- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠9العقيدة والإعجاز
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مقدمة لموضوع الشهوة:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثامن عشر من دروس العقيدة والإعجاز، وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى موضوع الشهوة، وإلى الموضوع الفرعي وهو العدالة والضبط، واليوم ننتقل إلى موضوع آخر متعلق بالشهوة.
1 – الله ربُّ العالمين:
إن الإنسان حينما يتحرك في الحياة حركة بدافع من شهواته بخلاف منهج الله ما الذي يكون ؟ أول حقيقة أن الله سبحانه وتعالى رب العالمين، معنى رب العالمين أي يربّينا، يربّي أجسامنا، ويربّي نفوسنا.
من أجل أن تتضح هذه الحقيقة لا بد من مثل: مدير مؤسسة عيّن موظفًا تحت التجريب لستة أشهر، مهمة هذا المدير أن يحصي على هذا الموظف أخطاءه، فإذا بلغت حداً لا يحتمل صرفه، لأن مهمته إحصاء أخطائه، فلو أن هذا الموظف هو ابن صاحب المؤسسة فهل تكون القضيةُ قضيةَ إحصاء ؟ إنها قضية تربية، عند كل خطأ ينبهه، يبين له، ينصحه، يرشده، يوجهه، بدافع من رحمة الأب، وحرصه على نجاح ابنه في هذه الوظيفة يتابع حركته، يدقق في أخطائه، يوجهه، ينصح، يرشد، وأحياناً يعاقب، وأحياناً يشدد، كل هذه المتابعة، كل هذا التشديد رحمة بهذا الموظف الناشئ لينجح في عمله.
2 – الشهوة حيادية:
لذلك الله عز وجل رب العالمين، خلقنا ليرحمنا، إذاً: هذه الشهوات كما قلنا في درس سابق حيادية، فإما أنها سلم نرقى بها إلى أعلى عليين، أو أنها دركات نهوي بها إلى أسفل سافلين، هي حيادية، بل لأن الإنسان مخير كانت كل شهواته، وكل حظوظه، وكل خصائصه حيادية، سلم نرقى بها، أو دركات نهوي بها.
الآن نحن أمام حالة، إنسان تحرك بدافع من شهواته بخلاف منهج الله، إما في كسب ماله، أو في علاقته بالنساء، ما الذي يحصل ؟ الله عز وجل رب العالمين، النقطة الدقيقة أنه لا بد من لفت نظر، وقد يكون هذا لفت النظر كلاماً يسمعه من صديق، أو كلاماً يسمعه من مدرِّس، أو من شيخه، وقد يكون لفت النظر هذا مصيبةً تحل به، ولها علاقة بنوع خطئه، العلاقة بين المصيبة وبين الخطأ تعليم من الله أن يا عبدي أن هذه الشدة من أجل كذا، أي أنه لا بد من أن يتابعه الله عز وجل.
3 – المتابعة الربانية رحمة بالعبد:
بالمناسبة: أنت حينما تشعر أن الله يتابعك، هذا فضل من الله كبير، حينما تشعر أن الله سيحاسبك، سوف يلفت نظرك، بنصيحة، بشدة، بشبح مصيبة، بتضييق بإفقار، بموقف محرج جداً يضعك فيه هذا يعني أنك في العناية المشددة، هذا يعني أنه يمكن أن تشفى من هذا الخطأ، وأن هذا المرض الذي أنت فيه قابل للشفاء، وأنه يمكن أن تعود صحيحاً معافىً كما ينبغي أن تكون.
إذاً: حينما تشعر أن الله يتابعك، وأن الله يحاسبك، وأن الله يلفت نظرك، وأن الله يؤدبك، وأن الله يضيق الله عليك، وأنه يلقي في روعك أن هذه الشدة من أجل كذا، فإما إلقاء في الروع، أو شرح من إنسان تسأله، أو من علاقة متينة بين المصيبة والذنب الذي اقترفه الإنسان، حينئذ تنتبه إلى أعمالك.
رجل استحقت عليه زكاة ماله، زوجته ضغطت عليه، وضيقت عليه، وتمنت عليه أن يجدد أثاث البيت، فاستجاب لها، وجدد أثاث البيت بالمبلغ الذي كان يمكن أن يكون زكاة، والزكاة فرض حتمي، يقول لي هذا الإنسان: أصاب مركبته حادث، مجموع كلفة إصلاح هذا الحادث يساوي تماماً المبلغ الذي كان عليه أن يدفعه زكاة، ولم يدفعه، فتشابهُ المبلغين رسالة من الله أن يا عبدي لقد أخطأت، وأنا ألفت نظرك بهذا الحادث.
قال تعالى:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
بل إن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون *أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾
أيها الإخوة:
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
الآن قد يسأل سائل: ما فلسفة المصيبة في الإسلام ؟
4 – المصيبة ضمان لسلامة المؤمن:
بشكل مبسط واضح: لماذا صنعت السيارة ؟ الجواب: من أجل أن تسير، بتعبير منطقي علة صنعها هي السير، صنعت السيارة من أجل أن تسير، أي أن علة صنعها هو السير، ولماذا وضع فيها المكبح ؟ المكبح في فلسفته يتناقض مع علة صنع السيارة، السيارة صنعت من أجل أن تسير، والمكبح يوقفها، هناك تناقض بين علة صنع السيارة وحقيقة المكبح، المكبح يوقفها، وهي صنعت من أجل أن تسير، ألا ترى معي أن أخطر جهاز في المركبة هو المكبح، لأنه ضمان لسلامتها.
وتأكد ولا أبالغ أن كل أنواع المصائب في الدنيا هي ضمان لسلامة المؤمن.
وفي دروس أخرى لا بد من شرح معنى المصيبة، المصيبة التي تصيب الشاردين، والمنحرفين، والعتاة، والمجرمين مصيبة قصم، أو ردع، بينما المصائب التي تصيب المؤمنين هي مصائب دفع أو رفع، أما مصائب الأنبياء فهي مصائب كشف لكمالات كامنة فيهم.
إذاً: كما أن المكبح من أخطر الأجهزة في المركبة لأنه ضمان لسلامتها، كذلك المصائب مع أنها مؤلمة، مزعجة، بل إن الله سبحانه وتعالى سما في كتابه الكريم المصائب نعم باطنة.
﴿ وَأَسْبَغ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
وحينما تدخل إلى مسجد، وترى في المسجد آلافا فاعتقد يقيناً أن عدداً كبيراً منهم ساقه الله إلى بابه بعد معالجة حكيمة، وحينما يكشف الله لك يوم القيامة عن سر ما ساقه لك من متاعب في الدنيا يجب أن تذوب محبة لله على كل ما ساقه لك.
أنت مخير فيما كُلفت، لكنك مسير في كونك ذكراً أو أنثى، مسير في أمك وأبيك ، مسير في مكان ولادتك، مسير في زمن ولادتك، مسير في قوامك وشكلك، مسير في قدراتك، هذه لصالحك، ويوم القيامة يكشف عن سر القضاء والقدر، ليس في إمكانك أبدع مما أعطاك، هذا كمال مطلق لوضعك.
إذاً: هذه الشدائد، وهذه المتاعب، وهذا التضييق للمؤمن تربية حكيمة من الله عز وجل، وحينما تقرؤون في سورة القلم قصة:
﴿ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ ﴾
لا يطعمون أحداً من الفقراء من غلّة بساتينهم، الله عز وجل قال:
﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾
بالتعبير المعاصر أصاب البساتين موجة صقيع.
﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾
كأنها بساتين قد قطفت ثمارها.
﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ﴾
ليست بساتيننا، ثم تأكدوا أنها هي، قالوا:
﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾
الآن المغزى والشاهد:
﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ ﴾
يا عبادي، جميع أنواع الشدائد التي أسوقها لكم في الدنيا من هذا النوع، رسالة ولفت نظر، فانتبهوا.
إذاً: حينما ينحرف الإنسان عن منهج الله، أو حينما يتحرك بدافع من شهواته بخلاف منهج الله، الله عز وجل لا بد من أن يربيه، لا بد من أن يؤدبه، لا بد من أن يلفت نظره، وبطولة المؤمن أن يفهم على الله سرَّ أفعاله معه، قال تعالى:
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾
وفي الحديث الصحيح القدسي:
(( يا عِبادِي ! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا في صَعيدٍ وَاحدٍ، فَسألُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مِنْهُمْ ما سألَ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً إِلاَّ كما يَنْقُصُ البَحْرُ أنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ فِيه غَمْسةً وَاحدَةً، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ))
كلام واضح كالشمس:
(( فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ))
هذه حقائق، آيات قرآنية، أحاديث صحيحة، توجيهات نبوية المصائب لها حِكم بليغة، المصائب لها حِكم عميقة، المصائب في خدمة الإنسان، المصائب نعم باطنة، هذا للمؤمن.
5 – اتباع الهوى وفق شرع الله جائز:
أيها الإخوة الكرام، ماذا ينبغي أن يكون حينما يتحرك الإنسان في دنياه بعيداً عن منهج ربه، لكن بالمناسبة ينبغي أن تعلموا علم اليقين أن الذي يتحرك بدافع من شهوته وفق منهج الله لا شيء عليه، الدليل:
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
المعنى المخالف: أن الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، معنى ذلك أنه ليس في الإسلام حرمان، الإسلام دين الفطرة، الإسلام دين الواقعية، الإسلام راعى في الإنسان حاجاته وقيمه، راعى جسمه وروحه، راعى الدنيا والآخرة، ليس في الإسلام حرمان إطلاقاً، بل فيه تنظيم، فما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفة تسري خلالها.
كيف يعامل عبداً شرد عن منهج الله ؟
أيها الإخوة، الآن الإله العظيم، الرب الرحيم، المربي الكريم كيف يعامل عبداً شرد عن منهج الله ؟
الحقيقة من خلال الكتاب والسنة هناك إجراءات في حق هذا الشارد.
1 – الدعوة البيانية:
أول إجراء بحقه الدعوة البيانية، وأنت صحيح معافىً، في بيتك، بين أهلك، بين أولادك، في عملك ما مِن مشكلة، ولا ضغط، هناك من ينصحك، هناك من يبين لك، إما من خلال خطبة، أو من خلال درس، أو من خلال كتاب، أو من خلال شريط، أو من خلال نصيحة، أو من خلال محاضرة، أو من خلال ندوة، هذه هي الدعوة البيانية، الهدى البياني كلام، وأرقى علاج إلهي، وأرقى إجراء إلهي لهذا الذي شرد عن منهج الله الدعوة البيانية، وأكمل موقف يقفه الإنسان من خلال هذا البيان الذي ساقه الله إليك أن تستجيب.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾
دعوة إلى الهدى، نصيحة إلهية.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ﴾
﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
أسعد إنسان ممن شرد عن الله عز وجل حينما يأتيه الهدى البياني، النصح الرباني، القرآن الكريم، البيان الإلهي، الحديث النبوي، خطبة، محاضرة، درس، نصيحة، مناظرة، ندوة، يصحو، يقول: يا رب عدت إليك، هذا أكمل شيء، وأنت صحيح، وفي بيتك، وأولادك أمامك، وأهلك معك، وفي عملك، كرامتك موفورة، صحتك موفورة ، جاءت نصيحة ربانية من خلال قرآن، أو سنة، أو عالم، أو داعية، أو ندوة، أو خطبة...إلخ.
فإن لم يستجب الإنسان لهذه الدعوة، وبقي مقيماً على معصية، مؤثراً شهوته أصم أذنيه عن نداء الله عز وجل، لم يرعه، لم يستجب، وغلبته شهوته.
﴿ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا ﴾
ما الذي يحصل ؟
أول مرحلة لطيفة، ناعمة، سلمية، دعوة بيانية، نصيحة، وتخلّق بهذا الخلق، قبل أن تعاقب، قبل أن تضرب، قبل أن تقطع، قبل أن تصب جام غضبك، انصح، بيّن، وضح.
2 – التأديب التربوي:
إن لم يستجب الإنسان للدعوة البيانية فهناك تأديب تربوي، هنا دخلنا في مرحلة أصعب.
أحياناً يقول الطبيب للمريض: معك قرحة في المعدة، أو معك التهاب حاد في المعدة، هناك طريقان ؛ إما أن تتبع حمية قاسية جداً لا تحتاج معها إلى عمل جراحي، حمية قاسية جداً شهرا بكامله، على الحليب فقط، هذا الالتهاب يزول، وإن آثرت أن تأكل ما تشتهي فلا بد من عمل جراحي، القضية بيدك.
لذلك الآية الكريمة:
﴿ لِلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
﴿ لِلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ ﴾
من أمراض،
﴿ أَوْ تُخْفُوهُ ﴾
الله عز وجل رب رحيم،
﴿ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ ﴾
إن ذكرت أو لم تذكر، إن اعترفت أو لم تعترف، إن أخفيت أو أظهرت.
﴿ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ ﴾
اختر أيها المؤمن،
﴿ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء ﴾
بالتوبة والاستقامة والاستجابة،
﴿ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء ﴾
بالتأديب التربوي.
إذاً: أول مرحلة الهدى البياني، الدعوة البيانية، إن لم تستجب تخضع لمعالجة أشد، ألا وهي التأديب التربوي، اعتقد يقيناً أن الله يحبك، وأن الله لن يدعك تفعل ما تشاء، من دون أن يربيك، اعلم علم اليقين إما أن تأتيه طائعاً، أو أن تأتيه مضطراً.
مرة أراد رجلٌ أن يسألني سؤالاً عن جوهر الدعوة إلى الله التي أمارسها، فأجبته إجابة فيها دعابة، قلت له: ملخص الدعوة بالتعبير الدارج طبعاً: إمّا أن تأتيه ركضا، أو يأتي بك ركضا، إما أن تأتيه طائعاً بمبادرة منك، بصلح معه بتوبة، بإنابة، بندم، أو الله عز وجل متكفل أن يأتي بك إليه مضطراً.
قال لي أحدهم: كان في موسم كبير جداً جاءته أرباح طائلة، القصة في السبعينات ، قال لي: أردت أن أذهب إلى بلاد بعيدة من دون زوجتي، حتى أنفق مبالغ فلكية على الملذات والشهوات، هكذا خطط، وصل إلى هناك شعر بآلام في ظهره، دخل إلى المستشفى، التشخيص ورم في النخاع الشوكي، قطع رحلته، وعاد إلى الشام، من مسجد إلى مسجد ، ومن طبيب إلى طبيب، وقد شفاه الله عز وجل.
الله عز وجل حكيم، كل واحد فيه نقطة ضعف، وأحيانا إنسان غني كبير المال ما له قيمة عنده، لكن كرامته لها قيمة كبيرة، كل واحد يعالجه الله عز وجل معالجة يأتي به إليه، لأنه يحبنا، لأنه خلقنا ليسعدنا، لأنه خلقنا ليرحمنا، لأنه خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض.
والله أيها الإخوة، يوم القيامة حينما تكشف الحقائق يجب على الإنسان المؤمن أن يذوب محبة لله عز وجل على ما ساقه له من شدائد، فربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وإذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء.
كنت أقول لكم دائماً: الماس أصله فحم، لكن هذا الفحم جاءته ضغوط، وحرارة قلبته إلى ألماس، وهناك ماسة في استنبول ثمنها 150 مليون دولار، لكن قطعة فحم بحجمها ما ثمنها ؟ خمسة قروش، الفرق بينهما أن الفحم حينما تأتيه الضغوط يصبح ألماساً.
لن تدخل الجنة إلا إذا كنت طاهراً، والتطهير في الدنيا معالجات إلهية حكيمة، لذلك ارضَ عن الله.
إنسان يطوف حول الكعبة قال: يا رب هل أنت راضٍ عني ؟ وكان وراءه الإمام الشافعي، قال له: يا هذا هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له: سبحان الله ! من أنت ؟ قال له: أنا محمد بن إدريس، قال له: كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه ! قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله.
قالوا: الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، وبطولتك إذا ساق الله لك مصيبة ـ لا سمح الله ولا قدر ـ أن تقول: الحمد لله رب العالمين، لأن الله عز وجل أفعاله كلها رحيمة، وكلها حكيمة، وكلها عادلة، فإمّا أن تستجيب لله إذا دعاك إليه، وإلا تخضع للتأديب التربوي، فيسوق من الشدة ما يحملك على طاعة الله، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ ﴾
يعني تابوا فقبِل الله توبتهم.
الآية الأخرى:
﴿ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ ﴾
في بعض معاني هذه الآية: أنه ساق لهم من الشدائد ما حملهم بها على التوبة.
البطولة أن تأتيه قبل أن تأتي الشدائد، أن تصلي قبل المصيبة، أن تتجه إليه وأنت صحيح شحيح، أن تتجه إليه وأنت قوي، أن تتجه إليه وأنت غني، أن تتجه إليه ولا تشكو شيئاً.
التأديب التربوي أهم شيء فيه التوبة إلى الله، فقد دعاك دعوة بيانية ينبغي أن تستجيب، الآن أخضعك للتأديب التربوي ينبغي أن تتوب، فإن جاء التأديب التربوي ولم تتب فهناك حل ثالث.
3 – الإكرام الاستدراجي:
الحل الثالث عدد الناجين فيه قليل، يخضعك إلى ما يسمى بالإكرام الاستدراجي، يعطيك الدنيا، بمالها، بمكانتها بمباهجها، بشهواتها، لعلك تستحي، لعلك تتوب، لعلك تشكر، الموقف الكامل فيه الشكر، الشكر ثم التوبة.
4 – القصم والإهلاك:
فإن بيّن لك ولم تستجب، وأدبك ولم تتوب، وأكرمك ولم تشكر، نعوذ بالله من المرحلة الرابعة، يأتي القصم.﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴾
أيها الإخوة، هذه مراحل.
أول مرحلة: الهدى البياني، الموقف الكامل منها أن تستجيب لله لأنه دعاك إلى ما يحييك.
المرحلة الثانية: التأديب التربوي، الموقف الكامل أن تتوب.
المرحلة الثالثة: الإكرام الاستدراجي الموقف الكامل أن تشكر.
المحلة الرابعة: يأتي القصم.
إياك أن تصل مع الله إلى طريقٍ مسدود:
إن أخطر شيء في حياة الإنسان أن يصل مع الله إلى طريق مسدود، كيف ؟
ثمة إنسان ارتكب جريمة قتل ـ لا سمح الله ولا قدر ـ سيق إلى السجن، خضع إلى محكمة الجنايات، حكم عليه بالإعدام، نقل الحكم إلى التمييز، إلى محكمة النقض، محكمة النقض صدقت حكم محكمة الجنايات، رفع الحكم إلى رئاسة الجمهورية ليصدق عليه، وصدق عليه رئيس الجمهورية، وحُدد يوم معين لتنفيذ الإعدام، هذا الإنسان قبل أن يُعدم يحب أن يضحك فليضحك، لا بد من أن يعدم، يحب أن يبكي فليبكِ، يحب أن يتوسل فليتوسل، لا بد من تنفيذ هذا الحكم، نقول: هذا الإنسان مشى في طريق مسدود.
أنا أقول أنصح نفسي، وأنصح من حولي، إياك ثم إياك ثم إياك أن تمشي في طريق مسدود، أن تبالغ في إيقاع الأذى بالناس، عندئذٍ يأتي القصم، يأتي الانتقام، فدَع للصلح مكاناً، حاسب نفسك قبل أن تحاسب، اسأل نفسك: هل عملي يرضي الله ؟ هل هناك ظلم أقترفه ؟ هل أبني مجدي على أقاض الآخرين ؟ هل أبني حياتي على موتهم ؟ هل أبني عزي على ذلهم ؟ هل أبني غناي على فقرهم، ماذا أفعل ؟ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم.
التعلّم بالنص سبيل الإنسان الذكي، والتعلم بالواقع من سبل الحيوان:
فسنة الله مع خلقه تبدأ من الدعوة البيانية، إلى التأديب التربوي، إلى الإكرام الاستدراجي، إلى القصم، فالبطولة أن تبقى في أول مرحلة، تستمع، وتستجيب، وهذا أكمل شيء في الإنسان، والإنسان كلما ارتفع مكانه تعلم بالنص، ولم يتعلم بالواقع.
إذا قرأ الإنسان موضوعا دقيقا عن أخطار التدخين، وترك الدخان لهذا الموضوع، أو لحكم شرعي، هذا يكون في أعلى مستوى، أما حينما يدع التدخين بعد الورم الخبيث يكون قد تعامل لا بعقله بل تعامل بأحاسيسه.
أوضح مثل: إنسان ركب مركبته ليسافر إلى حمص، في أيام الشتاء، خرج من دمشق فرأى لوحة كتب عليها: الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تراكم الثلوج في النبك، مقصده حمص، وله مبلغ كبير جداً في حمص، الطريق مغلق، هو الآن في ظاهر دمشق ، ماذا يفعل ؟ يعود، ما الذي حكَمه ؟ اللوحة، أربع كلمات أعطته قرارًا بالعودة، لو أن دابة تمشي أين تقف ؟ عند الثلج، ما الذي حكم الدابة ؟ الواقع، حكم العاقل النص، وحكم الدابة الواقع.
اسأل نفسك سؤالا محرجا، ما الذي يحكمك ؟ نصوص القرآن والسنة، أم الواقع ؟ الذي يخاف بعقله إنسان راقٍ جداً، والذي يخاف بأحاسيسه إنسان غبي جداً، فكلما ارتقى مقامك تخاف بعقلك، تخاف من النص، تخاف من تحذير الله لك، تخاف من وعيد الله، وكلما هبط مستوى الإنسان، وجاءه قضاء الله، جاءته المصيبة عندئذٍ يقول:
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾
خيار الإنسان مع الإيمان مسألة وقت فقط:
إخواننا الكرام، هناك نقطة مهمة جداً، خيارك مع الإيمان خيار وقت، مع مليون موضوع أنت مخير خيار قبول أو رفض، عرضوا عليك بيتاً لم يعجبك، فرفضته، عرضوا عليك فتاةً كي تتزوجها لم تعجبك أخلاقها، فرفضتها، أنت مع مليون موضوع، مع مئة مليون موضوع، معك خيار قبول أو رفض، إلا مع الإيمان فخيارك خيار وقت، الدليل فرعون أكفر كفار الأرض، الذي قال:
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
والذي قال:
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
هذا الإنسان الذي ادعى الإلوهية حينما أدركه الغرق قال:
﴿ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
إذاً: آمن، لأن الإنسان أيّ إنسان لا بد من أن يؤمن عند الموت.
﴿ فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
هذا الإيمان لا قيمة له إطلاقاً، إذاً: خيارك مع الإيمان خيار وقت لا خيار قبول أو رفض.
أيها الإخوة، هذا الدرس حول أن الإنسان إذا تحرك في الحياة الدنيا بدافع من شهواته، ومن دون منهج إلهي ما الذي يحصل ؟ الله عز وجل يربيه، وتربية الله له لطيفة جداً، وفيها مراحل أربع:
أول مرحلة: الهدى البياني، الموقف الكامل الاستجابة.
المرحلة الثانية: التأديب التربوي، الموقف الكامل التوبة.
المرحلة الثالثة: الإكرام الاستدراجي الموقف الكامل الشكر.
المرحلة الرابعة: حينما لا ينفع معه البيان، ولا التأديب، ولا الإكرام القصم عندئذٍ يقصمه الله عز وجل.
الموضوع العلمي:
الأمر القرآني للوجوب ما لم يدل دليل على خلافه:
أيها الإخوة ، إلى الموضوع العلمي، أو إلى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
أيها الإخوة، من مسلمات علم الأصول أن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، لكن يعلق علماء الأصول ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، فإذا فال الله عز وجل:
﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ﴾
هذا أمر بالكفر، لكنه أمر تهديد، وإذا قال الله عز وجل:
﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى ﴾
هذا أمر ندب، وإذا قال الله عز وجل:
﴿ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ ﴾
أمر ندب، أمر إباحة، أما لو لم تكن هناك قرينة تصرف الأمر عن الوجوب فكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب.
البقرة مصنع للحليب:
1 – التفكر في حليب البقرة:
من هذه الأوامر، دقق:﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
هذا أمر، أنت مكلف بنص هذه الآية أن تفكر في هذا الطعام، هذه البقرة تقدم لك الحليب، هي معمل صامت، تأكل الحشيش فتعطيك الغذاء الكامل، الغذاء الكامل في الحليب، والغدة الثديية في البقرة على شكل قبة، محاطة من أعلاها بأوعية دموية كثيفة جداً، والغدة الثديية تأخذ من الدم حاجتها لصنع الحليب.
﴿ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ ﴾
في الدم حمض البول، وفي الدم مواد سامة، ومواد لا يعلمها إلا الله، بروتينات، وشحوم، وسكريات، ومعادن، وأشباه معادن، و حمض البول، و مفرزات بعض الأجهزة...
2 – كيف تختار الخلية الثدييةُ من مكونات الدم مكونات الحليب ؟
هذه الخلية الثديية كيف تختار من مكونات الدم مكونات الحليب ؟ طبعاً هذه الخلية تأخذ من الدم حاجتها، ويرشح منها نقطة حليب، هذه النقطة تصب في ثدي البقرة، ثدي البقرة قد يتسع لـ20 أو 30 أو 40 كغ، هذا الثدي مقوى من الداخل بجدارين متعامدين، جدار هكذا، وجدار هكذا، ثدي البقرة مقسم إلى أربعة تجاويف، مع كل تجويف حلمة، لو أن أربعة إخوة يملكون بقرة، وأخذ كل أخ حلمة من حلم ثدي البقرة لأخذ ربع الكمية بالتمام والكمال، هذه الخلية الثديية تأخذ من الدم حاجتها، هل هي عاقلة ؟ الإنسان بحاجة إلى سكريات، تأخذ سكرا، بحاجة إلى بروتين، تأخذ البروتين، بحاجة إلى دهن، تأخذ الدهن، بحاجة إلى فيتامينات، مكونات الحليب غذاء كامل للإنسان، " وحاجة وليد البقرة إلى الحليب لا يزيد عن بضع كيلوات، الـ60 كغ والـ40 لمن ؟ للإنسان.
﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾
خُلقت لكم خصيصى،
﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾
كلمة لكم، تعني صممت من أجلكم إنتاج الحليب في العالم يفوق حد الخيال.
انظر إلى الحليب، اللبن، الجبن، السمن، القشطة، مشتقات الحليب شيء مذهل،
﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾
لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
فكل 400 لتر دم تجول في حول الغدد الثديية من 400 لتر دم يصنع لتر واحدا من الحليب، وهو محصلة جريان 400 لتر فوق الخلايا الثديية بثدي البقرة، وحتى لآن لا أحد يعلم، وهذا في كتاب علمي يُدرس في جامعة دمشق لا أحد يعلم طبيعة عمل الغدة الثديية، الذي نعلمه أنها تختار من الدم حاجتها لصنع الحليب، الله عز وجل يقول:
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
﴿ أنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾
هذه آية.
تأكل البقرة في اليوم ثلاث وجبات، هذا الخبز، هذا الحليب، هذا اللبن، هذه القشطة، هذه الجبنة صنع من ؟ تصميم من ؟
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ: بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَإِذَا سُقِيَ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَّا اللَّبَنُ ))
أنا الذي أتمناه عليكم، وهذا أمر إلهي في القرآن الكريم، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، الذي أتمناه عليكم أن تتفكروا فيما تأكلون.
تفكروا في الفواكه والمحاصيل:
الفواكه تنضج تباعاً، الله عز وجل برمج الفواكه في الصيف على مراحل، أول شيء اللوز، ثم الكرز، ثم المشمش، ثم التفاح، ثم الأجاص، ثم الدراق، ثم العنب، لو أنها نضجت كلها في يوم واحد، ماذا نفعل بها ؟ الآن الفاكهة الواحدة تنضج تباعاً، البطيخ ينضج خلال ثلاثة أشهر في أيام الصيف، فمِن ضمن حقل بطيخ يقطف منه كل يوم مركبة، أما المحاصيل فتنضج في يوم واحد، لو كان القمح ينضج خلال ثلاثة أشهر لكان عملا فوق طاقة الإنسان، يمسك سنبلة سنبلة ويقول: هل استوت لنقطعها ؟ القمح في يوم واحد، المحاصيل في يوم واحد
الفواكه مبرمجة فيما بينها على ثلاثة أشهر، مبرمجة في الفاكهة، هذا نوع من الفواكه في شهر، وعشرين يوما، وعشرة أيام، هذا تصميم من ؟ برمجة من ؟ حكمة من ؟.
انظر للتفاحة، حجمها معقول، لونها زاهٍ، رائحتها عطرة، قوامها معقول، تأكلها بأسنانك، لو كان التفاح كالصخر تحتاج إلى مطحنة، ولو أن التفاح له رائحة كريهة لا تأكله، فله رائحة طيبة على لون زاه، على حجم مقبول، بقشر يحميها، فكر فيها فَاكهةً فاكهةً، وجزء من إيمانك هذا طريق معرفة الله:
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
الفواكه، القمح، الشعير، الحمص، العدس، هذا الطعام الذي نأكله، وهذا الحليب الذي نشربه، وهذه الفواكه التي نأكلها، تصميم من ؟ من يستطيع أن يصف لي طعوم الفواكه دون أن يذكر اسمها ؟ صف لي طعم الأجاص، حلو، والدراق حلو، والتفاح حلو ، والتوت حلو، وكل الفواكه حلوة، لكن كل فاكهة بطعم، هل بإمكانك أن تصف لي طعم الفاكهة دون أن تذكر اسمها ؟ لا تستطيع، طعم مشمش، تقول: مشمش من دون أن تصف الطعم ؟ لا تستطيع.
يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ
الله عز وجل قال:
﴿ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ﴾
هذا قرآن، الله عز وجل يلفت نظرك بهذا:
﴿ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ﴾
الفاكهة الواحدة، التفاح أصفر، وهناك تفاح أحمر، وتفاح حامض شتوي، و تفاح سكري، أنواع منوعة، إلى 400 ـ 500 نوع من التفاح، كل فاكهة أنواع منوعة، تصميم من ؟ فمن أجل أن نعرف الله لا بد من أن نفكر في مخلوقاته.
مرة ثانية:
﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
هذا أمر قرآني، وكل أمر يقتضي الوجوب.