وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة الإنسان - تفسير الآيات 20-27 جزاء المؤمن و الكافر يوم القيامة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الأخوة المؤمنون مع الدرس الرابع ولعله هو الأخير من سورة الدهر، ومع الآية العشرين.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (19)﴾

النعيم الأرقى في الآخرة النظر إلى وجه الله الكريم:

 كل شيء بالجنة مسعد، بدءاً من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، إلى الفواكه التي قطوفها دانية، إلى الحور العين التي لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، إلى الولدان المخلدين الذين يطفون على أهل الجنة، وهذا كله نعيم حسي أما النعيم الأرقى النظر إلى وجه الله الكريم.

 

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)﴾

 

 (سورة يونس )

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾

 أي الجنة،

﴿ وَزِيَادَةٌ ﴾

 النظر إلى وجه الله الكريم، هناك شيء فوق هذا.

 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)﴾

 

 ( سورة التوبة )

إن الله مع المؤمنين:

 قد تنظر إلى شيء رائع ولكن هذا الشيء الرائع لا ينظر إليك، أما رضوان الله عز وجل هو أعظم شيء يناله مخلوق في الكون ؛ أن يرضى الله عنك، ووسائل الرضا بين يديك، وإذا شعرت أن الله راضٍ عنك وأنت في الدنيا فأنت أسعد الناس.
 ما من شعور يسعد الإنسان في الأرض كأن تشعر أن الله راضٍ عنك، ما من شعور يسعدك في الدنيا كأن تشعر أنك في طاعة الله، وأنك تحت ظل الله، وأنك في رعاية الله، وأنك في توفيق الله، وأنك في نصر الله، شعور أن الله معك لا يوصف، لا يعرفه إلا من ذاقه، إن الله مع المؤمنين، أي إذا كان الله خالق الأكوان معك من يستطيع أن ينال منك بنظرة ؟
 إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك ؟ وإذا تخلى الله عنك تخلى عنك أقرب الناس إليك، وقلبوا لك ظهر المجن، وقد يهان الإنسان في عقر بيته ومن أقرب الناس إليه، وقد يُخيب أقرب الناس إليه ظنه، وقد يرى العجب العجاب إذا تخلى الله عنك، وإذا كان معك سخر لك ألد أعدائك، إذا كان الله معك كل من في الأرض معك، ألقى محبتك في قلوب الخلق، وإذا كان الله عليك، ألقى البغض في قلوب الخلق، ومن هاب الله هابه كل شيء، ومن أطاع الله أطاعه كل شيء.

 

نعم الجنة الحسية:

 أيها الأخوة: الجنة حسية فيها حور عين.

 

 

﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(13)﴾

 

 (سورة النساء )

﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ(35)﴾

 ( سورة الرعد )

﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)﴾

 ( سورة ق )

 أي شيء يخطر في بالك تراه أمامك ومتجدد إلى أبد الآبدين، وفوق هذه النعم الحسية، هناك نعم النظر إلى وجه الله الكريم.

 

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)﴾

 

 (سورة القيامة )

 وفوق هذا وذاك:

﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾

﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (19)﴾

[ سورة الإنسان ]

المؤمن في الجنة ملك كبير:

 أيها الأخوة:

 

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20)﴾

 

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ﴾

 أي يا محمد

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ ﴾

 ثم: ظرف مكان بمعنى هناك، ثُم شيء، وثَم شيء آخر، لم يكن ثمة من أحد ( لم يكن هناك من أحد)، ثُم أي هناك، ظرف مكان

﴿ وإذا رأيت ثم ﴾

 أي هناك،

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) ﴾

 مقام المؤمن في الجنة ملك كبير.
 مثلاً: كيف أنك إذا عملت أن رجلاً له قصر مساحته عشرون ألف متر، أنا زرت قصراً في استنبول، مساحته عشرين ألف متر، قاعة الاستقبال ألفي متر، فيه خمسة طن ذهب للتزيين، الأبهاء والمداخل، والحمامات، وغرف النوم، وغرف الاستقبال، والذهب المزين به الأقواس، والشيء الذي لا يوصف هذا لا يسمى بيتاً، ولا مسكناً، حتى ولا قصراً، هذا ملك كبير.
 مثل آخر: إنسان عنده مائة سيارة، عنده طائرات من كل القياسات، عنده يخوت بالبحر، عنده بكل بلد قصر، بكل مكان جميل بالعالم قصر، نقول: هذا ملك كبير

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) ﴾

(( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ مِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))

[أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]

الإحسان ثمن الجنة:

 بينك وبين الجنة أن تطيع الله، وبينك وبين الجنة أن تعبده، وبينك وبين الجنة أن تفعل الصالحات، الآية الكريمة:

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً(108)﴾

 

 ( سورة الكهف )

 هذا كلام الله، هذا ليس كلام أديب، نقول خيال شاعر، نقول أفكار ترد على ذهن عبقري، هذا كلام خالق الكون، فما عليك إلا أن تدفع الثمن.

 

﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)﴾

 

 ( سورة النحل )

 أي كانوا:

 

﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)﴾

 

 ( سورة الذاريات )

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾

 ( سورة الذاريات )

 هي الثمن:

 

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾

 

 ( سورة الذاريات )

 فهذه الجنات، وهذا النعيم المقيم بسبب الإحسان فقط، وكلمة إحسان مطلقة، في كل حركات المؤمن وسكناته محسن، في كل أقواله محسن، في كل تصرفاته محسن، محسن في بيته، في عمله، مع من حوله، مع من فوقه، مع من دونه، عمله متقن، كلامه طيب، تصرفاته أديبة، ثيابه ساترة، نظراته متواضعة، محسن، كلمة مطلقة تنتظم كل حركة الإنسان في الدنيا.

 

طاعتك لله لا تتناسب مع الأجر العظيم المقدم لك:

 أيها الأخوة الكرام: لا يتناسب الثمن مع المبيع، أي طاعة الله عز وجل في سنوات محدودة، ما منعك من الطعام، ولا من الشراب، ولا من الزواج، ولا من أن تأكل و تتزوج وتسكن في بيت، لكن وفق منهج الله.
 ما كلفك أن تصلي ألف ركعة في اليوم، خمس صلوات، الصلاة ثلث ساعة، ما كلفك أن تصوم كل أيام العام، شهر واحد، ما كلفك أن تحج كل عام مرة، الحج مرة، والعمرة مرة أو أكثر.
 فالصيام شهر في العام، والصلوات خمس، يوجد وقت تنام ثماني ساعات، و وقت تعمل ثماني ساعات، في وقت تقعد مع أهلك، وفي خمس صلوات، الفجر أربع ركعات، والظهر عشر ركعات، أو اثنتي عشرة ركعة، أي العبادات وفق طاقة الإنسان ضمن إمكانيته.
 ما حرمك من النساء قال لك تزوج لكن نهاك عن الزنا، حرم عليك الخمر سمح لك بعشرة آلاف مشروب، أنواع العصير، وأنواع المشروبات، أنواع لا تعد ولا تحصى، لكن اترك الخمر، سمح لك بآلاف الأنواع من اللحوم، منعك عن لحم الخنزير فقط وبعدها في جنة، و الإنسان غبي إذا نسي جنة الله عز وجل.

 

 

عذاب الإنسان الشارد:

 لذلك: الإنسان الشارد حينما يأتيه ملك الموت يصيح صيحة لو سمعها أهل الأرض لصعقوا، من شدة الندم.

 

 

﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)﴾

 

 ( سورة الفجر )

﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)﴾

 ( سورة الزمر )

﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً (29)﴾

 ( سورة الفرقان )

 هي كلمات الحسرة والندم تسحق الإنسان، نحن أحياء، نحن نستمع، أهل النار ماذا يقولون ؟ دققوا أهل النار وهم في النار يتصايحون ماذا يقولون ؟

 

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾

 

 ( سورة الملك )

جنة الدنيا و الآخرة:

 إذا استمعت إلى الحق واهتديت إلى الله عز وجل فزت بالجنة في الدنيا والآخرة، في الدنيا جنة القرب وفي الآخرة جنة الله عز وجل، فلذلك:

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً ﴾

 الإنسان يسكن ببيت مائة متر، مائة وعشرين، يعني إذا مئتين يقول لك ما شاء الله، ثلاث غرف نوم، ثلاث صالونات، إذا عنده بيت وعنده مزرعة هذا شيء كبير، عنده بيت ومزرعة و فيلة على البحر أكبر وأكبر، عنده سيارة له، ولزوجته سيارة، ولابنه سيارة، واحدة للسفر و واحدة ضمن البلد، و واحدة كبيرة للأقارب، هي بالدنيا، فكيف إذا قال الله عز وجل وهو العظيم:

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) ﴾

 مثلاً: إذا قال لك طفل أنا معي مبلغاً كبيراً، كم تقدره ؟ طفل عمره ثلاث سنوات، أنا معي مبلغاً كبيراً، أي خمس وعشرين ليرة، إذا قال لك شخص من أكبر أغنياء البلد، قال لك: أنا معي ثروة ضخمة، يعني مائة ألف معه، قل خمسة آلاف مليون، قل سبعة آلاف مليون، إذا العظيم خالق الكون قال لك:

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20)﴾

 ذهب أخ لبلد أجنبي، قال لي: قصر الملك ضمن غابة عملاقة، السيارة تمشي فيه قريب الساعة، ضمن غابات القصر قال لي يوجد قصور بأوربا، قصور بشرق أسيا، شيء لا يوصف استنبول هذا قصر دولمة بهجت هذا مساحته عشرين ألف متر، أي عشرين دونم، قاعة الاستقبال ألفي متر، ارتفاع السقف ارتفاع بناء بكامله، كله مزين، أنا ضربت أمثلة على قوله تعالى:

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20)﴾

 لأن الله عز وجل يقول في الحديث القدسي:

(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ ))

طاعة الله ثمن الجنة:

 شخص ما رأى هكذا قصور يقول لك مثل هؤلاء، لا ليس مثلهم، أكبر بكثير، إذا كان عنده رغبات سياحية، وطاف أرجاء الدنيا، ودخل إلى قصور الملوك، ورأى العجب العجاب، الآن يوجد قصور تجد فيها زخرفات، فيها تماثيل، فيها رخام، فيها ذهب، شيء لا يوصف، الحديث القدسي:

(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ))

 هذه الجنة ثمنها بيدك، ثمنها بيدكم جميعاً، ثمنها طاعة الله، وطاعة الله ضمن وسعك.

 

ثياب أهل الجنة:

 

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً (21)﴾

 أناس يرتدون ثياباً فخمة جداً، اللون الأخضر لون جميل و هو لون ثياب أهل الجنة،

﴿ عَالِيَهُمْ ﴾

 أي يرتدون ثياباً من حرير، حرير رقيق وحرير غير رقيق

﴿ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً (21)﴾

 يعني ثياب فخمة جداً، حلي فخمة جداً، شراب طيب جداً، يقال لهم:

 

﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22)﴾

 

الخوف من الله:

 أنت في الدنيا متزوج وعندك امرأة، لكن وأنت في الطريق مرت امرأة حسناء، ليس في الأرض كلها قانون يمنعك أن تنظر إليها، ولكنك غضضت البصر عنها خوفاً من الله، هذا له ثمن.
 إذا كنت تمشي في طريق كله نساء كاسيات عاريات، ولم تركز ولا على امرأة، ولا أطلقت البصر إليهن، هذا له ثمن.
 عُرض عليك دخل كبير من شبهة، يعني من مال حرام، أو عمل رفيع المستوى لكن لا يرضي الله، فقلت معاذ الله إن أخاف الله رب العالمين.
 يوجد مكاسب في الدنيا كبيرة جداً، أحياناً يمكن أن تصبح من أصحاب الملايين بمعاملة غير شرعية، بكسب غير مشروع، تقول معاذ الله.

 

﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)﴾

 

 ( سورة يوسف )

الجنة جزاء المؤمن العفيف الطاهر:

 أنا ذكرت لكم هذه القصة مرات عديدة، لكن هنا مناسب أن أذكرها: رجل من أهل الغنى، في هذه البلد الطيبة، أراد أن يبني مسجداً، في حي ليس فيه مسجد، بحث عن أرض مناسبة، وجد هذه الأرض، صاحب هذه الأرض نالها بالإرث قبل أشهر و هو يعمل حاجباً في مدرسة ابتدائية ( آذن )، دخله ثلاثة آلاف، أربعة آلاف بالشهر، عنده ثمانية أولاد، يسكن ببيت متداعٍ، ودخله ثلاثة آلاف، وعنده ثمانية أولاد، وليس له من الدنيا إلا هذه الأرض التي تَمَلكها قبل شهر عن طريق الإرث.
 هذا الرجل الميسور الغني أعجبته الأرض بحث عن صاحبها، سأل عنه، ساومه، فتمّ الاتفاق على أن يبيعها له بثلاثة ونصف مليون ليرة، وصار إيجاب وقبول وانتهى كل شيء وكتب العقد، وسطر هذا الغني شك لصاحب هذه الأرض بمليونين وقال: الباقي عند التنازل في الأوقاف، قال لماذا الأوقاف ؟ قال له لأنني سأبني عليها مسجداً، فما كان من هذا الآذن إلا أن استرجع الشك ومزقه و قال له: أنا أولى من أقدمها لله منك، وقدمها لله عز وجل.
 يقول هذا الغني: ما مرّ في حياتي موقف صغرت أمام إنسان كهذا الموقف، رأى حاله لا شيء أمام هذا الآذن، والآن هذا الجامع بناه أحد أخوانا وهو بنهر عيشة وله خيرات كثيرة، هذا الذي أعطى الأرض ما جزاؤه عند الله ؟ له قصور لا تنتهي، الذي أنفق ماله ما جزاؤه عند الله عز وجل ؟ الذي ضبط نفسه بالشرع ؟
 الآن البلد حفلات واختلاط وسهرات وأفلام وصحون يوجد كل شيء، وحفلات المجتمع المخملي، صدقوني: مؤمن يأوي إلى مسجده، فهذا الذي يغض بصره عن محارم الله، يضبط لسانه، ينفق ماله، يرعى حقوق الآخرين، زوج صالح، أب صالح، جار صالح، عامل متقن، طبيب نصوح، مهندس وفي، أي يتقن عمله، هذا المؤمن المستقيم الصادق الأمين العفيف، هذا له جنة عرضها السماوات والأرض.

 

ندم الإنسان على الوقت الضائع:

 والله أيها الأخوة لو نعلم جميعاً ما علمه النبي عليه الصلاة والسلام بما أُعد للمؤمنين من نعيم مقيم لما نام أحدنا الليل، لأن أي ساعة تمضي دون أن تذكر الله فيها خسارة، أية ساعة تمضي دون أن تزداد علماً بالله خسارة، أية ساعة تمضي دون أن تزداد قرباً من الله خسارة، أي شيء تنفقه دون أن تبتغي فيه وجه الله خسارة، أي لقاء تلتقي به دون أن تذكر الله خسارة، أية نزهة تمضي بها وقت دون أن تذكر الله فيها خسارة، أي اجتماع، أية سهرة، أية وليمة تقام ابتغاء الظهور خسارة.

 

 

(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ ))

 

[ أخرجه الترمذي عن أبي ذر]

الدنيا دار من لا دار له:

 هي الدنيا تمضي، ذكرت لكم مثل قبل يومين وأعيده ما في مانع سباق سيارات، كبيرة، صغيرة، حديثة، قديمة، قوية، ضعيفة، جميلة، وغير جميلة، على طريق طويل ينتهي بقاطع خمسين متراً وتحت حفرة مالها من قرار، فأول سيارة تسقط، وآخر سيارة تسقط، وأكبر سيارة تسقط، وأصغر سيارة تسقط، وأحدث سيارة تسقط، وأقدم سيارة تسقط، والأولى تسقط، والأخيرة تسقط، كله نازل، هي الدنيا، غني ينزل ميتاً، الكفن ليس له جيب، دفتر شيكات لا يوجد بالقبر، الفقير يموت، المريض يموت، الصحيح يموت، القوي يموت، الضعيف يموت، الذي استغل أموال الناس يموت، المستغل يموت، كله يموت، ما هذا السباق ؟
 شخص ورث تسعين مليون ترك محله واندفع لتحصيل هذا المبلغ عن طريق المعاملات، مات قبل أن يقبض قرشاً واحداً، هي الدنيا، الدنيا جيفة طلابها كلابها، الدنيا دار من لا دار له، ولها يسعى من لا عقل له.
 أيها الأخوة الكرام:

﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22)﴾

 و قوله تعالى:

 

﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)﴾

 

 ( سورة الضحى )

وعود الله للمؤمنين:

 يوجد وعد إلهي، قال تعالى:

 

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾

 

 ( سورة القصص )

 فالإنسان وعده الله بالجنة، وعده الله بنعيم مقيم، وعده الله بجنة عرضها السماوات والأرض، وعده برضوان منه، وعده أن ينظر إلى وجه الكريم، وهو خالق الأكوان، و الإنسان لا يعبأ بهذه الوعود، ولا يخشى هذا الوعيد، ويتحرك وفق شهواته، يشتم هذا، ويضرب هذا، ويأكل مال هذا، هذا هو الحمق بعينه، هذا هو الغباء بعينه، هذا هو الشقاء بعينه:

﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22)﴾

 مثلاً: إنسان يشكر إنسان، أي أب له ولد شارد عاق، وإنسان كريم أقنع هذا الابن أن يعود إلى مظلة أبيه، وأن يرضي والده، وأن يكون ابناً باراً، هذا الأب ما شعوره تجاه هذا الإنسان الكريم الذي أعاد له ابنه ؟ أنا لا أبالغ يقول له أموت ولا أنسى فضلك، لأنه سبب برجوع ابنه له.
 إذاً: إذا شخص منكم أكرمه الله بهداية شخص آخر، أقنع إنساناً بالدين، أقنعه بالاستقامة، أقنعه بالتوبة، أقنعه أن يلزم مجلس علم، أقنعه أن يدع المنكرات، عبد شارد رُد إلى الله، هذا الذي رده إلى الله كم له عند الله ؟ هذه الدعوة صنعة الأنبياء.

 

حجم الإنسان عد الله بحجم عمله الصالح:

 أيها الأخوة:

 

 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

 ( سورة فصلت )

 أي لا تجد في الأرض كلها إنساناً أفضل ممن ساهم في نشر الحق و ردّ الناس إلى الله، وأقنعهم أن يستقيموا، وأقنعهم أن يعبدوا الله عز وجل.
 أخوانا الكرام: الإنسان حجمه عند الله بحجم عمله الصالح، ألا تقرؤوا هذه الآية:

 

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)﴾

 

 ( سورة النحل )

 فأنت أقنعت إنساناً بالإيمان، أقنعت إنساناً بالاستقامة، ساهمت بأخيك، بابن أخيك، بجارك، بزميلك بابنك، أقنعته أن يستقيم، أقنعته أن يعرف الله عز وجل، أقنعته أن يدع المنكرات، اعتنيت به، تفقدته، زرته، خدمته، أعطيته، حتى أخذت بيده إلى الله هذه الآية دقيقة جداً

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ﴾

 و الله أيها الأخوة: رأيت بعض الأخوة الكرام لهم عمل عظيم تجده هو وشركاؤه وأولاده وأقرباؤه وأصدقاؤه القدامى كلهم صاروا في المسجد، وكلهم التزم، وكلهم تركوا المنكرات، هذا جهد عظيم، فأنت لا تعلم ما لك عند الله إذا ساهمت في هداية إنسان.

 

عطاء الله للإنسان المستقيم:

 ضربت لك مثلاً من واقع الحياة، إذا كان ابن عاق، ابن شارد، ابن شرس، شخص ما أقنعه أن يصبح ابناً باراً، مستقيماً، أعاده إلى أبيه، ماذا يقول الأب لهذا الإنسان؟ يقول له: قدمت لي معروفاً لا أنساه مدى الحياة والله شاكر عليم.

 

 

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً (147)﴾

 

 ( سورة النساء )

 فإذا خدمت لله عباده، ورحمت عباده، وطمأنت عباده، وتلطفت بعباده، ونصحت عباده، وأكرمتهم، وأعطيتهم، ودللتهم على الله، وكنت معهم، من الذي سيشكرك ؟ الله جل جلاله.
 أنا أنتظر من أخ أن يكون داعية، ليس من الضروري أن تتعين خطيباً إطلاقاً، ليس من الضروري أن يكون لك شريط ليكون لك اسم لامع، هذا وحيد عصره، فريد زمانه، لا، أنت إذا جارك أقنعته بالدين، إذا ابنك، إذا أخوك، إذا ابن خالتك، ابن عمتك صديقك، اعتنيت به، زرته، أسمعته شريطاً، أعطيته كتاباً، دعيته للمسجد، تابعته، تفقدته، أنت ساهمت بهداية إنسان، لك عند الله عطاء لا يعلمه إلا الله، وهذه الآيات أمامك:

﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22)﴾

التجارة الرابحة:

 هؤلاء الذين فتحوا الصين، فتحوا شمالي أفريقيا، بالمغرب يوجد جوامع، بالجزائر يوجد جوامع، في تونس يوجد جوامع، في ليبيا يوجد جوامع، بمصر، بالسودان، نصف أفريقيا مسلمة، بالصين يوجد خمسين مليون مسلم، بأمريكا عشرة ملايين مسلم، بفرنسا هناك ألف مسجد، هؤلاء الذين نشروا الحق، ووسعوه، وأسعدوا الناس،هؤلاء ما لهم عند الله ؟ هي التجارة، هذا هو الذكاء، هذا هو التوفيق، هذا هو الربح، هذا هو الفلاح، هذا هو التفوق.
 بعد ذلك الله عز وجل لا ينساك عندما تقدم شيئاً للآخرين، هم في مساجدهم والله في حوائجهم.
 و الدليل على هذا: إذا أنت ساهمت في خدمة الخلق، الله يرقيك بالصبر، يعني إما أن ترقى بعمل صالح، وإما أن ترقى بصبرك على مصيبة، أيهما أحسن لك ؟ الله يريدك، أنت مطلوب لرحمته، مادمت أمنت لك عنده مقاماً، هذا المقام إما أن تصل إليه في الأعمال الصالحة وخدمة الخلق والخروج من ذاتك، وإما أن تصل إليه بالصبر، والله أول طريق أجمل وأسعد وأكمل وأشرف فإذا خرجت من ذاتك لخدمة الخلق، تولى الله شؤونك

(( عبدي أنت تريد وأنا أريد فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد، عبدي كن لي كم أريد، ولا تعلمني بما يصلحك ـ لا تكلف نفسك أن تقول لي ماذا تريد، أنا أعرف ماذا تريد ـ كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك ))

 أي إذا خرجت من ذاتك لخدمة الخلق الله عز وجل كفاك كل هم في الدنيا، والله عز وجل فيما ورد عن رسول الله هم في مساجدهم والله في حوائجهم، أوحى ربك إلى الدنيا أنه من خدمك فاخدميه، ومن خدمني فاخدميه، إذاً:

﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22)﴾

 أي أنت عندما تؤمن لك معاملة خاصة، أنت مستثنى مما يصيب الشاردين، والتائهين، والغافلين، والعصاة.

 

وعود الله للمؤمن الصالح:

 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(97)﴾

 ( سورة النحل )

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾

 ( سورة طه )

﴿ إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (22)﴾

 فالإنسان يكون في رضوان الله وينتظر ما عند الله.
 مرة قال لي أخ من باب المداعبة: هذا المؤمن يصيبه ما يصيب الناس، ما هي ميزاته ؟ إذا وجد الحر يذوق الحر مع الناس، إذا في برد، إذا في أزمة موصلات يعاني من هذه الأزمة، في أزمة سكن يعاني منها، في غلاء أسعار يعاني منها، قلت له من باب التوضيح: لو إن إنساناً موظفاً فقيراً عنده ثمانية أولاد، دخله ألفين أوثلاث آلاف، بيته بالأجرة، عليه دعوة إخلاء، يعني مصائب الدنيا اجتمعت عليه، وله عم حجمه المالي خمسمائة مليون، ما له أولاد، ومات هذا العم فجأة بحادث، لمن هذه الخمسمائة مليون ؟ لابن أخيه الفقير المعدم، لا يستطيع أن يقبض قرشاً واحداً قبل عام، حتى تتم المعاملات القانونية، لماذا هو في هذا العام من أسعد الناس مع أنه لم يتمكن بعد من أن يأكل لقمة واحدة، ولا أن يرتدي ثوباً جديداً، ولا يغير بيته ؟ لأنه دخل في الوعد، الآن لا يملك شيئاً لكنه موعود بخمسمائة مليون، ربنا عز وجل قال:

 

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)﴾

 

 ( سورة القصص )

 إذا أنت مغطى بوعد إلهي فأنت أعظم إنسان، قال تعالى:

 

﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)﴾

 

 (سورة التوبة )

طريق الهداية طريق النجاة:

 فيا أيها الأخوة الكرام: يجب أن نسعى، يجب أن نحث الخطى، يجب أن نتحرى الحلال، يجب أن نقيم الإسلام في بيوتنا، أن نقيمه في أعمالنا، إذا أقمته في بيتك، وأقمته في عملك، أديت ما عليك، وانتهى الأمر، لا تحمل هم الجميع.

 

﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾

 

 ( سورة البقرة: 272)

 الله عز وجل قال للنبي الكريم من أنت ؟ و قال له:

﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾

﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)﴾

 ( سورة القصص )

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ(41)﴾

 ( سورة الزمر )

﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)﴾

 ( سورة الأنعام )

ما على الرسول الكريم إلا البلاغ:

﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)﴾

 ( سورة الغاشية )

 هي مقام النبوة، وما على الرسول إلا البلاغ المبين، بلاغ فقط، أما أنت شخصك مضمونة سعادته في الدنيا والآخرة بطاعتك لله، فإذا أنت كحل وسط بدأت بطاعة الله، وأقمت الإسلام في بيتك وعملك انتهى الأمر، وبعد ذلك افعل ما تشاء، وادعُ كما تشاء ولكن ضمنت سلامتك أنت أولاً.

 

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24)﴾

 

أسماء الله الحسنى داخلة في أفعاله:

 إخوانا الكرام: أحياناً ربنا جل جلاله يعبر عن ذاته بضمير المفرد فيقول:

 

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)﴾

 

 ( سورة طه )

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ ﴾

 هكذا الآية وردت في سورة طه:

﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ﴾

 و هنا وردت

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (23)﴾

 قال بعض العلماء: ولعل في هذا الكلام شيئاً مقنعاً، أن الله جل جلاله إذا تحدث عن ذاته العلية تحدث بضمير المفرد، وأما إذا تحدثنا عن أفعاله العظيمة، تحدث بضمير الجمع، لأن كل أسمائه الحسنى داخلة في أفعاله، أي فعل لله فيه رحمة، فيه عدل، فيه حكمة، فيه لطف، فيه قوة، فيه قهر أحياناً، أفعاله فيها كل أسمائه، لذلك الحديث عن أفعاله بضمير الجمع.

 

﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43)﴾

 

 ( سورة ق )

الوحي لا يملكه النبي الكريم:

 هنا:

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (23)﴾

 فتنزيل مفعول مطلق مؤكد للفعل، أي هذا ليس من عند محمد، هذا وحي من الله، والوحي لا يملكه النبي عليه الصلاة والسلام، لا يملك له جلباً ولا دفعاً.
 الدليل: حينما اتهمت زوجته السيدة عائشة اتهاماً فظيعاً، تأخر الوحي أربعين يوماً، وما ملك النبي شيئاً في هذا الوقت، الوحي لا يستطيع النبي جلبه ولا دفعه، فهذا القرآن وحي من عند الله.

 

الحكم من وراء هذه الآية:

 

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾

 هذه الآية رائعة جداً حيث أمر الله عز وجل النبي الكريم:

 

1 – الصبر على تنفيذ أمر الله:

 

2 ـ الصبر على ترك ما نهى الله عنه:

3 ـ الصبر على قضاء الله و قدره:

4 ـ الصبر على مواجهة الكفار:

 أحياناً المواجهة تحتاج إلى صبر، وإلى شجاعة

﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾

 حكم الله أن نصلي، اصبر للصلاة، حكم الله أن نصوم، أن نحج، أن نعتمر، أن نؤدي زكاة أموالنا، نهانا عن الغيبة تحتاج إلى صبر، الحديث عن الناس ممتع ومسلي ويلفت النظر نهانا عن أن نغتاب، نهانا عن أن نكذب، نهانا عن أن نفعل المنكرات، فاصبر على الطاعات، واصبر على الشهوات، واصبر على قضاء الله وقدره، واصبر وأنت تدعو إلى الله عز وجل.
 هناك معارضون، هناك مفندون، هناك من يتهمونك، هناك من يطعنون في علمك، هناك من يسفه أحلامك، سيدنا موسى بالمناجاة قال يا رب ـ هكذا ورد في بعض الكتب ـ لا تبقي لي عدواً، قال له يا موسى هذه ليست لي، لا يوجد إنسان ليس له خصوم، لا يوجد إنسان ليس له طرف آخر يقلل من قيمته، فاصبر لحكم ربك، إما اصبر على طاعته، أو عن معصيته، أو على قضائه وقدره، أو اصبر وأنت تدعو إليه، يوجد معارضات

﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) ﴾

العصاة نوعان:

 العصاة نوعان: الكفار أو الشاردون، إنسان عقيدته فيها كفر، وإنسان عنده إثم، يعني واحد له معاصي، و آخر عنده عقيدة زائغة الانحراف في عقيدته، أو في سلوكه، شخص عقيدته سليمة، يعني مؤمن بالله ورسوله واليوم الآخرة، لكن غرق بالمعاصي والذنوب، هذا إذا دعاك إلى سهرة، إلى حفلة، يقول لك لا تدقق الله عز وجل غفور رحيم عيش وقتك، من الآن إلى يوم القيامة يفرجها الله، هذا آثم لا تطيعه، لا ترد عليه إطلاقاً، الثاني يقول لك: مات ورجع قال لك في آخره، هذا الثاني الكافر، يعني شخص كافر خلل في عقيدته والثاني خلل في سلوكه، إياك أن تطيع هؤلاء ولا هؤلاء

﴿ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) ﴾

 أحياناً تأتيك دعوات من كفار للتقليل من قيمة الدين، يقول لك: هذا الدين شعور، الإنسان عندما كان ضعيفاً خاف من قوى الطبيعة فتدين، الآن عصر علم، الآن كل شيء مسيطر عليه، هذا كلام، هذا كافر، وأصحاب الشهوات يعيشون لشهواتهم، لغناهم، للطرب، للاختلاط، للمرأة، هؤلاء آثمون، فإياك أن تطيع آثماً أو كافراً، لذلك:

 

﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)﴾

 

 ( سورة الكهف )

﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)﴾

 ( سورة لقمان )

الدعوة إلى الله لها ثمن باهظ:

 ومن أجل أن تصبر على الطاعات، وعن الشهوات، وعلى قضاء الله وقدره، من أجل أن تصبر بالدعوة إلى الله، في خصومات، في معارضات، في متاعب أحياناً، الدعوة لها ثمن باهظ، دفع النبي أكبر ثمن، أخرجوه، وقاتلوه، ونكلوا بأصحابه، ثم جاء نصر الله والفتح في النهاية، الإسلام وصل إلى درجة بقي موضوع ساعات بالخندق، ساعات وينتهي الإسلام عن آخره، قال أحدهم: أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر أو كسرى، وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته انتهى الإسلام، النبي صبر، لما هاجر أهدر دمه، وضع مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً

﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾

 أي اصبر على طاعته، واصبر عن معصيته، واصبر على قضائه وقدره.
 للدعاة واصبروا في الدعوة يوجد معارضات، مقاومات، أناس خصوم يكيدون المؤامرات

﴿ فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً ﴾

 إنسان فكره علماني كافر، وإنسان ثانٍ فاسق فاجر.

 

ذكر الله طريق الثبات على الدعوة:

 من أجل أن تستطيع ذلك:

 

 

﴿ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25)﴾

 صلاة الفجر، والظهر، والعصر، الظهر بعد زوال الشمس.

 

 

﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26)﴾

 المغرب والعشاء، العبادة خمسة أوقات، الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء:

 

﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ﴾

 قيام الليل.

 

ندم الشاردون عن طريق الحق:

 

﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27)﴾

﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ ﴾

 الشاردون

﴿ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ﴾

 يتحدث عن الدنيا خمس ساعات لا يمل على الواقف بالطريق، لا يقول لك عندي موعد، عندما تذكر آية يقول لك: اعذرني عندي موعد، عندما تتحدث عن حديث شريف يتثاءب، سبع ساعات كل آذانه معك عند الحديث عن العملات، وعن البيوت، وعن الزواج، وعن التجارات، والاستيراد، والتصدير، والسفر، والرحلة، والفندق خمس نجوم، والعرس، تصل إلى موضوع الدين يتثاءب لا يريد شيئاً، عنده غير مطلوب لأنه، لذلك:

﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27) ً ﴾

 أي يوم ينسون فيه كل ملذات الدنيا، يصعقون.

 

﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25)﴾

 

 ( سورة الفجر )

 أي إذا شخص قال لك حضرنا ألف عزيمة، وكل عزيمة طعامها أطيب من الأخرى، بأحد الليالي أصابه ألم في أسنانه لا يحتمل، فكان بقرية لا يوجد فيها طبيب أسنان لو تذكر هذه الولائم وليمة وليمة هل يذهب ألمه ؟ اليوم أكلنا الأكلة الفلانية و هي لذيذة جداً، لكن الألم قائم، لو أراد أن يستعيد كل الطعوم الطيبة التي أكلها، وأسنانه تؤلمه و الألم لا يحتمل واقعه الآن في شقاء، فالماضي ينسى في لمحة.

 

جزاء المؤمن و الكافر يوم القيامة:

 الكافر يقول حينما يرى مكانه في النار: لم أر خيراً قط، في كل حياته، يقول لك: ما هذا الفندق شيء جميل جداً، أكل، سافر، ركب السيارة، ركب الطائرة، يحدثك ساعات عن رحلاته، عن متعه، عن نعيمه، حينما يرى مكانه في النار، يقول: لم أرَ خيراً قط، والمؤمن حياته كلها متاعب، وتكليف، وضبط شهوات، وضبط جوارح، وضبط لسان، وضبط عين، لا يسمع شيئاً خلاف الشرع، لا ينظر إلى عورة إنسان، ضابط لسانه، ضابط دخله، عرضوا عليه ملايين، قال إني أخاف الله رب العالمين، بقي على دخله المحدود، وبقي على بيته الصغير، لكن حينما يأتيه ملك الموت، يقول لم أرَ شراً قط.
 طالب جامعي درس وأخذ الشهادة بأعلى درجة و قد نال الدرجة الأولى، فلو حاول أن يتذكر سهر الليالي للساعة الرابعة، واعتزل بالبيت، وكم مرة ما فهم الموضوع، وسأل صديقه، وأحضر كتباً وترجم، عندما يأخذ الدرجة الأولى نشوة النجاح تنسيه كل متاعب السنة.

 

 

الظفر برضوان الله مراد الإنسان الأكبر:

 و هكذا نرى أن نشوة الظفر برضوان الله ينسيك كل متاعب الحياة، وشقاء النظر إلى مصير إنسان ينسيه كل ملذات الحياة، لذلك:

 

 

﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26) إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27)﴾

 

الدعاء:

 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعنا على دوام ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وارزقنا الشوق إلى لقائك ولذة النظر إلى وجهك الكريم.
 اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مباركاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوما، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور