وضع داكن
28-03-2024
Logo
رسالة التجديد - الحلقة : 5 - طبيعة النفس البشرية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أيها الإخوة:
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً ومرحباً بكم إلى هذا اللقاء الإيماني رسالة التجديد وبداءةً يسرني أن أبدأ هذه الحلقة والتحدث مع الضيف الكبير لحين وصول مؤدي و مقدم البرنامج فضيلة الشيخ الدكتور محمد الحبش مدير مركز الدراسات الإسلامية بدمشق.
 أيها الإخوة الكرام:
 إذا نظرنا إلى الإنسان وتأملنا حاله وأفعاله وأقواله وأجرينا مقارنة بينه وبين مخلوقات الله الأخرى رأينا أن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان وميزه عن سائر مخلوقاته وذلك عندما نفخ فيه من روحه سبحانه وتعالى وكذلك أمره للملائكة بالسجود لآدم عليه السلام وكذلك إيداعه فيه المعارف والعلوم وإذا اتجهنا إلى أفعال الإنسان وأقواله نراه قد اختط لنفسه أسلوباً تميز بين اتباع الهوى واتباع العقل، والهواتف الإلهية في القرآن الكريم كثيرة وكلها للإنسان عامة ولمن ضل واستكبر بشكل خاص ومن هذه الهواتف قوله سبحانه وتعالى:

﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)﴾

[ سورة الطارق: الآية 5]

 وكذلك قوله:

 

﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾

 

[ سورة الذاريات: الآية 21]

 وتبقى النفس التي بين جنبي الإنسان فإذا علمنا الماديات التي خلق منها الإنسان إلى جانب التكريم الإلهي لهذه المخلوقات تبقى النفس التي جبلت عليها هذه الشخصية أو هذا المخلوق.
 عن طبيعة النفس البشرية يسعدنا أن نلتقي ضيفنا الكبير فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق وخطيب جامع النابلسي والمدرس الديني في مساجد دمشق.
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً بكم دكتور، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
 دكتور إن الله سبحانه وتعالى كرم آدم وحمله في البر والبحر ورزقه من الطيبات وقال سبحانه وتعالى:

 

﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)﴾

 

[ سورة الإسراء: الآية 70]

 مع هذا التكريم الإلهي وهذا التفضيل نجد القرآن الكريم أيضاً يخبرنا أن الإنسان خلق هلوعا وخلق جزوعا وقال سبحانه وتعالى:

 

﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾

 

[ سورة الأنبياء: الآية 37]

 أيضاً:

 

﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً (11)﴾

 

[ سورة الإسراء: الآية 11]

 قال تعالى:

 

﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72)﴾

 

[ سورة الأحزاب: الآية 72]

 ولعل هذه الصفة تكون من رحمة الله سبحانه وتعالى بخلقه وعباده كيف تقرأ هذه الصفات مع التكريم والتفضيل للإنسان من الله سبحانه وتعالى ؟
 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 أستاذ زهير جزاكم الله خيراً الإنسان هو المخلوق الأول رتبةً، هو المخلوق الأول رتبةً قال تعالى:

 

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾

 

[ سورة الأحزاب: الآية 72]

 والإنسان هو المخلوق المكرم كما تفضلتم في قوله تعالى:

 

﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)﴾

 

[ سورة الإسراء: الآية 70]

 والإنسان هو المخلوق المكلف لقوله تعالى:

 

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

 

[ سورة الذاريات: الآية 56]

 والعبادة طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية.
 لكن الشيء الذي يلفت النظر أن كل الحضارة المادية تتجه إلى الجسد كي تريحه وكي تعطيه ما يشتهي بينما الأديان اتجهت فضلاً إلى الجسد اتجهت إلى النفس فالإنسان نفس وروح وجسد فالنفس هي ذات الإنسان هي التي تؤمن هي التي لا تؤمن، هي التي ترقى هي التي تسقط هي التي تصدق هي التي تكذب هي التي تخلص هي التي تخون إنها ذات الإنسان هذه لا تموت لكنها تذوق الموت، قال تعالى:

 

﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 185]

 خلقت ولن تموت، قال تعالى:

 

﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)﴾

 

[ سورة الزخرف: الآية 77]

 إما في جنة يدوم نعيمها أو في نار لا ينفذ عذابها هذه النفس هي الإنسان له وعاء هو جسمه هذا الجسم كالثوب عند الموت يتركه في الأرض ويعرج إلى السماء إن كان مؤمناً طبعاً أما الروح هي القوة المحركة لكن قد يغيب عن معظم الناس أن لهذه النفس خصائص كثيرة جداً يعني مثلاً جبلت النفوس على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها النفس الإنسانية تحب الكمال وتحب الجمال وتحب النوال، النفس الإنسانية كما وصفها الله عز وجل:

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)﴾

 

[ سورة المعارج: الآية: 19]

 هذا في أصل خلقه هذا ضعف في أصل خلقه لن يحاسب عليه، لكن لحكمة بالغة بالغة ما معنى هلوع ؟

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)﴾

 

[ سورة المعارج: الآية: 19]

﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20)﴾

[ سورة المعارج: الآية 20]

 شديد الجزع

 

﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)﴾

 

[ سورة المعارج: الآية 21]

 الإنسان حيثما وردت في القرآن الكريم معرفة بأل تعني الإنسان قبل أن يعرف الله، الإنسان قبل أن يتعرف على الذات الكاملة هو هلوع هذا في أصل خلقه هذا في جبلته هذا في أصل تكوينه هذا في برمجته إن صح التعريف، هذا في توليفه إن الإنسان خلق هلوعا يعني يسقط أمام شبح مصيبة ينهار أمام شبح مرض خطير هذا أصل الإنسان لكن الله سبحانه وتعالى يقول إلا المصلين.
 أنت حينما تتصل بخالق الأرض والسماوات تستمد من قوته وتستمد من رحمته وتستمد من عنايته فالمؤمن حينما يتعرف على الله يشعر بقوة ما بعدها قوة يشعر بأمل ما بعده أمل يشعر بتفاؤل ما بعده تفاؤل، فإن الإنسان خلق هلوعا.
 بالمناسبة لحكمة بالغة بالغة ثبت الله في الكون ملايين ملايين القوانين ثابتة ثباتاً مطلقاً مطردة إطراداً تاماً يعني المعادن تتمدد بالحرارة في أي مكان في الشرق وفي الغرب في دول غنية وفي دول فقيرة رغم اختلاف درجات الحرارة.
 أبداً المعادن تتمدد هذا قانون، الله عز وجل ثبت خصائص المعادن ثبت خصائص أشباه المعادن ثبت خصائص البذور ثبت دورة الكواكب يمكن أن تتنبأ قبل مئة عام أن الشمس تشرق يوم 23شباط الساعة الخامسة وأربع دقائق كله ثبته كي يستقر النظام كي يرتاح الإنسان.
 أنت تبني بناء شاهقاً من حديد لو أن الحديد غير من خصائصه لانهار البناء أنت تشتري سبيكة ذهب تدفع ثمنها خمسمئة ألف حينما يغير الذهب خصائصه تخسر هذا المبلغ فالمعادن لها خصائص ثابتة أشباه المعادن لها خصائص ثابتة البذور لها خصائص ثابتة دورة الأفلاك لها خصائص ثابتة ثبت كل شيء لكنه حرك الصحة وحرك الرزق كي يربينا بهما، الإنسان حينما يشرد عن الله حينما يفعل شيئاً سوف يشقيه إلى أبد الآبدين يتدخل الله عز وجل، يتدخل تدخلاً إيجابياً يسوق له شبح مصيبة فلعله ينتبه إلى خطأه فيتوب لأن الله أرحم بنا من أنفسنا.
 مرّ النبي عليه الصلاة والسلام بامرأة تقبل ابنها وهي تخبز على التنور كلما وضعت رغيفاً بالتنور قبلت ابنها فصار في سؤال قال النبي عليه الصلاة والسلام أتلقي هذه المرأة بولدها إلى النار ؟ قالوا معاذ الله، قال والذي نفس محمد بيده الله أرحم بعبده من هذه بولدها.
 رحمة الأم أثر من رحمة الله فالله عز وجل حرك هذه الأشياء الرزق حركه والصحة حركها بهما يربينا جل جلاله وأنا أؤكد لكم أن الملايين المملينة ممن آمنوا بربهم وعرفوه واستقاموا على أمره كان إيمانهم وكانت توبتهم على أثر شبح مصيبة ساقها الله لهم فكانت سبباً لأنهم طرقوا باب العبودية لله عز وجل.
 فالإنسان هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً، يعني لو أنه قرأ في تقرير طبي علائم مرض خبيث لا ينام الليل تنهار كل قواه، سمعت أن طبيباً أنبأ مريضه المصاب بورم خبيث أنك تعيش أربعة أشهر فقط فهيء نفسك لهذا المصير وودع وأوصي... مات في اليوم التالي قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)﴾

 

[ سورة المعارج: الآية: 19]

 يعني بالمقابل أستاذ راتب أيضاً سمعت من طبيب في رمضان قال قبل أعوام زارني أحد المرضى وقد أجريت له دراسة وأنبأه الأطباء أن المرض الخبيث منتشر في جسمه وهو يعد أيامه، فنصحته ورحمة ربك أوسع من كل شيء فنصحته أن هذا الموسم موسم حج اكسب هذه الأيام الباقية كما قال الأطباء واذهب وأدِ هذه الفريضة وتوجه إلى الله بقلب صاف وتضرع إليه كي يكتب لك الشفاء إن شاء الله، هذا الكلام كان قبل تسع سنوات الآن الرجل مازال على قيد الحياة.
 طبعاً ما عند الله ليس مع العبد.
 وبضدها تتميز الأشياء.

 

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 186]

 قال تعالى:

 

﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)﴾

 

[ سورة الشعراء: الآية 80]

 هذه صورة الإنسان الجزوع وهذه صورة الإنسان الذي توجه إلى الله بقلب سليم.
 يعني لأن الإنسان جزوع يتوب على الله لأن الإنسان جزوع يقف على باب الله لأن الإنسان جزوع يعاهد الله لأن الإنسان جزوع يكف عن الأعمال السيئة يسوق له الله مصيبةً قال تعالى:

 

﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)﴾

 

[ سورة السجدة: الآية 21]

 يد الله الكريمة اللطيفة الرحيمة تتدخل فتردع الإنسان عن أعماله السيئة فهذا الجذع في أصل خلق الإنسان سبب توبته، هذا القلق الشديد في أصل خلق الإنسان سبب إنابته الأشخاص الشديد من مرض عضال أو من فقر مدقع أو من إنسان يقهر هو سبب توبته لذلك تجد في المجتمعات التي ضاقت بها سبل الحياة هناك دافع كبير على الله وفي المجتمعات التي أترفت هذا الترف الشديد حجاب بينها وبين الله هذا الواقع، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)﴾

 

[ سورة المعارج: الآية 19-21]

 المال غالي عليه، قال تعالى:

 

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 14]

 فالمال ثمين جداً لولا أنه ثمين لما ارتقى الإنسان بإنفاقه لأنه ثمين يرتقي بإنفاقه، المال شقيق الروح لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا ))

 

[ البخاري، مسلم، ابن ماجة، أحمد ]

 فالإنفاق يرقى بالإنسان ولولا أن المال ثمين لما ارتقى عند الله.
 بل إن طبيعة التكليف تتناقض مع أصول أو ثوابت الطبع البشري الطبع يميل إلى قبض المال والتكليف يأمره أن ينفقه من هذا التناقض بين الطبع وبين التكليف يكون ثمن الجنة، طبع الإنسان يميل إلى أن يملأ عينيه من النساء من حسن النساء والتكليف يأمره أن يغض البصر طبع الإنسان يقتضي أن ينام والتكليف يأمره أن يستيقظ إذاً قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)﴾

 

[ سورة المعارج: الآية 19-21]

 منوعا يعني حريص على ما في يديه، لأنه حريص على ما في يديه إذا أنفقه يرقى عند الله عز وجل وكأن إنفاق المال وإنفاق الجهد إنفاق الوقت إنفاق الشيء الثمين يرقى بالإنسان عند الله، قال تعالى:

 

﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 92]

 اسمح لي أستاذي الكريم نتوقف لعناوين أخبار الساعة....
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتواصل أيها الإخوة معكم في رسالة التجديد بدايةً أشكر أخي الأستاذ زهير الخطيب الذي بدأ بتقديم البرنامج مع ضيفنا الكبير الدكتور محمد راتب النابلسي.
 بالواقع المحور الذي دار الحديث نحوه قد استمعت إلى طرف منه في الراديو في السيارة وشعرت بالمعاني المفيدة والجديدة التي نفهمها حول الإنسان بالواقع أن الإنسان خليفة الله في الأرض نفخ الله فيه من روحه أسجد له الملائكة بوأه منازل الكرامة يمكن أن نتحدث دائماً أن الإنسان يمكن أن يولد من نبي ولكن للأسف ينحدر على رتبة ابن نوح ويمكن أن يولد من وثني ويرقى إلى رتبة إبراهيم خليل الرحمن، عندما نصنف الكائنات يبدو أن الملائكة أعظم هذه الكائنات خلقاً يليها الحيوانات يليها النباتات يليها الجماد أما موضع الإنسان في هذه المعادلة هو الذي يقرره إما أن يكون أعظم من الملائكة بحيث تتمنى الملائكة بلوغ رتبته كما هو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما أن يكون أسوأ من الجماد والتراب:

 

﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً (40)﴾

 س :
 أستاذ راتب سمعتك تتحدث عن أوصاف الإنسان في القرآن الكريم:

 

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21)﴾

 

[ سورة المعارج: الآية 19-21]

 ماذا تحدثنا عن قول الله تعالى:

 

﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً (28)﴾

 

[ سورة النساء: الآية 28]

 قبل أن ندخل في هذا التفصيل الثاني أود أن أذكر أن الله سبحانه وتعالى قال:

 

﴿آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)﴾

 

[ سورة البينة: الآية 7]

 على الإطلاق:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)﴾

 معنى ذلك أن الإنسان ركّب من عقل وشهوة بينما ركب الملك من عقل بلا شهوة وركب الحيوان من شهوة بلا عقل فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان والإنسان المخلوق الأول والمكرم والمكلف وحينما يحقق الهدف الذي من أجله خلق يكون أسعد المخلوقات قاطبةً وحينما يغيب عنه الهدف الذي من أجله خلق يكون أشقى المخلوقات قاطبةً.
 الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى كان من الممكن أن يخلقه قوياً ولكن لحكمة بالغة بالغة خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ولو خلقه قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه هذا يذكرنا أن للصحابة الكرام درسين بليغين درس في بدر ودرس في حنين لما افتقروا إلى الله في بدر انتصروا، قال تعالى:

 

 

﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 123]

 بمعنى مفتقرون إلى الله وأما في حنين:

 

﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾

 

[ سورة التوبة: الآية 25]

 فالإنسان حينما يشعر بافتقاره إلى الله يصبح أقوى الأقوياء وحينما يشعر بافتقاره إلى علم الله يصبح أعلم العلماء حينما يشعر بافتقاره إلى معونة الله يصبح خير من على وجه الأرض فقضية أن يتصل هذا المخلوق الضعيف بخالق الأرض والسماوات، قضية أن يستمد هذا المخلوق من قوة الله ومن علم الله ومن حكمة الله ومن رحمة الله مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى فإذا أحب الله عبداً منحه خلقاً حسناً لابن القيم رحمه الله كلمة رائعة: الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان. سيدنا جعفر حينما سأله النجاشي عن النبي الكريم وعن دعوته قال: كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الرحم ونسيء الجوار حتى بعث الله رجلاً فينا نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه ودعانا إلى الله لنعبده ونوحده ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء.
 إذاً مضمون هذا الإسلام العظيم مضمون أخلاقي إذا ألغينا الخلق الكريم من حياة المؤمن المسلم أصبح الدين ثقافة وعادات وتقاليداً وفلكلوراً ليس غير لذلك المؤمن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ويتوكل على الله وكأنها ليست بشيء هذا هو الموقف الكامل، الغرب أخذوا بالأسباب وألهوها واعتمدوا عليها فوقعوا في الشرك والشرق لم يأخذوا بها فوقعوا في المعصية أما البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء إن الله يلوم على العجز أن تستسلم لقدرك أن تقول انتهينا ما بيدي شيء هذا موقف انهزامي لا يرضي الله عز وجل:

 

﴿وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ﴾

 

[ سورة محمد: الآية 4]

 إن الله يلوم على العجز فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل، متى تقول هذه الكلمة التي هي آية ؟ حينما تغلب أما حينما يكون أمامك فسحة كبيرة من الأمل مجال كبير للعمل ينبغي أن تعمل أنا أقول دائماً:

 

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ))

 

[ مسلم، ابن ماجه، أحمد ]

 والنبي جبار خواطر قال وفي كل خير.
 إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون قوياً، إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون غنياً، أما إذا كان طريق القوة محفوفاً بالمعاصي والآثام والنفاق والكذب أن تبقى ضعيفاً وسام شرف لك.
 في الواقع ما تتحدثون به دكتور عن الإنسان في القرآن الكريم يخلص الباحث من العقدة المزمنة في العلاقة بين الدين والحياة، عادةً ما يطرح الدين على أنه أفيون الشعوب عادةً ما يكتفي الوعاظ بنصف حديثكم، إذا اكتفى بنصف حديثك وقال إن المطلوب هو الافتقار والتذلل والعجز والتوكل على الله عز وجل معنى ذلك كما أشرت نحن نقع في المعصية وبالتالي نسلم هذه الأمة إلى الانهيار والهوان وفي الخيار الآخر الذي يعتمده الماديون هو أن الإنسان خلق نفسه وأن على الإنسان أن يقارع هذا العالم المليء بالآلهة التي لا تحبه ولا يعرفها ولا تعرفه في الواقع بين الإطارين الذي نتحدث عنهما تكمن روح الرؤية الإسلامية وهي الرؤية التي تجمع بين الروح والمادة بين الإحساس بضرورة اتباع السنن وفي الوقت عينه بضرورة التوكل على الله عز وجل، اتباع السنن هذه السنن التي أشرتم إليها وهي موجودة في القرآن الكريم تملك عندما نبلغ رتبة اليقين في دراستنا في الحياة تملك قوة النص لأن القرآن أو الوحي كما قال الأولون نوعان وحي متلو ووحي مجلو، شيء نقرأه في الكتاب وشيء نقرأه في الكون، شيء يدل عليه نص قرآن وسنة وشيء تدل على نصوص القوانين الصارخة التي خلقها الله عز وجل وليس في الاعتماد على هذه السنن حيلة عن التوكل ولا في التوكل إهمال لهذه السنن.
 في ملاحظة لطيفة أن سيدنا عمر رضي الله عنه حينما زار بلدةً وجد أن الفعاليات الاقتصادية فيها ليسوا من المسلمين فوبخهم توبيخاً شديداً فاعتذروا كما يعتذر أهل الغنى ممن قعدوا عن طلب العلم أن الله سخرهم لنا قال: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم ؟
 كأن هذا الخليفة العملاق وجد أن المنتج قوي وأن المستهلك ضعيف، كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم ؟ ومرة سيدنا عمر رأى رجلاً معه جمل أجرب قال له ماذا تفعل به ؟ قال أدعو الله أن يشفيه قال له: هلا جعلت مع الدعاء قطراناً.
 بل إن العلماء يؤكدون أن الدعاء من دون عمل استهزاء بالله عز وجل ينبغي أن تنهض وأن تبحث عن الأسباب، قال تعالى:

 

﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (84)﴾

 

[ سورة الكهف: الآية 84]

 فالبطولة أن تأخذ بها وأن تتوكل على الله وأن تشعر بضعفك أردت أن تسافر ينبغي أن تراجع مركبتك مراجعةً دقيقة آخذاً بالأسباب ثم تقول يارب احفظني أنت المسلم تقولها يقيناً. لذلك الغرب أخذ بها واعتمد عليها فأشرك والشرق لم يأخذ بها فعصى والموقف الكامل بين الحالتين.
 الآن عودة إلى النصوص في القرآن في الواقع كما أشرتم القرآن الكريم أشار إلى أن الإنسان هلوع وجزوع ومنوع وضعيف وعجول وكلها صفات نقص مع أن الخلق الأول تم على حال من الهيبة في مهرجان سماوي هو قوله تعالى:

 

﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (66) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (67) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (68) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (69) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (70) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (71) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (72) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (73)﴾

 

[ سورة ص: الآية 67-74]

 هذا الخلق الأول الذي تم في السماء في حالة مهرجانية هائلة وأمرت الملائكة كلها أن تسجد لهذا المخلوق وخلقت، قال تعالى:

 

﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً (4) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)﴾

 

[ سورة الذاريات: الآية 1-6]

 كلها خلقت في خدمة ابن آدم وسخرت من أجله هذا الكائن العظيم الهائل الذي كان يعيش في السماء في مجده الأعلى فجأة يصفه القرآن بأنه هلوع جزوع منوع ضعيف عجول، ما الذي يمكن أن نقرأه في هذا التفاوت الهائل بين صورة الإنسان في الملأ الأعلى وبين صورته؟
الإنسان يكبر ولا نرى كبره فيتضائل أمامه كل عظيم ويصغر ولا نرى صغره فيتعاظم عليه كل حقير، فالإنسان حينما يعرف انه المخلوق الأول وأن الله كرمه وشرفه وأن الله كلفه حينما يتعرف إلى خالقه ويتعرف إلى نفسه ويعرف سر وجوده وغاية وجوده يغدو في أعلى عليين لأن الله عز وجل كما قال:

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)﴾

 

[ سورة المعارج: الآية: 19]

 وتعرفون أن كلمة إنسان إذا وردت في القرآن الكريم معرفة بأل فهي قبل أن يعرف الله.

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾

 

[ سورة المعارج ]

 هذا المصلي اتصل بالملأ الأعلى، اتصل بالقوة المطلقة بالحكمة المطلقة بالرحمة المطلقة باللطف المطلق، فالمؤمن شخصية فذة فذة في عقيدتها عرف الحقيقة العظمى في الكون عرف الله شخصية فذة لأنها عرفت الحقيقة العظمى في الكون وشخصية أخلاقية لأنه تنظم سلوكه منظومة قيم أخلاقية الإيمان قيد الفتك ولا يفتك مؤمن، حينما دخل الفرنجة القدس ذبحوا سبعين ألفاً حينما فتحها صلاح الدين الأيوبي لم يسفك دم إنسان واحد، الإيمان قيد الفتك ولا يفتك مؤمن والإيمان شخصية فذة جمالياً، يوجد بحياة المؤمن جماليات لا يعرفها الطرف الآخر، له مشاعر وله مواقف نفسية وله ثقة بالله عز وجل وله معنويات عالية لو وزعت على أهل بلدة لكفتهم. في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، ماذا يفعل أعدائي بي ؟ لو أبعدوني فإبعادي سياحة وإن حبسوني فحبسي خلوة وإن قتلوني فقتلي شهادة يؤكد هذا كتاب الله عز وجل قال تعالى:

 

﴿وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)﴾

 

[ سورة محمد: الآية 6]

 في الدنيا ذاقوا طعمها في الدنيا جنة الدنيا جنة القرب:

 

فلــو شاهدت عيناك من حسننـا  الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنا
ولـو سمعت أذناك حسن خطابنـا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا
ولــو ذقت من طعم المحبة ذرةً  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا
ولو نسمت لك من قربنا لك نسمة  لمت غريباً واشتيـــاقاً لقربنا

 هذا الحب الذي فقده المسلمون اليوم أن تحب الله أن تحب أخاك المؤمن أن تتعاون وإياه عندنا مظاهر إسلامية صارخة أما روح الإسلام التي كانت ساريةً في أصحاب رسول الله ضاقت قليلاً أو كثيراً في حياة المسلمون اليوم فالإسلام من دون حب جسد من دون روح جثة هامدة، فالإنسان يسمو إذا عرف الله ووضع له هدف، ذكرت مرةً أن ثاني أطول جسر في العالم في بلد إسلامي في شمال سوريا يوم افتتاحه المهندس الذي صممه أحد خمسة مهندسين في العالم ألقى بنفسه فنزل ميتاً ذهبوا إلى غرفته في الفندق ففوجئوا كتب ورقة ذقت كل شيء في الحياة فلم أجد لها طعماً أردت أن أذوق طعم الموت.
 أما المؤمن له هدف الدكتور محمد الإنسان نفسه لا نهائية حينما يختار هدفاً محدوداً هو سعيداً إلى أن يصل إليه فإذا وصل إليه يبدأ شقاؤه شعر بالفراغ هو مصمم أن يعرف الله، أصل تصميم النفس لا نهائي فلا بد لها من هدف لا نهائي فإذا اختارت هدفاً نهائياً يعني محدوداً وبلغته بدأ شقاؤها لذلك المؤمن لا يشيخ أبداً قد يتقدم سنه لكن همته همة شباب.
 إذاً قضية الإنسان متى يسمو ؟ يسمو إذا عرف الله يسمو إذا عرف سر وجوده يسمو إذا عرف أنه في دنيا يعد بها للآخرة أما حينما ينسى سر وجوده وغاية وجوده وحينما تشغله الدنيا.
 إني والإنس والجن في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري أرزق ويشكر سواي خيري إلى العباد نازل وشرهم إلي صاعد أتحبب إليم بنعمي وأنا الغني عنهم ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي من أقبل علي منهم تلقيته من بعيد ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب أهل ذكري أهل مودتي أهل شكري أهل زيادتي أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي إن تابوا فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الظنون والمعايب الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها.
 يعني يمكن أن نقول إنما تحدثنا عنه من مجد الخلق الإنساني في السماء وذلك المشهد عندما سجدت الملائكة في الواقع عندما نزل الإنسان إلى الأرض وهبط واستسلم لشهواته وغرائزه وصف بالقرآن بأنه هلوع جزوع وضعيف وعجول وغرور لقوله تعالى:

 

 

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)﴾

 

[ سورة الانفطار: الآية 6]

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ (6)﴾

[ سورة الانشقاق: الآية 6]

 ولكن كما بينت إن الاستقامة هي منهج العودة إلى السماء، الاستقامة هي حالة يدعو بها الإنسان إلى العودة إلى الأصل الذي قدم منه إلى آفاق الملأ الأعلى حيث يكون مطهراً مزكىً كامل وتام الحال إذاً لا تناقض بينما وصفه القرآن الكريم من حالة الخلق البهيج العظيم الذي تم في السماء وحالة ما يبدو وما يجري في الأرض في أشكال مختلفة.إذاً المطلوب أن يسعى الإنسان دائماً، هناك تعريف للحكماء الإنسان حيوان ضاحك أو حيوان مفكر أو حيوان ناطق، هو حيوان له نزوع التعلق إلى الأعلى حيوان عابد إذا صحت العبارة له حالة النزوع إلى الأعلى فإنه يستعين بالمجد الذي رسمه له القرآن وكذلك كل الأديان السماوية، الأديان السماوية أستاذ راتب تشترك في ثلاثة أفكار الأولى أن الإنسان جاء من السماء هذه تشترك فيها كل الأديان، الثانية: وجود خالق، ثلاثة: الطوفان، هذه ثلاثة مسائل، فمبدأ أن الإنسان قدم من أعلى مبدأ يشترك فيه كل الأديان، و في الإسلام فإن هذا الأعلى الذي هو جزء من الماضي ليس فقط هو قطعة من الماضي يمكن أن يكون أيضاً مستقبلك أنت إذا استقمت في سبيل الله، بعد أن شرحنا معنى الجزوع و الهلوع ماذا تحدثنا عن قول الله عز وجل:

 

﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً (11)﴾

 

[سورة الإسراء: الآية 11]

 و كذلك قوله:

 

﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾

 

[ سورة الأنبياء: الآية 37]

 الحقيقة أن بنية الإنسان النفسية أنه عجول بمعنى أنه يحب الشيء الذي أمامه، أي ما الذي أمامه ؟ أمامه شهوات مستعرة، أمامه امرأة جميلة، أمامه مركبة فارهة، قصر منيف، مزرعة رائعة، طعام طيب، هذه الشهوات كلها محسوسة، أين الآخرة ؟ الآخرة خبر في القرآن، يفتح كتاباً يجد فيه:

 

﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)﴾

 

[ سورة الضحى: الآية 4]

 فالآخرة ليست محسوسة إنما هي خبر، فبحكم بنيته أنه عجول ينبغي أن يختار ما بين يديه و هذه مشكلة معظم الناس يعيش وقته، يعيش لحظته، و قد وضحت هذا بمثل سابق أن راكب دراجة وصل إلى طريقين أحدهما نازل و الآخر صاعد سأقول أستخدم كلمات مألوفة، معطيات البيئة يقتضي أن يسلك الطريق النازل، حاجة جسمه إلى الراحة تقتضي أن يسلك الطريق النازل، المنطق، الواقع، الواقعية، يقتضي أن ينزل في الطريق النازل، و أن يبتعد عن الطريق الصاعد أكمات و حفر و جهد شاق و هو راكب الدراجة لا يوجد عنده محرك، أما يوجد لوحة مكتوب عليها هذه الطريق الهابطة تنتهي بحفرة ما لها من قرار فيها وحوش جائعة و هذا الطريق الصاعد ينتهي بقصر منيف، هذا البيان خبر، يوجد واقع، يوجد طريق هابط، يوجد أشجار، يوجد حدائق، يوجد رياحين، يوجد دراجة لا يوجد بها محرك، يوجد جسم متعب يحتاج أن يرتاح، يحتاج إلى هواء عليل من هذه السرعة التي جاءته من الهبوط مثلاً، و يبتعد عن الطريق الصاعد، هذا البيان إذا قرأته و فهمت أبعاده ينبغي أن تتخذ طريقاً آخراً، أن تغير النمط، هنا البطولة، فالإنسان بالأصل عجول الشيء الذي أمامه يحبه و هذه مشكلة معظم الناس يعيشون لحظتهم، حلال، حرام، يوجد شبهة، يوجد تحريم، العبرة أن يستمتع بالحياة، فيأتي ملك الموت عندئذ يشعر أنه ارتكب خطأ كبيراً و مشكلة أهل النار و هم في النار:

 

﴿لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾

 

[ سورة الملك: الآية 10]

 بل إن من أدق تعريفات العقل أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه و الأغبياء في العالم يعيشون الماضي فقط و الأقل ذكاء يعيشون الحاضر و أفعالهم ردود أفعال بينما العباقرة يعيشون المستقبل و المؤمن كما قال عليه الصلاة و السلام يضبط نفسه و يعمل لما بعد الموت، و العاجز من يتبع نفسه هواها و يتمنى على الله الأماني.
 دكتور راتب تحلق بنا اليوم ولكن دعنا نأخذ هذا الاتصال.
 السلام عليكم الله يعطيكم العافية أشكر جميع العاملين في هذه الإذاعة المباركة أحب أن أسأل عن الحديث القدسي الذي ذكره فضيلة الدكتور يتقربون إلي بالمعاصي حاولت أن أتابعه فلم أجد له.
 والله أنا أشاركك ونطلب من الدكتور إعادته من أجل الذي يريد أن يكتبه.
 يوجد في أي كتاب ؟
 تجده في إذاعة القدس سنطلب من الدكتور راتب أن يعيده ببطء. هو في الواقع جاء حديث دافئ وفي وقت دافئ أيضاً شكراً لك.
 أعتقد الأخ يتحدث بلسان كثير من المستمعين الكلام النوراني الذي تحدثتم به من الأحاديث القدسية بالواقع يختصر علاقة الإنسان بالله سبحانه وتعالى تختلف عن علاقات الأديان كلها الله عز وجل لا يقوى بعباده نحن نقوى بالله، هناك أسطورة تروى حتى عن حملة العرش الذين يحملون عرش الله عز وجل أنهم فكروا يوماً ربما هو القصد أن نقول لو فكروا يوماً أن يتركوا العرش واتفقوا في لحظة واحدة أن يتركوا العرش ليروا ماذا يحصل وعندما تركوه سقطوا جميعاً وبقي العرش، هذه علاقتنا بالله عز وجل، ظاهراً نحن نعبده أو نخدمه كما يعبر غيرنا من الأديان ولكن في الحقيقة هو أغنى عن الشرك وعن العباد.
 امرأة جاءت سيدنا نوح قالت له يا نوح حين الطوفان لا تنساني يبدو أنه نسيها قصة رمزية فلما كان في السفينة والموج بالغاً ما بلغ نسي هذه المرأة فتألم ألماً شديداً بعد أن انتهى الطوفان جاءته المرأة قالت له متى الطوفان يا نوح ؟ يعني إذا نسيها نوح فالله لم ينسها.
 الحديث ورد في مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين للعالم الجليل ابن قيم الجوزية هو كمايلي يقول الله عز وجل في هذا الحديث القدسي:
 لو سألتك عن سبب نصب الأنس والجن.
 إني اسمها منصوب. هو ورد إني والأنسُ والجنُ و ورد إني والأنسَ والجنَ على أنها معطوفة على الياء التي هي اسم إن.
 إذاً يعني تستقيم الواو عاطفة وتستقم ابتدائية.
 نعم استئنافية.
 إني والإنس والجن في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري أرزق ويشكر سواي خيري إلى العباد نازل وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليم بنعمي وأنا الغني عنهم ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي من أقبل علي منهم تلقيته من بعيد ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي أهل شكري أهل زيادتي أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الظنون والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها.
 انتهى نص الحديث.
 الدكتور الحبش: في الواقع هذا كله كنا نسوقه عندما كنا نتحدث عن قول الله عز وجل خلق الإنسان من عجل، عن صفة العجل الموجودة في الإنسان وأنه كما ورد في الحديث يستجيب الله لعبده ما لم يعجل يقول دعوت ولم يستجب لي.
 الدكتور راتب:

 

﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً (11)﴾

 

[سورة الإسراء: الآية 11]

 فالإنسان عندما يختار هدفاً بعيداً يعارض بنيته النفسية يعارض طبعه يعارض هذا الشيء الذي ركب في أصل خلقه إذاً يرقى عند الله لو أن الإنسان في الأصل مخلوق مهول واختار هدفاً بعيداً لا يرقى عند الله لو أن الآخرة محسوسة كما الدنيا محسوسة لا نرقى عند الله، الآخرة خبر أما الدنيا محسوسة وهذا معنى قوله تعالى:

 

﴿الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 1-3]

 كل الآمال معقودة على الآخرة وعلى ما بعد الموت، أما كل الدنيا صارخة أمامنا الذي يأخذ منها ما سمح الله به وهذا معنى قول الله تعالى:

 

﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ﴾

 

[ سورة هود: الآية 86]

 كل شهوة أودعها الله بالإنسان لها قناة نظيفة، لكن هذه القناة لا يمكن أن تسمح للشهوة أن تمارس بكل أبعادها علاقة الإنسان بالمرأة بالزواج فقط أما أهل الدنيا الطرف الآخر أي علاقة عندهم مقبولة لذلك الإنسان عندما يتعرف إلى سر وجوده وإلى غاية وجوده يمارس هذه الشهوات التي أودعت فيه وفق منهج الله لأنه يطمع أن ينال الآخرة.
 الدكتور الحبش: بقي عندنا ثلاثة أوصاف ذكرت للإنسان في القرآن الكريم وهو قوله تعالى:

 

﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً (28)﴾

 

[ سورة النساء: الآية 28]

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)﴾

[ سورة الانفطار: الآية 6]

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ (6)﴾

[ سورة الانشقاق: الآية 6]

 حدثنا عن الضعف.
 الدكتور راتب: ذكرت أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ضعيفاً ولو خلقه قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه قال تعالى:

 

﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)﴾

 

[ سورة العلق ]

 نحن في قبضة الله دائماً لكن الإنسان يتوهم أن صحته جيدة دخله جيد ما عنده مشكلة هذا يوهمه أنه مستغني عن الله فالوضع المريح البعيد عن المشكلات يدفعه إلى أن يتهاون في طاعة الله عز وجل هذا معنى قوله تعالى:

 

﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)﴾

 

[ سورة العلق ]

 فالله عز وجل خلق الإنسان ضعيفاً يفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ولو خلقه قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه.
 الدكتور الحبش: بقي لدينا وصفان بالقرآن الكريم:

 

﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)﴾

 

[ سورة الانفطار: الآية 6]

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ (6)﴾

[ سورة الانشقاق: الآية 6]

 لكن لو سمحت لي معنا اتصال:
 السلام عليكم الله يجزيك الخير على هذا البرنامج أنا من درعا سمر أريد أن أتكلم عن خلق الإنسان أهنئ الإخوة الفلسطينية على العملية الناجحة التي تمت من عدة أيام الله يتغمد شهداءهم برحمته الواسعة أيضاً أريد أن أتكلم بهذه الظروف التي نعيشها نحن المفروض منا بالدرجة الأولى كوننا مسلمين أن نهتم أكثر بقضية الشعب الفلسطيني ونتغاضى عن مشاكلنا الشخصية، الظروف التي نواجهها كثير صعبة وأنتم تعلمون هذه الحملة المسعورة التي تتعرض لها الأمة الإسلامية من أمريكا واللوبي الصهيوني وأنا أطلب اهتمام أكثر بقضية الشعب الفلسطيني وأنا أريد أن اطلب منك شيء القصيدة التي كتبها السفير البريطاني والتي..
 الدكتور الراتب: غازي القصيدي.
 الدكتور الحبش: قصيدة أسماء.
 أرجو منك أن تنشرها بصحيفة تشرين وأنا لا أجدها في درعا.
 الدكتور الحبش: التقصير من دار التجديد إن شاء الله نقول لهم أن يبحثوا عن وكيل في درعا ويوزعوا الكتب عندكم كلها وشكراً لعواطفك الطيبة وأمانيك.
 الدكتور الحبش: الأخت سمر تشكرك على ما تقدم من البرنامج وتريد أيضاً ربط مما نتحدث عنه من طبيعة الإنسان وبين الإنسان الفلسطيني الصامد في الأرض، حبذا أن نجعل هذا هو الحديث لكن نريد توضيح عن قوله تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ ﴾

 

[ سورة الانفطار: الآية 6]

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ (6)﴾

[ سورة الانشقاق: الآية 6]

 الدكتور راتب: الله عز وجل في بعض آيات القرآن الكريم يرتب المعاصي ترتيباً تصاعدياً بدأ بالفحشاء والمنكر والإثم والعدوان والشرك والكفر وجعل على رأس هذه المعاصي وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون الإنسان حينما يصل إليه أفكار ومقولات عن الله عز وجل ليست صحيحة ولا يكلف نفسه مشقة تدقيقها وتمحيصها يقع في وهم خطير يقع في الظن السوء، قال تعالى:

 

﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾

 

[ سورة الفتح: الآية 6]

 فحينما يغتر الإنسان بربه يتصور أنه لن يحاسب الناس على أفعالهم حساباً دقيقاً وأن الذي طغى وبغى ونسي المبتدى والمنتهى نجا من عذاب الله والله عز وجل حينما قال:

 

﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)﴾

 

[ سورة الأنفال: الآية 59]

 معنى سبقوا أنهم فعلوا شيئاً ما أرداه الله أو تفلتوا من عقاب الله عز وجل، فالإنسان عندما يحمل أفكاراً غير صحيحة عن الله هذه أكبر معصية لأن الأخطاء يتاب منها بينما العقائد الزائغة التي يتوب صاحبها منها الخطأ في السلوك كالخطأ في الوزن لا يتكرر بينما الخطأ في العقيدة كالخطأ في الميزان لا يصحح، فالخطأ أن تقولوا على الله ما لا تعلمون.

 

﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)﴾

 

[ سورة الانفطار: الآية 6]

 مثلاً لو أن طالباً ما درس و

تحميل النص

إخفاء الصور