- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠4رياض الصالحين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
تمهيد :
أيها الإخوة؛ لا زلنا في رياض الصالحين، من كلام سيد المرسلين عليه أتم الصلاة والتسليم، ولا زلنا في باب:
فضل الحب في الله والحث عليه، وإعلام الرجل مَن يحبه أنه يحبه.
في الدرس الماضي، تحدثنا عن آيتين، وعن حديث صحيح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وها نحن نتابع هذا الموضوع.
(( فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ تعالى فِي ظِلِّهِ, يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ؛ إِمَامٌ عَدْلٌ, وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ, وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ, وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ, اجْتَمَعَا عَلَيْهِ, وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ, وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَة ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ, فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ, وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا, حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ, وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا, فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ))
في الدنيا قد تجد من تلجأ إليه، وقد تجد من يدعمك، وقد تجد من يتوسط لك، وقد تجد من يوافقك على باطل، وقد تجد من له مصلحة معك، لكنك في الآخرة تأتي فرداً، قال تعالى:
﴿
فالإنسان في الدنيا, له جماعة، له أتباع، له من يدعمه، له من ينصره، ولو كان على باطل، ولكن في الآخرة لا ظل إلا ظل الله عز وجل.
هناك آية دقيقة جداً، يقول الله عز وجل:
﴿ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
هذه الآية لو فكر فيها الواحد, ففيها مشكلة، بيد مَن كانت حتى صارت إليه؟.
صار الأمر إلى الله، بيد مَن كان؟.
قال علماء التفسير:
ولكن الكفار في الدنيا, يرونه بيد زيد أو عبيد، والدولة القوية الفلانية، وحاكمها القوي، ومَن يملك قنبلة ذرية، ومن يملك سلاحاً نووياً، ومن يملك الأقمار الصناعية ويرصد، فالكفار في الدنيا يرون الأمر بيد غير الله، لكن المؤمنين وحدهم في الدنيا, يرون أن الأمر بيد الله وحده، لكن يوم القيامة كل الخلق, يرون أن الأمر بيد الله، تصير الأمور إلى الله في نظر كل الخلق، بعد أن كانت في الدنيا في نظر البعض بعض الخلق, المؤمنون يرون أن الأمر كله بيد الله.
(( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ, يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ))
أحياناً: الموظف يسمع إشاعة, أن مديره العام سينتقل، بالتعبير العامي يشمشم، من يأتي بعده, حتى يقيم معه علاقة، يعد نفسه ذكياً جداً، أنه قبل أن يتعين مديراً عاماً يزوره، ويأخذ له هدية، يقيم معه علاقة ود, حتى يستفيد منها لما يكون مديراً عاماً، هذا منطق الناس.
هؤلاء الناس يتعلقون بزيد أو عبيد، أو فلان أو علان، لو أنهم فكروا مصيرهم إلى الله، فالذكي العاقل الموفَّق, الذي يقيم علاقة طيبة مع الله قبل أن يصل إليه، لأنه يوم يموت العبد، ويوضع في قبره, يناديه مناد:
(( أن عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ))
مرة، أنا لا أتكلم في السياسة إطلاقاً، ولكن هذا أوجلان التركي ركب طائرة، وفي ظنه أنها ذاهبة إلى أمستردام، فإذا هي في طريقها إلى أنقرة، ماذا حدث له؟ دقق في قوله تعالى:
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)﴾
تذهب إلى مكان تحاسَب عن كل كلمة، وعن كل نظرة، وعن كل درهم، وعن كل حركة، وعن كل سكنة، قال تعالى:
من هم السبعة الذين يظلهم الله تحت عرشه؟
1- إمام عادل.
أجمل ما في المرأة الحياء، وأجمل ما في الشاب التوبة، وأجمل ما في الفقير الصبر، وأجمل ما في الغني السخاء، وأجمل ما في العالم الورع، وأجمل ما في الحاكم العدل.
لذلك أيها الإخوة:
يسألني شاب: انصحني، الشاب غضّ بصرك، مأخذك من الفتيات.
يسألني تاجر فأقول: اضبط دخلك، مأخذك أن دخلك فيه شبهة.
قال لي رجل قوي: انصحني، أقول: راقب ربك في العدل، اعدل بين الناس.
مرة قال لي لأحدهم، هو موظف في التموين: انصحني يا أستاذ، فقلت له: واللهِ أنا أنصحك أن تضع ما تستطيع من التجار في سجن عدرا، قال: معقول؟! هذه نصيحة شيخ، ولكن إذا كنت بطلاً, فهيئ جواباً لكل ضبط تكتبه، الله كبير، كل هؤلاء عباده، الله عنده سرطان، تشمع كبد، خثرة في الدماغ، شلل، فشل كلوي.
ذكرت له أمراضاً مخيفة، كلها موجودة عند الله، كل هؤلاء الخلق عباده، فقبل أن تؤذي إنساناً, عدّ للمليون، وتصور نفسك واقفاً بين يدي الله عز وجل، ويسألك: لماذا فعلت معه هكذا؟ ألم تكن ظالماً؟ رأس مالها ستون، باعها بخمس وستين، أنت عندك تسعيرة من ثلاث سنوات بخمسين، ولكن التسعيرة ليست حقيقية، ولا واقعية، فقبل أن تظلم, فكّر أن هناك إلهاً كبيراً.
فأول واحد: إمام عادل، والثاني:
2- وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ.
أيها الإخوة؛ إذا كان هناك شيء يذوب الإنسان غبطة به, لكان شاباً نشأ في طاعة الله ، شاب مؤمن، وهو في ريعان الشباب, يحب الله ورسوله، في الخامسة عشرة مسلم مؤمن، يغض بصره، يقرأ القرآن، يحفظ القرآن، يذكر الله، هذا كيف يصير في الستين؟.
هناك أخ من إخواننا هداه الله والتزم، قال لي: عندي بنات، هل يمكن أن تسعى لي في زواجهم؟ بعثنا له خاطباً، فظهر الست بنات أمامه بثياب غير معقولة، ماهذا؟ قال: أنا اهتديت إلى الله على كِبر، ولكن لا أستطيع أن أغيّر، هذا كلام دقيق، لما تؤمن في وقت مبكّر, تشكل حياتك تشكيلاً إسلامياً، تختار زوجة مؤمنة، تربي بناتك، تربي أولادك، تختار حرفة ومصلحة شرعية، أما إذا صحوت في وقت متأخر، هذا جيد وخير، لكن الكل أخذ خطًّا غير صحيح، قال تعالى:
﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)﴾
لا بد أن تبني حياتك على صغر.
أحدهم كان يبيع أشرطة أغاني، جاء إلينا وداوم، ثم ترك، لماذا؟ قال: واللهِ لا أستطيع أن آتي، عملي يتناقض مع الدرس، أنا أبيع أغاني، هذه حرفتي، ولا أعرف غيرها، فإذا عرف الإنسان الله في وقت مبكر, يشكل حياته تشكيلاً إسلامياً، يختار مهنة شريفة.
ورد في الحديث الشريف:
(( إن روح القدس, نفث في رُوعي, أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله عباد الله، وأجملوا في الطلب، واستجملوا مهنكم ))
ابحث عن مهنة شريفة، عن حرفة ليس فيها أذى للناس، ليس فيها ابتزاز لأموال الناس، عن حرفة لا تقوم على أنقاض الآخرين، حرفة فيها نفع للآخرين.
مرة فتحنا مسجداً، فكان إلى جانبي مدير أوقاف الريف، فقلنا له: اشكر الله عز وجل فقال: ما المناسبة؟ قلت له بشكل مبهم: أنت تفتح مسجداً، وتعين خطيباً، قال: نعم، قلت: غيرك يفتتح ملهى، ويعيّن راقصة، اشكر الله، إذا أردت أن تعرف مقامك, فانظر فيما استعملك، منصب رفيع جداً.
أنا حققت إنجازاً كبيراً، ما الإنجاز؟ قال: استطعت أن آتي بالمطربة الفلانية، وأعطيناها عشرة آلاف دولار للسهرة، والله ممتاز, ما شاء الله على هذه البطولة, فإذا كان عمل أحدنا شرعياً شريفاً في خدمة الحق, فليشكر الله عز وجل.
أنا لا أنسى هذه الكلمة، إذا أردت أن تعرف مقامك, فانظر فيما استعملك، إذا أحب الله عبداً, جعل حوائج الناس إليه.
مثلاً: كاتب المحكمة، واللهِ عمله شريف، عمله كله في الزواج، هناك ناس مكلفون بالملاهي، يرون الراقصة هل معها رخصة أو لا؟ معها إيدز أو ليس معها، هذا عمل ثان، أحدهم عمله في الزواج، كله شرعي، كاتب العدل عمله جيد، شرعي، هناك مهن رائعة، و هناك مهن –والعياذ بالله–, مبنية على إفساد الآخرين.
مرة أخبرني إنسان من لوس أنجلوس، قال لي: أنا عملي أقذر عمل، خير إن شاء الله ، ولم يعطن اسمه، قال: عملي بإنتاج الأفلام الإباحية، سمعت لك شريطاً خمسين مرة، وتبت، والحمد لله، تركت عملي، ولما سافرت مرة ثانية, التقيت به في واشنطن، شاب عرف الله، قلت له: أي شريط سمعت؟ قال في شرح آية:
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)﴾
قال لي: شرحتَها شرحاً مخيفاً في ثلثي ساعة، قلت: أيّ نقطة في هذا الشرح, تركت معك أثراً؟ قال: قصصتَ قصة، قلت: ما القصة؟ قال: هناك رجل في المزة له سوسة، عمره ستون سنة تقريباً، له خمس بنات زوجهن، وعنده شباب، محترم، موظف متقاعد، هذه السوسة أنه يمر على طريق الصالحية في الصيف، ثم يرجع إلى الجسر مرتين، ويمِّتع عينيه بالحسناوات، لا يعمل شيئاً، ولا يتكلم، ولا يبطش، ولا يُسمِع، ولكن يمتع عينيه، فأصابه مرض ارتخاء الجفون، حتى يرى شخصاً يمسك جفنيه، يبدو أن هذه القصة أثرت فيه كثيراً، هنا مفتاح التشغيل، كل واحد له مفتاح تشغيل، فأنت احضر الدروس كلها، لا تعرف ماذا يقال في الدرس؟ كلمة تقلبك مئة وثمانين درجة، كل واحد له مفتاح تشغيل.
الشريط موضوعه:
3- وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ.
شخص يحب المساجد، وشخص يحب الفنادق، هنا خمس نجوم، وهنا فيه مسبح، وهنا فيه اختلاط، وهنا فيه حفلة مختلطة، وهنا فيه ملهى، وهنا المغنية الفلانية، وهنا فلان الفلاني أكبر مغنٍّ، جاء من حلب لأجله مثلاً، هذه تمثيل، والمؤمن قلبه معلق بالمساجد، وخير البلاد مساجدها، وشرها أسواقها.
4- وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ.
ضبط، حدثني إخوان كثر, ذهبوا إلى أوروبا، إلى أمريكا، إلى اليابان، إلى إيطاليا، شاب يطرق بابَه في الليل, امرأةٌ في غاية الجمال، تطلب منه أن تنام معه، الرجل يغلق الباب ويقول: إني أخاف الله رب العالمين، من يراه إلا الله عز وجل؟ هذا هو الإيمان.
كان رجلان في ألمانيا، رجعا إلى الشام بسيارتهما، ناما ليلة في فندق، طُرق بابهما في الليل من قِبل فتاتين مومستين، أحدهما فتح الباب، والثاني لم يفتح، وصلوا إلى الشام، أحدهما في الهاوية، والثاني في صعود، أحدهما بارك الله له في عمله، وارتقى، وربح، واشترى محلاً ثانياً، ووسع بيته، وغيّر سيارته، وعاش في بحبوحة كبيرة، والثاني طلّق زوجته، وأفلس، وسلّم محله، الاثنان يعملان في السيارات، ذهبا, ورجعا، أحدهما فتح الباب، والثاني لم يفتح، كل شيء بثمنه.
5- وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا, حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ.
6- وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)﴾
والحمد لله رب العالمين