- ندوات إذاعية
- /
- ٠15برنامج رسالة التجديد - إذاعة القدس
مقدمة :
المذيع:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنام، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
أيها الأخوة الكرام؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم إلى هذا اللقاء الإيماني في حلقة جديدة من برنامج: " رسالة التجديد "، ضمن سلسلة التنوير على طريق البناء الأمين لجيل الرسالة، وتكوين الأمم، وبناء الحضارات.
مرة أخرى من النعم العظيمة التي منّ الله سبحانه وتعالى عليّ بها، وزادني تشريفاً بأن أنوب عن فضيلة الشيخ الدكتور محمد حبش بتقديم هذه الحلقة من برنامج:"رسالة التجديد"، الذي يعده ويقدمه فضيلته، وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى ما فيه الخير، ونرجو الله سبحانه وتعالى أيضاً أن يعود إلينا فضيلة الشيخ الدكتور محمد حبش، وإلى أهله ودياره سالماً غانماً متقبلاً منه طاعته .
أيها الأخوة الكرام؛ الإسلام دين التكامل، وقد وازن بين حاجات الجسد وحاجات الروح، ووزان بين القيم والمتطلبات، بين ما هو عليه الإنسان وما يجب أن يكون عليه، وقد أعطى الإسلام للأسرة زخماً حضارياً، وبعداً إنسانياً، حدد بموجبه الحقوق والواجبات، وأدبيات التعامل، وزاد على ذلك أن القرآن الكريم دستور الأمة الإسلامية الخالد، بيّن الأحكام الشرعية في كل ناحية من نواحي المجتمع، كما بيّن أحكام الأسرة، وإن كنا في هذا المقام لا نستطيع أن نحيط بالتشريع الإسلامي للأسرة وأحكامها تفصيلاً، أو بيان هذا التشريع إجمالاً، إلا أننا نستطيع أن نضع تحت دائرة الضوء أسباب الشقاق الزوجي، وأسباب السعادة الزوجية، ويشرفني أن أكون إلى جانب ضيفنا الكبير فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، المحاضر في كلية التربية بدمشق .
السلام عليكم ورحمة الله وأهلاً بكم دكتور .
الدكتور راتب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
المذيع:
دكتور راتب معلوم أن الإسلام حرص على أن تكون العلاقة طيبة بين الزوجين، يسود هذه العلاقة الاستقرار، والاطمئنان، وذلك حرصاً على سلامة الأسرة من أن يعتريها أية شائبة تمس في جوهر العلاقة الأسروية، يقول الحق سبحانه وتعالى:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
كيف تتجلى هذه العلاقة ؟
حرص الإسلام على العلاقة الطيبة بين الزوجين :
الدكتور راتب :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم، وفي كتابه العزيز، وفي وحي السماء، وفي دستور الإنسان، وفي منهج الخالق يقول:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
وكلمة السموات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون، والكون ما سوى الله، إذاً كل الكون آية دالة على عظمة الله، ومن آياته أيضاً خلق السموات والأرض، ومن آياته الليل والنهار، ومن آياته الشمس والقمر، ومن آياته أيضاً:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
أي كما أن خلق السموات والأرض آية دالة على عظمته، وكما أن الشمس والقمر آيتان دالتان على عظمته، وكما أن الليل والنهار آيتان دالتان على عظمته، نظام الزوجية، ونظام الذكر والأنثى، والعلاقة بينهما هي من خلق الله، ومن تصميم الله، وتبدو هذه العلاقة في خصائص قال:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾
أي الزوجة إنسان لها مشاعرها، ولها طموحاتها، ولها مبادئها، ولها قيمها، ولها رغباتها، تسعد وتشقى، ترضى وتغضب، تسمو وتسفل، ترقى عند الله، وقد تصل إلى أعلى درجة
﴿ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾
لها رغبات، لها ميول، لها مشاعر، لها كرامتها
﴿ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾
أي من جبلتكم، من خصائصكم:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾
ما هو السكن؟ الراحة، الطمأنينة، السعادة، الإنسان متى يسكن إلى زوجته؟ حينما يكمل نقصه بها، والزوجان في الحقيقة العلمية متكاملان وليسا متشابهين .
المذيع:
أستاذي فيما يتعلق في بنود الاستقرار، هل يعني الاستقرار عدم وجود مشاكل وقضايا عائلية أم أن الاستقرار أيضاً عنصر أمني في الأسرة؟
بنود الاستقرار في الأسرة :
الدكتور راتب :
هو جبل جبلة خاصة تتناسب مع مهمته في الحياة، فالعنصر القيادي مهم عنده جداً، والرؤية عنده بعيدة جداً، وعنده القدرة على التعامل مع المحيط الخارجي تعاملاً جيداً، هذه خصائصه كزوج، لأن هذه الخصائص كمال لأداء مهمته، لكنه يفتقر للتأجج العاطفي، يفتقر إلى الجمال، فإذا رأى نفسه مفتقراً إلى هاتين الصفتين، ووجدهما في زوجته إذاً يسكن إليها، لأنه يكمل نقصه العاطفي والجمالي بها فيرتاح بها .
هي تريد قائداً، واسع الأفق، حاد البصر، بعيد النظر، تريد حامياً لها، تريد منفقاً عليها، تريد من تركن إليه، فإذا وجدت في زوجها هذه الصفات سكنت إليه وارتاحت، هي تكمل نقصها القيادي في زوجها، ويكمل الزوج نقصه العاطفي في زوجته .
المذيع:
نلاحظ أن هذا البنيان نشأ على أساس تبادلي أيضاً بين الزوج والزوجة؟
المودة والرحمة بين الزوجين هي من خلق الله عز وجل :
الدكتور راتب :
كل منهما يسكن للآخر، كل منهما يكمل نقصه في الطرف الآخر، كل منهما مفتقر إلى الآخر، هذا من خلق الله عز وجل:
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾
هناك تكامل بينهما، الحقيقة أن صفات الزوج العقلية والجسمية والاجتماعية والنفسية متعلقة بالمهمة التي أنيطت به، وأن صفات المرأة العقلية والجسمية والاجتماعية والنفسية منوطة بالمهمة التي ألقيت على كاهلها.
جاءت امرأة إلى النبي عليه الصلاة والسلام قالت: يا رسول الله إن زوجي تزوجني وأنا شابة ذات أهل ومال، فلما كبرت سني، ونثر بطني، وتفرق أهلي، وتبدد مالي، قال: أنت عليّ كظهر أمي، ولي منه أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا - أنا أربيهم - وإن ضممتهم إليّ جاعوا - هو ينفق عليهم - .
هذه المرأة التي اشتكت إلى النبي، والتي سمع الله شكواها من فوق سبع سموات حددت لكل من الطرفين مهمته الأساسية، هي تربي، وهو يكسب المال، فالآية تقول:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
فهذه المودة والرحمة بين الزوجين هي من خلق الله عز وجل، هي الأصل في العلاقة الزوجية، هي الأصل في تحقيق الهدف الكبير للزواج:
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
ولكن لو وقفنا وقفة متأنية عند المودة والرحمة لأخذنا العجب، هذه المؤسسة وجدت لتبقى، قد ينشأ طارئ فتفقد الزوجة الصفات التي ينبغي أن تكون عليها، لمرض أصابها، وقد ينشأ طارئ فيفقد الزوج الصفة التي بني عليها الزواج وهي كسب المال، فإذا ضعف كسب المال أو انعدم، أو أصيبت الزوجة بمرض كيف تستمر هذه العلاقة مع أن المصلحة الزوجية تعطلت؟ تأتي الرحمة مكان المودة، أي حينما تحقق المصلحة، المودة هي التي تزيد هذه العلاقة متانة، أما حينما تتعطل المهمة الأساسية للزواج فتأتي الرحمة لتحل محلها، فلذلك الزواج في عالم المسلمين رائع جداً.
مرة سألت أحد القضاة وكان يحضر درس التفسير: كم نسب الطلاق في بلاد الغرب؟ فقال: في أمريكا تزيد النسبة عن خمسة و ستين بالمئة، أي خمسة و ستون بالمئة من الزواج ينتهي إلى الطلاق خلال عامين فقط، وسألته عن نسب الطلاق في أوربا فقال: تزيد عن خمسة و ثلاثين بالمئة، سألته عن نسب الطلاق في بلاد المسلمين فقال: واحد ونصف بالألف، لأن هذا الزواج لم يبن على شهوة، أو على متعة، أو على رغبة حسية، بني على رحمة، بني على مودة، إذاً:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
المذيع:
أستاذي هذه النسبة على قلتها نجدها ظاهرة كثيراً في المجتمع؟
المعصية أحد أسباب الفراق بين الزوجين :
الدكتور راتب:
والله لكن لا أكتمك أن هذه النسبة ارتفعت كثيراً، أي مع تفلت المسلمين من منهج الله ارتفعت مع الأسف الشديد إلى خمسة عشر بالمئة في بلاد المسلمين، حينما ينصرف كل زوج عن زوجته إلى جهة أخرى تضعف هذه المودة والرحمة، لأنه ما من مؤمنين توادا في الله ففرق بينهما إلا بذنب أصابه أحدهما، فحينما يقع أحد الزوجين أو كلاهما في معصية، هذه المعصية أحد أسباب الفراق.
المذيع:
سنعود إلى هذه النقطة من أسباب الطلاق، ولكن نتابع الحديث عن المودة والرحمة.
خيرية الإنسان تكون في بيته :
الدكتور راتب:
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
فهذه المودة والرحمة من خلق الله .
شيء آخر: الله عز وجل جعل خيرية الإنسان في بيته، السبب؟ طبعاً بوحي من الله، يقول عليه الصلاة والسلام:
((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي))
لابد من أن نوضح القضية بمثل، أنا حينما أتقدم لامتحان قيادة السيارة، كيف أفحص؟ أكلف أن أرجع إلى الوراء، يوجد طريق ضيق لا يزيد عن عرض السيارة، وهناك طريق ملتو على شكل s، وإشارات بلاستيكية، لو أنني مسست إحداها لوقعت، إذاً أصعب شيء في القيادة أن ترجع إلى الوراء في طريق ضيق، وفي مسار متعرج، وهناك إشارات تنبئ بأنك مسست إحداها، فإن نجحت في هذا فكل شيء سوى ذلك سهل جداً، الإنسان خارج البيت يحرص على سمعته، وعلى مكانته، يتجمل، يتزين، يستخدم ألطف العبارات، يعتذر، يبتسم، يقدم هدية، يبش بوجهه، حفاظاً على سمعته، وعلى مكانته، أما في البيت فلا يوجد رقابة في البيت، و لا يبتغي منصباً، ولا رفعةً، ولا مكانة، ولا حفاظاً على سمعة، ولا شيئاً من هذا القبيل، لذلك تكشف الحقيقة المرة في البيت، فالذي تجده في بيته أخلاقياً، صادقاً، أميناً، متواضعاً، يحب خدمة أهله- عدا النبي - هذه الخيرية في البيت مقياس لخيرية الإنسان خارج البيت، فقال: " خيركم خيركم لأهله وأن خيركم لأهلي " أنا أستمع إلى شكاوى كثيرة جداً، أن إنساناً له مكانته، وله سمعته، وله مصداقيته خارج البيت، في البيت إنسان آخر، قاس، أناني، يحب ذاته، أقول سبحان الله صدق عليه الصلاة والسلام حينما قال:
((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي))
ضرورة المحافظة على الأسرة لأنها اللبنة الأولى في المجتمع :
أستاذ زهير المشكلة أن هذه الأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع، فإن تماسكت تماسك المجتمع، وإن ارتقت ارتقى المجتمع، وإن كانت إيجابية كان المجتمع إيجابياً، وحينما تتفكك الأسرة، وحينما تنهار القيم في الأسرة، وحينما تحل العداوة والبغضاء بين الزوجين، فقد تفكك المجتمع، لذلك النظم الإلهية تدعم الأسرة، والنظم الوضعية تفكك الأسرة، ومرة صرح أحد رؤساء جمهوريات أمريكا كلينتون أن أكبر خطر يهدد أمريكا لو أنني سكت ماذا يخطر في بالك؟ الصين فرضاً، التجمع الأوربي، أكبر خطر يهدد أمريكا برأي كلينتون تفكك الأسرة، وشيوع الجريمة، وانتشار المخدرات، لذلك القرآن الكريم كما تفضلتم في مقدمة هذا اللقاء اعتنى عناية بالغة بالعلاقة بين الزوجين.
أنا أقول لك: لعل تسعة أعشار الأحكام الشرعية متعلقة بموضوعين كبيرين، موضوع كسب المال وإنفاقه، وموضع العلاقة الزوجية، أو علاقة الإنسان بالمرأة مطلقاً، لأنهما شهوتان طاغيتان، فحينما لا تنضبطان بمنهج الله يحل الفساد في الأرض، ولو سألتني أن ألخص لك كل أنواع الفساد في الأرض أقول لك: الفساد لا يزيد عن أن يكون هناك حرية عشوائية في العلاقة بالمرأة، وحرية عشوائية في كسب المال، وأن عظمة هذا الدين أنه يضبط كسب المال وإنفاقه، ويضبط العلاقة بين الزوجين، بل إنه ما من فضيحة في تاريخ البشرية إلا متعلقة بالفضيحة الجنسية أوالمالية .
المذيع:
أستاذي اسمح لي أن نأخذ هذه المداخلة، ونتوقف بعدها مع عناوين أخبار الواحدة والنصف.
السلام عليكم.
الأستاذ عبد الفتاح السمان:
وعليكم السلام ورحمة الله، أستاذ زهير نرحب بك وبالدكتور راتب.
المذيع:
أهلاً بك أستاذ عبد الفتاح السمان.
الأستاذ عبد الفتاح السمان:
دكتور راتب تعودنا منك أن يكون الحديث ذا شجون، ولكني أراك اليوم تتهرب من كلمة الحب، وتستعيض عنها بكلمة المودة، فهل يوجد علاقة حب بين الزوج والزوجة أم هي المودة فقط التي ذكرتها في القرآن الكريم؟ فكما نعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام خرج غير مرة ليقول للناس عن السيدة عائشة: " إني رزقت حبها "، فتلفظ بهذا اللفظ، فهل هناك استعمال لهذا اللفظ في المدلول الإسلامي؟ وهل له علاقة بما طرأ على هذا اللفظ من تغيرات ومن اصطلاحات في عالمنا اليوم؟ هذا جانب.
الجانب الآخر الذي أتمنى أن نستمع لرأيك وأنت متخصص في قضايا الاجتماع والتربية، قضية مهر المرأة، فكما نعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قد زوج ابنتيه بمهر، وزوج أحد الصحابة بما معه من القرآن، فهل هناك قاعدة يبنى عليها المهر؟ هناك من الناس من يرفض أخذ المهر على أنه عادة لا يريدها، أو يتباهى بأنه لم يأخذ مهراً، وآخرين يتباهون بأنهم أخذوا الملايين كمهر للمرأة، فما هي القاعدة وما هو الأسلوب الأنجع لبناء حياة سليمة أسرية تحفظ حق المرأة وحق العائلة وتجعل من هذا الشاب الذي يريد أن ينشئ أسرة شاباً ملتزماً واعياً لمفهوم الأسرة في الإسلام؟ كل الشكر، وكل التقدير لكليكما، وكل الشكر أولاً وأخيراً لإذاعة القدس والسلام عليكم ورحمة الله.
المذيع:
أستاذي الكريم اسمح لي أن نتوقف قليلاً لعناوين أخبار الواحدة والنصف، وبعد ذلك نعود ونرد على أسئلة ومداخلة الأستاذ عبد الفتاح .
نعود ونتابع أيها الأخوة هذه الحلقة من برنامج:" رسالة التجديد"، ومعنا في الاستديو فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي المحاضر في كلية التربية بدمشق، وموضوع لقاء اليوم عن أسباب الشقاق الزوجي وأسباب السعادة الزوجية.
أستاذي الكريم كان هناك مداخلة قبل عناوين أخبار الواحدة والنصف من السيد عبد الفتاح السمان، وجه شبه اتهام أنك تتهرب من التلفظ بكلمة حب، وتلجأ إلى لفظ المودة، فعلاً أستاذ تتهرب من هذه الكلمة؟
الحب من جبلة الإنسان لا يستطيع أحد أن ينكره :
الدكتور راتب:
لا أستطيع أن أتهرب من هذه الكلمة وقد ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام، إن السيدة عائشة سألت سيد الخلق وحبيب الحق كيف حبك لي؟ فأجابها إجابة شافية قاطعة جامعة مانعة، قال لها: كعقدة الحبل، فأصبح هذا رمزاً بينهما، كانت تسأله من حين لآخر كيف العقدة؟ فيقول: على حالها، لا تزال عقدةً محكمة، الحقيقة أن الإنسان الذي لا يحب ليس من بني البشر، من جبلة الإنسان أنه يحب.
مرةً كنا في كلية التربية، وودعنا أحد أكبر الأساتذة حينما أحيل إلى التقاعد، ألقيت كلمات كثيرة جداً في الإشادة بفضله، فلما جاء دوره في الحديث، قال هذه العبارة أحفظها غيباً قال: الإنسان الذي لا يشعر بحاجة إلى أن يحِب أو يحَب ليس من بني البشر .
يمكن أن تحب الله، وهذا أسمى أنواع الحب، ويمكن أن تحب الحقيقة، أنت موضوعي، يمكن أن تحب أولادك، يمكن أن تحب زوجتك، الحب مستويات، وقد يصل الحب إلى المستوى الحسي، العلاقة الجنسية نوع من الحب، لكن الحب كلمة سامية جداً، بل إن علة خلق السموات والأرض هي محبة الله لخلقه، بل إن الله عز وجل لو شاء لهدى الناس جميعاً، لكن أرادهم أن يأتوا إليه محبين طائعين، لا أن يأتوا إليه طائعين قسراً، المحبوبية أساس نظام التكليف، أساس نظام حرية الإنسان، أرادك أن تأتيه محباً لا أن تأتيه مكرهاً، لا إكراه في الدين، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام حمد الله على أنه رزق حب عائشة، والسيدة عائشة سألت عليه الصلاة والسلام عن حبه لها فقال: كعقدة الحبل، ولكن المودة أبلغ من الحب .
المذيع:
هنا سأل الأخ عبد الفتاح عن الفرق بين المودة والحب.
الفرق بين المودة و الحب :
الدكتور راتب:
المودة سلوك يعبر به عن الحب، سلوك أي ابتسامة، هدية ثمينة، خدمة، خوف على المحبوب، إشفاق عليه، سلوك ينطلق من الحب، فكل مودة فيها حب، لكن ما كل حب فيه مودة، إذاً المودة أبلغ، وهي كلمة قرآنية.
المذيع:
أيضاً تحدث الأستاذ عبد الفتاح عن قضية المهور، وسأل في نهاية مداخلته هل هناك أساس أو قاعدة تبنى عليها قضية المهور ؟
قضية المهور :
الدكتور راتب:
الحقيقة إن العقد- عقد الزواج - إن لم يكن فيه مهر فهو فاسد، هذا عند كل الفقهاء، والعقد الفاسد شيء، والعقد الباطل شيء آخر، لو أن إنساناً عقد زواجه على أخته من الرضاعة خطأ بعد أن عقد الزواج عليها تبين أن هذه الفتاة رضعت من أمه حينما كانت صغيرة، ولم يعلم إلا بعد العقد، فالعقد باطل، يفسخ، بينما العقد من دون مهر عقد فاسد يصحح، فإذا كان كل الفقهاء أجمعوا على أن العقد من دون مهر عقد فاسد، إذاً المهر جزء من لوازم العقد، لذلك.
﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ﴾
لكن يقول عليه الصلاة والسلام :
(( أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً ))
أعظم النساء بركة أقلهن مهراً، أعظم النساء بركة أقلهن مؤونة.
المرأة المؤمنة لا تضغط على زوجها من أجل أن يكسب المال الحرام فيروي رغباتها، المرأة المؤمنة مثلها الأعلى الصحابية الجليلة التي كانت تودع زوجها وتقول: اتقِ الله بنا نصبر على الجوع، ولا نصبر على الحرام، والمرأة التي تطالب زوجها بنفقات فوق طاقته إنها تدفعه دون أن يشعر إلى كسب المال الحرام، من هنا قال الله عز وجل:
﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾
قال علماء التفسير هذه عداوة مآل لا عداوة حال، أي هو يحبها وتحبه، أما حينما دفعته إلى كسب المال الحرام، واستحق النيران يوم القيامة، فنشأت تلك العداوة، لأنها كانت هي السبب، إذاً المهر لا بد منه، ولكن أعظم النساء بركة أقلهن مهراً، أما هذا الذي يلغي المهر كلياً فهو لا يفقه حقيقة هذا التشريع .
شيء آخر المرأة ليست شيئاً مبتذلاً، الآن ما الذي يحصل بأمريكا وبأوربا؟ شيء مخيف، مساكنة فقط، لا يوجد عقد، ولا مهر، ولا عقد مدني، ولا أي شيء، في أية لحظة يركلها بقدمه، أما في الإسلام فالزوجة لها شأن، أي أحد أسباب أن نمنحها قيمة هذا المهر، أي الزوج حينما يفكر بطلاق زوجته يوجد مئة ألف يجب أن يدفعها بالتمام والكمال وإلا يسجن، أي هذا الشيء لرفع معنويات المرأة، أما أن تطالب امرأة بخمسة ملايين فرضاً فهذا أيضاً خلاف الشرع، ارتفاع المهور ليست من روح شريعة الإسلام.
المذيع:
نحن الآن قد دخلنا إلى أحد أسباب الشقاق الزوجي، وهناك أيضاً ملاحظة للأستاذ عبد الفتاح السمان جزاه الله خيراً عن الأسلوب الأنجع لبناء أسرة سليمة، الآن طالما تطرقنا إلى المشاكل، إذاً نحن نعالج ونضع حلولاً، ونضع تعريفاً أيضاً للحياة السعيدة؟
عدم تطبيق منهج الله في الزواج من أسباب الشقاق الزوجي :
الدكتور راتب:
الإنسان هو أعقد آلة بالكون، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة صانع حكيم، ولهذا الصانع تعليمات التشغيل والصيانة، فالإنسان انطلاقاً من حبه لذاته، وحبه لسلامة ذاته، وحبه لكمال ذاته، وحبه لاستمرار ذاته، إذا طبق تعليمات الصانع سعد في الدنيا والآخرة، والزواج جزء من ذلك، أسوق لك آية دقيقة جداً يقول الله عز وجل:
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
أي شاب متفلت يروي رغباته الجنسية مع أي فتاة، لا يعبأ لا بقيم الدين، ولا بقيم المنطق، ولا بقيم الخلق، وشاب آخر صبر حتى رزقه الله زوجة صالحة، أيعقل أن يعامل هذان الشابان معاملة واحد؟
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾
دعك من الآخرة مبدئياً .
﴿ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾
إذاً أسباب الشقاء الزوجي في الأصل يمكن أن تعود إلى شيء واحد هو عدم تطبيق منهج الله في الزواج، لذلك الزوجان الناجحان يحتكمان إلى الشرع في كل قضية، والشرع يعطي كل طرف حقه .
المذيع:
الآن نأتي إلى ذكر الأسباب أستاذي الكريم، نبدأ بمسألة فيما يتعلق باختيار الزوجة، أي هذه النقطة لها علاقة أساسية بأسباب الشقاق، أي حين يختار الزوج زوجته أو شريكة حياته ينبغي أن يحسن الاختيار.
الأسباب التي تفضي إلى الشقاء الزوجي :
1 ـ الجهل :
الدكتور راتب:
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك))
وهناك حديث آخر أقل صحة من هذا الحديث:
(( من تزوج المرأة لجمالها أذله الله))
أي لجمالها فقط، أي شهوته العارمة هي التي كانت حاسمة في هذا الموضوع .
ومن تزوجها لحسبها زاده الله دناءة، ومن تزوجها لمالها أفقره الله، فعليك بذات الدين تربت يداك.
طبعاً اختيار الزوجة هذا قرار مصيري، وقرار - بالتعبير الشائع – استراتيجي، فحينما لا تحسن اختيار الزوجة هناك متاعب لا تعد ولا تحصى، تنتج عن سوء اختيار الزوجة، لذلك المؤمن يتزوج زواجاً متأنياً.
الحقيقة أنا أقول: يقع في رأس أسباب الشقاق الزوجي الجهل، الجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، أي أعدى عدو للمسلم هو جهله بمكونات الشرع، يفعل عملاً غير منضبط، يدفع ثمنه باهظاً، ذلك الأمر الإلهي علاقته بنتائجه علاقة علمية، لا علاقة وضعية، أنا قد أقول لابني: لا تخرج من هذا الباب - باب عادي، صالون له بابان- اخرج من هذا الباب، فخرج من الباب الذي منعته أن يخرج منه، فضربته، لا يوجد علاقة بين الضرب وبين خروجه من الباب، أما أنا فوضعت علاقة، أنا قلت: هذا الباب ممنوع أن تخرج منه، فالعلاقة بين السلوك والعقاب علاقة وضعية، أنا وضعتها، لكنها ليست علمية، أما حينما يأتي ابني ويضع يده على المدفأة المشتعلة فتحترق فالعلاقة بين وضع الإصبع واحتراقها علاقة علمية، أنا أعتقد وأؤمن أن العلاقة بين الأمر ونتائجه، وبين النهي ونتائجه علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة، فأنت إذا أردت السعادة الزوجية فعليك بطاعة الله، لأن الإنسان حينما يطيع الله في أمور زواجه، أي يطبق تعليمات الصانع، وليست من جهة في الأرض أليق من الجهة الصانعة التي تتبع تعليماتها لأنها خبيرة، إذاً الجهل يقع في أولى أسباب الشقاء الزوجي، هو أعدى أعداء الإنسان، أنا ما من عقد حضرته إلا وسمعت الذي أنشأ العقد يقول: على كتاب الله وسنة رسول الله، لو سألت الزوجين: هل تعرفان ما في كتاب الله وما في سنة رسوله من أحكام متعلقة بالزواج؟ لا يعلمان شيئاً، فكيف بني هذا العقد على كتاب الله وسنة رسوله، والزوجان يجهلان ما في كتاب الله وما في سنة رسوله من توجيهات للزوجين؟ النبي الكريم قال:
((اعلمِي أيتها المرأة وأعلمِي من دونك من النساء، أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))
وتوجه إلى الرجال فقال:
(( أكرموا النساء فو الله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم - في بعض الزيادات- ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً ))
الجهل يقع في أعلى مستويات الأسباب التي تفضي إلى الشقاء الزوجي.
2 ـ ضعف الإيمان :
هناك سبب آخر؛ ضعف الإيمان، الآن قد تعلم أنه ينبغي أن تكون حليماً، ينبغي أن تكون كريماً، ينبغي أن تكون مسامحاً، قد تعلم الزوجة أنه ينبغي أن تكون زوجة دؤوبة على خدمة زوجها وأولادها، قد تعلم أنها ينبغي أن تعتني بأولادها، لكن ضعف إيمانها يسبب لها تهاوناً في تطبيق تعليمات الصانع، فإذا كان هناك جهل فالجهل هو السبب، وإذا كان هناك علم لكنه غير مطبق فضعف الإيمان هو السبب، ألا ترى إنساناً يدخن وهو طبيب؟ هو أشدّ الناس علماً بأضرار التدخين، إذاً هذا يعلم لكنه لا يعمل.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾
3 ـ سوء التصرف :
الآن أحياناً هناك سوء تصرف، أنا أقول لك أيها الأخ الكريم:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾
الحكمة أثمن عطاء يناله الإنسان، الإنسان بالحكمة يسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، ومن دون حكمة يشقى بزوجة من الدرجة الأولى، بالحكمة يكسب المال الكثير، يعيش بالمال القليل، ومن دون حكمة يبدد المال الكثير، بالحكمة يحول الأعداء إلى أصدقاء، وبالحمق يجعل أعداءه أصدقاء، يمكن ولا أبالغ أثمن عطاء على الإطلاق أن يؤتيك الله الحكمة، إذاً سوء التصرف، قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾
الإنسان إذا كان مقطوعاً عن الله يلهم الحمق، تجده يضحي بعلاقته الزوجية لشيء تافه، بساعة غضب ينهي علاقته مع زوجته، يحلف طلاقاً مكرراً مثلاً بساعة غضب ينهي سعادته الزوجية، إذاً سوء التصرف أيضاً انعكاس لضعف الإيمان .
المذيع:
إذاً نحن حتى الآن عددنا الجهل، وضعف الإيمان، وسوء التصرف .
4 ـ التعالي :
الدكتور راتب:
الآن التعالي، التعالي صفة بغيضة جداً في الزوجين، قد تتعالى على زوجها، وقد يتعالى على زوجته، أما الشيء الذي يلفت النظر أن امرأة قبل الإسلام اسمها أمامة بنت الحارث أوصت ابنتها ليلة زفافها، قالت يا بنية: إن الوصية لو تركت لفضل أدب تركت لذلك منك، ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل، ولو أن المرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها أو لشدة حاجتهما إليها لكنت أغنى الناس عنهم، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال .
أي بنية: إنك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيباً ومليكاً.
أي بنية: كوني له أمةً- أي ؛ تواضعي له - يكن لك عبداً .
أي بنية: خذني عني عشر خصال تكن لك ذخراً وأجراً.
الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، والتفقد لموقع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، والكحل أحسن الحسن، والماء أطيب الطيب المفقو - ثبت الآن أن لجلد الإنسان رائحة عطرة لمجرد أن تتنظف، وأن تغتسل تبدو هذه الرائحة، لو أن المرأة فقيرة لا تملك ثمن عطور غالية يكفي أن تكون نظيفة فهي معطرة من قبل خالقها- والتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة، والاحتراس لماله، والإرعاء على حشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التدبير، وفي العيال حسن التقدير، ولا تعصي له أمراً، ولا تفشي له سراً، إنك إن عصيت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره، ثم إياك والفرح بين يديه إن كان ترحاً، والكآبة بين يديه إن كان فرحاً، فإن الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، واعلمي أني لن تصلي إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاكِ، وهواه على هواكِ فيما أحببتِ أو كرهتِ والله يختار لك .
هذه امرأة عاقلة جداً جاءت توجيهاتها قريبة جداً من توجيهات الشرع، لأن الفطرة واحدة، هذا من فطرتها، لو طبقت النساء هذه الوصية، أنا أتوقع أن تغلق المحاكم الشرعية أبوابها.
التعالي: أحد أسباب الشقاء الزوجي، تكون الفتاة بنت غني، جاءها موظف ذو خلق، وذو علم، وذو مكانة، تتعالى عليه بمال أبيها، أو بالعكس، تتعالى عليه بمستوى أبيها الاجتماعي، تتعالى بموقع بيت أبيها، أو بأصل عائلتها، أو بحسبها، أو بنسبها، أو يتعالى عليها، فأحد أسباب الشقاء الزوجي أن يتعالى كل منهما على صاحبه .
5 ـ الغياب الطويل عن البيت :
أستاذ زهير أنا في حكم عملي بالدعوة إلى الله، تصل إليّ قصص كثيرة
هذه القصص يمكن أن تلخص ببنود، فالغياب الطويل عن البيت أحد أسباب الشقاء الزوجي، بل أقول أخطر من ذلك: الغياب المديد عن البيت أي يذهب الساعة السادسة، ويأتي الساعة الثانية عشرة ليلاً، يأتي منهمكاً في العمل، هذه الزوجة تركتها وحدها في البيت ثماني عشرة ساعة ماذا تفعل بهذا الوقت؟ ما الذي ينبغي أن يؤنسها؟ من الذي ينبغي أن يواسيها؟ من هذا الذي ينبغي أن تتحدث معه؟ من هذا الذي ينبغي أن يؤنس وحشتها؟ إنه زوجها، زوجها غائب، لو أنها ضعيفة الإيمان، لو أنها بعيدة عن أن تحس بمراقبة الله لها، ربما زلت قدمها، وأحد أكبر أسباب انحراف المرأة أحياناً غياب زوجها الطويل، فأنا أنصح الأخوة الأكارم أن الغياب الطويل عن البيت له مضاعفات خطيرة، الغياب الطويل، أو أن يختار عملاً بعيداً عن بلده، سنوات أربع متتالية، هذه الزوجة تركت سنوات طويلة، من لها غير زوجها؟ على كلّ أنا أتمنى أن يبرمج الزوج نفسه على أنه يكون وجوده في البيت معقولاً كي يؤنس زوجته، ويتفقد أولاده.
المذيع:
أردت التوقف عند هذه النقطة لأنه في وقتنا الآن لا أظن أن هناك موظفاً أو رجلاً ليس لديه عمل آخر بعد عمله الأساسي، مشاغل الحياة، وكثرة النفقات، وأشياء كثيرة تحتم عليه أن يعمل عملاً آخر، أو يبحث عن مصدر الرزق، أي الظروف تجبر الزوج على أن يغادر البيت فترةً طويلة.
العمل المستمر من دون توقف ليس وسام شرف بحق الإنسان :
الدكتور راتب:
أقول: هذا صحيح، ولكن إن كان يعمل عملين ينبغي أن يأكل طعام الغداء مع زوجته فرضاً، وينتقل للعمل الثاني، ينبغي أن يأتي الساعة العاشرة ليلاً، أما من السادسة صباحاً وحتى الساعة الواحدة ليلاً، والله هذه مشكلة.
المذيع:
أنا أطرح عن نفسي، أنا أغادر صباحاً، ولا أعود قبل الساعة العاشرة أو الحادية عشرة ليلاً، هذا الوقت أغيبه بالسنة بكاملها بهذا الشكل، كثيرون من زملائنا سواء في هيئة التحرير، أو زملائنا المذيعين، أو حتى زملائنا الفنيين، كل واحد له عمل آخر، قد يضطر للغياب عن بيته وعن زوجته وأولاده ساعات طويلة، قد تصل إلى اثنتي عشرة ساعة.
الدكتور راتب:
صدق أنه ما من إجراء تقوم به الدولة أفضل من أن تعلن عن نهاية الدوام في المحلات التجارية، هل تصدق في بعض البلاد ينتهي الدوام الساعة الخامسة، الآن كل أوروبا وأمريكا وتركيا، والدول التي تأخذ هذا المنهج، الدوام من الثامنة وحتى السادسة، لا يوجد عمل بعد السادسة، أي يوجد مشكلة عندنا في البلاد النامية تقريباً، أنت ينبغي أن تعمل عملاً واحداً، وأن يكون دخل هذا العمل يكفيك أنت وأولادك وزوجتك، هذا الأصل، أنت إنسان، الإنسان الذي ليس عنده وقت فراغ شوه إنسانيته، العمل المستمر من دون توقف ليس وسام شرف بحق الإنسان، لأنه مقابل هذا الشيء ضيع أشياء كثيرة .
اسمح لي بمثل أستخدمه كثيراً: إنسان ذهب إلى بلاد الغرب لينال دكتوراه، هو عصامي، يعمل وينفق على نفسه، وجد عملاً مدته ساعة في اليوم يكفيه ثمن حاجاته كلها، بعد حين طمع بساعتين، بعد حين بثلاث ساعات، ثم وجد عمل حارس بأربع و عشرين ساعة، ودخل كبير، لكن ألغى دراسته، ألغى الدكتوراه، ألغى هدفه الأساسي لوجوده في فرنسا، ألغى علة وجوده في هذا البلد، فحينما يمتص العمل كل الوقت قد تلغى علة وجودي في الأرض، أنا طبعاً أعرف أن هناك متاعب كثيرة، وهناك ضغوط شديدة، وهناك متطلبات عديدة، وهناك دخول محدودة، وهناك حاجات كثيرة، أنا والله أقدر الزوج الذي يعمل طويلاً، أنا أعده بطلاً، بالمقابل لابد من بعض التوازن، إذا لم يكن عندك وقت فراغ إطلاقاً لتصغي إليها، أنت دائماً مشغول، هي تحتاج إلى مؤنس، طبعاً الفضل لله عز وجل معظم الزوجات المؤمنات الطاهرات صابرة وطاهرة وتقية وعفيفة، هذا هو الأعم الأغلب، أنا أضع احتمالات لإنسانة ضعيفة الإيمان زوجها يبتعد عنها كثيراً .
المذيع:
أنا ظروفي كيت و كيت و كيت أي إن لم أختر الزوجة التي تقدر هذه الظروف، وتقتنع بها، وتحترم عمل زوجها أيضاً، وتقدر سعيه على رزقها ورزق أولادها، من هنا تبدأ المشكلة بسوء الاختيار.
الدكتور راتب:
هذا الكلام جيد، لكن الشرع ليس للنخبة، الشرع لعامة الناس، أنا أتحدث عن قضية قد تنطبق على بعض الناس، لا شك أن هناك أناساً متميزين، تقدر زوجاتهم انهماكهم في عملهم، وتعينهم على هذا العمل، هذا شيء موجود، أما إذا تحدثت كقضايا عامة فنتناول الوضع الثاني السلبي، أنا أقول الحقيقة المرة دائماً أفضل ألف مرة من الوهم المريح.
6 ـ الطمع المالي :
الآن الطمع المالي أحياناً يسبب الشقاء الزوجي، أي زوج له دخل كاف، له زوجة توفي والدها وترك لها إرثاً كبيراً، هو يتدخل في شؤون الإرث لدرجة أنه يهددها بالطلاق إن لم ينال من هذا الإرث شيئاً، من حرم ابنته ميراثه سيحاسب حساباً عسيراً كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( إن الرجل يعبد الله ستين عاماً ثم يضار في الوصية فتجب له النار))
لكن ليس معنى هذا أن أجعل هذا الإرث من الزوجة هو سبب استمرار الزواج أو عدم استمراره، هذه مشكلة كبيرة جداً، قد يكون لها أخوة أشداء عندهم انحراف، ليس عندهم عدل كاف، فلذلك أنا أرى أحياناً عقب وفاة أحد الأبوين ولاسيما والد الزوجة تنشأ مشكلات بينها وبين زوجها من أجل الميراث، لو طلب حصتها بتلطف، بلطف، باعتدال، لو ذكرها، لا يوجد مانع، أما حينما يجعل هذا النصيب من الإرث سبب استمرار الزواج أو عدم استمراره فهنا مشكلة كبيرة.
أستاذ زهير أنا لا أرى من صفة مريحة للزوجة في زوجها من الكرم، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( ليس منا من وسع الله عليه ثم قتر على عياله ))
أي صفة الكرم هي أول صفة في الزوج، بينما صفة البخل والحرص من صفات الزوجة المطيعة لزوجها، هذا المال ليس مالها، فهناك زوجة تعطي بغير حساب لأهلها ولجيرانها، ولمن يلوذ بها دون علم زوجها، فكلما حرصت المرأة على حفظ مال زوجها تكون أقرب إلى الله عز وجل، وكلما كان الزوج أكثر خيرة وإنفاقاً وتسامحاً كان أقرب إلى الله عز وجل، أضرب لك مثلاً: لا سمح الله ولا قدر الأب البخيل يتمنى أقرب الناس إليه موته، أقرب الناس إليه لأنه يشدد عليهم إلى درجة أنهم يفقدون صوابهم، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:
(( ليس منا من وسع الله عليه ثم قتر على عياله ))
سيدنا أبو ذر الغفاري يقول: " حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي ".
أحياناً الزوج يأتي بحاجات إلى البيت يوفرها إذا كان في بحبوحة، لكن الشرع ما كلفه ما لا يطيق، أما إذا كان في بحبوحة ووسع الله عليه فينبغي أن يوسع على عياله، أو يطعمهم مما يشتهون، أن يلبسهم ثياباً لطيفة فيحبونه، أما أن يقسو عليهم في الإنفاق فهذا يتناقض مع قربه من الله عز وجل.
المذيع:
أريد هنا أستاذي أن أسوق قصة، أحد الآباء، عنده ما شاء الله ملايين، عشرات الملايين، كان من أشدّ الناس بخلاً على عياله، حينما مرض أدخل إلى المستشفى وتوفي في المشفى، كان عنده أحد أولاده، كان هذا الولد أشدّ بخلاً من أبيه، كان يعمل في المحل عند والده، ونقله إلى البيت وهو ميت ولم يعلم أحداً من أخوته، واتفق مع المحامي، وأخذ بصمات الأب وهو ميت، وأخذها على أوراق أنه باعه كل شيء، وسجل له التركة كلها، ودفنه في مزرعته ولم يدفنه في مقبرة، دون أن يعلم أحد، بعد أن أنهى هذه العملية طبعاً كذب على أخوته وقال: وصية الوالد أن أدفنه في المزرعة، والمزرعة كما ترون وهذه الأوراق، وهذه المزرعة لي وأنا مستعد أن أنفذ هذه الوصية، حينما جاؤوا لاقتسام التركة لم يجدوا شيئاً، وهذه القصة موجودة ومشهورة وتحدثت عنها الصحف أيضاً، أي هذا مظهر سببه بخل الأب في الدرجة الأولى، في المقام الأول.
الدكتور راتب:
ما دمنا تحدثنا عن البخل والشح يقول الله عز وجل:
﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ﴾
الشح مرض خطير، أنا والله أشبهه بالسرطان.
7 ـ سوء الظن :
أخي الكريم سوء الظن من كلا الطرفين أحد أسباب الشقاء الزوجي، نحن نعلم - وهذه كثيرة في المجتمع- أن سوء الظن عصمة كما ورد، وأن الحزم سوء الظن، وإن بعض الظن إثم، كيف نوفق بينهما؟ العلماء قالوا: إذا كان هناك دليل فسوء الظن واجب، إذا لم يكن هناك دليل فسوء الظن إثم، فالذي يجعل سوء الظن إثماً أو حزماً هو الدليل، فإذا لم يكن هناك أي دليل وأسأت الظن فأنت آثم عند الله، لقوله تعالى:
﴿ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾
أما إذا كان هناك دليل وتعاميت عنه، وتجاهلته فأنا غبي، هكذا، من الغباء أن يكون هناك دليل ويتعامى عنه الإنسان، من هنا ورد أن الحزم سوء الظن، احترس من الناس بسوء الظن، هذا احتراس، أما من دون دليل فإثم، مع الدليل حزم.
يروى أن سمكات ثلاث كن في غدير، مرّ بها صيادان، تواعدا أن يرجعا ومعهما شباكهما ليصيدا ما فيه من سمك، فسمعت السمكات قولهما، أما أكيسهن فإنها ارتابت وتخوفت ولم تعرج على شيء حتى خرجت من المكان الذي يدخل منه الماء من النهر إلى الغدير فنجت، وقالت: العاقل يحتاط للأمور قبل وقوعها، الثانية الأقل ذكاء منها بقيت في مكانها حتى عاد الصيادان، فذهبت لتخرج من حيث خرجت رفيقتها فإذا بالمكان قد سد، قالت: فرطت وهذه عاقبة التفريط غير أن العاقل لا يقنط من منافع الرأي، ثم إنها تماوتت، فطفت على وجه الماء منقلبة تارةً على ظهرها، وتارةً على بطنها، وأخذها الصياد ووضعها على الأرض بين النهر وبين الغدير فوثبت في النهر فنجت، أما العاجزة فلم تزل في إقبال وإدبار حتى صيدت.
قال تعالى:
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾
الأمور لا ينبغي أن تصل إلى الشقاق، إذا كان هناك بوادر طفيفة جداً ستؤدي إلى الشقاق ينبغي أن تعالج، فأنا ذكرت هذه القصة في معرض الحديث عن سوء الظن، وعن حسن الظن، حينما يكون هناك بوادر أو دليل ولو كان ضعيفاً ينبغي أن تحتاط، وأن تتحرك، وأن تراقب، وأن تدقق، لا أن يكون الزوج آخر من يعلم، فسوء الظن مع الدليل حزم، وسوء الظن من دون دليل إثم.
8 ـ خروج المرأة من البيت :
خروج المرأة من البيت أحد أسباب الشقاق الزوجي، كيف؟ نشأت مشكلة
المرأة خرجت إلى بيت أهلها، أستاذ زهير أصغر مشكلة إذا تبعها خروج إلى بيت الأهل تصبح أكبر مشكلة قد تنتهي إلى الطلاق، وأكبر مشكلة إذا نشبت بين الزوجين إذا بقيت الزوجة في بيت زوجها ربما تطامنت، وتقلصت، وحلت، لذلك الهجر في المضاجع، قال:
﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾
لماذا قال في المضاجع؟ إنك إن هجرت زوجتك في غرفة أخرى علم الأولاد المشكلة فأصبحوا عناصر متدخلة، إن هجرتها في بيت أختك علم الأهل، أرادك أن تعاملها فيما بينك وبينها حصراً:
﴿ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾
حينما تخرج إلى بيت أهلها وتشتكي على زوجها، أصبح الأم والأب والأخوة والعمة والخالة، وكل واحد له رأي، وكلهم يدعونها إلى متابعة النشوز، إذا بقيت في البيت، أول يوم المشكلة كبيرة، ثاني يوم تصغر هذه المشكلة، بعد أيام قال: والله أنا لعلي بالغت، فأنا أقول: أكبر مشكلة بين الزوجين إذا بقيت الزوجة في بيت زوجها تغدو بعد حين أصغر مشكلة، وأصغر مشكلة بين الزوجين إذا تبعها خروج من البيت تغدو أكبر مشكلة، وقد تنتهي إلى الطلاق، وأنا أقول: حالات لا تعد ولا تحصى من الطلاق كانت بسبب بسيط جداً، تفاقم هذا السبب.
9 ـ خلو الزوجة ببعض الأقارب :
طبعاً خلو الزوجة ببعض الأقارب أحد أسباب الشقاق الزوجي - الاختلاط بشكل عام - والله في الإنترنيت وجدت عنواناً: اعترافات زوجة خائنة، فتحت هذا الموقع وجدت شيئاً لا يصدق، زوجة في مصر من أعلى مستوى اجتماعي، تحمل الماجستير، ولها زوج غني، أي احتمال أن تخونه واحد بالمليار، جاء برجل يحبه كثيراً ميكانيكي يعينه في أعماله، يدخله إلى بيته، إلى أن جلس معه على الطعام كل يوم، صحفي كبير طلب مقابلة هذه المرأة المحكومة بالإعدام، لأنها تآمرت على قتله بعد حين، فقالت: لولا أنه سمح لهذا الإنسان الغريب أن يدخل إلى هذا البيت لما خنت زوجي، فالاختلاط محرم بالشرع ، محرم بنصوص كثيرة جداً، أما حينما نلغي هذا الحكم الشرعي، والأمور متداخلة فيما بين الناس فهناك مضاعفات، قال له: " يا رسول الله عظني ولا تطل؟ قال له: قل آمنت بالله ثم استقم، قال: أريد أخف من ذلك، قال إذاً فاستعد للبلاء".
ونحن حينما لا نقف عند حدود الشرع ينبغي أن نستعد للبلاء، وقد يكون البلاء بانهيار الأسرة، وانهيار الأسرة بسبب مخالفة منهج الله - الأسرة جزء من المجتمع، إذا انهارت الأسرة انهار المجتمع، وانهيار المجتمع يعني انهيار الدولة -، هذه بعض النقاط.
10 ـ الميل لأحد الأولاد دون الآخر:
أحياناً الميل لأحد الأولاد دون الآخر، فالعدل أصل في العلاقة مع الأولاد .
قال:
(( يا رسول الله اشهد أنني نحلت ابني هذا بستاناً، قال عليه الصلاة والسلام: ألك ابن غيره ؟ قال: نعم، قال: هل نحلتهم مثل ما نحلته؟ قال: لا، قال: أشهد غيري فإني لا أشهد على جور ))
فينبغي أن تعدل حتى في القبل كما قال النبي الكريم، وحتى في النظرات، حتى في بشاشة الوجه، أحياناً الإنسان يبش وجهه أمام ابن ويقطب أمام ابن آخر، هذا يجرحه للأعماق، فإذا كان هناك عدل بالمعاملة بين الأولاد من قبل الزوج والزوجة تضعف فرص الشقاق الزوجي، لأنه أحياناً ما الذي يحصل؟ هي تنحاز إلى ابن وهو ينحاز إلى ابن، فيبدأ الشقاق .
فالغياب الطويل عن البيت، الاختلاط، الميل لأحد الأولاد، سوء الظن من دون دليل، بخل الزوج، الطمع المادي بمال الزوجة.
11 ـ التقليد الأعمى :
التقليد الأعمى شيء مهم جداً، أخت تسكن في بيت جيد صحي، ولها زوج يحبها وتحبه، والأمور طبيعية جداً، و هناك سعادة كبيرة بينهما، لها أخت زوجها تاجر كبير، فحينما توازن مستوى بيتها مع بيت أختها، مستوى فرش البيت مع فرش أختها، مساحة البيت مع مساحة بيت أختها، تنشأ مشكلة من التقليد الأعمى، يعطي الله عز وجل الإنسان عطاء بمجموع واحد فقد يعطي إنساناً مالاً كثيراً، ويعطيه الصحة الكافية للتمتع بهذا المال، فالمجموع عشرة، وقد يعطيه مالاً قليلاً بصحة وافرة المجموع عشرة، فالمجموع ثابت أحياناً، الإنسان لضعف أفقه، ولضيق أفقه، ولسوء ظنه بالله عز وجل يتمنى ما عند الآخرين، فأيضاً التقليد الأعمى أحد أكبر أسباب الشقاق الزوجي، هذه بعض الأسباب طبعاً ذكرتها اطفاء.
المذيع:
بارك الله بك أستاذنا الكريم، تحدثنا عن الأسباب، وتحدثنا عن بعض المشكلات وطرحنا بعض الأمثلة أستاذي الكريم، الوقت شبه أدركنا، بقي عشر دقائق تقريباً، لكن في هذه العجالة سيدي الكريم طالما تحدثنا عن الشقاق الزوجي، ماذا عن السعادة الزوجية؟
أسباب السعادة الزوجيّة :
الدكتور راتب:
بشكل عام يمكن أن يكون عكس هذه الأسباب أسباب السعادة الزوجية، لكن أنا أذكر قصة لطيفة جداً لقاض اسمه شريح، لقيه صديقه الفضيل، قال له: يا شريح كيف حالك في بيتك؟ قال: والله منذ عشرين عاماً لم أجد ما يعكر صفائي، قال: وكيف ذلك؟ قال: تزوجت من أسرة صالحة، فلما كان يوم الزفاف وجدت صلاحاً وكمالاً- أي صلاحاً في دينها، وكمالاً في خلقها- فصليت ركعتين شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، وتشكر بشكري، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب دنوت منها، فقالت لي: على رسلك يا أبا أمية، ثم قامت فخطبت، قالت: أما بعد فيا أبا أمية إنني امرأة غريبة لا أدري ماذا تحب، ولا ما تكره، فقل لي ما تحب حتى آتيه، وما تكره حتى أجتنبه، ويا أبا أمية لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك، وكان لي من رجال قومي من هو كفء، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، فاتقِ الله فيّ، وامتثل قوله تعالى:
﴿ ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ ﴾
ثم جلست، فقام أبو أمية زوجها، قال: فألجأتني إلى أن أخطب- أي ما كان يتمنى أن يخطب في هذا الموقف- قال: وقفت وقلت: أما بعد فقد قلت كلاماً إن تصدقي فيه وتثبتي عليه يكن لك ذخراً وأجراً، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما وجدت من حسنة فانشريها، وما وجدت من سيئة فاستريها، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( إني أكره المرأة تخرج من بيتها تشتكي على زوجها، ولا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر زوجها وهي لا تستغني عنه، وأيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس لن ترح رائحة الجنة))
قال: وما وجدت من حسنة فانشريها، وما وجدت من سيئة فاستريها، قالت: كيف أزور أهلي وأهلك؟ قال: نزورهم غباً مع انقطاع بين الحين والحين لئلا يملونا، وفي الحديث الشريف:
قالت: فمن من الجيران تحب أن أسمح لهن بدخول بيتي ومن تكره؟ قال: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم غير ذلك، قال: وعدت إلى البيت في أحد الأيام بعد عام من زواجي فإذا أم زوجتي عندنا، رحبت بها أجمل ترحيب، وكانت قد علمت من ابنتها أنها في أهنأ حال، قالت: يا أبا أمية كيف وجدت زوجتك؟ قلت: والله هي خير زوجة، قالت: يا أبا أمية ما أوتي الرجال شيئاً أسوأ من المرأة المدللة فوق الحدود، فهذب ما شئت أن تهذب، وأدب ما شئت أن تؤدب، ثم التفتت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة، ومضى عليّ عشرون عاماً لم أجد من زوجتي ما يعكر صفائي إلا ليلةً واحدة كنت فيها أنا الظالم.
هذه أخلاق السلف الصالح، حينما يتقِ الله في زواجه يسعده الله في زوجته، وحينما لا يتقِ أحد الزوجين ربه ينشأ الخلاف والشقاق بينهما .
المذيع:
أستاذي الكريم إذا هناك أي نقطة تحب إضافتها، أو إيضاحها قبل أن نختم هذا اللقاء .
بعض التوجيهات الخاصة المستنبطة من واقع الحياة الزوجية :
الدكتور راتب:
سيدي أولاً: التعبير عن الحب أحد أسباب السعادة الزوجية، أنا لمست هذا من قول النبي عليه الصلاة والسلام لأحد أصحابه، عندما قال أحد الأصحاب وقد مرّ رجل: والله إني أحبه، قال النبي عليه الصلاة والسلام: هل أعلمته بهذا؟ قال: لا، قال: اذهب فأعلمه، أي إذا كان هناك زوجة مخلصة، تعتني بهندامها، تعتني ببيتها، بأولادها، لمَ لا يعبر زوجها عن إعجابه بها؟ لا يبق صامتاً، لمَ تطول المكالمة في أيام الخطبة إلى ست ساعات ثم بعد الزواج لا تنطق بكلمة واحدة؟ فلذلك التعبير عن الحب هو من أسباب السعادة الزوجية، الثناء على عملها، إن في هندامها، وإن في بيتها، وإن في نظافة البيت، وإن في العناية بالأولاد، أيضاً يشجعها على متابعة خدمة الزوج الجلوس معها والإنصات إليها، هناك من يجلس مع زوجته لكن لا يصغي إليها، بيده مجلة، أو يتابع شيئاً، أو يقرأ، أو يستخدم الكمبيوتر، فهذا ليس جلوساً، الجلوس ولو لنصف ساعة كل يوم تجلس أمامها وهي أمامك وتتحادثان، هذا أيضاً مما يمتن العلاقة، لو أنك رأيتها متعبة منهكة مريضة جئت لها بطعام من السوق، راعيت شعورها، وراعيت متاعبها، وراعيت وضعها الصحي، هذا يمكّن العلاقة بينهما، حينما تأخذها من حين لآخر إلى نزهة منضبطة وفق منهج الله، إن لم تكن النزهة منضبطة وفق منهج الله قد تكون سبباً للشقاء الزوجي، اختلاط، ونساء كاسيات عاريات، وعينه عليهن، وهي تغار عليه، وهي عينها على الرجال، والغناء يصدع، النزهة المنضبطة وفق منهج الله تمتن العلاقة بين الزوجين، وتخفف متاعب الحياة، وتجدد النشاط هناك أشياء أخرى يمكن أن تكون معينة على السعادة الزوجية، أنت سافرت ينبغي أن تتصل بها، إذا سافرت إلى خارج البلدة ينبغي أن تتصل بها، وأن تعطيها رقم الهاتف، فهذا يشعرها أنها تحتل مكانة في قلبك، إذا كنت متأخراً ينبغي أن تتصل بها لتعلمها أنك متأخر، أما أن تنتظر حتى الساعة الواحدة، وأنت منغمس مع أصدقائك في حديث ممتع، فهذا شيء يسبب المتاعب، إذا سافرت إلى مكان بعيد ينبغي أن تعلمها كم تفتقدها، وكم لها من مكانة عندك، وأن العيش من دونها لا يطاق مثلاً، حينما تأتي من سفر ينبغي أن تخبرها متى تأتي، لا أن تفاجئها، وقد علمنا النبي عليه الصلاة والسلام أنه إذا كان في غزو يقيم في ظاهر المدينة يوماً كي يعلم كل من في المدينة أنه قد اقترب اللقاء، أما أن تفاجأ، الآن بالهاتف تحل القضية، التعاطف مع مشاعرها يسبب الود بين الزوجين، قد تكون مضطربة، قد يكون قد توفي أحد أقربائها، أنت تمرح وتضحك في البيت، تكون في وضع بعيد عن مشاعرها، هذا يسبب الشقاء الزوجي، أن تقدم لها هدية من حين إلى آخر بشكل مفاجئ لو أنها رمزية، هذه تمتن العلاقة بين الزوجين لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( (( تهادوا تحابوا )) ))
أي إن كانت مريضة اطمئن عن أحوالها، عن وضع مرضها، عن الأدوية هل تناولتها؟ عن أوقات الأدوية هل زرت هذا الطبيب؟ هذا الاهتمام يسبب هذه السعادة، بالإضافة إلى توجيهات القرآن.
﴿ ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ ﴾
قال علماء التفسير: ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها بل أن تحتمل الأذى منها.
﴿ ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ ﴾
قائمون على إدارة البيت، وخدمة أهل البيت، والإنفاق على البيت، ورعاية البيت، وضبط البيت، ومراقبة الأولاد، ليست القوامة استعلاءً، ولا تغطرساً، ولا قمعاً، ولا شدةً، ولا كبراً، القوامة خدمة، كما قال سيدنا عمر: لست خيراً من أحدكم لكني أثقلكم حملاً.
هذه بعض التوجيهات العامة في القرآن والسنة، بعض التوجيهات الخاصة المستنبطة من واقع الحياة الزوجية.
خاتمة و توديع :
المذيع:
جزاك الله عنا كل خير أستاذي الكريم، ونرجو السعادة لجميع الأخوة والأخوات.
أيها المستمعون الكرام في كل مكان نرجو لكم سعادة الدارين؛ سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، أستاذي الكريم في نهاية هذه الحلقة جزاكم الله عنا كل خير .