- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
تمهيد :
أيها الإخوة الكرام؛ الدرس اليوم: أحاديث مختارة من الكتب الصحيحة في موضوع واحد, ألا وهو اتباع الهوى، فمن أخطر ما يهلك الإنسان أن يتبع الهوى، قال تعالى:
﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ
أكبر عدو للإنسان هواه: إن اتباع الهوى هوان، من هوى فقد هوى.
1- أكبر عدو للإنسان الجهل.
2- وثاني أكبر عدو الهوى.
فلذلك: هناك أحاديث شريفة صحيحة كثيرة, تزيد عن خمسين حديثاً في الكتب الصحيحة, كلها تحذر المؤمن من اتباع الهوى، يعني الجهل يسبب هلاك، واتباع الهوى يسبب هلاك.
الجهل والهوى:
مثلاً: قد تجد طبيباً يدخن, أن تقول: لا يعلم، والله هو أعلم الناس بمضار التدخين.
ما الذي أهلكه؟!.
لم يهلكه جهله, هو عالم, ويعلم تماماً أن الدخان يسبب أمراض كثيرة ومميتة.
بدءاً من السرطانات, مروراً بتضييق الشرايين، إلى موات الأعضاء, إلى آخره ........
ومع ذلك يدخن!!!.
فإذا أصيب بمرض عضال من التدخين، هل نقول أرداه جهله؟.
لا... هو أعلم الناس بمضار التدخين، هذا أرداه هواه.
فإما أن يهلك الإنسان لجهل، أو أن يهلك باتباع الهوى، فلذلك:
ثاني أكبر خطر يهدد المؤمن اتباع الهوى، ومشكلة اتباع الهوى أنه يوجد أهواء صغيرة إن اتبعتها توسعت، فقد يخطط الإنسان أنا أفعل هذه فقط، ليس باختياره أن يبقى في هذه، هذه تنقله إلى أكبر منها, وإلى أكبر منها، وفجأةً يجد نفسه في القاع.
هذه سماها القرآن الكريم خطوات الشيطان.
ينقلك من خطوة إلى أكبر، من خطوة إلى أخرى، لذلك المؤمن يحتاج حزم، إلى قوة في الدين، تساهل في هذا اللقاء فيه اختلاط، اللقاء الثاني صار عليه حجة, يقال له: أما جلست أنت في اللقاء الأول، لا يستطيع أن يرفض, لأنه تساهل في أول لقاء في الاختلاط, ضعف موقفه، والطرف الآخر أصبح أكبر منه، كان في اختلاط محشوم، ثم صار الاختلاط غير محشوم، ثم خلوة، يكون على علم بالمحرمات، إذا هو فجأةً وقع في الفواحش المحرمة، إن اتباع الهوى هوان.
أحاديث تتعلق بمراقبة النفس وعدم اتباع هواه.
الحديث الأول: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت...
في الحديث الصحيح:
(( عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ, وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ, وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا, وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ))
أيها الإخوة؛ العاقل هو الذي عرف الله، أما التفوق في اختصاص، في حرفة بدرجة علمية، بمهارة يدوية, هذا اسمه التفوق, اسمه ذكاء، ما كل ذكي بعاقل، لا يسمى الإنسان عاقلاً إلا إذا عرف الله، ولا يسمى عاقلاً إلا إذا عمل للآخرة، ولا يسمى عاقلاً إلا إذا دان نفسه، ولا يسمى عاقلاً إلا إذا سيطر على أهوائه، ولا يسمى عاقلاً إلا إذا ألجم نفسه.
الحديث الثاني: ليس الشديد بالصرعة....
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه, قَالَ: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ, إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَب ))
هذا الحديث معروف, ومألوف، ومطروق على مسامعكم جميعاً، ولكن الأشياء المحكمة ينبغي أن نركز عليها.
الحديث الثالث: قلنا لعلي أخبرنا بشيء أسره رسول الله إليك.....
(( عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْنَا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَخْبِرْنَا بِشَيْءٍ أَسَرَّهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا أَسَرَّ إِلَيَّ شَيْئًا كَتَمَهُ النَّاسَ, وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ, وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا, وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ, وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ تخوم الأرض, يعني الْمَنَارَ ))
في الإسلام لا يوجد خصوصيات، في الإسلام لا يوجد كلام لا يلقى على عامة الناس، حتى من أغرب الأحكام الفقهية.
أي مسجد يسع مئة ألف في دمشق؟. الأموي.
ما بين حرمه وصحنه, يسع مئة ألف مصل، هذا المسجد لو وقف على منبره أعظم الخطباء، وله أبواب، إذا أغلقنا أبوابه وأرتجناها, فالخطبة باطلة، والصلاة باطلة، في الإسلام لا يوجد شيء مغلق, كله مفتوح، كلام لا يلقى على عامة الناس، شيء متداول داخلياً، ممنوع أن يصرح به، هذا ليس في الإسلام إطلاقا.
فلو أن خطبةً من أروع الخطب, ألقيت على مئة ألف مصل، والباب مرتج, فالخطبة باطلة، والصلاة باطلة، وعلى المصلين أن يعيدوا صلاتهم، لماذا؟!.
لأن هذا الدين دين الله، دين لكل الخلق، دين يتسع للخلق جميعاً، فلذلك: قَالَ:
الحديث الرابع: أنزلوا الناس منازلهم....
(( عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ, أَنَّ عَائِشَةَ مَرَّ بِهَا سَائِلٌ, فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً, وَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ, عَلَيْهِ ثِيَابٌ, وَله هَيْئَة, فَأَقْعَدَتْهُ فَأَكَلَ, فَقِيلَ لَهَا فِي ذَلِكَ, فَقَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ ))
لا أن يُعبَدَ الرجل من دون الله، لا أن يُعظم تعظيماً يفوق كل تقدير، النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا جلس يجلس حيث ينتهي به المجلس.
الحديث الخامس: قال له هون عليك فإني لست بملك....
(( عقبة بن عمرو رضي الله عنه قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ, فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ, فَقَالَ لَهُ: هَوِّنْ عَلَيْكَ, فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ, إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ ))
النبي عليه الصلاة والسلام حينما قالت له السيدة عائشة:
لما جاء أخو أبي العاص زوج ابنته زينب، معه قلادة, أرسلته إليه ابنته زينب, لتفدي بها زوجها، بكى النبي عليه الصلاة والسلام، ابنته ترسل أخا زوجها بقلادة أهدتها إليها أمها السيدة خديجة عند زفافها، فقال عليه الصلاة والسلام:
سمعت عن إنسان مبتدع, ألف كتابًا أساء إلى هذا الدين إساءة بالغة، إن في عقائده، وإن في عباداته، والكتاب راج، لأنه تملك أهواء الناس، ليس العتب على المؤلف، إلا أنني عتبت على أحد الدعاة، دخل عليه وإخوانه أمامه, فقام له، ووضعه إلى جنبه، وأثنى على علمه، وذكائه، ومؤلفه، هذا مبتدع؛ لا ينبغي أن تعظمه، لا ينبغي أن تبجله، لا ينبغي أن توهم الناس إنه إنسان عظيم.
الحديث السادس: من أحدث في أمرنا هذا....
(( عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ))
(( وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا, وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ, وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ, وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ))
﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)﴾
هكذا فهمت الآية، هذا مبتدع، لم تأكل الربا؟ يقول: الربا كان في عهد رسول الله ربا استهلاكي، وهذا ربا استثماري، هذا مبتدع, غير في دين الله، أحل الربا، لمَ تسمع الغناء؟ يأتيك بحديث ضعيف أو موضوع يجيز الغناء، لمَ تفعل كذا وكذا؟ يأتيك بحديث دليله ضعيف، هذا مبتدع، والمبتدع لا ينبغي أن تعظمه، ولا أن تبجله، ولا أن تقدره، لأنك عندئذٍ توهم الناس أنه على حق.
نحن عندنا كلام يقال دائماً: لبق، قد لا يصلي، يقول لك: مرن، لبق، اجتماعي، رقيق الحاشية، لطيف العبارة، متحدث، ذكي، وقد يكون ماله حرامًا، قد يكون تاركًا للصلوات الخمس، قد يكون تاركًا للفرائض، قد يكون مبتدعًا.
أنا أشد ما أتألم, حينما أكون في عقد قران، يقف هذا الخطيب, فيثني على هاتين الأسرتين المتصاهرتين العريقتين، والحاضرون جميعاً يعلمون من هو الشاب الخاطب؟ وما أخلاقه؟ وما التزامه؟ فإذا تكلم هذا الداعية كلاماً غير صحيح، وأثنى على العروس ثناءً غير صحيح, ضعضع مكانته أمام الناس.
حينما استخلف سيدُنا الصديق عمرَ بن الخطاب، وحينما لامه بعض أصحابه على هذا الاستخلاف، قال:
يقول لك: والدي دقة قديمة، أبي لا يعرف، جاهل، هذا من الكبائر، لأنه سبب وجوده.
كثير من الحالات: إنسان وصل إلى مكانة رفيعة في المجتمع، وله أب دين, صالح، وملتزم، لكنه على غير نمط ابنه، فالابن يطعن في أبيه, من أجل يتجمل أمام الناس.
إذاً:
أنا أتمنى على إخوتنا الكرام؛ أن يعرفوا ما الكبائر؟ لعلنا في دروس قادمة إن شاء الله, نقف عند الكبائر، الكبائر هذه مهلكة، لأنه يوجد أشياء كثيرة, نعدها من الصغائر، وهي من الكبائر، فالإنسان حري به أن يعلم الكبائر, لأن الكبائر مهلكة، الكبائر حجاب بينك وبين الله، قال تعالى:
﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (31)﴾
أما النقطة الدقيقة: أنه لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار، لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا في دروس قادمة في موضع الكبائر، نتحدث عن الكبائر كبيرةً كبيرة، وسوف تفاجؤون أن هناك من الأعمال ما يعده عامة المسلمين من الصغائر، وهي من الكبائر، وقد يسأل أحدهم: لا أجد في صلاتي حلاوة, لأنه متلبس في كبيرة وهو لا يدري، قد يكون مبتدع، قد يكون مرتكبَ ذنب يتوهمه صغيراً، وهو عند الله كبير، والدليل: حديث الإفك, ماذا قال الله عنه؟ قال تعالى:
﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ
البطولة: أن تتطابق رؤيتك للشيء مع تقييم القرآن له، هذه البطولة، الخطر الكبير والجهل الجاهل، والوهم الخطر: أن ترى شيئاً بحجم غير حجمه في القرآن الكريم، لذلك المنافق يرى ذنبه كذبابةٍ يدفعها عن وجهه، أما المؤمن فيرى ذنبه كجبل جاثم على صدره، فإذا استصغر الإنسان ذنبه فذنبه كبير، معنى ذلك: أن رؤيته للشيء اختلفت مع تقييم الله له في القرآن والسنة.
الحديث السابع: من أراد أن يكرم دينه....
وقد ورد في بعض الأحاديث الصحيحة عن عبد الله بن مسعود، هذا الحديث لعبد الله بن مسعود، وهذا اسمه مقطوع، يوجد عندنا مقطوع، وموقوف، ومرفوع، المرفوع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، والموقوف على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقطوع عن التابعين.
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُكْرَمَ دِينُهُ, فلا يَدْخُلْ عَلَى السُّلْطَانِ, وَلا يَخْلُوَنَّ بِالنِّسْوَانِ, ولا يُخَاصِمَنَّ أَصْحَابَ الأَهْوَاءِ ))
يعني لا تدخل على السلطان، ولو قلت: آمره وأنهاه، ولا تخلون بامرأة, ولو قلت: أعلمها القرآن، حينما يخاصم الإنسان صاحب الهوى تهبط مكانته، لأن صاحب الهوى لا يناقش، وإذا ناقشته لم تفلح، ما ناقشني جاهل إلا غلبني، ولا ناقشت عالمًا إلا غلبته.
يوجد طرفة: إنسان عنده دابة, يعمل عليها، يحمل عليها حوائج الناس، ويعيش من هذا الرزق، ماتت، ماذا يفعل؟ من أين يأكل؟ كيف يعيش؟ دفنها وأقام عليها قبة, وسماها باسم ولي من الأولياء.
الناس بدؤوا يزورون هذا المقام، ويقدمون له الهدايا، عاش في بحبوحة كبيرة، هو في حال آخر صار، هذا الإنسان الذي يعيش من خلال هذه الخزعبلات: هل يمكن أن تقطع أن المدفون هنا حمار؟ هو دفنه بيده، وقناعته: أن المدفون في هذا المكان مثلاً دابة أشد من قناعة الذي يناقشه, هل يعترف؟ صاحب الهوى لا يعترف، المنتفع لا يعترف, الغبي لا يعترف، لذلك لا تناقش صاحب الهوى, لأنه إلهه هواه منتفع بالهوى، من الذي أهل أن تناقشه؟ الإنسان الحر الذي يبحث عن الحقيقة، الذي يبحث عن الحقيقة, هذا يحاور، ويناقش، ويعاون، أما إنسان صاحب أهواء, فمنتفع انتفاعًا كبيرًا بشيء، ويغطيه بخرافة, أو ببدعة، أو بإيهام، هذا لا يناقش، لذلك:
﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) ﴾
يوجد عندك حاسة سادسة، هذا الإنسان مفكر صادق، يبحث عن الحقيقة، قدم له روحك، أما إنسان مغموس في أهوائه، وشهواته، ويكذب, ويدجل، أنت أرقى من أن تناقشه،
إخواننا الكرام؛ المؤمن لا يتحرك إلا على بصيرة، لا يجلس إلا في مكان ينفع الناس فيه، لا يجلس إلا في مكان إلا يقدم النفع للناس، إلا أنه كثير من اللقاءات غير مجدية، غير نافعة, فيها ضلال، فيها زيغ، فيها انحراف، فيها معصية، فيها لغو، غيبة، نميمة، اختلاط، انحراف، لا تجلس إلا مجلساً يليق بك، لا تصاحب إلا مؤمناً، لا يأكل طعامك إلا تقي، لا تنطق إلا بالحق، لا تنظر إلا لتعتبر، لا تتحرك إلا لتخدم الناس، أما التحرك العشوائي, هذا شيء لا يليق بالمؤمن، قال تعالى:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)﴾
أنا دائماً أكرر وأقول: لا تنس لعبة شد الحبل, إذا كان في مجلس أمكنك أن تشدهم إليك فاجلس معهم، لك هيبةً عندهم كن معهم، أما إذا أمكن أن يشدوك إليهم, إلى ضلالتهم، إلى انحرافهم، إلى لغوهم, إلى مجلس الباطل عندهم, ابتعد عنهم.
لذلك الإمام الغزالي في الإحياء, عقد بابين رائعين: العزلة والخلطة, متى ينبغي أن تعتزل الناس؟ ومتى ينبغي أن تخالطهم؟ إذا خالطتهم وأخذت بيدهم إلى الله فخالطهم، أما إذا خالطتهم وأخذوا بيدك إلى الشيطان فابتعد عنهم، هذا المقياس عندك،
كثير من الإخوان؛ ذهبوا إلى بلاد الغرب, يوجد مساجد كثيرة, كلها بدع, أفكار منحرفة, يوجد نبي بعد رسول الله, عاش في الهند مثلاً, يحرمون, ويحللون، ويبيحون، فكل إنسان قبل أن تدخل إلى هذا المسجد، قد يكون في بدع خطيرة، عقائد زائغة جداً, فلا ينبغي أن تنساق مع هذه العقائد الزائغة، وحدثنا الأعمش قال:
تنبيه:
أنا بدأت الدرس بهذه المقدمة, وأحب أن أعيدها على أسماع الإخوة الذين جاؤوا متأخرين:
أول عدو للإنسان الجهل.
إلا أني ضربت مثل: الطبيب الذي يدخل: هل هو جاهل في مضار التدخين؟ ما الذي حمله على التدخين؟ هواه، اتباع الهوى.
إذاً صار في عدوين: العدو الأول الجهل، والعدو الثاني اتباع الهوى.
فالإنسان يأخذ من الجهل, أو من اتباع الهوى، قال تعالى:
الحديث الثامن: إنك في زمان كثير فقهاؤه قليل قراؤه....
(( عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لإِنْسَانٍ: إِنَّكَ فِي زَمَانٍ, كَثِيرٌ فُقَهَاؤُهُ, قَلِيلٌ قُرَّاؤُهُ, تُحْفَظُ فِيهِ حُدُودُ الْقُرْآنِ, وَتُضَيَّعُ حُرُوفُهُ, قَلِيلٌ مَنْ يَسْأَلُ, كَثِيرٌ مَنْ يُعْطِي, يُطِيلُونَ فِيهِ الصَّلاةَ, وَيَقْصُرُونَ فيه الْخُطْبَةَ, يُبَدُّونَ أَعْمَالَهُمْ قَبْلَ أَهْوَائِهِمْ, وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ, قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ, كَثِيرٌ قُرَّاؤُهُ, تحْفَظُ فِيهِ حُرُوفُ الْقُرْآنِ, وَتُضَيَّعُ حُدُودُهُ, كَثِيرٌ مَنْ يَسْأَلُ, قَلِيلٌ مَنْ يُعْطِي, يُطِيلُونَ فِيهِ الْخُطْبَةَ، وَيَقْصُرُونَ الصَّلاةَ, ويُبَدُّونَ فِيهِ أَهْوَاءَهُمْ قَبْلَ أَعْمَالِهِمْ ))
أحياناً: العلوم الإسلامية نامية جداً، ولا يوجد تطبيق، والحقيقة: نحن في عصر عجيب، كل شيء ميسر، الكتب ميسرة، الأشرطة ميسرة، يمكن أن تستمع إلى القرآن بشريط، أو أن تقرأه بمصحف بأفخر طباعة، موضوع في كتاب، مؤلف، الطباعة أنيقة، شيء مبذول.
كان الأجداد ينتقل أحدُهم من المدينة إلى البصرة, يركب ناقته وحيداً، هذا الذي يقطع ما بين المدينة والبصرة على ناقة احتمال موته بالمئة ثمانون، العلماء قالوا: السفر مظنة هلاك.
يوجد وحوش, قطاع طرق، حر يهلك في النهار، كان يركب ناقته, ليتلقى حديثاً واحداً عن رجل سمعه من رسول الله في البصرة.
الآن تدخل إلى أي مكتبة, تأخذ كتاب حديث, كله موثق، مخرج، مختصر، مشروح بمبلغ معقول، الأمور ميسرة جداً، ولكن لا يوجد تطبيق، هذه مشكلة العصر الحديث، الأمور العلمية ميسرة جداً، أما السلوكية فضعيفة جداً، أما أجدادنا فكانوا في سلوكهم متفوقين، وكانت وسائل الاتصال ضعيفة جداً، العلوم تحتاج إلى تصنيف، والتصنيف كان ضعيفًا، والطباعة كانت غير موجودة، كان النوابغ يستأجرون دكان وراقٍ ليلاً ليقرؤوا الكتب.
أنا درست في الخمسينات: أكثر الكتب غالية جداً، كلها ملخصات ودفاتر، أما الآن فكل شيء ميسر، ونحن في زمان:
الحديث التاسع: من دعا إلى هدى....
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى, كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ, لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا, وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ, كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ, لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أوزارهم شَيْئًا ))
إذا دعا إنسان إلى ضلالة، دعا إلى بدعة، دعا إلى شيء ليس من الدين، دعا إلى سلوك متفلت من منهج الله، كان قدوةً لغيره, كل من تبعه فهو في رقبته يوم القيامة.
الحديث العاشر: من أحدث حدثا أو آوى محدثا....
(( عن عَلِيٌّ رَضِي اللَّه عَنْه: مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا خَاصَّةً دُونَ النَّاسِ, إِلا شَيْءٌ سَمِعْتُهُ مِنْهُ, فَهُوَ فِي صَحِيفَةٍ فِي قِرَابِ سَيْفِي, قَالَ: فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَخْرَجَ الصَّحِيفَةَ, قَالَ فَإِذَا فِيهَا: مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا, أَوْ آوَى مُحْدِثًا, فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ, وَالْمَلائِكَةِ, وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ, لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ، قَالَ: وَإِذَا فِيهَا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ, وَإِنِّي أُحَرِّمُ الْمَدِينَةَ, حَرَامٌ مَا بَيْنَ حَرَّتَيْهَا وَحِمَاهَا, كُلُّهُ لا يُخْتَلَى خَلاهَا, وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا, وَلا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا, إِلا لِمَنْ أَشَارَ بِهَا, وَلا تُقْطَعُ مِنْهَا شَجَرَةٌ, إِلا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ, وَلا يُحْمَلُ فِيهَا السِّلاحُ لِقِتَالٍ، قَالَ: وَإِذَا فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ, تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ, وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ, وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ, أَلا لا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ, وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ ))
النبي عليه الصلاة والسلام حرم المدينة، من قتل، وقطع شجرة، لأنها من أحب بلاد الله إلى الله.
حينما خرج من مكة المكرمة، قال:
فكانت المدينة المنورة بنص هذا الحديث الشريف: أحب البلاد إلى الله، ولأن الله يحبها, جعلها محرمةً على كل عمل يؤذي أهلها، والشيء الذي يلفت النظر في هذا الحديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ
فمن أجل أن يبقى كما بدأ, ينبغي ألاّ نضيف عليه، وألاّ نحذف منه.
(( مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا, أَوْ آوَى مُحْدِثًا, فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ, وَالْمَلائِكَةِ, وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ, لا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ، قَالَ: وَإِذَا فِيهَا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ, وَإِنِّي أُحَرِّمُ الْمَدِينَةَ, حَرَامٌ مَا بَيْنَ حَرَّتَيْهَا وَحِمَاهَا, كُلُّهُ لا يُخْتَلَى خَلاهَا, وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا, وَلا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا, إِلا لِمَنْ أَشَارَ بِهَا, وَلا تُقْطَعُ مِنْهَا شَجَرَةٌ, إِلا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ, وَلا يُحْمَلُ فِيهَا السِّلاحُ لِقِتَالٍ، قَالَ: وَإِذَا فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ, تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ, وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ, وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ, أَلا لا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ, وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ ))
هذه من أروع القواعد الاجتماعية في حياة المؤمنين:
الخلاصة:
أيها الإخوة؛ كملخص لهذا الدرس, أتمنى على الإخوة الكرام أن ينتبهوا إلى شيئين: إلى أن أعدى أعداء الإنسان هو الجهل، وأعدى أعدائه هو الهوى، فإما أن تذل قدم الإنسان لجهل أو لاتباع هوى، فمن حصن نفسه من الجهل بالعلم، ومن اتباع الهوى بالطاعة لله عز وجل، والنبي عليه الصلاة والسلام ما خير بين اثنين إلا اختار أهونهما وأيسرهما, إلا أن يكون فيما يغضب الله عز وجل، وأنت اختار الأسهل، لكن إياك أن تختار الهوى، والإنسان يعلم نفسه علم اليقين، قال تعالى:
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)﴾
و الحمد لله رب العالمين