- ندوات إذاعية
- /
- ٠13برنامج طريق الهدى - إذاعة القرآن الكريم - لبنان
الأستاذ زياد:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام وكفى بها نعمة، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، أرسله الباري عز وجل هادياً ومبشراً، ونذيرا، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة المستمعون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا هو اللقاء الأول على طريق الهدى والنور، في برنامج يومي نشرع به، ولا ندري إلى أين، ومتى سنصل فيه، ولكن ما نعلمه يقينًا أنه بإذن الله تعالى دعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإعلاء لكلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، نترافق في هذا اللقاء مع علم وعمل لداعية مشهود له بالهمة العالية، والبحث المستمر المتواصل، والعمل الدؤوب على ترجمة هذا الإسلام، ليكون خُلقاً يتحرك بين الناس، معنا في هذا اللقاء يومياً فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، أهلاً ومرحباً بكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأستاذ راتب:
أهلاً ومرحباً بكم أستاذ زياد.
الأستاذ زياد:
فضيلة الشيخ، يقول الباري عز وجل:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾
بداية، لماذا خلق الإنسان على وجه هذه الأرض ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأستاذ راتب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أستاذ زياد، جزاكم الله خيراً، تفضلتم، وذكرتم هذه الآية، وهي قوله تعالى:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾
هذه اللام في: ﴿ لِيَعْبُدُونِ ﴾ لام التعليل، يعني أن علة وجودنا على وجه الأرض أن نعبد الله.
أعطيتَ الجواب، ومن ثم طرحت السؤال ـ نعم ـ ولكن ليكون السؤال أشمل وأعم.
العبادة في أدق تعاريفها: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
في هذا التعريف كليات ثلاث، كلية معرفية، وكلية سلوكية، وكلية جمالية.
لنبدأ بالكلية الأولى، ألا وهي المعرفية.
لا بد من أن نعرف الله، كيف نعبده قبل أن نعرفه ؟! لا بد من أن نعرفه، ومن ثم نعظمه، ومعرفة الله أصل الدين، في الدين أصول، وفي الدين فروع، والله عز وجل كل شيءٍ في الكون خلقه لينطق بوجوده ووحدانيته وكماله،
وفي كل شيءٍ له آية تدل على أنه واحد
فإذا تأملت في خلق السماوات والأرض، هذا الكون العظيم الذي ينطوي على عدد من المجرات لا يحصيها مُحْصٍ، بعضهم قدر أن في الكون مئة ألف مليون مجرة، وفي كل مجرة من النجوم ما يقترب من مئة ألف مليون نجم، وهذا عدد لا يزال قيد البحث والدرس، هذا الكون العظيم يجسد أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، فإذا أردنا أن نعرف الله فعلينا بالنظر في آياته الكونية، لآن الله عز وجل يقول:
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
إذاً أراد الله لهذا الكون أن يكون مبيّناً لأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، فأكبر باب من أبواب معرفة الله هذا الكون، ثم إن هناك بابًا آخر هو أفعاله، قال تعالى:
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)﴾
فخلُقه يدل عليه، وأفعاله تدل عليه، والمصدر الثالث لمعرفته كلامه.
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)﴾
بل إن الشيء الذي يلفت النظر هو أن في القرآن ما يزيد على ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون، والنبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه إلهي جاءه، أو لحكمة اجتهادية ما فسر هذه الآيات أبداً، وهناك حكمة لا تقدر بثمن، ذلك لو أنه فسرها تفسيراً مبسطاً يفهمه من حوله لأنكرنا عليه، ولو فسرها تفسيراً عميقاً فلأن الله أطلعه على حقائق الكون.
﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)﴾
لو فسرها تفسيراً يتناسب مع التقدم العلمي لأنكر عليه أصحابه، فترك هذه الآيات لتطورات العلم، فكلما تقدم العلم كشف عن جانب من عظمة هذا الكون، إذاً القرآن الكريم بما فيه من إشارات دقيقة علمية يعد معجزة مستمرة إلى يوم القيامة، بينما معجزات الأنبياء كعود الثقاب يتألق مرة واحدة، ثم ينطفئ، ويبقى خبراً يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه، وهذا الموضوع، موضوع الأعجاز العلمي في القرآن الكريم موضوع واسع جداً، وقد أفاض فيه العلماء المسلمون، حيث إن كل ذرة في جسمك، وكل قطرة في دمك تؤمن أن هذا كلام الله، وإن شاء الله في حلقات قادمة سأورد بعض من هذه الومضات الإعجازية في القرآن الكريم.
إذاً، مبدئياً الكون أحد طرائق معرفة الله عز وجل وأفعاله
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
تدل على أنه يبطش بالظالم، قال تعالى:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ(42)﴾
لكن لوجه الحقيقة أقول: الله عز وجل يعاقب بعض المسيئين ردعاً لبقية المسيئين، ويكافئ بعض المحسنين تشجيعاً لبقية المحسنين، ولكن الحساب الختامي، لكن الرصيد يوم القيامة:
﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾
فإذا رأيت إنساناً أو جهة، أو فئةً قويةً جداً، وهي تطغى، وتبغي، وتتغطرس، وتستعلي ليس معنى هذا أنها على حق، إنما الله يؤخرها ليوم تشخص فيه الأبصار.
بقي الشيء الثالث، هو كلامه، فخلقه يدل عليه، وفعله يدل عليه، وكلامه يدل عليه، ولكن اسمح لي أستاذ زياد ـ جزاك الله خيراً ـ أن أوضح حقيقة هي من أخطر الحقائق.
إذا عرفت الآمر، ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر، ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من هذا الأمر، وما أكثر الفتاوى التي أباحت كل المعاصي، ما أكثر الاجتهادات الضعيفة، فلا بد من معرفة الآمر، ثم معرفة الأمر، وهذا هو منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله، بينما مناهج الدعاة الذين جاؤوا من بعده، والذين لم يطلعوا على منهجه القويم في الدعوة اكتفوا بتعريف الناس بالأحكام الشرعية، الأحكام بين أيدينا، ولا أحد يطبقها، لأن الناس ما عرفوا الآمر.
مثل بسيط: قد تأتيك ورقة من إدارة البريد، تقول لك: تعال غداً لكي تقابلنا لاستلام رسالة مسجلة، لا تتحرك شعرة في جلدك، وقد تذهب، وقد لا تذهب، لضيق الوقت، وقد تأتي ورقة من جهة أخرى لا تنام الليل، ما الذي حملك على أن تهتم بالورقة الثانية، وألا تتهم في الأولى، هو المصدر، مُنشئ الورقة الأولى جهة، ومُنشئ الورقة الثانية جهة أخرى، فإذا عرفت من هو الآمر تفانيت في طاعته، وإذا عرفت الأمر، ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت منه، إذاً الكون بما فيه من آيات، وأفعال الله بما فيها من دلالات، والقرآن بما ينطوي عليه من آيات مصادر ثلاثة لمعرفة الله، ومعرفة الله أصل الدين.
الأستاذ زياد:
فضيلة الشيخ، لنعد إلى سؤالنا الأول، دكتور محمد راتب النابلسي، الإنسان وجد على هذه الأرض، وهو من أكرم مخلوقات الله عز وجل، فما هو هدف وجوده ؟ أيقتصر على العبادة ؟ العبادة هي ما نتعارف عليه من العبادات ؟ أم أنها تشمل كل حركاتنا وسكناتنا ؟
الأستاذ راتب:
الحقيقة أن العبادة لها مفهومان، مفهوم ضيق يترسخ في أذهان عوام المسلمين، هو أن تصلي، وتصوم، وتحج، وتؤدي الزكاة، هذه عبادات شعائرية، لكن المفهوم الواسع للعبادة هي أن كل حركة وكل سكنة، وكل صلة وكل قطعية، وكل غضب وكل رضًى، وكل منع وكل بذل، يجب أن ينضبط بمنهج الله، عوام المسلمين فهموا الدين فقرات خمسًا، بينما هو الدين في حقيقته مئة ألف فقرة، منهج تفصيل كامل، لا يمكن أن تقطف ثماره إلا إذا أخذته كله، العبادة بمفهومها الواسع أن تعبد الله فيما أقامك، أقامك غنياً عبادتك الأولى أن تنفق المال، أقامك عالماً عبادتك الأولى أن تعلم الناس، أقامك قوياً عبادتك الأولى أن تحق الحق، أقامكِ امرأة عبادتكِ الأولى رعاية زوجك وأولادك، يجب أن تعبد الله فيما أقامك، وفي الظرف الذي وضعك فيه، عندك أب مريض، تمريض الأب هو العبادة الأولى، عندك أولاد صغار، تربيتهم هي العبادة الأولى، هذا المفهوم الواسع للعبادة يفتقر إليه المسلمون اليوم، هناك عبادات تعاملية، وهناك عبادات شعائرية.
منهم من ذهب إلى إدراج المعاملات في منزلة العبادات، هناك في علم الشرعية عقيدة وشريعة ومعاملات، هل يصح هذا إدراج المعاملات في منزلة العبادات ؟
أنا سأورد لك نصاً صحيحاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد هذه الحقيقة، النبي سأل أصحابه مرة عن المفلس، عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ:
(( أَتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ ؟ قالُوا: المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: المُفْلِسُ مِنْ أَمّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمّ طُرِحَ في النّارِ ))
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(( دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةِ رَبَطََتْهَا، فَلاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا، وَلاَ هِيَ أرْسَلَتْهَا تَأَكلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ ))
فما قولك فيما فوق الهرة ؟!
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ:
(( يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ ))
سيدنا جعفر ابن أبي طالب هذا الصحابي الجليل حينما سأله النجاشي عن الإسلام أجابه إجابة رائعة فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ:
(( أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ، وَالدِّمَاءِ وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ ))
هذا تعريف الدين من صحابي جليل، إنه منظومة القيم الأخلاقية، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى هذا المعنى حينما قال:
(( بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ ))
هذه الخمس دعامات، وليست هي الإسلام، الإسلام بناء آخر،
(( بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ ))
فالصوم والصلاة والحج والزكاة والشهادة هذه أعمدة، وليست هي البناء، فالبناء أخلاقي لذلك من زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان، مثلاً يقول الله عز وجل:
﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾
فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ما حقق الغاية من الصلاة، هذا الذي يحج بيت الله الحرام، بمال حرام يضع رجله في الركاب يناديه منادٍ أن لا لبيك ولا سعديك، وحجك مردودٌ عليك، هذا الذي يصوم في رمضان، ولا يأتمر بأمر الواحد الديان، يناديه مناد أن هذا الصائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، هذا الذي ينفق رئاء الناس:
﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (53)﴾
فقضية الدين قضية خطيرة جداً، يفهمها البسطاء على أنها عبادات شعائرية، وفصلوا بينه وبين الحياة، مع أن الدين هو الحياة، دخل النبي عليه الصلاة والسلام إلى المسجد فيما بين الصلاتين فرأى رجل يتعبد سأله من يطعمك، قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك، لأنه يعمل، وقال: والله لأن أمشي مع أخٍ في حاجته خير لي من صيام شهرٍ، واعتكافه في مسجد هذا، فأكد على ضرورة الانضباط، والبذل والعطاء هذه هي حقيقة الدين إذا العبادة.
سنتطرق بالتفصيل إلى كل هذا بإذن الله تعالى، لأن هناك البعض يفهم هذا خطأً، فيقول: لأن أمشي في حاجة الناس أفضل لي من أن أصوم شهراً بكماله، وهذا لا ينفي وجوب الصيام ووجوب الصلاة، الصلاة المفروضة وأدائها.
لكن إذا وازنا بين العبادة والعمل المقصود بالعبادة النافلة، أما الفرائض فهذه فوق كل شيء، إن الله لا يقبل نافلة ما لم تؤدَّ الفريضة، نحن إذا قلنا: أفضل من الصلاة والصيام الصلاة النافلة، والصيام النافلة.
الإنسان هو المخلوق المكرم، هو المكلف، وهو حامل هذه الأمانة التي عرضت على الجبال والأرض والسماوات، فأبين أن يحملنها، وأشفقن منها، كم في الآية القرآنية الكريمة لهذا الإنسان قيمة كبيرة وعالية جداً، ومكانة كبيرة وعالية جداً، كونه المخاطب والمكلف، سنفصل مزايا هذا الإنسان، وما هو المطلوب بالمقابل منه كي ينعم بجنات النعيم التي وعدنا بها، وكي يتجنب جحيم النار، والعياذ بالله.
أشكركم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، غداً نلتقي بإذن الله تعالى، وأشكر الإخوة المستمعين لحسن إصغائهم، ومتابعتهم، ونعدهم بلقاء قريب بالغد بأذن الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته