الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الكرام؛ مع الدرس الثالث من سورة الإنسان، ومع الآية العاشرة وهي قوله تعالى:
﴿ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10)﴾
يومٌ تعبس فيه الوجوه، وقمطرير طويل، أحياناً الموقف الحرج لا يطول، أما إذا دام أياماً وأياماً، وأسابيع وأسابيع، وشهوراً وسنوات هذا معنى قمطرير، أما عبوس يوم صعب.
﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27)﴾
[ سورة الإنسان ]
يوم الحساب، يوم المحاسبة، يوم الجزاء، يوم التحقيق، يوم الإدانة، في الدنيا لا يُحْتمل، إنسان خارج عن القانون، أُلقِي القبض عليه، دخل في دوامة التحقيق، السؤال والجواب، عرف ما ينتظره إما شنقاً، وإما مؤبداً مع الأشغال الشاقة، هذا يوم صعب جداً، صعب مع إنسان فكيف مع الواحد الديان؟ ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً﴾ لذلك هناك من يدَّعي أن الإنسان يكفيه أن يكون ضميره حياً، هذا الكلام ليس له معنى، لن تستقيم على أمر الله إلا إذا عرفت أن كل حركة وسكنة تُحاسب عليها، وسوف يُحقق معك، وسوف تُعرض أعمالك عليك، صغيرها وكبيرها، جليلها وحقيرها.
محاسبة الله تعالى للإنسان:
حينما تعلم علم اليقين أن الله يعلم، وسيحاسب، وسيعاقب، ثلاث كلمات وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ لو أيقن الإنسان يقيناً كيقينه بوجوده أن الله يعلم كل حركاته وسكناته، كل نواياه، كل مقاصده، كل بواعثه، كل أهدافه، أن الله يعلم ما أخفاه على الناس، لا تخفى عليه خافية، حينما يعلم أن الله يعلم، وأنه سيحاسب، وأنه سيعاقب، وأن علمه يطولك، وأن قدرته تطولك، وأن الحساب عسير، وأن العقاب طويل، وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ انطلاقاً من حبّ الإنسان لذاته، ومن حبه لوجوده، وسلامة وجوده، وكمال وجوده، واستمرار وجوده، لن يعصي الله عز وجل، فلذلك هؤلاء المؤمنون لماذا آمنوا؟ لماذا استقاموا؟ لماذا أدوا ما عليهم من واجبات؟ لماذا أعطوا ما في ذمتهم من حقوق؟ لماذا عبدوا الله عبادة متقنة؟ لماذا خافوا أن يأكلوا درهماً حراماً؟ لماذا خافوا أن ينظروا نظرة لا تجوز؟ لماذا؟ لأنهم خافوا من ربهم ﴿يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً﴾ يوم الحساب.
القضية قضية الإيمان باليوم الآخر، إذا آمنا باليوم الآخر حُلّت كل مشكلاتنا، انطلاقاً من حبنا لذواتنا، انطلاقاً من أنانيتنا المفرطة لا نعصي الله عز وجل، إذا آمنا باليوم الآخر، إذا آمنت أن هذا الذي أمامك لو كذبت عليه، أو احتلت عليه، أو ابتززت ماله، أو أرعبته، أو خوفته لتأخذ ما في يديه، إن الله سيحاسبك عنه حساباً عسيراً، لا يمكن أن تفعل ذلك، أنت لاحظ نفسك مع شرطي، يرتدي بذلة حكومية قد تكون أقوى منه، قد تكون أقوى منه جسداً، وقد تستطيع أن تفعل به ما تشاء في مكان، ماذا تحسب؟ حساب من؟ حساب من هم أعلى منه، كيف سيحاسبونك؟ كيف سيقتصون منك؟ هذا هو الذي يحمل الناس على الاستقامة، الإيمان باليوم الآخر، إن الله يعلم، وسيحاسب، وسيعاقب.
هذا الذي يعلم أن الله يعلم ويحاسب ويعاقب لا يظلم زوجته، يخاف من الله، لا يظلم أولاده، لا يظلمهم في الميراث، لا يظلم جيرانه، لا يغتصب شبراً من أرض فكيف من يغتصب بيتاً؟ فكيف من يغتصب أرضاً؟ فكيف من يغتصب شركة؟ العبرة أن تعلم، درسنا ثلاث كلمات: إن الله يعلم وسيحاسب وسيعاقب، ولن يستطيع أحد أن يتفلت من حسابه، ولا من عقابه؛ والعقاب إلى أبد الآبدين، وَاللَّهِ عز وجل يقول:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)﴾
[ سورة فصلت ]
ضبط الناس عن طريق القوانين:
الآن ما الذي يضبط الناس في حياتهم المدنية؟ القوانين، ومع القوانين ما يسميه علماء القانون المؤيدات القانونية، قانون السير لا قيمة له إطلاقاً ما لم يُدعَّم بمؤيدات،
من يقود هذه المركبة بلا إجازة يعاقب، يحاسب، يسجن، يدفع غرامة كبيرة، تصادر المركبة، لا يوجد قانون في الأرض إلا ويوجد مؤيدات قانونية، المؤيد هو الذي يحمل الناس على اتباع القانون، ما الذي يدفع الناس إلى دفع الضريبة؟ أنها تتضاعف ثلاثة أضعاف إن لم تدفعها في وقتها، ما الذي يمنع الناس أن ينقلوا بضاعة غير نظامية؟ نظام الجمارك تدفع ثمانية أمثال الثمن، هذه المؤيدات بها ينضبط الناس، في حياتهم المدنيّة، فما قولك بجهنم إلى أبد الآبدين؟ أي عقاب يوقعه إنسان لا قيمة له أمام هذا العقاب، أي عقاب يوقعه إنسان ليس بشيء أمام أن يدخل الإنسان النار.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً(56)﴾
فلذلك الآية الكريمة: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً﴾ يوم صعب، وكل واحد منا من خلال خبرته في الحياة يوجد أيام عصيبة، يقول لك: دخلوا لعندي، عندي بضاعة غير نظامية، رجفت ركبي، صحيح، يعرف المضاعفات، يعرف المؤدى.
يقول لك: عملت حادثاً ولا أملك رخصة، تجده قد اختل توازنه، اصفرّ لونه، ارتعدت مفاصله، لأنه لا يملك رخصة قيادة، لا يوجد معه إجازة، ما معه أوراق البضاعة، البضاعة غير نظامية، مع إنسان من جلدتك، من بني جنسك، لكنه أقوى منك، وبإمكانك أن تُخفي عنه بعض المخالفات، وبإمكانك أن تشتريه، وبإمكانك أن تصرفه، وبإمكانك أن تكذب عليه، أما مع الله لن تستطيع أن تكذب، لن تستطيع أن تحتال، لن تستطيع أن تُخفي:
﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)﴾
الإيمان باليوم الآخر يحمل الناس على الاستقامة:
إخواننا الكرام؛ الكلام المفيد، المجدي، الواضح، الدقيق: الإيمان باليوم الآخر وحده هو الذي يحمل الناس على الاستقامة، الإنسان لا يُعدّ ذكياً إذا أخذ شيئاً ودفع مقابله أضعافاً مضاعفة، هذا شيء واضح جداً في حياتنا.
مثل بسيط: أنت حينما تنقل بالطائرة حاجات، وجدت أن أجرة نقلها بالشحن الجوي أغلى من ثمنها لا تفعل كذلك، أحياناً تجد أن ثمن الكيلو غرام زيادة عن الوزن النظامي لك تدفع ثمنه بالعملة الصعبة، أغلى من ثمن البضاعة كلها، لا تفعل ذلك.
بأمور الدنيا أنت عندك حساب دقيق، عندك حساب أرباح وخسائر، ما ينبغي أن تفعل وما لا ينبغي أن تفعل، لماذا بأمور الآخرة تُغفل الحساب الدقيق؟
كل هؤلاء العباد عباد الله والله معك، ويعلم ما تفعل معه، تحتال على إنسان، أن توهمه -طبعاً المهن الراقية فيها احتيالات كثيرة جداً-توهم المريض أنه يحتاج إلى عملية، ألا يعلم الله أن هذا الكلام غير صحيح؟! توهم هذا الموكل أن دعواه رابحة وتعلم علم اليقين أنها خاسرة، توهم هذا الطالب أنه سينجح وهو لا ينجح من أجل أن تأخذ منه مبلغاً على كل درس، أي هذا الذي يفعل شيئاً لا يرضي الله كيف يتوازن لو علم أن الله يعلم؟ وكيف يتوازن لو علم أن الله سيحاسب؟ دقق: موظف له مدير قوي جداً، وقاس جداً، ونظامي جداً، وله عيون قبل أن يتحرك أي حركة، كيف سأجيبه لو سألني؟ كيف سأخرج من سخطه لو حاسبني؟ ماذا أبرر عملي لو عرف ذلك؟ أنت مع إنسان منضبط، مع إنسان لا تحبه تنضبط، لا تحبه وليس له فضل عليك، ولم يمنحك الحياة، ولم يمنحك شيئاً.
فيا أيها الإخوة الكرام؛ هذه الآية دقيقة جداً: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾ .
جهز لربك جواباً قبل أن تلقاه:
نصيحة أخوية أنصح بها نفسي قبلكم: قبل أن تفعل شيئاً، قبل أن تتخذ قراراً، قبل أن تعطي، قبل أن تمنع، قبل أن تصل، قبل أن تقطع، قبل أن تغضب، قبل أن ترضى، قبل أن تزور فلاناً، قبل أن تُعاديه، قبل أن تقطعه، هيئ جواباً لله عز وجل.
البائع مع زبائنه، والموظف مع المواطنين، والطبيب مع المرضى، والمحامي مع الموكلين، والمدرّس مع الطلاب، لو أن هذا الطالب سألك يوم القيامة: يا رب لم يعلمنا شيئاً، أمضى الوقت بكلام فارغ، ما علمنا شيئاً، لو أن هذا المريض قال: يا رب لم يعالجني لكنه أبتز مالي، لو أن هذا الموكل قال: يا رب لم يدافع عني ولكنه أوهمني، لو أن هذا الشاري قال: يا رب غشني، أخذ منا أضعاف ثمن هذه البضاعة، بماذا تجيب الله عز وجل؟ لا تكون عاقلاً إلا إذا هيأت لله عز وجل جواباً عن كل حركة وسكنة، عن كل موقف، عن كل عطاء، عن كل أخذ، في بيتك محاسب، مع أولادك محاسب، مع زوجتك محاسب، مع جيرانك محاسب، إن لم تنصح المسلمين محاسب:
(( الدِّينُ النَّصِيحَةُ. ))
الأحمق من يواجه الله عز وجل:
أنا أعرف بمعلومات متواضعة أن الدواء المنتهي مفعوله لا يؤذي، لكنه لا ينفع، ثم تبين لي من خلال إخوة كرام أطباء أن الدواء المنتهي مفعوله يؤذي لأن هذه المادة الفعّالة تتفكك، وحينما تتفكك تنقلب إلى مادة سامة فهذا الذي يبيع دواء قد انتهى مفعوله كيف سيواجه الله عز وجل؟ هذا الذي يضع مواد مسرطنة في المواد الغذائية من أجل أن يربح أكثر، أن يبيع أكثر، كيف سيواجه الله عز وجل؟
في معمل حلويات من أكبر المعامل في الشرق الأوسط، كان يصدر كل يوم طائرة مترعة بالحلويات إلى دول الخليج يومياً، طائرة مترعة –ممتلئة-دخل صاحب المعمل إلى معمله، لم يعجبه عمل بعض العمال، فأمسك العجينة ووضعها على الأرض وعركها بقدميه وبحذائه، فقال له هذا العامل: يا سيدي أيعقل أن تعركها بقدميك وبحذائك؟ فقال: الناس يأكلون من تحت قدمي، لم يمضِ ثلاثون يوماً على هذه الكلمة حتى أصيبت رجلاه معاً بالغرغرين فقطعتا، أتعرف من تحارب؟ كل شيء بيده، جسمك بيده، الغرغرين بيده، القلب بيده، الشرايين بيده، الدسام بيده، سيولة الدم بيده، الأعصاب بيده، العظام بيده، نمو الخلايا بيده، من حولك بيده، الله كبير.
الاستعلاء على عباد الله ثمنه جهنم:
هذا الذي يتحرك حركة عشوائية، يأخذ ما ليس له، يستعلي على عباد الله، يبتز أموالهم، يلقي في قلوبهم الرعب أحياناً من أجل أن يُجروا هذه العملية وهم لا يحتاجون إليها، من أجل أن يوكلوه ودعواهم خاسرة، من أجل أن ينجح أبناؤهم، وأبناؤهم في وضع قبل الامتحان لا ينجحون، فهذا الذي يتحرك حركة لا ترضي الله ما الذي يحميه من الله عز وجل؟
كم من إنسان أقسم يميناً غموساً أمام القاضي بعد ساعة كان مشلولاً؟! كثيرون، هذا الذي لا يخاف الله لا يعرفه؛ ولو عرفته لارتعدت مفاصلك ارتعاداً شديداً حينما تتحرك لإيذاء أحد من خلقه.
إدراك الإنسان مرتبط بخوفه من الله:
أحياناً إنسان يؤذي حيواناً بريئاً بلا ذنب، عدواناً عليه، فيصاب بمرض عضال، فلذلك: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا* فَوَقَاهُمُ﴾ يوم مخيف وطويل، الذي يخاف هو الذي ينجو، والذي لا يخاف هو الذي يقع، وعلى مستوى السير في المركبات، السائق الذي يخاف الحادث قلّما يقع بحادث، والسائق الطائش هو الذي يدفع الثمن باهظاً، لا يخاف فيقع في شرّ عمله، الخوف مرتبط بالإدراك، الذي لا يدرك لا يخاف، علامة إدراكك خوفك من الله: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً﴾ والإنسان حينما يخاف في الدنيا يطمئنه الله في الآخرة:
(( عن أبي هريرة: وعِزَّتِي لا أجمعُ على عَبدي خَوفيْنِ وأَمنيْنِ ، إذا خافَني في الدُّنيا أمَّنْتُه يومَ القيامةِ ، وإذا أمِنَني في الدُّنيا أَخَفْتُه في الآخِرةِ. ))
[ صحيح الترغيب : خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح : أخرجه ابن المبارك في ((الزهد)) ]
أي مستحيل أن تخاف الله ثم يخيفك من عباده، مستحيل، مستحيل أن تخافه في الدنيا ويخيفك يوم القيامة: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ﴾ .
النجاة من عذاب يوم القيامة:
الشعور بالنجاة شعور مسعد، الناس هلكى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)﴾
أن ينجو المؤمن من هول هذا اليوم، من عذاب هذا اليوم، من شدة هذا اليوم، من هول المطلع يوم القيامة، أن تنجو.
أحياناً إنسان مؤدّ ما عليه تجاه القوانين، تأتي حملة هو يشعر براحة غير معقولة، هو مواطن صالح، دافع الضريبة مثلاً، أموره كلها صحيحة، تجده مرتاحاً، أنت مرتاح مع إنسان فكيف مع الله عز وجل؟ ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً﴾ وجه متألق، وقلب مسرور، نضرة في وجوههم، وسروراً في قلوبهم.
علامات السعادة في الآخرة:
أحياناً الإنسان يكون أنيقاً، جميل الصورة، لكن قلبه مظلم، وأحياناً يكون هناك راحة في قلبه، لكن يوجد كآبة في وجهه، أما كمال السعادة أن يكون القلب مسروراً والوجه متألقاً، ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً﴾ نضرةً بالضاد بالنضارة ﴿وَسُرُوراً﴾ .
﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12)﴾
جزاء صبر الإنسان في الدنيا:
الدين كله صبر، ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا﴾ غض البصر يحتاج إلى صبر، ضبط اللسان يحتاج إلى صبر، أن تكف أذنك عن سماع الغناء يحتاج إلى صبر، يوجد أغنيات جميلة جداً، وهناك نساء كاسيات عاريات، وهناك حديث ممتع لأن فيه غيبة، فاللسان ينضبط صبراً، والعين تنضبط صبراً، والأذن تنضبط صبراً، وأن تكون قوياً ثم تخشى الله عز وجل فلا تستعمل هذه القوة إلا فيما يرضي الله، يحتاج إلى صبر.
أن تمشي إلى بيوت الله فقط، وهناك بيوت أخرى فيها أضواء، وفيها جمال، وفيها طعام، وفيها نساء كاسيات عاريات، أن تتجه إلى المسجد، إلى بيت الله، تؤوي إليه، وآخرون يتجهون إلى الملاهي، إلى السهرات المختلطة، إلى الفنادق، إلى الحفلات، يُمتعون عيونهم بالنساء الحسناوات، ويتحدثون من لغو الكلام، والمؤمن يتجه إلى بيت الله ليتعلم كتاب الله، ليرضى الله عنه، يوجد فرق كبير جداً، ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا﴾ ساكن في بيت أجرته مئة ليرة، والقانون معك، وسلمته لأصحابه عن طيب قلب خوفاً من الله، والقانون يحميك أنت وزوجتك وأولادك إلى ما شاء الله، ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً﴾ عندك بضاعة جاء من يشتريها ولا يعلم عيبها فكشفت له العيب، هذا الشيء يحتاج إلى صبر، الأسهل أن تبيعها دون أن تكشف العيب، وترتاح منها، وكأنها جبل على صدرك، يقول لك: أعطيناها لفلان، أين الله؟ والقبر ماذا تفعل به؟ ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً* فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً﴾ هذا الذي يخاف الله في الدنيا، هذا الذي يخشاه، هذا الذي يقف عند حدوده، ضابط أموره، نفسه طوع بنانه، هو قائد على نفسه وليس مقوداً لها.
﴿ وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12)﴾
الحرير في الدنيا ممنوع لكنه في الآخرة مباح.
لا يحق لك أن تنظر إلى امرأة لا تحل لك في الدنيا، لكن في الجنة حور عين، لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، هذه مباحة لك يوم القيامة من دون حرج، الذي غضّ بصره في الدنيا، وقال: إني أخاف الله رب العالمين، أما أهل الدنيا يتهمونه، هل ستأكلك؟ انظر لمَ لا تنظر؟ إن الله جميل يحب الجمال، يتفلسفون أيضاً، ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا﴾ .
حلاوة الإيمان ثمنها ضبط الجوارح:
ضبط شهواته، ضبط لسانه، ضبط عينه، ضبط سمعه، ضبط أذنه، ضبط دخله، آلاف الدخول مشبوهة، آلاف الدخول محرمة، لا يقبل إلا قرشاً حلالاً يرضي الله عز وجل، لا يأخذ إلا مبلغاً واضحاً، معاذ الله، وقد يكون في أمس الحاجة إليه، لكن المال الحرام تحت قدمه، يقول: معاذ الله، الله الغني، وَاللَّهِ يوجد مواقف فيها بطولة، يكون إنسان فقير يحتاج إلى المئة ليرة، يُعرض عليه مئات الألوف، ملايين، اكتب وفاة طبيعية، هذه الوفاة فيها جريمة، اكتب وفاة طبيعية خذ عشرة ملايين، يقول لك: معاذ الله أن أخون أمانتي، الطب الشرعي أمانة، أبداً.
اشهد هذه الشهادة وخذ مئة ألف، يقول لك: معاذ الله، وأساساً الله عز وجل يضع الإنسان في موقف صعب يكشف حقيقته، يقول لك: أنا لا آكل قرشاً حراماً على مستوى ألف، ألف فما دون لا تأكل قرشاً حراماً، إذا مليون تفكر فيها، تقول: عندي أولاد ماذا أفعل؟ جميع الناس تفعل هكذا؟ فالله عز وجل يضع الإنسان في موقف يكشف حقيقته، مهما حاولت أن تخفي حقيقتك فالله يكشفها، في ظرف صعب، والحديث الشريف:
(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار . ))
الناس يقتتلون على أن يولد ابنهم في أمريكا ليأخذ جنسية، أعرف مؤمنين قبل الولادة بأسبوع أرسلها إلى الشام لتلد في بلد إسلامي، حتى لا يفكر أن ابنه صار معه جنسية، أبداً، دائماً مسيطر، دائماً يملك زمام نفسه، دائماً يرضي الله ولا يعبأ بالنتائج، العبرة أن أكون في طاعة الله، العبرة أن يرضى الله عليّ، الله عز وجل يتكفل الباقي، وأساساً الإنسان ليس مكلفاً إلا بهذا.
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)﴾
فقط.
أنا عليّ أن أعبده فإذا عبدته جاءتني الخيرات من كل جانب.
عليّ أن أشكر، لك مهمتان، وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ لا تحتاج إلى مهمة ثالثة، اعبده واشكره:
(( عن معاذ بن جبل: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟ قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ. ))
قليل أن يكون معك ضمانة من الله؟ تطمين من الله.
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)﴾
واثق.
جزاء الله تعالى للصابرين:
الناس يُسحقون بالهموم، وأنت واثق برحمة الله، يا رب أرجو رحمتك فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، واثق من حفظ الله لك، ما معنى قول الله عز وجل؟
﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)﴾
معهم بالحفظ، معهم بالتأييد، معهم بالنصر، معهم بالتوفيق، وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ لا يوجد إنسان مؤمن يخطب ود الله بطاعته، والاستقامة على أمره، والإقبال عليه، والتقرب منه، إلا يرى العجب العجاب، يرى معاملة لا تُصدق من قبل الله عز وجل، حفظ ودعم وتأييد وتوفيق، هذا معنى قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ .
﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)﴾
﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)﴾
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)﴾
إذا كنت في كل حال معي فعن حمل زادي أنا في غنى
إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ أتزهد بمعية الله عز وجل؟ إله عظيم بيده ملكوت السماوات والأرض، بيده كل شيء، إليه يُرجع الأمر كله، قدرته، ورحمته، وعلمه، ولطفه معك، الثمن أن تطيعه فقط، وطاعته بإمكانك، ضمن وسعك، لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها، كل ما عند الله تناله بطاعته فقط، وطاعته بين يديك، أمره بين يديك، وقد رُكّب في فطرتك أن الحق تعرفه بالفطرة وأن الخطأ تعرفه بالفطرة،
﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا﴾ صبر على أولاده، صبر على زوجته، صبر على والديه، وقد تقدمت بهما السن، تعليقات لا تُحتمل، طلبات غير معقولة، صبر، والداه.
ضبط الشهوات وفق منهج الله:
إخواننا الكرام؛ الإيمان هو الصبر، أي ضابط شهواتك، ضابط غرائزك، ضابط ميولك، ضابطها وفق منهج الله، انتهى، وكل شيء فيه حركة عشوائية، ويوجد حركة محددة وفق المنهج، لك أن ترى كل شيء، ولك أن تنظر إلى من تحل لك، هذا الدين، لك أن تسمع كل شيء، أما المؤمن فيسمع ما يُحلُّ له، لك أن تتحرك إلى أي مكان، لكن المؤمن يتجه إلى بيت الله فقط، أي الحركة مقيدة بالشرع، والإيمان قيد الفتك، ولا يفتك مؤمن: ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً﴾ .
1 ـ فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر:
الآن ربنا عز وجل بحكمة بالغة أراد أن يقدم لنا مشاهد من يوم القيامة، الحقيقة الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
2 ـ فيها أنهار من عسل مصفى:
لكن من باب التقريب كل أوصاف الجنة أوصاف رمزية بمعنى: إذا الله قال لك:
بالجنة يوجد أنهار من عسل، يجب أن تعلم علم اليقين أن عسل الجنة غير عسل الدنيا، لكن الله سماه عسلاً كي يقرب المعنى إليك، أما عسل الجنة لا يقاس بعسل الأرض.
والمرأة في الجنة لا تقاس بالمرأة في الأرض.
البساتين في الجنة لا تقاس ببساتين الأرض، لكن لا يوجد طريقة أخرى، أي أنت الكلمات عندك في الدنيا مرتبطة بمفاهيم، فربنا عز وجل يستخدم هذه الكلمات نفسها ليُقرّب لك حال أهل الجنة، مع أن حال أحل الجنة لا يعلمه إلا الله، قال:
﴿ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً (13)﴾
أي كلكم في بعض أيام الربيع أو أيام الخريف تجدون الجو رائعاً لا يوجد برد ولا يوجد حر، لا يوجد برد مزعج، ولا يوجد حر مزعج، جو لطيف، نسمات لطيفة، لا تحتاج لا إلى مدفأة، ولا إلى مكيف، ولا إلى مروحة.
أحياناً إنسان يجلس على كرسي قاسٍ نصف ساعة يتضايق، أما إذا وجد فرش مريح جداً، وثير، منجد تنجيداً راقياً، ليونته عالية جداً، يحيط الجسم كله، كرسي صغير صعب، يصلح للجلوس ربع ساعة أو خمس دقائق، أما جلسة طويلة فتحتاج إلى أثاث مريح، واسع،عريض، يستوعب الجسم كله، وفيه مرونة بالغة، ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً﴾ جلسة مريحة.
أحياناً الإنسان على الأرض يغير جلسته مرتين أو ثلاث مرات، كلما جلس جلسة تؤلمه أقدامه فيغير من جلسته، لأن الأرض قاسية، أما على كنبة وثيرة جداً سبع ساعات لا تحس، لا تغير جلستك، فالجلسة مريحة ليست مثل الجامع هذا بالجنة: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً﴾ جوّ مريح لطيف.
﴿ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً (14)﴾
أحياناً تجد شجرة، ظل الشجرة لا يقدر بثمن بالصيف، سبحان الله! يوجد نباتات خلقها الله خصيصاً لتكون مظلة، هذا الزيزفون عبارة عن دائرة نظامية، كثيفة جداً، دائمة الخضرة، أوراقها صغيرة، تتراقص مع الريح، جذعها مستقيم، الإخوة في الساحل أكثرهم يزرعون شجرة أمام بيتهم تجد مظلة، في الصيف ظلّ ظليل معنى ظليل أي كثيف الظل، لأنها مطبقة، أوراق كثيفة جداً، وثخانة الأوراق واسعة، ودائرة ممتدة، هذه شجرة تقدم لك ظلاً لا يقدر بثمن،
﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً﴾ الإنسان أحياناً يرى نخلة فارعة الطول، فيها بلح شهي لكنه بعيد، أما الفواكه في الجنة بمتناول اليد، أنت واقف بمتناول يدك، وأنت جالس بمتناول يدك، وأنت مضجع بمتناول يدك، هي تأتي لعندك،
﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً﴾ أحياناً تشتهي الصبارة في الصيف لكنها ممتلئة بالشوك، مشكلة، تريد قفازات، أما فواكه قريبة، انتبه المزرعة مرشوشة بالمواد المبيدة، يجب أن تغسلها وإلا هناك مشكلة، لا تحتاج لأن تغسلها ولا فيها شوك ولا فيها بزر ولا هي عالية تحتاج إلى سلم:
﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً﴾ هذا حال أهل الجنة.
﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31)﴾
اطلب تعط، خاطر يأتيك تراه أمامك، أما في الدنيا فيأتيك مليار خاطر، لا يتحقق واحد منهم، يقول لك: العين بصيرة واليد قصيرة، بالجنة خاطر واحد، أي خاطر تجده أمامك.
5 ـ استعمال الفضة والذهب في الجنة:
﴿ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ(15)﴾
الفضة محرمة في الدنيا، استعمال أواني الذهب والفضة محرم في الدنيا، العلماء قالوا: كلمة فضة يطاف عليهم بصحاف من ذهب، الفضة تشير إلى الذهب أيضاً، وبعضهم قال: الفضة لها اختصاص دقيق جداً، معدن الفضة معدن معقم.
في كل معامل الماء آخر مرحلة يمر الماء بمواسير من فضة، لأن الفضة تُعقِم الماء الذي يمر من ضمنها، لو ألقيت قطعة فضة في إناء فالماء يعقم فوراً، فهذه إشارة علمية إلى أن الفضة من خصائصه التعقيم،
وأنا قرأت هذا في كتاب علمي موثوق منه أن معامل الماء آخر مرحلة الماء يمر في أنابيب من فضة كي يُعقم، الفضة لها إشعاعات تعقم الماء الذي بداخلها،
﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ﴾ يوجد أكواب ماء ثمن الكوب خمسة آلاف ليرة، كريستال، تحتار بالصفاء، تحتار بالألوان أحياناً، يعطي ألوان قوس قزح، وهو محفور حفراً جميلاً جداً، يوجد أشياء ثمينة جداً، الكأس الواحد ثمنه خمسة آلاف، هذا الكريستال، قال:
﴿ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب﴾ هي من فضة وفي صفاء البلور
﴿ كانَت قَوَارِيرَ* قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً﴾ أحياناً تكون في غاية العطش يأتيك أحدهم بكأس شرب صغيرة، تنزعج وتقول: ألا يوجد أكبر منه؟ أحياناً ترغب أن تشرب ماء قليلاً يأتيك كأس كبير تنزعج منه، أحياناً لا يأتي الكأس متناسباً مع حاجتك، تحتاج إلى ماء كثير بالصيف، يأتي الكأس صغيراً، مرة ثانية بالله، مرة ثالثة، تنزعج، وأحياناً بالشتاء يأتيك كأس ماء كبير، وأنت تريد ربعه، قال: هذا الكأس بالجنة:
﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ* قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً﴾ بقدر حاجتك.
﴿ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً (17)﴾
أحياناً إنسان يضيفك شراب معه ماء الزهر، يقول لك: شاي معطر، مبالغة بالإكرام يوجد شاي معطر، يوجد قهوة مع هيل، أحياناً يوجد شراب فواكه مع ماء الزهر، تشعر بانتعاش لهذا العطر، قال: ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً﴾ يوجد أماكن:
﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً (5)﴾
هنا زنجبيل.
بالمناسبة هذا الشيء ليس له علاقة بالآية بالدقة، أحد إخواننا الأطباء بحث في القرآن الكريم عن التوابل فوجد الكافور، والزنجبيل، والمسك أعتقد، فقرأت عن الزنجبيل شيئاً لا يصدق، كل أدوية القلب مجموعة في الزنجبيل، موسع للشرايين، يضبط ضربات القلب، يزيل الكولسترول عن جدران الشرايين.
موضوع الزنجبيل في يوم من الأيام كان خطبة، أخ كريم طبعاً من مصادر قديمة، و من "12" مصدر حديث، مقالات علمية حديثة عن تركيب الزنجبيل، عرضته على طبيب قلب دهش، قال لي: كأن أدوية القلب كلها في هذا الزنجبيل، منظم لضربات القلب، موسع للشرايين، خافض للضغط، مزيل للكولسترول، هذا الزنجبيل، لذلك يوجد أشخاص يطحنوه ويضعوه مع بعض الشراب هذا الزنجبيل، نحن نحتاج أن نراجع كل علمنا الطبي، يوجد أدوية نباتية رائعة جداً، ليس لها أي أخطار، وفيها طابع الوقاية، سمعت ببعض القرى في مصر قرية يكثرون من أكل الترمس، شيء خارج اهتمامنا، لا يوجد عندهم أي مشكلة صحية قلبية إطلاقاً.
في بلدة في بريطانيا قاسوا ضغطهم جميعاً، لا يوجد في هذه البلدة أي إنسان معه ضغط مرتفع، هذه البلدة لا يأكلون الملح أبداً، الملح عادة غذائية سيئة، نحن بالإمكان أن نأخذ الملح من التفاح الجسم يأخذه، يأخذ حاجته من أي شيء، نحن تعودنا أن الأكل القليل الملح لا يبلع، هذه عادة غذائية سيئة، على كل الزنجبيل هكذا قرأت عنه وذكرته في خطبة أكثر أدوية القلب مجموعة في الزنجبيل.
6 ـ في الجنة عين تسمى السلسبيل:
﴿ وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً(17)﴾
هذا الكأس:
﴿ عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18)﴾
يوجد أيضاً ماء سلسبيل عذب فرات أي مستساغ:
﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)﴾
عين في الجنة اسمها السلسبيل ﴿يُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً﴾ .
7 ـ يطوف على الناس ولدان مخلدون في جمالهم:
والذين يخدمون:
﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (19)﴾
أحياناً بالفنادق الراقية جداً بمقياس الأرض طبعاً يستخدمون موظفين لهم وجه حسن، الوجه الصبوح له أثر كبير، حتى بعض المحلات التجارية يهمهم إذا أرادوا أن يجذبوا الزبائن أن يكون الموظف لبقاً، وهندامه حسناً، ووسيم الصورة، هذا شيء طبيعي بالعلاقات العامة، هنا: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً﴾ أي حتى الذين يطوفون على أهل الجنة ولدان مخلدون في جمالهم، أحياناً تجد الطفل بأوله قطعة من الجمال، كلما كبر يتغالظ، بعد ذلك لا يحتمل، ما معنى مخلدون؟ في هذا الشكل الحسن، في هذه النعومة، في هذا اللطف، في هذا الحياء، في هذه الطبيعة الطيبة، في هذا الجمال، مخلدون في هذا الحال: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً﴾ هذا مشهد من مشاهد أهل الجنة.
الثمن الطاعة، والثمن بين أيديكم جميعاً، الضبط، الصبر، أي الصبر وقت محدود، والجنة إلى أبد الآبدين، والحياة هكذا.
أحياناً تركب بمركبة على اليمين شمس، على اليسار ظل، المركبة سوف تدور دائرة، دورة كاملة بعد دقيقة، تنعكس الآية إلى مسافة طويلة جداً، فالذي يختار الشمس لدقيقة ويتمتع بالظل لساعات أذكى بكثير من الذي يختار الظل لدقيقة ويحترق بالشمس لساعات، هذا مثل من واقعنا، الذي يختار الظل لدقيقة ويحترق بالشمس لساعات أحمق، أما الذي يختار الشمس لدقيقة ويتمتع بالظل لساعات ذكي جداً وعاقل، فالدنيا محدودة، كلها عدة سنوات، والإنسان يعيش ستين، ثمانية وخمسين، اثنان وستين، ثلاثة وسبعين، أي سنوات، صلى الصلوات الخمس، غض بصره، ضبط لسانه، دخله حلال، بيته إسلامي، أطاع الله، أدى الصلوات، طلب العلم، نشر العلم، يأتي وقت تنتهي حياته، ماذا بقي؟ بقيت له الجنة إلى أبد الآبدين.
النبي صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له كلمة قال: أما الأنصار فقد أدوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، المؤمن أدى الذي عليه، بقي الذي له، أما غير المؤمن تمتع متعاً رخيصة لفترة محدودة وسيتحمل العذاب إلى أبد الآبدين.
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)﴾
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)﴾
الآخرة خير وأبقى للإنسان من الدنيا:
أنا أعرض عليكم مثلاً لكن الطفل يعرفه: إذا خيّرنا إنساناً بين أن يركب سيارة لربع ساعة، أو يتملك دراجة دائماً، ما الذي يختار؟ طبعاً يختار الدراجة.
لو خيرناه بين سيارتين، متشابهتين تماماً، واحدة ربع ساعة، والثانية دائماً لك، هل يتردد ثانية؟ ولا ثانية.
لو عكسنا المثل، تركب دراجة ربع ساعة وتتملك سيارة ثمنها خمسة وعشرين مليوناً إلى أبد الآبدين، تتردد ثانية؟ هذا هو.
﴿ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)﴾
خير وأبقى لماذا راجحة؟ بأمدها اللانهائي وبنعيمها المقيم، أما هذا الذي يختار الدنيا على الآخرة أحمق، اختار شيئاً أقل وأقصر، والمؤمن اختار الآخرة، يقال للمؤمن: زاهد، لا، ليس زاهداً، الزاهد هو الكافر، زَهِد بعطاء الله، زَهِد في الجنة، أما المؤمن طماع، طموح، آثر الآخرة على الدنيا.
آخر كلمة: من آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً، ومن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً، وأجمل دعاء: اللهم اجعل نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة، أي إذا الإنسان متعه الله بصحته، متعه بسمعة طيبة، متعه بأولاد أبرار، بزوجة صالحة، بعمل حلال، ثم توفاه الله إلى الجنة، هذا الشيء رائع جداً، تكون نعم الدنيا قد اتصلت بنعم الآخرة.
الملف مدقق