- ندوات إذاعية
- /
- ٠15برنامج رسالة التجديد - إذاعة القدس
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و عملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين.
أيها الإخوة:
الأيام أيام مباركة، رائحة رمضان تفوح عبر هذه الأيام استعداداً لأيام الشهر العظيم، لقاؤنا اليوم في رسالة التجديد يتجدد بلقاء رجال الفكر و العلم و الدعوة و التجديد من علماء هذه الأمة، ضيفنا اليوم تعرفونه و تنتظرونه و ترقبونه دوماً هو الأستاذ الداعية الدكتور محمد راتب النابلسي، أهلاً بكم دكتور.
دكتور في الواقع نحن الآن ربما نختتم حلقات رسالة التجديد قبيل رمضان، طبعاً البرنامج عادة يتوقف في رمضان و لكن نحب أن نمنح برنامجنا شيئاً من دفء رمضان و من رائحة رمضان و من عبير رمضان و نحن في انتظار هلال هذا الشهر الفضيل ماذا تحدثنا عن رمضان.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
دكتور محمد جزاكم الله خيراً على هذا البرنامج، هذا الشهر الكريم شهر التوبة و الغفران، شهر الطاعة و الإحسان، شهر الذكر و الحب، شهر التقوى و القرب، النبي عليه الصلاة و السلام صعد منبره مرة فقال أمين، فلما صعد الدرجة الثانية قال: أمين، فلما صعد الدرجة الثالثة قال: أمين فلما أنهى خطبته سأله أصحابه يا رسول الله علام أممت ؟ قال: جاءني جبريل فقال لي: رغم أنف عبد أدرك والديه فلما يدخلاه الجنة قلت أمين، و في الدرجة الثانية قال لي رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت أمين، و معنى رغم أنف أي خاب و خسر، أما في الدرجة الثالثة قال: رغم أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له، إن لم يغفر له فمتى ؟
قضية العبادات الشعائرية قضية شحنات روحية، ففي الصلوات الخمس يشحن المرء من صلاة إلى صلاة، و في خطبة الجمعة يشحن المرء من جمعة إلى جمعة، و في شهر الصيام يشحن المرء من عام إلى عام، هي شحنة روحية يزداد فيها المرء قرباً.
هذا دكتور يقودنا إلى الحديث مباشرة بشكل مختلف عما تعودنا أن نتحدث عنه، عادة تتناول برامج رمضان الحديث عن أحكام الصيام و شعائره و لكن أنا أعتقد الناس فعلاً تنتظر أن تحدثنا عن ما كان يتحدث عنه السلف صوم العوام و صوم الخواص و صوم خواص الخواص.
صوم العوام عن الطعام و الشراب ليس غير و قد قال عليه الصلاة و السلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))
و هنا محل الإشارة إلى قضية خطيرة جداً هي أن العبادات نوعان عبادات تعاملية و عبادات شعائرية، و أنا أرى أن العبادات الشعائرية لا يمكن أن نقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادات التعاملية، و الدليل على ذلك أن النبي عليه الصلاة و السلام سأل أصحابه من المفلس:
((عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
أؤكد على الحقيقة الدقيقة أن العبادات الشعائرية و منها الصلاة و الصوم و الحج لا يمكن أن نقطف ثمارها ما لم تصح العبادات التعاملية ذلك أن النبي عليه الصلاة و السلام يقول:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ))
ننتقل إلى الحج:
و من حج بمال حرام ووضع رجله في الركاب و قال: لبيك اللهم لبيك، ينادى أن لا لبيك و لا سعديك و حجك مردود عليك.
حتى إنك إن أنفقت المال و لم يلتزم الإنسان بأمر الله لعل هذا المال لا يستطيع أن يقطف من إنفاقه الثمرة التي أرادها الله عز وجل:
﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ﴾
إذاً هذه العبادات الشعائرية كالصلاة و الصوم و الحج تشبه تماماً ساعات الامتحان الثلاثة، ما لم يدرس الطالب طوال العام، ما لم يذاكر، ما لم يراجع، ما لم يتابع، ما لم يحضر المحاضرات، ماذا يفعل بالساعات الثلاث ؟ أنا أقول هي فرائض لابد من أن تؤدى، لكن لا نستطيع أن نقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادات التعاملية، فركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط، و ليلة القدر خير من ألف شهر، أي ألف شهر تساوي ثمانين عاماً، عبادات جوفاء لثمانين عاماً أفضل منها أن تعرف الله حق المعرفة:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
هذه الحقيقة هو أن الصيام عبادة شعائرية و الحكمة البالغة أننا في رمضان ندع المباحات الطعام و الشراب و قد أبيح لنا خارج الصيام، فالذي يصوم ولا يترك ما نهى الله عنه يختل توازنه، هو ترك المباح فإذا وقع في المحرم اختل توازنه، بل إنك إن تركت المباح في رمضان لأن تترك الذي نهى الله عنه من باب أولى، فصيام العوام صيام عن الطعام و الشراب و عندئذ يغدو رمضان كالناقة حبسها أهلها فلا تدري لا لما عقلت و لا لما أطلقت، رمضان فولكلور اجتماعي، مناسبات اجتماعية، لقاءات، سهرات، ولائم، متابعة مسلسلات، هذا رمضان عند العوام، أما عند المؤمنين ترك كل ما نهى الله عنه، و عند المحسنين ترك ما سوى الله.
