- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (008)سورة الأنفال
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الحكمة من ورود صفات المؤمنين والمنافقين في القرآن :
أيها الإخوة الكرام ؛ مع الدرس الثالث من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية الثانية والثالثة وهي قوله تعالى :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)﴾
أول نقطة في شرح هذه الآيات : ما الحكمة من أن يورد الله في القرآن الكريم صفات المؤمنين وصفات المنافقين وصفات الكافرين ؟
الحقيقة أن الله حينما يورد لنا في كتابه الكريم صفات المؤمنين كي يعرف كل منا نفسه ، أين هو من هذه الصفات ؟ هل هي منطبقة عليه أم ليست منطبقةً عليه ؟ أداة تعريف بمستوى إيمانك .
أحياناً تعطى ورقة أسئلة ، ألف سؤال ، خمسمئة سؤال ، مئة سؤال ، تجيب عنها بنعم أو لا ، بعد أن تنتهي تعطى الإجابة الصحيحة ، فأنت بكل بساطة تضع لنفسك علامة ، بكل بساطة .
فكأن الله سبحانه وتعالى قال لك : يا عبدي اعرض نفسك على هذه الآيات ، فإن كانت منطبقةً عليك فهنيئاً لك ، فأنت مؤمن ، وإن كانت ليست منطبقةً عليك فانتبه ، هذه الحقيقة المرة ينبغي أن تعرفها قبل فوات الأوان .
وإن كان هناك صفات تنطبق عليك وأخرى لا تنطبق عليك فتلافى السلبيات من هذه الصفات .
هذه أحد الوسائل الفعالة كي تكشف نفسك .
على كل إنسان ألا يضع نفسه فوق ما تستحق :
الإنسان بشكل أو بآخر راضٍ عن عقله ، وراضٍ عن إيمانه ، لكنه غير راضٍ عن رزقه ، يتشكى رزقه دائماً ، لكن لو كان منطقياً وكان واقعياً ، يجب ألا يضع نفسه فوق ما يستحق ، أنا أنصح إخوتي الكرام وأنا معكم أن نتهم أنفسنا دائماً .
أحد التابعين يقول : التقيت بأربعين صحابياً ما منهم واحد إلا وهو يظن نفسه منافقاً من شدة خوفه من الله .
بل إن عملاق الإسلام الذي أثنى عليه رسول الله قال : لو كان نبي من بعدي لكان عمر ، عمر بن الخطاب جاء إلى سيدنا حذيفة ، وقال : يا حذيفة بربك اسمي مع المنافقين ؟!
لا تمدح نفسك ، اتهم نفسك ، لا تحابي نفسك ، عرّفها الحقيقة ، بالغ في اتهامك لنفسك تكن على صواب ، أما هناك أشخاص والعياذ بالله يبرئ نفسه من أخطاء ثابتة ، فإذا وقع أخوه في خطأ طفيف أقام عليه الدنيا ، لا ، كن منطقياً .
الله تعالى أورد صفات المؤمنين لتكون هدفاً و مقياساً لنا :
إذاً أراد الله عز وجل من إيراد صفات المؤمنين أن تكون مقياساً لنا .
هناك هدف آخر : أراد الله من إيراد صفات المؤمنين أن تكون هدفاً لنا ، هذا هو الهدف ، مقياس وهدف ، قس نفسك واسعَ إلى هذا الهدف ، لذلك مرة ثالثة ورابعة وخامسة :
﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ
يقرأ القرآن وفق قواعد اللغة ، أول شرط ، إن أمكن يقرؤه وفق قواعد علم التجويد ، ثم يفهمه من خلال التفاسير ، ثم يتدبره بعرض نفسه على كل آية ، ثم يطبقه ، إذاً نحن أمام آية تصف المؤمنين بخمس صفات :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
إنما أداة قصر وحصر وما لم يكن المؤمنون إخوة فليسوا بمؤمنين :
لكن لابدّ من لفت النظر إلى كلمة إِنَّمَا ، إنما أداة قصر وحصر .
يوجد مثل شهير في كتب البلاغة إذا قلنا : إنما شوقي شاعر ، أي شوقي ليس له اختصاص آخر ، ليس له اهتمام آخر ، ليس له صفات أخرى ، شاعر فقط ، إنما ، وإذا قلنا : إنما الشاعر شوقي ، أي لا يوجد شاعر غيره ، إنما أداة قصر وحصر .
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
كلام ، وقد يكونون غير إخوة ، أما
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ
أي لا نعبد غيرك ، القصر والحصر يستفاد من النفي والاستثناء ، ما شوقي إلا شاعر ، أو إنما شوقي شاعر ، أو الشاعر شوقي ، إما بالتقديم والتأخير ، أو بالنفي والاستثناء ، أو بإنما ، فالله عز وجل يقول :
صفات المؤمنين :
1 ـ الخوف من الله تعالى :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
من هم ؟ الصفة الأولى :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
وَجِلَتْ أي اضطربت اضطراب خوف ، أي الذي لا يخاف من الله إنسان غبي وأحمق .
مرة كطرفة طالب من طلاب التعليم الثانوي ، وجهتُ الطلاب إلى الخوف من الله ، فقال لي طالب : أنا لا أخاف من الله ، أي بحمق ، قلت له : أنت بالذات معك حق ، فانزعج وقال : لماذا ؟ قلت له : الفلاح يأخذ معه ابنه - عمره سنتان - على الحصيدة ، يمشي جانب الابن ثعبان ، طوله اثنا عشر متراً ، لا يخاف منه ، لأنه لا يوجد إدراك ، لا يوجد خوف .
لكن طفل صغير عمره سنة لا يخاف ، لعدم الإدراك لا يخاف ، فكل إنسان لا يخاف من الله أحمق ، غبي ، ضيق الأفق ، قصير النظر .
(( عن عبد الله بن مسعود : رأس الحكمة مخافة الله ))
(( يا عائشة ! تمرة اشتهاها لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها . ))
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)﴾
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)﴾
علامة إيمانك أنك تخاف من الله ، بل :
(( عن عبد الله بن مسعود : رأس الحكمة مخافة الله ))
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
اضطرب ، خاف ، لذلك ذنب المنافق كالذبابة ، وذنب المؤمن كالجبل جاثم على صدره ، وكلما عظم الذنب عندك صغر عند الله ، وكلما صغر الذنب عندك كبر عند الله .
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)﴾
لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( إذا ذكر القدر فأمسكوا ))
قال لك شخص : من أجل الله ، ترجاك رجاءً حاراً ، إذا أنت مؤمن تقف : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾
على الإنسان أن يخاف من الله إن كان مقصراً في الحقوق أو العبادات أو الطاعات :
أيها الإخوة ، لكن هناك من يقول : كيف نوفق بين هذه الآية وبين آية ثانية :
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾
فكيف نجمع بين هذه الآية وبين الآية موضع درسنا اليوم ؟
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ
قال العلماء : لا سمح الله ولا قدر أنت حينما تكون مقصراً في أداء الحقوق ، أو في أداء العبادات ، أو مقصراً في الطاعات ، أو يوجد عليك حق ، أو عليك واجب لم تؤده ، أنت حينما تكون بهذه الحالة يجب أن تخاف من الله خوفاً شديداً .
سيدنا عمر يمشي في الطريق رأى أطفالاً يلعبون ، فلما رأوه لشدة هيبته تفرقوا إلا واحداً منهم ، لفت نظره ، قال له : يا غلام ! لِمَ لم تهرب مع من هرب ؟ قال له : أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك ، ولست مذنباً فأخشى عقابك ، والطريق يسعني ويسعك ، هذا الطفل رسم منهج أمة .
أنت بمنصب حساس ، إذا جاءك المذنب مطمئناً فعملك فيه خلل كبير ، وإن جاءك البريء خائفاً فعملك فيه خلل كبير ، ينبغي أن يأتيك يا صاحب المنصب المذنب مرتعد القلب ، وينبغي أن يأتيك البريء مطمئناً ، لا العكس ، قال له : أيها الأمير لست ظالماً فأخشى ظلمك ، ولست مذنباً فأخشى عقابك ، والطريق يسعني ويسعك .
على الإنسان ألا يخاف إلا من ذنبه الذي يستوجب العقاب من الله :
مرة ثانية : أخواننا الكرام ؛ لا يخف أحدكم إلا ذنبه فقط ، ولا يرجون إلا ربه ، كل شيء بيد لله ، لا تخف إلا من ذنبك الذي يستوجب العقاب من الله .
يقول لك : هناك نقص أمطار ، هناك شح ، هناك جفاف ، هناك فقر ، أهل الدنيا يرسمون لك مستقبلاً أسود ، لكن المؤمنين لا يعبؤون بكل هذه التشاؤمات ، وهذه الإيحاءات ، مؤمن ما دمت مع الله فالله معك ، أوضح آية بهذا المعنى سيدنا هود قال :
﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
أي إذا أنت أمام وحوش كاسرة ، مخيفة ، مفترسة ، فتاكة ، لكنها مربوطة بأزمّة محكمة ، بيد جهة قوية ، وحكيمة ، ورحيمة ، هل تخاف منها ؟ أنا أخاف منها إذا قصرت مع ربي ، فإذا قصرت مع ربي أرخى لأحدها الزمام فوصلت إليّ ، يجب أن تخاف من الله ، متى ؟ إذا أذنبت ، إذا أذنبت خوفك طبيعي ، خوفك طبيعي وحالة سوية ، وإن لم تخف فهناك غباء وحمق وجهل كبير .
(( عن عبد الله بن مسعود : رأس الحكمة مخافة الله ))
تحبون أن أعطيكم صورة مشرقة لراع ، امتحنه سيدنا عبد الله بن عمر ، قال له : بعني هذه الشاة وخذ ثمنها ؟ قال : ليست لي ، قال : قل لصاحبها ماتت ، قال : ليست لي ، قال : خذ ثمنها ، قال له : ليست لي ، قال له : والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ولكن أين الله ؟ هذا الراعي وضع يده على جوهر الدين .
الوضع الطبيعي أن يخاف الإنسان إذا أخطأ ويطمئن إذا أحسن :
أنت إذا قلت : أين الله ؟ فأنت مؤمن ورب الكعبة ، والذي عنده أشرطة ، ومحاضرات ، وحواسيب ، وفضائيات ، وعنده إطلاعات ، وليس مستقيماً ، والله ما وضع يده على الدين إطلاقاً ، أنت إنسان مؤمن إذا قلت : أين الله ؟
إذاً الإنسان إذا قصر في عبادة ، في طاعة ، في واجب ، وذكر الله ينبغي أن يضطرب ، أما إذا كان مستقيماً ، وبذل أقصى جهده ليكون مستقيماً تنطبق عليه الآية الثانية :
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾
وقد جُمع النموذجان في آية واحدة :
﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ
والوضع الطبيعي أنك تخاف إذا أخطأت وتطمئن إذا أحسنت .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)﴾
2 ـ ازدياد إيمان الإنسان بالتفكر بآيات الله الكونية والتكوينية والقرآنية :
أيها الإخوة ؛ الصفة الثانية :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً (2)﴾
الله له آيات كونية ، وله آيات تكوينية ، وله آيات قرآنية ، آياته الكونية خلقه ، وآياته التكوينية أفعاله ، وآياته القرآنية كلامه .
أي غرق الباخرة تيتانيك لأن في نشرة صناعتها " إن القدر لا يستطيع إغراق هذه الباخرة" ، فغرقت في أول رحلة ، وأكابر الأوربيين ، الطبقة المخملية ، كبار الأغنياء كانوا على متنها ، قدروا حلي النساء بالمليارات ، وغرقت في أول رحلة ، غرق هذه الباخرة من أفعال الله التكوينية ، فالله عز وجل نعرفه بأفعاله ، وانتصار الضعاف العزل العشرة آلاف أمام أكبر جيش بالمنطقة أيضاً هذا من أفعاله التكوينية ، أي كل ما يحدث من فعل الله ، أحياناً هناك حدث إيجابي يشف عن عظمة الله ، وهناك حدث سلبي يشف عن عظمة الله .
من ازدادت معرفته بخلق الله ازداد إيماناً بالله :
أيها الإخوة ، آياته التكوينية أفعاله ، آياته الكونية خلقه ، الشمس ، القمر ، النجوم ، البحار ، الأنهار ، الأسماك ، الأطيار ، الفواكه ، الخضراوات ، جسمك .
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8)﴾
شعرك ، أنفك ، نطقك ، كلامك ، عضلاتك ، قلبك ، رئتاك ، كل شيء في الكون يدل على الله .
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً
لذلك قالوا : الإيمان يزيد وينقص ، أنت مؤمن بالله ، لكن سمعت شيئاً دقيقاً جداً عن خلق الله ازددت إيماناً ، سمعت شيئاً آخر ، فكلما فكرت في آية كونية ، أو تكوينية ، أو قرآنية ، وكلما ازدادت معرفتك بخلق الله ازددت إيماناً بالله ، لذلك قال تعالى :
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ
إذاً الإيمان يزيد ، وإذا أردنا أن نفصل إذا الإيمان يقينيات فهو ثابت ويزيد ، وإذا الإيمان اتصال بالله فالاتصال يزداد وينقص ، إيمانك يزداد بالحقائق ، وينقص بالبعد عن الله ، يضعف إيمانك ، فالإيمان يزداد وينقص ، في بعض الأحاديث :
(( حدثنا سليمان بن داود يعني الطيالسي حدثنا صدقة بن موسى السلمي الدقيقي حدثنا محمد بن واسع عن شتير بن نهار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال ربكم عز وجل : لو أن عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل ، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ، ولما أسمعتهم صوت الرعد ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن حسن الظن بالله عز وجل من حسن عبادة الله ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جددوا إيمانكم ، قيل : يا رسول الله وكيف نجدد إيماننا ؟ قال : أكثروا من قول لا إله إلا الله ))
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً
دائرة المحسوسات و المعقولات :
أخواننا الكرام ، هناك موضوع دقيق جداً ، هو أن هناك دائرة أنا أسميها دائرة المحسوسات ، يوجد شيء تراه بعينك ، شيء تلمسه بيديك ، شيء تشم رائحته ، شيء تتذوقه بلسانك ، كل شيء متعلق بالحواس الخمس ، أو باستطالات الحواس الخمس ، هذا يقع في دائرة المحسوسات ، وأداة اليقين بها الحواس الخمس ، ونحن وغير الإنسان في هذا الموضوع سواء .
أحياناً دابة ترى حفرة أمامها تقف ، الشمس غابت تعود إلى حظيرتها ، هناك معرفة حتى عند الحيوانات حسية ، هذه لا تعنينا الآن ، لكن هذه دائرة ، الحسيات أداة اليقين بها الحواس الخمس ، واستطالاتها الميكروسكوب ، والتليسكوب ، أداة اليقين بها الحواس الخمس واستطالاتها .
أما الدائرة الثانية فهي دائرة المعقولات ، المعقولات شيء غابت عينه ، وبقيت آثاره، أنت خلف حائط رأيت دخاناً في أعلى الحائط ، قلت : لا دخان بلا نار ، أنت لم ترَ النار ، لكن رأيت آثار النار ، ما دامت النار قد غابت عنك ، وبقيت آثارها ، أداة اليقين بهذه الظاهرة العقل ، العقل يحكم بوجود نار وراء الحائط ، لأنك رأيت آثارها ، لكن إذا جئت إلى وراء الحائط رأيت النار بأم عينك ، نقول : هذا عين اليقين ، فإذا اقتربت من النار ، ولفحك وهجها ، فأنت في حق اليقين .
هناك يقين استدلالي بعقلك ، لا دخان بلا نار ، وهناك عين اليقين ، رأيتها بعينك، وهناك يقين أبلغ من ذلك اقتربت منها فلفحك وهجها ، فأنت بين علم اليقين الاستدلالي ، وبين علم اليقين الشهودي ، وبين حق اليقين التفاعلي ، إذاً الإنسان كما ترون آيات الله خلقه ، وأفعاله ، وكلامه .
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً(2)﴾
من علامات قيام الساعة أن يتنكر الإنسان لمن كان سبب وجوده ولمن رباه :
أخواننا الكرام ، هناك نص مهم جداً في هذا الموضوع :
(( عن أبي هريرة وأبي ذر الغفاري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بازراً للناس ، فأتاه رجل فقال : يا رسول الله ، ما الإيمان ؟ قال : أن تُؤمن بالله ، وملائكته ، وكتابه ، ولقائه ، ورُسُلِهِ ، وتؤمنَ بالبعث الآخر ، قال : يا رسول الله ما الإسلام ؟ قال : الإسلام أن تعبُدَ الله ، لا تُشْركُ به شيئاً ، وتُقيمَ الصلاةَ المكتوبة ، وتؤدي الزّكاة المفروضة ، وتصوم رمضان ، قال : يا رسول الله ما الإحسان ؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإنك إن لم تره فإنَّه يراك ، قال : يا رسولَ الله ، مَتَى السَّاعَةُ ؟ قال : ما المسؤول عنها بأعلَمَ من السَّائل ، ولكن سأُحَدِّثُكَ عَنْ أشْراطها : إذا ولَدت الأمةُ ربَّتها ))
الأمة ؛ الفتاة الشابة ، ولدت فتاة ، تقول الفتاة عن أمها : أمها جاهلة ، تكون أمها عاقلة ، ومؤمنة ، تؤدي الصلوات الخمس ، تعرف الله ، تربي أبناءها ، ابنتها درست بالجامعة ، تقول : أمي دقة قديمة ، لا تفهم شيئاً ، عندما يتنكر الإنسان لمن كان سبب وجوده ، ولمن رباه ، هذه من علامات قيام الساعة ، أن :
(( يكون الولد غيظاً ، والمطر قيظاً ، وتفيض اللئام فيضاً ، ويغيض الكرام غيضاً ))
إذا ولدت الأمةُ ربَّتها
من هذا ؟ يكون شخصاً متقدماً بالسن ، يقول : هذا يعمل عندنا فإذا هو والده ، وقد حدث ذلك ، خجل بأبيه فلذلك :
(( إذا ولَدت الأمةُ ربَّتها ، وإذا كانت العراةُ الحفاةُ رؤوسَ النَّاس ))
وهؤلاء أيضاً يتطاولون في البنيان ، كنت ببلد خليجي فيه أعلى بناء بالعالم ، مئة و ستة وثمانون طابقاً ، قال : هناك برج أعلى ، عجيب ! كيف ذلك ؟ قال: برج الذين فقدوا أعمالهم ، لو وقفوا فوق بعضهم لكانوا أعلى من هذا البرج .
دائرة الإخباريات :
أيها الإخوة ، الآن الدائرة الأولى
يا ترى يوجد مطر الآن ؟ نعم ، هل ترونها ؟ لا ، نسمع صوتها بالعقل ، غابت عين الشيء عن أبصارنا بقيت آثاره ، هذا اختصاص العقل ، شيء غابت عينه بقيت آثاره ، وطبعاً أكبر اختصاص له الإيمان بالله ، لأن ذات الله لا نراها .
﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ
غابت ذاته العلية بقيت آثاره ، والكون كله آثاره ، هذه الدائرة الثانية .
والدائرة الثالثة :
مثلاً: هل تستطيع أن تقنعني بعقلك أن هناك جن ؟ لا ، ملائكة ؟ لا ، هذه إخباريات الله أخبرنا بهم ، أخبرنا بالملائكة ، أخبرنا بالصراط ، أخبرنا بيوم القيامة ، فالقرآن طافح بالإخباريات ، أو بشكل أو بآخر أي شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به ، للتقريب ؛ أنت لديك بقالية ، وبحاجة إلى ميزان ، واشتريت ميزاناً غالياً جداً ، الآن يوجد موازين معهم مئة ذاكرة ، تبيع زيتون ، تضغط ثلاثة عشر ، فأي كمية زيتون الميزان يضرب السعر بالغرامات يعطيك الثمن ، يوجد وزن دقيق مع ذواكر ، مع شاشة ، مع وثيقة ، هذا الميزان مصمم لبقالية من خمسة غرامات لخمسة كيلو ، فأراد شخص أن يزين سيارته بهذا الميزان ، وضعه على الأرض ومشى فوقه فكسره ، يقول : هذا الميزان سيئ ؟ لا ، أنت استخدمته لغير ما صنع له ، أما السيارة شركة محترمة جداً ، تفتح غطاء المحرك تجد لوحة مكتوب وزنها 1358 كيلو ، هذا الميزان يعجز عن وزن السيارة ، لكن الشركة المصنعة للسيارة أخبرتك بوزنها .
أي شيء عجز العقل عن إدراكه أخبرنا الله تعالى به :
الحقيقة الدقيقة :
أي أنت عند صديقك ، وهناك خزانة لها باب مغلق ، وعاشرته ثلاثين عاماً ما كذب في حياته كذبة واحدة ، وسألته : ماذا يوجد في هذه الخزانة ؟ قال لك : حسابات قديمة ، انتهى ، هذا دليل إخباري ، قيمة هذا الدليل من صدق المخبر .
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا
مخاطبة الله عز وجل المؤمنين بفروع الشريعة والناس عامة بأصول الشريعة :
أخواننا الكرام ، هناك تلميحات لطيفة .
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) ﴾
هل هناك شخص من الإخوة الكرام رأى هذا الشيء ؟ ولا شخص ، ولا أنا رأيته ، لكن الله يقول لك : يجب أن تأخذ إخباري وكأنك رأيته ، هذا الدائرة الثالثة ، لا تناقش إنساناً بالدائرة الثالثة إذا كان إيمانه بالله ضعيفاً ، ابقَ في الكون بأدلة علمية ، ابقَ في أحقية القرآن بأدلة الإعجاز ، ابقَ في أدلة النبي العدنان بسبب القرآن ، يمكن أن تؤمن بالله وبرسوله وبكتابه بالعقل ، يوجد أدلة قاطعة ، أما الإخباريات الأخرى فهذه للمؤمنين .
لذلك الله عز وجل خاطب المؤمنين بفروع الشريعة ، وخاطب الناس عامة بأصول الشريعة .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ
أما :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾
التفريق بين الكفر والمعصية :
شيء آخر ؛ يجب أن نفرق بين الكفر والمعصية ، إنسان لا يصلي عن تقصير ، عن إهمال ، تطالبه بالصلاة يقول لك : الله يتوب عليّ ، والله أنا مقصر ، ادعُ لي أن يعينني الله على الصلاة ، هذا لا يقال له : كافر ، إياك ، هذا يقال له : عاصٍ ، يكون أديباً ، إذا شخص قال لك : صلاة ! أنا مجنون لأصلي ؟ لمن أصلي؟ مثلاً هذا كافر ، إذا أنكر الإنسان فرضية الصلاة وأحقية الصلاة فهو كافر ، أما إذا عبر عن تقصيره في أدائها فهو عاصٍ .
على كل هناك مجموعة قواعد أضعها بين أيديكم : ما كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه ، ألم يحدثنا النبي عن إنسان ضلت عنه ناقته فأيقن بالموت المحقق ، فصار يبكي ويبكي ثم أخذته سِنة من النوم ، فلما استيقظ رأى الناقة أمامه ، اختل توازنه ، قال : يا رب أنا ربك وأنت عبدي ، هذه كلمة الكفر ، هل هو كافر ؟ لا .
لذلك قالوا : ما كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه ، هذه واحدة .
الشيء الثاني: لا نكفّر بالتعيين ، إياك ، ثم إياك ، ثم إياك أن تقول : فلان كافر ، قل : من قال كذا فقد كفر ، من فعل كذا فقد كفر ، من اعتقد كذا فقد كفر ، لا تكفّر بالتعيين.
شيء آخر ؛ لعل هذا الذي ظننته على ما تتوهم تاب الله عليه ، وتاب هو إلى الله ، وعاد عن خطئه ، لا تُنصب نفسك وصياً على الناس ، بالتعبير الدارج : انج بريشك ، لا تُنصب نفسك وصياً على الناس .
المؤمن خيّر لا يضن بمعلوماته و يحب الناس جميعاً :
أيها الإخوة ؛
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)﴾
يتوكل على القوي ، والعليم ، والخبير ، والغني ، والمحب ، لن يتوكل على الله إلا المؤمن ، والمؤمن المستقيم .
﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)﴾
أي يتصل بالله ، والصلاة عماد الدين ، وعصام اليقين ، وسيدة القربات ، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات ، لا خير في دين لا صلاة فيه ، الفرض الوحيد الذي لا يسقط بحال هو الصلاة ، ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾
ينفق من وقته ، من علمه ، من ماله ، من جاهه ، من خبرته ،
المؤمن خيّر ، لا يضن بمعلومات ، يحب الناس جميعاً ، وأحياناً تعمل عملاً طيباً مع إنسان غير مسلم يحب الدين كله من أجلك ، يحب الإسلام من أجلك .
لذلك للمؤمن صفتان أساسيتان :
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)﴾
والحمد لله رب العالمين