقي السمع وهو شهيد، أن يصغي، قال تعالى:

﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) ﴾

[ سورة الأعراف  ]

5-أن يستوي في الركوع وأن يُعظِّم الله تعالى: 

من الأدب في الصلاة مع الله عز وجل أن يستوي في الركوع، وأن يُعظّم الله تعالى، حتى لا يكون في قلبه شيء أعظم منه، سبحان ربي العظيم، وأن يتضاءل ويتصاغر في نفسه حتى يكون أقل من الهباء، كلما تصاغرت وعظمت الله عز وجل فأنت في صلاة، والمقصود من الأدب مع الله تبارك وتعالى هو القيام بدينه، والتأدب بآدابه ظاهراً وباطناً.    
 

الأشياء الثلاث التي لا يستقيم لأحد الأدب مع الله إلا بها:


قال بعض العلماء-وهذا شيء مهم جداً-: لا يستقيم لأحد الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء، بمعرفته بأسمائه وصفاته، أن تعرف أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى، فهذا من تمام الأدب مع الله عز وجل، وأن تعرفه بدينه وشرعه، وأن تعرفه فيما يحب وما يكره، أنت اقرأ القرآن، إن الله يحب الصادقين، كن صادقاً: 

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾

[ سورة البقرة ]

﴿ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107)﴾

[ سورة النساء ]

هي تقريباً عشر آيات أو أكثــر مع حذف التكرار طبعاً، فهناك عشر صفات يحبك الله بها، وهناك عشر صفات تقريباً لا يحبك الله بها، الطرق إلى الله سالكة، ورضاء الله عز وجل ضمن إمكانك، ومتاح لكل مؤمن أن يُرضي الله عز وجل، لكن إنسان قوي قد لا يتاح لك أن تراه في العمر مرة، أما الله عز وجل قال: 

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾

[ سورة الكهف ]


التوحيدان اللذان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما:


يوجد موضوع دقيق جداً أيها الإخوة، أرجو الله عز وجل أن يُمَكّنني أن أشرحه لكم بدقة، قال: هما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المُرسِل وهو الله، وتوحيد متابعة المُرسَل وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يُحاكِم إلى غير الله، ولا يرضى بحكم غيره، مرة جلست مع إنسان يرفض تزويج ابنته، فطُلِب مني أن أقنعه، ابنته في سنّ الزواج، ورفض والدها عشرة خاطبين جيدين لنزوة في عقله، فذكرت له: 

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)﴾

[ سورة الأحزاب ]

فأنت ينبغي أن ترضى بحكم رسول الله، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( عن أبي حاتم المزني: إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ. ))

[ الترمذي في سننه: حسن ]

والله ما استجاب، قال لي: لا، فلما أصرّ على ذلك نشأت مشكلة كبيرة جداً، مؤمن تسمع كلام رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى وتحيد عنه! ينفى عنه الإيمان كلياً: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ .

﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)﴾

[ سورة النساء ]

توحيد المُرسِل، وتوحيد متابعة المُرسَل، فلا يُحاكِم إلى غيره ولا يرضى بحكم غيره.
 

منزلق يقع به المريدون في حلقات الشيوخ:


دققوا الآن؛ ولا يقف تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه، أي إنسان له شيخ، جيد، سمع آية قرآنية أو حديثاً صحيحاً، يقول: حتى آخذ رأي شيخي في الموضوع، شيخك ليس له دور هنا، مع القرآن والسنة شيخك ليس له دور إطلاقاً، لا تستطيع أن تفكر بإنسان بعد أن جاءك النص الصريح الصحيح عن رسول الله، فكل إنسان يوقف تنفيذ أمر الله وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه، وذوي مذهبه وطائفته، ومن يعظّمه، فإن أذنوا له نفذه وقَبِل خبره، وإلا فإن طلب السلامة أعرضَ عن أمره وخبره، وفوضه إليهم، أو حرّفه عن مواضعه، وسمى تحريفه تأويلاً وحملاً، فقال: نؤوله ونُحمّله، هذا منزلق أيها الإخوة يقع به المريدون في حلقات الشيوخ، قرآن بين يديك، لا، حتى أرى رأي شيخي بهذه الآية، حديث صحيح ينهاك عن الغيبة وتغتاب أنت؟! حديث صحيح يأمرك بصلة الرحم وتقطع أنت رحمك إرضاءً لإنسان؟! هذه طامة كبرى في العقيدة، أنت أمام نص قرآني واضح جليّ قطعي الدلالة، أمام نص نبوي واضح جلي قطعي الدلالة، لا يمكن أن تأخذ رأي إنسان في هذا الموضوع، وإلا لا تعرف الله ولا تعرف رسوله.
أنا من عادتي إذا أراد إنسان مناقشتي بقضية، أقول له: إذا كنت تعتقد أن في الأرض كلها إنساناً أورع من رسول الله وقتي لا يتسع للجلوس معك، طريق مغلق، إذا كان هناك إنسان في الأرض كائناً من كان، مهما كان عظيماً في ذهنك، إذا كان هذا الإنسان في نظرك أورع من رسول الله، الذي سمح به النبي أنت تحرمه؟! أو الذي أمر به النبي أنت تقطعه؟! وتأتمر بأمر شيخك، أو أمر من تأخذ التوجيه من عنده، فأنت بعيد بعد الأرض عن السماء عن الإيمان.
 

لا اجتهاد في مورد النص:


لا يُسأل إنسان عن رأيه في آية قطعية الدلالة، أو حديث صحيح قطعي الدلالة، قال: فلأن يلقى العبد ربه بكل ذنب على الإطلاق ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بهذا الحال، هذا والله واقع، ولولا أنه واقع ما ذكرته، نص صريح، الله عز وجل يقول: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)﴾

[ سورة الحجرات ]

ترى بعض الأشخاص يغتابون بحرية تامة، وهم مرتاحون إرضاءً لزيد أو عبيد، أو ترى أناساً يغتصبون بيتاً، لأن معه فتوى من شيخه، الاغتصاب محرم، إذا كان هناك شيء محرم لا يوجد إنسان له رأي بالموضوع: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ أعطيكم أبلغ من ذلك؟ لو أنك احتكمت إلى رسول الله، وكنت لَسِناً، أي طليق اللسان، وأدليت بحجة قوية، والنبي حكم لك بناءً على فصاحتك وعلى إقناعك له، ولم تكن محقاً، والله الذي لا إله إلا هو لا تنجو من عذاب الله، هل هناك أبلغ من هذا؟ لو أن سيد الأنبياء والرسل حكم لك ولم تكن محقاً لا تنجو من عذاب الله،

(( عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: عن أم سلمة: إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلا يَأْخُذْهَا.  ))

[ صحيح النسائي]  

 

الامتثال لأوامر النبي من غير التفات إلى سواه:


أحد العلماء الكبار أراد أن يقنع شخصاً، يعتقد أنه يجب أن يرجع إلى شيخه ليأخذ رأيه في كل شيء، وهو أمام نص صريح، بيّن، واضح، قال: خاطبت يوماً بعض أكابر هؤلاء، فقلت له: سألتك بالله لو قُدِّر أن النبي عليه الصلاة والسلام حيّ بين أظهرنا، وقد واجهنا بكلامه وبخطابه، النبي بيننا، وحدثنا، وأمرنا ونهانا، أكان فرضاً علينا أن نتبعه من غير أن نعرضه على رأي غيره وكلامه ومذهبه أم لا نتبعه حتى نعرِض ما سمعناه منه على آراء الناس وعقولهم؟ لو أن النبي في دمشق، وتكلم لهؤلاء الناس، ورجل قال: أنا لا أعرف حتى آخذ رأي شيخي فيما قاله النبي، هل هذا ممكن؟ مستحيل، طبعاً الذي يناقشه أُحرج، قال: بل كان الفرض المبادرة إلى الامتثال من غير التفات إلى سواه. 
يروى ولا أدري مبلغ هذا من الصحة، أن النبي عليه الصلاة والسلام، طبعاً الحديث واضح: ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة إلا أخي أبا بكر، ما تردد، كان هناك صحابي صغير جداً، دعاه للإسلام فقال: سأسأل أبي ثم عاد، قال: الله حينما خلقني لم يسأل أبي، فأنا عليّ أن أعبده من دون سؤال، قال له: فما الذي نسخ هذا الفرض عنا؟ وبأي شيء نُسِخ؟ فوضع إصبعه على فيه، وبقي باهتاً متحيراً، وما نطق بكلمة.
 

أدب الخواص مع الله:


إذا أنت ممكن ترى نصاً للنبي الكريم صحيحاً في الصحاح، متفقاً عليه، واضحاً، لا يحتاج إلى تفسير، يأمرك أو ينهاك، وعلقت التطبيق لتأخذ رأي إنسان كائناً من كان، فأنت لا تعرف الله أبداً، هذا أدب الخواص مع الله، لا مخالفة أمره، والشرك به، ورفع الأصوات، وإزعاج الأعضاء بالصلاة عليه والتسليم، وعزل كلامه عن اليقين، وعن أن يُستفاد منه معرفة الله، أو تلقّي أحكامه منه، وجعل المعوَّل في باب معرفة الله لا على العقول المنهوكة، المتحيرة، المتناقضة، ولا على تقليد الرجال وآرائها، والقرآن والسنة إنما نقرؤها تبركاً، هذا ما حصل، يقرأ القرآن تبركاً، يقرأ السنة تبركاً، معه توجيهات خلاف الكتاب والسنة، مرتاح، يقرأ القرآن تبركاً، ويقرأ السنة تبركاً، أما يتحرك وفق توجيهات إنسان يُعظمه تعظيماً شديداً وقد تكون هذه التوجيهات مخالفة للكتاب والسنة، أما الصواب أن نتلقى أصول الدين من الكتاب والسنة، ومن طلب غير ذلك ورامه عاديناه، وسعينا في قطع دابره، واستئصال شقفته، دقق في هذه الآية الكريمة: 

﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72)﴾

[ سورة المؤمنون ]

معك القرآن، الآيات واضحة، معك السنة الواضحة، ينبغي أن تبادر إلى تطبيق الأمر والنهي، دون أن تُعلِّق هذا التطبيق على أحد.
قال: الناصح لنفسه، العامل على نجاتها، يتدبر هذه الآيات حقّ تدبرها، وتأملها، ويُنزلها على الواقع فيرى العجب، ولا يظنها اختصّت بقوم كانوا فبانوا، فالحديث لك واسمعي يا جارة والله المستعان.
 

من الأدب مع رسول الله عليه الصلاة والسلام:

 

1-ألا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي: 

أيها الإخوة، ومن الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي، أي تعرض آراء أمامه في حياته خلاف سنته:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)﴾

[ سورة الحجرات ]

ألا تقدم أمراً لا نهياً ولا تصرفاً ولا ما شاكل ذلك، قد يتوهم بعضهم أن هذا الأمر مقيد بحياة رسول الله، قال بعض العلماء: هذا الأمر باق إلى يوم القيامة ولا ينسخ، فالتقدم بين يديه في حياته كالتقدم بين يدي سنته بعد وفاته، التقدم بين يديه في حياته لا فرق بينه وبين التقدم بين يدي سنته بعد مماته، قال بعض العلماء: لا تفتئتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو عبيدة: تقول العرب: لا تُقدِّم بين يدي الإمام وبين يدي الأب، أي لا تعجلوا بالأمر والنهي دونه، وقال غيره: لا تأمروا حتى يأمر، ولا تنهوا حتى ينهى. 

2-ألا ترفع صوتك فوق صوته: 

من الأدب معه ألا ترفع صوتك فوق صوته، فإنه سبب لحبوط الأعمال، فما الظن برفع الآراء، رفع الصوت العادي يُحبط العمل، كيف أن تأتي برأي فوق سنته؟ يقول لك: السنة مقيدة بعصره، سنة النبي فهم مرحلي بالقرآن، مرحلي، عندما كان العرب تحت الخيام وفي الصحراء فَهْم النبي للقرآن يتناسب مع عقول هؤلاء البسطاء، أما الآن لابدّ من فهم عصري لهذا القرآن، أنت لم ترفع صوتك فوق صوته في حياته، رفعت رأيك المخطئ فوق سنته بعد مماته. 

3-ألا يجعل دعاءه كدعاء غيره: 

قال: ومن الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يجعل دعاءه كدعاء غيره، قال تعالى: 

﴿ لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)﴾

[ سورة النور ]

قال: هذه الآية فيها قولان؛ الأول: أي لا ينبغي أن تدعوه باسمه كما يدعو بعضكم بعضاً، بل قولوا: يا رسول الله، يا نبي الله، لابدّ من أن تقول: يا رسول الله، يا نبي الله، أما يا محمد، هذا دعاؤكم له كدعاء بعضكم بعضاً.
والثاني: لا تجعلوا دعاءه لكم بمنزلة دعاء بعضكم بعضاً، إن شاء أجاب وإن شاء ترك، بل إذا دعاكم لم يكن لكم بد من إجابته، ولم يسعكم التخلف عنه البتة، فعلى هذا المصدر لا تجعلوا دعاءه كدعاء بعضكم بعضاً، إذا كان بعضكم دعا بعضاً نجيب أو لا نجيب، إنسان دعاك تعتذر لأنك لست متفرغاً، أما إذا دعاك النبي ولو بعد موته إلى عمل ينبغي أن تلبيه.  

4-عدم انصراف أصحابه إذا كانوا معه حتى يستأذنوه: 

من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم إذا كانوا معه على أمر جامع من خطبة أو جهاد أو رباط لم يذهب أحد منهم مذهباً في حاجته حتى يستأذنه، كما قال تعالى: 

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)﴾

[ سورة النور ]

فإذا كان هذا مذهباً مقيداً بحاجة عارضة لم يوسَّع لهم فيه إلا بإذنه فكيف بمذهب مطلق في تفاصيل الدين؟ في أصوله وفروعه؟ دقيقه وجليله؟ إنسان يتصرف من تلقاء ذاته، دون أن يستأذن رسول الله، الرسول انتقل إلى الرفيق الأعلى، استئذانه في حياته أن تسأله، واستئذانه بعد مماته أن ترجع إلى سنته، هكذا فعل النبي؟ استئذانه بعد موته أن ترجع إلى سنته، وأن تهتدي بها، لا أن تفعل شيئاً دون أن تأخذ رأيه أو إذنه.  

5-ألا يستشكل قوله بل تستشكل الآراء لقوله: 

قال: ومن الأدب معه ألا يستشكل قوله بل تُستشكل الآراء لقوله، أنت قرأت مقالة، وجدت الحديث يتناقض مع المقالة انزعجت، يجب عليك إن قرأت مقالة علمية على خلاف حديث نبوي تنزعج على المقالة، وليس على الحديث، الناس ينزعجون إذا كان هناك حديث شريف لا يوجد في العلم شيء يؤيده، يتضايق، لا، يجب ألا تستشكل قوله، يجب أن تستشكل الآراء لقوله، لا يُعارَض نصه بقياس بل تهدر الأقيسة وتُلقى لنصوصه، لا يُحرّف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولاً، بل ينبغي أن نأخذ قوله على أنه حقيقة، هو الأصل.
الإنسان عندما يكون علمانياً، إذا رأى بالعلم شيئاً، إذا رأى بالإسلام شيئاً يطابق العلم يفرح، هذا خطأ، يجب إن رأيت في العلم ما يطابق دينك يجب أن تفرح للعلم، الدين هو الأصل، فإذا العلم وافق الدين، جيد، إذا لم يوافقه اركله بقدمك، أما العلم مستحيل أن يناقض الدين، لأن الدين هو وحي الله، والعلم قوانين الله عز وجل، قننها في كونه، لكن يناقض الدين نظرية علمية، وليست حقيقة علمية، يناقض العلم نص موضوع، لا نص صحيح، أو نص صحيح مؤول تأويلاً غير صحيح، فالنص الصحيح المؤول تأويلاً غير صحيح، أو النص الموضوع يناقض العلم، والنظريات التي لم تثبت بعد تناقض الدين، أما العقل الصريح والعلم الصحيح لا يمكن أن يناقص النص الصريح، أبداً، وفي درس قادم إن شاء الله ننتقل إلى الأدب مع خلق الله.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور