الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
زوجة الأب لا ينبغي أن يتزوجها ابنه من بعده صوناً لمكانة الأب:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس العاشر من دروس سورة النساء، ومع الآية الثانية والعشرين من هذه السورة، وهي قول تعالى:
﴿ وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَمَقۡتًا وَسَآءَ سَبِيلًا(22)﴾
في الآية السابقة حينما نهانا الله عز وجل أن نرث النساء كَرهاً، فبياناً لمكانة المرأة، وصَوناً لمكانتها في الإسلام، فلا ينبغي أن تكون المرأة متاعاً يُورَّث من زوج إلى أولاد، إذاً صوناً لمكانة المرأة فقد حرّم الله جل جلاله أن تُورَّث المرأة كمتاع يملكه المُورِّث، لأن في هذا إهانة لها، لكن يقول الله عز وجل:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهًاۖ وَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ لِتَذۡهَبُواْ بِبَعۡضِ مَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡـًٔا وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرًا كَثِيرًا(19)﴾
لو أنها رضيت أن تتزوج ابنه بمحض إرادتها، وانطلاقاً من مصلحتها جاء تحريم آخر، التحريم الآخر صَوناً لمكانة الأب، فهذه زوجته لا ينبغي أن يتزوجها ابنه من بعده، صوناً لمكانة الأب، فحينما قال الله عز وجل: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهًاۖ﴾ هذا التشريع صوناً لكرامة المرأة، وصوناً لكرامة الأب جاء التحريم قطعياً كرهاً أم طوعاً: ﴿وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَمَقۡتًا وَسَآءَ سَبِيلًا﴾
الله عز وجل عقّب على زواج الابن من زوجة أبيه بالذم البالغ المتتابع:
كان الناس أيها الإخوة يتزوجون امرأة الأب برضاها بعد نزول قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهًاۖ﴾ حتى نزلت هذه الآية: ﴿وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم﴾ فصار حراماً في الأحوال كلها، والنكاح يقع على الجماع والتزويج، فإذا تزوج الأب امرأة حُرِّمت على ابنه قطعاً. وقد ورد في الأخبار أن الأشعث بن سوّار قال: توفي أبو قيس، وكان من صالحي الأنصار، فخطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت: إني أعِدك ولداً، ولكن آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمره أي أستفتيه، فأتته فأخبرته، فأنزل الله هذه الآية، إذاً كحكم شرعي قطعي لا كَرهاً ولا رضىً لا يجوز للابن أن يتزوج امرأة أبيه، وحينما قال الله عز وجل: ﴿إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۚ﴾ أي تقدم ومضى، فالذي مضى معفوٌّ عنه، هذا التشريع ليس له حكم رجعي. من هم السلف؟ من تقدم من آبائك، وذوي قرابتك، ثم يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَمَقۡتًا وَسَآءَ سَبِيلًا﴾ فعقّب الله عز وجل على هذا الفعل بالذم البالِغ المتتابع، وذلك دليل على أنه فعل غاية في القبح، وأصل المقت، وهو فُحْش، ومقت، وطريق سيئ إلى مبتغاك، ثم يقول الله عز وجل:
﴿ حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُمۡ وَعَمَّٰتُكُمۡ وَخَٰلَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمۡ وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ وَحَلَٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا(23)﴾
الله سبحانه وتعالى حرم سبعاً من النسب وستّاً من الرضاع والمصاهرة:
أيها الإخوة، هذه آية في أحكام الزواج أولاً: ﴿حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ﴾ طبعاً نكاح الأم محرم تحريماً قطعياً شمولياً، لا يمكن أن يكون إليه سبيل ولا بشكل من الأشكال، فالأم مهما علت، الأمُ وأم الأمِ، ولكن قبل أن نأتي على التفاصيل نقول: إن الله سبحانه وتعالى حرّم سبعاً من النسب، وستّاً من رضاعٍ، وصهرٍ، وألحقت السنة تحريماً آخر، حرم سبعاً من النسب، وستاً من رضاع ومصاهرة، وألحقت السنة المتواترة سابعة محرمة، وسيأتي تفصيل ذلك فالسبع المحرمات هي: الأمهات، والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت.
والسبع المحرمات بالمصاهرة هن: الأمهات من الرضاعة، والأخوات من الرضاعة، وأمهات النساء، والربائب، وحلائل الأبناء، والجمع بين الأختين، والسابعة كما قال عليه الصلاة والسلام: حرم أن يجمع الإنسان بين الزوجة وعمتها، وبين الزوجة وخالتها، هذا موجز، وسيأتي تفصيل ذلك.
تحريم سبعاً من النسب هو تحريم قطعي لا سبيل إلى تحليله:
أيها الإخوة، حينما قال الله عز وجل: ﴿حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ﴾ تحريم الأمهات عام في كل حال، لا يتخصص بوجه، كلمة لا يتخصص أي ليس هناك نص شرعي يخصص هذا التحريم العام، أو يبيحه، هذا النوع من التحريم يسميه علماء الأصول التحريم المُبهَم الذي لا سبيل إلى تحليله، لا بحالة خاصة، ولا بشيء آخر، تحريم البنات والأخوات ومَن ذُكِر من المحرمات، فالأم كما قال العلماء: اسم لكل أنثى لها عليك ولادة، وإن شئت قلت: كل أنثى يرجع نسبها إليك بالولادة بدرجة أو درجات، فيدخل في هذا الأم، وأمهاتها، وجداتها، وأم الأب، وجداته، وإن علَوا، أعيدها ثانية: الأم هي كل أنثى لها عليك ولادة، أي أنت من نسلها، فيدخل في ذلك الأم، وأمهاتها، وجداتها، وأم الأب، وجداته، وإن علَوا.
والبنت اسم لكل أنثى لك عليها ولادة، وإن شئت قلت: كل أنثى يرجع نسبها إليك بالولادة بدرجة من الدرجات، يدخل في ذلك بنات الصُّلب، وبناتها، وبنات الأبناء، وإن نزلوا، فحينما قال الله عز وجل: ﴿حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ﴾ أي الأمهات مهما علَون، ومهما تفرّعن في العلو، والبنات مهما نزلن، ومهما تفرّعن في النزول، الأم مطلقة، والبنت مطلقة محرمة تحريماً قطعياً لا سبيل إلى تحليله.
والأخت: كما قيل اسم لكل أنثى جاورتك في أصلَيك، أو في أحدهما، أي الأخت الشقيقة، أو الأخت لأب، أو الأخت لأم، جاورتك في أصلَيك؛ في أمك وأبيك، أو في أحدهما.
والعمة: اسم لكل أنثى شاركت أباك أو جدك في أصلَيه، أو في أحدهما، فأخت الأب، وأخت الجد عمة، وإن شئت قلت: كل ذكرٍ رجع نسبه إليك فأخته عمتك.
والخالة: اسم لكل أنثى شاركت أمك في أصلَيها، أو في أحدهما، وإن شئت قلت: كل أنثى رجع نسبها إليك بالولادة، فأختها خالتك.
وبنت الأخ: اسم لكل أنثى لأخيك عليها ولادة بوساطة أو مباشرة، وكذلك بنت الأخت، فهذه السبع المحرمات من النسب؛ الأمهات، والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت.
للتوضيح نقول: الأم مهما علت، الجدة لأب، الجدة لأم، وهكذا، والبنت بنتك الصلبية، أو بنت ابنك، أو بنت ابنتك، مهما نزلن وتفرعن، ومهما علَونَ وتفرعن، هذه من التحريم القطعي، ثم الأخت يجمعك مجاورة مع أصلَيها، أي شقيقة، أو مع أحد أصليها، أختٌ لأم، أو أختٌ لأب، والعمة، والخالة كما شرحنا سابقاً.
الأصول السبعة النسبية مجموعة في زمرتين زمرة أصل وفرع وزمرة جوار:
إذاً: ﴿حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُمۡ وَعَمَّٰتُكُمۡ وَخَٰلَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ﴾ بالمناسبة علاقة النسب ترجع هذه الأصناف السبعة إلى أصلَين؛ علاقة أصل أو فرع، وعلاقة مجاورة، فالأخت، والعمة، والخالة، وبنات الأخت، وبنات الأخ علاقة مجاورة، أما الأم والبنت فعلاقة أصل أو فرع، فالعلاقة شاقولية أو أفقية، العلاقة الشاقولية الأم والبنت، الأم ارتفاع، والبنت نزول، والعلاقة الأفقية أخت، أو عمة، أو خالة، أو بنت أخت، أو بنت أخ، فهذه الأصول السبعة النَّسَبية مجموعة في زمرتين؛ زمرة أصل وفرع، وزمرة جوار، فربنا جل جلاله لبلاغة القرآن وإعجازه وإيجازه قال: ﴿وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ﴾ فذكر من كل زمرة واحدة، فجاء عليه الصلاة والسلام وقال:
(( يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ ))
[ متفق عليه عن ابن عباس ]
أي كل علاقات الرضاعة كأصل وفرع، وأخت، وعمة، وخالة، وبنت أخ، وبنت أخت ينطبق عليها التحريم تماماً، لكن الله اكتفى من علاقات الرضاعة بواحدة من كل زمرة فقال: ﴿وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ﴾ وهي في التحريم مثل من ذكرنا.
علاقات الرضاع مثل علاقات النسب لكن القرآن اكتفى بواحدة من كل زمرة:
قال عليه الصلاة والسلام: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) إذا أرضعت المرأة طفلاً حُرِّمت عليه لأنها أمه، وحُرِّمت عليه ابنتها، لأنها أخته، وحرمت عليه أختها، لأنها خالته، وحرمت عليه أمها، لأنها جدته، وحُرِّمت عليه بنت زوجها، لأن زوجها صاحب اللبن، هي امرأة لها زوج أرضعت هذه الطفلة، فزوجها صاحب اللبن هي أرضعتها من لبنٍ أصله زوجها، إذاً حُرّمت على زوجها لأنه أبوها من الرضاعة، وحُرّمت عليه أخت الأب لأنها عمتها، وحُرِّمت عليه أمه لأنها جدته، وبنات بنيها وبناتها، لأنهن بنات إخوته وأخواته.
أعيد عليكم هذه الفقرة، قال تعالى: ﴿وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ﴾ وهي في التحريم مثل من ذكرنا، قال عليه الصلاة والسلام: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ)
﴿وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ﴾ فإذا أرضعت المرأة طفلاً حُرِّمت عليه، لأنها أمه، وإذا أرضعته حُرِّمت عليه ابنتها، لأنها أخته، وإذا أرضعته حُرمت عليه أختها، لأنها خالته، وإذا أرضعته حرمت عليه أمها، لأنها جدته، وبنت زوجها صاحب اللبن، لأنها أخته، وأخته لأنها عمته، وأمه لأنها جدته، وبنات بنيها، وبناتها، لأنهن بنات إخوته وأخواته.
ملخص هذا الكلام لخصه النبي بكلمتين: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) علاقات النسب سبعة، ومثلها علاقات الرضاع، لكن القرآن اكتفى بواحدة من كل زمرة.
الإمام الشافعي عدَّ شرطين لوقوع أحكام التحريم بالرضاعة:
التحريم بالرَّضاع أيها الإخوة لا يمكن أن يكون إلا ضمن حولَين، يقول لك: أنا يتيم، وعمره ثمانين سنة، لا يتمَ بعد حلم، كلمة يتيم دون البلوغ، بعد البلوغ لم يعد يتيماً، معظمنا أيتام، الآن الرَّضاع لا تنطبق عليه الأحكام إلا ضمن سنتين، ما بعد السنتين لا يُسمى رضاعاً، بعض المذاهب يرى أنه لا فرق بين قليل الرضاع وكثيره، فإذا وصل هذا الحليب إلى الأمعاء، ولو مصّة واحدة اعتُبِر رَضاعاً، وبُني عليه أحكام التحريم.
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى عدّ شرطين لوقوع الأحكام، أحدهما: خمس رضعات، لحديث عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:
(( كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ. ))
وفي حديث سهلة يقول عليه الصلاة والسلام:
(( أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ تَبَنَّى سَالِماً وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ كَمَا تَبَنَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْداً وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ ابْنَهُ وَوَرِثَ مِنْ مِيرَاثِهِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَأخوانكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ فَرُدُّوا إِلَى آبَائِهِمْ فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبٌ فَمَوْلًى وَأَخٌ فِي الدِّينِ فَجَاءَتْ سَهْلَةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نَرَى سَالِماً وَلَداً يَأْوِي مَعِي وَمَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَيَرَانِي فُضُلاً وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَقَالَ: أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ. ))
عند بعض المذاهب مصة واحدة يُبنى عليها حكم، وعند الإمام الشافعي خمس رضعات يتم بها الحكم.
الشرط الثاني: أن يكون هذا الرضاع في الحَولَين، ضمن السنتين، فإذا كان خارجاً عنهما لم يحرم، لقوله تعالى:
﴿ وَٱلْوَٰلِدَٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُۥ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةٌۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦ ۚ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍۢ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍۢ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوٓاْ أَوْلَٰدَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ ءَاتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ ۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(233)﴾
حولين كاملين، فقال بعض العلماء: ليس بعد التمام والكمال شيء.
حكم التحريم لا يبنى إلا بثلاث رضعات:
لكن هناك أحكام تفصيلية، أبو حنيفة أضاف ستة أشهر بعد الحولَين لعلةٍ مذكورة في كتب الفقه، ومالك اعتبر شهراً بعد الحولَين، وزُفَر قال: ما دام يجتزئ باللبن؛ أي يكتفي باللبن ولم يُفطَم فهو رضاع، وإن أتى عليه ثلاث سنين، يعني ما دام الطفل مكتفياً بالرضاع، ولو مضى عليه ثلاث سنوات الرضاع يُبنى عليه حكم التحريم، وعند بعض الأئمة ستة أشهر بعد الحولين، وعند بعضهم الآخر شهر بعد الحولين، فلا يُبنى التحريم إلا إذا وقع الرضاع في هذه المدة من سنتين إلى ثلاث، إذا كان يكتفي بحليب أمه، وإن لم يكتفِ فشهر بعد السنتين، أو ستة أشهر بعد السنتين، وبعض الأئمة يقول: إذا فُطِم بعد عام، واستمر فطامه فليس بعد هذا العام رَضاع، يبدو أن أحكام الرضاع تُبنى على مدة الرَّضاع الخاصة بكل طفل.
بعضهم يرى أن الحكم التحريمي لا يُبنى إلا بثلاث رضعات، من مصة إلى خمس إلى ثلاث، الآن: ﴿وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ﴾ هي الأخت لأب أو لأم، وهي التي أرضَعتها أمك بلِبان أبيك، سواء أرضعتها معك أو وُلِدت قبلك أو بعدك فهي محرمة لأنها أخت، والأخت من الأب دون الأم، وهي التي أرضعتها زوجة أبيك، والأخت من الأم دون الأب، وهي التي أرضعتها أمك بلِبان رجل آخر.
ثم ذكر التحريم بالمصاهرة فقال: ﴿وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمۡ﴾ أي أم الزوجة، والأصهار أربعة، أم المرأة مُحرّمة، وابنتها محرمة، وزوجة الأب محرمة، وزوجة الابن محرمة، إذاً بالرضاع عندنا الأم، والأخت، وتفريعاتهما، وبالمصاهرة أم الزوجة، وابنتها، وزوجة الأب، وزوجة الابن. ثم يقول الله عز وجل: ﴿وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ﴾ الربائب جمع ربيبة، والربيبة بنت الزوجة من غير الزوج، امرأة مطلقة لها بنت، خطبها رجل، ابنتها معها هذه ربيبة، والأصل فيها أنها تُربَى في بيت زوج أمها، فهي ربيبة، لكن بعضهم توهم أنها إن لم تكن عند أمها فهي مُحلَّلة، قالوا: لا، هي ربيبة، لأنها يغلب عليها أنها عند أمها دائماً، ولو لم تكن عند أمها فهي محرمة، بنت الزوجة محرمة: ﴿وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ﴾ بمجرد العقد على المرأة لا يُحرِّم ابنتها، حكمة بالغة بالغة، لا يُحرِّم ابنتها إلا الدخول، لأن الأم تتسامح، فلو أن رجلاً خطبها، ثم عدلَ عنها إلى ابنتها، فهي ابنتها وتتمنى لها كل خير، دقة الشرع بالغة، البنت لا تحرُم على الرجل إذا عقد على أمها، لا تحرم عليه إلا إذا دخل بأمها ﴿وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ﴾ قال: ﴿فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ﴾ لو عُقدَ عقدٌ على امرأة، ثم فُسِخ هذا العقد، واتجهت النية إلى ابنتها يجوز العقد الثاني، يعني الدخول معروف، ليلة العرس تقريباً، هناك من الفقهاء مَن يتوسع في الدخول فيراه النظرة بشهوة، أو الملامسة، على خلاف بين الفقهاء، لكن إذا عُقِد العقد على البنت حُرِّمت الأم، ولو من دون دخول، هذه نقطة دقيقة، إذا عُقِد العقد على البنت أصبحت أمها محرمة على زوج البنت، ولو لم يدخل بها، والعكس غير صحيح، قد يُعقَد على الأم، ثم تتجه النية إلى البنت، تُطلَّق الأم من دون دخول، ويصح العقد على البنت، أما إذا تمّ العقد على البنت فمجرد العقد تُحرَّم أمها.
تحريم ما عقد عليه الآباء على الأبناء وما عقد عليه الأبناء على الآباء:
ثم يقول الله عز وجل: ﴿وَحَلَٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ﴾ والحلائل جمع حليلة، وهي الزوجة، لأنها تحل معه أينما حلّ، أو لأنها حلال له، وهو حلال لها.
النقطة التاسعة: أن العلماء أجمعوا على تحريم ما عقدَ عليه الآباء على الأبناء، لمجرد عقدِ أبٍ على امرأة فهي محرمة على الابن، وما عقدَ عليه الأبناء على الآباء، ولمجرد أن يعقد ابن على امرأة فهي محرمة على أبيه، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ .
وقول الله عز وجل: ﴿وَحَلَٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ﴾ طبعاً إذا دخل الرجل بامرأة تحرم على أبيه وابنه، وعلى أجداده وأولاده مهما نزلوا بشكل دقيق.
إبطال الإسلام عادة التبني:
طبعاً حينما قال الله عز وجل: ﴿وَحَلَٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ﴾ المُتبنَّى لا حكم له، النبي عليه الصلاة والسلام أمره الله، وكان متألماً أشد الألم أن يتزوج زوجة ابنه المُتبنَى زيد، طبعاً في الجاهلية المُتبنَّى ابن، وكان اسمه زيد بن محمد، وقد فعل النبي شيئاً بأمرٍ من الله واضح، وكان يتمنى ألا يفعله؛ لأن الناس يتكلمون بهذا الكلام بشكل لا يليق، لكن الله عز وجل أراد إبطال هذه العادة، واستئصالها من جذورها، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يتزوج زوجة متبناه، لذلك لم يرد اسم صحابي في القرآن الكريم إطلاقاً إلا زيد، لأنه حينما أمر الله نبيّه أن يتزوج زوجة زيد فقدَ نسبته إلى النبي، كان اسمه زيد بن محمد، فخسر هذه النسبة، فعوّضه الله عنها أنه ذكر اسمه وحده في القرآن الكريم، إذاً عادة التبني أبطَلَها الإسلام، والآن هناك من يتبنى طفلاً، دققوا أيها الإخوة، هذا الطفل أجنبي، فيقال: هو مثل ابني، لا ليس مثل ابنك، هذا يشتهي زوجتك، ويشتهي بناتك، فعادة التبني خطيرة جداً، فيها اختلاط أنساب، ابنك الذي هو من صُلْبك فقط، أختك التي أنت وهي من أب واحد، أو من أم واحدة، أو من أب وأم، أما هذا مثل أخي، وهذه مثل أختي فلا، هذا كله كلام فيه فساد عريض، فالنبي عليه الصلاة والسلام تحمّل مشقة أنه أبطلَ عادة مترسِّخة في العرب في الجاهلية، أن المُتبنَى كالابن تماماً، لذلك قال: ﴿وَحَلَٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ﴾ ويُحرَّم أيضاً حَليلة الابن من الرَّضاع، طبعاً الابن من الرَّضاع ليس من صُلبه، لكن من الرضاع، هذا استثناء، تُحرَّم على الإنسان زوجة ابنه الذي من صلبه، وزوجة ابنه من الرضاع تحريماً قطعياً، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) .
منع جمع الأختين في عقد واحد من النكاح:
قال: ﴿وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ﴾ أجمعت الأمة على منع جمعهما في عقد واحد من النكاح بهذه الآية، ثم هناك حكم دقيق في الشرع؛ أن العلماء أجمعوا على أن الرجل إذا طلق زوجته طلاقاً رجعياً، يعني يملك أن يُرجِعها فليس له أن ينكح أختها أو أربعاً سواها حتى تنقضي عدة المطلقة، فلا يستطيع أن يجمع بين الأختين بمجرد الطلاق، طبعاً التحريم أن يجمع بينهما، فإن لم يجمع بينهما فلا شيء عليه، والدليل، قد تُتوفَّى زوجة ولها أولاد، ومن حق زوج المتوفاة أن يتزوج أختها، إذا تزوج أختها لم يجمع بين الأختين، إذاً التحريم أن يجمع بين الأختين، لكن العلماء فصلوا: إنه لا يجوز أن تجمع بين الأختين إلا بعد انقضاء عدة طلاق الأولى، كما لا يجوز أن يكون عندك فوق أربع نسوة، حتى الأربعة يجب أن ينقضي العدة على طلاق الأخيرة، حتى تستكمل بها الأربعة، ﴿إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ﴾ وهذا من تخفيف الله عن المسلمين في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، أن الذي مضى قبل هذا التحريم لا شيء عليه، ثم يقول الله عز وجل:
﴿ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۖ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم مُّحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا تَرَٰضَيۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِيضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا(24)﴾
أية امرأة لها زوج فهذه محرم أن تتزوجها عطف على المحرمات المذكورات من قبل :
المٌحصَنات عطفٌ على المُحرَّمات، يعني: ﴿حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُمۡ وَعَمَّٰتُكُمۡ وَخَٰلَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمۡ وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ وَحَلَٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا* وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ﴾ أية امرأة لها زوج فهذه مُحرَّم أن تتزوجها، عطفٌ على المحرمات المذكورات من قبل، والتحصُّن هو التمنُّع، وامرأة مُحصَنة أي لها زوج، لذلك عقوبة الزانية المحصنة الرجم حتى الموت، وعقوبة الزاني المحصن الرجم حتى الموت، بينما عقوبة الزاني غير المحصن مئة جلدة، وعقوبة الزانية غير المحصنة مئة جلدة.
وبعضهم قال: المحصنات العفائف من المسلمين، ومن أهل الكتاب أيضاً، طبعاً يجوز أن يتزوج الرجل امرأة من أهل الكتاب، لكن هناك من يحرم الآن الزواج منهن، هو الأصل أن هناك تحليل واضح في القرآن بآية واضحة، لكن لأن هذه ليست محصنة، وقلما تجد امرأة ليس لها تجارب قبل الزواج مع أزواج آخرين في بلاد الغرب طبعاً، أقول هذا الكلام، لا يزال الشرق له عادات يتميز بها عن الغرب، أما حينما تذهب إلى أمريكا وإلى أوروبا فليس هناك امرأة واحدة ليس لها تجارب قبل الزواج، إذاً ليست هذه محصنة.
شيء آخر: قد يأتي ابن يتبع أقوى الأبوَين، هذا حينما قوي الإسلام يجوز أن تأخذ من شئت من أهل الكتاب، أما الآن فهناك مشكلة يعاني منها إخوتنا معاناة لا توصف: ﴿كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ﴾ أي هذا حكم الله عليكم: ﴿وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ﴾ هذا المحرم وما سواه مُحلَّل، لذلك الأصل في الأشياء الإباحة، ولا يُحرَّم شيء إلا بالنص، أما العبادات فالأصل فيها الحظر، ولا يُشرَّع شيء إلا بالنص.
أيها الإخوة، كنت أقول دائماً إن الحق دائرة يمر بها أربعة خطوط؛ خط النقل الصحيح، وخط العقل الصريح، وخط الفطرة السليمة، وخط الواقع الموضوعي.
وردني سؤال: هل يجوز أن يرى الشخص أخته من الرضاع؟
الحقيقة هناك فرق دقيق بين الأخت النَّسَبية والأخت من الرضاع، تصور أن إنساناً تزوج وعنده زوجة وابن رضيع، دخلت الجارة ذات مرة إلى بيت الرجل وأرضعت زوجته ابن هذه الجارة خمس رضعات، وانتهى الأمر، أصبحت البنت فتاة جميلة في الثامنة عشر من عمرها، والابن عمره ثماني عشرة سنة، هل تظن أن هذا الفتى وهذه الفتاة لأنها رضعت خمس رضعات من أمه يجوز أن يراها كما يرى أخته؟ هل ترتاح أن يختليا في بيت واحد؟ لذلك الفقهاء حرّموا الخلوة في الأخت من الرضاعة، وبعضهم تشدد فلم يسمح بالنظر إليها، وقد سمعت هذا من رجل فقيه تسلّم منصب عَمَادة كلية الشريعة، قال: أية امرأة لفتت نظرَ الإنسان له سبيل إلى الزواج منها، أما لو لفتت نظره هذه الأخت من الرضاعة، فهل هناك سبيل إليها؟ مستحيل.
فالاختلاط ممنوع في الأصل، والخلوة بالأخت من الرضاعة ممنوع أيضاً، وهناك من يتشدد ويرجّح ألا يُسمَح بالنظر إليها، طبعاً إذا كانت شابة، أما الأخت الكبيرة فموضوع ثانٍ، أما فتاة في ريعان الصبا ولها أخ من الرضاعة الأحوط أن نحتاط، ولا نسمح بالاختلاط، والخلوة محرمة قطعاً في كل المذاهب. هذا جواب السؤال.
الملف مدقق