وضع داكن
26-12-2024
Logo
الدرس : 25 - سورة الأعراف - تفسير الآيات 59 - 62 ، معاناة النبي في نشر هذا الدين العظيم ـ كل الرسالات السماوية واحدة ومتكاملة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. 

أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الخامس والعشرين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية التاسعة والخمسين، وهي قوله تعالى :

﴿  لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(59)﴾

[ سورة الأعراف ]


لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ


1 – قصصُ الأنبياء تثبت قلبَ النبي عليه الصلاة والسلام :

أيها الإخوة، هذه الآية مهمتها أن تخفف عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يعانيه من تكذيبٍ ومعارضةٍ، وقد قال الله عز وجل : 

﴿ وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (120)﴾

[ سورة هود  ]

قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في نص هذه الآية يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه، لست وحدك يا محمد الذي يُكذَّب، لست وحدك يا محمد الذي يعاني ما يعاني، لأن معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية، وطّنوا أنفسكم على ذلك، كان من الممكن أن يكون الكفار في كوكب آخر، وكان من الممكن أن يكونوا في قارة أخرى، وكان من الممكن أن يكونوا في حقبة أخرى، ولكن شاءت حكمة الله أن نجتمع معاً في كل زمان ومكان، وهذا الاجتماع يقتضي معركة أزلية أبدية من آدم إلى يوم القيامة.

2 – لابد من الابتلاء في الدعوة إلى الله :

حينما يوطن الإنسانُ نفسَه على واقع يقبله، ويتعامل معه، معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية، يا محمد لست بدعاً من الرسل، لست وحدك الذي تُكذَّب، لست وحدك الذي تُؤذَى، قال عليه الصلاة والسلام : عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 

((  لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ  ))

[  أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان ]

(( عن عبدالله بن مغفَّل رضي الله عنه قال: قال رجلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، والله إني لَأُحِبُّك، فقال: ((انظر ماذا تقول!)) ، قال: والله إني لأحبك، ثلاث مرات، فقال ((إن كنتَ تحبُّني فأَعِدَّ للفقر تجفافًا؛ فإن الفقر أسرع إلى من يحبُّني من السيل إلى منتهاه)) ؛ ))

[ رواه الترمذي  ]

هناك ابتلاء وهناك امتحان . 

﴿  أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2) ﴾

[  سورة العنكبوت  ]

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)﴾

[  سورة البقرة  ]

مستحيل وألف ألف مستحيل ألا تُمتحن، أو ألا تُبتلى. قيل للشافعي: " يا إمام، أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ فقال: لن تُمكَّن قبل أن تُبتلى " . قال تعالى : 

﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) ﴾

 

[ سورة المؤمنون  ]

يا محمد لست : 

﴿ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (9)﴾

[  سورة الأحقاف  ]

لست وحدك الذي تُكذَّب، لست وحدك الذي تُعارَض، لست وحدك الذي يُنكَر بك، هذه سنة الله في الخلق. 

فاتني أن أقول لكم: لماذا أراد الله أن نكون معاً، في كل زمان، وفي كل مكان ؟ لماذا أراد أن يكون أهل الحق مع أهل الباطل في كل مكان؟ على مستوى الأسرة، على مستوى الحي، على مستوى الدائرة، على مستوى المستشفى، على مستوى المدرسة، أناس مع الحق في أعلى درجة من الكمال، أناس في أدنى درجة من السخف والاستهزاء والتنكيل، هذه سنة الله في الأرض، الحكمة منها أن الحق لا يقوى إلا بالتحدي، وأن أهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالتضحيات . 

﴿  أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ(142) ﴾

[  سورة آل عمران  ]

يجب أن تؤمن أن الابتلاء أحد سنن الله في الأرض، أنت مُمتَحن . 

3 – الإنسانُ ممتَحَنٌ في كل شيءٍ :

بالمناسبة: أنت ممتحن فيما أعطاك الله، أعطاك صحة مُمتحَن بها، أعطاك مال ممتحن به، أعطاك مكانة ممتحن بها، أعطاك علماً ممتحن به، وممتحن أيضاً فيما زُوِي عنك، كنت تتمنى أن تكون ذا دخل غير محدود، فدخلك محدود، هذا امتحان ثانٍ، كنت تتمنى أن تكون لك زوجة على نمط آخر، فكانت على نمط لا يرضيك، هذا امتحان ثانٍ، أنت مُمتحَن فيما أعطيت، ممتحن فيما زُوِيَ عنك. لذلك من أدق أدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم : 

(( اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ ، اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ اللَّهُمَّ ، وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ ))

[  الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ  ]

يا رب، أعني على توظيفه في مرضاتك، قال تعالى : 

﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) ﴾

[ سورة القصص ]

ابتغِ بالمال الدار الآخرة، ابتغِ بوسامتك الدار الآخرة، ابتغِ بفصاحتك الدار الآخرة، ابتغِ بعلمك الدار الآخرة، ابتغ بغناك الدار الآخرة، ابتغِ بوجاهتك الدار الآخرة ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ لذلك: (اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ اللَّهُمَّ ، وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ)

عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 

((  عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ  ))

[  مسلم  ]

يا محمد لا تحزن، لا تحزن، لا تضجر، لا تيأس ﴿مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ﴾ الأنبياء السابقون كُذِّبوا، وأُوذوا، وسُخر منهم:

﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38)﴾

[ سورة هود ]

والآن المؤمن يُسخَر منه، محدود، جامد، متزمت، لا يتحرك، لا يطّلع على ما في الدنيا من مباهج، يخاف من المرأة أن يختلط بها .

﴿  فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ(34) ﴾

[  سورة المطففين  ]

الكافر يضحك قليلاً، وسيبكي كثيراً، أما المؤمن فقد يبكي قليلاً، ولكن سيضحك كثيراً، بطولتك أنه حينما يولد الإنسان كل من حوله يضحك، وهو يبكي وحده، أما إذا وافته المنية فكل من حوله يبكي، فإذا كان بطلاً يضحك وحده . 

﴿  قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ(26) ﴾

[  سورة يس  ]

لذلك : ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾


فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ


قال بعض علماء البلاغة: ﴿لَقَدْ﴾ تقترب من القسم ﴿لَقَدْ﴾ حرف تحقيق، كأن تقول: والله لقد زرتك، أو لقد زرتك، تقترب من القسم ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ﴾ .

علّةُ وجود الإنسان عبادةُ الله وحْدَه :

علة وجودنا أن نعبد الله، مَن الجهة التي ينبغي أن نعبدها؟ الجهة التي خلقت، والجهة التي صورت، والجهة التي أبدعت، والجهة التي ترزق، والجهة التي تحيي وتميت، هذه الجهة ينبغي أن تعبدها.

﴿  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(21) ﴾

[ سورة البقرة  ]


مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ


﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾ لا إله بحق، ولا رافع، ولا خافض، ولا معز، ولا مذل، ولا معطي، ولا مانع، ولا رازق، ولا جبار إلا الله، هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد . 

﴿ مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) ﴾

[ سورة فاطر  ]

يا رب، ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد مَن فقدك؟ وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟

﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾ صحتك، أجهزتك، حواسك، زوجتك، أولادك، رزقك، دخلك، مَن هم أقوى منك، من هم أضعف منك، من كانوا على شاكلتك، كل أمورك بيد الله. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : 

((  مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ  ))

[  ابن ماجه ]

﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾ هذا التوحيد، التوحيد أن توحِّد وجهتك إلى الله، التوحيد أن تتوكل على الله، التوحيد أن ترضي الله، التوحيد أن تتقي سخط الله، التوحيد أن تتعامل مع الله وحده . 

﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾


إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ


حينما يتخذ الإنسان إلهاً آخر الآن سيرضي هذا الإله الآخر، سواء كان رجلاً قوياً، رجلاً غنياً، قد يتخذ شهوته إلهاً، إذا كان يحب زوجته، وكانت فاسقة ويرضيها من أجل أن تبقى عليه راضية فقد اتخذها إلهاً، إذا أراد أن يرضي ابنه في معصية الله اتخذه إلهاً، إذا أراد أن يرضي من فوقه، وخاف أن يصوم في رمضان فأفطر أمامه اتخذه إلهاً. 

لذلك أيها الإخوة، الذي يتخذ من دون الله إلهاً أمامه عذاب عظيم، لأنه سوف يخرج عن منهج الله، وسوف يرضي هذا الإله الذي اتخذه إلهاً، ولئلا تقعوا في حيرة، إذا أمره بمعصية ينفذ أمره فوراً، إذا أبعده عن عمل خيّر ينفذ أمره فوراً، أنا لا أقول: هناك في عالم المسلمين من يقول: هذا إله، لكن العبرة أنه يُعامل كإله ويُطاع في معصية ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ﴾

العبادة: طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية ﴿اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾

سيدنا عمر كان له مظهر لم يكن يُرضي بعض ولاة الشام، قال له أحدُهم: يا أمير المؤمنين، أهكذا تقدم عليهم هكذا؟ قال له: << يا أبا عبيدة، والله لو قالها غيرك لنكّلت به، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغير الله أزلنا الله >> . انظروا إلى المسلمين اليوم، يبتغون العزة بغير الله، بالخضوع والانبطاح، هؤلاء حينما يفعلون هذا يزدادون عند الله ذلاً ومهانة، ومهما ابتغينا العزة بغير الله أذلنا الله . 


عداوة الكفار لخاتم النبيين عليه الصلاة والسلام : 


أيها الإخوة، لماذا العداوة التي صُبَّت على النبي عليه الصلاة والسلام ؟ 

بالمناسبة، كلما ارتقيت في سلم النجاح ازداد الخصوم، حتى في بعض الأقوال أنه " لا بد للمؤمن من مؤمن يحسده، ومن منافق يبغضه، ومن كافر يقاتله، ومن نفس تُرديه، وشيطان يغويه "  الأنبياء جميعاً كان لهم مكان محدد، وزمان محدد، لكل قوم نبي، زمان محدد مكان محدد، إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام أُرسل إلى كل الأمكنة، هو : 

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) ﴾

[ سورة الأنبياء  ]

أُرسل إلى كل الأزمنة، إلى نهاية الدوران، لا شك أنه سيد الأنبياء والمرسلين ورسالته تشمل الأمم أجمعين، والأزمنة كلها، فلذلك كان التكذيب. بالمناسبة: لماذا أوذي النبي في الطائف؟ لأنه قدوة لنا، يعني قدوة للدعاة إلى يوم القيامة، أي إنسان دعا إلى الله، هناك من عارضه، هناك من انتقده، هناك من مكر به، هناك من أَورَى صدر الأقوياء عليه، لك في النبي أسوة حسنة، ذهب إلى الطائف وكُذِّب، وسُخر منه، وأُغرِي الصبيان بأن يضربوه، وضربوه ، وسال الدم من قدمه الشريف، قال: 

(( يا رب ، إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي وهواني على الناس ، يا رب المستضعفين إلى من تكلني ؟ إلى صديق يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى ، لكن عافيتك أوسع لي  ))

[  الطبراني عن عبد الله بن جعفر  ]

مَن أنت أمام النبي عليه الصلاة والسلام ؟ لما قال: (يا رب، إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي وهواني على الناس ، يا رب المستضعفين إلى من تكلني ؟ إلى صديق يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى ، لكن عافيتك أوسع لي) هذا الدعاء يصلح لكل مسلم الآن، لكل مسلم، لأن الذي يعانيه المسلمون شيء لا يحتمل، إن كان هناك من خط بياني هم في الحضيض الآن، العالم كله يتّهمهم بالإرهاب وبالجهل وبالتخلف، العالم متفق على التنكيل بهم، متفق على إفقارهم، متفق على إضلالهم، متفق على إذلالهم، متفق على إفسادهم، متفق على إبادتهم. دعاء النبي عليه الصلاة والسلام في الطائف يصلح لكل مسلم الآن، ولكن أراد الله أن يمكنه من أن ينتقم منهم، جاءه ملَك الجبال قال : 

((  إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا  ))

[  متفق عليه عن عائشة ]

الْأَخْشَبَيْنِ: أي الجبلين ، هنا البطولة، لم ينتقم منهم، قال: (بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) لم يتخلَّ عنهم، ودعا لهم، واعتذر عنهم، إنهم لا يعلمون، وتمنى على الله أن ينجبوا ذرية صالحة، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحده. الخط البياني في النهاية الصغرى، جاء الإسراء والمعراج، قال تعالى : 

﴿  سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1) ﴾

[  سورة الإسراء ]

لو أن شخصاً ضعيفاً في حفظ القرآن الكريم أيّة كلمتين تناسبان هذه الآية؟ أنا أعتقد : 

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)﴾

[  سورة الأحقاف  ]

لأنه نقله من مكة إلى بيت المقدس، أسرى به، وعرج به إلى السماوات العُلا حتى بلغ سدرة المنتهى، إذاً: ﴿إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ لكن الآية ليست كذلك، قال تعالى: 

﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ يا محمد سمعنا دعاءك في الطائف، سمعنا تضرعك، سمعنا أنك قلت: إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، سمعنا دعاءك في الطائف، وهذا هو التكريم، أنت سيد الأنبياء والمرسلين . 


العبرة بالنتائج والخواتيم :


لذلك أيها الإخوة، ما من محنة تصيب المؤمن إلا وراءها منحة من الله، وما من شدة تصيب المؤمن إلا وراءها شدة إلى الله . 

﴿  وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(139) ﴾

[  سورة آل عمران  ]

والعبرة بالنتائج، هؤلاء الأقوياء الأشداء المسيطرون في عهد النبي زعماء قريش، سادة قريش، كبراء قريش، علية القوم، الأغنياء، الأقوياء، الذين تفننوا في التنكيل بأصحاب النبي، أين هم الآن؟ في مزبلة التاريخ، قل: أبو جهل، ماذا تقول بعدها: الله يرضى عنه ؟! دمره الله، لعنه الله، قل: سيدنا الصديق، رضي الله عنه وأرضاه، سيدنا عمر، هؤلاء الذين وقفوا مع الحق هم في أعلى عليين، الحياة هكذا، إياك، ثم إياك، ثم إياك أن تقف في خندق معادٍ لدين الله، كن مع الحق.

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) ﴾

[  سورة الحجرات  ]

سيدنا بلال عبد حبشي، قال له سيده لسيدنا الصديق: والله لو دفعت به درهماً لبِعتُكَه، قال له : << والله لو طلبت به مئة ألف درهم لدفعتها لك >> . اشتراه، ووضع يده تحت إبطه، قال: << هذا أخي حقاً >> ، كان الصحابة الكرام إذا ذكروا الصديق يقولون: << هو سيدنا، وأعتق سيدَنا >> ، أيْ بلالاً، هذا الإسلام، الإسلام ما فيه فروق طبقية أبداً، الإسلام ما فيه تمايز، ما فيه عنصرية. أيها الإخوة، إذاً النبي أوذي في الطائف، لأنه قدوة للدعاة من بعده إلى يوم القيامة. 

السيدة عائشة السيدة الأولى، المصون، العفيفة، الطاهرة، اتهمت في أقدس ما تملكه امرأة، لماذا اتهمت؟ لتكون أسوة لكل مؤمنة إلى يوم القيامة بريئة وطاهرة واتُّهمت، الله عز وجل جعل من الصحابة نماذج تُحتذَى . 


قصص الأنبياء نماذج وقوانين :


الآن قصص الأنبياء لمن؟ للأنبياء؟ ماتوا ، لمّا يقول الله جل جلاله : 

﴿ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) ﴾

[  سورة الأنبياء  ]

1 – قصة سيدنا يونس :

سيدنا يونس وجد نفسه في بطن حوت، وإذا كانت الأسعار غالية، عندك مشكلة، عندك كساد، هل تساوي هذه أن تجد نفسك في بطن حوت في الليل في أعماق البحر؟ هل من مصيبة أكبر من أن تجد نفسك في بطن حوت؟ 

الحوت وجبته المعتدلة أربعة أطنان، أنت لقمة واحدة، يرضع وليده 300 كغ في اليوم 3 مرات، طن من الحليب كل يوم، يفتح فمه فيجمع 4 أطنان بين الظهر والعصر، نبي كريم وجد نفسه في بطن حوت: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾

﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾

[  سورة الأنبياء  ]

هذه القصة وانتهت، الآن قُلبت إلى قانون: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ في أي عصر، في أي مصر، في أي مكان، في أي زمان، بأي خطر ﴿وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ لمن هذه القصة ؟ لنا . 

2 – قصة سيدنا موسى :

﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) ﴾

[  سورة الشعراء  ]

بالمعطيات الأرضية، فرعون بجبروته، بطغيانه، بأسلحته الفتاكة، بحقده، بتألُّهه، يتبع نبياً كريماً، وشرذمة من بني إسرائيل. 

 هناك أمل بالنجاة، إلى أن وصلوا إلى البحر، البحر أمامهم، وفرعون وراءهم، هناك أمل؟ الأمل صفر: ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾

﴿  قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ(62) ﴾

[  سورة الشعراء  ]

الله على كل شيء قدير ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾

أيها الإخوة، إذاً : قصص الأنبياء أيضاً تثبيت للمؤمنين .

3 – قصة سيدنا يوسف :

سيدنا يوسف قال : 

﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) ﴾

[  سورة يوسف ]

جعله عزيز مصر، وكل الأنبياء والمرسلين قصصهم درس لنا. 

بالمناسبة: كل قصة من القصص المتكررة عولجت في القرآن الكريم في سور متعددة، وكلّ مكان من زاوية، وكل مكان لهدف، نجمع ما قيل في سيدنا موسى في كل السور تجد القصة متكاملة، نجمع ما قيل في سيدنا نوح من كل السور قصص متكاملة، إلا قصة واحدة عولجت في سورة واحدة هي قصة سيدنا يوسف، لكن مغزاها التوحيد. 

فإخوة يوسف أرادوا به كيداً، وضعوه في غيابات الجب، واحتمال الموت % 99 ، فالذي حصل أنه صار عزيز مصر، وخضعوا له، وخروا له سُجَّداً ، قال : 

﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) ﴾

[  سورة يوسف  ]

﴿ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) ﴾

[ سورة يوسف  ]

سورة يوسف فيها آية واحدة هي المغزى، دققوا في هذه الآية : 

﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) ﴾

[ سورة يوسف  ]

أنت تريد وأنا أريد، والله يفعل ما يريد، عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك، أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد .

﴿  قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(60) ﴾

[  سورة الأعراف  ]


قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ 


1 – مَن هم الملأ ؟

من هم الملأ؟ الملأ عِليَة القوم، سادة القوم، أو الذين يملؤون عينك مهابة شخصية مرموقة، شكل، منطق، هدوء، وقار ﴿قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ﴾ أي سادة القوم، أو الذين يملؤون العين وقاراً ومكانة . 

2 – تهمةٌ قديمة : إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ

﴿إِنَّا لَنَرَاكَ﴾ يا نوح ﴿فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ ضلال اسم جنس، كل الذي قلته من الضلالات، هكذا اتهام. 


يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ


﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(61) ﴾

[  سورة الأعراف  ]

قالوا: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ﴾ اسم جنس .

1 – الردُّ : يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ

قال: ﴿يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ﴾ لو قال لك واحد: أعندك خبز؟ قلت له: والله ما عندي كسرة خبز، أنت حينما نفيت الجزء ماذا أردت من ذلك؟ أن تنفي الكل، يقول لك: أعندك رغيف؟ تقول له: ما عندي كسرة خبز . 

﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ ﴾ ولا ضلالة واحدة، أنا يوحَى إلي، هذا كلام رب العالمين .

2 – النبيُّ نبيٌّ يوحى إليه : وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ

بالمناسبة: أعداء المسلمين بمكر خبيث يوهموننا أن نبينا محمد عبقري، مصلح اجتماعي كبير، رجل فذ، لا، نبينا نبي يُوحَى إليه، النبي عليه الصلاة والسلام لا يُطرح في مجتمع المسلمين على أنه عبقري، ولا على أنه مصلح، هو نبي هذه الأمة، يتلقى وحياً من السماء، لذلك الإسلام ليس كما يفهمه بعض أعداء الإسلام، أنه منتج أرضي للتراث، لا، ليس تراثًا، الإسلام وحي السماء، الوحي لا علاقة له بالبشر. الدليل: لما اتُّهمت السيدة عائشة رضي الله عنها، لو أن الوحي من عند النبي بعد دقيقة تأتي آية التبرئة، أربعون يوماً بغير إثبات، ولا نفي، حتى يعلمنا الله أن هذا الوحي مستقل عن النبي الكريم، لا يملك له استدعاء ولا رداً. فلذلك : 

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هذا الإله العظيم الذي يربيكم، الذي يعتني بكم، الذي يمدكم بالهواء بالماء، بالطعام، بالشراب، بما تشتهون، بالمعادن، بأشباه المعادن ﴿وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

﴿  أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(63) ﴾

[  سورة الأعراف  ]


أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ


1 – معنى : أُبَلِّغُكُمْ

﴿أُبَلِّغُكُمْ﴾ بلغ، سافر من دمشق فبلغ حلب، وصلها بالتمام والكمال، البلاغ بيان كامل، بيان شامل، بيان واضح. 

﴿أُبَلِّغُكُمْ﴾ كلنا إذا وقفنا أمام قبر أن النبي ماذا نقول؟ أشهد أنك بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وجاهدت في الله حق الجهاد، وهديت العباد إلى سبيل الرشاد. 

2 – أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي

﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي﴾ لماذا جاءت جمعاً؟ لمَ لمْ يقل أبلغكم رسالة ربي، إشارة إلى أن جميع الرسالات واحدة، يعني جئت برسالة تصدق ما سبقها من رسالات، لذلك : 

﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) ﴾

 

[ سورة البقرة  ]

﴿  وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ(25) ﴾

[  سورة الأنبياء  ]

فحوى دعوة الأنبياء واحدة، ملخصة بكلمتين: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ نهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل العبادة . 

3 – وَأَنصَحُ لَكُمْ

﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ﴾ أنصح لكم في كل شيء، في حياتكم، في شؤون حياتكم، رسالة مطولة. 

يا إخوان، والله لا أبالغ، هذا الذي يتوهم أن الإسلام صوم، وصلاة، وحج، وزكاة، هذا إنسان واهم، الإسلام ولا أبالغ مرة ثانية، هذا الإسلام 500 ألف بند، يبدأ من فراش الزوجية، وينتهي بالعلاقات الدولية، منهج كامل، أما حينما ظنه المسلمون عبادات شعائرية صار حالهم إلى ما آل إليه، الإسلام ليس في المسجد، بل في بيتك، في كسب مالك، في إنفاق مالك، في علاقاتك مع النساء، في نزهاتك، في أفراحك، في أتراحك، في سفرك، في حلِّك، في ترحالك، الإسلام منهج كامل. ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾

4 – وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ

إخواننا الكرام، مرة ثانية أستخدم هذا المثل للتوضيح: 

قال لك طفل: معي مبلغ عظيم، والده مدرس، عقب أيام العيد قال لك: معي مبلغ عظيم، أنت تقول: 200 ليرة، مسؤول كبير بالبنتاغون يقول لك: أعددنا لحرب العراق مبلغاً عظيماً، تقدره 200 مليار دولار، فإذا قال ملك الملوك :

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ ۚ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) ﴾

[  سورة النساء  ]

من 200 ليرة إلى 200 ملياراً دولار، ضرب خمسين يعني، الآن أقلّ من خمسين، فإذا قال خالق السماوات والأرض: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ يعني أنّ أعظم فضل على الإنسان أن يعرف الله . ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتُك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء . 


رتبة العلم أعلى الرتب :


﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ في دمشق ثانوية ضخمة جداً، وأضخم ثانوية كانت كأنها جامعة قديماً، تدخلها، كُتب في مكان مرتفع من مدخلها: " رتبة العلم أعلى الرتب" ، وما مِن رتبة عند الله أعلى من العلم، قال تعالى :

﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) ﴾

[  سورة الزمر  ]

قال تعالى : 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) ﴾

 

[ سورة المجادلة ]

قال تعالى : 

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) ﴾

[  سورة الأنعام  ]

القرآن اعتمد قيمتين فقط: قيمة العلم، وقيمة العمل، وأما القيم الأخرى فلم يعبأ بها القرآن، الوسامة، والذكاء، والغنى، والقوة، هذه قيم أغفلها القرآن الكريم . 

((  رب أشعث أغبر ذي طمرين ، مدفوع بالأبواب ، لو أقسم على الله لأبره  ))

[  أخرجه الحاكم في المستدرك وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة  ]

﴿  إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ(1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ(2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ(3) ﴾

[  سورة الواقعة  ]

الذين كانوا في الأرض في القمم، قد تجدهم يوم القيامة في الحضيض، والذين كانوا في الحضيض في المقياس الاجتماعي يعني موظف بسيط، لكنه مستقيم، قد تجده يوم القيامة في القمم: 

﴿خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ﴾ تماماً كهذه القلابة، التي فيها مقاعد متتالية تارةً تكون في الأسفل، ثم في الأعلى، ﴿خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ﴾ هكذا الحياة . لذلك : 

﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ الله عز وجل في بعض الآيات الكريمة يقول :

﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13)﴾

[  سورة الشورى ]

الدين واحد، أما الشرائع فمختلفة، بحسب العصور والتطورات والأمصار وشريعتنا الحمد لله خاتمة الشرائع وخاتمة لما قبلها. 

أيها الإخوة:

﴿ أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63)﴾

[ سورة الأعراف ]

يعني من غير المعقول أن يذكر الله عباده بهذا القرآن، غير مألوف، إله رحيم خلق العباد لجنة عرضها السماوات والأرض، إذا غفلوا، يعني ممكن أن تتصور أباً جالساً في غرفة الجلوس والمدفأة مشتعلة، طفله الصغير اقترب منها أن يبقى ساكتاً؟ لا يتحرك؟ لم يكن أباً ساعتئذٍ، لا بد من كلمة تنبيه، لا بد من تحذير، فإن لم يسمع يقوم الأب بيده يمسكه، أليس كذلك؟ هذه الرحمة.

لذلك ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ يعني شيء غير طبيعي، غير مألوف أن إلهاً عظيماً يرسل رسولاً كريماً معصوماً يبين، يحذر، يوضح، يجلي الأمور، هناك جنة، هناك نار، هناك أبد، هناك سعادة أبدية. 

﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ الذكر هو القرآن الكريم، وقال تعالى:

﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) ﴾

[ سورة النحل ]

قال تعالى:

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ﴾

[ سورة الحجر ]

قال تعالى:

﴿ ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) ﴾

[ آل عمران ]

فالذكر هو القرآن الكريم ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ﴾ :

(( إنَّما أَنَا بَشَرٌ، أَرْضَى كما يَرْضَى البَشَرُ، وَأَغْضَبُ كما يَغْضَبُ البَشَرُ، ))

[ صحيح مسلم عن أنس بن مالك ]

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) ﴾

[ سورة الكهف ]

ولولا أن النبي بشر تجري عليه كل خصائص البشر لمَا كان سيد البشر.

 ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾

﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ(64) ﴾

[ سورة الأعراف ]


كانوا في عماء:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124)قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ (126) ﴾

[ سورة طه ]


الملف مدقق   

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور