- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (007)سورة الأعراف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
إغراق آل فرعون عبرة لمن جاء بعدهم :
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الواحد والأربعين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الثانية والأربعين بعد المئة، وهي قوله تعالى :
﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ(142)﴾
أيها الإخوة، بعد أن نجى الله بني إسرائيل من فرعون الذي كان يقتّل أبناءهم ويستحيي نساءهم، بعد أن نجاهم منه بمعجزة، حينما تبعهم في البحر، فلما خرج موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام مع قومه إلى الضفة الثانية، عاد البحر بحراً، وأغرق الله فرعون ودمره، وأصبح عبرة لكل طاغية.
بعد أن نجى الله قوم موسى من فرعون الذي تفنن في سفك دمائهم، واستحياء نسائهم، وإذلالهم، الآن جاء طور آخر، هذا الطور هو مجيء التشريع، فقال تعالى :
﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾
الإجمال والتفصيل إن جاءا في آية واحدة حُلّ الإشكال :
أيها الإخوة ﴿وَاعَدْنَا مُوسَى﴾
﴿ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً
وفي هذه الآية :
﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾
﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ(9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ(10) ﴾
في يومين، وفي أربعة أيام .
﴿
كم يوم أصبحوا ؟ ثمانية، وفي معظم آيات القرآن الكريم :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
فقال هذا إجمال وتفصيل .
كلام الله كلام معجز وأي إشكال في القرآن الكريم على الإنسان أن يسأل عنه أهل الذكر :
وقد يُفهم هذا الإجمال والتفصيل معاً بالتداخل، فقد تقول مثلاً: وصلت إلى حمص في ساعتين، وإلى حماة في ثلاث ساعات، ماذا نفهم؟ أن الزمن الذي استغرقته بالوصول إلى حمص داخل في حماة، وصلت إلى حمص في ساعتين، وإلى حماة في ثلاث ساعات، هناك تداخل، على كلٍ إن هذا الموضوع حينما نؤمن أن كلام الله كلام معجز، وأن فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، أي إشكال يبدو لك في القرآن الكريم هناك إجابة مقنعة مئة بالمئة، ولكن قال تعالى :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
أهل الذكر أهل القرآن، هناك ملمح آخر في قوله تعالى:
﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ
إذاً أنت ليس مسموح لك أن تتساءل، أو أن تحكم قبل أن تسأل ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾
هناك إشكالات كثيرة جداً، تبدو في الظاهر إشكالات، يبدو في الظاهر مفارقات، هي في الحقيقة آيات محكمات ولها شرح وتفصيل، وتعليل رائع جداً .
ما من شيء عظيم يفوق أن تعرف الله عز وجل :
أيها الإخوة، الموضوع الدقيق الذي يلفت النظر أن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً﴾
الإنسان أحياناً يعتز بلقاء مع ملك، يعتز بلقاء مع إنسان كبير، مع عالم جليل، أما هنا اللقاء مع خالق السماوات والأرض، أنا أذكر هذا المثل كثيراً كي أضع الحقيقة بين أيديكم:
الطفل الصغير إذا قال مرة: معي مبلغ عظيم، كم تظنه؟ طفل والده معلم، وجاء العيد، وانتهى العيد، وقال لأخيه الكبير معي مبلغ عظيم، أنا أقدره بمئتي ليرة، كلمة عظيم من طفل تعني 200، فإذا قال مسؤول كبير في دولة عظمى تُزمِع أن تشنّ حرباً على بلد نفطي: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، الكلمة نفسها، ما دامت هذه الكلمة صدرت من مسؤول كبير في دولة عظمى 200 مليون، لا، 200 مليار دولار، كلمة عظيم من هذا الإنسان نقدرها بمئتي مليار، الكلمة واحدة .
فإذا قال ملك الملوك، ومالك الملوك، فإذا قال قيوم السماوات والأرض، فإذا قال خالقنا، وربنا، ومسيرنا :
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا
هل هناك من شيء عظيم يفوق أن تعرف الله .
الإله العظيم الطريق إليه سهل جداً :
لذلك ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً﴾
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ
يعني يستطيع مجند غر، التحق لتوه في قطعة عسكرية تنتمي إلى لواء كبير أو إلى فرقة كبيرة، مؤلفة من ثلاثة ألوية، على رأس هذه الفرقة، لواء أركان حرب، هل يستطيع هذا المجند الغر أن يقابل هذا اللواء الذي يرأس ألوية ثلاثة؟ في كل أنظمة العالم، وفي كل جيوش العالم هذا الجندي الغر، لا يستطيع مقابلة هذا اللواء الكبير، لأن أمامه عريف، على التسلسل يوجد عريف، ثم عريف أول، ، ثم مساعد، ثم مساعد، ثم ملازم، ثم ملازم أول، ثم نقيب، ثم رائد، ثم مقدم، ثم عقيد، ثم عميد، ثم لواء، بعدها في عماد، هل يستطيع هذا الجندي أن يقابل أعلى رتبة مباشرة؟ لا يستطيع، إلا في حالة واحدة، أن يكون ابن هذا اللواء الكبير يسبح وكان على وشك الغرق فألقى هذا الجندي بنفسه وأنقذه، يدخل عليه من دون استئذان، ويكرمه أعظم تكريم، وقد يجلس إلى جانبه وقد يضيفه بنفسه، هذا المثل ضعوه بين أيديكم ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾
أسعد إنسان من تجلى الله على قلبه بالأمن و الاستقرار :
أتحب أن تبكي في الصلاة؟ أتحب أن يتجلى الله على قلبك؟ أتحب أن تشعر أن الله يحبك؟ أتحب أن تحس بالأمن؟ أتحب أن تحس بالاستقرار؟ أتحب أن تحس أن الله راضٍ عنك؟ كل هذه المشاعر ثمنها العمل الصالح ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾
لذلك أيها الإخوة، إن أردت ميقات الله عز وجل، إن أردت خلوة مع الله، إن أردت إقبالاً على الله، إن أردت أن تستمد من الله العون، والتوفيق، والنصر، والتأييد، وأن يسعدك، إن أردت أن تقول ليس في الأرض من هو أسعد مني، إن أردت أن تشعر أنك متفوق، وأن الله يحبك، وأن كل من في الأرض بيد الله عز وجل، وأنت مع الله، كل من في الأرض من أقوياء بيد الله، وأنت مع الله، وإذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك .
كل إنسان بحاجة إلى شحنة روحية و خلوة مع الله عز وجل :
لذلك أيها الإخوة ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً﴾
وهذا الهاتف الجوال أكبر دليل على ذلك، إن لم تشحنه تنطفئ الشاشة، ويصمت وينتهي عمله.
وهذا المؤمن إن لم يُشحن عندنا شحنات يومية، خمس شحنات يومية، الصلوات الخمس، هذه الشحنة بسيطة تكفي للصلاة التي تليها، عندنا شحنة أطول شحنة أسبوعية؛ شحنة خطبة الجمعة، إذا استطعت أن تدرك ركعتي الجمعة مع الإمام إياك أن تتوهم أنك أديت صلاة الجمعة، لأن الله عز وجل حينما قال :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ
قال علماء التفسير: ذكر الله هي الخطبة، هذه عبادة تعليمية، هذه العبادة التعليمية من خصائص هذا الدين العظيم ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾
استخلاف سيدنا موسى لأخيه هارون في قومه :
لذلك أيها الإخوة ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً﴾
﴿ فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ
سيدنا هارون رسول، فسيدنا موسى استخلف أخاه هارون ﴿وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي﴾
﴿وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾
أما ﴿وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾
تناسي قوم فرعون المعجزات الدالة على عظمة الله وطلبهم بأن يُجعل لهم إلهاً:
لكن الذي حصل أن سيدنا موسى ذهب إلى المناجاة -ولها حديث طويل بعد قليل- واستخلف أخاه هارون في قومه، فلما نجى الله بني إسرائيل من فرعون الذي قتّل أبناءهم واستحيا نساءهم، قدموا على قوم يعبدون العجل من دون الله .
﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ
هذه الآيات الصارخة الدالة على عظمة الله، كيف أن الله أغرق فرعون، وما أدراك ما فرعون، بقوته، بجبروته، بمن حوله، بأسلحته، دمره كمعجزة، كيف أن الله جعل البحر طريقاً يبساً، كيف أن عصا سيدنا موسى ألقاها:
﴿ فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ
كيف أن هذا الثعبان أكل كل ما صنعه السحرة والمفسدون، كيف يتناسى هؤلاء كل هذه المعجزات، ويقولون لسيدنا هارون: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾
﴿وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
إن لم ترحم من حولك لست مؤهلاً أن تقودهم :
بالمناسبة: انظر إلى الكلام ما أدقه ﴿وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ﴾
﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي﴾
حينما جاء ملك الجبال النبي عليه الصلاة والسلام في الطائف وقال له : أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك ، لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين:
(( فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا. ))
ما الذي يحدث الآن؟ إنسان يسافر لبلد غربي ويعود وقد انسلخ من أمته متخلفون! كأنه من طينة أخرى، كأنه صار من ذهب وهؤلاء من طين، هذا الانسلاخ من بعض شباب المسلمين إذا سافروا إلى الغرب ينعتقون من دينهم، ومن أمتهم، ومن واقعهم، ويستعلون عليه.
دقق في هذا الكلام: ﴿وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ﴾
﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ﴾
التشريع الإلهي لا يزيد عن كلمتين ؛ افعل أو لا تفعل :
أما سيدنا موسى هو الآن يعد نفسه للقاء الله عز وجل .
بالمناسبة: سوف يأتي في هذا الميقات تشريع إلهي، وينبغي أن نعلم علم اليقين أن التشريع الإلهي لا بد من كلمتين، افعل، فعل أمر، ولا تفعل فعل مسبوق بنهي، فالقرآن الكريم من دفته إلى دفته، الأوامر والنواهي لا تزيد عن افعل، ولا تفعل .
﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ
افعل .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا
لا تفعل، منهج الله عز وجل لا يزيد عن كلمتين، افعل، ولا تفعل، ويجب أن توقن وأن تعلم علم اليقين أن كل شيء أمرك الله أن تفعله أنت قادر على أن تفعله، وتستطيع أن تفعله .
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
وأن كل شيء نهاك الله عنه أنت قادر على أن تنتهي عنه، وباستطاعتك أن تبتعد عنه، لقوله تعالى : ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
دعوة النبي الكريم موسى إلى لقاء ربه :
أيها الإخوة :
﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا
نحن الآن مع حالة متميزة جداً لهذا النبي الكريم، الآن هذا النبي الكريم مدعو للقاء الله:
﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا﴾
المواقيت الزمانية و المواقيت المكانية :
إذاً هناك مواقيت مكانية، ومواقيت زمانية، عندنا عبادات الأصل فيها الميقات الزماني، كالصلوات الخمس، ورمضان، لك أن تصلي في أي مكان ، ولك أن تصوم في أي مكان، أما الميقات ميقات الصيام ميقات زماني، حينما ترى هلال رمضان .
﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
ففي الصوم الميقات الزماني هو الأصل، وفي الصلاة الميقات الزماني هو الأصل، أما في الحج لا بد من أن تذهب إلى الحرمين الشريفين، لا بد من أن تذهب إلى جبل عرفات.
(( الحج عرفة ))
هناك ميقات مكاني .
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً :
الآن تمهيد: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا﴾
﴿وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾
﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا
بالقرآن الكريم عندنا قاعدة ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً﴾
﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾
أيها الإخوة، سيدنا موسى كلمه ربه من وراء حجاب، الحالة التي هي إحدى الحالات الثلاث هي الحالة الثانية، سيدنا موسى كلمه ربه من وراء حجاب، يعني يسمع كلاماً ولا يرى متكلماً .
طموح سيدنا موسى في أن يرى ذات الله عز وجل :
أيها الإخوة، الله عز وجل حينما كلمه سيدنا موسى تاقت نفسه إلى أكثر من تكريم الله له، أي كان طموحاً، تاقت نفسه إلى أن يرى الله ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾
﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً﴾
استرسال سيدنا موسى بحديثه مع الله تعالى لأن سعادته كانت لا توصف :
لما سيدنا موسى قال الله له :
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى(17) ﴾
يعني كان من الممكن أن يقول هي عصاي، لكن طمع بمؤانسة الله له .
﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا
هو سألك ما هي؟ قال : ﴿هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا﴾
أيضاً باللقاء طمع هذا النبي الكريم أكثر من أن يقول له يا رب هي عصاي، فاسترسل في الحديث، يبدو أن الإنسان إذا اتصل بالله عز وجل ذاق سعادة لا توصف، لأنه كلما خلقه الله عز وجل من أشياء جميلة هي مسحة من جمال الله عز وجل .
(( إن الله جميل يحب الجمال ))
أي أجمل شيء بالحياة أن تنعقد صلتك بالله عز وجل، أجمل شيء بالحياة أن تبكي في الصلاة، أجمل شيء في الحياة أن تبكي أثناء الطواف، أثناء السعي .
أعظم ما في هذا الدين الاتصال بالله عز وجل :
أيها الإخوة :
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لـــما وليت عنا لغيرنا
و لــو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب و جئتنا
ولـــو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحـبنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـــة لمت غريباً و اشتياقاً لقربنـــا
أعظم ما في هذا الدين الاتصال بالله، أما كدين، كثقافة، كمعلومات، كأفكار، كنصوص، كأدلة، شيء جيد، لكن لا يروي الغليل، لا يُروى غليلك إلا إذا اتصلت بالله عز وجل، فلما رأى أن الجبل قد دكّ ﴿وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً﴾
الجنة ثمنها في الدنيا طاعة الله عز وجل :
الآن هناك شيء يحتاج إلى تفصيل، يعني أنت تستيقظ في الليل والظلام دامس تمشي في الغرفة، إذا كان هناك شيء أقل منك تدوسه، وتكسره، وإذا شيء أكبر منك كالحائط يكسرك، إما أن تكسر أو أن تُكسر، ما دام لا يوجد ضوء .
لذلك يضعون إضاءة خافتة لا تفسد عليك النوم، لكن لو استيقظت ترى الطريق، هذه الإضاءة الخافتة لا تحتمل التيار العالي، يُوضَع لها محول صغير، هذا المحول يوفق بين التيار الشديد، وبين الإضاءة الخافتة.
هكذا قال بعض العلماء: لذلك الملك هو المحول، يتلقى من الله الوحي، ويقدمه للنبي ملطَّفاً، محتملاً.
فالله عز وجل كلم موسى من وراء حجاب، وأنزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق جبريل، هذه بعض الحقائق المتعلقة بعمل الملائكة، الملائكة أقرب إلينا من رؤية الله عز وجل، شيء فوق طاقة البشر .
لذلك في الدنيا لن نرى الله، إنك ﴿لَنْ تَرَانِي﴾
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ(22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ(23) ﴾
هذه الجنة التي عرضها السماوات والأرض والتي فيها :
(( ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
هذه الجنة ثمنها في الدنيا طاعة الله عز وجل .
الله عز وجل اصطفى سيدنا موسى مرتين مرة بالكلام و مرة بالرسالة :
﴿وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾
إذاً: ﴿فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ﴾
﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي
الرسل جميعاً اصطفاهم الله عز وجل برسالة، لكنك يا موسى اصطفيتك مرتين مرة بالرسالة، ومرة بالكلام .
من قَبِل حمل الأمانة سخر الله له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه:
﴿إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ
العبادة ﴿وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
(( استقيموا ولن تُحْصُوا ))
الخير، فنحن كبني البشر عندنا مهمتان، أن نعبده، وحينما نعبده يأتي الخير بعدها نشكره، سيدنا موسى، قال: ﴿إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
هذه نصيحة قرآنية ﴿فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ﴾
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
أيها الإخوة، هذه القصة لها دلالات كبيرة جداً أن الإنسان يسعد أيما سعادة إذا اتصل بالله عز وجل، نحن متاح لنا أن نصلي خمس صلوات، متاح لك أن تصوم رمضان، متاح لك أن تشكره، متاح لك أن تقرأ القرآن، متاح لك أن تتصل به، وأسباب هذا الاتصال الاستقامة على أمر الله أولاً، والأعمال الصالحة ثانياً .
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
الملف مدقق