- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (007)سورة الأعراف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الثاني عشر من دروس سورة الأعراف، ومع الآية الكريمة السابعة والعشرين، وهي قوله تعالى:
﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ(27) ﴾
أنواع الموضوعات من حيث وسائل إدراكها :
أيها الإخوة، موضوع الجن موضوع إخباري، هناك موضوعات حسية، أداة اليقين بها الحواس الخمس، أي أن الشيء إذا ظهرت عينه وآثاره، سبيل اليقين به الحواس الخمس، أو استطالاتها، كالمراصد والمجاهر.
أما الشيء الذي غابت عينه، وبقيت آثاره هذه موضوعات عقلية، سبيل اليقين بها العقل، في الدين موضوعات ثالثة، موضوعات إخبارية، لا سبيل لا إلى الحواس، ولا إلى العقل كي يوقن بها، إنها موضوعات إخبارية.
الكون ينطق بوجود الإله :
أنت حينما تفكر في خلق السماوات والأرض والسماوات والأرض الشيء الأول الثابت في طريق الإيمان أن هذا الكون ينطق بوجود إله موجود وواحد، وكامل، وكمال الخلق يدل على كمال الوجود، كمال الخلق يدل على كمال التصرف أيضاً، هذا الإله العظيم من كماله أن يرسل لعباده رسلاً، وأن ينزل كتباً، ليعرفهم بأنفسهم، وبالمهمة التي أُنيطت بهم، أما الذي جاء بهذا الكتاب يقول: أنا رسول الله، الكتاب يحتاج إلى شهادة من الله عز وجل لعباده أنه كلامه، إعجاز القرآن شهادة الله له بأنه كلامه، ووقوع الوعد والوعيد شهادة أخرى من الله لعباده أنه كلامه.
دور العقل والنقل في الإيمان :
إذاً: الذي جاء بهذا الكتاب هو رسوله، آمنا بالله موجوداً، وواحداً، وكاملاً، عن طريق الكون، وآمنا بقرآنه على أنه كلامه القديم من خلال الإعجاز، ووقوع الوعد والوعيد، وآمنا برسوله من خلال قرآنه.
ثلاثة أسباب عقلية للإيمان، بقي السبب الآخر، الإله العظيم والكون يشهد له وكتابه وإعجاز القرآن يشهد له، ونبيه ببيانه، وهو المعصوم يشهد له، الآن انتهى دور العقل، وجاء دور النقل، دور النقل لا سبيل إلا لتصديق كلام الله أو كلام النبي، الخبر الصادق، عن طريق النقل عرفنا أن هناك عالماً هو عالم الجن .
مسائل في الإيمان تتعلق بالأخبار الشرعية والنقول الصحيحة :
فالإيمان بالجن تصديقي لا تحقيقي، الإيمان بوجود الله وأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى إيمان تحقيقي، والإيمان بالقرآن الكريم من خلال إعجازه، ووقوع الوعد والوعيد تحقيقي، والإيمان برسوله الكريم من خلال قرآنه تحقيقي، انتهى دور العقل وبدأ دور النقل.
الآن أخبرنا الله أن هناك حياةً أبديةً خُلقنا من أجلها، أخبرنا الله أن الله عز وجل سيحاسبنا عن كل شيء، أخبرنا أن هناك أنبياء كثر جاؤوا قبل النبي عليه الصلاة والسلام .
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ
أخبرنا أنه بعد الموت هناك برزخ إلى يوم القيامة، أخبرنا أن هناك جنة يدوم نعيمها، وهناك نارٌ لا ينفَد عذابها، هذه كلها إخباريات، وأخبرنا أنه حينما :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ
وفي آيات أخرى: حملها الإنس والجن :
﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ
﴿ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ(31) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(32) ﴾
موضوع الجن إخباري :
إذاً: موضوع الجن بكل تفاصيله موضوع إخباري، لا عقلي، ولا حسي، ولا استنباطي، موضوع إخباري، تؤمن بالجن إيماناً قطعياً حينما تؤمن بأن هذا الإله العظيم من خلال الكون كماله مطلق، وأن النبي الكريم من خلال قرآنه لا ينطق عن الهوى، إيماننا بالجن إيمان إخباري.
هذه حقيقة أولى أيها الإخوة، لكن أنا أن أنصح أي إنسان أراد أن يدعو إلى الله لِيمتنعْ عن طرح الموضوعات الإخبارية لمن كان إيمانه بالله مهزوزاً، ما معك دليل لا حسي، ولا عقلي، معك دليل إخباري، الإيمان بالملائكة، الإيمان بالجن، الإيمان بالحوض، الإيمان بالصراط .
﴿ مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
الله أخبرنا، الإيمان ببداية البشر من آدم وحواء، الإيمان بما بعد الموت، هذه كلها قضايا إخبارية، إلا أن ابن القيم وحده اعتقد وأنا معه في هذا الاعتقاد أن الإيمان باليوم الآخر دليله عقلي، وتفاصيله نقليّة، لأنه لا يُعقَل لكمال الله المُطلق أن يكون في الأرض أقوياء طغاة، وضعفاء مظلومون، وتنتهي الحياة، أغنياء وفقراء، أعمارهم مديدة، وأعمار أناس كُثُر قصيرة، أصحّاء ومرضى، وتنتهي الحياة، هذا مستحيل، لا يتناسب مع كمال الخلق الذي يشير إلى كمال الخالق.
أيها الإخوة، إذاً موضوع الجن بقضّه وقضيضه، بكل تفاصيله موضوعٌ إخباريٌّ، الإيمان به عن طريق الخبر الصادق .
موقف الناس من موضوع الجن :
الآن الناس حيال هذا الموضوع، فريقان: فريقٌ -ومنهم معظم المسلمين الذين لم يطلبوا العلم- أعطى الجن قوى رهيبة، أعطاه علم الغيب، أعطاه إسعاد الإنسان، أعطاه إضلاله، أعطاه قوى خارقة، هذا كله باطل .
وهناك أناس آخرون ماديون أنكروا وجود الجن، والحقيقة وسط بين طرفين، وأنا مضطر في هذه الآيات المتعلقة بالجن أن أوضح بعض الحقائق .
حقائق متعلقة بموضوع الجن :
1 – الجن موجودون حقيقة :
أولاً : الجن موجودون، نحن مؤمنون بكتاب الله .
﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ
2 – منهم الصالحون ومنهم دون ذلك :
الجن ورد ذكرهم في القرآن الكريم في آيات كثيرة، وهم متنوعون، منهم صالحون، ومنهم طالحون
﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً(11) ﴾
هناك جن صالحون مؤمنون، وهناك جن ضالون مُضلِّون، فاسدون مفسدون
﴿ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً(4) ﴾
كانوا يكذبون.
﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً(5) ﴾
منهم من يكذب، ومنهم من يصدّق الكذب، وتصديق الكذب نوع من السذاجة هذا كله قرآن.
في موضوع الجن لا يستطيع واحد منا أن يتكلم برأيه، لأنه موضوع إخباري، ولا نستطيع أيضاً أن نزيد على الإخباريات، ولا أن ننقص منها .
3 – الجن عندهم استعداد للهداية :
الجن عندهم استعداد للهداية
﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ
إذاً: الجن عندهم استعداد للهداية .
﴿ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً(13) ﴾
هذه آية كريمة .
﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ
إذاً: عندهم استعداد للهداية .
4 – لن ينتفع الإنس إطلاقاً إذا لاذوا بالجن :
الآن الحقيقة الخطيرة، وهي أخطر حقيقة في هذا الدرس: لن ينتفع الإنس إطلاقاً إذا لاذوا بالجن
﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً(6)﴾
لا يمكن أن تنتفع من الجن، إلا أن تزداد مرضاً، وقلقاً، وخوفاً، وسقوطاً من عين نفسك، ومن عين الله.
5 – الجن لا يعلمون الغيب :
الدليل الآخر، أو الحقيقة الخطيرة الأخرى أنهم لا يعلمون الغيب، الله عز وجل روى لنا قصة عن سيدنا سليمان، وقد كلّف الجن بأعمال شاقة، ومات هذا النبي الكريم، وما دلّ الجن على موته :
﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ
إخواننا الكرام، الحقائق هذه يمكن أن تركَلَ بها مليون قصة لا أصل لها، الجن لا يعلمون الغيب، بل سيد الخلق وحبيب الحق لا يعلم الغيب، قل لا أعلم الغيب:
﴿ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ
﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) ﴾
سيد الخلق، وحبيب الحق، بل لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، بل :
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(13) ﴾
﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ(44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ(45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ(46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ(47) ﴾
لذلك الجن لا يقدرون أن يفعلوا شيئاً
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ
هذا القرآن، وهذه الحقائق، في ضوء هذه الحقائق يمكن أن تركل بقدمك مليون قصة لا أصل لها، ولا واقع لها، ولا مؤدّى لها .
شيوع الأساطير والخرافات بين المسلمين :
والله لولا أنني أعلم علم اليقين أن مساحات شاسعة من بلاد المسلمين يؤمنون بخرافات، وأساطير، وترّهات، وخزعبلات، ودجل وابتزاز لما ذكرت هذا الموضوع، ومنهم مثقَّفون، ومن يحمل شهادة عليا، والذين يعملون في هذا الحقل يبتزون أموال الناس، وفي حالات كثيرة ينتهكون أعراضهم إن كنَّ نساء، يبتزون أموال الناس، وينتهكون أعراضهم، وأنت حينما تتصور أن جنّيّاً اقترب منك بوسوسة أو بتزيين شهوة، أو بإثارة فتنة، يكفيك أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويحترق الجني .
﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ
انتهى الأمر.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(201) ﴾
معك سلاح فتاك؛ أن تستعيذ بالله، لست محتاجاً لمن يقول لك: أريد ديكاً أسود بالذات، أريد خروفًا بعدة ألوان، وأريد ألف ليرة، وأنا أخرجه لك، يكتب لك كلمات ما لها معنى إطلاقاً، ويتكلم كلاماً ما له معنى إطلاقاً، وإذا كان المستجير امرأة اعتدى على عرضها، هذا واقع كل يوم، وعندي قصص، وموثقة، كفانا خرافات، وكفانا خزعبلات، وكفانا أوهاماً، وكفانا أخطاء، وكفانا عقائد زائغة وباطلة.
الآية الأصل في هذا الموضوع :
أيها الإخوة، لذلك علامة عقلك، وعلامة سلامة عقيدتك، وعلامة حسّك الإيماني الأصيل أن تركل كل هذه القصص، وتلك المحاولات، وهذه الأوهام والأباطيل، والخزعبلات، والكذب، والدجل بقدمك ولا تعبأ بذلك .
﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ
وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ
تكفيك هذه الآية، كن عبداً لله، ولن تستطيع الجن بأكملهم أن ينالوا منك: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾
﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
صار هناك أمراض نفسية، و صار هناك وساوس متسلطة، وصار هناك خوف، وصار هناك قلق، وهلع، وجبن، ابتزاز.
أيها الإخوة الكرام، أما الآية التي نحن بصددها فإن الله عز وجل خلق آدم، وخلق حواء، وهم مُكلّفون أن يعبدوا الله عز وجل، لو أنه خلقهم في الأرض مباشرة لا في جنة الأرض، لو أنه خلقهم كما نحن عليه، سيدنا آدم، والسيدة حواء يفتقران إلى خبرة متعلقة بالشيطان، لذلك كان الدرس البليغ لسيدنا آدم ولحواء، ولذرية آدم من بعده إلى يوم القيامة .
﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ
الشيطان يكرّهك بزوجتك، ويزيّن لك امرأة أجنبية لا تحل لك، لها زوج، ولها أولاد، والقصص في هذا الموضوع لا تعد ولا تحصى، الشيطان يخوّفك أن تنفق مالك .
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(175) ﴾
الشيطان يزيّن لك المعصية
﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16 (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ
دائماً يشكو، بيت، ومركبة، وزوجة، وأولاد، ودخل كبير، يشكو دائماً ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾.
والمؤمن يشكر على قطعة خبزٍ يأكلها قبل أن ينام، يا رب لك الحمد، أدم فضلك علينا، يشكر الله على صحته، على أن آواه في بيت، وكم ممن لا مأوى له، و نحن جميعاً ينبغي أن نشكر الله على نعمة الأمن في بلادنا، لأنكم ترون ماذا يجري حولنا.
لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ
أيها الإخوة الكرام
لما قُصفت أفغانستان في رمضان هذا وحيد القرن سألوه: معقول أن تقصفها في رمضان؟ هذا شهر مقدس، قال: غزوة بدر كانت في رمضان أيضاً، الشيطان داخل في أمور ديننا بشكل دقيق جداً.
يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ
شيء آخر: الله عز وجل لا يحاسب إلا على العمل، اطمئن، مهما جاءتك الخواطر التي لا ترضيك لن تُحاسَب عليها، لا تُحاسَب إلا على عملك فقط، لا على خواطرك .
1 – معركة الحق والباطل أزلية :
أيها الإخوة
لذلك أراد الله عز وجل أن يكون آدم في الجنة يتلقى درساً بليغاً أن معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية .
﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
هذه العداوة التي في الأرض أرادها الله وسمح بها لحكمةٍ بالغةٍ بالغة، لأن الحق لا ينمو إلا بالتحدي، ولأن أهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالبذل والتضحية.
درسين: الدرس الأول: معركة الحق والباطل معركة أزلية أبدية.
2– معركة الحق والباطل أزلية :
الدرس الثاني: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾
الفرق بين جنة الأرض وجنة السماء :
الآن جنة آدم التي في الأرض كانت قبل التكليف، لكن جنة السماء التي وُعِد بها المتقون تكون بعد التكليف، ولا يمكن لإبليس أن يدخلها، ولا يمكن لمن دخلها أن يخرج منها، لذلك الآن هناك تكليف، صار هناك افعل ولا تفعل، وعندك خبرة بإبليس كيف أنه أغرى آدم بمعصية الله فبدت العورة .
أيّة معصية لله من نتائجها عورة مادية وأخلاقية :
هذا قانون، أيّة معصية لله من نتائجها عورة، يعني إذا أكلت مال حرام أنت مُتَّهم عند الناس أنك لص -لا سمح الله ولا قدر- هذه عورة، هناك عوارت مادية، وهناك سوءة، وعورة مغلظة، الفخذ عورة، لكن هناك عورات نفسية، الخيانة عورة، لماذا الخائن يكاد يموت دناءةً ؟ خان أمته لأنه، فالخيانة عورة، الكذب عورة، الغش عورة، أية معصية لله عز وجل ينتج عنها عورة تسوءك أولاً، وحينما عصى آدم ربه بدت عورته.
﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ
إذاً:
سيدنا موسى افتُتن ونجح بالامتحان، طبعاً انضم إلى صاحب الحق مع أنه مضطهد، ولم ينضم إلى القوي، من جماعة فرعون، لذلك لما فُتِن ونجح بالامتحان استحق تكريم الله عز وجل، لكن إذا قلنا: فلان فُتن، وما كملنا، إذا وقفنا عند فُتن يعني فُتن ولم ينجح، وقد قال الله عز وجل:
﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ
يعني بصراحة أب جاهلي قلبه كالصخر متوحش، يأتي بفتاةٍ كالملائكة، جميلة، عفوية، يحفر لها حفرة في الرمل، ويدسّها بالتراب، ويُهيل عليها التراب، هذا قلب متوحش، أما الذي يطلق لابنته العِنان، ترتدي الثياب الضيقة، والشفافة، والفاضحة، والقصير، والطويل، والماكياج، والشعر، وتفتن الشباب في الطرقات، وتدعو الناس إلى الانحراف الأخلاقي قال تعالى:
أيها الإخوة، رحمة الله عز وجل أنه أعطانا الدرس البليغ ثم بعث بنا إلى الدنيا، ثم كلفنا، جاء الدرس قبل التكليف، وحذّرنا من الشيطان، وحذّرنا أيضاً من الخصومات لأنها منفذٌ للشيطان.
والحقيقة الدقيقة أن كل مخالفة لأمر الله تُظهِر عورة الإنسان
حتى لو حدثت إنساناً: أنا فعلت كذا، فلان لحمه من خيري، انكشفت عورتك مننتَ عليه، الاستعلاء، والمن، والإيذاء باللسان عورات كلها .
وصدقوني أيها الإخوة، أن الإنسان أحياناً تنكشف عورته عند الطبيب فيموت خجلاً، لكن حينما يعصي الله عز وجل، ويأتي يوم القيامة، وقد قابل إحسان الله بالإساءة إلى خلقه.
إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب، لَإرسالك بي إلى النار أهون علي مما ألقى، وإنه لا يعلم ما فيها من شدة العذاب.
لذلك العورة عورتان، عورة مادية وهي السَّوءة، وعورة أخلاقية وهي المعصية والإثم.
﴿يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾
الإنسان لا يرى الجن :
يعني المعاصي تُرِي السوءات، ولكن الشياطين نحن لا نراهم، يقول لك دخل، جلس هنا، رأيته، كله خلط، الإنسان لا يرى الجن، والنبي كذلك ما علم أن الجن حضرت مجلسه إلا بعد أن أخبره الله
﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا
حينما يخطئ الإنسان يأتيه الشيطان، وحينما لا ينظف بيته يأتيه الذباب، ويأتيه البعوض، الشيطان يبحث عن معصية ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ﴾
الشيطان يدعوك ، وليس له عليك سلطان :
أيها الإخوة، الشيطان لا يستطيع أن يفعل شيئاً، إلا أن يدعوك، لذلك أنا أضرب هذا المثل كثيراً وهو مناسب لنعيده :
إنسان توجه إلى قسم الشرطة ليشتكي على إنسان، يرتدي ثياباً بيضاء جميلة جداً، نزل في حفرة مياه آسنة سوداء، منظره لا يُحتمل، المحقق قال له: على من تشتكي؟ قال له: على فلان، قال له: دفعك إلى الحفرة ؟ قال له: لا والله حرام، أنا لا أحب أن أظلمه قال له: شهرَ عليك مسدساً، وأمرك أن تنزل إليها؟ قال له: لا والله، أيضاً لم يفعل ذلك، قال له: حملك وأنزلك؟ قال له: لا والله، لمَ تشتكي عليه؟ قال لي: انزل، فنزلت، هذا يحتاج إلى مستشفى مجانين.
﴿وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ﴾
أيها الإخوة، نتابع الآيات في درس قادم إن شاء الله .
والحمد لله رب العالمين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم،
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.