- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (004)سورة النساء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الفرق بين الفرض والواجب :
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الخامس من دروس سورة النساء، ومع الآية السابعة، وهي قوله تعالى:
﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ﴾
المفروض يحتاج إلى فارض، فمن هو الفارض؟ إنه الله، قضية الإرث فرضها الله بذاته العلية، ولم يسمح لأحد من خلقه أن يتدخل فيها، ولو أنه تركها للخلق لكانت العلاقات الاجتماعية والضغوط والمحاباة سبباً في ظلم الناس بعضهم بعضاً، فلذلك أمور الإرث فرضها الله بنفسه، ولم يسمح للنبي عليه الصلاة والسلام، وهو سيد الخلق، وحبيب الحق أن يكون الأمر فيها إليه، الأمر لله وحده:
﴿ نَصِيباً مَفْرُوضاً ﴾
والفارض هو الله، وهناك فرق بين الفرض والواجب، الفرض يأتي من الأعلى، أما الواجب فينبع من الأدنى، فلان يقوم بواجبه طوعية، وفلان فرض عليه هذا الأمر من أعلى، فالفرض من أعلى، أما الواجب فمن أدنى.
أيها الأخوة الكرام، يروي العلماء أن هذه الآية نزلت في أوس بن ثابت الأنصاري، توفي، وترك امرأة يقال لها: أم كجة، وثلاث بنات له منها، فقام رجلان هما ابنا عم الميت، ووصياه يقال لهما: سويد وعرفجة، فأخذا ماله، ولم يعطيا امرأته وبناته شيئاً، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء.
عدم إعطاء البنات حقهن أحد أنواع الجاهلية :
الآن إذا احتال الأب الغني، وخص بماله أولاده الذكور، وحرم الإناث أليس هذا العمل جاهلياً؟ ويفعل هذا العمل كثير من أغنياء المسلمين، ويفعل هذا العمل كثير من أبناء بعض المناطق، ظنّاً منهم أن البنت إذا نالت من أبيها شيئاً انتقل المال إلى زوجها، وهو غريب عن العائلة، وهذا كلام مخالف للحقيقة، ومخالف لمنهج الله عز وجل، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام في بعض ما روي عنه:
((إن أحدكم ليعمل في طاعة الله ستين عام ثم يضار في الوصية فتجب له النار))
يعبد الله ستين عاماً، فإذا اقترب أجله حرم البنات وخص الذكور، بشتى الدعاوى، قد يكتب الذكور على أبيهم سندات عالية جداً، فإذا أبرزوا هذه السندات أخذوا كل مال أبيهم، هذا الإله العظيم الذي أمرك أن تعبده لا تخفى عليه خافية، هناك من يهرب من إعطاء البنات حقهن، هذا له عند الله عقاب شديد، لأن المرأة عند الله مساوية للرجل في حقوقها، وفي واجباتها، مساوية له في التكليف والتشريف والمسؤولية، فكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء.
كانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكراً، ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف.
مع أن المنطق أن تعطي الصغير قبل الكبير، لأن الكبير اشتد عوده، له بيت، وله سيارة، وله زوجة، أما هذا الصغير إذا مات أبوه، وتركه صغيراً لا شيء عنده، لذلك الجاهلية في بعض الآيات وصفت بأنها الجاهلية الأولى، وفي هذا إشارة إلى أنه سوف تكون هناك جاهلية ثانية، فعدم إعطاء البنات حقهن من آبائهن أحد أنواع الجاهلية.
ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة، فذكرت أم كجة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما، فقالا: يا رسول الله، ولدها لا يركب فرساً، ولا يحمل كلاً، ولا ينكأ عدواً، فقال عليه الصلاة والسلام: انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن، فأنزل الله هذه الآية رداً عليهم:
﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً﴾
لذلك التلاعب بالإرث تلاعب بدين الله، لا شأن لك أن تقول: هذا فقير، وهذا غني، وهذه البنت لها زوج ميسور الحال لا أعطيها، هذا ليس من شأنك، هذا شأن الشرع، والشرع محكم في حياتنا، وليس منطقنا الأعوج محكماً في الشرع.
الإرث من حق الأولاد جميعاً بحسب الفرائض التي فرضها الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام، أتمنى على كل أخ كريم مسلم أن يكون دقيقاً في توزيع ماله وفق شريعة الله لا وفق مزاجه الشخصي، والله أنا أستمع أحياناً إلى شكاوى من بعض الأخوات لا يسامحن آباءهن ولا قيد أنملة، لأنه حرمهن من الإرث، فهذا الإرث من حق الأولاد جميعاً بحسب الفرائض التي فرضها الله عز وجل:
﴿ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ﴾
أثبت الله تعالى للبنات نصيباً في الميراث، ولم يبين كم هو، قال:
﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ﴾
من قِبَل الله عز وجل، النقطة الدقيقة أن الله تولى بنفسه توزيع أموال المتوفى، ولم يَدَعْ هذا للنبي عليه الصلاة والسلام، لذلك لا يملك أحد على وجه الأرض أن يعدل في نظام الميراث، لأنه نصيب مفروض من قبل خالق الكون، ولم يبين كم هو، قال:
﴿ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ﴾
فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سويد وعرفجة ألا ينفقا من مال أوس شيئاً، فإن الله جعل لبناته نصيباً، ولم يبين كم هو حتى أنزل الله عز وجل: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).
الله تعالى جعل أصل التوزيع نصيب المرأة :
ما هي الوحدة التي بموجبها توزع الأموال؟ نصيب الأنثى، ما قال: للنساء نصف حظ الرجال، الأصل هي المرأة، قال:
﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ﴾
فجعل الله أصل التوزيع نصيب المرأة، لا تدققوا فيما آلت إليه المرأة في عصور التخلف، التي آلت إليه جاهلية ثانية، أما المرأة في أصل القرآن الكريم ونصوص النبي عليه الصلاة والتسليم لها حقوق لا تدانيها حقوق في أية أمة من أمم الأرض، من منكم يصدق أن المرأة في الجاهلية كانت تُوَرَّث وكأنها قطعة أثاث، تورث؛ ترك بيتاً وسريراً وخزانة وزوجة، هكذا، كانت المرأة تورث، فإذا هي في الإسلام كائن له شخصية مستقلة ترث وتورث، ولها الحق في إدارة مالها، بشرط ألا تسبب للأسرة متاعب هي في غنى عنها.
قال بعض العلماء: نَصِيباً مَفْرُوضاً، هو كقولك قسماً واجباً، وحقاً لازماً، أيها الأخوة، هذا الكلام يدعونا إلى أن نقدس نظام الميراث في الإسلام، لو عندك من الوقت لتقرأ القوانين التي ابتدعها كبار العلماء في الأمم السابقة لوجدت أن نظام الإسلام أروع نظام على وجه الأرض، لأنه نظام خالق الكون، لأنه تشريع الصانع، والصانع هو الخبير، لكن ما الذي يحدث؟ رجل ترك أموالاً، وترك ورثة، وحول هؤلاء الورثة أقرباء وجيران وفقراء، فهؤلاء الأقرباء والجيران والفقراء ينظرون إلى هذه الأموال كيف توزع؟ كي نستل الحقد من قلوبهم، وكي نطيب نفوسهم، وكي نجعلهم يلتفون حول هذا الذي توفي، أو حول ورثته بالعناية والرعاية، يقول الله عز وجل:
﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً ﴾
الزكاة تطهر نفس الغني من الشح و نفس الفقير من الحقد و الحسد :
أرأيت إلى هذا الشرع:
﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً ﴾
ماذا نفهم من هذا الحكم؟ تطلب أحيانا طعاماً، فيحمل لك الطعامَ صانع فقير، ألا يشتهي هذا الذي نقل لك الطعام أن يأكل قطعة، إن أخذت هذا الطعام النفيس منه، وصرفته ألا يحقد عليك؟ هو إنسان يشتهي أن يأكل، فكل إنسان حضر قسمة، أو حضر طعاماً، أو حضر توزيعاً، ينبغي أن تطعمه من هذا الطعام، طبعاً الأصل أن هؤلاء الأقرباء الذين لا يرثون، وأن هؤلاء الجيران الذين لا نصيب لهم من هذا الإرث، لكنهم حولكم أيها الورثة، هؤلاء الذين حضروا القسمة رأوا كيف توزع الأموال، كيف تقسم هذه الأموال غير المنقولة والمنقولة، ما الذي يمنع أن تعطي هؤلاء الذين حولك من الفقراء والمساكين والجيران والأقرباء شيئاً تطيب به قلوبهم، أساساً حينما قال الله تعالى عن الزكاة:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾
إذا دفع الإنسان زكاة ماله طهر من الشح، وإذا أخذ الفقير زكاة الغني طهر من الحقد، والآن حينما يرى الفقير البيوت والمركبات والمطاعم والفنادق والطعام النفيس، والثياب الجميلة، والنساء السافرات الكاسيات العاريات، وهو محروم من مأوى يسكنه، من طعام يأكله، من ثياب تستره، ماذا يفعل الغني حينما يخرج بزينته أمام الفقير؟ يملأ قلبه حقداً، ويملأ قلبه جريمة أحياناً، لذلك المجتمع الإسلامي فيه تعاون، وفيه تكافل، المجتمع الإسلامي فيه تراحم، المجتمع الإسلامي غنيه متواضع وسخي، وفقيره متجمل وعفيف، أما حينما خرج على قومه بزينته كقارون فقد قال تعالى:
﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾
خسفنا به، فإياك أن تتباهى بطعامك وشرابك وبيتك، إياك أن تزرع الألم في قلوب الآخرين، إياك أن تزرع في قلوبهم الحقد، إياك أن تتباهى بما أكلت، وما شربت، وأين سافرت، وفي أي فندق نزلت، ومع من سهرت، هذا كلام الجهلاء، قل كلاماً يؤلف القلوب، ولا تقل كلاماً يبث الأحقاد، تحدث عن الله يجتمع الناس حولك، تحدث عن نفسك يتألم الناس منك، فعوِّد نفسك على أنّ هذا الذي أمامك إنسان.
الوصية الواجبة من الآية التالية :
مثل بسيط، يركب إنسان بمركبة عامة، ويجلس إلى جانبه إنسان مع طفل صغير، يأكل الفستق والفواكه والموز، ولا يخطر بباله أن يضيِّفَ الصغير شيئاً مما يأكل، هذا وحش، إنسان يشتهي ما تأكل، بالمقابل لا تعطِ ابنك إلى مدرسته شيئاً غالي الثمن، أحيانا يعطيه خمسمئة ليرة، وهو في الحضانة، يعطيه أكلات ثمنها مئة ليرة فما فوق، له رفيق فقير:
(( ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده ولا تؤذه بقُتَار قدرك إلا أن تغرف له منها ))
الإسلام فيه تعاطف، المؤمن الكريم متواضع، يشعر بمن حوله، لا ينفرد في طعام أو شراب:
((وإذا اشتريت فاكهة فأهد له فإن لم تفعل فأدخلها سِرًّا ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده ولا تؤذه بقُتَار قدرك إلا أن تغرف له منها ))
آية واحدة يبنى منها مئة حكم.
﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ ﴾
قريب محجوب، محجوب بالمصطلح الفقهي، والمعنى أنه لا يرث، العلماء استنبطوا الوصية الواجبة الآن من هذه الآية، يعني إنسان مات في حياة والده، أولاده لا يرثون، الوصية الواجبة انطلاقاً من هذه الآية أعطتهم نصيباً، لآن المتوفى جدهم، ولأن أباهم مات في حياة جدهم يأخذون شيئاً، إذاً الوصية الواجبة جاءت لتقرر هذه الآية هؤلاء حضروا القسمة، توفي جدهم، وأعمامهم أخذوا، هم لم يأخذوا، لأن والدهم توفي في حياة جدهم.
﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ ﴾
قس عليها حالات لا تعد ولا تحصى، جاء إليك إنسان بطعام فأطعمه منه، جاء لك بفاكهة فأطعمه منها، قدم لك خدمة فأعطه ما يقابلها كي تستل منه الحق، وكي تزرع في قلبه الحب.
الإنسان مأمور بالعدل والإحسان :
أخواننا الكرام، نحن الآن في أمس الحاجة إلى الحب، عندنا مساجد، وعندنا مكتبات، ونعقد مؤتمرات، لكن الحب الذي كان بين الصحابة نفتقده اليوم، ينبغي أن نؤسس هذا الحب، على التبادل، وجبت محبتي، كما قال الله عز وجل في الحديث القدسي:
(( وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ))
(( والمُتَحَابّونَ فيّ جَلاَلِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النّبِيّونَ وَالشّهَدَاءُ ))
أنا أرى أنه من واجبنا جميعاً أن يحب بعضنا بعضاً لا بالكلام ولكن بالفعل، إذا زرت أخاك، إذا أعنته، إذا تفقدت أحواله، إذا أعطيته، إذا استنصحته، إذا رفقت به أحبَّك، فالنبي أمرنا بأسباب الحب، ونهانا عن أسباب البغضاء:
((كل المسلم على المسلم حرامٌ دمه، وعرضه، وماله))
بالعكس في آية أخرى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾
كيف؟ لي جيبان نقلت ألف ليرة من جيب إلى جيب، فماذا فعلت؟
﴿ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾
أي؛ لا تأكل مال أخيك، الله سماه مالك، هو مالك من زاوية واحدة، من زاوية وجوب الحفاظ عليه فقط، فإذا كنت مكلفاً أن تحافظ عليه فلأن تمتنع من أكله من باب أولى، تماماً لو قلت لرجل أعرته مركبتك: عدَّها سيارتك، ما معنى ذلك، تتملكها يعني؟ لا، أن تعتني بها وكأنها سيارتك،
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾
يعني مال أخيك مالك، من زاوية وجوب الحفاظ عليه وكأنه ماله، إذاً:
﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى ﴾
الأقرباء الذين لا يرثون بالنصيب المفروض، بالمناسبة:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾
كما أنك مأمور بالعدل فأنت مأمور بالإحسان، العدل: توزيع الأموال وفق النصيب المفروض، والإحسان:
﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ ﴾
العدل: قسري، والإحسان: طوعي لكنك مأمور بالعدل والإحسان.
العدل نصيب مفروض فهو قسري أما الإحسان فهو طوعي :
أيها الأخوة الكرام، ألف قضية لا تستقيم على العدل، لكنها تستقيم على الإحسان، قال لي مرةً أخ: أنا اشتريت هذا المحضر في دكان لإنسان فقير هدمها له بحسب القانون، فسألته: لمَ فعلت هذا؟ قال: ليس له عندي شيء، أنا اشتريت هذا المحضر، وهذا الإنسان ينبغي أن يقدم لي هذا المحل فهدمته، قلت: والله شيء رائع، هذا هو العدل، فأين الإحسان؟ فسكت، والله دفع شيئاً من زكاة ماله، واشترى لصاحب هذا المحل محل في مكان آخر، فإذا كانت القضية لا تستقيم على العدل يسعها الإحسان، عود نفسك أن تكون منفذاً لهذه الآية التي يقرؤها ويتلوها خطباء المساجد من ألف عام عقب كل خطبة:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾
والله التقيت بشخص، طلقت زوجة أبيه، أعطيت حقها كاملة، فابنه من أهل اليسار والغنى، يجعل لها راتباً شهرياً من عشرين عاماً، لا يتغير أبداً، قضية الإحسان قضية واسعة جداً، بالإحسان تحل كل مشكلاتنا، العدل قسري، العدل نصيب مفروض، أما الإحسان فهو طوعي:
﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾
الله عز وجل له مقاييس غير مقاييس البشر :
أيها الأخوة الكرام، يقول بعض العلماء: ضيع الناس هذه الآية، وقال الحسن: لكن الناس شحوا أي؛ بخلوا، لكن هذا الحق حق على المحسنين، وعلى المتقين، وعلى المؤمنين (فارزقوهم منه)، يعني أعطوهم جزءاً من هذا الميراث:
﴿ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾
قال: إذا كانت الأموال قليلة جداً لا تسع من حضر القسمة، ترك شيئاً لا يذكر، لا يحتمل أن تعطي آخر، فإن لم تعطه قال:
﴿ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾
يعني اعذرونا الوضع في ضيق، والورثة فقراء، والمبلغ قليل، هؤلاء أيتام إن لم تعطهم فلا بد أن تقول لهم قولاً معروفاً، وإن أعطيتهم فينبغي أن تقول لهم كما قال بعض العلماء، هذا المبلغ قليل، لكن إن شاء الله في مناسبات أخرى لا نقصر معك، اعذرنا لقلة هذا المبلغ، وفي كلام آخر هذه هدية، هناك من يعطي ويؤذي، خذ زكاة مالي، لماذا هذه الغلظة يمكن أن تؤدي زكاة مالك دون أن تقول: هذه زكاة مالي، على شكل هدية، على شكل مناسبة، انتهز مناسبة، انتهز أول العام الدراسي فرضاً، بأيام رمضان، بالعيد، يمكن أن تستشف ما يحتاجه هذا البيت، وأن تأتيه بحاجة أساسية دون أن تذله، وأن تقول له: أنت فقير وهذه زكاة مالي:
﴿ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾
قال بعضهم: من القول المعروف خذ بورك لك فيه، من القول المعروف وددت لو كان أكثر من هذا، من القول المعروف لا تستحي من إعطاء القليل، فإن الحرمان أقل منه، انتقِ كلاماً لطيفاً، طيب به قلب الفقير، ولعل هذا الفقير أقرب إلى الله منك، ولعل قلامة ظفر هذا الفقير أعظم عند الله من مئة من أمثالك، لعل الله له مقاييس غير مقاييس البشر.
((ربَّ أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره))
المنطلق من الآية التالية عامل الناس كما تحب أن يعاملوك :
ثم يقول الله عز وجل:
﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾
المنطلق من هذه الآية عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، لو أنك غادرت الدنيا، ولك أولاد ضعاف كيف تحب أن يعامَلوا بعد موتك؟ فإذا كنت وصياً على أيتام فعاملهم كما تحب أن يعامَل أولادك بعد وفاتك، ارعَ حقهم، وارع أموالهم، وأدبهم، وعلمهم، واعتنِ بهم:
﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ ﴾
في الأيتام الذين تحت وصايتهم، ليعاملوا الأيتام التي تحت وصايتهم كما يتمنون أن تعامل ذريتهم الضعيفة بعد موتهم، هذا المعنى الدقيق:
﴿ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾
لا تنصح بغير كلام الله وسنة رسوله :
أيها الأخوة الكرام، إذا سألك رجل: نويتُ أن أكتب هذا البيت لأولاد الزوجة الجديدة، أحبها كثيراً، وأحرم أولاد الزوجة القديمة، لا تقل له: معك الحق، وتجامله، تكلم بالقول السديد، قل له: لا يجوز، هذا يوجب لك النار، لا تجامله، لا:
﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ ﴾
لمن يستنصحهم:
﴿ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾
ذكره بالآخرة، ذكره أن هذه البنت الذي حرمتها ربما تقف يوم القيامة تحت العرش، وتقول: يا رب لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي، لأنه حرمني، حينما تميز الذكور على الإناث فأنت جاهلي، جاهلي بالكلمة العريضة:
﴿ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾
إذا استنصحوا، لا تنصح بغير كلام الله، لا تنصح بغير سنة رسول الله، لا تجامل أحداً، قال: يا رسول الله اشهد ـ النعمان بن البشير ـ أني نحلت ابني حديقة، قال: يا نعمان ألك ولد غيره؟ قال نعم، قال: هل نحلتهم جميعاً كما نحلت هذا؟ قال: لا، قال: فأشهد غيري فإني لا أشهد على جور:
﴿ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً﴾
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾
(( الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم))
قصة عن أكل أموال اليتامى تؤكد عدل الله وحكمته ورحمته :
ثم يقول الله عز وجل:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً﴾
يعني إنما يأكلون في بطونهم مالاً سوف يوجب لهم دخول النار، هذا اسمه مجاز عقلي بما سيأتي، كأن تقول: رعينا الغيث، الماء لا يرعى ولكن يرعى الكلأ، فإذا قلت رعينا الغيث لما سيكون.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾
أيها الأخوة، قضية الأموال قضية خطيرة جداً:
(( يغفر للشهيد كل شيء إلا الدَّين))
وقد استوقفني مرة إنسان في الطريق، وخرج من دكانه غاضباً، وقال: سمعت اليوم قصة لم أستطع تفسيرها، قلت: تفضل، قال: جاء إنسان إلى محلي التجاري في أحد أسواق دمشق القديمة ليبيع الأقمشة، وليسترزق رزقاً حلالاً لأولاده، سمع صوت إطلاق النار، مد رأسه ليرى من يطلق النار فإذا برصاصة تستقر بعموده الفقري، فشُلَّ فوراً، هو أخذ الحادثة على ظاهرها، قال: ما ذنبه؟ جاء ليسترزق، جاء ليفتح دكانه، والعمل عبادة، فما تفسير هذا؟ قلت: والله لا أعلم، لا يمكن أن تفهم عدل الله من خلال أفعاله، إلا أن يكون لك علم كعلم الله، والله لا أعرف، أنا مؤمن بعدل الله وحكمته ورحمته، أخ كريم بعد عشرين يوماً حدثني عن قصة لم يعلم ما أبعادها عندي، قال لي: لي جار يسكن فوقي، وقد أكل أموال الأيتام، يعني أولاد أخيه لهم عنده ثمن بيت تقريباً، وأكله زوراً وبهتاناً، احتكموا إلى أحد علماء دمشق ممن توفاهم الله عز وجل، هذا العالم جاء بهذا العم ليحمله على إعطاء أولاد أخيه حقهم، فركب رأسه، وقال: أنا لا أعطيهم شيئاً هذا الحاضر، اتجه هذا العالم لأولاد الأخ فقال: يا بني هذا عمكم لا تشكوه إلى القضاء، هو عمكم، ولكن اشكوه إلى الله، هو نفسه الذي أطل من دكانه فاستقرت رصاصة جعلته مشلولاً ثاني يوم الساعة التاسعة، هو نفسه، سألته: أين هو؟ قال: هو له محل في السوق الفلاني، قلت: منذ متى؟ قال: من عشرين يوماً، هو نفسه، فالله كبير.
على الإنسان أن يجعل بينه وبين مال اليتيم هامشاً واسعاً :
بموضوع الأموال يجب أن نخاف الله خوفاً لا حدود له، لأنك لو بذلت أثمن ما تملك، وهي روحك، وعليك دين لا تنجو من عذاب الله، فكيف لو أكلت أموال اليتامى ظلماً؟!
كان عليه الصلاة والسلام إذا دعي للصلاة على أحد أصحابه يقول: أعليه دين؟ فإن قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، ما كان يصلي عليه، فكيف إذا أكل أموال اليتامى ظلماً:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾
هذا العمل سوف يوصلهم إلى جهنم، فالإنسان يعد للمليون قبل أن يأكل درهماً حراماً ليخشَ الله عز وجل، ولاسيما إذا كان المال مال يتيم، بل إن مال اليتيم يقول الله فيه:
﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ ﴾
اجعل بينك وبينه هامشاً واسعاً، هذا هو حكم الشرع، في درس قادم إن شاء الله نتحدث عن آيات المواريث.
أسئلة عامة :
سؤال: قال أحدهم إغلاق العينين في الصلاة من أجل الخشوع يبطل الصلاة؟
الجواب: لا، لا يبطلها، لكن إذا أغمضت عينيك، وأنت تصلي في مكان فيه أفاعٍ، وفيه عقارب، وفيه أخطار لا تستقيم صلاتك، أما إذا دخلت إلى مسجد ورأيته مزخرفاً، هذه الآية والله خطها جميل، وأنت تصلي، وهذه المروحة ما نوعها، وأنت تصلي، لا، أغمض عينيك، أغمضها وارتَحْ، إذا أردت أن تفتح عينيك، وأن تتأمل ما حولك وأنت في الصلاة، لا، الأولى أن تغمض عينيك، أما إذا في مكان، والمكان فيه خطر إذا أغمضت عينيك لا تستقيم صلاتك، تقلق، افتح عينيك.
سؤال: ما حكم الاحتفال بعيد الأم؟
الجواب: أخواننا نحن عندنا ثلاثمئة وخمسة وستين يومَ عيد أم، والأصح عندنا ثلاثمئة وخمسة وستين ضرب اثنين، إذا كانت والدتك قريبة منك، تريد أن تزورها صباحاً ومساء، نحن لسنا أولاداً عاقين، من السنة للسنة مرة، فنحن عندنا في إسلامنا ثلاثمئة وخمسة وستين يوم عيد أم، أما هذا العيد فهو لغيرنا، هذا العيد لإنسانة تنتظر ثلاثمئة وخمسة وستين يوم يطل عليها بالسنة يوم، ولا يأتي أيام، والله حدثني أخ زار ألمانيا بمعرض، لم يجد فندق، سكن في بيت، قال لي: ما وقعت عيني على حديقة في حياتي أجمل من هذه الحديقة فسألت صاحبة البيت: ما سر ذلك؟ قالت: والله أنا أزينها، لعل أولادي يأتون في العام مرة، أصنع لهم أطيب الطعام، وأعتني بالحديقة كي يجلسوا جلسة، بثلاثمئة وخمسة وستين يوماً تنتظر مجيئهم، يوم كان عندها اعتذروا، فبكت بكاء كادت تموت فيه من الألم، فذهب إلى السوق، واشترى لها الهدايا هو، هذا العيد ليس لنا، هذا العيد لأناس عاقين، قال لي رجل: أنا جئت من بريطانيا لأسكن في الشام، وأنا في بحبوحة كبيرة جداً، وسيارته فخمة جداً، ولديه فيلا، قلت له مداعباً: ما الذي حملك على أن تأتي إلينا؟ قال لي: والله يسكن في بناء مجاور في الطابق الأخير إنسان، في لندن الجو بارد جداً، والأبواب محكمة، والنوافذ محكمة، فمات هذا الجار، ومضى على موته ستة أشهر، وله في لندن أربعة أولاد أو خمسة، لم يخطر في بال أحد أولاده أن يأتيه مرة زائراً في هذه الأشهر فرأى مصيره، أراد أن يعود إلى بلده، هذا العيد لهؤلاء، لهؤلاء العاقين، أما نحن فعندنا ثلاثمئة وخمسة وستين عيد أم، كل يوم.
ما حكم النظر إلى النساء؟
لزوجتك مباح من دون قيد أو شرط، لمحارمك بثياب الخدمة، للأجنبيات محرم.
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾
سؤال: قال معظم المسلمين ممن يكونون مؤدين لأمور العبادة بشكل كامل، من صلاة، وزكاة، وصيام، وغير ذلك، ولكنهم لا يقومون بتقويم أسرهم، وإرشادهم، حيث إنك تجد معظم الأسر يتبعون المسلسلات والأفلام، ويستمعون إلى الأغاني دون أن يوجهون أهليهم بالنصح والتوجيه، فهل هذه العبادات تصح منهم بحيث أنها أصبحت عبادة سلبية لا أثر فيها.
الجواب: لا بد أن يستمروا على عبادة الله، ولكن ينبغي أن يجمعوا معها الاستقامة على أمر الله، من أجل أن يقطفوا الثمار الصحيحة.
سؤال: هل يجوز توزيع الزكاة خارج البلد الذي جمعت فيه؟
الجواب: الأصل أن توزع الزكاة في البلد التي جمعت منه الزكاة، لأن فقراء هذا البلد أولى بزكاة الأغنياء الذين هم سبب غناهم من بلد آخر، إلا لمصلحة راجحة، إذا أنت عندك بيت لكن غيرك ليس عنده بيت، هدم بيته، فإذا كان في مصلحة راجحة، ولك طريق آمن إليهم، يجوز أن تنقل أموال الزكاة من بلد إلى بلد.
سؤال: هل يجوز الدعاء في صلاة الفرض؟
الجواب: هي الصلاة دعاء، أما يا رب زوجني فلانة بنت فلان خائنة، ومثل هذه التفاصيل في الدعاء تفسد الصلاة، يا رب أريد دولارات مثلاً، أي اسم لم يرد في الأدعية المأثورة فثمة مشكلة، لأن الصلاة دعاء.