- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (007)سورة الأعراف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الكتابة تطمين للمؤمنين :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثاني والأربعين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الخامسة والأربعين بعد المئة، وهي قوله تعالى :
﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ(145)﴾
أولاً أيها الإخوة، الكتابة تطمين للمؤمنين لأن الله لا يكتب، ولكن الإنسان بحسب معطياته الأرضية الشيء المكتوب أثبت، إذا كان هناك عقد أقوى، إذا هناك وعد خطي أشد تأثيراً .
فلذلك الله عز وجل تمشِّياً مع عقلية الإنسان استخدم كلمة:
﴿وَكَتَبْنَا لَهُ﴾
﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ
﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي
يعني كلمة كتب تفيد التطمين، تفيد شيئاً ثابتاً لا يُعدَّل، لا يُبدَّل، لا يُلغى، لا يُطوَّر، يعني ثبات أمر الله عز وجل أراد الله أن يعبر عن ثباته بكلمة ﴿وَكَتَبْنَا﴾
منهج الله عز وجل منهج تقريب من ذاته العلية :
أيها الإخوة، الكتابة على الألواح، ما كان هناك ورق، عظم اللوح يُكتَب عليه، الجلد يُكتَب عليه، أي شيء مُسطح يُكتب عليه فالمكتوب عليه هي الألواح .
﴿وَكَتَبْنَا لَهُ﴾
﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾
﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾
الموعظة تذكير بتشريع سابق و ليست تشريعاً جديداً :
﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾
﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ
ذكرهم .
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ
ذكرهم بنعم الله .
﴿وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً﴾
التناقض بين الطبع و التكليف ثمن الجنة :
﴿وَكَتَبْنَا لَهُ﴾
﴿ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ
﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾
الإنسان لأن الله أودع فيه حبّ المرأة في طبعه ميل إلى أن يملأ عينيه من محاسن النساء، والتكليف أن يغض البصر .
﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ
فالتكليف يتناقض مع الطبع، الطبع يقتضي أن تأخذ المال، المال قِوام الحياة.
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
والتكليف يأمرك أن تعطي المال، أن تنفق المال، الطبع يقتضي أن تخوض في فضائح الناس، والتكليف يدعوك إلى أن تصمت، هذا التناقض بين الطبع والتكليف هو ثمن الجنة.
ممانعة النفس تحتاج إلى قوة إرادة :
لذلك :
﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾
دخل أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم ما عرفه، فقال: أيكم محمد؟
(( بيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ علَى جَمَلٍ، فأناخَهُ في المَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قالَ لهمْ: أيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتَّكِئٌ بيْنَ ظَهْرانَيْهِمْ، فَقُلْنا: هذا الرَّجُلُ الأبْيَضُ المُتَّكِئُ. ))
ولا ميزة، لا ثياب خاصة، ولا مكان خاص، ولا جلسة خاصة، ولا شيء تحته يجلس عليه أبداً، مثله مثل أصحابه.
فلذلك: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾
لذلك التناقض بين الطبع والتكليف هو ثمن الجنة، ممانعة النفس تحتاج إلى قوة إرادة.
الشهوة تحقق لذة آنية تعقبها كآبة والسعادة التي تتأتى من الطاعة تحقق سعادة مستمرة:
﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾
لذلك: ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾
أولاً: الله عز وجل حينما نهاك أن تأكل المال الحرام، نهى ملياراً وخمسمئة مليون مسلماً أن يأخذوا منك المال الحرام، الأمر لصالحك، كم من المسلمين حوّلت لهم مبلغاً خطأ ردوه إليك؟ لولا الأمر بتبرئة الذمة لما ردّ إليك المبلغ، فإذا أمرك أن تكون أميناً أمر كل من حولك أن يكونوا أمناء معك، إذا أمرك أن تكون مستقيماً أمر كل من حولك أن يكونوا مستقيمين معك.
إذاً: الشهوة تحقق لذة آنية، متناقصة، تعقبها كآبة، بينما السعادة التي تتأتّى من الطاعة تحقق سعادة مستمرة متنامية تنتهي بك إلى الجنة .
العفو طريق الإنسان للتواصل و الرحمة و المودة :
إذاً:
﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ(39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ
ما دام هناك توجيه بالعفو أنت مكلف أن تأخذ من الأمرين أحسنهما ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ
﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ
﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾
قاتل قتل، ولي المقتول من حقه أن يطلب إنزال عقوبة الموت بالقاتل، هذا حقه، لكن هذا ولي المقتول لو عفا عن هذا القاتل يكون أسيره طوال حياته، بعفوه بقي حياً، صار هناك تقارب بين القبيلتين، لا أحد يفكر أن ينتقم، أي العفو هو أقرب للتقوى، أقرب للمودة، أقرب للتواصل، أقرب للتراحم، فالله عز وجل قال: ﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾
العدل و الإحسان :
الآن الله عز وجل قال :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ
العدل أمر، وأمر قسري، لكن الله أمرك أن تأخذ بالإحسان، هناك قضايا لا تحل بالعدل، تحل بالإحسان، الشيء الذي لا يسعه العدل يسعه الإحسان.
فالانتصار وأخذ الحق مقبول، والعفو مكرمة كبيرة، يعني بكل شيء لك أن تأكل وأن تشرب، أما الإفراط في الطعام والشراب له مضاعفات خطيرة جداً، خذ من شهوة الطعام أحسن وضع فيه، الاعتدال.
أحد الأدباء يقول: لي صديق كان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظّمه في عيني صغر الدنيا في عينيه، فكان خارجاً عن سلطان بطنه، فلا يشتهي مالا يجد، ولا يكثر إذا وجد .
يعني خذ الوضع المعتدل، هذا في الطعام، في العلاقة بالمرأة سمح الله لك بالزواج اكتفِ بزوجتك، ولا تنظر إلى غيرها، هذا الأمر الحسن، أما أحياناً ضمن الحلال أربعة، أربعة ترفاً، يحتاج إلى مصروف كبير، وهناك متاعب، وخصومات، ويخسر أولاده أحياناً.
﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾
(( مِنْ حُسْن إسلام المرءِ تِرْكهُ ما لا يَعنِيه ))
اصنع المعروف مع أهله، ومع غير أهله، إن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله فأنت أهله
كلما ارتقى الإنسان أحبّ بعقله وكره بعقله :
الآن أنت أحببت إنساناً، لا تظلم من لم تحب، سيدنا عمر قال لشخص: والله لا أحبك، قال له: أو يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي؟ قال له: لا والله، قال له: إذاً إنما يأسف على الحب النساء، يعني أحبت إنساناً لا تظلم غيره من أجله، أحياناً إنسان يتزوج امرأتين، أحب الثانية كثيراً، أهمل الأولى، لم يعد يأتيها إلى البيت، إذا دخل متجهماً، بنظرات قاسية، بكلام قاسٍ، محبة الثانية جعلتك بحق الأولى ظالماً.
﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾
(( ما بال أقوام يقولون كذا و كذا لكني أصلي و أنام ، أصوم وأفطر ، و أتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ))
لذلك هذا الموضوع ينقلنا إلى ما يسمى بالحب العقلي، يعني قيام الليل يحتاج إلى جهد، صلاة الفجر في المسجد تحتاج إلى جهد، غض البصر يحتاج إلى جهد، فالإنسان يحب غض البصر مع أنه يتناقض مع طبعه، يحب صلاة الفجر في المسجد مع أن الصلاة في هذا الوقت تتناقض مع طبع جسمه (الخلود إلى الراحة) لذلك هذا وضع معتدل، وضع بين ترك الصلاة كلياً، وبين أن يصليها في البيت دائماً أخذ الحل المعتدل .
إنسان أحياناً يكون معه أمراض معينة، هناك أكلات يحبها كثيراً لكنها تؤذي جسمه يكرهها بعقله، ويحبها بحسه، والإنسان كلما ارتقى يحب بعقله، ويكره بعقله.
طالب علّق آمالاً كبيرة أن يكون الأول على القطر مثلاً، يُدعى إلى سهرة يرفضها، السهرة محببة، أصدقاؤه يحبهم، هناك طعام لذيذ، هناك طُرَف، جو لطيف، هذا محبب بطبعه لكنه يعيقه عن الدرجة الأولى، يعتذر، فأحب الدراسة بعقله، لكنه يحب السهر مع أصدقائه بحسه، بل يكره السهر مع أصدقائه بعقله، كلما ارتقى الإنسان أحب بعقله، وكره بعقله.
الآن على مستوى الغذاء، هناك أكلات رائعة جداً، لكنها تسبب متاعب في القلب والأوعية كثيرة جداً، فالإنسان كلما كان عقله راجحاً يكره هذه الأكلات بعقله، يحبها بحسه ويكرهها بعقله.
الأعمال الصالحة تحتاج إلى جهد كبير، المؤمن يحب الأعمال الصالحة بعقله، وقد تكون متعبة كثيراً تتعبه بجسمه، لكنها محببة إليه بعقله، هذا معنى ﴿يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾
من صبر على ما أصابه كان الله معه :
الآن الله عز وجل قال :
﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
لكن هناك آية :
﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ(43) ﴾
هذه اللام لام مزحلقة، لام التوكيد، لماذا؟ قال: لأن القدر إذا أتى من الله مباشرة يحتاج إلى صبر، إنسان ابنه على الشرفة وقع فنزل ميتاً، هذا قضاء وقدر، هل يستطيع أن يقاضي إنساناً؟ ابنه، وفي بيت والده، وابنه أخطأ، أما لو أن سائقاً دهس ابنه ومات، أمامه إنسان يقاضيه، هناك إنسان تمّ إزهاق روحه على يد إنسان، إذا جاء القدر على يد إنسان فأنت تحتاج إلى توحيد عالٍ جداً، انتهى أجله على يد فلان، فبدل أن تنتقم وأن تبطش، تستسلم، تأخذ حقك منه لكن من دون أن تحقد ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾
﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾
﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ
هذا شيء آخر، إذاً انتظار المعسر ﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾
حتى بعض العلماء قال: كيف لا أشكر الذي ظلمني، لأنه جعل الله بجانبي، الله عز وجل مع المظلوم دائماً قال: كيف لا أشكر من ظلمني، لأن هذا الذي ظلمني جعل الله بجانبي، بل بعضهم قال: لو يعلم الظالم كيف أن الله سيكون مع من ظلمه لضن عليه بظلمه، فالله عز وجل أصبح معه كان معه، وأيده، ونصره .
ورود النار شيء ودخولها شيء آخر لأن دخولها عقاباً و ورودها إطلاعاً :
الآن :
﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾
﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ
ورود النار غير دخولها، ورودها أن يطلع على النار، وعلى أهلها من دون أن يتأثر بوهجها.
أنا أضرب مثلاً: مرة كنا في معرض للثعابين، وقفت أمام ثعبان يزيد طوله عن اثني عشر متراً، وبيني وبينه أربعة سنتيمتر، هناك بلور ستة ملم بيننا، لا تتأثر ولا تخاف منه أبداً لأنه محجوز.
فالمؤمن أحياناً يرد النار، يردها ليرى مكانه في النار لو لم يكن مؤمناً، لتزداد سعادته في الجنة، لذلك الله قال للمؤمنين: ﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾
قتل امرئ في بلدة جريمة لا تغتفر وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر
هؤلاء الذين يدمرون الشعوب، ينهبون الثروات، يُقتّلون الملايين، يعني خمسة ملايين، مليون قتيل، مليون معاق، وخمسة مشردون، من أجل تهمة باطلة لا وجود لها، يقول أسلحة دمار شامل، لا يوجد شيء من هذه الأسلحة، مليون قتيلاً، مليون معاقاً، خمسة ملايين مشرداً ﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ(42)﴾
﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾
دار الفاسقين في الدنيا يراها المؤمن قاعاً صفصفاً و في الآخرة نار جهنم :
لذلك ورود النار نوع من رؤية المؤمنين لدار الفاسقين، وأحياناً ترى الدار في الدنيا، ترى بلاداً أصابها زلزال دُمرت عن آخرها، هناك بلدة بالمغرب يرتادها السياح، ولا يُسمح لأبناء البلدة أن يدخلوا إلى المرافق العامة، نوادي عُراة، وفسق، وفجور، فيها فندق ثلاثين طابقاً أصابها زلزال ثلاثين طابقاً أصبحت تحت الأرض، بقي آخر طابق عليه كلمة هولدي إن، شاهدة هذا القبر.
﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ(117) ﴾
هذا في أماكن زلزال تسونامي رئيس وزارة ببلد يلقي خطاباً ويفتخر أنه ليس في شعبه فتاة عذراء أبداً، لأنه بلد يعيش على الدعارة، لا يوجد فتاة عذراء .
﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾
﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾
من تكبر ظلم نفسه فالله عز وجل له أن يتكبر لأن وجوده لا يتعلق بجهة ثانية :
ثم يقول الله عز وجل :
﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ(146)﴾
﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ﴾
﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾
﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾
﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾
قال :
﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ(224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ(225)﴾
قال المتنبي:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
خرج عليه أحد أعدائه فولى هارباً، فقال له غلامه: ألست القائل: الخيل والليل والبيداء تعرفني .
كلام فارغ ، قال له: قتلتني قتلك الله .
اتباع الكفار سبيل الغي لأنه يوفر لهم كل طموحاتهم الشهوانية :
﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾
﴿وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ﴾
﴿وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ﴾
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾
لذلك هذا الذي يتكبر بغير الحق، هو عبد، قلبه بيد الله، نمو خلاياه بيد الله، قطر شريانه التاجي بيد الله، حركاته بيد الله، سكناته بيد الله، هو في قبضة الله، ويتكبر، الكبر حُمُق، الكبر غباء، الرب رب، والعبد عبد، من شأن العبد التواضع، من شأن الله عز وجل أنه العلي الأعلى، بيده مقاليد السماوات والأرض .
أيها الإخوة، الإيمان بنظرهم يحرمهم شهواتهم، بينما الغي يوفر لهم كل طموحاتهم الشهوانية.
من ابتغى بعمله الدنيا فعمله لا وزن له يوم القيامة :
أيها الإخوة :
﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(147)﴾
معنى إحباط العمل: قد يكون للعمل صورة رائعة، لأن الإنسان ابتغى منه الدنيا، ابتغى منه السمعة، هذا العمل لا وزن له يوم القيامة .
﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً(23)﴾
هذا معنى إحباط العمل، لو كان العمل صورته رائعة، مستشفى مثلاً، ميتم، القصد أنه إنسان اجتماعي، معطاء، فهمه للحياة عميق، يقدم الخير للمجتمع، ولا يلتفت إلى الله إطلاقاً، ولا يبتغي بهذا العمل وجه الله عز وجل، هذا حبط عمله، وقد يكون العمل سيئاً .
بعض البلاد المحتلة أنشؤوا دار قمار، لها دخل كبير، أنتم تجاهدون عدواً شرساً تُنشئون دار قمار؟ كي تعطوا الله حجة لعدم نصركم على أعدائكم.
من لم يبتغِ بعمله وجه الله عز وجل فعمله سيئ :
فلذلك إما العمل سيء، أو العمل ظاهره حسن لكن ليس وراءه إخلاص لله إطلاقاً قال:
﴿حَبِطَتْ أَعمالهم﴾
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ(74) ﴾
﴿هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
أعيذها نظرات منك صادقة أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
من كثرة القتل انتفخت رجليه، هذا ليس سِمناً، هذا ضرب، فالمُحبط عمله، عمله كبر، كبر أصبح ورماً خبيثاً، انتفخ وتورم من علة ومرض، وتوهم حاله أنه إنسان عظيم، ماذا فعل هتلر؟ أنهى حياة خمسين مليون ألمانياً، نتائج الحرب العالمية الثانية، يظن عمله عظيم يقول لك: أتينا من أجل الحرية، خمسة ملايين بعضهم مشرد، وبعضهم مات، وبعضهم معاق من أجل الحرية، أي حرية هذه ؟
من أحبط عمله فعمله فاسد أو في ظاهره صالح ولكن لم يبتغَ به وجه الله إطلاقاً :
إذاً حبط عمله ؛ كبر هذا العمل من مرض، كبر من علة، لذلك قال تعالى :
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً(104)﴾
إحباط العمل إما أنه فاسد، أو أنه في ظاهره صالح، ولكن لم يُبتغَ به وجه الله إطلاقاً لذلك قال تعالى :
﴿
أيها الإخوة، هذه الآيات الثلاث :
والحمد لله رب العالمين