وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 8 - سورة الحج - تفسير الآيات 52 - 54 معركة الحق والباطل قديمة قدم الإنسان ومستمرة إلى يوم القيامة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيُّها الأخوة الكرام الآية الثانية والخمسون و الثالثة و الخمسون و الرابعة والخمسون من سورة الحج وهي قوله تعالى:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)﴾

[سورة الحج]

 أيها الأخوة: من خلال هذه الآيات يتضح أن معركة الحق و الباطل قديمة قدم الإنسان، و مستمرة إلى يوم القيامة،فلا ينبغي للمؤمن أن يعجب أو أن يفاجأ أو أن يتألم إذا رأى هناك من يكيد للحق، وهذه الصيغة صيغة شمولية، قال تعالى:

 

﴿ُوَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ﴾

 

[سورة الحج]

 على الإطلاق.

 

﴿إِلَّا إِذَا تَمَنَّى﴾

 

[سورة الحج]

 ما المفعول به لفعل " تمنى " هذا النبي ماذا يتمنى؟ وما الذي يليق به أن يتمنى ؟ تمنى هداية الخلق، و تمنى تعريفهم بربهم و إسعادهم و الأخذ بيدهم إلى الله و تمنى أن يستقيموا على منهج الله، وأن يعرفوا سر وجودهم، تمنى أن تأتي أعمالهم موافقة للآخرة قال تعالى:

 

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾

 

[سورة الحج]

 فهذه الهاء في " أمنيته" على من تعود ؟ الحقيقة إذا أعدناها على النبي وقعنا في معنى فاسد و الأنبياء معصومون ولا يستطيع الشيطان أن يدنو منهم، قال عليه الصلاة والسلام:

((يا عمر ما سلكتَ فجًّا إلا وسلك الشيطان فجًّا غير فجِّك.."))

 فإذا كان هذا من عمر أفيعقل أن يصل الشيطان إلى النبي ؟!! و إذا وصل إلى النبي فأين حصانته ؟ و أين إقباله واستعاذته ؟ وأين نوره و أين عصمته ؟ إذا وصل الشيطان إلى النبي صار كل شيء قاله النبي يُظن فيه هل سُحر أم دخل عليه الشيطان ؟ لكن الصواب أن الهاء تعود على الشيطان نفسه كلما تمنى النبي هداية الخلق و إسعادهم ألقى الشيطان في أمنيته هو أن يضلهم و أن يفسدهم و أن يخوفهم و أن يعدهم الفقر هذه مهمة الشيطان إذا خطر ببال الواحد أن يعطي أخته ذات الدخل المحدود مساعدة ثم تردد ثم قال: مالي ولها، هذا خاطر شيطاني،قال تعالى:

 

﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(268)﴾

 

[سورة البقرة]

 و قال تعالى:

 

﴿إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(175)﴾

 

[سورة آل عمران]

 أيها الأخوة الكرام: أي خاطر يرد عليك، نويتَ الإنفاق ثم ترددت فهذا خاطر شيطاني، دخلت مجلس العلم، لعل أخطار تنتظرني، فهذا خاطر شيطاني، لأنك تعبد خالق الأكوان والذي تعبده هم أٌوى الأقوياء وملك الملوك، وقلوب الملوك بيده، فإن أطاعوه العباد حوَّل الله قلوب ملوكهم بالرحمة والرأفة، و إن هم عصوا حوَّل الله قلوب ملوكهم عليهم بالسخط والنقمة فلا تشغلوا أنفسكم بسد الملوك وادعوا لهم بالصلاح فإن صلاحهم بصلاحكم، لذلك خاطر يخوِّف شيطاني،ى خاطر يدعوك إلى البخل فهو من الشيطان، خاطر يدعوك إلى المعصية خاطر شيطاني، يجب أن تفرز الخواطر، هناك إلهامات ملائكية و هناك خواطر شيطانية، قال تعالى:

 

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾

 

[سورة الحج]

 تمنيات الأنبياء راقية جدا هداية إسعاد و رحمات وكسب الدنيا و الآخرة قال تعالى:

 

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾

 

[سورة الحج]

 عكس ما يتمنى النبي، فهناك معركة من الأزل و إلى الأبد بين الحق و الباطل، الشيطان يدعوك إلى الانحراف والله يدعوك إلى طريق الاستقامة، الشيطان للخيانة والإله العظيم إلى الإخلاص، الشيطان إلى الإساءة والله يدعوك إلى الإحسان، الشيطان إلى الجحود و خالق الأكوان إلى الاعتراف بالفضل، دائما هناك إثنينية في الحياة ؛ حق وباطل، خير وشر، استقامة وانحراف، إحسان و إساءة، صلاح وطلاح، إنصاف وجحود، قال لي أخ: طلبت مني أختي خمسة آلاف ليرة، قال لي: واللهِ لا أملك غيرها، وقعت في صراع شديد بيني وبين نفسي، ثم عزمتُ أن أعطيها المبلغ، و نزلت إلى محلي التجاري جاءني رجل سألني عن بضاعة ليست عندي فقال دلني على من يبيعها ؟ فدللتُه، وفي المساء جاءني صاحب المعمل بعشرة آلاف ليرة، قال لي: هذه مني لك نظير ما اشترى الذي جئتَ به.
 عندنا ثمان آيات في القرآن الكريم، وإذا صدَّقنا خالقنا، قال تعالى:

 

﴿وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ(39) ﴾

 

[سورة سبأ]

 و قال تعالى:

 

﴿وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾

 

[سورة البقرة]

 فالله يعلم و يخلف، وكل إنسان يحجم عن الإنفاق معرفته بالله ضعيفة الله يضاعف إلى سبعمائة ضعف، لذلك الإنسان يطعم اللقمة في الدنيا فيراها يوم القيامة كجبل أحد، قال تعالى:

 

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾

 

[سورة الحج]

 هو والفعل فعل الله قال تعالى

 

﴿فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾

 

[سورة الحج]

 التخويف باطل والوعد بالفقر باطل، والوعد بالدنيا المديدة باطل، أمل الشيطان باطل، فكل وساوس الشيطان تتلاشى كفقاعة الصابون، قال تعالى:

 

﴿ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ﴾

 

[سورة الحج]

 وعده يتحقق ووعيده يتحقق وأحلام الشيطان لا قيمة لها إطلاقا وليس لها عند الله وزن، قال تعالى:

 

﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا(120)﴾

 

[سورة الحج]

 قال تعالى:

 

﴿ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ﴾

 

[سورة الحج]

 أيَّة آيات ؟ مثلا وعد المؤمن بحياة طيبة، فإنه سيجدها وهذه الحياة الطيبة هي شهادة الله لهذا المؤمن على أنَّ هذا الكلام كلام الله والدليل هذه الحياة الطيبة التي وعدتك بها بين يديك، المعيشة الضنك شهادة الله للمعرض أن هذا الكلام كلام الله، والمعيشة الضنك التي أوعدت بها المعرض عني هي بين يديك، قال تعالى:

 

﴿ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) ﴾

 

[سورة الحج]

 أمَّا قوله تعالى:

 

﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ﴾

 

[سورة الحج]

 الوساوس امتحانات من الله لهذا الإنسان الضعيف، أحيانا الشيطان يوسوس له فيستجيب الإنسان فيسقط من عين الله، فكل بطولتك أن تنجح في الامتحان، فهذه الوساوس كالوعد بالإفقار و التخويف و الإغراء بالمعصية،هذا الذي يفعله الشيطان
هو امتحان للإنسان، فسائق الطاكسي في الشام استوقفتْه امرأة يبدو أنه سائحة من بلاد خليجية، ركبتْ معه، قال: إلى أين يا أختي، قالت له: إلى حيث تريد، فهم الموضوع، ونال وطره منها، أعطته ظرفا فيه خمسة آلاف دولار و رسالة، فتح الرسالة فإذا فيها: "مرحبا بك في نادي الإيدز " هي مصابة، و ذهب ليصرف هذه الدولارات فإذا هي مزورة فأودع في السجن، هذا هو فعل الشيطان، لو كان مؤمنا لفتح الباب وركلها برجله، أليس كذلك ؟! لذلك الشيطان كما قال تعالى:

 

﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا(120)﴾

 قال تعالى:

 

 

﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)﴾

 

[سورة الحج]

 و الأيام تدور و الأحداث تتطور قال تعالى:

 

﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ﴾

 

[سورة الحج]

 فالذي جاء في كتاب الله هو الحق وكل ما كان خلافه فهو باطل ولا يبقى إلا الحق ولا يثبت، ولو بقي سبعين عاما لتهاوى كبيت العنكبوت ويسقط في الوحل، وما من مجتمع منهار فيه المافيا والجرائم و الفقر كالمجتمع الذي قال: لا إله، أصبح شراذم متفرقا منحرفا مهانا فقيرا، وهذا هو مصير المنحرفين قال تعالى:

 

﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا(81)﴾

 

[سورة الإسراء]

 شديد الزُّهوق، بحجمه الكبير، أو بأعداده الكثيرة قال تعالى

 

﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)﴾

 

[سورة الحج]

 فمهما تحرك الإنسان فمآله إلى الله و إلى هذا الدين القويم، والشيء المؤلم أن يعود الإنسان إلى الله بخريف العمر وهو كبير بعد ما قضى كل شهواته وشبابه وصحته و ماله، المفروض أن تأتي إلى الله و أنت شاب في ريعان شبابك و قوتك و غناك و صحتك، قال تعالى:

 

﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) ﴾

 

[سورة الحج]

تحميل النص

إخفاء الصور