- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
تقديم:
أيها الإخوة الكرام؛ من عادتي في التدريس أن يكون لكل عام منهج.
ففي العام الماضي كان هناك كتاب مختارات في الأحاديث الشريفة، للشيخ أحمد الهاشمي.
وفي هذا العام أردت أن نأخذ كتاباً هو كتاب رياض الصالحين.
هو من أعظم الكتب التي ألفها الإمام النووي رحمه الله تعالى، وهذا الكتاب ينطوي على أحاديث رسول الله الصحيحة، وقد بوِّبت وفق موضوعات يحتاجها كل مسلم، وبدأ الإمام رحمه الله تعالى كل باب بالآيات التي تتعلق بهذا الباب، ثم يأتي بالنصوص الصحيحة من كتب البخاري ومسلم التي تنتمي إلى هذا الباب، وفي كل درس إن شاء الله نختار أحد الأبواب، نقف عند الآيات المتعلقة بهذا الباب، ثم بعض الأحاديث التي تشتد الحاجة إليها في هذا الموضوع.
آيات وأحاديث تتعلق بالتقوى:
أيها الإخوة الكرام من أبواب هذا الكتاب: باب التقوى.
الآيات التي تتعلق بالتقوى.
قال الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) ﴾
﴿
يعني حق الإيمان؛ قال بعض أصحاب رسول الله في شرح هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) أن تطيعه فلا تعصيه، وأن تذكره فلا تنساه، وأن تشكره فلا تكفره.
وفي آية أخرى:
﴿
وقد يفهم بعض الناس هذه الآية على معنى ما أراده الله عز وجل، يعني اتقوا الله ما استطعتم، بالحد الأدنى، لكن الله عز وجل يقول:
﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)﴾
لن تستطيع أن تكذب على الله، قال تعالى:
﴿
﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)﴾
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)﴾
خائنة الأعين لا يمكن لبشر أن يعرفها، مستحيل، جالس في البيت، النافذة مفتوحة، أمام النافذة شرفة الجيران، خرجت الجارة بثياب متبذلة إلى الشرفة، وأنت في مكان معتم، وهي في مكان مشرق، وليس في الأرض كلها إنسان, يستطيع أن يضبطك بهذه النظرة إلا الله.
أنت طبيب، مريضة بين يديك، تشكو جهة في جسمها، لك أن تنظر إلى مكان الشكوى، أما إذا نظرت إلى مكان آخر, من يستطيع أن يكشف هذه النظرة الثانية؟ الله وحده، لذلك:
والآية الثالثة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70)﴾
إذا قلتم قولا سديدا, فهذا القول السديد طريق إلى تقواكم.
أيها الإخوة:
(( قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ, فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ, قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا, فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ, وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ, وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قال: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟ ))
(( عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا, وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا, قَالَتْ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ, وَقَالَتْ: بِيَدِهَا هَكَذَا, كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً, فَقَالَ: لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ ))
ما بال المسلمين في سهراتهم غيبة, ونميمة, واستهزاء, ومحاكاة، وتنتهي الجلسة بـ: الله يتوب علينا، لم نعمل شيئا، هو ارتكب كل الكبائر، فالغيبة من الكبائر.
ثمار التقوى:
أيها الإخوة؛ أما قوله تعالى:
﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
تؤلف حول هذه الآية مجلدات.
من يتق الله في اختيار زوجته، يبحث عن ذات الدين، يجعل الله له مخرجا من الشقاء الزوجي.
من يتق الله في تطليق امرأته, يطلقها طلقة واحدة ويندم, يجعل الله له مخرجا لإرجاعها.
القضية سهلة.
من يتق الله في تربية أولاده, يجعل الله له مخرجا لعقوقهم.
من يتق الله في كسب ماله, يجعل الله له مخرجا من إتلاف المال،
من يتق الله في عينه, يجعل الله له مخرجا من فقد البصر.
(( عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: عينان لا تمسهُما النار: عَين بَكَتْ من خشية الله ، وعَيْن باتت تحرُس في سبيل الله))
يقاس عليها عين تغض عن محارم الله.
نرجو الله سبحانه وتعالى في الأعم الأغلب: أن الله لن يفجعك فيها.
أذن لا تسمع إلا الحق، نرجو الله عز وجل ألاّ يفجعك بها.
لسان يذكر الله, نرجو الله عز وجل ألاّ يفجعك به.
قدمان تنقلانك إلى المسجد، نرجو الله عز وجل ألاّ يفجعك بهما.
يدان تتصدقان، هذه الأعضاء, والحواس, والجوارح, إذا كانت في طاعة الله ترثك ولا ترثها،
ومعنى مخرجا: لم يكن هناك مخرج، لو فرضنا مكانا فيه عشرة أبواب, لا تحتاج إلى مخرج، متى تحتاج إلى مخرج؟ حينما تغلق الأبواب كلها، حينما تسد المسارب كلها، فأنت متى تشعر أنك بحاجة إلى مخرج؟ إذا ضاقت عليك الأمور، لذلك قال تعالى:
نزلت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظن أنها لا تفرج
﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
﴿
في قلبك نور؛ ترى الحق والباطل، ترى الخير والشر، ترى الجمال والقبح، هذا النور أحد ثمار التقوى.
هذه الآيات بشرح مختصر.
أحاديث تتعلق بالتقوى:
أيها الإخوة؛ أما الأحاديث:
(( فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ, فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ, قَالَ: فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ, ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ, ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ, ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ, قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ, قَالَ: فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِ؟ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا ))
أي أعظم الناس بمقياس الدنيا أغناهم، بمقياس الدنيا أقواهم، بمقياس الدنيا أشدهم صحة، بمقياس الدنيا أكثرهم وسامة، بمقياس الدنيا أكثرهم ذكاء، الذكاء, والوسامة, والقوة, والغنى, هذه مقاييس الدنيا، مقياس الله عز وجل: قيل:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ))
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ, لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ مِنْهُمْ: الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ ))
كنت مرة في فندق في المغرب، كان هناك مؤتمر إسلامي, حضرته عند الفجر, سمعت قراءة قرآن رائعة جدا، أطللت من الشرفة, وجدت مستخدم الحديقة, يصلي بصوت عذب, وكأن الله سبحانه وتعالى يتجلى عليه، واللهِ شعرت أن هذا المستخدم, الذي يعمل في تقليم الحشائش في الحديقة, ربما كان عند الله أرقى من كل نزلاء الفندق، والفندق فخم جدا
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)﴾
يعني شر ما برأ الله.
إذًا: قد تجد يركب دابة، المركوبة أكرم على الله منه، الدابة، قال تعالى:
﴿
الحقيقة: فقِهوا بمعنى عرفوا الحكم، أما فقُهوا أصبحوا فقهاء، إذا كان الإنسان في الجاهلية, وعرف الله عز وجل، كان خيِّرا، خيره يستمر في الإسلام.
(( وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, أن رسول الله صلى الله عليه سلم قَالَ: إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا, فناظر كَيْفَ تَعْمَلُونَ, فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ ))
زاد في رواية:
(( فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ, كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ))
أنا أقول لكم هاتين الكلمتين:
هناك مزلقان، هناك مطبان، هناك لغمان، هناك انحرافان، هناك كلابتان يأخذان المؤمن ويلقيانه في الهاوية:
المال والنساء.
فإن أردت أن تغري إنسانا؛ فإما بالمال, وإما بالنساء، فمن حصن نفسه ضد هاتين النقطتين, فقد سلم دينه؛ المال والنساء.
فالمؤمن ما لم يبتعد عن كل المثيرات.
وبالمناسبة: موضوع النساء ليس هناك نهي عن الزنا أبدا، هناك نهي عن أن تقترب من الزنا، لأن هذه المعصية لها قوة جذب، هناك منطقة خطرة بينك وبينها، فإذا لم تجعل بينك وبين هذه الفاحشة هامش أمان طويل, فهناك انزلاق كبير، وأعلم من القصص ما لا يعد ولا يحصى عن أناس, زلت أقدامهم بخلوة، أو بتساهل في حكم شرعي، فإذا هذا الحكم, ينقله إلى الهاوية.
هذه الشهوة لها خصوصية، أدق خصوصية هذه الشهوة، هذا البحث العلمي الذي اكتشفه عالم في أمريكا, لا يفقه عن ديننا شيئا: الإنسان إذا استثير جنسيا, الدماغ يفرز مادة تعطل المحاكمة، يكون إنسانا محترما جدا، مكرما جدا، عنده أولاد، عنده أصهار، له مكانة، يقع في خلوة مع امرأة, فتزل قدمه، طيب أين عقله؟ قد تكون هذه أقل من زوجته بمئات المرات، لماذا زهد في هذه المرأة التي هي حل له، وزلت قدمه مع امرأة دونها بكثير، وفي الحرام؟ أين محاكمته؟ تعطلت، لذلك:
فلان قريبتنا، ولا أحد في البيت، لا تقل لها: تفضلي، الأهل غير موجودين، لا تؤاخذينا، هذا المؤمن، يأخذ موقفا.
فهناك نقطة ضعف في الإنسان: المرأة والمال، فكل إنسان يحصن نفسه من النساء ومن المال يسلم بدينه.
حقيقة الشهوات:
أيها الإخوة؛ مرة ثانية أقول لكم: ليس هناك شهوة أودعها الله في الإنسان, إلا جعل لها قناة نظيفة،
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)﴾
مستحيل أن تكون حياة المستقيم كحياة المنحرف، حياة العفيف كحياة غير العفيف، حياة الصادق كحياة الكاذب، ليس في الآخرة، في الآخرة بديهية، في الآخرة شيء مفروغ منه ، يوم الدينونة، في الدنيا الدنية، قال تعالى:
سمعت عن أخ من إخواننا الكرام؛ جاءته فرصة وكالة أجهزة معينة، قد لا ترضي الله عز وجل، والوكالة أرباحها خيالية، فيها أجهزة قد تستعمل استعمالا لا يرضي الله عز وجل، ركلها بقدمه، ففتح الله عز وجل له بابا آخر, أفضل منه بكثير، الله موجود، تضحي من أجله ثم تخسر؟ هذه أخلاق الله عز وجل؟ تضحي من أجله فتخسر؟ خفت من معصية، فيكون الذي اقترفها أحسن منك؟ ليس هناك عدالة، والدين باطل، هذه آية إخواننا الكرام؛ أتمنى عليكم أن تكون محفورة حفرا في أذهانكم، قال تعالى:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾
وقال عز وجل:
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾
واللهِ لو أن هناك وقتا لهذه الآية, عندي فيها ألف قصة معاصرة، مستحيل أن تستقيم وتخسر، مستحيل أن تعصي وتربح، مستحيل أن تطيع الله ويذلّك الله، مستحيل أن تعصيه و يعزك.
أيها الإخوة؛ هناك مطبات، وهناك حبل مرخى أحيانا، مرخى إلى حين، حتى القوى الكبرى في العالم التي تعيش على أنقاض الشعوب، هذه القوى الكبرى لا بد من يوم تدفع فيه الثمن باهظا, هناك إله موجود، إما أن تؤمن بإله، أو تقول: ليس هناك إله، إذا لم يكن هناك إله, معنى ذلك أن القوى الكبرى تفعل ما تشاء، أكثر الناس مساكين، يظنون أنهم يفعلون ما يشاؤون, ما عظم الناس شيئا إلا وضعه الله، وعرفت الله من نقض العزائم، هذه مسلمات الدين، قال الله عز وجل:
﴿
يكيدون كيدا وأكيد كيدا :
قلت لكم مرة في رمضان الماضي: اليهود قاتلهم الله, عندهم مئة وخمسة وعشرون ضابط كوماندوز من أعلى مستوى، كلف كل واحد خمسة ملايين دولار تدريبات من عشرين سنة، أرادوا أن يرسلوا طائرة إلى جنوب لبنان, ليعتقلوا المسلمين ليلة القدر، ما الذي حصل؟.
وقعت طائرة فوق طائرة، فماتوا جميعا، وما عرفوا اليهود منذ أن أسسوا دولتهم في فلسطين بخسارة أكبر من هذه الخسارة، مئة وخمسة وعشرون ضابطا، وجدوا الصندوق الأسود للطائرة العليا، آخر كلمة قالها الطيار: أنا أسقط, ولا أدري لمَ أسقط في ليلة القدر؟! و الله قال:
﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)﴾
أناس في المساجد, تريدون مفاجأتهم بخطف، غير معقول.
وسمعت من صديق لي, كان طببيا في الحرم المكي، إمام الحرم, رجل صالح (السديس)، صالح جدا، وبكّاء، دعا ربع ساعة، في أثناء الربع ساعة, وقعت الطائرتان، إذا تدخل الله, فشيء مخيف، لكن إذا تدخّل لصالحنا على ما نستحق, أن يتدخل الله لصالحنا.
وأنا أكثر دعاء أدعو به في الخطبة:
العبرة من القصص:
هناك قصة ذكرتها سابقا، ولكن الآن مناسبتها: فاتقوا الدنيا، الدنيا في أولها مبهرة، في وسطها هذا اللمعان يخف، أما في آخر الدنيا ليست بشيء، شيء ساقط، فمن السعيد؟ الذي عرفها في أول حياته، عرف حجمها الحقيقي، الإنسان يؤخذ بها في أول حياته، في وسط حياته المال شيء، لكن ليس كل شيء، في أول حياته المال كل شيء، المرأة كل شيء، في الوسط، هذا من دون طلب علم، شخص عادي، من دون طلب علم، من دون خصوصية، مثل عامة الناس، أول الحياة المال شيء مهم جدا، والمرأة مهمة جدا، لكن في الوسط شيء, وليس كل شيء، أما على شفير القبر، أو على فراش الموت, ليسا بشيء.
فكان لي صديق توفي رحمه الله, يشتغل صانعا في الحميدية في محل تجاري، فكان عنده دعابة، يكنس المحل, ويضع القمامة في علبة فخمة، ويلف العلبة بورق الهدايا، لفها بشريط أحمر، ويعقده، ويضع العلبة على طرف الرصيف، يمر واحد, فيرى العلبة, ويظن أن فيها شيئا ثمينا، لعله يكون فيها عقد ألماس، أو فيها شيء ثمين، عطر، أو جرابات فرضا، أقل شيء فيها مبلغ ثلاثمئة ليرة، يأخذها المارّ ويسرع، فيلحق به هذا الشخص، بعد مئتي متر يفك شريطها، وبعد مئتي متر يفك الورق، بعد مئتي متر ثالثة يفتحها, فيجد زبالة المحل، يسب, ويصيح.
هذا الرجل عنده هذه الدعابة، وهذا مثل مضحِك صارخ، ولكن واللهِ الدنيا كذلك، واللهِ على فراش الموت, يراها ليست بشيء، شيء سخيف،
(( فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَة ))
كنت في أمريكا, رأيت من الزينة والفخامة, الشيء الذي لا يصدق، واللهِ مجلس علم هنا، مسجد هنا, يرفع فيه الأذان، صلاة تنعقد مع الله عز وجل، حقيقة تعرفها عن الله، جلسة مع أهلك وأولادك, واللهِ خير من الدنيا وما فيها، ولكن لا أحد يعرف، لها بريق، أما العبرة أن ترى الحقيقة.
أحيانا: يكون الواحد مغمض العينين, يضع يده على أفعى، ملمس, ناعم، شكل انسيايي، إذا فتح عينيه, ووجدها أفعى, يخرج من جلده، فالعبرة أن تفتح عينيك، العبرة أن ترى الحقيقة، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)﴾
العبرة: أن يكون في قلبك هذا النور.
و الحمد لله رب العالمين