إذاً عند العوام ترك ما نهى الله عنه و عند الخواص هو ترك ما سوى الله، دعنا نبقى في هذا الجو الروحي العالي من أجواء رمضان، الإقبال على الله عز وجل، التعابير عن الإقبال على الله سبحانه و تعالى تختلف بين طائفة و طائفة، بين مجموعة و مجموعة، بين عالم و عالم، و في الواقع أنا أعتقد أن الإخوة الذين يستمعون إلينا الآن يتمنون أن يرقى بهم و بأرواحهم و بأحوالهم إلى حال يخلصون بها من حطام هذه الدنيا و من صخبها و من فوضاها إلى الترقي إلى حال أعلى و أعظم إلى الله سبحانه و تعالى، ما هي السبيل التي تجعل هذا الصائم الآن كل المستمعين أصبحوا مقتنعين بأن صوم الخواص مختلف عن صوم العوام، و لكن ما هي السبيل لتحقيق صوم الخواص هذه الأشواق و المواجيد التي تحدثنا عنها ؟
أنا أعتقد دكتور محمد أن ستة آلاف مليون هم سكان الأرض ما منهم واحد على الإطلاق إلا و يطلب السلامة و السعادة، فلماذا الشقاء و لماذا الهلاك ؟ إنها أزمة علم فقط ذلك أن أهل النار و هم في النار يقولون:
﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾
إذاً أنا حينما أتمنى في هذا الشهر أن يكون اتصال بين العبد و ربه الحقيقة هي: الصلاة اتصال و الصلاة فيها معنى الصيام، لأن في الصلاة تركاً للطعام و الشراب و الحركة و الكلام، و فيها معنى الحج لأن فيها توجهاً إلى بيت الله الحرام، و فيها معنى الزكاة لأن الوقت أصل في كسب المال فالمصلي اقتطع من وقته وقتاً لأداء الصلوات، إذاً هو الأصل أن نتصل بالله عز وجل ذلك أن كل شيء جميل في الأرض و في الحياة أخذ من جمال الله مسحة، فأنت حينما تتصل بمخلوق ينالك من مسحة جماله فتسعد بلقياه فكيف إذا اتصلت بأصل الجمال ؟ كيف إذا اتصلت بالذي خلق الأشياء ؟ بالذي خلقك ليسعدك، أنت مخلوق للجنة:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾
فعلة وجودنا في الأرض هي العبادة، و العبادة في أدق معانيها طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية، فالسلوك أصل في العبادة، و المعرفة سبب، و الناحية الجمالية ثمرة، فهذا يسميه بعضهم الاتصال بالله، بعضهم التجلي، بعضهم السكينة، بعضهم السعادة، سمها ما شئت، أسماء لمسمى واحد، أنت حينما تقترب من الله تشعر بسعادة لا توصف، إن الله يعطي الصحة و الذكاء و المال و الجمال للكثيرين من خلقه و لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين.
هذه السكينة لا يعطيها إلا لمن يحب، أما الدنيا يعطيها لمن يحب و لمن لا يحب، ففي رمضان تكون السكينة، بل لو تصورنا أن إنساناً عليه خمسين مليوناً دين و بيوته محجوزة و محله التجاري محجوز و عليه دعاوى و قضيته صعبة جداً، لو قيل له افعل كذا و كذا لثلاثين يوماً و كل هذه الديون تنزاح عنك، و كل هذه الدعاوى تشطب، هل يتردد ثانية ؟ يقول عليه الصلاة و السلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ))
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِعَزِيمَةٍ ثُمَّ يَقُولُ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَبُو دَاوُد وَكَذَا رَوَاهُ عُقَيْلٌ وَيُونُسُ وَأَبُو أُوَيْسٍ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ وَرَوَى عُقَيْلٌ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ ))
هناك حقيقة دقيقة هي أن القوانين الوضعية فيها أوامر و فيها نواهي، و لحكمة أرادها الله هناك أوامر في الدين تتطابق مع القوانين الوضعية، فالذي لا يسرق نحن لا ندري لما لم يسرق ؟ لعله يخاف من عقاب الدنيا، من عقاب مدير الشركة، من عقاب النظام الوضعي، من عقاب الدولة، من عقاب الحاكم، و قد يمتنع عن السرقة خوفاً من الله، لكن شاءت حكمة الله أن يكون في الدين أوامر ليس في الأرض كلها من يمنعك من أن لا تفعلها، أو تفعلها، منها غض البصر، منها الصيام، قد يدخل إنسان إلى بيته في أيام الصيف الحار و في شهر رمضان و الماء البارد بين يديه و لا أحد في الأرض يمكن أن يطلع على هذه المخالفة لا يستطيع أن يضع قطرة ماء في فمه، و لو تصورنا أن قانوناً شرع الصيام كم من البشر ينفذ هذا القانون ؟ قد ينفذونه في الطرقات، و في الدوائر الحكومية، أما هل بإمكان إنسان كائناً من كان بكل ما أوتي من قوة أن يمنع الإنسان من أن يتناول قطرة ماء في بيته ؟ إن الصوم عبادة الإخلاص، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي:
(( عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِه.......))
في الواقع هذه فكرة جديدة تماماً و هي أن يتنبه المسلم أن الله سبحانه و تعالى حتى يمنح الإنسان إرادته و حتى يكون مسؤولاً عن تصرفه فرض عليه مجموعة من الفرائض لا تستطيع قوة في الدنيا أن تمنعه من تحقيقها، تتوقف على الإرادة تماماً و منها فريضة الصوم، الصوم في أي ظرف كان فيه الإنسان لا يتصور أن يحق لأحد أن يمنعه من الصوم حتى لو أنه أجبر على الطعام فإنه لا يفطر إذا الإكراه ملجئاً و يبقى طائعاً لله سبحانه و تعالى، إذا طبعاً الإكراه ملجئاً و أحكام الإكراه الملجئ معروفة، ما أريد أن أقوله هنا أي تأكيداً لما ذهبتم إليه دكتور هو أن الصوم هذا هو معنى اختصاصي بالله عز وجل:
(( عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِه......))
قبل أن نستأنف الحوار مع فضيلة الدكتور راتب بإمكان الإخوة المستمعين أن يتصلوا إلى البرنامج على الرقم 4465564.
بالطبع لكن المرجو أن تكون الأسئلة حول أشواق رمضان و حول أذواق رمضان و حول تجليات رمضان حتى لا نغرق في التفاصيل التي عودتموني أن نغرق بها يوم الجمعة في برنامج اسألوا أهل الذكر.
الآن يمكن أن نبقى مع تجليات رمضان و أشواق رمضان و روحانيات رمضان.
أي بشكل مختصر ينتظر من العبد في رمضان أن يخرج من ظلمات الجهل و الوهم إلى أنوار المعرفة و العلم، و من وحول الشهوات إلى جنات القربات، و من مدافعة التدني إلى متابعة الترقي، و الحقيقة أن الله سبحانه و تعالى ما اصطفى هذا الشهر من بين شهور العام إلا ليشيع الصفاء فيه و القرب و كأن الله أراد أن يستمر هذا الصفاء إلى بقية شهور العام، إنه قفزة نوعية يتبعها ثبات على هذا المستوى، فما اصطفى الله هذا الشهر من بين شهور العام إلا كمنطلق إلى إحكام الصلة بالله و التنعم بقربه ليشيع هذا الصفاء في كل شهور العام، أما فهم العوام:
رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق
هذا فهم سقيم، هو صعد في رمضان ثم هبط بعد رمضان، في النهاية مكانك تحمدي أو تستريحي، فكأن الله اختار هذا الشهر من بين شهور العام ليشيع فيه الصفاء و القرب و ليستمر هذا الصفاء و القرب في كل شهور العام.
جميل إذاً و هناك من يتحدث الآن قبل رمضان بقوله عن العشر الأخير من شعبان و الاستعداد للصوم و لا تشرب بأقداح صغار إذاً:
عشرون من شعبان ولت فبادر شـــرب ليلك بالنهار
و لا تشرب بأقداح صغار فقد ضاق الزمان على الصغار
دكتور راتب لو سمحت أن نتلقى هذا الاتصال:
س ـ من طارق: نحن كل شهر نقول عندما يأتي رمضان سنتوب و نعمل و نعمل يأتي رمضان و لا نعمل شيئاً، ضمن الشهر نفسه نقول سنقرأ قرآناً و نعمل كل شيء و لا نستطيع، نريد حلاً جزاكم الله خيراً؟
ج ـ الحقيقة أن الله سبحانه و تعالى لا يتعامل مع التمنيات، فالتمنيات لا تقدم و لا تؤخر و كل شخص منا في أي مجال يتمنى أن يكون قمة و لكن التمنيات التي يعبأ الله بها هي التمنيات التي يتبعها عمل، قال تعالى:
﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً(19)﴾
فالنجاة و الفلاح و النجاح و التفوق في القرآن و في السنة الصحيحة منوط بالعمل لا بالتمنيات، التمني لا يكلف شيئاً و لا يقدم و لا يؤخر، و أشقى الناس يتمنى أن يكون أسعد الناس، و أفقر الناس يتمنى أن يكون أغنى الناس:
﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾
و التمنيات لا تقدم و لا تؤخر إنها تعبير عن ضعف الإرادة، لكن هناك إجابة دقيقة جداً أنك إذا كنت لا ترضى عن نفسك و أنت في بيئة معينة فإن أردت أن تنتقل من طور التمنيات إلى طور الأفعال لابد من تغيير البيئة، لابد من تغيير هذا الجو الذي لا يعينك على طاعة الله، فحينما ترضى بجو يدعوك إلى التقصير أو إلى المعصية فهذا الرضا بهذه البيئة هو الذي يحبط تمنياتك في التقرب إلى الله عز وجل.
س ـ السلام عليكم، و عليكم السلام، من أمل برني، نحن على أبواب شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا و عليكم بكل خير إن شاء الله أحب أن أذكر أن شهر رمضان هو شهر القرآن فنطلب من الأستاذ راتب أن يتوجه إلى الإخوة المستمعين بإشارات للقرآن في الشهر الفضيل خاصة بأنه وجد في شهر رمضان و أنه ليست تلاوة القرآن مجرد أن نتقن عدداً كثيراً من القراءات خلال هذا الشهر ثلاث ختم أو أربعة، وإنما يكفي ختمة واحدة بسبب نقرؤها كما أنزل على النبي عليه الصلاة و السلام لأن القرآن وعاء القلب إذا وعاه القلب وعى الإنسان فنتمنى من الأستاذ راتب نصيحة إلى الإخوة المستمعين من هذا الاتجاه و أن شهر رمضان فرصة للتدارس في الكتاب الكريم ؟
شكراً جزيلاً للمحامية أمل برني و سنستمع إلى ما يعلق به فضيلة الدكتور راتب بعد عناوين الأخبار من أرضنا المقدسة.
السلام عليكم و رحمة الله، أهلاً بكم مرة أخرى أيها الأحبة و نحن نستأنف برنامجنا في رسالة التجديد، ضيفنا فضيلة الدكتور الداعية محمد راتب النابلسي أهلاً وسهلاً بكم مرة أخرى.
كان لدينا اتصال حول الحديث عن القرآن في رمضان و الآن دعنا نأخذ هذا الاتصال قبل أن نستمع إلى الإجابة.
السلام عليكم، و عليكم السلام و رحمة الله، من رغداء، السلام عليكم دكتور نابلسي، عليكم السلام، كل عام و أنت بخير، أنا من أشد المعجبين بك، دكتور بالنسبة للصيام، أنت تتحدث عن الصيام و أنا أحب أن أتحدث عن أسباب الصيام، و طبعاً بالنطاق الروحي و بنفس الوقت الفرض الذي تحدث عنه رب العالمين، من آثار الصيام عندنا تخلية الصائم من ذنوبه و تطهيره منها و معنى الصيام إيماناً و احتساباً هو أن يصوم رمضان تطبيقاً و تحقيقاً لأمر الله تعالى و طاعة و اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه و سلم و احتساباً أي طلباً لمرضاة الله و الرغبة في الثواب عند الله تعالى، و الصوم له أثر عظيم في مغفرة الذنوب هذه طبعاً تابعة للفقرة الأولى كما أن له أثر عظيم في صحة الأجسام و دفع الأسقام و الصوم هو جنة ووقاية من النار و أثره الأساسي تحلية الصائم و الفوز بالمكرمات و الفضائل، الرسول صلى الله عليه و سلم قال:
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ فَيُشَفَّعَانِ ))
و الفرحة الكبرى للصائم عند لقاء ربه، و روى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ))
و الصائمون لا يعطشون يوم العطش الأكبر و الحر الأعظم، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عندما وضع أبا موسى الأشعري رضي الله عنه على سرية في البحر بينما هم كذلك و قد رفعوا الشراع في ليلة مظلمة إذا هاتف فوقه يهتف يا أهل السفينة قفوا أخبركم بقضاء الله تعالى على نفسه، قال له أبو موسى: أخبرنا إن كنت مخبراً ؟ قال: إن الله تعالى قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف أي صام في يوم حار سقاه الله تعالى يوم العطش.
و الصيام أيضاً زكاة الجسد كما أن الزكاة زكاة المال، و الصائمون يدخلون الجنة من باب الريان، و ثواب الصائم لا يعلمه إلا الله سبحانه و تعالى، فالأعمال عند الله كما قال صلى الله عليه و السلام: الأعمال عند الله عز وجل سبعة عملان منجدان و عملان بأمثالهما و عمل بعشر أمثاله و عمل بسبعمائة و عمل لا يعرف ثواب عمله إلا الله عز وجل. فأما المنجدان فمن لقي الله يعبده مخلصاً لا يشرك به وجبت له الجنة، و من عمل سيئة لجزي بها و من عمل حسنة جزي عشراً، و من أنفق مالاً في سبيل الله ضوعفت له نفقته، و الصيام لله عز وجل لا يعلم ثواب عامله إلا الله عز وجل.
نقطة ثانية دكتور من بعد أذنك أخذتها من رياض الصالحين للإمام النووي فضل من أفطر صائماً هذه ضروري أن نذكرها للمستمعين، و خاصة إذا كان الصائم مسكيناً أو فقيراً أو من أهل الرحم، إثبات فضل من أفطر صائماً و فضل الصائم الذي يؤكل عنده و الدعاء الآكل للمأكول عندهم:
((عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا ))
((عَنْ حَبِيبِ بْنِ زَيْدٍ قَال سَمِعْتُ مَوْلَاةً لَنَا يُقَالُ لَهَا لَيْلَى تُحَدِّثُ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عُمَارَةَ بِنْتِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ طَعَامًا فَقَالَ كُلِي فَقَالَتْ إِنِّي صَائِمَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الصَّائِمَ تُصَلِّي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ حَتَّى يَفْرُغُوا وَرُبَّمَا قَالَ حَتَّى يَشْبَعُوا ))
في الواقع الأخت رغداء فرحت بحضوركم إلى الأستديو و في الواقع تكلمت في صميم الموضوع الذي نتحدث عنه، الآن شعرنا أن المستمعين الكرام يعيشون ما نتحدث عنه.
السلام عليكم، و عليكم السلام، من زهراء، فضيلة الشيخ قلتم على المؤمن أن يخرج من نطاق الزهد خاصة في شهر رمضان، كيف نستطيع أن ندخل في عمق المعرفة و التعلق بالله عز وجل، أحياناً تصوم الجوارح و لكن ليس كل القلوب تستطيع أن تصل إلى مرتبة التواصل الروحي مع الله تعالى، و الطمأنينة في الإسلام نبحث عنها في كل وقت و حين أحياناً يمكن أن نبكي عندما ننظر إلى السماء نعلم أن الله سبحانه و تعالى يرتقي أعلاها، نحاول قدر المستطاع أن نتقرب من الله عز وجل لكن هموم الحياة أحياناً تكون عائقة بين الإنسان و قلبه بماذا تنصح فضيلة الشيخ علماً بأن بعض البيئات أحياناً تكون سبباً في بعد الإنسان عن التواصل بينه و بين الله ؟
الحقيقة أن معرفة الله أصل كبير من أصول الدين و الله سبحانه و تعالى لا تدركه الأبصار لكن الكون كله ينطق بوجوده و كماله ووحدانيته، فالله سبحانه و تعالى جعل هذا الكون مظهراً لأسمائه الحسنى و صفاته الفضلى، فأنت أيتها الأخت الكريمة حينما تتفكرين في خلق السماوات و الأرض هذا التفكر في هذه الآيات العظيمة هو أقصر طريق إلى الله و أوسع باب ندخل منه عليه، فالآيات للتفكر، و أفعال الله جل جلاله ينبغي أن ننظر بها:
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)﴾
و الكتاب كلامه ينبغي أن نتدبره، فهناك ثلاثة مصادر لمعرفة الله عز وجل: خلقه عن طريق التفكر، و أفعاله عن طريق النظر، و كتابه عن طريق التدبر، هذه مصادر معرفية لله عز وجل، و لكن حينما يتصل العبد بربه هذا مصدر انفعالي نفسي فقد يذوق الإنسان طعم القرب منه، قد يذوق من رحمته، قد يذوق من محبته، قد يذوق من حلمه:
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لمــا وليت عنا لغيرنا
و لو سمعت أذناك حسن خطـابنا خلعت عنا ثياب العجب و جئتنا
و لو ذقت من طـعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا
و لو نسمـت من قربنا لك نسمة تــركت جميع الكائنات لأجلنا
الأخت الكريمة زهرة يوجد فقرة بسؤالك هي كيف نعبد الله في بيئة ليست تشجعنا على عبادته ؟
الله عز وجل يقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾
كأن الآية تريد أن نفهم أننا لن نستطيع أن نكون مع الله و لا أن نتقي الله إلا إذا كنا في بيئة مؤمنة تحضنا على معرفة الله و على محبته و على طاعته، فلابد من أن يختار المؤمن بيئة يرقى بها لا أن يختار بيئة تثبطه و تبعده عن طاعة الله.
السلام عليكم، و عليكم السلام، من عبد الفتاح السمان، ماذا يعني بأفعال الله، علمنا خلقه و كلامه ماذا يعني بأفعاله، الشيء الآخر نسمع كثيراً من الأحاديث و من المأثورات التي تقول أن الله عز وجل يغفر للمؤمن و يغفر للصائم و يغفر لمن أفطر صائماً و يغفر له إذا أنهى صيام رمضان، هذا الغفران هل هو غفران لجميع الذنوب أم أن هناك ذنوباً لا تغفر نرجو بيان ذلك و جزاكم الله كل خير ؟
أخي الكريم حقوق العباد مبنية على المشاححة بينما حقوق الله مبنية على المسامحة و حين قال الله عز وجل:
﴿لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾
لعلماء التفسير رأي دقيق في هذه الآية: أي أن بعض الذنوب التي بينكم و بين الله تغفر لكم:
(( عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ))
أي من ذنوبه التي بينه و بين الله عز وجل، أما الذنوب التي بينه و بين العباد هذه لا تغفر إلا بحالتين أو بأحد حالتين بالأداء أو بالمسامحة، هل تعتقد أن في الحياة إنساناً قدم أثمن من نفسه، قال عليه الصلاة و السلام:
(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ))
فحقوق العباد مبينة على المشاححة و في قوله تعالى:
﴿لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾
أي بعض ذنوبكم التي بينكم و بين ربكم، أما التي بينكم و بين العباد هذه لها شأن خاص لابد و أنت مستطيع و قادر في حياتك الدنيا من أن تؤدي هذا الحق أو أن تعتبر أو أن يسامحك صاحب هذا الحق.
هذا في موضوع مغفرة الذنوب.
الآن لو سمحت دكتور راتب الأيام هناك أيام محدودة للوصول إلى شهر رمضان المبارك، أهلنا في الداخل الفلسطيني المسلمون الصامدون في كل مكان في الواقع يتساءلون عن البرنامج المناسب لشهر رمضان ؟ أنت رجل داعية و لديك خبرة و بالتأكيد حتى أهلنا في الداخل يتمنون أن يشهدوا مجالسك العامرة التي تقيمها خلال شهر رمضان، كيف تتصرف أن يكون البرنامج المناسب للشاب و الفتاة في أيام شهر رمضان ؟ دعنا نكن واقعيين تجريديين، ما الذي ينبغي أن يفكر به الشاب و الفتاة من أجل أن يستفيد من كل لحظة في رمضان ؟
إذا استطاع أن يصلي الشاب الفجر في المسجد لأنه من صلى الفجر في جماعة كان في ذمة الله حتى يمسي، و الفتاة أيضاً، إلا إذا هناك عذر ما، و من صلى العشاء في جماعة كان في ذمة الله حتى يصبح، إذا استطاع الشاب او الفتاة أن يصلوا الفجر في جماعة و أن يمكث في المسجد إما أن يقرأ القرآن أو أن يذكر الله أو أن يفكر في ملكوت السماوات و الأرض حتى تطلع الشمس.
هذا موضوع التفكر في خلق الله أو في ملكوت السماوات و الأرض من أرقى العبادة و هذه عبادة أنت متخصص في الحديث عنها، فأعتقد أننا نحتاج أن تشرح لنا أكثر ما المقصود بالتفكر و التأمل ؟ هل هي طريقة صوفية خاصة ؟
طريقة قرآنية لأن الله سبحانه و تعالى يقول:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾
أي في كل حالاتهم:
﴿وَيَتَفَكَّرُونَ﴾
فعل مضارع يفيد الاستمرار:
﴿فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191)﴾
أنا حينما أنظر إلى طعامي كيف خلق ؟ إلى شرابي كيف كان ؟ إلى قوامي كيف صنعه الله عز وجل ؟ هذه كلها آيات تنعكس على الإنسان تعظيماً لله لأن الله سبحانه و تعالى في بعض الآيات يقول عن أهل النار:
﴿إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)﴾
هو آمن بالله خالقاً لهذا الكون لكن ما آمن به عظيماً يقتضي أن تخشاه و أن تقف عند أمره و نهيه، فنحن حينما نمضي وقتاً بين صلاة الفجر و بين طلوع الشمس إما في تلاوة القرآن أو في التفكر بآيات الأكوان أو في الذكر الذي أثر عن النبي عليه الصلاة و السلام و أما في النهار فينبغي أن نشدد على الاستقامة التامة كغض البصر و ضبط اللسان و أن نشدد على العمل الصالح، فالاستقامة و العمل الصالح طريقان إلى الله، من استقام على أمر الله سلم، و من عمل صالحاً سعد، و السلامة و السعادة مطلبان ثابتان لكل مسلم، الاستقامة أي أنك طبقت تعليمات الصانع، و ما من جهة أعظم و أجدر أن تتبع تعليماتها كالصانع و هذا القرآن تعليمات الصانع فإن استقمت على أمر الله سلمت، أما إن بادرت و قدمت شيئاً من مالك و كان عليه الصلاة و السلام جواداً و كان أجود ما يكون في رمضان، إذا قدمت شيئاً من مالك أو شيئاً من جهدك أو شيئاً من خبرتك أو شيئاً من علمك، كل إنسان له هوية فالذي أقامه غنياً أول عبادة له إنفاق المال، و الذي أقامه قوياً أول عبادة له إنصاف الضعفاء، و الذي أقامه عالماً أول عبادة له تعليم العلم، و التي أقامها امرأة أول عبادة لها أن تحسن رعاية زوجها و أولادها:
اعلمي أيتها المرأة و أعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله.
فإذا أمضيت النهار كله في ضبط شديد للجوارح العين و الأذن و اللسان و اليد و في بذل و عطاء مما آتاني الله ثم صليت التراويح و كأنها مناسبة لقبض الثمن ثم صليت قبل الفجر أنا أقوم لأتسحر قبل الفجر بركعتين أو أربع ركعات قيام الليل أنا أكون قد حققت المراد من هذا الشهر، هناك حالة اسمها تراكم فكل يوم تزداد معرفتك بالله و يزداد قربك منه إلى أن تشعر أنك وصلت إلى شيء ثمين عندئذ دون أن تشعر تقول في يوم العيد الله أكبر.
دكتور لدي سؤال لكن أحب أن نأخذ هذا الاتصال:
السلام عليكم، و عليكم السلام، كل عام و أنتم بخير من محمد خطاب.
بالنسبة للصيام و الزكاة البعض يقول كل شخص بعد مسير ثمانين كيلو متراً يحق له أن يفطر و هذا الوقت بالنسبة للسيارات، بالنسبة للمواصلات نصف ساعة يكون في المكان الذي هو يحق له أن يفطر به، ما تعليقكم على هذه الناحية ؟
الحقيقة أنه لو ضبطنا العبادات بالحكمة وقعنا في إشكال كبير، لعل الحكمة من أن الله سبحانه و تعالى سمح للصائم أن يفطر لعل الحكمة هي المشقة لكن هذه المشقة لا يمكن ضبطها، فالشرع حسماً للأمور جعل السفر علة الإفطار، مطلق السفر، قد تسافر إلى قارة ثانية و أنت مرتاح، و قد تسافر إلى مسافة قريبة و أنت متعب، فقضية المشقة من المستحيل ضبطها.
إذاً جعلت على الإفطار هو السفر لكن الله عز وجل يقول:
﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾
أي إذا كنت متمكناً و إذا كنت نشيطاً و آثرت أن تبقى صائماً هو خير لكم لكن مسموح لك أن تفطر، النبي عليه الصلاة و السلام في بعض الغزوات أفطر، هناك أناس بقوا صائمين يبدو أن هناك مشقة بالغة جداً فقال عليه الصلاة و السلام أولئك العصاة.
أما حينما يكون الإفطار مقبولاً و البقاء في الصيام مقبولاً فالنبي عليه الصلاة و السلام أجاز للمسلم أن يفطر لأنه وجد من الحكمة أن يفطر، و أجاز له أن يبقى صائماً، و التوجيه القرآني:
﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾
إذاً فيما يتصل بالسفر من المعلوم أن البقاء على الصوم أفضل و لكن علينا أن ندرك أن الله عز وجل يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، فإن صام فخير و إن أفطر فخير لكن يشترط أن يكون السفر على الأقل إحدى و ثمانين كيلو متراً هذه المسافة التي تحدث عنها الفقهاء و هي مسافة ستة عشر فرسخاً بالتعبير القديم.
إذاً دكتور راتب لدي سؤال و لكن هناك سؤال.....الآن لدي فرصة أن أسألكم هذا السؤال:
دكتور راتب أنت رجل داعية إلى الله عز وجل هناك ظاهرة في رمضان نشاهدها في مختلف المدن الإسلامية و حتى في أرضنا في الداخل بعض الفتيات غير المتحجبات و لكن عند صلوات التراويح تحضر إحداهن بثيابها المعتادة و لكن معها غطاء الصلاة إذا وصلت إلى باب المسجد وضعت غطاء الصلاة و دخلت إلى المسجد ماذا تنصح هؤلاء المصليات و هل يتقبل الله منهم ؟
سأل أحد أصحاب رسول الله النبي عليه الصلاة و السلام قال: ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: إيمان بالله، قال: مع الإيمان عمل ؟ قال: أن تعطي مما أعطاك الله، قال: إن كان لا يجد ما يعطي ؟ قال: أن تأمر بالمعروف و أن تنهى عن المنكر، قال: فإن كان لا يستطيع ؟ قال: فليعن الأخرق، قال: فإن كان لا يحسن، فغضب النبي عليه الصلاة و السلام قال: أما ترضى أن تبقي لصاحبك من خير ليمسك أذاه عن الناس.
فجاء السؤال المحرج قال يا رسول الله أوإن فعل هذا دخل الجنة ؟ قال عليه الصلاة و السلام: ما من عبد مسلم يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة.
أي حينما تأتي الأخت بثياب لا ترضي الله عز وجل و تدخل إلى المسجد و معها غطاء للصلاة ـ هي تتحجب في الخارج ـ نقول لها ثابري على الصلاة في المسجد و أرجو الله أن يهديك إلى أن تتحجبي.
إذاً لا ننهاها عن الصلاة و إنما نأمرها بالاحتشام، لأن الصلاة قد تنهاها في المستقبل عن الفحشاء و المنكر.
الآن عودة إلى برنامج رمضان، أنت حدثتنا أن الصباح هو أنسب وقت للتأمل فهل تنصح بالتأمل أن يكون في المسجد أو أن يخرج الإنسان ليرى هذه الطبيعة و أن يتأمل فيها، أي هل يكون مجلسه بحيث يشاهد جدار المسجد ؟
كلا المكان ليس شرطاً، لكن في المألوف أن مكان العبادة يكون فيه الاتصال بالله أقوى، أنت جرب أن تصلي في البيت قد تقرأ أقصر سورة، أما في المسجد هناك إمام يقرأ قراءة جيدة، جو المسجد جو صلاة، جو المسجد جو ذكر، فإذا كان خارج المسجد يوجد مكان جميل لا يشغلني عن ذكر الله لا يوجد مانع، المكان ليس عبرة، جعلت لي الأرض كلها مسجداً و طهوراً.
كيف تنصحنا أي ما هي الكتب التي إذا اقتناها المسلم أن يصبح من أهل التأمل، هل كثيرون ينظرون فيما خلق الله عز وجل في السماوات و الأرض و لكن لا يتحرك شعرة من مشاعرهم، هناك أشخاص يتجولون و يسافرون و من بلد إلى بلد و لكن لا يتحرك فيهم شيء ما هو هذا المعنى ؟
أنا أرى في القرآن الكريم ألف و ثلاثمئة آية تتحدث عن خلق السماوات و الأرض و عن خلق الإنسان و الحيوان و النبات، في الكون مليارات الآيات، لماذا اختار الله من بين كل هذه الآيات هذه الألف و ثلاثمائة آية أنا أعتقد أن هذه الآيات رؤوس موضوعات التفكر، أضرب مثلاً، منهج آيات القرآن الكريم الكونية ألف و ثلاثمائة آية أنا سأذكر مثلاً واحداً: الله عز وجل قال:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً﴾
دكتور محمد البعوضة وزنها ميليغرام أي واحد على ألف من الغرام، و التي تلدغ هي الأنثى قال:
﴿بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾
فالبعوضة في رأسها مئة عين، و في فمها ثمانية و أربعون سناً، و لها ثلاثة قلوب و لكل قلب أذينان و بطينان و دسامان، قلب مركزي و قلب لكل جناح، و البعوضة عندها أجهزة استقبال حرارية بمعنى أن الأشياء تراها لا بحسب شكلها أو حجمها بحسب حرارتها، و هذه مستقبلات الحرارة حساسيتها واحد على ألف من الدرجة المئوية فإذا كانت البعوضة في غرفة فيوجد أدوات و يوجد أثاث أما يوجد إنسان نائم تتجه إلى النائم بحكم حرارته، الآن في خرطومها ست سكاكين أربع سكاكين تحدث جرحاً مربعاً و السكينان الداخليان تلتئمان فتكونان أنبوباً ولابد من تمييع الدم حتى يسري في خرطومها الدقيق، و لابد من التخدير، و لابد من فحص الدم فما كل دم يناسبها، فهناك جهاز تحليل و جهاز تخدير و جهاز تمييع، و هناك جهاز رادار أي مستقبلات ضوئية ترى بالأشعة تحت الحمراء.
و البعوضة يرف جناحاها ستين رفة بالثانية، و يمكن أن تشم رائحة الإنسان من ستين كيلو متراً، و لها مخالب لتقف على سطح خشن، و لها محاجم لتقف على سطح أملس، إذا قرأت هذا الموضوع ثم تلوت قوله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾
هذا المخلوق الذي لا يرى و قد يقتله الإنسان و لا يشعر بشيء فيه هذه الدقة البالغة.
سبحان الله لاشك أن إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة دعنا نأخذ هذا الاتصال:
السلام عليكم، و عليكم السلام، نريد نصيحة قبل شهر رمضان، هناك أمراض من بعض الميكروبات بالبطن أي مراعاة المعدة هذه الأشياء تساعد المؤمن الذي يصوم على الصلاة، و الإنسان عندما يحضر لشيء يجب أن يكون على الأقل نظيف داخلياً و هذه عملية ضرورية للصيام ؟
قدمت نصيحة صحية مهمة جداً أي كثير من الأمهات يشجعن أبناءهن على الصوم و لكن يجب أن نحذر الطفل قد لا أي قد يكون متحمساً مع الأسرة كلها يريد أن يصوم و لكن له خصوصيات في بدنه يجب أن نعالجها، منها السوائل أي ننتبه إلى السوائل ؟
هذا الفم أخطر ما في الإنسان، يجب أن يدقق الإنسان فيما يخرج منه من كلام و فيما يدخل إليه من طعام.
السلام عليكم، و عليكم السلام، من لميس، نشكركم على هذه البرنامج الإنسان بحاجة لأشياء تقوي الإيمان بقلوبنا و يقربنا من الله سبحانه و تعالى أكثر، لنتوجه إلى الخالق مهما بنا من معاص فهو عليم بذات الصدور، كلما حاولنا الاقتراب ازداد حبه في قلوبنا و الله قد وعدنا على أن يساعدنا إنه لا يخلف الميعاد، الآن أدعو كل مسلم إلى قراءة القرآن و إلى ذكر الله أكثر و أكثر ليس باللسان فقط بل بالروح، و أريد أن يصل صوتي إلى أخواتي المسلمين أدعوهم ألا يقنطوا من رحمة الله و أنهم مهما أذنبوا فإن الله سيغفر لهم فهو الغفور الرحيم، إني أريد أن يصلوا إلى الفرحة التي وصلت إليها بعد أن تقربت، هاأنا الآن قد بدأت خطوة بعد خطوة و قد قربتني خطواتي إلى ما تمنيت فلا تقنطوا عباد الرحمن من رحمة الله:
﴿قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56)﴾
أرجو من أخواتي أن يتقربوا إلى الله في هذا الشهر الفضيل، أحببت أن أدعو المستمعين أن يقتربوا من الله كما أنا اقتربت لأنه بفترة قصيرة جداً دعوت الله سبحانه و تعالى فاستجاب لي، فشهر رمضان الرحمن مفتوحة أبوابه و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
السؤال عن التهجد في رمضان فنحن نصلي و لكن من دون سحور هل نخالف رسول الله عليه الصلاة و السلام ؟
أخت لميس مداخلة و ضيفة، رمضان أفق كريم، رمضان مناسبة للإقبال على الله عز وجل، رمضان مناسبة للإصلاح بين الإنسان و بين الناس، و أيضاً للإصلاح ما بينه و بين الله عز وجل.
الأمر بالسحور أمر إباحة قال تعالى:
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾
ففي القرآن الكريم أوامر كثيرة بعضها أوامر إيجاب وجوب:
﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾
بعضها أوامر ندب:
﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾
بعضها أوامر إباحة:
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾
فالإنسان إذا كان مزاجه الصحي يقتضي ألا يأكل يستيقظ و يشرب الماء و يشرب شيئاً من الشراب الساخن إذا أحب ثم ينوي الصيام فليس الطعام بالسحور واجباً إنما هو مباح.
لكن الصيام هو الواجب أي السحور سنة أي لعل البعض يطبق