وضع داكن
26-04-2024
Logo
طريق الهدى - الحلقة : 05 - كيف ندعو ؟ كيفية حمل الأمانة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام، وكفى بها نعمة، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أيها الإخوة المستمعون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم، ويسرني أن أرحب وأحيّي كذلك فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي معنا في هذا البرنامج، أهلاً ومرحباً بكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 الأستاذ:
 وعليكم السلام ورحمة الله أستاذ زياد.
 المذيع:
 فضيلة الشيخ استعرضنا مقومات الأمانة التي حملها الإنسان، الآن كيف ندعو إلى هذا الدين، وإلى كيفية حمل هذه الأمانة ؟ وسنجيب عن هذا السؤال من قاعدة أرساها الباري عز وجل في قوله تبارك وتعالى:

﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾

(سورة النحل)

 هل يصح لنا أن ننطلق من هذه الآية ؟ نعم، لأن الإنسان في الأصل مخير، والله جل جلاله ما أجبره على شيء، قال تعالى:

 

﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾

 

(سورة البقرة)

 فكيف يمكن لإنسان أن يجبر إنساناً ؟ ولأن عظمة هذا الدين لا تكون إلا إذا أتيته طائعاً بمبادرة شخصية، وبرغبة ثابتة، وباختيار حقيقي.
 الحقيقة أن في الآية ملمحاً رائعاً، قال تعالى:

 

﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾

 فالموعظة وصفت بأنها حسنة، لكن في آية أخرى:

 

 

﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾

 

(سورة النحل)

 أحسن اسم تفضيل، الإنسان حينما يدعو إلى الله عز وجل أناساً يحبونه ينبغي أن يدعوهم بالموعظة الحسنة، أما إذا حاور إنساناً نداً له فكل واحد ربط كرامته بأفكاره، فأنت إن أردت أن تستجلبه، وأن تستلب قلبه، وأن تجعله يحبك فينبغي أن تتواضع له، فإذا كان هناك عدد كبير من الكلمات الحسنى ينبغي أن تنتقي أحسنها.

 

﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾

 

 ففي المجادلة لا بد من اختيار أدق العبارات، بل أفضل العبارات، أما في الدعوة العادية لمن أقبل عليك محباً وواثقاً، فيكفي أن تستخدم العبارات الحسنى، أما في الحوار فتستخدم العبارة الحسنى.
 والحقيقة أن الإنسان مفطور على حب وجوده، أيّ إنسان، قبل أشهر ولد في الهند الطفل الذي جعل سكان العالم ستة مليارات، الآن سكان العالم ستة مليارات، فهؤلاء الناس جميعاً على اختلاف مللهم ونحلهم، وانتماءاتهم وأعراقهم، وأنسابهم وأديانهم، ومذاهبهم ومعتقداتهم، يحبون أنفسهم، الإنسان مفطور على حب وجوده، وحب سلامة وجوده، وحب كمال وجوده، وحب استمرار وجوده، فمن أين يأتي الشقاء إذاً ؟ من الجهل، أهل النار وهم في النار ماذا يقولون ؟ يقولون:

﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾

(سورة الملك)

 هو علم أو جهل فقط، الجاهل عدو نفسه، إذاً لابد من الدعوة إلى الله، لأن الإنسان في الأصل يحب ذاته، يحب وجوده، يحب سلامة وجوده، يحب كمال وجوده، يحب استمرار وجوده، فأنت حينما تحسن مخاطبته، وتبين له ما الذي ينفعه، وما الذي يضره، ما الذي يسعده، وما الذي يشقيه، ما الذي يرفعه، وما الذي يخفضه يستجيب لك.
 إذاً، الدعوة إلى الله جزء أساسي من الدين، ولاسيما في عصر كثرت فيه الشبهات، واستعرت الشهوات، وضلّ الناس سواء السبيل، وكان هناك مذاهب وضعية طرحت طروحات غريبة، والعلم لابد من أن يكون حصن للإنسان، فالدعاة إلى الله وجودهم أساسي جداً، وأنا أفرق بين الداعية والعالم، كل داعية ينبغي أن يكون عالماً، لكن ما كل عالم داعية، الداعية عنده وسائل للتوضيح وللتشويق وللتفسير، قد يكون عمل العالم مخبرياً، بينما عمل الداعية إعلاني، فنحن في أمسّ الحاجة إلى دعاة.
 سألتني مرة امرأة في أمريكا: لماذا حرم النبي صلى الله عليه وسلم مصافحة النساء ؟ ببساطة بالغة كان يمكن أن أقول لها: الحكم الشرعي، وأصله النصي، فعَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ تَقُولُ:

(( جِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ نُبَايِعُهُ، فَقَالَ لَنَا: فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ، وَأَطَقْتُنَّ، إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ ))

(سنن ابن ماجة)

 قلت لها: الملكة إليزابيث في بريطانية لا يصافحها إلا سبعة رجال من أقربائها، بحكم القانون البريطاني لعلو مكانتها، والمرأة المسلمة ملكة لا يصافحها إلا سبعة رجال بحكم القانون القرآني ! أعجبتها.
 المذيع:
 هذه لطيفة.
 الأستاذ:
 هذه إجابة دعوية، يوجد إجابة فقهية، المسلمين بحاجة إلى داعية لأن الشبهات كثيرة جداً، والدنيا ترقص، والدنيا خضرة نضرة، والمال والنساء والشهوات والحفلات والاختلاط في زحمة هذه الشهوات المستعرة والشبهات المنتشرة، لابد من داعية صادق مخلص يوضح الحقائق.
 المذيع:
 والحكيم يضع الأمور في نصابها، يتعرف إلى الواقع، ومن خلال هذا الواقع يعمل في علمه الذي تعلمه، وأعطاه الله إياه.
 الأستاذ:
 كأني أعتقد أن الإنسان إذا أخلص لله عز وجل، وكان صادقاً في دعوته، يلهمه الله الأساليب المؤثرة والأفكار التي تجلّي الحقائق، والطروحات التي تجلب قلوب الناس، يؤيد هذا قول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( ما أخلص عبد لله إلا جعل قلوب المؤمنين تهفو إليه بالمودة والرحمة ))

(ورد في الأثر)

 وأنا أعتقد أنه ما من عمل يتناسب بين أن يكون عملاً عظيماً وهو صنعة الأنبياء، وبين أن يكون عملاً سخيفاً لا يستأهل إلا ابتسامة ساخرة كالدعوة إلى الله، فإن اتخذته منهجاً ومبدأً وتضحية وعطاء كانت صنعة الأنبياء، وإن اتخذت حرفة وطريقَ رزق كانت عملاً يستأهل أن تحتقره، هناك من يدعو إلى الله، وهناك من يدعو إلى ذاته بدعوة مغلفة بدعوة إلى الله.
 أعيد، هناك من يدعو إلى الله بإخلاص، هناك من يدعو إلى ذاته بدعوة مغلفة إلى الله عز وجل، الذي يدعو بإخلاص يتبع ولا يبتدع، الذي يدعو إلى ذاته يبتدع ولا يتبع، الذي يدعو إلى الله بإخلاص يتعاون ولا يتنافس، الذي يدعو إلى ذاته يتنافس ولا يتعاون، الذي يدعو إلى الله بإخلاص يقدر ما عند الناس من فضائل ومن علم، والذي يدعو إلى ذاته ينكر ما عند الآخرين، بل إنني استقرأت أنه ما من فرقة ضالة في العالم الإسلامي منذ ظهور الإسلام وحتى يوم القيامة إلا وتتلبس بأربع صفات:
 أولاً: تأليه الأشخاص.
 وثانياً: التخفيف من التكاليف.
 وثالثاً: اعتماد النصوص الضعيفة والموضوعة.
 ورابعاً: النزعة العدوانية.
 ما من فرقة ضالة من دون أن أسمي أسماء إلا وتعتمد على تأليه الأشخاص، وتخفيف التكاليف، واعتماد النصوص الموضوعة أو الضعيفة، والنزعة العدوانية، فلذلك الدعوة إلى الله إلى أن تكون من صنعة الأنبياء، ومن صنعة الله أقرب من أن تكون عملاً عادياً، والدعوة إلى الله فرض عين، وفرض كفاية، أما أنها فرض عين فهناك أدلة كثيرة، يقول الله عز وجل:

 

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾

 

(سورة يوسف)

 فكل متبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم لابد من أن يدعو إلى الله على بصيرة، فإن لم يفعل ليس متبعاً لرسول الله هذه حقيقة.
 والحقيقة الثانية:

 

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا﴾

 

(سورة العصر)

 هذه الأشياء الأربعة أركان النجاة.

 

﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾

 هذه الدعوة التي هي فرض عين، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

(( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ))

(صحيح البخاري)

 أنت حضرت خطبة جمعة، تأثرت بها، ألم تحفظ منها آية، أو حديثاً، أو موقفاً، أو قصة، أو حكماً فقهياً ينبغي أن تنقل هذا للناس طوال الأسبوع ؟ إن فعلت هذا فقد أديت الذي عليك، هذه الدعوة فرض عين على كل مسلم، ولكن ما كلفك الله فوق ما تطيق، بل في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، كل مسلم له أقرباء له جيران وزملاء وأصحاب يلتقي معهم لقاءات يومية مع هؤلاء الذين يعرفهم، ومن خلال ما تعلمه فقط هو داعية إلى الله عز وجل.
 وفي حلقات قادمة إن شاء الله نتحدث عن الدعوة الصامتة، يمكن أن تكون أكبر داعية وأنت صامت، لأن الصدق وحده دعوة، والأمانة دعوة، والاستقامة دعوة، والتفوق في الدنيا دعوة، والصبر دعوة، هناك دعاة ناطقون، ودعاة صادقون، ولعل الدعاة الصامتين أشد تأثيراً في الناس من الدعاة الناطقين، إذاً الدعوة فرض عين، لأنك إن لم تتبع النبي صلى الله عليه وسلم فلا تحب الله، والدليل:

 

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾

 

(سورة آل عمران)

 ما قبِل الله دعوة محبته إلا بالدليل، دليل محبته اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، واتباع النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى الله.
 فالدعوة إلى الله عمل خطير، وجليل، كل داعية عالم، وما كل عالم داعية.
 المذيع:
  إذاً هي فرض عين على كل مسلم بحسب قدراته، وطاقته، وعلمه، ومن دعا إلى ما ليس له به علم فقد ضل السبيل.
 الأستاذ:
 جاء وفد إلى الإمام أحمد بن حنبل، وفد من المغرب الأقصى إلى المشرق، لعلهم استمروا في الطريق أشهرًا عدة، ومعهم ثلاثون سؤالاً، فأجاب عن سبعة عشر، قالوا: والباقي، قال: لا أعلم، قالوا: أيعقل أن الإمام ابن حنبل لا يعلم ؟ قال: قولوا لمن أرسلكم: الإمام ابن حنبل لا يعلم، هذا الذي يعلم بكل شيء لا يعلم شيئاً، أما هذا الإنسان العالم الحقيقي فيجيب، أو يقول لا أعلم، وكلمة لا أعلم ترفع من شأنه.
 أما فرض الكفاية، فهؤلاء العلماء المتخصصون الذين أمضوا حياتهم في طلب العلم، والذين جلسوا على ركبهم في المساجد، وأخذوا العلم عن رجال عظماء، هؤلاء يستطيعون أن ينشروا هذه الدعوة بأسلوب واضح عميق، وبإمكانهم أن يردوا على الشبهات التي ترد على الإسلام، هذه الدعوة مغطاة بقوله تعالى:

 

﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾

 

(سورة آل عمران)

 فالداعية المتخصص شيء، والداعية الذي يتعلم، ويعلم من يعلم دون أن يكلف نفسه مالا تطيق، هذا هو الفرق في الدعوة إلى الله التي هي فرض عين، والدعوة إلى الله التي هي فرض كفاية.

 

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً(46)﴾

 

(سورة الأحزاب)

 هل تصدق أن الذي يدعو إلى الله بإخلاص بنص القرآن الكريم هو أعظم الناس من دون استثناء، قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ(33)﴾

 

(سورة فصلت)

 الآية أولها:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾

 إذا كنت مؤمناً فلابد من أن تستقيم حتى نصدق إيمانك، علامة الإيمان الاستقامة، وإن دعوت إلى الله فلابد من أن يكون عملك صالحاً حتى نصدق دعوتك، الآية الأولى:

 

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا﴾

 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 أي أنا منهم، ولست فوقهم، أنا لم أبتدع، ثلاث نصائح تكتب على ظفر، اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يتسع، فالدعوة إلى الله هي ابتاع، سيدنا الصديق: " ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر "، ماذا قال حينما تسلم الخلافة ؟ قال: " إنما أنا متبع، ولست بمبتدع "، الاتباع مهم جداً في الدعوة، وإلا نقع أمام مذاهب وطوائف وخلافات وحروب ودماء تسيل، وفتن تظهر، فلابد من أن تتمسك بالكتاب والسنة.
 المذيع:
 هذه من أعلى قواعد الدعوة، لنستعرض بعض عناوين قواعد الدعوة كما رأيتموها، وكما ذكرتموها في بعض مؤلفاتكم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، ولكن طبعاً هذا مستقىً من نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 الأستاذ:
 القدوة قبل الدعوة، الإحسان قبل البيان، التيسير للتحذير، مخاطبة العقل والقلب معاً، التربية لا التعرية، الدليل والتعليل، معرفة الآمر قبل الأمر، التبرز لا الطفرة، المتفق عليه لا المختلف عليه، المبادئ لا الأشخاص، المضامين لا العناوين، الأصول قبل الفروع، هذه بعض قواعد الدعوة، وكلها مستقاة من الكتاب والسنة.
 هناك حقيقة خطيرة، النبي له سنتان: السنة الأولى: افعل ولا تفعل، والسنة الثانية: كيف دعا إلى الله، الدعاة في الأرض لا يفلحون، ولا ينجحون، ولا يتألقون إلا إذا اتبعوا منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة، وقد تثور عليهم مشكلات كثيرة، ويصير حولهم جدل طويل حينما يخرجون عن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة.
 المذيع:
 إذاً: القدوة قبل الدعوة، بداية يجب أن يكون قدوة للآخرين كي يصدقوه، ويصدقوا ما يقوله.
 الأستاذ:
 يحب أن تكون طبيباً متفوقاً، أو مهندساً، أو من اختصاص نادر، ويمكن أن تحقق كل أهدافك، أما الذين يتعاملون معك فلا يهمهم السلوك الشخصي إطلاقاً، ننتفع بعلم الطبيب دون أن نهتم بأخلاقه أو سلوكه الشخصي، إلا عالم الدين فلا يمكن أن يصغي إليه أحد، ولا يستمع إليه أحد إلا إذا رأوا عمله مطابقاً لقوله، هناك نفاق اعتقادي، أن تقول مالا تعتقد، وما أكثرهم، وهناك نفاق عملي، أن تفعل مالا تقول، والداعية الصادق هو الذي لا تجد مسافة إطلاقاً بين ما يقول وما يعتقد، وبين ما يقول وبينما يفعل، التطابق تام.
 التقيت مع أحد الدعاة في مصر قد توفي رحمه الله، الشيخ الشعراوي، سألته عن نصيحة أوجهها للدعاة، توقعت أن يذكر نصائح كثيرة، لكنه اكتفى بنصيحة واحدة، قال: ليحرص الداعي أن يراه المدعو وفق ما يتكلم، فإن لم تكن هذه متوافرة فالداعية سقطت دعوته.
 المذيع:
 القدوة هي رأس الأمر.
 الأستاذ:
 الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، موقف واحد من إنسان مطبق أبلغ من مئة محاضرة، قال بعض العلماء: حال واحد في ألف أبلغ من ألف قول في ألف واحد، ألف رجل يتكلمون مع واحد قد لا يهزون عنده شعرة في جسمه، أما حال واحد قد يغير مجرى حياة ألف إنسان، القادة العظام، والدعاة الكبار والصديقون والعلماء العاملون لهم بصمات كبيرة جداً في العالم الإسلامي يلأنهم أخلصوا، فالقدوة قبل الدعوة، بل إن الإنسان في ذهنه دائماً شخصية يكونها، ويتمنى أن يكونها، وشخصية يكره أن يكونها، كل إنسان في حياته ثلاثة نماذج، فإذا كانت شخصية النبي عليه الصلاة والسلام هي الشخصية التي أتمنى أن أكون على شاكلتها أو على منهجها فأنا مؤمن، أما كل إنسان تائه عن الشرع وعن الدين الشخصية التي يتمنى أن يكونها ليست المؤمنين الصادقين، وقد يفعل الذي يقف موقفاً أخلاقياً في الناس ما تفعله ألف محاضرة، الذي يهز الناس التضحية والإيثار والصدق والأمانة.
 مرة عبد الله بن رواحة أرسله النبي عليه الصلاة والسلام لتثمين تمر خيبر، فاليهود أرادوا أن يرشوه، أعطوه بعض حلي نسائهم، فطبعاً أبى، قال: جئتكم من عند أحب الخلق إلي، ولأنتم أبغض إلي من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض، وبهذا غلبتمونا.
 والله الذي لا إله إلا هو لو فهم أصحاب رسول الله عليهم رضوان الله الإسلام كما يفهمه عامة المسلمين اليوم والله ما خرج الإسلام من مكة، أما كيف خرج من مكة إلى المدينة إلى أطراف الجزيرة، إلى المشرق إلى المغرب ؟ بأن المسلمين فعلوا ما قالوا.
سيدنا عمر قال لراعي: بعني هذه الشاة، وخذ ثمنها، قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها ماتت، أو أكلها الذئب، قال: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟
 هذه الخشية، وهذا الصدق، وهذه الطاعة هي التي تميز المؤمنين الصادقين في العصور الأولى، وأما أن يتخذ الدين مجال رزق، أما أن نعيش فلكلور الدين ومظاهره، فأصبح ديننا ثقافة وفلكلورا وعادات وتقاليد، فالإسلام في واد، والمسلمون في واد.
 المذيع:
 نتابع غداً فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي إن شاء الله تعالى، وأشكركم، وأشكر الإخوة المستمعين لحسن إصغائهم ومتابعتهم، نحن الملتقى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور