وضع داكن
26-04-2024
Logo
الحلال والحرام - الدرس : 19 - الدين - التأمين - بيع السلم - بيع الأهل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون الذكر فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الحكم الأول المتعلق بالدَّين :

 أيها الأخوة المؤمنون: مع الدرس التاسع عشر من سلسلة دروس: "الحلال والحرام في الإسلام" وقد وصلنا في الدرس الماضي إلى موضوع الدين.
 أولاً: الحكم الأول المتعلق بالدين قال تعالى:

﴿ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾

[سورة الأنعام:الآية 142]

المسرف أحيانا يلجأ إلى الدين، لأنه مسرف، لأن إنفاقه لا يتناسب مع دخله، يفتقر هذا الإنسان إلى التخطيط ،إلى الحساب الدقيق، إلى الموازنة، إلى الحكمة في الإنفاق، وقد قال الله عز و جل:

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) ﴾

[سورة الفرقان: الآية 67]

 والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((ما عال من اقتصد))

[ أحمد عن ابن عباس]

 ولو نحيت جزءاً يسيراً جداً من دخلك للطوارئ.
 فالإسراف نهانا الله عنه، والتبذير النهي عنه أشد، لأن الإسراف في المباحات بينما التبذير في المعاصي لقوله تعالى:

﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا أخوان الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً * ﴾

[سورة الإسراء: الآية 26-27]

 الإسراف منهي عنه، والتبذير منهي عنه، وعباد الرحمن إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، وما عال من اقتصد، إذاً الإنسان متى يستقرض؟ عند الضرورة القصوى، عند الضرورة التي لا تحتمل التأخير، كإجراء عملية جراحية، كشراء حاجات أساسية، هذا الاقتراض مشروع في الإسلام، أما الاقتراض لعلة الإسراف أو بسبب التبذير أو لحاجات ثانوية فهناك نهي عن هذا في الأصل.

 

غلبة الدين تعادل قهر الرجال :

 لو وقفنا عند السنة النبوية المطهرة لوجدنا العجب العجاب، النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه الشريف:

((وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ ))

[ أبو داود عن أبي سعيد الخدري]

 أي رجل قوي شرس لئيم لا يحبك يريد أن يسحقك، عجباً للنبي صلى الله عليه وسلم كيف جمع بين غلبة الدين وقهر الرجال، أي غلبة الدين تعادل قهر الرجال، كيف أن الرجل إذا قهر فجر قال تعالى:

﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾

[سورة الشعراء: الآية 130]

 الجمع بين غلبة الدين وقهر الرجال في مستوى واحد، بل إن القاعدة في اللغة تقول: إن العطف يقتضي التشابه، والعطف يقتضي المشاركة من غلبة الدين و قهر الرجال، فما دام الموضوع طرق بهذا الشكل نرى قول الله تعالى:

﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾

[سورة الإسراء: الآية 23]

 رفع الله الإحسان للوالدين إلى مستوى عبادة الله، وقال تعالى:

﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾

[سورة محمد: الآية 5]

 رفع الله صلاح البال إلى مستوى الهدى، فالعطف يقتضي المشاركة، التجانس، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ ))

[ أبو داود عن أبي سعيد الخدري]

 والإنسان كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( وإياك وما يعتذر منه ))

[ أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عمر ]

 فالدين كما يروى وهم بالليل وذل بالنهار:

((وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ ))

[ أبو داود عن أبي سعيد الخدري]

 وفي حديث آخر أو دعاء آخر يقول:

((أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالدَّيْنِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُعْدَلُ الدَّيْنُ بِالْكُفْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ ))

[ أحمد عن أبي سعيد الخدري]

 وقد نقل عن سيدنا علي كرم الله وجهه أنه: "كاد الفقر أن يكون كفراً".

 

الإنسان يصبر على فقد الحاجة ولا يصبر على همّ الدين :

 الإنسان إذا افتقر، وافتقر، وغلبه الدين، ووقف الناس على بابه، وأغلظوا له بالقول، وتابعوه ليلاً نهاراً، مرة بالهاتف، وأخرى باللقاء المباشر، ومرة هددوه، ومرة أوعدوه، فقد لا يحتمل، فالنبي استعاذ من غلبة الدين وقهر الرجال، واستعاذ من الدين والكفر، وكان يقول صلى الله عليه وسلم في صلاته:

((اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم))

[ البخاري عن عائشة]

المغرم الدين، الدين قرن مرة بالمأثم، ومرة بالكفر، ومرة بقهر الرجال، إذاً المفروض أن الإنسان يصبر على فقد الحاجة ولا يصبر على همّ الدين ، وورد عن رسول الله أنني لا أشتري شيئاً لا أملك ثمنه.
 هناك تصرفات غير واعية من أناس كثيرين في الاقتراض بشكل عشوائي، وحينما يأتي سداد الدين يعجز، فإذا عجز اضطر لأن يكذب.

 

حقوق العباد مبنية على المشاححة وحقوق الله عز و جل مبنية على المسامحة:

 أيضا يوجد حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام في دعائه الشريف:

((اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف ))

[ البخاري عن عائشة]

 إذا وجد الدين ماذا يفعل الرجل؟ إذا حدث كذب، وإذا وعد فأخلف دخل في خصلتين من خصال المنافق وهو لا يدري.
 والحقيقة يوجد شيء مخيف كان عليه الصلاة والسلام لا يصلي على الميت إذا عرف أنه مات وعليه دين، وقد يكون هذا الميت أحد أصحابه، وقد يكون هذا الميت جاهد معه، وقد يكون هذا الميت وضع روحه على كفه في سبيل الله، ومع ذلك كان يقول عليه الصلاة والسلام:" أعليه دين؟ فإن قالوا: نعم، يقول: صلوا على صاحبكم" .
 إلا أن أصحاب رسول الله كانوا على درجة عالية من الوفاء، فكان إذا قال عليه الصلاة والسلام: صلوا على صاحبكم. ينبري أحدهم ويقول: يا رسول الله عليّ دينه صلِّ عليه.
 هذا الشهيد ماذا قدم لله؟ الشهيد قدم روحه، وقد قال الشاعر: 

والجود بالنفس  أقصى غاية الجود
***

 ومع ذلك دققوا في هذا الحديث، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ))

[ أخرجه أحمد في مسنده وصحيح مسلم عن ابن عمرو ]

 قدم روحه، انتهى، قدم أثمن ما يملك، ومع ذلك يغفر له كل شيء إلا الدين، فإنه لا يغفر، لماذا؟ لأن حقوق العباد مبنية على المشاححة، وحقوق الله عز و جل مبنية على المسامحة، والله لا أصدق ولا أتصور إنساناً أكل أموال الناس وولى هارباً، يقول: فليفعلوا ما يشاؤون، هذه المحاكم، وفعلها أناس آخرون، وفعلها أناس كثيرون، أخذ أربعين مليوناً وخمسين مليوناً و اختفى، باعتقاده الموضوع انتهى، ويظن أنه ذكي، ويظن أنه فالح بهذا، والله يكيل الله له الصاع صاعين، لأنه:

(( من أخذ أَموال الناس يُريدُ أَداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذ أَموال الناس يُرِيدُ إِتْلافها ))

[أخرجه البخاري عن أبي هريرة ]

من صدق في أداء الدين أدى الله عنه :

 قد يقول أحدكم من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفها الله، هذا هو السياق، لا، من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله – أتلف الله صاحب المال- والله أعرف رجلاً أخذ مبلغاً كبيراً، وأنا أثق بإيمانه، ووصل إلى مستوى الإفلاس، وهذا المبلغ الكبير برقبته، والأسواق لا تساعد، كساد ما بعده كساد، جمود ما بعده جمود، لا بيع، ولا شراء، ولا حركة أبداً، وهذا المبلغ الذي أخذه أكبر من أن يؤديه، مرة قال لي: بقدرة قادر، و رحمة رحيم، وإلهام حكيم، الله عز وجل يسر له عملاً وسط الكساد، وسط الجمود، عملاً رائجاً جداً، فوفّى معظم هذا المبلغ، قلت له: والله لم تفعل شيئاً إلا أنك نويت ردّ هذا المبلغ، الوضع لا يساعد أبداً لكنك يبدو أنك نويت بصدق وفاء أداء هذا المبلغ فأدى الله عنك، هذا كلام دقيق للذي عليه دين.
 الله عز و جل لا ينتظر ممن عليه دين إلا أن يصدق في أداء الدين، وعلى الله الباقي، وأعني ما أقول، الذي عليه دين الله عز و جل لا ينتظر منه إلا أن يكون صادقاً في وفاء هذا الدين، وعندئذ يتولى الله عنه أداء هذا الدين، ييسر له عملاً لم يكن في الحسبان، ييسر له أمره وسط الجمود، ووسط الكساد، ووسط الموت، لأن الله عز و جل على لسان النبي صلى الله عليه وسلم هذا وعد ربنا على لسان النبي، والنبي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى قال:

(( من أخذ أَموال الناس يُريدُ أَداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذ أَموال الناس يُرِيدُ إِتْلافها ))

[أخرجه البخاري عن أبي هريرة ]

صاحب الدين عندما يكون رقيقاً ويصبر له عند الله أجر كبير :

 بالمناسبة صاحب الدين عندما يكون رقيقاً، وحليماً، ويصبر، له عند الله أجر كبير أيضاً، صاحب الدين بإمكانه أن يكون فاجراً، بإمكانه أن يقسو في الكلام، بإمكانه أن يثير ضجة كبيرة، بإمكانه أن يفعل شيئاً منكراً، لكن إذا تلطف في مطالبة المدين ورحمه أحياناً فكأنما تصدق عليه، ما كل شيء مال، ما كل الربح مال، أحياناً صبرك ربح، والله عز و جل قال:

﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ﴾

[سورة البقرة: الآية 280]

 أنت تنتظر هذا المدين المعسر ابتغاء وجه الله، الله عز و جل أكرم الأكرمين يكافئك على هذا الصبر الجميل الشيء الكثير.

 

القرض الربوي من لوازم أهل الدنيا و القرض الحسن من لوازم أهل الآخرة :


على كلٍّ موضوع الدين موضوع أساسي في الدين، نحن عندنا قرض ربوي، وعندنا قرض حسن ، القرض الربوي من لوازم أهل الدنيا، وأهل الأموال الذين لا يعبؤون لا بمنهج، ولا بدين، ولا بقرآن كريم، ولا بسنة، لا يتصور أن يقرض مبلغاً بدون فائدة، أما المؤمن فلأن أساس حياته على العطاء لا على الأخذ، المؤمن إذا قرأ قوله تعالى:

﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾

[سورة البقرة: الآية 245]

 المؤمن إذا قرأ هذه الآية يندفع إلى خدمة الخلق، أنا أعرف أن أجر القرض ربما كان أشد من أجر الصدقة، أعلم أن هناك أناساً كثيرين لا يقبلون الصدقة، محترمين، نفسهم عزيزة، لكن يستقرضون، فإذا فرجت همهم فلك أجر كبير:

((من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة...... والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))

[ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه]

من أسدى إليك معروفاً فلم تكافئه ساهمت في تقليل الخير :

 الآن شاع بين الناس أن أخاً ميسور الحال يرصد مبلغاً لإقراضه للمحتاجين، هذا المبلغ من يد ليد ليد، وأنت أيها المؤمن إذا أخذت أموال الناس ورددتها شاركتهم فيها، وأعنت على الخير، وساهمت في فعل الخير، أما إذا اقترضت مبلغاً ومضى، قال لي شخص: أقرضت شخصاً مئة وخمسين ألفاً، والله من يومين قالها لي، قلت له: منذ متى؟ قال: منذ خمسة وأربعين عاماً، قال لي: منذ أسبوع ردها لي، مئة وخمسون ألفاً قبل خمس وأربعين سنة كم تساوي؟ قال: والله دفعها لي قبل أيام، وأنا أطالبه، مثل هذا الإنسان يبطل المعروف، يروى أن لصاً من لصوص الصحراء، من لصوص الخيل، يتصنع المسكنة والفقر، مرّ فارس فرقّ له، بلا حذاء، بلا نعل، ورمال الصحراء كالنار، كالجمر، فقال له: اركب ورائي، ما إن امتطى الجواد وراءه حتى دفع صاحبها إلى الأرض، وعدا بها لا يلوي على شيء، وهو من لصوص الخيل، يقول له صاحب الخيل، صاحب الفرس: يا هذا لقد وهبت لك الفرس ولن أسأل عنها بعد اليوم، ولكن إياك أن يشيع هذا الخبر في الصحراء فتذهب منها المروءة، وبذهاب المروءة يذهب أجمل ما فيها، الشيء القريب من أذهانكم، شخص يركب مركبته ليس معه أحد يشير له شخص لا يركبه، أنا أقول: معه حق، أحدهم ركب شخصاً هذا الشخص كان قاتلاً إلى الآن بالسجن، ركّب شخصاً يحمل حشيشاً، هذا الذي يطلب المعونة ومعه لغم يمنع الماعون، عندما يكون الناس بمستوى راق يشجعون على فعل الخير، فكلما حدثت مشكلة الناس تخاف و ترتعد، فكلما غدر إنسان أو ارتكب عملاً قبيحاً يبعد الناس عن فعل الخير، لا يستطيع أحدنا أن يُركب شخصاً لا يعرفه، يا ترى معه حشيش؟ معه مخدرات؟ ملاحق؟ قاتل؟ لا يعرف من هو الشخص؟ يفترون عليه أحياناً، إذاً هؤلاء الذين فعلوا هذه الأعمال منعوا الخير.
 الملخص إذا أسدي إليك معروف فلم تكافئ بل أسأت، أنت تسهم في تقليل فعل الخير في المجتمع، وهذه مشكلة كبيرة.

بيع الأجل وبيع السلم والإقراض :

 عندنا القرض، وإذا إنسان باع شيئاً ما، وأجّل قبض الثمن، هذا عمل صالح، ويوجد عمل صالح بالمقابل هو بيع السلم أي أنت أحياناً تكون راعياً، أو صاحب غنم لا يملك ثمن علف هذه الأغنام، فيضطر إلى بيع صوفها سلفاً، هذا اسمه بيع السلم، وله في الفقه شروط كثيرة، أما بيع السلم فمعاونة الشاري للبائع، والبيع لأجل معاونة البائع للشاري، مرة البائع يعاون بالبيع لأجل، ومرة الشاري يعاون بالشراء بالسلم، والقرض إقراض لله عز وجل، قال تعالى:

﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ﴾

[سورة البقرة: الآية 245]

 لكن الله لم يكلفك بالإقراض، أن تقرض أي إنسان دون أن تعرفه، هناك نصابون كثيرون، هناك أناس مخادعون، النبي علية الصلاة والسلام كان يحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي بشره عن أحد، أما إنسان معروف، واثق من أمانته، واثق من رد الدين، وطلب منك مبلغاً، الأولى والأكمل والمروءة تقول: أن تنجده.
 الإقراض من الأعمال الصالحة، والبيع لأجل من دون زيادة أيضاً من الأعمال الصالحة، وبيع السلم من دون استغلال، أي إذا صاحب غنم في البادية احتاج إلى ثمن علف، والغنم على وشك الموت جوعاً، فاضطر أن يبيع صوف غنمه لمن يدفع له ثمنه مسبقاً، فإذا كان كيلو الصوف أو رطل الصوف بخمسين ليرة اشتراه بالسلم بعشر ليرات، أليس هذا استغلالاً؟ هذا أشد أنواع الاستغلال، بيع السلم بلا استغلال، بلا بخس للثمن، وبيع لأجل بلا زيادة، أصبح بيع الأجل عمل صالح، وبيع السلم عمل صالح، والإقراض عمل صالح مزدوج.

 

المضاربة والقرض بدائل الاستثمار الربوي :

 الآن الشرع الحكيم لأنه كما قال أحد العلماء: الشريعة مصلحة كلها، ورحمة كلها، وعدل كلها، وأية قضية خرجت من الرحمة إلى خلافها، ومن العدل إلى الجور، ومن المصلحة إلى المفسدة، فليست من الشريعة، ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل، الشريعة عدل، والشريعة مصلحة، والشريعة رحمة، فمن باب مصلحة المجتمع هناك أشخاص يملكون المال ولا يتقنون الأعمال، إما لجهلهم، أو لكبر سنهم، أو لأنهم من الجنس الأنثوي، أو لأنهم صغار قصر، فالذي يملك المال ولا يملك الأعمال هذا بحاجة لمن يستثمر له ماله، ويوجد أناس كثيرون يملكون الطاقة والجهد والخبرة لكنهم مفتقرون إلى المال، فإذا تعاون هؤلاء مع هؤلاء بما يسمى بشركات المضاربة والقرض فهذا أحلّ وجه من وجوه استثمار المال، فهذا الذي يأخذ أموال الناس ثم يختفي، يأخذ أموال الناس ثم يفلس، يأخذ أموال الناس ويعطيهم أرباحاً وهمية خيالية إلى أن يختفي، هذا ماذا فعل؟ الوضع الشرعي الدقيق الواضح الصرف شركة المضاربة، فلما أسيء استغلالها قوينا جانب المصرف، قوينا جانب البنك، وقوينا الاستثمار الربوي، فكل إنسان أساء مع من وضع معه المال ساهم وهو لا يدري في تقوية جانب القرض الربوي، وطبعا القرض الربوي حرام، واستثمار الأموال بطريق الإقراض الربوي أيضاً حرام بإجماع العلماء، أما حينما تسيء استخدام الوجه المشروع تقوي الجانب المحرم وأنت لا تشعر، أي الذين أخذوا أموال الناس، و أنكروها، أو سافروا بها، أو اختفوا، كل الناس تقوى عندهم أن الاستثمار الربوي أكثر أماناً، أما لو الجانب الأول أخذ أموال الناس، وعمل بها بالعدل، والإنصاف، والرحمة، لما شك الناس في هذا الطريق المشروع، ولجؤوا إلى طريق آخر غير مشروع. ولا يخفى عن أذهانكم أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شريك مضارب في الإسلام، أخذ أموال السيدة خديجة، وتاجر بها في الشام، وكان في أعلى درجات الأمانة، والاستقامة، والإخلاص، وربما أخبار النبي في تجارته مع خديجة كان أكبر دافع لها على أن تتزوجه لأمانته، وخلقه، وإخلاصه.
أحياناً تجد مهندساً مثلاً يتحرق على عمل، لا يوجد مال، شخص معه مال يتحرق على من يُشغل له هذا المال، شيء طبيعي جداً هذا هو البديل، إن الذين يقولون: لا بد من إيداع الأموال في المصارف هؤلاء غير واقعيين، هناك بدائل كثيرة لكن أنت ابحث عن المؤمن، ابحث عن المستقيم، الدنيا لا تخلو، أن تقول: لم يبق أحد هذا كلام غير علمي، كلام فيه مبالغة، الدنيا لا تخلو من إنسان مستقيم، ببعض البلاد فيما أعلم شركات كبيرة جداً أعطت أرباحاً طائلة وكلها مشروعة، وكادت البنوك أن تفلس، لأنه أعطى ثلاثة وعشرين بالمئة أرباحاً، وكلها مشاريع حيوية، ومشاريع جيدة ومشروعة، فلذلك بديل الاستثمار الربوي عقد المضاربة، والقرض، وهذا ما يفعله معظم الناس.
 إلا أن المنزلق الوحيد أن هناك تجاراً كثيرين يعطون فوائد ثابتة، وأرباحاً ثابتة، وهذا يجعل هذه التجارة ربوية، يجب أن يكون الربح حقيقياً على أساس موازنة، ومتاجرة، وأرباح، وخسائر، أما أن تعطي على الألف مبلغاً كل شهر فهذا ربا حقيقي، وإن كان على شكل استثمار الأموال عند بعض التجار، تجار كثيرون لا يتورعون أن يعطوا نسبة ثابتة وهذه النسب الثابت تلتقي مع الاستثمار الربوي لقاء تاماً.

 

الإسلام دين التعاون :

 الله عز وجل ندبنا إلى التعاون فقال:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

[سورة المائدة: الآية 2]

والآن الحقيقة إذا أراد أن ينشئ مشروعاً عن طريق فرد واحد، ربما كان هذا قبل سنوات، أما الآن أقل مشروع يحتاج إلى ملايين، لذلك لا بد من التعاون، والإسلام دين التعاون، دين المؤاثرة، دين التكاتف، فأنا أشجع على التعاون فيما بين الأخوة المؤمنين، على عمل صناعي، على عمل تجاري، على عمل زراعي، ويد الله مع الجماعة، والأحاديث كثيرة جداً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

((يد الله على الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما ))

[ سنن الدار قطني عن أبي حيان التيمي عن أبيه]

 معنى يد الله على الشريكين أي بالتوفيق والنصر والتأييد والحفظ:

((يد الله على الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما ))

[ سنن الدار قطني عن أبي حيان التيمي عن أبيه]

 والله يوجد شركات عمرها أربع وعشرين سنة، وثلاثين سنة، منتهى الأمانة، منتهى الإخلاص، والله عز وجل يوفق الشركة كلها.
 يوجد حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام:

((إن الله تعالى يقول أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما))

[ أبو داود عن أبي هررة]

 طبعا وضحت من قبل معنى الخيانة، معنى الخيانة ليس أن تفتح الصندوق، وتأخذ مالاً، وتضعه في جيبك، هذه ليست خيانة، هذه سرقة، أما الخيانة فأن تفكر أن تأخذ منه الخبرة ثم تلقيه خارج الشركة، كيف أن الزواج على التأبيد الشركة التي يرضى الله عنها هي شركة على التأبيد، قد تنفصل بعد حين، أما حينما وقّعنا، وحينما عقدنا العزم على هذه الشركة، فنوينا الاستمرار، من أجل عدم وجود الغدر، أو عدم وجود نوايا سيئة، أو عدم وجود الخطط التي يرسمها أحد الشركاء ليلقي بالشريكين خارج الشركة، طبعا نحن لا ندخل في التفاصيل، هذه التفاصيل مشروحة بشكل تفصيلي في دروس سابقة، نحن عندنا عدة دروس عن شركات المضاربة، عدة دروس عن الدين، عن القرض، عن الربا، لكن نمر عليها مروراً سريعاً أما التفاصيل فسبق أن وقفنا عند التفصيلات، والأحكام الفقهية، والأمور الفرعية بشكل دقيق.

 

أحكام التأمين :

 أما التأمين، التأمين التعاوني ليس مشروعاً فحسب بل مندوباً إليه، التأمين التعاوني غير التأمين الاستغلالي، أو غير التأمين التجاري، إذا كان هناك مئة تاجر اتفقوا أن يضعوا في صندوق مشترك نسباً من دخولهم، فإذا أصيب أحدهم بكارثة دفعوا له تعويضاً عن هذه الكارثة، هذا التأمين من أفضل أنواع التأمين، مشروع لأن فيه عوضاً، لو أن واحداً لم يصب بكارثة، الأموال التي لهم تبقى لهم، ولا تذهب بلا عوض، أما التأمين الاستثماري فإن لم تصب بشيء ضاع عليك المبلغ، دفعت مبلغاً كبيراً ولم تأخذ ما يقابله، من هنا جاءت الحرمة، ليس هناك معاوضة، لذلك كل شيء فيه تعاون، وفيه حفظ حقوق، وفيه معاوضة مشروع، الإسلام مرن، والإسلام واقعي، والإسلام دين، يجب أن يغطي كل حاجات المجتمع، وأن يكون صالحاً لكل زمان ومكان، هذا هو الإسلام:

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾

[ سورة المائدة الآية : 3 ]

 فممكن أن ننشئ تأميناً تعاونياً، طبعاً هذا الإسلام، أساسه أن كل أصحاب مصلحة، كل أصحاب حرفة، يتعاونون في إيداع مبلغ من دخولهم في صندوق، فإذا أصيب أحد بتلف في بضاعته، أو بكارثة، عوضنا له مباشرة، والباقي لنا، وما في الصندوق يمكن أن نستثمره في طريق مشروع فينمو، هذا هو التأمين التعاوني لا شيء عليه.
 بل حتى الجمعيات التعاونية التي يتعاون أعضاؤها على إنشاء دور للسكن ما لم يكن هناك قرض ربوي فهي حلال، بل مندوب إليها، ما لم يكن هناك قرض ربوي على اسم أعضائها، لولا هذه العلة لكانت هذه الجمعيات وفق منهج الله عز وجل، و الشرع يباركها، ويدعمها، ويؤيدها.

 

المزارعة و تربية الحيوان :

 والذي عنده أرض زراعية، ويريد أن يستغلها، هناك أساليب كثيرة لاستغلالها، ومن هذه الأساليب أن يقوم هو بزراعتها وله أجر لا يعلمه إلا الله، لأنه قدم إنتاجاً زراعياً، قدم غذاء للناس، والطريقة الثانية إن لم يتمكن من زراعتها فيندب أن يقدمها لأخ يحتاج إليها، فقد قال عليه الصلاة والسلام:

((مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ))

[ البخاري عن جابر]

والطريقة الثالثة: أن يعطيها لمن يزرعها بآلته، وبذره، وحيوانه، على أن يكون له نسبة، هذه المزارعة.
 شركة المضاربة في التجارة، أما المزارعة ففي الزراعة، ممكن الأرض أن تقدمها، وهناك من يزرعها، ويعتني بها، ويحصدها، ويعطيك بعضاً من الغلة، هذه أيضاً مزارعة.
 وكذلك يجوز أن تشترك مع أخيك في تربية الحيوان، ممكن أن تنمي الثروة الحيوانية، أو أن تنمي الأرض الزراعية، أو أن تتاجر مع أخوانك، أو أن تضارب، بمعنى أن تقدم الجهد ومنهم التمويل، أو تقدم التمويل ومنهم الجهد، هذه كلها أساليب لاستثمار الأموال، لأن المال قوام الحياة، والإنسان حينما يكسب المال المشروع هذا العمل جزء من الدين، طلب الحلال فريضة بعد الفريضة، أي بعد أن تصلي، وتصوم، وتحج، عليك أن تطلب الحلال، ومن بات كالاً في طلب الحلال بات مغفوراً له، وإني أرى الرجل من غير عمل يسقط من عيني كما قال سيدنا عمر، ونعم العبد الذي يكسب قوته بجهده، وعرق جبينه، فنحن مع العمل والنبي عليه الصلاة والسلام أمسك يد عبد الله بن مسعود وكانت خشنة رفعها بين أصحابه وقال: "إن هذه اليد يحبها الله ورسوله".

 

الإنسان يصل إلى مرضاة الله عز وجل من خلال عمله المهني :

 الإنسان يمكن أن يصل إلى مرضاة الله عز وجل من خلال عمله المهني، والحقيقة يوجد نقطة مهمة جداً، نحن حياتنا حياة تعاون، فالله عز وجل أرادنا أن نكون في مجتمع، والدليل أن الله سبحانه وتعالى مكّن كل واحد من خلقه من عمل، وجعله مفتقراً إلى آلاف الأعمال، مكنك من عمل وجعلك مفتقراً إلى آلاف الأعمال، معنى هذا أن الله عز وجل أرادنا أن نكون متعاونين، وهذا من تخطيط الله عز وجل، وهذا من مشيئة الله وإرادته، فالتعاون أمر إلهي ثابت لقوله تعالى:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

[سورة المائدة: الآية 2]

 النقطة الدقيقة أن العمل المهني الذي تحترفه يمكن أن يكون سبباً لدخول الجنة وحده، أولاً: أن يكون مشروعاً، عملك مشروع، عملك في إطعام الناس، في تأمين كسائهم، في تأمين تعليم أولادهم، في تأمين معالجة أبنائهم، فالعمل الطبابة والتعليم والتدريس، والعمل في المواد الغذائية، والعمل في الملبوسات، طبعاً مع بعض الاستثناءات هذا كله مشروع، أما عندما تأتي بمعجونة لحم وتنشئ معمل مرتديلا، والمعجونة تأتي بها من بلاد أجنبية، يغلب على ظنك أن فيها شحم خنزير وتقول: مصنعة وطنياً فهذا غش كبير، قرأت خبراً منذ مدة في الجريدة أن باخرة في طرطوس فحص اللحم فيها فإذا هو فاسد فردت، معنى هذا أن المعامل الوطنية تأتي بمعجونة المرتديلا استيراداً، وتضعها في علب، والناس يتوهمون أن هذا لحم ضان، لحم حلال، فالعمل في الأغذية شيء جيد جداً، لكن إذا وجد التدليس، أو الكذب، أو مواد محرمة، أنت لست متأكداً منها، يوجد مواد ممنوعة، يوجد أحياناً جبن أساسه مصنع من منفحة الخنزير، يوجد جبن مخلوط بشحم خنزير مثلاً، فينبغي لمن يستورد هذه البضاعة أو لمن يستورد مادتها الأولية أن ينتبه، هؤلاء مسلمون أمامك، تطعمهم وهم واثقون منك، لذلك موضوع التعامل مع غذاء المسلمين يحتاج إلى ورع شديد، يوجد مواد مسرطنة، يوجد مواد رخيصة جداً، يوجد أصبغة رخيصة تسبب سرطانات، يوجد مواد فاسدة، يوجد مواد منته مفعولها، طبعاً الإنسان لا يستطيع أن يكشف الحقيقة.

 

الدين الحقيقي يظهر في العمل :

 لذلك العمل في غذاء المسلمين، والعمل في تقديم المواد الزراعية لهم، عمل طيب، فالعمل إذا كان في الأصل مشروعاً وسلك فيه المسلم الطرق المشروعة؛ لا يوجد كذب، ولا غش، ولا تدليس، ولا إيهام، يستطيع صيدلي أن يمحي تاريخ الانتهاء ويضع تاريخاً جديداً ويصلي؟ والله ارتكب كبيرة، ما قيمة هذه الصلاة؟ الدواء انتهى مفعوله فيحك مكان الانتهاء أو يضع رقماً جديداً، أو يتحايل بوضع لصاقة فوق تاريخ الانتهاء بشكل أو بآخر، هذا حرام، الدين الحقيقي يظهر في عملك، لا يتجلى دين الإنسان وهو في المسجد، وهو يصلي، جميعنا نصلي، يتجلى دينك الحقيقي في معملك، يتجلى الدين الحقيقي في معمل الغذاء، ممكن أن تضع مادة خطيرة مسرطنة في مادة الطحينة من أجل أن يكون لونها مناسباً، وترفع السعر عشر ليرات، ممكن أن تفعلها وقد فعلها قبلك أناس كثيرون، مادة مبيضة لكنها تستعمل في الطلاء، تضعها أنت في مادة غذائية، من أجل أن تؤكل، وهذا الذي يشتري لا يملك القدرة على الفحص، فنحن بحاجة ماسة إلى ضمير، أو إلى مراقبة لله عز و جل، يوجد أشياء كثيرة، ممكن أن تستعمل هرموناً ممنوعاً استعماله، وممنوعاً استيراده، وممنوعاً استعماله في بلد المنشأ، هذا الهرمون يكبر الثمرة، تجد الثمرة حجمها كبير، ولأنه متألق هذه خضراوات مهرمنة، مع الاستمرار تتراكم هذه المواد المسرطنة في الجسم.

محاسبة النفس أمر ضروري في حياة الإنسان :

 يوجد ملاحظة بأن الأمراض الخبيثة زادت بشكل كبير ما هي أسبابها؟ أسبابها يوجد أخطاء كبيرة جداً في غذائنا، مواد هرمونية، كل المعلبات تحتوي مواد حافظة، مسموح بوضع اثنين بالمئة يضعون خمسة بالمئة، من أجل ألا تتلف بعد حين، الخمسة بالمئة مؤذية أما اثنين بالمئة فغير مؤذية، فالمعمل الذي يضع نسبة عالية من الهرمونات في هذه المعلبات ضماناً لسلامتها يكون قد أذى الإنسان.
 يوجد كثير من الأمراض مثلاً السمون المهدرجة كلها هذه سمون مشبعة لا تهضم، وهذه تسبب ضيقاً في الشرايين، هذه السمون كلها ممنوع استعمالها في بلد المنشأ، للتصدير فقط، فالإنسان يجب أن يفكر، فإذا كان عملك عملاً غذائياً هؤلاء المسلمون محاسب أنت عنهم عند الله عز و جل، فحاسب نفسك آلاف المرات.
 قال لي أخ هنا في هذا المسجد أكبرته كثيراً عنده معمل مواد غذائية، بلغه أن المياه بهذه المنطقة ملوثة، فأصبح يأتي بالمياه النقية من مكان بعيد، ويدفع مبالغ طائلة كي يصنع المادة الغذائية بمياه نقية، إشاعة بلغته أن الماء في هذه المنطقة ملوث فخاف من الله عز و جل، أخ كريم آخر يحدثني فقال: والله أختار من المواد الأساسية أفضل الأنواع، لأن الذي يأكل هذه الحلويات أولادنا، هم أطفال بريئون، فعندما يعامل الإنسان الله عز و جل الله يكافئه، ويعطيه، ويحفظه، ويقويه، ويحفظ ماله من التلف، والذي يجني أرباحاً طائلة عن طريق الغش والتدليس الله عز و جل يدمره.

 الدين يتجلى أكثر ما يتجلى في أعمال الإنسان :

  أخواننا الكرام: عملك، مهنتك، أكبر جزء من دينك، ليس أكبر جزء من دينك صلاتك، الصلاة عماد الدين، والصلاة كالامتحان، ساعات الامتحان مناسبة تقبض الجائزة على عبادتك التعاملية، فكل واحد ممكن إذا كان عمله مشروعاً، وسلك به الطرق المشروعة، وابتغى به كفاية نفسه، وكفاية أهله، وابتغى منه خدمة المسلمين، ولم يشغله عن طلب العلم، ولا عن أداء واجب، ولا عن أداء فريضة، انقلب هذا العمل إلى عبادة تامة تامة تامة.
 عجبا لأمر المؤمن وهو في معمله يعبد الله، وهو في مكتبه يعبد الله، وهو في عيادته يعبد الله، وهو في مكتبه الهندسي يعبد الله، ولذلك الدين يتجلى أكثر ما يتجلى في أعمالك.

 

من طبق التوجيهات النبوية و الأحكام الفقهية شعر بسعادة لا توصف :

 جاءتني رسالة سأقرؤها لكم: يقول صاحب الرسالة: نشكر لكم توجيهاتكم في هذا الموضوع – القرض- وأنا من الذين كنت في ضائقة مالية شديدة، فقام أخ كريم من هذا المسجد وفرج عني هذا الدين فجزاه الله كل خير، أترى العمل الطيب ما أجمله! إن الله عز و جل في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، والإنسان لا يرقى عند الله إلا بمعاونة أخوانه، والإسلام أساسه علاقات بأعلى درجة من التعاون، هل يوجد أحد منا - شيء لم يحدث بعد - يقول لأخيه خذ نصف مالي؟ نصف بيتي؟ نصف دكاني؟ هكذا فعل الصحابة، الصحابة عندما آخى النبي بينهم وبين المهاجرين عرض الأنصار على المهاجرين نصف بيوتهم، وبساتينهم، وحوانيتهم، والطرف الثاني كان صاحب عزة وكرامة قال ابن عوف: لا يا أخي جزاك الله عني كل خير، دلني على السوق بارك الله لك في مالك، ولكن دلني على السوق، الآن يقول لك: إذا قلنا نريد فقر حال، يأتي الأغنياء يتسابقون على فقر الحال، إذا أردنا أن نجري عملية جراحية مجاناً للفقراء نتفاجأ بأن الأغنياء يجرونها مجاناً، الأغنياء المقتدرون يبذلون ماء وجوههم، ويدّعون الفقر لإجرائها مجاناً، أما سيدنا ابن عوف قال له: بارك الله لك في مالك ولكن دلني على السوق.
 والحقيقة أخواننا الكرام كل كلامنا نظري، أما إذا طبق والله تشعرون بسعادة لا توصف، وأنا مصر على هذا المثل، الفرق بين سماع التوجيهات النبوية، أو سماع الأحكام الفقهية، أو سماع السيرة النبوية، وبين تطبيقها، كالمسافة بين أن تقول: ألف مليون وأن تملكها، كم هي المسافة كبيرة أن تقول: ألف مليون ولا تملك قيمة رغيف الخبز، وبين أن تملك هذا المبلغ، وكل هذه التوجيهات، وكل هذه الأحكام الفقهية، وكل هذه المثل العليا التي تحدثت عنها في هذا الدرس لا قيمة لها لا بالنسبة لي ولا إليكم إن لم تطبق.

 

ثمار الدين الإسلامي لا تقطف إلا بالتطبيق :

 سمعت مرة كلمة أعجبتني، المتكلم ليتكلم ما شاء، يحاسبه الله على مدى تطبيقه لما يقول، والمستمع ليستمع ما شاء، يحاسبه الله على مدى تطبيقه لما يسمع، لا المتكلم يفلح إن لم يطبق، ولا المستمع يفلح إن لم يطبق، لا تقل هذا يتحدث إلينا، المتكلم مثل المستمع لا يرقى إلا بالتطبيق، لأن الكلام سهل جداً، لا يكلف شيئاً، لا ترقى إلا بالتطبيق، فانظر سمعت أول درس، والثاني، وأنت ملازم للدروس، ومن رواد المسجد منذ عشرين عاماً، لا يرقى الله بك إلا عند التطبيق، والمتكلم مهما تكلم، ومهما كان فصيحاً، ومهما شق في الكلام، ومهما حلل، ومهما بيّن، ومهما جاء بالأدلة، إذا لم يطبق كلامه لا يرقى عند الله أبداً، أسباب الرقي هو التطبيق للمتكلم والمستمع، فلذلك أخواننا الكرام عندما يطبق الإنسان يتألق تألقاً شديداً، ويعرف ثمار هذا الدين، بل إن ثمار هذا الدين لا تقطف إلا بالتطبيق، لذلك الإنسان عندما ينطلق للعمل الصالح يشعر أن الدين شيء عظيم، وإذا لم يطبقه يمل منه فيقول: والله شيء ممل، وأنا أستمع لهذا كثيراً، يقول لك كل: هذا معاد، شيء ممل، فلان انتهى، لا يوجد عنده شيء جديد.
الحقيقة ليس المتكلم لم يبق عنده شيء جديد، المستمع ليس عنده عمل إطلاقاً، عند عدم وجود العمل يشعر الإنسان بالملل، ادعُ شخصاً للطعام، ضع له الصحون والأطباق، لكن دون طعام شيء ممل، ادعه مرة ثانية يقول لك: مشغول، مادام لم يأكل لن يأتي مرة ثانية، أما لو أكل تدعوه مرة ثانية يأتي فوراً، فإذا طبق الإنسان يتألق، ويعرف ثمار الدين، وإذا لم يطبق كل شيء فعلاً يمل، الله عز وجل أعاد في القرآن الكريم قصة سيدنا موسى سبع عشرة مرة، يوجد في القرآن أشياء كثيرة معادة لأنها أساسية لابد من ترسيخها، فالإنسان يتألق بالتطبيق، ويسأم ويضجر بعدم التطبيق، إذا اشترى أحدنا سيارة، أول يوم يغسلها وفي اليوم الثاني يلمعها ولكن لم يركبها ولا مرة ثم يكرهها، إذا لم يستعملها لا يحبها، عبء عليه، رسوم، وتنظيف، ومشكلات، مرة انكسر الزجاج، ومرة أخرى أصلحه، إذا لم يركبها عبء عليه، يكرهها، أما إذا قطف ثمارها فيحبها، وكذلك كل شيء في الحياة.
 فالله نسأل أن يلهمنا التطبيق، وأن يلهمنا أن نترجم هذه الأحكام الفقهية إلى حياة يومية.

المسلمون يد واحدة وقلب واحد وإحساس واحد :

 أحياناً أسمع قصصاً يقشعر جلدي، أحد أخواننا الذين أكرمهم الله بالإسلام، بعد أن لم يكونوا مسلمين، أخ دون أن يُعلم أحداً أمّن له منزلاً، هذا عمل بطولي، أن تؤمن لإنسان منزلاً، وأن تعينه بعمل، أن تؤمن له عملاً وتعينه بقضايا أساسية، الحياة تعاون، ونحن يجب أن نعيش الإسلام، نحن أسرة واحدة، أجمل شيء في الحياة أن تعيش الجماعة المسلمة، المؤمنون يرعى بعضهم بعضاً كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
 المسلمون يد واحدة، قلب واحد، إحساس واحد، كلهم لواحد والواحد للجميع، وعلامة إيمانك أن تفرح فرحاً شديداً إذا أخوك ارتقى، أخذ شهادة عليا، وأصبح طبيباً، واشترى منزلاً، وأسس شركة، افرح له لأنه قوة للمسلمين، وإذا مرض أخوك أصبح عبئاً عليك، إذا قوي أصبح في خدمة المسلمين.
 فنحن الهدف من هذا الدرس أيها الأخوة أن نشمر اليوم، تكلمنا عن القرض الحسن، والبيع لأجل، والبيع السلم، والمضاربة، والتأمين، هذه الموضوعات طبعاً أنا عالجتها معالجة مطولة، ومتأنية جداً في دروس سابقة، واليوم أردت أن أذكر بها لأن طبيعة الدرس طبيعة إجمالية، لكن القرض الحسن شيء عظيم جداً، والمضاربة شيء عظيم، أيضاً الصبر شيء عظيم، تصبر على أخوانك فقد يكون هناك كساد لا يوجد رواج، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور