- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (022) سورة الحج
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)﴾
الإنسان يركب الطائرة على ارتفاع خمسة و أربعين ألف قدم أدار مقبض الباب فانفتح ولأن الضغط في الطائرة ثمانية أمثال ضغط خارج الطائرة، فالهواء سحبه إلى الخارج ووقع من هذا الارتفاع، فماذا ننتظر مصيره ؟! سينزل جثة هامدة في أرض صحراء مقفرة، فجاءت الطيور لتأكله و تنهش لحمه، هذا المثل الذي ضربه القرآن الكريم يساوي تماما الإشراك بالله، قال تعالى:
﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)﴾
ذلك أن كل أمراض النفس هي أعراض لمرض واحد،النفاق ليس مرضا بل هو عرض و الخوف ليس مرضا بل هو عرض والاعتماد على الذات عرض وليس بمرض، عدم الإخلاص عرض، هذه الأمراض التي تبدو متفشية في المجتمع الإسلامي إنها أعراض لمرض واحد ألا وهو الشرك، لذلك قال العلماء: الشرك نوعان: شرك جلي و شرك خفي، الشرك الجلي قلما نجده في العالم الإسلامي لأن الله سبحانه وتعالى بعد أن أنزل الكتاب على عبده وانتشر الهدى يئس الشيطان أن يُعبد غير الله في بلاد المسلمين، أن يكون هناك إلها كاللات و العزى تعبد من دون الله تعالى بعد بعثة المصطفى هذا مستحيل، عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهم ))
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
(( خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ قَالَ قُلْنَا بَلَى فَقَالَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ ))
الشرك الجلي غير موجود، أما الموجود أن يعتمد الإنسان على زيد أو عبيد، على فلان أو علان، الآية دقيقة جدا والتي ينبغي أن تكون واضحة لديكم قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24)﴾
هناك موضوع دقيق ينبغي أن يكون واضحا وهو يعين على فهم هذه الآية التي توضِّح تلك الآية، هناك حبٌّ في الله و هناك حب مع الله، فمن أحبَّ زوجته حبا حمله على أن يطيعها و يعصي الله فهذا حب مع الله وهو عين الشرك، أما إذا أحب الله فرأى امرأته مستقيمة مؤمنة طاهرة فأحبها لدينها فهذا حب في الله، و الحب في الله من كمال الإيمان والحب مع الله عين الشرك، من أحب بيتا مغتصَبا أحبه و آثر أن يبقى فيه على أن يرده إلى صاحبه.
﴿ وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا ﴾
رأى البيت مميزاته أفضل عنده من أداء الحقوق و من إرضاء الله عز وجل، تجارة مبنية على الحرام ؛ بضاعة حرام أو التعامل حرام لكن الدخل كبير و فلكي، ويقول: أنا مضطر وعندي أولاد.
﴿ وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ﴾
أحبها مع الله، و الإنسان قد يحب الدخل الحلال في الله، فالحب مع الله شيء و الحب في الله شيء آخر، الحب في الله من كمال الإيمان، و الحب مع الله عين الشرك، فأن يشرك الناس و أن يعبدوا إلها غير الله فهذا في العالم الإسلامي غير موجود، هذا هو الشرك الجلي، لكن الشرك الخفي كما قال عليه الصلاة و السلام عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
(( خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ قَالَ قُلْنَا بَلَى فَقَالَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ ))
إخواننا الكرام، ضعف الإخلاص من ضعف التوحيد و ضعف المحبة لله من ضعف التوحيد، النفاق من ضعف التوحيد و التملق من ضعف التوحيد و التمزق من ضعف التوحيد، و الخوف من ضعف التوحيد، فأمراض النفس الوبيلة واحدة واحدة لو حلّلتها لوجدتها من ضعف التوحيد، لذلك "عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
(( خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ قَالَ قُلْنَا بَلَى فَقَالَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ ))
الآية الكريمة، قال تعالى :
﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)﴾
أعتقد أنه لا توجد مصيبة في الدنيا أعظم من أن يسقط الإنسان من الطائرة و أن يأتي إلى الأرض جثة هامدة و أن تأتى الطير فتأكله وتبعثر أشلاءه، هذه مصيبة، قال تعالى:
﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)﴾
الطريق مسدود، بعت حياتك لإنسان و الإنسان ضعيف وهو ضعيف مثلك قد لا يعلم حجم التضحية و إذا علمها قد لا يكافئ و إذا أراد أن يكافئ قد لا يستطيع، فلما يضبط الإنسان حياته و شبابه ووقته وعمره وذكاءه و لغته لغير الله فقد غُبِن غبنا فاحشا، فقد باع النفيس بالخسيس، لذلك أخطر موضوع في القرآن على الإطلاق الشرك والدين كله توحيد، وفحوى دعوى الأنبياء جميعا هي التوحيد، قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِي(25)﴾
فإذا اعتقدت أن فلانا قويٌّ وبإمكانه أن ينفعك أو يضرك إذًا تطيعه و تعصي الله عز وجل، وفي الحقيقة هو ليس قويا والله هو القوي، و من أرضى الناس بسخط الله سخط عنه الله و أسخط عنه الناس، ومن أرضى الله بسخط الناس رضيَ الله عنه و أرضى عنه الناس، فالتوحيد هو الدين كله، و لن تجد في العالم الإسلامي شركا جليًّا لكن الذي تجده شرك خفي، الواحد إذا قال: الله أكبر لكنَّه يطيع زوجته ويعصي ربه، و الحيقة التي لا مراء فيها أنه رأى إرضاء زوجته أكبر من إرضاء الله، و الواحد يغش الناس في البيع والشراء و يحقق دخلا كبيرا، إذا قال لك: الله أكبر يوم العيد فلا تصدقه، رأى هذا الدخل الكبير أكبر عنده من طاعة الله، هذه هي الحقيقة، و إنسان أطاع إنسانا أقوى منه و عصى ربه ؛ رأى هذا الإنسان أقوى إرضاءً له، و إرضاؤه أغلى عنده من إرضاء الله، فنحن مشكلتنا في الشرك الخفي، وهو الذي يشل الإنسان و يقعده عن العمل الصالح، و يخيفه قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(175)﴾
فالخوف من الشرك و النفاق من الشرك و التملق من الشرك و الانهيار الداخلي من الشرك و الخنوع من الشرك والقلق من الشرك، أما التوحيد فقد قال تعالى:
﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162)﴾
لذلك قالوا: نهاية العلم التوحيد و نهاية العمل الطاعة، فهذا مثل في كتاب الله قال تعالى:
﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)﴾
ضربتُ لكم مثلا حديثا، إنسان له مبلغ في حلب مليون ليرة و عليه أن يقبضه على الساعة الثانية عشر من يوم السبت، ركب القطار على الساعة السابعة، فقد يرتكب في هذا القطار عشرات الأخطاء و كلها مغفورة، أما الغلطة التي لا تغتفر أن تركب قطار درعا، فإذا توجه العبد إلى الله و أخطأ يتوب ويغفر الله له، أم أن يعتمد على إنسان فلا و لا يشرك الإنسان بربه إلا و يخيِّب الذي أشركه مع الله ظنه، قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
(( أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ))
و ابن عطاء الله السكندري يقول: إن الله لا يقبل العمل المشترك " لا يحب العمل المشترك و لا القلب المشترك، فكيف نوحِّد؟
بالتفكر في خلق السماوات و الأرض والتفكر في أفعال الله و التفكر في كلامه، هذه المصادر الثلاثة ؛ خلقه و أفعاله وكلامه تدل عليه، فإذا أيقنت أنه لا إله إلا الله سعدت و أسعدت، و إن لم توقن فاسمع قوله تعالى:
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ(213)﴾
أحد أكبر عذاب النفس الشرك بالله، لذلك الآية قال تعالى:
﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)﴾