- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (008)سورة الأنفال
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
في الآية التالية بعض التفاصيل عن معركة بدر :
أيها الإخوة الكرام ؛ مع الدرس الخامس عشر من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية الثانية والأربعين وهي قوله تعالى :
﴿ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)﴾
في هذه الآية بعض التفاصيل عن معركة بدر .
﴿ إِذْ أَنْتُمْ ﴾ أيها المؤمنون ﴿ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا ﴾ الحقيقة لو أن هناك جبلين الفراغ بينهما يسمى الوادي ، وشاطئ الوادي يسمى العدوة ، والنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام كانوا في العدوة الدنيا ، أي كانوا أقرب إلى المدينة ، أي القريب من المدينة لأنهم جاؤوا من المدينة ﴿ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا ﴾ وقريش جاؤوا من مكة ، وهم في العدوة القصوى ، المؤمنون في طرف وظهرهم إلى المدينة ، وقريش في طرف آخر وظهرهم إلى مكة المكرمة .
مرة ذهبت إلى غور فلسطين مكتوب لوحة : ستمئة متر تحت سطح البحر ، فالارتفاعات والانخفاضات بالنسبة لسطح البحر لأن سطوح البحار وشواطئ البحار في العالم كله في مكان واحد ، أو في ارتفاع واحد هو الصفر .
الإنسان مخير وقد يأخذ الله منه ذلك الاختيار ليسيّر إما للتكريم أو للتأديب :
﴿ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً ﴾ هذه الفقرة في الآية ينبغي أن تُشرح .
الإنسان مخير ، لكن لأن الله سبحانه وتعالى طليق الإرادة ، ولو أنه منحك الاختيار ، أحياناً إما من أجل أن يكرمك إن كنت مؤمناً ، أو أن يؤدبك إن كنت عاصياً ، فقد يأخذ منك الاختيار ، وتسيّر إما للتكريم أو للتأديب .
والعجيب قد تجد إنساناً بأعلى درجات الذكاء يرتكب حماقة لا يرتكبها أحمق ، ومن خلال هذه الحماقة تأتيه مصيبة كبيرة جداً ، معنى ذلك إذا أراد ربك إنفاذ أمر أخذ من كلّ ذي لبٍّ لبه ، مع الله عز وجل لا يوجد ذكي أبداً ، يوجد مستقيم ، أنت تنجح مع الله باستقامتك لا بذكائك ، لأن الحذر الذكي صاحب الخبرات المتراكمة يؤتى من مأمنه .
حينما يتوهم الإنسان أن هذا اختصاصه ، قد يكون طبيباً مختصاً بالجهاز الهضمي ، وعنده قناعة عميقة جداً أنه لن يصاب بأمراض جهاز الهضم اختصاصه ، يفاجأ بقرحة في المعدة ، حينما تتوهم أنك محمي بسبب ما من الله تفاجأ أن هذه الحماية التي توهمتها ليست صحيحة ، مع الله عز وجل يوجد مستقيم ، المستقيم يوفق ، أما الذكي فيؤتى من مأمنه ، يوجد بعض الآثار القدسية :
عبدي خلقت لك السماوات والأرض ولم أعيَ بخلقهن أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين ؟ وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية ، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي ، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد .
(( قيل لأبي الدَّرداءِ : أُحرِقت دارُك ؟ فقال : ما كان اللهُ ليفعلَ ذلك ، فقيل له ذلك ثلاثًا وهو يقولُ : ما كان اللهُ ليفعلَ ذلك ، ثمَّ أتاه آتٍ فقال : يا أبا الدَّرداءِ إنَّ النَّارَ حين دنت من دارِك طُفِئت ، قال قد علِمتُ ذلك فقيل له ما ندري أيَّ قولَيْك أعجبَ قال إنِّي سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : من يقولُ هؤلاء الكلماتِ في ليلٍ أو نهارٍ لم يضُرُّه شيءٌ وقد قلتهنَّ : وهي اللَّهمَّ أنت ربِّي لا إلهَ إلَّا أنت عليك توكَّلتُ وأنت ربُّ العرشِ العظيمِ لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ العليِّ العظيمِ ، ما شاء اللهُ كان وما لم يشَأْ لم يكُنْ ، أعلمُ أنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ وأنَّ اللهَ قد أحاط بكلِّ شيءٍ عِلمًا ، وأحصَى كلَّ شيءٍ عددًا ، اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك من شرِّ نفسي ومن شرِّ كلِّ دابَّةٍ أنت آخِذٌ بناصيتِها إنَّ ربِّي على صراطٍ مستقيمٍ . ))
(( عن أبي ذر الغفاري قال اللهُ تعالَى : يا عبادي ! إنِّي حرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي وجعلتُه مُحرَّمًا فلا تَظالموا ، يا عبادي ! إنَّكم تُخطِئون باللَّيلِ والنَّهارِ وأنا أغفِرُ الذُّنوبَ جميعًا ولا أُبالي فاستغفروني أغفِرْ لكم ، يا عبادي ! كلُّكم جائعٌ إلَّا من أطعمتُ فاستطعِموني أُطعِمْكم ، يا عبادي ! لم يبلُغْ ضُرٌّكم أن تضُرُّوني ولم يبلُغْ نفعُكم أن تنفعوني ، يا عبادي ! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وجِنَّكم وإِنسَكم اجتمعوا وكانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ منكم لم يُنقِصْ ذلك من مُلكي مثقالَ ذرَّةٍ ، ويا عبادي ! لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وجِنَّكم وإنسَكم اجتمَعوا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني جميعًا فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ منهم مسألتَه لم يُنقِصْ ذلك ممَّا عندي إلَّا كما يُنقِصِ المَخيطُ إذا غُمِس في البحرِ ، يا عبادي ! إنَّما هي أعمالُكم تُرَدُّ إليكم ، فمن وجد خيرًا فليحمَدْني ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلَّا نفسَه . ))
كن فيكون ، زل فيزول ، دققوا الآن :
(( يا عبادي ! إنَّما هي أعمالُكم تُرَدُّ إليكم ، فمن وجد خيرًا فليحمَدْني ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلَّا نفسَه . ))
(( لا يخافن العبد إلا ذنبه ، ولا يرجون إلا ربه . ))
التولي و التخلي :
أيها الإخوة ، لو تواعدوا لاختلفوا في الميعاد ، ﴿ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً﴾
(( ما شاءَ اللهُ كانَ ، وما لم يشأْ لم يكن . ))
أحد الخطباء خطب أمام النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما شاء الله وشئت ، فقال له النبي الكريم : بئس الخطيب أنت ، سويتني لله نداً ؟ قل :
(( ما شاءَ اللهُ كانَ ، وما لم يشأْ لم يكن . ))
لا يوجد إرادة مع الله عز وجل ، فالإنسان أحياناً يخطط ، يهيئ ، يستعد ، فتأتي الأمور على خلاف ما يريد ، لذلك قال بعضهم :
مرة إنسان أظنه صالحاً - ولا أزكي على الله أحداً - قال بجلسة : الدراهم مراهم ، يقصد أنه بالدراهم تُحل أية مشكلة ، فبقي في المنفردة أكثر من ستين يوماً ، تأديباً له على هذه الكلمة ، تفضل حلها بالدراهم ، هذه لا تحل بالدراهم .
مرة كنت عند طبيب ، قال له إنسان على الهاتف : أي مبلغ ، وأي مكان في العالم مستعدون ، قال له : والله لا يوجد أمل ، الورم بالدرجة الخامسة ، ما كل شيء يحل بالدراهم ، كل شيء يحل بتوفيق الله ، فإذا كنت مع الله كان الله معك ، فأنت حينما تقول : الله ، يتولاك ، بالدراسة ، بالتجارة ، بالزواج ، بالعمل ، بتربية أولادك ، فإذا قلت : أنا :
﴿
لها توابع ، عندي معلومات دقيقة جداً ، اختصاصي نادر ، أهلي أغنياء ، حينما تعتد بشيء غير الله عز وجل ، من محبة الله لك يعطل هذا الشيء وتبقى بحيرة من أمرك .
فلذلك إذا قلت : الله ، تولاك الله ، بأي عمل ، بأي مجال ، بأي مهمة ، وإذا قلت : أنا ، تخلى عنك .
كل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع :
قال :
(( لكلِّ شيءٍ حقيقةٌ ، و ما بلغ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتى يعلمَ أنَّ ما أصابَه لم يكن لِيُخطِئَه ، و ما أخطأه لم يكن لِيُصيبَه . ))
فكل شيء وقع أراده الله ، نعكسها ، وكل شيء أراده الله وقع ، أبداً ، إن وقع سمح الله به ، معنى أراده أي سمح به ، قد يكون هذا الشيء بخلاف منهجه ، لم يرضَ ولم يأمر ، إنسان ارتكب الزنا ، لا الله تعالى أمره بهذا ، والله لا يرضى لعباده المعصية ، لكن ما دام الشيء وقع إذاً هناك حكمة بالغة فسمح الله بهذا ، فكل شيء وقع أراده الله ، وكل شيء أراده الله وقع ، الآن دقق : وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، الله حكيم ، الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً .
لو عرجنا على ما يجري في العالم اليوم ، هناك أحداث مؤلمة جداً ، في الحادي عشر من أيلول ، قبل هذا التاريخ كان هناك سياسة للدول ، بعد هذا التاريخ سياسة أخرى ، وكأن بعد هذا التاريخ أُعلنت حرب عالمية ثالثة على المسلمين ، أليس كذلك ؟ احتُلت خمس دول إسلامية ، وقع هذا الشيء ، هناك حكمة بالغة ، أولاً : هذه الأحداث الأليمة دفعتنا إلى أن نصحو ، هذه الأحداث الأليمة قربت ما بيننا ، زادتنا قرباً ، زادتنا إنابة ، زادتنا تماسكاً ، زادتنا وعياً ، زادتنا كفراً بالعالم الغربي ، لو تتبعت الإيجابيات من الأحداث الكبرى التي أصابت المسلمين تجد أن الذي وقع أراده الله ، وأن الذي أراده الله وقع ، وأن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، الحكمة المطلقة أن الذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً ، والحكمة المطلقة أن الذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله .
لذلك ليس في الإمكان أبدع مما كان من حيث القضاء والقدر ، والإيمان بالقضاء والقدر يذهب الهم والحزن ، ولا تنسوا هذه المقولة الثانية ، عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( لكلِّ شيءٍ حقيقةٌ ، و ما بلغ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتى يعلمَ أنَّ ما أصابَه لم يكن لِيُخطِئَه ، و ما أخطأه لم يكن لِيُصيبَه . ))
الغرب كان حضارة فأصبح قوة غاشمة ولم يبقَ على سطح المبادئ والقيم إلا الإسلام :
لعلكم ترون بأعينكم الإيجابيات التي سوف نقطفها من الحادي عشر من أيلول هي مؤلمة لكن لها إيجابيات إيجابية .
الذي ينبغي أن يقال : قبل هذا التاريخ كان على سطح ما مبادئ الأرض وقيمها ، كان هناك الشرق الذي آمن بالمجموع ، وكان الغرب الذي آمن بالفرد ، وكان الإسلام ، ككتل مبدئية كبيرة كان هناك الشرق ، والغرب ، والإسلام ، يوجد آلاف الاتجاهات ، لكن ككتل كبيرة جداً ، مبادئ كبيرة ، مبدأ العالم الغربي القائم على الحرية المطلقة لكل الناس ، مبدأ العالم الشرقي النظام الواحد ، الأساس المجموع ، والإسلام ، الشرق تداعى من الداخل .
﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا
ماذا بقي على هذه الساحة ؟ الغرب والإسلام ، الكلام موضوعي ، الغرب ذكي جداً ، وقوي جداً ، وغني جداً ، وقبل الحادي عشر من أيلول طرح قيماً عالية جداً ، طرح قيمة الحرية والديمقراطية ، وحقوق الإنسان ، وحق التقاضي ، وتكافؤ الفرص ، والعولمة - احترام جميع الأديان - فكان الغرب حضارة شامخة خطفت أبصار أهل الأرض ، حتى صار أي إنسان بالعالم إذا وصل إلى البطاقة الخضراء تتيح له أن يذهب إلى بلاد الغرب كأنه دخل الجنة ، هذا كله سابقاً ، بعد الحادي عشر من أيلول كان الغرب حضارة فأصبح قوة غاشمة ، الذي فعله في أفغانستان ، والذي فعله في العراق ، والذي فعله في بلاد عديدة ، كان الغرب حضارة فأصبح قوة غاشمة ، ولم يبقَ على سطح المبادئ والقيم إلا الإسلام .
اقتراب الغرب والشرق من الإسلام لا عن عبادة لله ولكن عن مصالح :
الآن أسهم الإسلام في الأوج مع أن المسلمين ضعاف ، هذا الذي قال : " أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور ، لاتساع الهوة بينهما ، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين ، لا لأنهم أقوياء ولكن لأن خلاص العالم بالإسلام "
وهذا بدت بشائره ، الفاتيكان وفرنسا تدرس بجدية ما بعدها جدية النظام المالي الإسلامي ، بعد انهيار النظام المالي الغربي القائم على الربا .
بعد انتصار أخوتنا في غزة ، الآن الجيوش تخطط لعمليات لمواجهة المقاومة ، لا لمواجهة جيش آخر ، صار هناك شيء جديد .
الخمر حرمه الاتحاد السوفيتي قبل أن ينهار ، تطابق مع الإسلام ، قبل أسبوعين روسيا حرمت النوادي الليلية كلياً ، الغرب والشرق يقتربان من الإسلام لا عن عبادة لله ، أبداً ، ولكن عن مصالح .
الآن معظم الأنظمة غير الإسلامية أصبحت في الوحل ، ولم يبقَ كنظام متماسك وقوي وشامخ إلا الإسلام ، فنحن في العصر الذهبي للإسلام كمبدأ ، كمنهج ، كقيم ، أما المسلمون ضعاف ، ولكن إن شاء الله هذه الأحداث الكبرى تعلمهم كما قال الله عز وجل إن المستضعف ربما قواه الله عز وجل .
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) ﴾
نرجو من الله سبحانه وتعالى أن نكون تحت هذه الآية .
من وقف في خندق مضاد لخندق الحق استحق الشقاء الأبدي :
الله عز وجل مع الإنسان يراه ويسمعه ويعلم ما يضمر وما يعلن :
من كان مع الله صحت رؤيته والعكس صحيح :
كيف يقع الذي وقع ؟ بشكل عام الإنسان أحياناً يرى رؤية خاصة ، هذه الرؤية تدفعه أن يفعل هذا الأمر ، فإذا كان مؤمناً يريه الله عز وجل هذا المشروع أنه ناجح ، فيه صعوبات كبيرة ، لكن الله لا يريه الصعوبات ، يريه النتائج ، فيقبل ، يأتي الدعم الإلهي ، والمعونة الإلهية فينجح ، بعد أن ينجح يقول : والله ما كنت أظن أن هذا النجاح بهذه البساطة ، النجاح يحتاج إلى جهد كبير لكن الله وفقني .
الطرف الآخر قد لا يعبأ بشيء ، يستخف به ، وقد يُدمر بهذا الشيء ، فلذلك هذه الرؤية التي يراها الإنسان هي التي تدفعه إلى عمل ما ، فإن كنت مع الله صحت رؤيتك ، وإن لم تكن مع الله فسدت رؤيتك .
سيدنا يوسف شاب جميل الصورة ، في مقتبل العمر ، دعته سيدته ، وهي ذات منصب وجمال ، ما الذي رأى حتى قال :
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ
هذه الرؤية ، فكان عزيز مصر ، تقول : سيدنا يوسف لأنه عفّ عن الحرام ، سيدنا يوسف هو المثل الأعلى لكل الشباب اليوم ، أيها الشاب لا يرقى بك إلى الله شيء كالعفة ، مثلاً تاجر كبير في السن شيء آخر يرقى به إلى الله إنه العمل الصالح ، لأن موضوع الجنس تجاوزه ، أما شاب في مقتبل الحياة ، والنساء في الطريق كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، بأي مكان يوجد امرأة شبه عارية ، بالانترنيت ، بالفضائيات ، بالطريق ، بالمجلات ، بالصحف ، بأي مكان ، فيأتي هذا الشاب المؤمن ويغض بصره عن محارم الله خوفاً من الله .
سيدنا يوسف هو المثل الأعلى لكلّ شاب مؤمن عفيف :
أنا أتصور كلما غضّ الشاب بصره عن محارم الله كأنه وضع بصندوق ليرة ذهبية ، يوم يتزوج يفتح هذا الصندوق فإذا فيه مئات ألوف الليرات الذهبية ، كلما تغض بصرك عن امرأة لا تحل لك ترقى عند الله ، فأنا أقول : سيدنا يوسف هو المثل الأعلى للشباب ، قال :
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ
سائق سيارة أشارت له امرأة تفضلي ، إلى أين ؟ قالت له : خذني إلى أي مكان تريده ، فهم ، وعدّ هذا مغنماً كبيراً ، وأخذها إلى مكان ، وقضى حاجته ، قدمت له ظرفاً ، افتكر أن هذه الرسالة هي رسالة شكر ، فإذا هو مكتوب عليه : مرحباً بك في نادي الإيدز ، هكذا .
الإنسان عندما يكون عنده رؤية صحيحة ، سيدنا يوسف قال :
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) ﴾
أما هذا الشاب الجاهل فقد رآها مغنماً كبيراً ، ونسي أنه فقد حياته ، " ألا رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً "
أكبر عطاء إلهي أن يقذف الله في قلبك نوراً ترى به الخير خيراً والشر شراً :
إخواننا الكرام ، دققوا في هذا الذي سأقوله : أخطر شيء في حياتك رؤيتك ، ماذا ترى ؟ لماذا يسرق اللص ؟ هناك سبعة رجال سرقوا محل ذهب ، في بلدة في شمال دمشق ، بعد عشرين يوماً أعدموا جميعاً ، قتلوا صاحب المحل التجاري الذي يبيع الذهب ، وأخذوا منه بضع كيلوات من الذهب ، وظنوا أنهم سيعيشون حياة فيها بحبوحة كبيرة بهذا الثمن ، كُشف أمرهم هم أصبحوا قتلة فأعدموا جميعاً .
المشكلة هذه الرؤية ، ماذا رأيت ؟ الذي يعصي يتوهم أن المعصية تحقق له لذة كبيرة جداً ، والله لا يحاسب ، الله غفور رحيم ، هناك سذاجة وهناك حمق ، فأنت بطولتك أن تملك رؤية صحيحة ، المؤمن يرى بنور الله ، الدليل :
﴿
الآن دققوا :
كان عندي طالب له خال صاحب دار سينما ، من الدرجة العاشرة ، والأفلام التي تعرض كلها ساقطة ، في الأربعينات أصيب بمرض خبيث ، فزاره ابن أخته وهو طالب عندي ، فصار خاله يبكي ، قال له : جمعت بضعة ملايين حتى أستمتع بهم في الحياة ، و إذ بالمرض قد عاجلني ، ثم توفي .
من اصطلح مع الله تولاه الله ونقله من توفيق إلى توفيق ومن نجاح إلى نجاح :
أنت حينما تبني ثروتك على إفساد الشباب ، ما الذي رأيته ؟ رأيت أن الله لن يحاسبك ؟! والله أيها الإخوة لو ترون المآل بأية معصية ، يصبح الإنسان يعد للمليار قبل أن يعصي الله عز وجل ، العبرة بالرؤية ، أن ترى بنور الله ، إن رأيت بنور الله أي حينما تصلي الصلاة الصحيحة يلقي الله في قلبك نوراً ، لا ترتكب معصية ، والله لو دفعوا لك ملايين مملينة بالحرام تركلها بقدمك .
(( وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه . ))
العبرة أنك إذا اتصلت بالله ألقى في قلبك نوراً تملك به رؤية صحيحة لا تغلط ، طبعاً لا تغلط كلياً ، الأخطاء الطفيفة ليست مشكلة ، تكفرها الصلوات الخمس ، لكن لا يمكن أن ترتكب كبيرة بهذه الرؤية ،
لذلك الإنجاز الضخم الذي يجريه الله على يد إنسان لا يتناسب مع إمكانياته أبداً ، يتناسب مع توفيق الله عز وجل ، فكن طموحاً ، ما الذي يمنعك أن تكون إنساناً كبيراً عند الله ؟ داعية كبيراً ، عالماً كبيراً ، مصلحاً اجتماعياً كبيراً .
الباطل متعدد والحق لا يتعدد :
ثم يقول الله عز وجل :
﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ
والمعركة بين حقين لا تكون ، لأن الحق لا يتعدد ، كما أنه بين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد ، لكن بين هاتين النقطتين تمر ملايين الخطوط المنكسرة والمنحنية ، فالباطل متعدد و الحق لا يتعدد .
مفرد ، فالحق واحد ، فالمعركة بين حقين لا تكون ، مستحيل ! وبين حق وباطل لا تطول ، لأن الله مع الحق ، أما بين باطلين فلا تنتهي ، تذهب مع العمر ، بين حقين لا تكون ، بين حق وباطل لا تطول ، لأن الله مع الحق ، بين باطلين لا تنتهي .
الله عز وجل مع المؤمنين إن ثبتوا وآمنوا :
﴿ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾
إذا كنت مؤمناً ، صادقاً ، مستقيماً اطمئن .
﴿
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) ﴾
الأمر ينصب على الذكر الكثير لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً ، إذاً هم يذكرون الله عز وجل .
من نصر دين الله نصره الله عز وجل :
﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
﴿
﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)﴾
الآن :
الآية الثالثة :
المعصية مع الصبر ليس بعدها إلا القبر أما الطاعة مع الصبر فتنتهي بالنصر :
أيها الإخوة ؛ الأمة الإسلامية تطوق إلى النصر ، والكرة بالتعبير المعاصر في ملعبها ، فحينما تؤمن ، وحينما تستقيم على أمر الله فالله عز وجل ينصرك ، لذلك :
﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)﴾
الآية الثانية :
﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا
لذلك المعصية مع الصبر ليس بعدها إلا القبر ، أما الطاعة مع الصبر فتنتهي بالنصر .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين