وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 3 - سورة المزمل - تفسير الآيات 6-14
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 نفحات قيام الليل

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا لا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة المؤمنون... مع الدرس الثالث من سورة المزمل ومع الآية السادسة وهي قول الله تعالى:

﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9)﴾

 أيها الأخوة الكرام... الآية الثامنة في هذه السورة هي:

﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ﴾

 و ناشئة الليل: هي الصلاة في الليل، سواء كانت في أول الليل أو في منتصف الليل أو في آخر الليل، وذلك لأن الليل سكن، فأصبح ظرفاً مناسباً للاتصال بالله، فالمشاغل منقطعة والعلاقات ضعيفة، وكل إنسان انصرف إلى بيته، فهذا الذي يذكر الله عز وجل في الليل هو على شوق إلى الله تعالى، كما أن الوقت في الليل مناسب والصفاء موفور..
 فلذلك قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾

 

 أشد وطئاً ؛ أي: أعظم أثراً، ويمكننا أن نفسر هذه الآية مستعينين بالمثل الآتي: إنسان كتب اسمه على الماء بإصبعه، فكم من الزمن يبقى هذا الاسم ؟ أقل من ثانية، ويقولون في المثل: كالكتابة على الماء، و إنسان آخر كتب اسمه بريشة على ورق، فمع الأيام يضعف أثر هذا الحبر، وقد تتمزق الورقة، أما لو حفر اسمه على رخام فقد يبقى هذا الاسم محفوراً آلاف السنين، وعندنا الآن آثار كانت قبل الميلاد بآلاف السنين، وقد ظلت النقوش التي على الحجر كما هي، وأردت من هذه الأمثلة أن أقول: إن الذي ينشأ في صلاة الليل غير الذي ينشأ في صلاة النهار.

﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً ﴾

 وطئاً: وقعاً ؛ أي: هي أعمق أثراً و أعظم ثمرة، و الليل هو الوقت الذي يكون بين من المغرب وحتى الفجر، فمن صلى المغرب و العشاء و الفجر كان كمن حقق جزءاً من هذه الآية، فكأنه صلى قيام الليل لأن هذه الصلوات تكون في الليل، وهذا الوقت وقت راحة فالذي يصلي فيه يؤكد أن طاعة الله واللقاء معه أغلى من الفراش.
 المعرفة الكسبية والإشراقية:
 و يحصل الإنسان في الليل معرفة إشراقية، وهناك معرفة كسبية ومعرفة إشراقية، فنجد الإنسان أحياناً يقول: لمع في فكري وعقلت هذه الحقيقة وتشبثت بها، و ينبغي على الإنسان أن يكون أثناء الصلاة هكذا، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول فيما ورد عنه:

(( ليس للرجل من صلاته إلا ما عقل منها ))

 وحينما قال الله عز وجل:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾

(سورة النساء43)

 فأنت في الصلاة تعلم ما تقرأ، فالذي ينشأ في صلاة الليل غير الذي ينشأ في صلاة النهار.
 و بالمناسبة أقول: يمكن الإنسان أن يصلي، لكن هذه الإشراقات التي تكون في الصلاة ليست بيده وهو لا يملك لها جلباً ولا دفعاً، فهو لا يملكها لأنها بيد الله عز وجل، ويتفضل الله عليك بها من حين لآخر، فيسمح لعباده بها في مناسبات معينة و أسباب معينة، وقد ورد:

(( أن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها ))

 فعرض نفسك لهذه النفحات، باستقامتك على أمر الله، وإقامتك لهذه الصلوات، و لحكمة بالغة بالغة تأتي قد هذه الإشراقات كثيفة مجتمعة أحياناً فلا تعرف تواترها، وقد تأتي قليلة أحياناً أخرى، كما أنها قد تنقطع عنك، وهذا من حكمة الله عز وجل، فإذا كان هناك معصية فإنها لا تأتي، لأن الإنسان يكون محجوباً عن الله عز وجل، و إذا كان هناك مخافات و تقصيرات في حقوق العباد فإنها تخفت أيضاً، فهي متعلقة بك، و قد لا تأتي هذه النفحات إطلاقاً لأن الله سبحانه وتعالى لا يتجلى على عبد ظالم لنفسه واقع في المعاصي والآثام، تارك لما عليه من حقوق، فإذا كان هناك تقصيرات ومعاصٍ خفتت هذه التجليات و النفحات الإلهية، أما إذا كان هناك استقامة والتزام فإن النفس تتهيأ للتعرض لها، و هذه النفحات قد تأتي وقد لا تأتي، فعليك أن تكون مطيعاً لله مؤدياً الذي عليك، ثم اطلب من الله الذي لك ؛ أدِّ الذي عليك من الصلوات، ودع الله عز وجل بحكمته يتجلى عليك ببعض النفحات من حين لآخر، و قد تكون أحياناً قليلة وقد تكون كثيفة متفاربة، وهذا تابع لحكمة الله عز وجل، فإذا كنت مستقيماً ملتزماً مؤدياً لما عليك أذاقك الله بعضاً من هذه النفحات.
 يقول بعض العرفين بالله:" في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة "، ويؤكد هذا قول الله سبحانه وتعالى:

﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾

( سورة محمد6)

 لقد عرفوها في الدنيا فذاقوا طعمها، والجنة في الحقيقة هي القرب من الله عز وجل في الدنيا والآخرة، فالذي يقترب من الله يذوق طعم قربه، ولا شك أن كل مؤمن صادق تأتيه هذه النفحات من حين لآخر، وقد سمّاها الله عز وجل في قرآنه:

﴿أَيَّامَ اللَّهِ ﴾

 فقد يكون للإنسان مع الله أحياناً حال نفسي عال، من ابتهالات و مناجاة، وتأتي النفحات من خلال هذه الحال.

 

﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾

 ماذا نستفيد من هذه الآية ؟
 إن الإنسان إذا أراد أن يصلي كان عليه أن يكون متفرغاً للصلاة، فلو جاءته رسالة ولم يفتحها، فالأَولى له أن يقرأها ثم يصلي، لأنه قد ينشغل بها أثناء الصلاة، و إذا كان جائعاً وأمامه طعام تتوق إليه نفسه فينبغي عليه أن يأكل ثم يصلي، و إذا كان عنده مشكلة لا يدري ماذا سيكون من أمرها فعليه أن يبحث عن أمرها ثم يصلي، فالعبرة أن تصلي وأنت متفرغ للصلاة، لا أن تكون منشغل الفكر في الصلاة، و نرجو الله سبحانه وتعالى أن نذوق من الصلاة التي أرادها الله عز وجل الشيءَ الكثير، و الصلاة عماد الدين، فمن أقامها أقام الدين ومن تركها هدم الدين، و لا خير في دين لا صلاة فيه، و هي الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال، و هي الشحنة اليومية التي تستمد منها قوة وعزيمة وسعادة وأمناً وتوازناً، لذلك كان بين المصلي وغير المصلي بون شاسع كبير، لأن الذي لا يصلي منقطع عن الله فتراه في تيه و قلق و حيرة و ضياع، لأن هدفه غير واضح، و نفسه غير متوازنة، أما المتصل بالله عز وجل فهو إنسان أخر، لذلك يمكنك أن تقسم الناس الناس على اختلاف أنواعهم ومشاربهم وأجناسهم وأعراقهم وألوانهم وثقافتهم إلى رجلين، رجل موصول منضبط بمنهج الله محسن لخلق الله فهو سعيد في الدنيا والآخرة، و رجل مقطوع متفلت من منهج الله مسيء لخلق الله فهو شقي في الدنيا والآخرة، فالعبرة أن تصلي الصلاة التي أراد الله عز وجل، و أنا لا أكلفك أن يكون في كل صلواتك نفحات، ولكن الذي تملك هو أن تستقيم قبل الصلاة، لتعرض نفسك لتلك النفحات بشكل دقيق، فإما أن الله سبحانه وتعالى يتفضل عليك عندئذ بتلك النفحات، أو يؤخرها عنك لحكمة بالغة، فأنت عبد الفتاح وليس عبد الفتح كما يقولون.

(( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني في ما تملك ولا أملك ))

 وإذا إذا صلى الإنسان الصلاة في وقتها وأسبغ الوضوء وأتقن الركوع والسجود ووقف خاشعاً أو متخشعاً فقد حقق المراد من الصلاة، أما الفتوحات والنفحات والتجليات فهذه يهبها بحكمة بالغة لمن يشاء من عباده.
 وناشئة الليل: صلاة الليل، فيمكن للإنسان أن يصلي العشاء في جماعة والفجر في جماعة فيكون كأنما صلى الليل، كما يمكن له أن يصلي قبل أن ينام، ويمكن أن يصلي قبل الفجر، وهذا كله من قيام الليل، ففي قيام الليل لك أن تصلي ركعتين أو أربع أو ثمان، وهكذا...

 

﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾

 أقوم قيلاً..
 إن صحّ وجاءتك النفحات في صلاة الليل فأنت ملكت شيئاً مؤثراً تقوله للناس في النهار..

لا يعرف الشوق إلا من يكابده  ولا الصبابة إلا من يعانيها

 إن ألفاظ القرآن تؤخذ من حفاظه، كما أن معانيه تؤخذ ممن يعانيه، فإذا تلوت القرآن في الصلاة وعاينت ما في هذه الآيات من معان نبيلة و حكم و مواعظ وحقائق وأوامر ونواه و توجيهات، وحلال وحرام، وجاءتك بعض النفحات الإلهية وأنت تصلي، فعندئذ تملك شيئاً لتقوله، من كلام سديد مقنع مؤثر.
 فالصلاة التي تقيمها في ناشئة الليل و أوقات الليل المتتابعة هي أشد تأثيراً في النفس وأقوم قيلاً إذا تكلمت، فقد يتكلم الإنسان أحياناً من ورقة أو من شيء قرأه أو سمعه، لكن الإنسان الذي يصلي صلاة حقيقية إذا تكلم عن الله عز وجل تكلم مما عرف عنه بصدق وإخلاص وقوة تأثير..

 

﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾

 

 وقد يسأل سائل.. كيف لي أن أؤثر في الناس ؟ إنك إذا تكلمت عن شيء تعيشه أو تعانيه فإنك تتكلم من قلب حي، فأنت لك مع الله تجربة رائعة، فيها معاناة و مواقف وصلة، فإذا أردت الكلام تكلمت كلاماً مؤثراً، والشيء الذي يحير أن هناك أناس يحصلون ثقافات عالية جداً، ومع ذلك لا يؤثرون في الذين يكلمونهم إذا تكلموا، لكن الإنسان المتصل بالله عز وجل قوي، وقد يؤثر في الناس أضعاف تأثير الإنسان الذي حصل شهادات عالية، وقد مرّ من قبل أن حال امرئ صادق في ألف رجل و هي أقوى من ألف لسان، ولو كان هناك ألف رجل بلا معاناة ولا صدق ولا إخلاص فإنهم لا يفلحون في التأثير في رجل واحد، وإذا كان هناك واحد يصلي الليل، ويتصل بالله عز وجل ويستقيم على أمره، و جاءته النفحات فإنه بإمكانه أن يؤثر في ألف رجل، فألف قول في رجل لا تساوي حالاً في ألف رجل.

﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾

 والإنسان حينما يتصل بالله ويكون على معرفة به يتناسب كلامه مع إخلاصه وطلبه، فإذا تكلم عن شيء كان له منطق و قوة بيان و حجة، وأجمل ما في الحياة أن تعرف الله وأن تعرّف الناس بالله،وأن يكون لسانك رطباً بذكر الله، و أن تكون جندياً للحق، وأن تدعو إلى الله، وأن تكون سبباً في هداية الخلق، وأن تكون في قلب كل إنسان، ألم يقل عز وجل:

﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾

(سورة النحل 120)

 اسأل نفسك هذا السؤال، في قلب كم إنسان توجد، هناك من الناس من ليس له هم إلا نفسه وبيته، وهناك إنسان همه الخلق، فهل لديك رغبة جامحة أن تحدث تأثيراً في الآخرين لتنقلهم من حال إلى حال، ومن جانب إلى جانب، ومن طريق إلى طريق، ومن اهتمام إلى اهتمام، من انشغال إلى إقبال، ومن ضياع إلى وجدان، إن هذا الذي يريد ذلك يمكنه الله عز وجل مما يريد ويعطيه الوسائل، ويعينه على مهمته، فالإنسان ضعيف بنفسه قوي بالله، والإنسان لا حكمة له لكنه حكيم في الله،و ليس عنده قوة تأثير لكنه حينما يخلص يمنحه الله قوة تأثير، و كل هذا الكلام يحوم حول معنىً واحد، وهو أنك إذا اتصلت بالله شُحنت، فإذا شحنت أفرغت هذه الشحنة في الخلق، فيتألقون ويستقيمون ويهتدون ويسعدون، فشتان بين من يدعو إلى الله ومن يدعو إلى النار، إن الذين يدعون الناس إلى الفجور والمعصية والانغماس في الدنيا هم دعاة إلى النار.
 معاني الآية:

﴿إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً﴾

 1- المعنى الأول:
 إن الحركة وكسب المال وحل مشكلات الحياة وشراء المنزل وترتيبه وتأسيس عمل إنما يكون في النهار " إن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل " فإذا احتجّ الإنسان بكونه مقدماً على أعمال أو زواج أو دراسة طويلة قلنا له إن النهار يكفي لهذا كله، فحركة الإنسان في النهار واسعة جداً، و النهار لشؤون الدنيا.. فادرس وتاجر وأسس وحصّل رزقك في النهار، لأن الليل لله والنهار لك، و هذا المعنى الأول.
 2- المعنى الثاني:
 إذا قمت الليل ولم تنم النوم الكافي نقول لك: إن لك في النهار مجالاً للنوم، فقد يأخذ الإنسان أحياناً قيلولة ليستعين بها على قيام الليل.

(( استعينوا على القيام بالقيلولة وعلى الصيام بالسحور ))

 فمن الممكن أن يعوض لك النهار شيئاً من التعب، ومن الممكن أن تحل فيه مشاكلك الدنيوية.
 3- المعنى الثالث:
 يمكنك أن تعوض الذي يفوتك من صلاة الليل في النهار، فإذا فات الإنسان أن يصلي الليل فمن الممكن أن يصلي الضحى أو صلاة الأوابين أو أن يجلس بين المغرب والعشاء يذكر الله عز وجل، فمن الممكن أن تعوض ما فاتك من الليل في النهار، ويمكن أن يكون النهار معواناً لك على قيام الليل، ومن الممكن أن تتحرك في النهار حركة للحياة الدنيا.
 4- والمعنى الرابع:
 وهو معنى دقيق جداً يقول: إن النفحات التي حصلتها في الليل من اتصال بالله ومعرفة به واستغراق في شهود جماله يمكن أن تكون موضوعاً لحركتك في النهار، فمن ممكن أن تقول للناس وافعلوا ولا تفعلوا، فإذا حدث معك شيء في الليل فإنك تتكلم به في النهار، فالذي حصلته في الليل تنشره في النهار، و هذا المعنى الرابع.
 إذاً، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً (7)﴾

 والآن تطورت حياتنا فصار ليل الناس نهاراً ونهار الناس ليلاً عن طريق الوسائل الحديثة التي قلبت الموازين، فإذا فات الإنسان النوم باكراً صلى الفجر متعباً، ويكون قد فاته أجمل ما في النهار، قال عليه الصلاة والسلام:

 

 

(( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ))

 

(مسند أحمد7412)

 فأجمل ما في الحياة هو ساعات الفجر وما قبل الفجر وما بعد الفجر، وهذا يحتاج إلى نوم مبكر، فالذي ينام مبكراً يستمتع بهذه الساعات، فالإنسان الذي يسافر قد يحتاج بحكم السفر أحياناً إلى أن ينام في الساعة التاسعة ويستيقظ الساعة السادسة بأعلى درجات النشاط، فالتصميم الإلهي هو أن تنام باكراً وأن تستيقظ باكراً لكي تتصل بالله.

 

﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8)﴾

 

 لاشك أن ذكر اسم الله عز وجل ليس المقصود منه أن تقول (الله) بقلب غافل، فهذا لا يرضي الله عز وجل ولا يحقق ثمرة من ثمار الذكر، وقال العلماء: الذكر هو أن تذكر الله بلسانك على أن يكون قلبك خاشعاً ؛ أي: ذكر اللسان مع حضور القلب.
 معاني البسملة:
 1- المعنى الأول: وهو الأوسع:
 إنك إن أردت أن تشرب فاذكر اسم ربك واذكر هذه النعمة، ثم اذكر كيف شرب النبي، و إن أردت أن تأكل فاذكر اسم ربك و قل: إني آكل هذا الطعام باسم الله، وذلك لأن الله خلقه وجعله مناسباً لجسمي ومكنني من شرائه وجعله سائغ المذاق سهل الهضم، ولولا ذلك لما أكلته، فقل: (بسم الله الرحمن الرحيم)، وأجمل ما في البسملة أنها تعرفك بالله وبمنهج الله معاً، فهذا الكأس الذي أشربه أقول عليه بسم الله الرحمن الرحيم، وهذا ماء جعله الله عذباً فراتاً وقد كان ملحاً أجاجاً، فأنا أشربه بسم الله، لأن انتقاله من حالة الملوحة إلى حالة العذوبة ليس بيدي ولا بيد الناس، بل هو من فعل الله عز وجل، فبسم الله صار هذا الماء عذباً فراتاً بعد أن كان ملحاً أجاجاً.
 إن الفلاح يضع البذرة في الأرض فينبتها الله جلّ جلاله، فالبذرة صغيرة تنبت شجرة تعطيك ثمار وفواكه، وهذه البذرة نبتت باسم الله ؛ أي: بفعل الله وعلمه وقدرته وإرادته، وهذا معنى بسم الله، فإذا أردت أن تستعمل أي شيء أمامك فاذكر اسم الله عليه، فإن كان مأكولاً وأردت أن تأكله فاذكر اسم الله، وإن كان مشروباً و أردت أن تشربه فاذكر، وإن كان ذا منظر جميل و أردت أن تستمتع بها فقل بسم الله الرحمن الرحيم، فمن جعل هذه الوردة الجميلة برائحتها ولونها؟ من صممها ؟ إنه الله جلّ جلاله، فمن معاني البسملة أن تذكر نعمة الله عليك، لأن هذا الذي حصل ليس بقدرتك بل بقدرة الله، فتحول الماء من ملح أجاج إلى عذب فرات ليس بعلمنا وليس بقدرتنا بل بعلم الله وقدرته ولطفه، فكل شيء لله عز وجل.
 2 - المعنى الثاني:
 كيف شرب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ لقد شرب على ثلاث دفعات، وهذه السنة، فالبسملة تذكرك بنعمة الله ومنهج الله، هذا معنى آخر.
 واذكر اسم ربك: على كل شيء، فإن خرجت من البيت فاذكر اسم الله عز وجل وقل: اللهم إني أعوذ بك من أن أضِلّ أو أضَلّ، أو أذِل أو أذَل أو أجهل أو يجهل عليّ، وإن دخلت بيتك فاذكر اسم الله... وإن ذهبت إلى عملك.. وإن سافرت...وإن لبست جديداً.. وإن جلست إلى الطعام..وإن أردت أن تؤدي عملاً عظيماً.. أو أن تفعل أي شيء فاذكر اسم ربك، فتذكر نعمة الله وتذكر منهج الله، والذكر يكون باللسان وبالقلب معاً ؛أي: باللسان مع القلب الحاضر، وهذا هو الذكر المقبول.

﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ﴾

 ما التبتيل ؟
 التبتيل هو الانقطاع، فلا بد‍ّ من أن تقتطع من وقتك وقتاً لمعرفة الله و الاتصال به، و الذي لا يجد في حياته وقتاً لمعرفة الله وحفظ القرآن و تعليمه، ولا يجد وقتاً للعمل الصالح والأمر بالمعروف، هو الإنسان ميت لكن بصورة حي، فلا بدّ من التبتل و الانقطاع، ولا بدّ من أن تقتطع من وقتك وقتاً لمعرفة الله، قال تعالى:

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً﴾

(سورة الفرقان63)

 ومعنى يمشون هوناً ؛ أي: يقتطعون من وقتهم وقتاً لطاعة وحضور مجلس علم والدعوة إلى الله، ومطالعة كتاب علمي ثمين جداً، وقراءة القرآن، فالإنسان له حاجات يومية من أكل وشرب ونوم وترتيب بيت وتحقيق رزق، وهذه نشاطات يفعلها كل الناس، أما المؤمن فيتميز بأنه يأخذ وقتاً لمعرفة الله و طاعته وتعريف الناس به، ويبذل وقتاً سخياً في سبيل هذا.
 وقد ذكرت شيئاً عن أهمية التبتل قبل أسبوعين في درس الأحد، الذي كان بعنوان (الخلوة)، فلا بدّ من أن تخلو مع الله ولو لوقت قصير كل يوم، و هذه الخلوة تتصل بها بالله فتذكره، و تذكر أين كنت وإلى أين المصير ؟ ولماذا ؟
 من هذا الذي تتبتل إليه ؟ إنه خالق السماوات والأرض و الأكوان، وقد ورد في أحدث التقديرات أن في الكون مليون مليون مجرة، وفي المجرة مليون مليون نجم، والمجرة التي نحن فيها متواضعة جداً، واسمها درب التبانة، وعلى هذه المجرة التي على شكل مغزل (عضلة) نقطةٌ هي المجموعة الشمسية بأكملها، و إذا أرادوا أن يرسلوا مركبة إلى المشتري فإنها تحتاج إلى سبع سنوات من أجل أن تصل إليه، وهي تنطلق بأعلى سرعة بلغها الإنسان: أربعين ألف ميل في الساعة ؛ يعني ستين ألف كيلو متر، مع أن أسرع طائرة تسعمائة كيلو متر في الساعة، لنكون بذلك قد قطعنا من الأرض إلى المشتري ضمن النقطة التي على درب التبانة !! فالذي أمرت أن تتبتل إليه هو خالق السماوات والأرض.
 رب المشرق والمغرب...

﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً﴾

 إنه رب هذا الكون.. و الإنسان أحياناً قد يعجب ممن عرف الله ثم لا يحبه، أو لمن عرف ما عنده ثم زهد فيما عنده، أو لمن عرف ما ينتظره إذا عصاه ثم يتورط في معصيته..

﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾

 أي: لا يوجد غيره ؛ فلا توجد حقيقة أخرى غير هذا الإله العظيم، و لا يوجد منهج آخر إلا منهج هذا الإله العظيم، و لا توجد جهة مسعدة إلا هذا الإله العظيم، فهذا هو الذي أمرت أن تذكره وتتبتل إليه، إنه خالق الأرض والسماوات، وبالتعبير المختصر نقول: لا يوجد إلا الله، والله كبير، فالمؤمن الصادق لا يرى مع الله شيء ؛ فلا يرى معه معطياً ولا مانعاً ولا معزاً ولا مذلاً ولا مسعداً، فهو الحقيقة الوحيدة في الكون، و هو الجهة المسعدة، لذلك كان ذلك الذي أمرت أن تذكره وأن تتبتل إليه تبتيلاً هو رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو.
 إن كل الأشخاص الذين تراهم عينك والذين تتوهم أنهم أقوياء هم في قبضة الله، قال تعالى:

 

﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾

(سورة طه46)

 

﴿ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾

 أنت مدعو إلى الخالق ؛ خالق الأكوان، و ملك الملوك القدير العزيز الغني الكريم.. الرحيم...
 الوكيل:

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ﴾

 ألا ترضى أن يكون الله وكيلك ؟؟ إن كان الله وكيلك فأنت أقوى الناس، و إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، فليس هناك أسعد من إنسان سلّم أمره إلى الله و حرص على طاعة الله وسلّم أمره لله، إنه يكون بذلك أقوى الناس.

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ﴾

 لا تعلّق الآمال بأشخاص في الأرض لأنهم ضعفاء مثلك، وقد يكونون أقل وفاءً لك مما تظن، بل علّق الآمال بالله عز وجل، واجعل الله عز وجل محط الرحال ونهاية الآمال.

﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً(9)﴾

 أيها الأخ الكريم... إنك أقوى إنسان إن اتخذت الله وكيلاً، و أسعد إنسان إن اتصلت بالله، وأعظم إنسان إذا عملت لله، و لا يليق بك أن تعمل لغير الله، ولا أن تكون محسوباً على غير الله، ولا أن تكون مجيراً لغير الله، فأنت المخلوق الأول.
 الصبر على الجاهلين:

 

﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10)﴾

 

 إن الجهّال كثيرون والمنحرفون أكثر، ولا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، فاصبر على هؤلاء، والصبر من صفات المؤمن، فاصبر عليهم وتمنى هدايتهم، واشكر الله عز وجل على أن نجّاك من هؤلاء ولم تكن مثلهم، ففي هذا الوقت قد يكون هناك أناس كثيرون في الملاهي والنوادي الليلية، يرتكبون الموبقات ويتوهمون أنهم سعداء وهم في الوحول.

﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾

 وهناك أناس كثيرون لا يعرفون الله، فهم لا يعرفون إلا المادة والدرهم والدينار، لقد كان هناك مسلم في أمريكا جالس في حديقة عامة، فجلس إلى جانبه إنسان من تلك البلاد فسأله عن دينه فقال له: أنا مسلم، فقال له: حدثني عن الإسلام، فحدثه ساعة وقد كان العلماء الكبار، ثم قال له: ما رأيك، فأخرج من جيبه دولاراً وقال: هذا إلهي الذي أعبده من دون إلهك.
 فهناك أناس جهّال، قد يكون الدرهم والدينار إلههم، وقد تكون المرأة إلههم، فالذي كرمه الله عز وجل بمعرفته، وأكرمه بعقيدة صحيحة ومنهج منضبط، فسلك مسلكاً قويماً كان هذا بالنسبة له نعمة لا تعدلها نعمة.

﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (11)﴾

 تهديد....
 إن هؤلاء المعاندين هم الأعداء الألداء العصاة المكذبون الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم.. فهؤلاء.. دعهم يا محمد لي، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً (12) وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً (13)﴾

 

 إن أخطر كلمة في القرآن الكريم هي قوله تعالى:

﴿وَذَرْنِي﴾

 أي: دعه لي يا محمد، فأنا أربيه.. أنا أداويه.. أنا أحمله على التوبة بطريقة صعبة جداً، قال تعالى:

﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾

(سورة البقرة286)

 

 هناك أمراض تشيع بين الناس كل مرض فيها (يُنسي الإنسان حليب أمه)، فهناك آلام لا تحتمل، وهناك أمراض عضالة و مشكلات..
 ( وذرني ): هي كلمة تهديد من أعلى درجة.. دعه لي..
 فإن دعيت إلى الحق فاستجب، قال تعالى:

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾

(سورة الأنفال 24)

 إذا دعيت فاستجب وإلا انطبق على هذا الإنسان قوله تعالى:

﴿وَذَرْنِي﴾

 أي: دعه لي، فإذا دعيت إلى طاعة الله و الاستقامة على أمره وأنت في صحة وعافية ونشاط وبحبوحة فاستقم و استجب و آمن و صلِّ و طبق أمر الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾

(سورة القصص50)

 

 عندئذ ينطبق عليهم قوله تعالى:

﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾

 قال تعالى:

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾

(سورة البقرة126)

 وقال تعالى:

﴿يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)﴾

(سورة الحاقة27-33)

﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً (12) وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً (13)﴾

﴿ إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً ﴾

 أي: قيوداً تنكل بالإنسان.

﴿وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ ﴾

 أي: لا يستساغ..

﴿وَعَذَاباً أَلِيماً﴾

﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً ﴾

 هذا اليوم يوم الدين، يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم الحق و الدينونة، يوم الجزاء، يوم إنصاف المظلومين، يوم البطش للظالمين، يوم إحقاق الحق، يوم الحسم، قال تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

(سورة الحج 17)

 يوم ينتهي فيه الكذب الدجل، و إن اسم الله الحق لا يتحقق كاملاً إلا يوم القيامة، قال تعالى:

﴿ إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾

(سورة يونس4)

 محور الدرس:
 أيها الأخوة الكرام... إن محور هذا الدرس هو أن صلاة الليل أعمق أثراً في النفس، وأن ضوء النهار مجال واسع للعمل الصالح وكسب الرزق، وأنك يجب أن تنقطع لله سبحانه وتعالى، فهو أهل أن تنقطع لعبادته والتفكر في خلقه، لأنه خالق الأكوان الواحد الديان، فهو الحق وحده ولا حق سواه، فإذا اتخذته وكيلاً فأنت أقوى الناس، أما الذين ينتمون إلى الطرف الآخر فهم الجاهلون الضالون الشاردون فاصبر عليهم وادع لهم بالهدى: " اللهم اهد قومي إنهم لا يعلمون "، أما هؤلاء المعاندون المكذبون الضالون المضلون الفاسدون، فينطبق عليهم قوله تعالى:

﴿ وَذَرْنِي﴾

 أي: دعهم لي يا محمد.

 

﴿ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً﴾

 

 ليست نِعمة ولكن نَعمة ؛ أي: نقمة، وهذا اسمه الاستدراج، فإن رأيت الله يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره.

﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً (12) وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً (14)﴾

 يعني كالعهن المنفوش، وفي درس قادم نتابع تفسير هذه الآيات:

﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً (16)﴾

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور