- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (008)سورة الأنفال
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشكلة المسلمين الأولى في هذه الأيام :
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس التاسع من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية الخامسة والعشرين وما بعدها ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
بادئ ذي بدء ؛ الفتن مهلكة لكن هذه الفتن إذا وقعت ، وبقي الناس سلبيين تجاهها ، لم يعبؤوا ، لم يأمروا بالمعروف ، لم ينهوا عن المنكر ، لم يقيموا شرع الله ، هذه الفتن تستشري وتتفاقم ، وقد تصبح بلاءً كبيراً ، وقد تصبح فساداً عريضاً في المجتمع ، فالله عز وجل يحذر المجموع ، كما لو احترق بيت في أول الشارع ، فالذي يجلس في آخر الشارع يقول : الحريق بعيد عني ، إن لم يسارع هذا الذي في آخر الشارع ليساهم في إطفاء الحريق وصل إليه ، هذه مشكلة المسلمين حينما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استشرى المنكر ، واتسع ، واتسعت دوائره ، حتى ضاقت دوائر الباطل .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة :
لذلك حينما قال الله عز وجل يخاطب هذه الأمة :
﴿ كُنْتُمْ
أي أصبحتم :
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
علة خيريتكم :
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
الأمة إن ابتعدت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصبحت لا شأن لها عند الله :
حينما تكف الأمة عن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، حينما ترى الفتنة فتسكت ، حينما ترى المعصية تتجاهلها ، حينما ترى كبيراً أو قوياً فعل شيئاً منكراً لاذت بالصمت ، حينما تكف الأمة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تصبح أمة لا شأن لها عند الله إطلاقاً ، والدليل أن الله سبحانه وتعالى خاطب الذين قالوا :
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى
خاطبهم فقال :
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ
والأمة الإسلامية حينما ترى المنكر فلا تنهى عنه ، حينما ترى المعروف فلا تأمر به ، حينما تصمت ، حينما ينسحب المسلم من علة خيرية أمته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تصبح هذه الأمة لا شأن لها عند الله إطلاقاً ، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح حينما قال :
(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر ؟ قالوا : أو كائن يا رسول الله ؟ قال : نعم وأشد منه سيكون- عجب الصحابة - قالوا : وما أشد منه ؟ قال : كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟- صعقوا صعقة أشد - قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ قال : كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟ ))
عندئذٍ يتودع هذه الأمة ، حينما يكون المنكر أمام المسلمين ، ولا أحد يتكلم ، هذه الأمة انتهت عند الله عز وجل .
الانسحاب من مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسبب ضياع الأمة :
لذلك : ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً﴾
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
(( عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوحى الله إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا عل أهلها، قال : إن فيها عبدك فلانا لم يعصك طرفة عين ، قال : اقلبها عليه وعليهم ، فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط . ))
لمجرد أن تقول ما لي ولهذا ؟ ما لي ولهذه المعصية أنا بعيد عنها ؟ هذا الموقف الانعزالي ، الانسحاب من مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسبب ضياع هذه الأمة .
الأمة أمتان ؛ أمة الاستجابة وأمة التبليغ :
لذلك الأمة الآن أمتان ؛ أمة الاستجابة ، وأمة التبليغ ، فالأمة التي لم تستجب لله ولرسوله في تطبيق منهج الله ورسوله هذه أمة ليست خير أمة ، بل هي أمة كأية أمة شردت عن الله عز وجل ، ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
فلذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكاد أن يكون الفريضة السادسة ، وجرب أنك حينما تنطق بالحق لعل الآخر يرجع إلى الله ، لعل الآخر يبتعد عن هذه المعصية ، عليك أن تُذكِّر ، وليس عليك الباقي .
أيها الإخوة ، إذاً أي خطأ ، للتقريب : تأتي إلى بيتك ابنة أخيك ، ترتدي ثياباً فاضحة جداً ، تستقبلها ، ترحب بها ، تثني على جمالها ، وعلى أناقتها ، هذا الوضع ، ولم تتكلم بكلمة واحدة عن هذا التفلت في ثيابها ، من هنا نبدأ ، حينما ترى شريكك يغش في البيع والشراء وأنت ساكت من هنا بدأ الخطأ ، أما حينما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، ولا ترضى للخطأ أن تسكت عليه عندئذٍ تكون هذه الأمة على منهج صحيح .
أية فتنة تقع حولك إن بقيت ساكتاً عنها سوف تصل إليك :
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
لذلك قصة مشهورة مألوفة أن ثيراناً ثلاث ، أبيض ، وأسود ، وأحمر ، جاء الوحش المفترس فأكل الأبيض ، فقال الأحمر : أنا لا علاقة لي ، لم يقترب مني ، فسكت ، ثم توجه هذا الوحش المفترس إلى الأحمر فأكله ، فقال الأخير الأسود : أنا لا علاقة لي ، فلما توجه إلى الأسود ليأكله قال : أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض ، من وقتها أُكلت أنا .
اعتقد بهذا يقيناً ، أية فتنة تقع حولك إن بقيت ساكتاً فسوف تصل إليك ، في أي شيء ، أما إذا وجد أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، ووضع حد للفتنة ، إذا قُمعت الفتنة ، عاش الناس بسلام .
الابتعاد عن المجاملات في حياتنا :
ما الذي يحصل الآن ؟ كل المعاصي والآثام في الطريق ، وفي الأماكن العامة ، وفي الأسواق وفي الجامعات ، تفلت ، وانحراف ، وكأن هذه الأمة ليست أمة المسلمين ، لأن الناس كفوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
والله سمعت قصة عن سائق سيارة وقد يكون أمياً ، جاءه راكبان زوج وزوجته -أعتقد من بيروت إلى دمشق- فطلبا منه أن ينتظر ربع ساعة كي تأتي حقيبتهم ، فانتظر ، جاء شيخ في السبعين يحمل حقيبة على رأسه ، هذا الشاب وكزه في رأسه ، قال له : لماذا تأخرت ؟ السائق لم ينتبه ، أخذ المحفظة وضعها في الصندوق وانطلقا إلى الشام ، أعتقد في نصف الطريق سمع الزوجة تقول لزوجها : كيف تضرب أباك ؟ فوراً أوقف المركبة قال له : انزل ، وهذه الأجرة ، أنا لو بقيتم معي لعلي أقع بحادث ، على بساطته ، على معلوماته المتواضعة ، لم يسمح لإنسان يضرب أباه أن يركب بمركبته ، فهذا درس ، لو كل الناس ، أحياناً إنسان يسب الذات الإلهية ، لا أحد يتكلم ولا كلمة ، كله ساكت ، يعيد السُباب مرة ثانية ، وثالثة ، الأمة التي تسكت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تُودع منها ، انتهت عند الله عز وجل ، حياتنا كلها مجاملات ، تزور إنساناً كل المعاصي في بيته ، وتحترمه أمام أولادك ، وتثني على ذكائه ، وعلى حكمته ، وعلى روعته ، وعلى حديثه ، وهو يرتكب المعاصي كلها ، ضاع أولادك .
(( عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم قَالَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْضَبُ إِذَا مُدِحَ الْفَاسِقُ .
حياتنا مجاملات .
لذلك : ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
الصالح والمصلح :
لذلك الله عز وجل قال :
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) ﴾
ما قال : صالحون ، الصالح يهلك ، أما المصلح فلا يهلك ، المصلح خرج من ذاته لإسداء النصيحة لغيره ، أي أحياناً البنت تنحرف بثيابها والكل ساكت ، تجد بعد فترة البنت المحجبة تريد أن تلغي حجابها ، بعد فترة البنت المحجبة الثانية كذلك ، لأنه حينما تفلتت البنت الأولى والكل يسكت طبعاً هذه الفتنة تمشي ، فجأة تجد كل الأطراف يريدون هذا الانحراف .
أنا أضرب أمثلة محدودة ، لأن هناك آلاف الأمثلة ، في البيع والشراء أحياناً هناك طريقة في الغش ، يحدثك التاجر أنه عمل أرباحاً طائلة عن طريق تبديل اسم السلعة ، عن طريق تبديل صفاتها ، عن طريق التعريف ببلد المنشأ ، أنت تثني على ذكائه ، وعلى شطارته ، هذا حرام ، حرام أن توهم الناس أن هذه البضاعة من هذا المنشأ وهي من منشأ أقل .
كل إنسان محسوب على المؤمنين فعليه إسداء النصيحة للآخرين :
كلما جاملنا أنفسنا ، وسكتنا عن إحقاق الحق ، وعن إبطال الباطل انتهت هذه الأمة ، صدق ولا أبالغ ، لا يوجد بالألف واحد ينصح ، الكل يجامل ، الكل يتمنى السلامة ، ليس مضطراً أن ينصح الآخرين مخافة أن يتسبب بمشكلة ، ليس لي علاقة ، ليس لك علاقة خسرت الله عز وجل .
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
(( رجُل مدَح رجُلًا عندَ ابنِ عمرَ فجعَل ابنُ عمرَ يرفَعُ التُّرابَ نحوَه وقال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب . ))
أحياناً إنسان منحرف تمدحه ، تمدحه ، تمدحه ، إلى متى تمدحه ؟ لا داع لأن يتوب ، إنسان عنده مسبح مختلط ، عمل فيه مولداً ، جاء الخطباء ومدحوه أيضاً ، كيف تمدحه ؟ مسبح مختلط ترتكب فيه أكبر المعاصي وتمدحه أيضاً ؟
رجُل مدَح رجُلًا عندَ ابنِ عمرَ فجعَل ابنُ عمرَ يرفَعُ التُّرابَ نحوَه وقال : قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم :
(( إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب . ))
يجب أن تقول : لا في الوقت المناسب ، أما الكل يخطئ والكل ساكت ، الكل ينحرف والكل ساكت ، الكل يتمادى والكل ساكت ، المرأة تكاد تظهر عارية في الطريق والكل ساكت وأمها محجبة تمشي إلى جانبها ، كيف سمحتِ لها أن تمشي معك بهذا الوضع ؟ ألست أمها ؟ أين تربيتك لها ؟ كله ساكت ، فهذا الوضع سبب أن ملياراً وخمسمئة مليون لا وزن لهم عند الله .
(( عن عبد الله بن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خيرُ الصحابةِ أربعةٌ وخيرُ السرايا أربعمائةٍ وخيرُ الجيوشِ أربعةُ آلافٍ ولا يُغْلَبُ اثنا عشرَ ألفًا من قِلَّةٍ . ))
مليار ونصف ربع سكان الأرض ، أي كل أربعة أشخاص يوجد شخص مسلم ، مليار وخمسمئة مليون لا وزن لهم عند الله ، لأن هذه الأمة تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الفريضة السادسة .
لا شيء يعين الظالم على ظلمه كسكوت المظلوم :
فلذلك : ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
يوجد سؤال : الذين ظلموا تصيبهم عقابيل الفتنة فما بال الذين لم يظلموا ؟ والذين لم يظلموا هم ظلموا في طريقة أخرى ، ظلموا حينما سكتوا ، لذلك لا شيء يعين الظالم على ظلمه كسكوت المظلوم ، لا تسكت ، تكلم ، وضح ، بيّن ، ما دام هناك نصيحة ، ما دام هناك موقف فالإنسان يفكر ، هناك من ينتقدني ، هناك من يحاسبني ، هناك من يرفض طلبي ، أما كل ما يقوله القوي يطاع مع الانبطاح ، انتهت الأمة كلها ، ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
من أقام أمر الله في بيته وعمله لا شيء عليه :
أيها الإخوة ، مثلاً لو ضربنا أمثلة من الأسرة ، يأتي الابن الساعة الثانية ليلاً ، أين كنت ؟ عند رفيقي ، سكت الأب ، أكيد عند رفيقك ؟ من رفيقك ؟ رقم تلفونه ، عندما تتابعه إن كان بمكان غير جيد في المرة الثانية يفكر كيف أواجه والدي ؟ أما إن قال له عند رفيقي ولم يتكلم ولا كلمة ، والله هناك قصص بالأسر انحراف خطير إلى درجة الفحش ، بنت ثلاث سنوات تقع في الفاحشة والأب لا يعلم ؟! كانت عند رفيقتها ، رفيقتها بالجامعة تدرس معها ، الفتنة إن لم تقمع استشرت .
نحن نقول : عندك مملكتان أنت محاسب عليهما ، بيتك وعملك ، ولست مكلفاً فوق ذلك مبدئياً ، مكان المحاسبة أنت تحاسب في الدائرة التي أوكلت إليك ، في بيتك معصية ، في بيت تفلت ، هناك سهرة مختلطة ، هناك أجهزة لا ترضي الله ، هناك لقاءات لا ترضي الله ، أنت محاسب عن بيتك أولاً ، فما لم تكن ضابطاً لأمورك ، متابعاً لتفاصيل ما يجري في البيت ، فأنت محاسب عند الله ، أنت محاسب على مملكتين ؛ مملكة بيتك ، ومملكة عملك ، ما فوق ذلك لك أن تنصح ، لكن لست محاسباً .
لو فرضاً أنت بشركة ، والمدير العام له سلوك فيه خطأ ، يمكن أن تنصحه بطريقة لبقة ، لكن أكثر من ذلك غير مكلف ، أما ببيتك لا يوجد نصيحة ، لا بدّ من أن تقيم أمر الله في بيتك ، وفي عملك ، فإذا أقمت أمر الله في عملك وفي بيتك لا شيء عليك .
﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾
الأمة كلها في قارب واحد :
عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أو قال : المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب . ))
سبحان الله ! من أروع الأمثلة التي ضربها النبي عليه الصلاة والسلام :
(( عن النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما، عن النبيِّ قَالَ: مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه ، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا ، وبعضُهم أسفلَها ، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ ، فَقَالُوا : لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا . فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا ، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا . ))
وصدقوا ولا أبالغ ما من مثل أبلغ من أننا جميعاً في قارب واحد ، الأمة كلها في قارب واحد ، فأي ثقب في هذا القارب إن لم نسارع جميعاً لإغلاقه غرقنا جميعاً ، هذا المثل من عند النبي عليه الصلاة والسلام :
(( عن النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما، عن النبيِّ قَالَ: مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه ، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا ، وبعضُهم أسفلَها ، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ ، فَقَالُوا : لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا – والنية طيبة - فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا ، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا . ))
إذاً على مستوى أسرة ، الأسرة كلها في قارب واحد ، على مستوى مؤسسة ، مدرسة ، جامعة ، مستشفى ، وزارة ، الأمة كلها في قارب واحد ، فإذا كان هناك انحراف والكل ساكتون غرقنا جميعاً ، وإذا كان هناك انحراف وبعضنا ينصح بعضاً نجونا جميعاً ، والله أحياناً قد لا تعلم كم تكون كلمة الحق لها أثر قد لا يوصف .
الحكمة من ضعف النبي الكريم أن يكون الإيمان به عظيماً :
أيها الإخوة ، ثم يقول الله عز وجل :
(( عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صبراً يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة.))
الصحابة دفعوا ثمناً باهظاً حينما أسلموا ، يوجد سر ، لماذا كان النبي ضعيفاً ؟ لَمَ لم يكن قوياً كقوة الحكام أحياناً ؟ لأنه لو كان قوياً لأعطى أمراً فطبقه الكل ، لكن لا عن إيمان ، عن خوف ، جعله الله ضعيفاً ليكون الإيمان به خالصاً لوجهه ، لا يوجد عنده شيء .
﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا
كل إنسان مع القوي يسعى لإرضائه طمعاً فيما عنده ، ويتقي أن يعصيه خوفاً منه ، فعلاقتك مع القوي علاقة نفع أو خوف فقط ، طمع أو خوف ، أما علاقتك مع النبي الضعيف فعلاقة إيمان ، إيمان فقط ، ضعيف ، ﴿ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴾
أبلغ من ذلك :
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا
﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) ﴾
نبي ، سيد الخلق ، حبيب الحق ، سيد ولد آدم ، في الطائف ضُرب ، لماذا جعله الله ضعيفاً ؟ ليكون الإيمان به عظيماً .
من عبد الله عز وجل بحقٍّ في زمن الفتن والضلالات فله أجر كبير :
الآن : إذا عُرف الإنسان أنه متدين ، فبالعالم كله الآن غير مقبول ، يخافون منه ، إرهابي ، إنسان مسالم ، وديع ، لطيف ، رحيم ، منضبط ، مخلص ، يتفانى في عمله ، كل هذه الصفات الرائعة لأن له مسحة دينية هذا مقياس العالم كله متهم ، العالم كله يحترم المتفلتين ، يحترم العصاة ، يحترم من يتحدون السماء ، يحترم من يكفرون بالله عز وجل ، والمؤمن يخافون منه ، يصنفونه تصنيفاً معيناً ، فأنت حينما تريد أن تكون مؤمناً في هذا الزمان لك أجر كبير .
ولكن جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة , فقال :
(( السلام عليكم دار قوم مؤمنين , وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، وددت أني قد رأيت إخواننا ، فقالوا : يا رسول الله, ألسنا بإخوانك ؟ قال : بل أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد ، وأنا فرطهم على الحوض ، فقالوا : يا رسول الله, كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال : أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : فإنهم يأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء ، وأنا فرطهم على الحوض ، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال ، أناديهم : ألا هلم, ألا هلم, ألا هلم . فيقال : إنهم قد بدلوا بعدك ، فأقول : سحقًا سحقًا . ))
أينما تحركت ، المعصية مقبولة والطاعة معها حرج .
فيا أيها الإخوة ، أبشروا ، ما دمت في هذا الزمان الصعب لا تنس قول النبي الكريم فيما يرويه عن ربه :
(( عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وإِنَّ العِبادَةَ في الهَرْج كهجرة إلي .))
عبادة في الهرج ، أي في زمن الفتن ، في زمن النساء الكاسيات العاريات ، في زمن التهجم على الإسلام ، وعلى نبي الإسلام ، وعلى كتاب الإسلام ، كان التهجم على التفاصيل الآن على الرموز الكبيرة .
رسام الدانمرك شوه صورة النبي عليه الصلاة والسلام ، المصحف دُنس في بلاد بعيدة ، دُنس والعالم ساكت ، فأنت حينما تعبد الله في زمن الفتن ، في زمن الضلالات ، في زمن يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير ، إن تكلم قتلوه ، وإن سكت استباحوه ، و قد ورد في بعض الآثار :
(( " موت كعقاص الغنم ، لا يدري القاتل لمَ يقتل ؟ ولا المقتول فيمَ قُتل ؟ " ))
دولة تعتدي على دولة إسلامية ، تقتل منها مليونين ، يوجد مليون طفل مقتول ، تشرد خمسة ملايين ، ودولة محترمة ، والعالم ينظر لها بإكبار ، وإذا إنسان دافع عن حقه ، أو قاوم محتلاً يُتهم بأنه إرهابي ، نحن بأي زمان ؟ نحن في أي زمان نعيش ؟!
ارتباط الإيمان بالأمن والطمأنينة :
لذلك :
(( عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وإِنَّ العِبادَةَ في الهَرْج كهجرة إليّ . ))
يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير ، إن تكلم قتلوه ، وإن سكت استباحوه ، موت كعقاص الغنم ، لا يدري القاتل لمَ يقتل ؟ ولا المقتول فيمَ قُتل ؟
اثنان ونصف مليون مشرد في الباكستان ، اثنان ونصف مليون بلا طعام ، بلا شراب ، بلا مأوى ، قتل باليوم مئة ، مئتين ، ثلاثمئة ، كأن القتل وسام شرف ، فنحن في زمن صعب ، لذلك سلوا الله السلامة ، وسلوا الله أن يديم على هذه البلاد الأمن والاستقرار ، نحن في نعم كبيرة جداً لا يعرفها إلا من فقدها .
قال لي أخ في العراق : أنا أودع زوجتي يومياً ، احتمال موتي في الطريق 50% ، يومياً يودع أولاده .
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً
عندما يكون هناك إيمان يكون هناك أمن وطمأنينة .
على الإنسان ألا ينسى فضل الله عليه :
أيها الإخوة ، ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ ﴾
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) ﴾
هذه الآية لمجموع الأمة ،
على كل إنسان أن يكون في قلبه تعظيم لله وحب له وخوف منه :
لذلك :
(( عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أحِبوا اللهَ لما يغْذوكم من نعَمِه ، وأحِبُّوني بحُبِّ اللهِ ، وأَحِبُّوا أهلَ بيتي بحُبِّي . ))
يا رب أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك ؟ قال : أحب عبادي إليّ تقي القلب نقي اليدين ، لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني ، وأحب من أحبني ، وحببني إلى خلقي ، قال : يا رب إنك تعلم أني أحبك ، وأحب من يحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي ، ونعمائي ، وبلائي ، ذكرهم بآلائي كي يعظموني ، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني ، وذكرهم ببلائي كي يخافوني .
هذا الحديث لا يصح فيه إسحاق بن عبد الرحمن أبي فروة ، وهو متروك كما في التقريب وقد رواه عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وروايته عنه منقطعة ومن ثم حكم عليه محقق الشعب بالانقطاع .
معنى ذلك أنه لا بدّ من أن يكون في قلبك تعظيم لله من خلال آياته الكونية ، وحبّ لله من خلال نعمه ، وخوف من الله من خلال بلائه ، جهاز في جسمك لو تعطل قلب حياة الإنسان جحيماً لا يطاق .
هناك قناة دمعية من العين إلى الأنف ، أنفك رطب لأن الدمع الذي يزيد عن حاجة العين ينتقل عبر هذه القناة إلى الأنف فالأنف رطب ، حالات نادرة جداً تُسد هذه القناة فدائماً الدمع على خدك ، بعدها يصبح هناك خط أحمر أي التهاب ، هذه القناة لها دور كبير جداً ، لو أن الرموش انخفضت ، هناك مرض اسمه : ارتخاء الجفون ، كلما أردت أن ترى إنساناً يجب أن ترفع جفنك بيدك ، هذه قليلة ؟
نعمة الجفون ، نعمة العين ، نعمة هذا المفصل ، كيف تأكل لولا هذا المفصل ؟ والله يوجد نعم بجسمك فقط لا تعد ولا تحصى ، لو كان في الشعر أعصاب حس ، إلى أين أنت ذاهب ؟ ذاهب لأعمل عملية حلاقة بالمستشفى مع تخدير كامل ، لأنك لا تستطيع أو تصبح وحشاً ، الله عز وجل ما جعل بالشعر أعصاب حس ، ولا بالأظافر ، والحديث عن الجسم يطول .
هناك مثانة لولاها لوضع الإنسان فوطاً بشكل إجباري ، كل عشرين ثانية يوجد نقطة بول ، يتجمعون كل خمس ساعات بالمثانة ، لو لم يكن هناك مستودع لكانت مشكلة كبيرة ، فكر بأجهزتك جهازاً جهازاً ، أي جهاز تعطل تصبح حياة الإنسان جحيماً لا يطاق .
الله عز وجل إذا أعطى أدهش وإذا أخذ أدهش فإياك والتكبر :
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
والله أعرف صديق صديقي درس بفرنسا ، يحمل أعلى شهادة في الجيولوجيا ، وصل إلى منصب معاون وزير ، فقد بصره ، خلال شهر يأتون له بالمعاملات إلى البيت ، بعد ذلك سرحوه ، زاره صديقي ، قال له : والله أتمنى أن أجلس على الرصيف ، وأن أمدّ يدي للناس ، ولا أملك من الدنيا إلا هذا المعطف ، وأن يرد لي بصري ، البصر نعمة كبيرة جداً .
فيا أيها الإخوة ، اذكر كيف كنت وكيف أصبحت ، إياك والتكبر ، إياك أن تنسى الماضي ، ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ ﴾
﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين