- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (008)سورة الأنفال
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الإنسان حينما قَبِل حمل الأمانة كلفه الله أن يعبده وقد أعطاه مقومات التكليف :
أيها الإخوةالكرام ؛ مع الدرس العشرين من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية الثالثة والخمسين وهي قوله تعالى :
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) ﴾
أيها الإخوة، الإنسان هو المخلوق الأول رتبة ، المخلوق المكرم ، لأنه قَبِل حمل الأمانة ، فحينما عرض الله :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ
فالإنسان هو المخلوق الأول لأنه قَبِل حمل الأمانة ، ولما قَبِل حمل الأمانة سخر الله له :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ
والمسخر له أكرم من المسخَر ، لذلك حينما قبِل حمل الأمانة كلفه الله أن يعبده ، وقد أعطاه مقومات التكليف ، أعطاه كوناً هو في الحقيقة مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى ، أعطاه عقلاً وفق مبادئه الثلاث ، مبدأ السببية ، مبدأ الغائية ، مبدأ عدم التناقض ، أعطاه فطرة سليمة يكشف بها خطأه ، أعطاه شهوة كمحرك يدفعه إلى الله ، لولا الشهوات لما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات ، أعطاه حرية يثمن بها عمله ، أعطاه شرعاً هو مرجع قطعي للعقل وللفطرة معاً ، ثم أعطاه وقتاً هو غلاف عمله ، وفي النهاية ما أقره الشرع فهو حسن ، وما رفضه فهو قبيح .
نعم الله عز وجل على الإنسان :
لذلك الإنسان أنعم الله عليه بنعمة الإيجاد أوجده :
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)﴾
أنعم الله عليه بنعمة الإمداد ، أمدّه بكل حاجاته ، أمدّه بالهواء ، بالماء ، بالطعام ، بالشراب ، أمدّه بزوجة ، وأمدّها بزوج ، أمدّه بأولاد ، كل شيء تراه عينك من نعم الله عز وجل ، أعطاه نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد .
من آمن بالله وشكره حقق الهدف من وجوده :
شيء آخر : هذا الإنسان عندما أعطاه هذه النعم عليه أن يؤمن وأن يشكر ، لأن الكون مسخر له تسخيرين ، تسخير تعريف ، وتسخير تكريم ، ردّ فعل التعريف أن تؤمن ، وردّ فعل التكريم أن تشكر ، دقق فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك ، وعندئذٍ تتوقف كل المعالجات الإلهية ، الدليل :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ
لأن الكون مسخرٌ تسخير تعريف ، ومن خلال التعريف آمنت ، ولأن الكون مسخر تسخير تكريم ، ومن خلال التكريم قد شكرت ، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك لذلك إن فعلت هذين الشيئين الإيمان والشكر تتوقف المعالجة الإلهية .
لو أن إنساناً فحصه الطبيب فوجد أن إحدى كليته توقفت عن العمل كلياً ، يقول له : لا بدّ من إجراء عمل جراحي لاستئصال هذه الكلية ، موعد العمل الجراحي هذه الكلية صُورت مرة ثانية ، فإذا بها تعمل ، هل تستأصل ؟
إذا أنت آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك ، وعندئذٍ تتوقف كل المعالجات الإلهية :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) ﴾
في اللحظة التي يؤمن بها الإنسان ويشكر الله تتوقف كل المعالجات :
الآن الله منحك نعمة الإيجاد ، منحك نعمة الإمداد ، منحك نعمة الهدى والرشاد ، أرسل رسلاً ، بعث أنبياء ، أنزل كتباً ، أنزل أمطاراً ، أنبتت النبات ، أنت بالطعام والشراب تغذي جسمك ، وبهذا الحق الذي نزل على نبيك صلى الله عليه وسلم تغذي روحك ، الذي ينبغي أن يكون أن تعرفه ، وأن تعبده ، وأن تشكره ، الله عز وجل قدم لك كل شيء ، منحك الوجود ، أمدك بما تحتاج ، هداك إليه ، أوجد ، أمد ، هدى ، نعمة الإيجاد ، نعمة الإمداد ، نعمة الهدى والرشاد ، بقي عليك أن تؤمن لأن كل هذا الكون يدل على الله ، بقي عليك أن تشكر لأن كل ما في الكون نعم خُلقت لك .
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا
فاعلم علم اليقين أنه في اللحظة التي تؤمن الإيمان الذي أراده الله ، أي الإيمان الذي يحملك على طاعة الله ، وفي اللحظة التي تشكر عن طريق خدمة الخلق ، عن طريق مساعدة الخلق ، حققت الهدف من وجودك ، وعندئذٍ تتوقف كل المعالجات ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
من عاش لذاته وبنى مجده على أنقاض الناس عوقب عقاباً شديداً :
عندنا حالة مرضية ، إنسان الله عز وجل أنعم عليه بنعمة الإيجاد ، أنعم عليه بنعمة الإمداد ، أنعم عليه بنعمة الهدى والرشاد ، فلم يستجب ، ولم يعبأ ، ولم يستقم ، ولم يتحرَ الحلال ، بنى مجده على أنقاض الآخرين ، بنى ماله على إفقارهم ، بنى عزه على إذلالهم ، بنى أمنه على إخافتهم ، عاش لذاته ، عاش الناس له ولم يعش للناس ، هذا الإنسان لو استمرت نعم الله عليه كما كانت لا معنى للدين أصلاً .
وظيفة كُلف بها الطلاب ، فالذي سهر طوال الليل يحل المسائل ، وبذل جهداً كبيراً ، وفي اليوم التالي يرى هذا الطالب المجد أن الذي ما كتب الوظيفة لم يعاقب ، ولم يساءل ، معنى ذلك أن أوامر المعلم لا قيمة لها إطلاقاً ، والدليل ، الآن أي معلم يعطي وظيفة وفي اليوم الثاني لا يحاسب المقصر ، في اليوم الثالث لا أحد يكتب وظيفة ، فمعنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى أنعم عليك بنعم لا تعد ولا تحصى ، أي يمكن أن أقول لك : خذ هذه الليرة السورية فعدها ؟ لا تعد الليرة ، الله قال :
﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا
معنى ذلك بركات النعمة الواحدة لا يمكن أن تحصى ، أنت محاط بالنعم ، جسمك ، خلق لك عينين ، لو كانت عين واحدة ترى الطول والعرض ، ولا ترى البعد ، خلق لك أذنين ، لو كانت أذن واحدة لا تعرف جهة الصوت ، أعطاك هذا الشعر ، ثلاثمئة ألف شعرة ، بكل شعرة وريد ، شريان ، عصب ، عضلة ، غدة دهنية ،غدة صبغية ، لو أعطاك عصباً حسياً بالشعر لاحتجت كل أسبوعين إلى عمل جراحي في المستشفى ، تحتاج إلى تخدير كامل وحلق شعرك ، لم يضع في الشعر أعصاب حس ، لو دققت في جسمك لرأيت العجب العجاب ، أنت غارق في النعم ، هناك نعم بجسمك ، خلق لك مأوى ، زوجة ، أولاد ، طعام ، شراب ، فواكه ، خضراوات ، أسماك ، أطيار ، لو حدثتكم سنوات وسنوات لا تنقضي نِعَمُ الله .
الله عز وجل لن يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم :
لذلك المؤمن عندما يقدر هذه النعمة ، يعرف هذه النعمة ، يشكر هذه النعمة ، هذه النعمة تدوم ، فإذا كفر بالمنعم ، ولم يعبأ بالنعمة ، ومارس شهواته من خلال هذه النعم ، لا بد من أن تتغير الأمور . الآية : ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
(( عن أبي ذر الغفاري عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، أنَّهُ قالَ : يا عِبَادِي ، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي ، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا ، فلا تَظَالَمُوا ، يا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ، يا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ ، يا عِبَادِي ، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ ، يا عِبَادِي ، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ، يا عِبَادِي ، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي ، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي ، يا عِبَادِي ، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا ، يا عِبَادِي ، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا ، يا عِبَادِي ، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي ، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ ، يا عِبَادِي ، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا ، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ . وفي روايةٍ : إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي ، فلا تَظَالَمُوا . ))
الله عز وجل أنعم عليك بنعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، موقفك من هذه النعم لم تعبأ بها ، لم تشكرها ، بل استخدمتها في معصية الله ، توقع يقيناً أن الله سيؤدبك ، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
من ظلم الناس غيّر الله النعم التي أعطاه إياها إلى نقم :
لذلك :
(( عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمص الناس
أن ترفض الحق ، وأن تظلم الناس ، لمجرد أن تظلم الله عز وجل يغير هذه النعم إلى نقم ، الرياح نعمة ، والعواصف نقمة ، الأمطار نعمة ، والفيضانات نقمة ، كل شيء تراه عينك يمكن أن يكون نعمة ، ويمكن أن ينقلب إلى نقمة ، الزواج نعمة ، وهناك زواج نقمة ، أن تنجب أولاداً نعمة ، وهناك أولاد نقمة ، أن تكون غنياً نعمة ، وهناك غنى نقمة ، أي شيء بقدرة قادر يمكن أن يكون نعمة ، وفي الوقت نفسه يمكن أن يكون نقمة ، فأنت مغمور بنعم الله ، محاط بنعم الله ، هذه النعم ينبغي أن تعرفها نعماً من الله ، هذا نوع من الشكر ، وينبغي أن يمتلئ القلب امتناناً لهذه النعم .
يروى أن ملكاً سأل وزيره ، وكان ملكاً جبّاراً ، قال له : من الملك ؟ قال له : أنت ، هل يوجد غيرك ؟ قال له : لا ، الملك رجل لا نعرفه ولا يعرفنا ، له بيت يؤويه ، وزوجة ترضيه ، ورزق يكفيه ، إنه إن عرفنا جهد في استرضائنا ، وإن عرفناه جهدنا في إحراجه ، أو إذلاله ، فالإنسان إذا كان بالنعم مغموراً لا تغير لا يغير ، أحياناً يحلو لي أن أشرح الآية الكريمة ببساطة ما بعدها بساطة ، الآية :
﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
أقول لمن يسألني : هل أنت بخير ؟ إذا قال : نعم ، أقول له : لا تغير والله لا يغير ، اطمئن ، مستقيم ، دخلك حلال ، بيتك إسلامي ، تغض بصرك ، تضبط لسانك ، تؤدي زكاة مالك ، لا تغير والله لا يغير ، اطمئن ، اطمئن للمستقبل .
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا
فرق كبير بين ما كتب الله لنا ، أو كتب علينا : ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) ﴾
في أي عصر ، في أي مصر ، في أي مكان ، في أي بلد ، بأي نظام .
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .
من كان مستقيماً فله معاملة خاصة من الله عز وجل :
أنا أخاطب الشباب الذين هم مقبلون على نشاطات كثيرة ، استقم كما أُمرت ، مهما كنت فقيراً ، غنياً ، تحمل شهادة عليا ، لا تحمل ، تملك رأسمالاً ، لا تملك ، لك أب قوي ، لك أب غني ، أنت يتيم ، ما دمت مستقيماً فلك معاملة خاصة ، اقرأ هذه الآية ، وليطمئن قلبك بها:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
مستحيل وألف ألف مستحيل .
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) ﴾
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾
والله الذي لا إله إلا هو الشاب المستقيم حينما يقرأ هذه الآيات يمتلئ قلبه ثقة بالله وثقة بالمستقبل ، سوف ييسر لك عمل طيب ، وزوجة صالحة ، أولاد أبرار ، سمعة طيبة ، صحة جيدة .
(( عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استقيموا ولن تحصوا
إخواننا الكرام ؛ درس مفصلي ، أنت بنعم ، إذا عرفتها نعماً من الله ، المعرفة شكر ، وأن يمتلئ قلبك امتناناً من الله أيضاً شكر أعلى ، وأن تقابل هذه النعمة بعمل صالح ، أعلى وأعلى .
﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)﴾
أنت حينما تستقيم على أمر الله اطمئن للمستقبل .
الآيات التالية توازن بين المستقيم وغير المستقيم :
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) ﴾
معقول ؟!
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) ﴾
اقرأ الآيات التي توازن بين المستقيم وغير المستقيم .
النعمة المشكورة ثابتة :
أيها الإخوة ، أنت بنعم ، موجود هذه نعمة ، نعمة الإيجاد أنت بنعم ، تسكن ببيت ، يوجد في البيت ماء ، يوجد طعام ، وشراب ، وسرير ، ومدفأة بالشتاء ، ومروحة بالصيف ، تسير على قدمين ، تملك كل أهليتك ، لك عمل ، أعطاك الله قدرة على أن تمتلك خبرة معينة ، خبرة علمية ، تدريس ، وظيفة ، طبيب ، مهندس ، محام ، تاجر ، حتى تتقن صنعة معينة من نعم الله الكبرى ، هذه النعم نعمة الإيجاد ، والإمداد ، والهدى والرشاد ، هذه النعم إذا عرفتها وشكرتها لن تزول ، النعمة المشكورة ثابتة .
لذلك : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
سؤال آخر : كيف وضعك ؟ والله يوجد مشكلة كبيرة ، مشكلة مالية ، مشكلة اجتماعية ، مشكلة صحية ، مشكلة زوجية ، يقول الله عز وجل لك : غّير حتى أغير ، لا تغير لا أغير ، غير حتى أغير ، صدقوا ولا أبالغ هذا ملخص الملخص ، والله يمكن أن يضغط الدين بهذه الكلمات الأربعة ، لا تغير لا يغير الله ، إذا كنت في بحبوحة ، وفي سعادة ، لا يوجد عندك مشكلة ، الآن عندنا مشكلة غيّر ليغير ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
المسلمون لا يريدون أن يغيروا والله لن يغير ما بهم :
هذه الآية يجب أن تكون في مكان بارز في غرفتك ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
الله أعطانا جرعة منعشة ، كأن الله يقول لنا : أنا موجود يا عبادي ، لكن غيروا حتى أغير ، المسلمون لا يغيرون ولكن ينتظرون أن يغير الله ما بهم ، هذا مستحيل ، نعيش كما نريد ، اختلاط ، إطلاق بصر ، متابعة مسلسلات ، إهمال في الطاعات ، غش في البيع والشراء ، كذب واحتيال ، الحالة الاجتماعية لا ترضي الله ، المسلمون لا يريدون أن يغيروا لكنهم ينتظرون بسذاجة أن يغير الله ما بهم ، مستحيل ! ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
(( عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استقيموا ولن تحصوا
التغيير يبدأ من الداخل فمن اصطلح مع الله يجب أن يرى التغيير بعد ساعة :
إخواننا الكرام ، غيّر ليغير ، لا تغير لا يغير ، هذا ملخص ملخص الملخص ، هذه الآية تنطبق على الأفراد ، والجماعات ، والدول ، والشعوب ، والأمم ، والبشرية ، أبداً .
وعود الله عز وجل زوال الكون أهون على الله من ألا تتحقق ، وهناك جرعات منعشة أذاقنا الله إياها كي نثق بالله ، كي نخرج من ثقافة اليأس ، ثقافة الإحباط ، ثقافة الطريق المسدود ، هذه الآية لك وحدك ، ولأسرتك ، ولعشيرتك ، ولقومك ، ولشعبك ، ولأمتك ، وللإنسانية جمعاء ، غيّر ليغير ، لا تغير لا يغير ، المعنى بسيط جداً ، لكنه عميق جداً ، لذلك الله عز وجل قال : ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾
المؤمن الصادق يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء :
بإمكانك أن تعقد صلحاً مع الله الآن فوراً لأن المستقبل لا تملكه ، والماضي مضى ، ما مضى فات ، والمؤمل غيب ، ولك الساعة التي أنت فيها ، لا تملك إلا هذه الساعة ، تعاني ما تعاني ، غيّر ليغير ، تعاني من ضيق مادي ؟ غيّر ليغير .
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) ﴾
تعاني من خلاف زوجي ؟
(( عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المُسلِمُ أخو المُسلِمِ ، لا يَظْلِمُه ، ولا يَخْذُلُه . ويقولُ : والَّذي نفْسُ محمَّدٍ بيَدِه ، ما تَوادَّ اثنانِ ففُرِّقَ بيْنهُما ، إلَّا بذَنْبٍ يُحْدِثُه أحَدُهُما . وكان يقولُ : للمَرءِ المُسلِمِ على أَخيهِ مِنَ المعروفِ سِتٌّ : يُشَمِّتُه إذا عَطَس ، ويَعُودُه إذا مَرِض ، ويَنصَحُه إذا غابَ ، ويَشْهَدُه ويُسَلِّمُ علَيهِ إذا لَقِيَه ، ويُجيبُه إذا دَعاهُ ، ويَتْبَعُه إذا مات . ونَهَى عن هِجرةِ المُسلِمِ أَخاهُ فَوْقَ ثلاثٍ . ))
استقم ، حتى إن أحد العارفين قال : أنا أعرف مقامي عند الله من أخلاق زوجتي ، اعقد مع الله صلحاً تفاجأ أن الزوجة تسلس لك ، صار البيت لطيفاً ، ليس فيه صوت مرتفع ، ليس فيه تكسير ، فيه ود ، فيه رحمة ، فيه حب ، غيّر ليغير ، هذا ملخص الملخص ، لا تغير لا يغير ، أي أنت في نعم مستحيل أن تبقى وأنت كافر بها ، الكفر بالنعم أن تعزوها إلى أهل الأرض ، مثلاً الابن حرارته 41 وأنت قلق ، والتشخيص المبدئي التهاب سحايا ، ثم هداك الله إلى طبيب أعطاك دواء ، وشفي الابن ، يقول لك : هذا الطبيب ممتاز ، الله عز وجل سمح لك بالشفاء على يد هذا الطبيب ، هذا التوحيد ، قل : يا رب لك الحمد .
لذلك المؤمن الصادق يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، يعالج ابنه عند الطبيب وفي أعماق أعماقه : يا رب أنت الشافي ، يراجع مركبته مراجعة تامة ، وقبل أن يسافر : يا رب أنت الحافظ ، وأنت المُسلم .
من استخدم نعم الله وفق منهجه ضمن ثباتها و دوامها :
هذه النعم لا تعد ولا تحصى ، الصحة نعمة ، أن تملك ذاكرة نعمة ، أن تملك لساناً ينطق نعمة ، أن تملك قلباً ينبض نعمة ، كل جهاز نعمة ، كل عضو نعمة ، والزوجة نعمة ، والأولاد نعمة ، والمأوى نعمة ، وإتقان عمل نعمة ، والوظيفة نعمة ، والمال نعمة ، فهذه النعم أنت إذا شكرت الله عليها ، واستخدمتها وفق منهج الله ، أنت بهذا تضمن ثباتها ونموها دائماً ، لا تقلق من المستقبل ، المستقبل بيد الله .
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) ﴾
مرة ثانية : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) ﴾
إخواننا الكرام ، هذه النعم إذا انتقلت بها من الإيمان إلى الكفر سوف تُغير ، وهذه النعم إذا آمنت بالله وشكرته على هذه النعم سوف تدوم ، أبداً ، هذه الحقيقة تصلح للأفراد والجماعات ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ إذا دعوته يسمعك ، وإذا سكت يعلم ما في قلبك ، إذا تحركت يراك ، تتكلم يسمعك ، تتحرك يراك ، تثبت وتسكت يعلم ما في نفسك .
ما يعانيه النبي من قومه قد عاناه الرسل من قبله :
ثم يقول الله عز وجل :
﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54)﴾
الدأب هو العادة ، كعادة آل فرعون في تكذيبهم لسيدنا موسى ، أي يا محمد لا تقلق ، ولا تحزن ، لست بدعاً من الرسل ، الذي تعانيه من قومك عاناه قبلك الرسل ﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ ﴾
ما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه :
أنت بنعمة ؟ اعرفها من الله ، واشكر ربك عليها ، وقابل هذه النعمة بخدمة الخلق ، تضمن ثباتها ونموها ، أحياناً إنسان يفقد شيئاً من أعضائه ، هناك آفات ، وأورام خبيثة ، و أمراض وبيلة ، وعجز ، وحادث سير ، أنت حينما تستقيم على أمر الله كأن الله يطمئنك ، يا عبدي :
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا
إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ولكل شيء حقيقة ، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، شظية طائشة لا يوجد ، هناك شظية مصيبة ، تصيب الهدف ، لكل شيء حقيقة ، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، هذا هو التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين