- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (007)سورة الأعراف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثاني والعشرين من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الرابعة والخمسين، وهي قوله تعالى :
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(54) ﴾
إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ
1 – لا خلاف بين ا لناس في ربوبيةِ الله :
أيها الإخوة الكرام، في عالم الإيمان هناك ربوبية، أي أنّ الله خلق وأمدَّ، خلقنا وأمدَّنا بكل ما نحتاج، هذا مفهوم الألوهية، ولكن حينما يكلفنا أن نعبده هذا مقام الألوهية، مقام الربوبية شيء، ومقام الألوهية شيء آخر، لا أحد في الأرض ينكر مقام الربوبية، والدليل :
﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ
كافر، مؤمن، وثني، عُبّاد الأوثان، يُقرّون أن الله خلق السماوات والأرض، وهم يعترفون بأنهم ما يعبدون الأصنام إلا ليقرّبوهم إلى الله زلفى، فحَولَ مقام الربوبية لا خلاف، لأن أصل مقام الربوبية العطاء، فهو خلقنا، ومنحنا نعمة الإيجاد، ومنحنا نعمة الإمداد، هذا أصل مقام الربوبية، فلا أحد في الأرض إلا ويعترف أن له رباً خلقه، وأمدّه، لكن حينما أمره ألّا يكذب، ألّا يسرق، ألّا يقتل، هنا الخلاف، مقام الإلوهية يقتضي افعل ولا تفعل، يقتضي الطاعة، والإنسان يميل إلى أن يعيش من دون قيد أو شرط :
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا
إنكار الرسالة، إنكار المنهج، إنكار الأمر، إنكار النهي هو موضع الخلاف، مقام الربوبية لا خلاف فيه بين كل البشر، لكن مقام الإلوهية، مقام الأمر، والنهي، والرسالات، والحرام، والحلال، والوعد، والوعيد، هنا المشكلة.
أيها الإخوة، من البديهيات أنّ أحداً في الكون لم يدّعِ أنه خلق السماوات والأرض، لكنّ مناهج الأرض تتناقض مع مناهج السماء .
﴿ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
إنسان يعبد شمساً، أو قمراً، أو حجراً، أو مَدراً، أو بقراً، أو موجاً، فالعبادات لأن التديّن حاجة فطرية، السبب: أنّ الإنسان خُلِق ضعيفاً يحتاج إلى جهة قوية يحتمي بها تدعمه، يلجأ إليها، يستعين بها ، تُطمئِنه، حتى الذين اتبعوا الديانات الأرضية الوثنية هم يلبّون حاجة عندهم فطرية، وهي الحاجة إلى قوي.
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا
خُلِق ضعيفاً، إذاً: هو بحاجة إلى قوي، لذلك لم يدّعِ أحدٌ خلْقَ السماوات والأرض، ولكنّ أعداداً لا تحصى ادّعت أنها مُشرِّعة، والإنسان إذا شرّع أولاً فإنّ عِلْمه قاصر، فإنْ كان موضوعياً تجلب نفسه لذاتها الخير، وتبعد عنها المحاسبة، فالإنسان ليس مؤهَّلاً أن يُشرِّع .
فلذلك أيها الإخوة، كأن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾
2 – العلاقة بين الربوبية والألوهية :
هنا يوجد ربط بين مقام الربوبية ومقام الألوهية، يعني ينبغي أن تطيع الذي خلقك، الذي منحك نعمة الإيجاد، الذي منحك نعمة الإمداد، الذي منحك نعمة الهدى والرشاد، ينبغي أن تطيعه .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
عندنا مقام الربوبية لا خلاف فيه، مقام الإلوهية هنا الخلاف متعلق بالضبط والتكليف، وافعل ولا تفعل، والأمر، والنهي، والحلال، والحرام، والوعد، والوعيد .
الآن الآية الكريمة في البقرة:
قبل هذه الآيات فصّل الله كثيراً في خلق الإنسان، الآن يفصّل الله في خلق السماوات والأرض، الظرف الذي يوجد فيه الإنسان، تصوّر إنساناً تزوج، اشترى بيتاً، وأثّث البيت، وهيّأ كل ما يحتاج فيه، فهذا البيت بغرفه، بغرفة النوم، بغرفة الاستقبال، بغرفة الجلوس، بمرافقه، هذا ظرف وجود الزوجين.
فالله عز وجل في آيات سابقة فسّر في خلق الإنسان، والآن يفصّل في خلق الأكوان .
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ
لذلك: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾
1 – معنى السماء :
السماء؛ كل ما عَلاكَ فهو سماء
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) ﴾
وجمع أرض أراضين، ولكن كلمة أراضين ثقيلة على اللسان، فجاءت السماوات جمعاً، وجاءت الأرض فرداً، لكن هذا لا يمنع أن يكون هناك سماوات لا تعد ولا تحصى، لأن كلمة سبع سماوات السبع في اللغة لا تعني الكم تعني التكثير، والأراضين لا تعني الكم تعني التكثير .
2 – سقوط نظرية التطور لداروين :
الآن الإنسان لرعونته، وجهله تصوّر بداية العالم، فقال أناس: الكائنات الحية بدأت بمخلوق وحيد الخلية، هذا المخلوق تطور، وتطور، وتطور، من البر إلى البحر، ثم إلى البر، ثم أصبح قرداً، ثم أصبح إنساناً، هذه نظرية داروين، وكل جهة تتصور بداية العالم، لكنّ الله عز وجل ينفي كل هذه التصورات فقال :
﴿ مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ
للتقريب: اشترى أحدهم محلاً بأحد أسواق دمشق، بعدما اشتراه بعشرين سنة تزوج، وأنجب ولداً، وكبر الولد، وفي سهرة والابن جالس مع أبيه، قال: أنا اشتريت محلاً منذ زمن فرضاً بخمسة آلاف ليرة دفعت ثمنه، قال له ابنه: غلط يا أبي، أنت أخذته بعشرة، نظر إليه وقال له: أنت كنت معي وقتها؟ أنت كنت؟
والله كتعليق لا تُفاجَؤون به أنني أيقنت أخيراً بنظرية داروين، لكنها معكوسة، كان إنساناً فأصبح قرداً، يعني مُسِخ الإنسان قرداً، مُسِخ قرداً وخنزيراً، القرد يعبد شهوة البطن، والخنزير يعبد شهوة الفرج، إذا شهوة البطن استغرقت الإنسان فهو قرد، وإذا شهوة الفرج استغرقت الإنسان فهو خنزير .
لذلك حينما ورد في بعض الآيات أن هؤلاء مُسِخوا قردة وخنازير أنا أتصور أنهم بقوا على شكل البشر، لكن عبدوا شهواتهم من دون الله، يؤكد هذا المعنى قول النبي الكريم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ ))
تعس عبد البطن ، تعس عبد الفرج .
خلقُ البشرية بدأ بآدم عليه السلام :
أيها الإخوة، إذاً: يجب أن نتلقّى عن الله شرح بداية الخلق، من سيدنا آدم، بدأت البشرية بنبي عظيم.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ ، وَلَا فَخْرَ ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي ... ))
البشرية بدأت بنبي كريم، وبأم كريمة، آدم وحواء.
صدقوا أيها الإخوة، إنّ نظرية داروين ساقطة كلياً، ليس عند المسلمين، بل عند أنصار هذه النظرية، لأن داروين نفسه تنبّأ أنها غير صحيحة، قال: إن لم يثبت العلم هذه النظرية فهي باطلة، والعلم نقض كل ما جاء به داروين، أما العجب العجيب تمسك العالم كله بهذه النظرية، لا لأنها صحيحة ، لكن لأنها مريحة، ما مِن إله، ولا مسؤولية، ولا وعد، ولا وعيد .
سأوضح لكم بهذه القصة: يريد إنسان أن يشتري مركبة، ولم يشترِ، وإنسان يريد أن يشتري فاشترى، نحن أمام اثنين، أحدهم اشترى، والثاني لم يشترِ، سَرَت إشاعة أنّ هناك تخفيضًا في الرسوم 50 % الذي لم يشترِ يصدق هذه الإشاعة من دون دليل، من دون تحقيق، من دون بحث، ومن دون درس، لأن هذه الإشاعة مريحة له، والذي اشترى وتورّط يكذّب هذه الإشاعة، من دون بحث، ومن دون دليل، ومن دون درس، لأن تكذيبها مريح له .
فالإنسان أحياناً بعقله الباطن يعتقد بأشياء غير صحيحة، لأنها مريحة، ويرفض أشياء صحيحة لأنها متعبة، ومكلِفة، وسوف يُحاسَب عليها .
لذلك يجب أن نأخذ عن الله بداية الخلق ﴿مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ﴾
إذاً أيها الإخوة، الإنسان طرأ على هذا الكون بقواه ونواميسه، الكون أولاً، والإنسان ثانياً، الله خلق الأرض، وهيّأها لخليفته في الأرض .
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
معنى : خَلَقَ
ما معنى خلق؟ خلق؛ يعني خلق مخلوقاً كان معدوماً.
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً(1) ﴾
خلق مخلوقاً كان معدوماً، وبرأه على غير مثال سابق، هذا هو الخلق، فإذا قلنا: الله خالق السماوات والأرض، أي كان الله ولم يكن معه شيء، خلق السماوات والأرض بعد أنْ كان الكون معدوماً، وبرأه، وصوّره على غير مثال سابق، أمّا الإنسان فقد سمح الله لذاته العليّة، وهو الخالق أن يوازن ذاته العليّة مع صفة سمحَ للمخلوق أن يتّصف بها، قال:
﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
تسمية الإنسان خالقا مجازاً :
الذي يصنع هذا الكأس من رمل له وسائل، له معامل، الله عز وجل سمح للإنسان إذا صنع شيئاً لم يكن من قبل، أن يسميه خالقاً، وسمح لذاته العلية أن يوازنها مع مخلوقاته، فقال: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾
أيها الإخوة، يعني وردة طبيعية، ووردة صناعية، المسافة كبيرة جداً، لا يوازَن بينهما، وردة طبيعية، ووردة صناعية، حينما قال الله عز وجل: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ أي سمح لذاته العليّة أن يُطلِق على صنعة الإنسان أنه خالق .
الفرق بين خلق الله ونسبة الخلق للعبد :
لكن الفرق بينهما: الله جل جلاله خلق شيئاً كان معدوماً، خلق كل شيء مِن لا شيء، وعلى غير مثال سابق، الإنسان خلق شيئاً من كل شيء، وعلى مثال سابق، هذا الفرق، فالغواصة تقليد للسمكة، والطائرة تقليد للطير، والذي اخترع العجلة تقليد لشجرة تنحدر في وادٍ، ما من شيء اخترعه الإنسان إلا على مثلٍ سابق، حتى لو تخيل الإنسان مخلوقات بالمريخ تُصوَّر كالإنسان، مع تعديلات طفيفة، لا يوجد عند الإنسان شيء إلا يبني عليه من شيء آخر .
إذاً: الله عز وجل يخلق كل شيء من لا شيء، وعلى غير مثال سابق، والإنسان يصنع شيئاً من كل شيء، ووفق مثال سابق.
حينما صنع الإنسان هذا الكأس ما كان بإمكانه أن يصنع كأساً ذكراً وكأساً أنثى، وبعد فترة يأتينا مليون كأس من هذين الكأسين، هذا الكأس كما هو يبقى مئة سنة كما هو، أما الله عز وجل فجعل الذكر والأنثى .
﴿ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ
تصور أنّ الله عز وجل خلق كميات كبيرة جداً من الفواكه، والثمار، والمحاصيل، والبشر أكلوهم وانتهوا، وماتوا، من صمم نظام البذور؟ تأكل تينة كم بذرة فيها؟ فيها ملايين، وكل بذرة شجرة، تأكل خيارة، كم بذرة فيها؟ كل بذرة شجرة، نظام البذور، نظام التلقيح، نظام الزوجية –دقق- الفرق بين إنسان صنع كأساً، والله عز وجل خلق إنساناً، خلقه ذكراً، وخلقه أنثى، وأودعَ في قلب الرجل حب المرأة، وأودع في قلب المرأة حب الرجل، وصار بينهما زواج وإنجاب.
فلذلك لو ذهبت تفكر بين صنعة الله الواحد الديان، وبين صنعة الإنسان تجد فروقاً تفوق حد الخيال.
أيها الإخوة الآية الكريمة:
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾
أيها الإخوة، قال بعض العلماء: في كل مجرة مليون مجموعة شمسية، المجموعة الشمسية التي نحن فيها قطرها الأطول الأكبر 13 ساعة، بين الأرض والشمس 8 دقائق، بين الأرض والقمر ثانية واحدة، وهناك نجوم بُعدها عنا عشرون مليار سنة ضوئية، المجموعة الشمسية كلها 13 ساعة، عرضها ثلاث ساعات، الأرض والقمر ثانية ضوئية، الأرض والشمس 8 دقائق، أما المجموعة الشمسية كلها على درب التبانة نقطة، فكل مجرة فيها مليون مجموعة شمسية، وبكل مجموعة شمسية فيها أرض، يعني كوكب منطفئ، يتلقّى نوره من كوكب ملتهب.
لو أن العلوم في المستقبل اكتشفت أنّ هناك كائنات حية على كواكب أخرى شيء طبيعي جداً، لأن الله سبحانه وتعالى قال :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ ۚ
إذاً كل ما علاك فهو سماء، وكل ما أقَلّك فهو أرض .
فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾
﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ(9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ(10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ(11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(12) ﴾
بحسب الآية 8 أيام، يومين بأربعة، بيومين، لكن هناك بحث طويل أنّ هناك يومين مشتركين بين خلق السماوات وخلق الأرض، فهذا التفصيل ينتهي إلى ستة أيام أيضاً.
لذلك أيها الإخوة، خلقَ الأرض وما فيها في أربعة أيام، وخلق السماوات في يومين، وفي الأخير خلق السماوات والأرض في يومين، فاليومان مشتركان في الآيتين، إذاً: أربعة واثنين ستة.
هناك تعليقات وخواطر إيمانية: أن اليوم هو الدور، لأن الشمس خُلِقَت بعد خلق السماوات والأرض، الشمس في دورة الأرض حول الشمس يتحدد الليل والنهار، والفصول الأربعة، في دورة الأرض حول نفسها ليل ونهار، وفي دورتها حول الشمس الفصول الأربعة، كأن الفصول أحد أسباب أقوات الأرض، تبدُّل الفصول من شتاء ماطر إلى ربيع مُزهِر، إلى صيف تنضج به المحاصيل، إلى خريف تسقط به الأوراق، وكأن اليومين هما الليل والنهار، ممكن، وعندنا اليوم هو الدور، الليل والنهار، والفصول الأربعة، أو أنّ الله خلق الأرض في أطوار، وفي أدوار، وفي مراحل لحكمة بالغةٍ بالغة .
الآن أيها الإخوة ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾
﴿ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ
العملية تمت بوقت قصير، أمّا نُضْج وتحوُّل الحليب إلى لبن تمّ بوقت طويل، فمعنى ذلك الله عز وجل :
﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
أمّا نظام السببية والغائية فيحتاج إلى وقت، الله عز وجل ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾
في صنعة المخلوق لابد من عامل الزمن :
سأل أحدهم: إلى كم عامل يحتاج البناء؟
قال له: مئة عامل، متى ينتهي؟ بعد ستة أشهر، نأتي بمئتين، معناها ثلاث أشهر، نأتي بأربعمائة، معناها شهر ونصف، نأتي بثمانمائة معناها عشرين يوماً، نأتي بألف وستمائة معناها عشرة أيام، نأتي بثلاثة آلاف وستمائة معناها خمسة أيام، هل معقول أن تمشي بهذه السلسلة؟ مستحيل، لا بد من وقت لحفر الأرض، لا بد من وقت لصبّ الإسمنت، لا بد من وقت لجفاف الإسمنت، في صنعة الإنسان هناك وقت لا بد منه، وقت المعالجة، أمّا عند الواحد الديان ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
إذاً : لما يقول الله : ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾
إنسان وضع كمية لبن بأوعية الحليب، فقط، أمّا نظام البكتريا، ونظام التخمر يحتاج إلى عشر ساعات حتى ينقلب هذا الحليب إلى لبن، واضح؟ فإذا قلنا: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾
﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ
وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، الدليل أن الله عز وجل قال :
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ(38) ﴾
ما مسّنا من تعب، الله ما عنده معالجة ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾
نحن غير مسموح لنا أبداً أنْ نتفكّر في ذات الله .
مسموح لنا أن نتفكّر في مخلوقات الله لا في ذات الله عز وجل، لذلك الآيات القليلة جداً المتعلقة بذات الله أكمل موقف منها أن تُفوّض معناها إلى الله .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ
أنا يا رب أفوضك بمعنى أنّ يدك فوق أيديهم .
﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ
﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ(78) ﴾
أيها الإخوة، الآيات القليلة التي تتحدث عن ذات الله أكمل موقف في تفسيرها التفويض، وقد يليه التأويل، ﴿يَدُ اللَّهِ﴾
﴿ مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
أي عليم بكل شيء، أما التجسيد عقيدة فاسدة، والتعطيل عقيدة فاسدة، أربع كلمات، تفويض وتأويل مقبولان، أما التجسيد والتعطيل مرفوضان .
﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾
﴿ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ
العرش:
مرة هارون الرشيد رأى سحابة فقال: " اذهبِي أين ما شئت فإنه يأتني خراجك "
وأنا أقول: أي إنسان شرد عن الله سوف تعود إلى الدين إنْ عاجلاً أو آجلاً، يعني لا تكن عجولاً، استخدم أسلوب النفَس الطويل، الله عز وجل علّمنا درساً لا يُنسَى، أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام لا عن عجزٍ، ولا عن تعبٍ، ولا عن لغوبٍ، ولكن ليعلمنا أن لكل شيء قدَر.
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ
أيها الإخوة ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ﴾
﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ﴾
﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً(10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً(11) ﴾
والآية الكريمة :
﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(73) ﴾
والليل والنهار في قوله تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ﴾
يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ
﴿يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾
ليس السببُ خالقًا للنتيجة :
خلقَ، لكنّ أمْر الخلق بيد الله، جعل لكل نتيجة سبباً، ولكن الله في أية لحظة من قدرته أن يعطّل الأسباب، أن يخلق نتائج بلا أسباب، أو أن توجد الأسباب ولا نتائج .
يمكن أن يأتي السيد المسيح من دون أب، أُلغِي السبب، ويمكن أن يكون شابان زوج وزوجة في ريعان الشباب ولا ينجبان، شاب وشابة لا ينجبان، ونبي كريم يأتي من دون أب، معنى ﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾
تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
﴿تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾
﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ
الآية إذاً:
أُلقي إبراهيم عليه السلام في النار، النار تُحرق، والله تعالى عطّلها .
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69) ﴾
لو ما قال: ﴿وَسَلَاماً﴾
خاتمة :
في الأخير: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
الملف مدقق