وضع داكن
07-11-2024
Logo
العقيدة والإعجاز - مقومات التكليف - الدرس : 14 - الفطرة -6- الفرق بين الفطرة والصبغة وبين الطبع والتكليف
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

( 1 ) بين الفطرة والصبغة:

أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الرابع عشر من دروس العقيدة والإعجاز، والموضوع اليوم فرع من فروع الفطرة، وهو الفرق بين الفطرة والصبغة، وبين الطبع والتكليف.

1 – الفطرة متوافقة مع المنهج الرباني:

أيها الإخوة الكرام، الفطرة جبلة النفس خصائص النفس، ما فطرت عليه النفس قال تعالى:

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾

( سورة الروم: 30)

فخصائص النفس تتوافق توافقاً تاماً مع منهج الله مع أحكام الدين:

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾

( سورة الروم: 30)

أي: إذا أقمت وجهك للدين، أي خضعت لكل أوامره، واجتنبت كل نواهيه فهذه الأوامر، وهذه النواهي هي نفسها الفطرة التي جبلت عليها.

 

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (30) ﴾

( سورة الروم: 30)

لكن قد يتبادر إلى الذهن أن الإنسان ما دامت فطرته كاملة فهو كامل، الجواب: لا، أن تحب الكمال شيء، وأن تكون كاملاً شيء آخر، أن تحب الرحيم شيء، وأن ترحم شيء آخر، المؤمن الذي عرف الله، واستقام على أمره، وأقبل عليه، واتصل به، واشتق منه الكمال يصبح رحيماً، فالرحمة صبغة صبغ بها من قِبل خالقه، أما قبل أن يؤمن، قبل أن يعرف الله، قبل أن يصطلح معه، قبل أن يستقيم على أمره في أصل تركيبه يحب الرحمن، يحب الرحيم، حتى إن أبعد الناس عن الله عز وجل يحب الموقف الرحيم، يحب الموقف العادل، يحب الإنصاف، يحب العدل، هكذا فطرنا، ولولا محبتنا للكمال لما عذبتنا نفوسنا إذا خرجنا عنه.
دقق أيها الأخ، لولا أن الله عز وجل فطر الناس فطرة عالية ما تاب أحد من ذنبه، لماذا يتوب ؟ لو توافقت خصائصه مع المعصية، مع الجريمة، مع الظلم، يظلم، ويعصي، ويأخذ ما ليس له، وهو في قمة الراحة النفسية، لكن لأنه فطر، ولأنه جُبِل، ولأنه بُرمِج، إن صح التعبير، وفق الكمال، فأيّ خروج عن هذه الخصائص تعذبه النفس، من هنا ظهرت الأمراض النفسية، المرض النفسي معاقبة الفطرة لذاتها، تعاقب الفطرة صاحبها إذا خرج عن مبادئها، وأكبر رادع، أكبر حافز إلى التوبة وطاعة الله هو الفطرة، يقول: لست مرتاحًا، لماذا هو لا يرتاح ؟ لأن فطرته تعاقبه على خروجه عن مبادئها.
نستنبط أنه سواء عصى الإنسان ربه، أو خرج عن مبادئ فطرته فالمؤدَّى واحد، والنتيجة واحدة.

 

2 – الصبغة كمال في الإنسان :

 

الفطرة شيء، والصبغة شيء آخر، الصبغة من دون أن تنظر إلى أحد، من دون أن ترجو أحدا، من دون أن تخشى من أحد، أنت كامل، لا تفعل إلا الكمال.
مثلاً: لما فتحت القدس من قِبل الفرنجة ذُبح سبعون ألف إنسان مسلم في يومين، أما لما فتحها صلاح الدين الأيوبي ـ رحمه الله ـ لم تُرَقْ قطرة دم واحدة، لأن الإنسان الموصول بالله مصطبغ بالكمال، و يقع الإنسان في صراع وشد ورد، وإقدام وإحجام، أما إذا كان مصطبغاً بكمال الله فهو في الأعماق.
صدق، ولا أبالغ، إذا اتصلت بالله عز وجل وحدك ومع الناس، في خلوتك وفي جلوتك، أمام مشاهد كثيرة أو أمام مشاهدين كثيرين، أو وحدك في البيت، لا تفعل إلا الكمال، لأن الكمال أصبح صبغة لك.

﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً (138) ﴾

( سورة البقرة)

أيها الإخوة الكرام، إذا لم يكن الفرق بين المؤمن و غير المؤمن فرقا صارخا فليس هذا هو الإيمان، ليس الإيمان الذي يظهر لأداء عبادات، ولكن الإيمان يظهر في كل دقيقة من دقائق حياتك، إن تكلمت فأنت صادق، إن حكمت فأنت منصف، إن قدرت فأنت تعفو

ولا يشد الناس إلى الدين إلا الكمال الذي ينبغي أن يتحلوا به، ولا يشد الناس إلى الإسلام صلاتنا ولا صيامنا، ولا حجنا ولا زكاتنا، يشد الناس إلى الإسلام صدقُنا وأمانتنا، ورحمتنا وإنصافنا، الموقف الأخلاقي له قوة تأثير مذهلة، فما الذي فعله النبي الكريم حتى قال أبو سفيان: << ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً >>.
كان صادقا، أمينا، رحيما، متواضعا، ما تكلم كلمة إلا طبقها، ما في قلبه على لسانه، والذي يقوله في قلبه حق وحقيقة.
إذاً: الإيمان يحتاج إلى جهد كبير، أما إذا جهدت، وتعرفت على الله، وطبقت منهجه، واتصلت به يغدو الأمر إليك سهلاً جداً، لا تظلم، لا تأخذ ما ليس لك، إن كنت تحت رقابة، أو من دون رقابة، إن كنت وحدك أو مع الناس.
قال ابن عمر لرجل: << بعني هذه الشاة، وخذ ثمنها، قال له الراعي: ليست لي، قال: قل لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب، يقول الراعي: ليست لي، يقول له: خذ ثمنها، يقول له الراعي: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟ >>.
لعلك تقول: هناك مبالغة، إن لم يحبك الناس من أعماق أعماقهم ففي الإيمان خلل.

صور من الصبغة الأخلاقية في حياة الصحابة:

كنت أقول دائماً: لو أن الصحابة الكرام فهِموا الإسلام كما نفهمه نحن الإسلام لما خرج من مكة، ما الذي جعل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ؟ ما الذي جعل الناس يقبلون على هذا الدين إقبالاً منقطع النظير ؟ لأنهم يروا أناساً يتحركون وفق منهج الله المبادئ كبيرة جداً.
بين سيدنا عمر وجبلة بن الأيهم:
في عهد سيدنا عمر ملك اسمه جبلة بن الأيهم وأعرابي من قبيلة فزارة، بالتعبير المعاصر من الدهماء، من السوقة، من الطبقة الدنيا، يقف في حضرة عمر أمام جبلة نداً لند، جبلة ملِك دخل في الإسلام، فرحّب به عمر، طاف جبلة بن الأيهم حول الكعبة فداس بدويٌّ من فزارة طرف ردائه، فانخلع رداؤه عن كتفه، فالتفت إلى هذا الأعرابي من فزارة، و ضربه ضربة هشمت أنفه، هذا الأعرابي اشتكاه، سيدنا عمر جاء بهذا الملِك جبلة، وقف أمامه نداً لند، وقال له:
أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟
قال جبلة:
لست ممن ينكر شياً، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي.
قال عمر:
أرضِ الفتى، لابد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه
أو يهشمن الآن أنفك، و تنال ما فعلته كفك.
صعق جبلة.
قال:
كيف ذلك يا أمير ؟ هو سوقة، وأنا عرش وتاج ؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً ؟
قال عمر:
نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها.
أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً.
فقال جبلة:
كان وهماً ما جرى خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني.
فقال عمر:
عالم نبنيه، كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
هذا هو الدين.
قصة فتح سمرقند:
هل من المعقول لجيش ضخم ذهب إلى سمرقند وفتحها واحتلها، إن شئت أن تقول: يذهب وفد سراً من سمرقند إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز، ويخبر الخليفة أن فتح هذه المدينة لم يكن شرعياً، الفتح الشرعي أن يعرض الإسلام على أهل المدينة، فإن أسلموا فهُم منا ونحن منهم، ولهم ما لنا، وعليهم ما علينا، هذا هو الإسلام، فإن أبوا يدعون إلى دفع الجزية، فإن أبوا يقاتلون، يبدو أن هذا الجيش تجاوز الشرط الأول والثاني، وفتح المدينة، تروي الروايات أن سيدنا عمر بن عبد العزيز كتب على قصاصة ورق صغيرة، وأعطى أمراً لقائد الجيش أن يخرج هؤلاء الوفد، نظروا، القصة مثل الخيال، هم في الطريق يشككون، فلما وصلوا يأتي أمر من خليفة إلى قائد الجيش أن انسحب، واسلك الطريق الشرعي في فتحها، حينما أعطوا هذه الورقة لقائد الحملة قبلها، وأعطى أمرا بالانسحاب، قالوا: لا، نحن أسلمنا جميعاً، ما دام الأمر هكذا فيه عدل.
والله أيها الإخوة، نقرأ التاريخ أحياناً من شدة غرابته لا يصدق، العدل بهذه الرحمة، بهذا الصدق، بهذه الأمانة، هكذا فتحت البلاد، فتحت بالعلم، فتحت بالإحسان، فتحت بالرحمة، كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يطعمون الأسرى أطيب الطعام، ويأكلون أردأه، حتى أسلم الأسير، الفرق كبير جداً، لقد رضي الله المؤمنين، والآن لا تطمع من أحد أن يقتنع بالإسلام إن لم تكن كاملاً، إن لم تكن منصفاً، إن لم تكن رحيماً، إن لم تكن حكيماً، معك فكر، ومعهم فكر، تتكلم، ويتكلمون، تؤلف كتابا، ألفوا مئة كتاب، قضية معلومات ومناقشة وحوار قضية سهلة جداً، أما الموقف الأخلاقي فهو الموقف البطولي.
صحابي جليل وقصة الوفاء بالعهد:
هل من المعقول لصحابي جليل في أثناء الهجرة ألقي القبض عليه، فقال لمن قبض عليه: عهدُ اللهِ إن أطلقتموني فلن أحاربكم، فأطلقوه، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام، وسرّ به سروراً عظيماً، بعد سنتين هناك غزوة، هذا الصحابي دون أن يشعر نسي وعده، فانخرط مع الجنود، قال له النبي: ارجع، ألم تعاهدهم ؟ هذا هو الدين، الدين صدق، الدين أمانة.
الآن يا أيها الإخوة، ليس هناك شيء يشد الناس إلى الإسلام إلا أن يراك الناس بأعلى درجة من الصدق والأمانة والاستقامة.
النبي عليه الصلاة والسلام قبل البعثة كان صادقاً، وكان أميناً، الآن يقول لك بعض المتطرفين: إن مال الكفار مباح لنا، من قال لك ذلك ؟ النبي عليه الصلاة والسلام لماذا وضع ابن عمه علياً رضي الله عنه مكانه في السرير ؟ ليؤدي الأمانات إلى أهلها، هذه أمانات من ؟ أمانات المشركين، لمَ لمْ يقل: هؤلاء مشركون، ومالهم حلالٌ لنا ؟ قال تعالى:

﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (8) ﴾

( سورة المائدة)

والله أيها الإخوة، لما تعامِل إنسانا غير مسلم فعليك حساب مضاعف، لأنك إن أساءت إليه فهذا إنسان غير المسلم، لا يقول: فلان أساء إلي، يقول: الإسلام أساء إلي.

(( أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك ))

[ ورد في الأثر ]

إن أسأت إلى مسلم يقول لك: فلان أساء إلي، أما إذا أساءت إلى غير المسلم فيقول لك: المسلمون سيئون، فيعمم القول والتهمة، يتهم الدين كله بالتقصير.

قصة إمام في عصرنا:

يا أيها الإخوة الكرام، دائماً كنت أروي هذه القصة لأنها معبرة، إمام سكن في لندن، ثم نُقل إلى ظاهر لندن إلى مانشيستر، اضطر أن يركب مركبة كل يوم مع السائق نفسه، فمرة صعد المركبة، وأعطى السائق ورقة نقدية كبيرة، رد له السائق التتمة، عَدّها، فإذا هي تزيد عشرين بنساً على ما يستحق، فقال هذا الإمام في نفسه: سأردّ هذه الزيادة للسائق، لكن بعد أن جلس جاءه خاطر شيطاني، قال: إنها شركة عملاقة، ودخلها فلكي، والمبلغ يسير جداً، وأنا في أمسّ الحاجة إليه، فلا عليّ أن آخذه، لكن الذي حصل أنه قبل أن ينزل دون أن يشعر مد يده إلى جيبه، وأعطى السائق العشرين بنسا، فابتسم السائق، وقال له: ألست إمام هذا المسجد ؟ قال: بلى، قال: والله حدثت نفسي قبل يومين أن أزورك في المسجد لأتعبد الله عندك، ولكنني أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك، يروي كاتب القصة وهو الإمام نفسه أنه وقع مغشياً عليه، لأنه تصور عظم الجريمة التي كاد يقترفها لو لم يدفع للسائق هذا المبلغ، فلما صحا من غفوته قال: يا رب، كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً.
لما باع المسلمون دينَهم بتوقيع كاذب، بتصريح كاذب، لما اغتصب بعضهم بعضاً البيت أو الشركة انتهى الإسلام، الإسلام كفكر هناك فكر آخر يقابله، كمؤلفات هناك مؤلفات، كمحاضرات هناك محاضرات، أما إن لم تتميز عن بقية الناس بخلق قويم، بصدق وأمانة، بإنصاف ورحمة فلا أحد يلتفت إلى هذا الدين، وهذا الطريق الآن واضح جداً، يجب أن يرى الناس عظمة الإسلام من خلال السلوك، يجب أن يشار إليك بالبنان، يجب أن يقال: والله هذا إنسان عجيب، ما هذه الأخلاق ؟ إن لم يقل الذين حولك هذا الكلام فلا يمكن أن تقنع الناس بالإسلام.
قصة لمستأجر مع المؤجِّر:
كنت أروي قصة شابين على مقاعد الدراسة، الأول مسلم، والثاني غير مسلم، لما كبرا المسلم له دكان بسيطة بقالية، وغير المسلم صار من كبار تجار الأبنية، لما أراد هذا المسلم أن يتزوج خطر في باله أن يسأل صديقه ورفيق دراسته لعله يقدم له بيتاً أجرة، طلب منه بيتَ أجرةٍ، اعتذر، قال له: أنا ما عندي بيت للإيجار، أنا عندي بيت للبيع فقط، طلب منه ثانية، فاعتذر، والثالثة، يبدو أن المسلم بحاجة ماسة لبيت، وزواجه تعطل، والمشكلة كبيرة، قال: عهداً لله إن أجرتني بيتاً من بيوتك، وجاء من يشتريه لأعطينّك إياه في أيامٍ ثلاثة، هذا الصديق غير المسلم تأثر من هذا الكلام، أعطاه بيتا في أحد أحياء دمشق، لما ارتفعت الأسعار ارتفاعا جنونيا صار للبيت قيمة كبيرة، فجاء من يشتريه، فجاء إلى المستأجر، وقال له: أنت وعدتني بالخروج بعد ثلاثة أيام، وجاء من يشتري البيت، أنا سأعطيك ستة أشهر، قال له: طيب، في اليوم الثالث طرق صاحب البيت، قال له: هذا المفتاح، صاحب البيت صعق، الآن الأمر ميسّر، أما قبل تعديل قانون الإيجار ما كان هناك أمل ولا بعشر سنوات أن تجد بيتا للأجرة إلا شراء، ما صدق، لما غادر المستأجر اتجه مالك البيت إلى البيت، ما صدق، فتح البيت فإذا هو فارغ نظيف مرتب صالح للسكن فوراً، صعق، لما غادر البيت فتح أحد الجيران الباب، قال له: بالله عليك هذا الجار الذي ترك البيت من أيام ثلاثة كم دفعت له حتى خرج ؟ قال له: ما دفعت له شيئاً، هو عاهدني، ونفذ عهده فقط، قال: لمَ السؤال ؟ قال: باع أثاث بيته كله بأبخس الأسعار، وسكن في الفندق، إنسان قدّر هذا العهد، قال: عهداً لله إن أجرتني بيتاً من بيوتك وجاء من يشتريه لأعطينّك إياه في أيام ثلاثة، القصة مثل الخيال، ذهب إليه، وقال: هذا البيت بيتك، وسوف أبيعك إياه بسعر اليوم الذي سكنته، وكل الأجرة الذي أخذتها منك أقساط من ثمنه، وأثاث البيت سأجدده لك على حسابي، لو أن الناس مثل هذا لما كانت أزمة سكن وأزمة إسكان، وأزمة ثقة.

الصبغة تطبيق عملي لما تعرف:

والله أيها الإخوة، لو طبقنا هذا الدين العظيم لكانت حياتنا جنة والله، اقرأ التاريخ اقرأ مواقف الصحابة، اقرأ التابعين، اقرأ عن الورع، والرحمة، والإحسان، الدين ما انتشر في العالم المعلومات، لا بإلقاء المحاضرات، ولا بالمؤتمرات، الدين لا ينتشر بهذه الطريقة، ينتشر أن تكون حياة المسلمين متميزة صارخة، هذا الفرق بين الفطرة والصبغة، الآن الناس في الأرض جميعاً البطولة يقدروها، الموقف العدل يقدرونه، الرحمة يقدرونها، هم لا يعدلون، ولا يرحمون، لكنهم يقدرون الرحمة والعدل، أما الصبغة فأن تكون رحيماً، وأن تكون منصفاً، وأن تكون وقافاً عند حدود الله، وما مِن قصة تهز مشاعرنا إلا إذا كانت تعبّر عن تمسك المسلم بإسلامه.
عندنا تجارب معاصرة لمثل هذا، ذكرت مرة أن بلد إسلامي طابعه علماني، لأن أحد رؤساء الوزراء أراد أن يؤذن باللغة العربية فشنق، ولأن نائبة في البرلمان وضعت على رأسها الخمار فسحبت منها الجنسية، وطردت من المجلس، إنه موقف عنيف جداً ضد المسلمين، لكن بعد حين قدمت خدمات عن طريق البلديات رائعة لأناس مسلمين، فقنع الناس بهذا الإسلام، وألغيت الرشوة، أنشأ السدود، قدمت خدمات كبيرة جداً، القصة طويلة، وهؤلاء الذين قدموا الخدمات ما تكلموا عن الإسلام ولا كلمة، لكن الأسعار انخفضت، والديون قلّت، وسعر العملة ارتفع، ثلاثة عشر ألف مومسا تابت وتزوجت، قدموا إنجازا حضاريا، الآن الأمر بيدهم، وتعديل الدستور بيدهم، وسن القوانين بيدهم، وما تكلموا في الإسلام ولا كلمة واحدة، بل قالوا: نحن علمانيون من أجل أن تكونوا مطمئنين، القضية واضحة جداً كالشمس، تتكلم أتكلم، تقيم مؤتمرا أقيم مؤتمرا، أما لما تكون وقافا عند حدود الله تكسرني، تكون مستقيما تكسرني.
والله يا أيها الإخوة، لا تتصور أن الله عز وجل يفرج عنا إلا إذا عدنا إلى حقيقة هذا الدين، أما النشاط الإعلامي، والنشاط السياسي، والنشاط الاقتصادي، هذا كله لا يشكل بمجموعه سببا كافيا لأنْ ينصرنا الله عز وجل .
لذلك الفطرة شيء، والصبغة شيء آخر، الصبغة أن ترى موقفا أخلاقيا، أن ترى إنصافا، أن ترى صدقا، أن ترى أمانة، أن ترى ورعا.

(( وركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط ))

[ أخرجه الشيرازي والبيهقي عن أنس ]

الصبغة اتصال بالله، الصبغة اشتقاق الكمال من الله عز وجل، الصبغة ورع، الصبغة رحمة، الصبغة عدل، الصبغة حب، الصبغة عمل الصالحات.
أما الفطرة فبصراحة لو أن مجموعة لصوص سرقوا ماذا يقولون لزعيمهم ؟ لا تظلم، وزِّع بالعدل، هم سارقون، لكن الفطرة في أصل جبلتهم، وليس لك فضل بالفطرة، هكذا جبلت، هكذا جبلت على الفطرة، أما فضلك فبالصبغة، لذلك الفرق بين الفطرة والصبغة فرق كبير، بين أن تحب الخير وأن تكون خيراً، بين أن تحب العدل وأن تكون عادلاً، بين أن تحب الإنصاف وأن تكون منصفاً فرقٌ كبير.

 

قمّة عدل النبي عليه الصلاة والسلام:

القصص كثيرة جداً، يمكن أن يسرق درعٌ، ويوضع في كيس طحين / والكيس مثقوب، وأخذ هذا الدرع إلى بيت يهودي ليكون أمانة عنده، واليهودي قبِل هذه الأمانة درع، ثم يفتقد الدرع صاحبُه، فبحث عنه، وقيل له: اليهودي هو السارق، والذي دبر هذه الحيلة أنصاري محسوب على المسلمين، لأن النبي عليه الصلاة والسلام تمنى، وهذا شأن كل إنسان، تمنى أن يكون الخبر صحيحاً، اليهودي هو السارق، والأنصاري بريء، والحقيقة معاكسة، الأنصاري هو السارق، واليهودي بريء، أيعقل أن يأتي وحي السماء ليخاطب النبي عليه الصلاة والسلام بقوله:

﴿ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا ﴾

( سورة النساء )

هذا الدين، الوحي دافع عن إنسان عدو لدود، واتهم إنسانا محسوبا على المسلمين، هذا هو العدل، إن لم نكن كذلك فلا نتصور أن الله عز وجل سوف ينفذ وعده بالنصر لنا، النصر له ثمن.

 

هذا ملخّص ما بين الفطرة والصبغة:

الصبغة والفطرة، فالفطرة أن تحب الخير، لكن الصبغة أن تكون خيراً، الفطرة أن تحب الرحمة، لكن الصبغة أن تكون رحيماً، الفطرة أن تحب العدل لكن الصبغة أن تكون عادلاً، والصبغة أكبر ثمرة من ثمرات الإيمان، أكبر ثمرة من ثمرات الإيمان أنك تصطبغ بكمال الله عز وجل.
لذلك أيها الإخوة الكرام:

﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾

( سورة الأعراف الآية: 180 )

أي: أنك لن تستطيع أن تتقرب إلى الله بوسيلة أكبر من أن تتخلق بالكمال الإلهي، الله رحيم فارحم مَن دونك.
أيها الإخوة الكرام، لما قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))

[ البخاري عن سهل بن سعد]

هذا الضعيف، ضعيف يمكن أن تهمله، يمكن أن تسحقه، يمكن أن تعتم عليه، لا معه إعلام ولا معه قوة، ضعيف مقهور مظلوم، أنت كمؤمن لو أنصفت هذا الضعيف، إن أطعمته إن كان جائعاً كسوته إن كان عارياً، أنصفته إن كان مظلوماً، علمته إن كان جاهلاً، آويته إن كان مشرداً، هذا الضعيف لأنه ضعيف ولأنك قوي ولأنك لست بحاجة إليه بل هو بحاجتك لأنك بدافع من خلق نبيل أكرمته الآن الله يكافئك بمكافئة من جنس عملك ينصرك على من هو أقوى منك لأنك نصرت من هو أضعف منك ينصرك على من هو اقوى منك، هذا الطريق إلى النصر.

(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))

حينما تنصر الضعيف، فتعطيه حاجته وتنتصر له يتفضل الله عز وجل علينا بالنصر إن شاء الله.

(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))

دائماً النبي عليه الصلاة والسلام يعلمنا أشياء كثيرة، رجل دخل إلى بستان أنصاري، وأكل من دون إذنٍ، فشكاه الأنصاري إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وسيق إليه على أنه سارق، ماذا قال له النبي عليه الصلاة والسلام ؟ قال له:

(( هلاّ علمته إذا كان جاهلاً، وهلا أطعمته إذا كان جائعاً ))

[ ورد في الأثر ]

انظر إلى المعالجة، هل بحثت عن أسباب المشكلة ؟ قبل أن تقيم عليه الحد، قبل أن تعاقب، قبل أن تثور، قبل أن تغضب، قبل أن تتوعد، هل قلت: لماذا فعل هذا ؟ أحياناً يقول لك: ضبطته بسرقة، السارق سارق، لكن يا ترى هل من المعقول أن تعطيه مبلغا لا يكفيه يومين طوال الشهر ؟ هناك سبب، وأنا لا أدافع عن الخطأ أبداً، لكن كل خطأ له سبب، أنت كمؤمن تبحث عن السبب، وإذا ظهر السبب بطل العجب، هناك ظلم شديد، أحياناً ظلم من قِبل صاحب العمل، هناك يد عاملة متوافرة كثيرة، يضع رقما أقلّ من حاجة الإنسان بكثير، فيقبل الإنسان، لكن للإيمان الضعيف، وقد وأتيح له أن يأخذ ما ليس له فأخذ، فضبطته أنت، العمل خطأ كبير، وأنت مخطئ لأنك ما أعطيته حاجته، ما أعطيته ما يستحق، فلا بد من مراجعة الحسابات.
أيها الإخوة، عندنا في حياتنا خلل كبير، عندنا وضع خطير، عندنا عدوان شرس، عندنا دول تتكالب على ثرواتنا، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ))

[ أبو داود ]

وقد وقع مثل هذا الشيء، ثلاثون دولة محتلة لأفغانستان، والعراق والصومال محتلة وفلسطين كلها بلدان محتلة.

(( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، مليار وخمس مئة مليون، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ))

[ أبو داود ]

هذه هي المشكلة، الوضع واضح جداً، نحن أمة الإسلام، نحن أمة القرآن الكريم، نحن أمة الوحيين، معنا وحي، فإذا عدنا إلى هذا الدين العظيم، نصلي جميعاً، نصوم جميعاً، نحج جميعاً، في الحج أحياناً أربعة ملايين، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( لن يهزم اثنا عشر ألفا من قلة ))

[ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم في المستدرك عن ابن عباس ].

العبرة لا بالكم بالنوع.

 

( 2 ) بين الطبع والتكليف:

1 – بين الطبع والتكليف تناقض حادٌّ:

أيها الإخوة، بقي موضوع الطبع والتكليف، بين الطبع والتكليف تناقض، الطبع شيء فطرت عليه، فأنت تميل إلى النوم، ففي أيام الشتاء الباردة تكون في فراش وثير، ومن الصعب بمكان أن تنزع عنك الغطاء، وأن تتوضأ بالماء البارد، وأن تصلي، الطبع أن تبقى نائماً، والتكليف أن تستيقظ، الطبع أن تأخذ المال، والتكليف أن تعطيه، الطبع أن تملأ عينيك من محاسن النساء، والتكليف أن تغض البصر، الطبع أن تخوض في فضائح الناس، والتكليف أن تسكت، فالطبع يتناقض مع التكليف.

2 – الطبع أقرب إلى الجسم والتكليف أقرب إلى الفطرة:

لكن الطبع أقرب إلى الجسم والتكليف أقرب إلى الفطرة دقق الآن، الطبع أقرب إلى الجسم، الجسم يرتاح بالنوم، فلو أن إنسانا سمع أذان الفجر، وما صلى، يستيقظ يشعر بكآبة وانقباض، لكن جسمه مرتاح، لأنه شبع من النوم، أما لو قام وصلى، ورجع فنام يستيقظ الساعة التاسعة براحة نفسية لا توصف، لأنه صلى الفجر في وقته.
إذاً: الطبع أقرب إلى الجسم، والتكليف أقرب إلى النفس، لما يكون الأمر بيده، ويقدر أن يأخذ مبلغا فلكيا دون أن يعلم أحد، ثم يأخذه، فإنه يمكن أن يشتري سيارة به، ويمكن أن يغير بيته، لكن يشعر بكآبة لأنه أكل مالا حراما، واعتدى على حقوق غيره، أو لم يقسم هذه التركة بالعدل، أما لما يؤدي الحقوق لأصحابها تماماً يشعر براحة نفسية، فصار التكليف أقرب إلى الفطرة، والطبع أقرب إلى الجسم.

3 – تناقض الطبع مع التكليف يكون ثمن الجنة:

ومن تناقض الطبع مع التكليف يكون ثمن الجنة.

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾

( سورة النازعات)

من تناقض الطبع مع التكليف تكون الجنة، والله عز وجل يمتحن عباده جميعاً بقضايا مهمة، قد تكون صفقة رابحة، لكن فيها شبهة، حينما تتركها تتخذ قرارا بطوليًّا، والله بعد حين يعوض عليك أضعافاً مضاعفة لكن امتحنك بامتحان صعب البطولة أن تنجح بامتحان الله عز وجل.
إذاً الطبع يتناقض مع التكليف، الطبع أقرب إلى الجسم والتكليف أقرب على النفس، فإذا أديت ما عليك من تكاليف ترتاح نفسك، وتشعر أن الله راض عنك، وأن الله يحبك، أما إذا لبيت حاجة الجسد بخلاف منهج الله عز وجل تشعر بالكآبة.
أقول لكم كلاما دقيقا: لا يمكن أن يحتاج المؤمن الصادق إلى طبيب نفسي، هذا مستحيل، لأن الله عز وجل منحه السكينة، لما أطاعه منحه السكينة، وبالسكينة تسعد ولو فقدت كل شيء، ومن دون سكينة تشقى ولو ملكت كل شيء.
هذا هو الفرق بين الطبع والتكليف، وبين الصبغة والفطرة، وفي درس آخر إن شاء الله نتابع موضوعات مقومات التكليف، وهي من ألصق موضوعات العقيدة.

 

من الإعجاز العلمي في القرآن:

1 – وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَال

عندنا بعض القضايا في الإعجاز.

أيها الإخوة الكرام، الإنسان ينام على سريره، ما الذي يحصل ؟ له هيكل عظمي، له وزن، وفوق الهيكل العظمي عضلات، إنسان نائم بنصف جسمه تقريباً، في العمود الفقري عظم الفخذ، عظم الساق، القفص الصدري، الجمجمة، هناك عظام فوق العظام، ولحم وعضلات، وزن العظام مع ما فوقها من عضلات تضغط على ما تحت الهيكل من عضلات، هذا الضغط يسبب ضيقا في الأوعية الدموية، إذا استمر هذا الضغط يشعر الإنسان بتنميل أو خضران، وإذا جلس إنسان في درس على ركبتيه فترة طويلة يشعر بتنميل إنسان، ثم خضران، ثم لا يشعر برجله إطلاقاً، الذي يحصل أن الأوعية الدموية في المنطقة المضغوطة تنضغط وتضيق لمعتها، فتقلّ التروية، وتشعر بهذا التنميل، الله عز وجل هيأ آلية بالغة التعقيد في الجسم، ووضع في كل مكان في الجسم مراكز إحساس بالضغط، فإذا انضغطت المراكز فيما تحت الهيكل العظمي تعطي إشارة إلى الدماغ، وأنت نائم، وأنت غارق في النوم، يعطي الدماغ أمرا إلى الجسم فيقلب إلى ناحية اليمين، ثم تمضى نصف ساعة ما تحت الهيكل العظمي ينضغط، فيعطى استغاثة للدماغ، الدماغ يعطي أمرا فتقلب قلبة ثانية، فتصوّروا إنسانا نائما ثماني ساعات قلب ثمانية وثلاثين مرة، الله عز وجل قال: 

﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾

( سورة الكهف ).

أهل الكهف لو ما قلَبهم الله عز وجل خلال شهر يتفسخون تفسخا كاملا.
الآن عندنا أمراض أيها الإخوة، مرض السبات، هذا بغيبوبة كاملة، لو أن أهله ما قلبوه يتفسخ اللحم، وينزعون اللحم كمادة متفسخة من تحته، فما مِن إنسان يمكن أن يعيش لو لم يتقلب جسمُه في نومه، يموت رأساً. 

﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾

( سورة الكهف ).

والحكمة مرة على اليمين، ومرة على الشمال 

﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾

( سورة الكهف ).

وأنت نائم الدماغ صاحٍ، وجهاز الضغط يعمل بانتظام، ويعطي رسائل استغاثة، الدماغ يأمر الجسم فيغيّر نومته دون أن تشعر، هذه الآية في الحديث عن أهل الكهف من إعجاز القرآن الكريم: 

﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾

( سورة الكهف ).

2 – بلع اللعاب والإنسانُ نائم:

وأنت نائم غارق في النوم، يتجمع اللعاب في الفم فتذهب رسالة من الفم إلى الدماغ، أن اللعاب زاد، فيأتي أمر من الدماغ إلى لسان المزمار، فيفتح طريق المريء، ويغلق طريق التنفس، فتبلع ريقك وأنت نائم، كل ربع ساعة وأنت نائم لسان المزمار كان قد أغلق طريق المريء، ويفتح طريق التنفس، يفتح طريق المريء، ويغلق طريق التنفس، فتبلع ريقك، هذا تقدير مَن ؟ تصميم مَن ؟ حكمة مَن ؟ علم من ؟ قدرة من ؟ وأنت نائم شيء مذهل.
أيها الإخوة، قال تعالى: 

﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾

( سورة الكهف ).

وقال تعالى: 

﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)﴾

( سورة التين ).

3 – رد فعل الإنسان اللا إرادي:

 وأنت تمشي في الطريق سمعت بوق سيارة فاتجهت نحو اليسار، فالصوت دخل إلى هذه الأذن قبل هذه الأذن بفارق يساوي واحدا على ألف وستمئة وعشرين جزءا من الثانية، وفي جهاز الدماغ أدرك الفرق، وعرف جهة الصوت هنا قبل هنا، والفارق هكذا، يعطي الدماغ أمرا إلى الإنسان أن انحرف نحو اليسار، كيف عرفت جهة الصوت ؟ من جهاز بالغ الدقة، لذلك قال تعالى: 

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾

( سورة الذرايات )

أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
***

من التقليب وأنت نائم، إلى إنسان عند طبيب الأسنان مضطر أن يفتح فمه فترة طويلة، ماذا يفعل معه الطبيب ؟ يضع له شراقة حتى لا تشط ريالته، لأنه لا يستطيع أن يغلق فمه، وأنت نائم ينتقل اللعاب آلياً عن طريق آلية معقدة جداً بإغلاق ممر التنفس، وفتح ممر المعدة. 

﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ (11) ﴾

( سورة لقمان )

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور