- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (022) سورة الحج
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الأخوة الكرام، الآية الخامسة عشْرة من سورة الحج، وهي قوله تعالى:
﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) ﴾
لهذه الآية معاني عِدَّة وَرَدَتْ في التفاسير.
المعنى الأوّل أنَّ هذا الذي يسْلُكُ أيَّ طريقٍ فَيَرَاهُ مسدُودًا، ويتحرَّك في أيِّ اتِّجاه فيرى عقبةً، ويتَّجِهُ نحو اليمين فلا يُفلح، وكذا مِن جِهَة اليسار، يُسافر فلا ينْجح، ويُقيم فلا يرْتَزِق، ويتزوَّج فَيُطَلِّق، ويعْمل فيُسَرَّح، مَن كان يظنّ أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة.
وردَ في بعض التفاسير، وليس كلّ ما في التفاسير صحيحًا، فَلْيَمْدُدْ بِسَببٍ إلى السماء ؛ لِيُعَلِّق حبلاً في سَقف البيت، ولْيَضَعْهُ على رقبتِهِ فهذا بعض ما ورد في أحد التفاسير، ولكنّ هذا المعنى يُمكن أن يُحسَّن فاليائس من رحمة الله، والقانِط من رحمة الله موْتُهُ كَحَياتِهِ.
وورَدَ معنى آخر لهذه الآية، وهو أنَّ هذا الذي يتمنَّى أن لا ينْصر الله نبيَّهُ محمَّد صلى الله عليه وسلم، ويتمنَّى أن يبقى الباطل مُنْتشِرًا ويغيضُهُ أن يبقى الهدى وينتشِر، ويغيضُهُ أن ينتصر النبي عليه الصلاة والسلام على خُصومه، ويغيضُهُ أن يعمَّ الهُدى الخلائق، من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة، فلْينتقل إلى السماء لِيَقْطع الوَحي عنه إن استطاع، ولينتقل إلى السماء لِيَمْنَعَ نصْر الله عنه فالحق سيَنْتَصِر رغم أنف الكفار، والحق لا بدّ من أن ينتصِر، والحق أبْلج، وراسِخ، والباطل له جَوْلةٌ ثمَّ يضْمَحِلّ؛ هذا المعنى الثاني.
المعنى الثالث ؛ مَن توهَّم أنَّ الله لن ينصُرَهُ، ولن يُوَفِّقَهُ في عملِهِ ولن يشْفِيَهُ في مرضِهِ، ولن يسْمَحَ له أن يسْعَدَ في الدنيا، ولن يُعْطِيَهُ المال الوفير، ولن يرْزُقَهُ زوْجةً صالِحَة، ولن يُوَفِّرَ له المسْكن والمأوى ومن كان يظنّ أنَّ الله ضِدُّهُ، وأنَّ الأقْدار تسْخر منه، وأنَّه غير مُوَفَّق في حياتِهِ، والأسباب كلّها مُقَطَّعة، والعقبات كلُّها كَأْدَاء، كلّ هذا وَهمٌ في وَهْم، وهو ليس إلا في ذِهْن الواهِم، فالخلق كلُّهم عِيال الله، يا سَعْدُ لا يغرنَّك أنَّه قد قيل خال رسول الله فالخلق كلُّهم عند الله تعالى سواسِيَّة، وليس بينهم قرابَة إلا طاعتهم له، فإذا اعْتَقَدْتَ أنَّ الله كتبَ عليك الشَّقاء قبل أن تُخْلق، ولا سبيل إلى تغيير هذه الكتابة، وأنَّه بلا سبب منك، ولا حيلة ولا ذنبٍ، ولا تبَعِيَّةٍ، كتَبَ عليك الشَّقاء، قال: هذا وَهْمٌ كبير، من كان يظنّ أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فهناك سبيل لِتَغَيُّر الوَضْع، قال تعالى:
﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) ﴾
ولْيَقْطَع كلّ مَعْصِيَة ثمَّ ليَنْظُر كيف أنَّ الله تعالى يُوَفِّقُهُ ؟ وكيف أنَّ الله يرْزُقُه ؟ وكيف أنَّ الله يُسْعِدُهُ ؟وكيف أنَّ الله تعالى يرْفَعُ مكانته ؟ هذا هو المعنى الثالث يُعطي الإنسان دَفقٌ كبير، أيْ يا عبْدي إذا ظَنَنْتَ أنِّي لن أوفِّقُكَ، ولن أُعْطِيَكَ ولن أسْعِدَك ولن أُوَفِّقَ لك حاجاتِكَ الأساسيَّة وإذا ظَننْتَ أنِّي ضدَّك وأنَّني لن أُسْعِدَكَ فأنت واهِم وأنت مُتَلَبِّسٌ في المعاصي كثير، أولاً اسْتَقِم على أمْر الله تمامًا، واقْطَع كلَّ معْصِيَة واعْمَل عملاً صالحًا خالصًا لِوَجْه الله تعالى، ثمَّ انْظُر كيف الأمور تتغيَّر، الأمور تتبدَّل، هذا الوَهْم في عقْلِكَ وَحْدهُ، فالعِباد كلُّهم سَواسِيَّة عند الله، فيا أيُّها الأخوة الكرام، كلّ إنسان عنده يأسٌ وقُنوط وتساؤُل أو شُعور أنَّ الله لا يُحِبُّه، وأنَّه لن يُوَفِّقه، وأنّ الله حرمَهُ ولم يُعْطِهِ شيئًا لذلك كلمة الحظّ قليل كلامٌ لا معنى له ! إذا كان الأمر كذلك فهذا دليل المعْصِيَة يَسُبُّني ابن آدم وما كان له أن يسبَّني، ويسبُّني إذْ يسبُّ الدَّهر وأنا الدَّهْر، فلا تقل: فلان يدهُ طولى، وذاك يدُهُ خضْراء، وفلان أموره تجري على ما يريد، فالله عز وجل وضَعَ للتَّوفيق قانون، قال تعالى:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7)وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8)وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10)﴾
قانون التيْسير والتَّعسير، سؤال دقيق وحرِج: هل مِن مصلحة أن يُعَذِّب الله العِباد، زارني رجل في المسجد قبل خمسة عشر عاما قال لي: أنا مصاب بمرض عضال وهو الصرع قال لي: أنا مهندس معي شهادة من دولة أوروبية ورئيس قسم بمعمل، و أثناء عملي و أنا وراء طاولتي أُصاب بهذا الصرع أمام العمال و مرة في الطريق وأمام السيارات العامة، فقال لي: هل هناك حل ؟ قلت: عند الأطباء، قال أريد حلا دينيا فقلت: أنا أؤمن أن الله سبحانه و تعالى لا يمكن أن يعذب مخلوقا بلا حكمة، لأن الله غني عن تعذيب عباده، قال: ماذا أفعل، قلت: استقم على أمر الله قال: مثل ماذا ؟ فذَكَرتُ له غضَّ البصَر، وتحرير الدَّخل، وإقامة الإسلام في البيت، وعدم الاخْتِلاط وعدم سماع الغناء، فما رأيْتُ إنسانًا أشَدَّ رغْبةً في طاعة الله مِن هذا الإنسان ! أخْرَجَ ورقَةً وبدأ يكْتُب، وقال لي: إذا طبَّقْتُ هذه البُنود هل أُشْفى مِن هذا المرض ؟ فأجبْتُ وقلتُ له: نعم، تُشْفى ! كان درسُنا الأحد، وجاء بالدَّرس الثاني مُشْرق الوَجه: وقال لي هذا أوَّل أسبوع في تَطبيق أمْر الله تعالى، ولم أُصاب بِشَيء، وأذْكر أنَّه جاء سبْعة أسابيع، وهو يُطَمئِنُني، وفي الأسبوع الثامِن غابَ ! فقلْتُ في نفسي: لعلَّه عادَت به هذه النَّوْبة، فجاء بعد أسبوعَين وقال لي: والله لقد عادَتْ، ولكن لا تقْلق على مبدئِكَ فقد ارْتَكَبْتُ معْصِيَة، فقد زرْتُ صديقًا مُتفلِّتًا زُرْتُهُ وجلسْتُ مع أهلِهِ، وتضاحكنا وتمازَحنا، وتغامَزْنا ولمَّا خرجْتُ من المنزل جاءتني نَوْبتي هذه !! قال تعالى:
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(147)﴾
فهل لله تعالى مَصْلَحَة ؟ الله عز وجل غَنِيٌّ عن تعذيب عِبادهِ، والله تعالى ليس ضِدَّك ولا يكْرَهُكَ، بل يكْرهُ عَمَلَك، وإذا رجَعَ العبْد العاصي إلى الله تعالى نادى مُنادي في السماوات والأرض أن هنؤا فلانًا فقد اصْطَلَحَ مع الله تعالى، فَمَن كان يظنّ أنْ لن ينصُرَهُ الله في الدنيا والآخرة، فإمَّا أن يشنق حاله، والمعنى الثاني أنَّه لن يستطيع مَنْعَ الهُدى عن البشَرِيَّة، ولن يستطيعَ إيقاف الوحي عن رسول الله ولن يستطيع منْع الحق، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ(36)﴾
والمعنى الثالث أنَّك إن توهَّمْتَ أنَّ الله تعالى لن يرْحمَك، ولم ينْصُرَكَ وحرَمَك كُلّ شيء، وأبواب السماء مُغْلقة، والناس ممنوعون أن يُساعِدوك ؛ إذا توَهَّمْتَ هذا فعليْكَ بِهذه الوَصْفة ؛ قال تعالى:
﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) ﴾
كي ينصُره الله، ويرزُقَهُ، وبِسَبب كي يُغنيه تعالى بِرَحْمَتِهِ، ثمَّ ليَقْطَع كلَّ مُخالفة، ثمَّ ليَنْظر هل يُذْهِبَنَّ كيْدُهُ ما يغيض ؟ لذلك مُعاملة التائب الصادِق أن يقول لك: تغيَّرَتْ مُعامَلة الله معي، المشكلة الخطيرة يقول أحد الناس: الله لا يوفقني، ابحث عن المعاصي، والأمن الجنائي عندهم قاعدة كلما وجدوا جريمة: ابحث عن المرأة، أنا أقول لك كلما واجهت مشكلة وجاءت الأمور على خلاف ما تريد و ضاقت بك الدنيا فتِّش عن المعصية لأنه ما من مشكلة ولا مصيبة على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل بأمر الله و الجهل أعدى أعداء الإنسان، و يفعل الجاهل في نفسه ما لا يفعل العدو بعدوه، فلذلك ؛ هذه الآية ؛ المعنى الأول ورد وهناك وجهة نظر وهي أن اليائس من رحمة الله القانط منه هذا حياته كموته ولا جدوى من حياته و المعنى الثاني هو أنه لن تستطيع قوى الأرض أن تمنع وحي السماء و لا أن تمنع نصر الله لعباده للمؤمنين ولن تستطيع أن تمنع الهدى أن ينتشر وهذا الدين هو لله وكلما ضغطت عليه كلنا زاد تألقا و كلما وضعت العقبات أمامه ازداد قوة كمن يطفئ النار بالزيت فيزيدها اشتعالا، و المعنى الثالث لا سمح الله إذا كنت يائسا وموهوما أن الله لن ينصرك ولن يرزقك و لن يسعدك هذا هو العلاج قال تعالى:
﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) ﴾
ثم ليقطع كل معصية فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ.
من سابع المستحيلات أن تستقيم على أمر الله ولا تجد من الله معاملة جديدة و لا تسعد في الدنيا ولا تبقى محروما، فالله غني عن تعذيب العباد و أوضح آية قال تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(147)﴾
قال تعالى:
﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81)﴾
لا يوجد واحد من الحاضرين إلا ويتمنَّى السلامة والسَّعادة والرِّزْق وزواج سعيد، وأولاد أبرار، ومكانة راقِيَة، فهذه كلّها في طاعة الله وحينما ترى الأمور على خِلاف ما تُحِبّ فَفَتِّش عن المعْصِيَة، هل هناك مخالفات من حرام، وإطلاق بصر، وكذب وغِشّ، وتدليس فقد يغشّ الإنسان الناس في البيْع والشِّراء، يسرِق المبالغ ثمّ تدفعها دُفعَةً واحِدَة، فكلَّما وَجَدْت نفسَك مُتضايِق من قَضِيَّة فَتِّش عن المعْصِيَة لذلك أخطر شيء فليس الدِّين أن تعرف الحلال والحرام، ومنهَج اللهَ كَيف تُصَدِّقه إن لم تعرف منهَجَه ؟ وكيف تعْرف منهَجَهُ ؟ فلا بدّ مِن أن تأتِيَ بيوت الله، كي لا تتيهَ، ولذلك طلب العلم فريضة.