- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (016)سورة النحل
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السابع من سورة النحل، وصلنا في الدرس الماضي إلى قول تعالى:
﴿ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ(30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ(31)﴾
من مشاهد أهل الإيمان في القرآن :
في الدرس الماضي كان المشهدُ مشهدَ أهل الكفر، وما ينالهم يوم القيامة من عذاب مُقِيم، وفي هذا المشهد الثاني مشهد أهل الإيمان، هؤلاء الذين اتّقَوا، هؤلاء الذين حصلت لهم الرؤية، الرؤية القلبية لقوله تعالى:
﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ
أهل الإيمان لهم رؤية صحيحة :
ما من واحد منا إلا وله رؤية، هذه الرؤية تحدد موقفه، هذه الرؤية تجعله يستقيم أو ينحرف، يرحم أو يقسو، ينضبط أو يتفلّت، إنها الرؤية، إذا صحّت صحّ العمل، وإن كانت الرؤية ضبابية، أو منحرفة، أو خاطئة انحرف العمل، وإذا انحرف العمل هلك الإنسان.
هذا من فطرة الإنسان التي فطره الله عليها :
وما من إنسان أيها الإخوة إلا ويحب نفسه، هذه فطرة الإنسان.
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ
فُطِرنا على حب أنفسنا، على توخّي السلامة لها، على توخّي الرِّفعة لها، فُطِرنا على طلب السعادة، فطرنا على طلب الخير، على حب الخير.
في أمور الدنيا الناس يحرصون على دنياهم، يستشيرون، يسألون، يدققون، يمحّصون، يوازنون، يقابلون من أجل سلامة المال، من أجل نموِّه، من أجل صحة الجسد، لو أنهم طَّبقوا أساليبهم التي يتبعونها في دنياهم على أخراهم لفازوا بالدنيا والآخرة، فهؤلاء المتقون هم الذين أقبلوا على الله -عز وجل-، وقذف الله في قلبهم النور، فرأوا الخير خيراً والشر شراً، استنارت قلوبهم، كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( وَالصَّلَاةُ نُورٌ ))
هذا الذي تَعرِض عليه مبلغاً حراماً، وهو في أمسّ الحاجة إليه، يقول لك: لا، ورب الكعبة، الله الغني، لا أفعل معصية، ماذا يرى؟ وهذا الذي يبحث عن المال الحرام يأكله من أيّ طريق، وبأيّ أسلوب، ومهما كلّف الثمن، ومهما ضحى بقيمه، أو بمبادئه، أو بقناعاته، ماذا يرى؟ هذا الذي يُقدِم على قتل إنسان ليأخذ ماله، لماذا أقدم على هذه الجريمة، ماذا رأى؟
سيدنا يوسف حينما عرضت امرأة العزيز نفسها عليه، وكانت ذات منصبٍ وجمالٍ، وكانت سيدة مُطاعَة في قصرها، وكان عبداً عندها، وكان شاباً، وكان غريباً، وغير متزوج، وفي بيتها، وتلقّى منها أمراً، وليس من صالحها أن تنشر الخبر، وسيدها ضعيف الشخصية، عشر عوامل تضافرت جمعياً كي يستجيب لها، ومع ذلك:
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ
ماذا رأى؟
كل فعلٍ وتركٍ يُبنَى على رؤية :
تأكدوا أيها الإخوة أن أحداً منكم لا يفعل شيئاً، ولا يدع شيئاً، إلا بناء على رؤية رآها، هذه الرؤية إما أن تكون صحيحة، وهذا هو الهدى، وإما أن تكون باطلة، وهذا هو الضلال، الذي يُعرَض عليه مالٌ حرامٌ فيأبى أن يأخذه، هذا رأى أن الأمر كله بيد الله، وأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأنه إذا أخذ مالاً حراماً يوشك الله أن يتلفه مع ماله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه ))
وأن الله إذا أعطى أدهش، وهو المعطي لا يسأل، وهو الكريم لا يبخل، وهو الحليم لا يعجل، كل هذا الرُّؤى اجتمعت في نفس هذا الإنسان حينما عُرِض عليه مال حرام، فقال: لا، ورب الكعبة، كلمة "لا" وراءها رؤية، لماذا يبالغ الطبيب في غسل يديه قبل الطعام؟ لأنه رأى بعينه من خلال الميكروسكوب الجراثيم، ورأى المرضى، هذا مريض بالعدوى، وهذا مريض بالجرثوم الفلاني، إن رؤية الطبيب لحقائق الأمور تجعله يبالغ في تنظيف يديه.
كيف يفعل الإنسان شيئا يدمِّره :
أيها الإخوة الأكارم، نحن جميعاً وبنو البشر جميعاً، وكل ولد آدم منذ أن خُلقنا على سطح الأرض، وحتى يوم القيامة مفطورون على جِبلَّةٍ واحدة، نحب الخير لأنفسنا، نحب السلامة، نحب الخلود، نحب النماء، هذه الفطرة، كيف يفعل الإنسان شيئاً يدمره؟ يفعل هذا الشيء الذي سيدمره لأنه لا يملك رؤية صحيحة، يرى الدنيا كل شيء، ويرى أن المال كل شيء، ويرى أن الحياة لذيذة، وأن الموت بعيد، وأنه لا شيء بعد الموت، هذه الرؤية تحمل صاحبها على اقتراف الآثام، وأكل الأموال، والطغيان، رأى الحياة الدنيا هي كل شيء، ولا شيء بعد الحياة الدنيا، لذلك هذه الرؤية الخاطئة حملته على اقتراف الآثام، هل تصدقون أن أكبر عدوٍ لكم هو الجهل، أكبر عدوٍ للإنسان أن يجهل حقيقة الأشياء، مَن مِنّا إذا شاع أن هذا الشيء مُلوَّث، ويسبب أمراضاً خبيثة، من منا يأكله؟ لا أحد، بدافعٍ من فطرتنا، من منا يأكل طعاماً مُلوَّثاً بالإشعاع الذري؟ لا يأكله مهما كان جائعاً، بدافع من الفطرة، مَن مِنّا على مشارف مرض خطير يخالف نصيحة الطبيب؟ لا أحد، هذه الرؤية الصحيحة.
يا أيها الإخوة الأكارم، موقفك من الله -عز وجل-، موقفك من الربا، موقفك من العمل، موقفك من كسب المال، موقفك من زوجتك، موقفك من أمك، موقفك من جارك، موقفك من صفقة مشبوهة، هذا تحدده رؤيتك، إما أن تكون هذه الرؤية صحيحة، وإما أن تكون هذه الرؤية منحرفة، نور الله -عز وجل- إذا أُلقِي في قلبك من خلال الصلاة جعل لك هذه الرؤية الصحيحة.
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا
فلذلك هذه هي التقوى، التقوى أن تنظر بنور الله، التقوى أن تملك رؤية صحيحة، التقوى ما تعنيه الآية الكريمة:
﴿
ما هي التقوى ؟
التقوى أن يجعل الله لك نوراً تمشي به في الناس، التقوى أن يكون لك فرقان، تفرِّق به الحق من الباطل، والخير من الشر، وما يجوز، وما لا يجوز، لذلك لا ينبغي أن نقعد عن طلب مرتبة التقوى، فإذا بلغنا هذه المرتبة فنحن في أمان الله، وبدافع من فطرتنا لا نفعل إلا ما ينفعنا.
ما من مشكلة، ما من مصيبة على وجه الأرض إلا وراءها معصية، وما من معصية إلا وراءها عمل، وجهل، وانقطاع عن الله -سبحانه وتعالى-.
إنزال القرآن هو إنزال الخير :
(( يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ : أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ ))
تطبيق القرآن هو الخير كله والإعراض عنه هو الشر والضلال :
إلى أن يصبح هذا الكتاب سارياً في علاقاتك اليومية، تتلو قوله تعالى:
﴿
تطبق هذه الآية، فإذا أنت من أسعد الناس في البيت، هذا كلام رب العالمين، كلامٌ يشبه أن يكون قانوناً، ومعنى القانون: العلاقة الثابتة بين شيئين، هناك علاقة ثابتة بين غض البصر وبين السعادة الزوجية، وهناك علاقة ثابتة بين إطلاق البصر وبين الشقاء الزوجي، تطبق هذه الآية تكون أسعد الأزواج، تمضي حياتك كلها مع زوجتك في سعادة وهناءة، ووِفاق، ومودة، ومحبة، وطُهْر، ووفاء، وبر، وحب، فإذا أطلق الإنسان بصره صار بيته جحيماً لا يُطاق، وصارت حياته نكدًا، وصارت معيشته نكداً أيضاً، وكانت الآية الكريمة منطبقة عليه.
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124)﴾
هناك رجل له هواية واحدة، في أيام الصيف بالذات أن يقطع بعض الطرقات المزدحمة بالنساء مرتين، أو ثلاث مرات جِيْئَةً وذهاباً، يُمتِّع عينيه بالنظر إلى النساء، وهن يخطرن في الطرقات كاسيات عاريات، مائلات مميلات، وله أولاد شبّان، وله بنات متزوجات، وكان له جار ينصحه كثيراً؛ أن يا جار، لا يليق هذا بالمسلم، لا يليق هذا بمَن زوّج بناته، واستقبل أصهاره، وعنده أولاد هو قدوة لهم، هذه العادة المستحكِمة لا يدعها، إلى أن أُصيب بمرض عُضَال اسمه ارتخاء الجفون، لا يستطيع أن يرى إنساناً إلا بعد أن يمسك جَفنه، ويفتحه بيده، فإذا تركه عاد من تلقاء نفسه مُغمَضاً، فلو أنه طبق هذه الآية:
﴿
لو الإنسان تلا هذه الآية، وتدبّرها، وعرف أبعادها، وطبّقها لحفظ الله له ماله، وعاش في بحبوحةٍ، وفي أمن، ولكن الله -سبحانه وتعالى- يُتلِف للذين يكسبون مالاً حرامًا أموالهم، بأسباب تافهة، قد ينسى مصباحاً متألّقاً في الليل فيحترق محله التجاري كله، لسبب تافهٍ جداً، قد ينسى دخينة على الطاولة، تسبب إتلاف ماله، قال عليه الصلاة والسلام:
(( ما تلف مال، في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة ))
لو طبق قوله تعالى:
﴿
سيدنا أبو الدرداء رضي الله عنه قيل له: إن دكانك قد احترقت، فذكر جوابًا فيه فتور، قال: ما كان الله ليفعل، قيل: يا أبا الدرداء، إن دكانك قد احترقت بذاتها وعينها، قال: ما كان الله أن يفعل، فلما ذهبوا إلى دكانه وجدوها لم تحترق، التبس عليهم الأمر، احترقت الدكان التي إلى جانبه، فلما عادوا إليه، وقالوا: لمْ تحترق دكانك، قال: أعلم ذلك.
لماذا المؤمن سعيد ؟
ما من مؤمن صادق تسأله عن أحواله إلا ويُسمِعك كلمات يطمئنك عن أحواله، في غاية السرور، وغاية السعادة، وغاية الطمأنينة، وغاية الرضا عن الله -عز وجل-، لأنه انشغل بمعرفة الله:
(( ومن شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطي السائلين ))
هذه رابعة العدوية حينما كانت تناجي ربها وتقول:
فليتك تحلو و الحياة مريــــرة وليتك ترضى والأنام غضـاب
وليت الـــذي بين و بينك عامر وبيني وبين العالـمين خـراب
إذا صح منك الوصل فالكل هيـن وكل الذي فوق التراب تـراب
بماذا كانت تشعر؟
هذا الصحابي الجليل، وأظن اسمه ربيعة، النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد غزوة أُحد سأل أصحابه، وكان حريصاً عليهم، رحيماً بهم، قال: ما فعل ربيعة؟ لم يجب أحد، فندب أحدهم ليذهب إلى أرض المعركة ليتفّقده، أفي الأحياء هو أما في الأموات؟ فلما وصل هناك بحث عنه فإذا هو على وشك الموت، في النزع الأخير، يلفظ أنفاسه الأخيرة، فقال هذا الصحابي الذي ندبه رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا ربيعة، لقد أرسلني رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأتفقدك أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ فما كان من هذا الصحابي وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويودّع الدنيا، وكان شاباً في مقتبل العمر، تصوروا ماذا يقول إنسانٌ على وشك الموت وهو في مقتبل العمر، سألت طبيباً قلت له: بربك، صف لي ميتاً جاءه الموت تحت سمعك وبصرك، قال: يصفر وجهه، ويندب حظه، ويبكي، ويصرخ بويله، وما شأن هذا الصحابي حينما قيل له: إن رسول الله -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرني أن أتفقدك، أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال: قل له: إني في الأموات، وقل له: جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، ما نسي في هذه اللحظة، وربما كانت هذه اللحظة أسعد لحظات حياته، ما نسي فضل النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال له: أقرِئ رسول الله مني السلام، وقل له: جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، وقل لأصحابه: لا عذر لكم عند الله، إذا خُلِص إلى نبيكم، وفيكم عينٌ تطرِف، يعني إذا بقي فيكم واحد تطرف عينه، وقد خُلِص إلى نبيكم، لا عذر لكم عند الله.
هذه حالة موت، هذه حالة من يفارق الدنيا! هذا هو الإسلام، الإسلام يبثّ في قلب المرء سعادة لا توصف.
أيها المؤمن لا تحزن ولا تضعف :
والله الذي لا إله إلا هو مهما ضاقت الدنيا على المؤمن، قد يجوع المؤمن، وقد يلبس ثياب خشنة، وقد يسكن بيت صغيراً، لا يرى النور، وقد يكون دخله أقل بكثير من مصروفه، وقد يعيش أزمات الناس، ولكنه لا يحس بها، لأن هدفه الكبير قد تحقق، خَلَقه الله في الأرض ليعرفه، وليطيعه، وليتقرب إليه، وها قد فعل، حقق الهدف من خَلق السماوات والأرض، الدنيا دار من لا دار له، ولها يسعى من لا عقل له.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ))
قال سيدنا علي رضي الله عنه:
من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً، من خدم دين الله خدمته الدنيا، ومن خدم الدنيا استخدمته.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ. ))
و:
التفت إلى الله.
هذا الحديث الشريف ترك في حياة سيدنا أبي حنيفة النعمان -رَضِي اللَّه عَنْه- انعطافاً خطيراً، يروي التاريخ أن هذا الإمام العظيم كان يحج بيت الله الحرام، وقد سمع هذا الحديث من أحد علماء البيت الحرام فسبَّب هذا الحديث عنده انعطافاً في حياته فطلب العلم.
اطلب العلم، ابذل وقتك الثمين، والله الذي لا إله إلا هو لتأتينك الدنيا وهي راغمة، ولييسِّرنَّ لك الله أمورك، وليباركن لك في وقتك، وليتأتينك رزقٌ كثير بجهد يسير، ذلك حقٌ على الله -عز وجل-، ادفع زكاة وقتك، اجلس ساعة على قدميك، استمع إلى كتاب الله، إلى تفسير كتاب الله، وسيُعفيك الله من وقفات طويلة بلا طائل، في أماكن أخرى، اجلس على ركبتيك، وتعلّم كتاب الله، وسيحفظك الله من جلسات طويلة تحت الكلية الصناعية.
قال لي رجل: أتمنى الموت، قلت لماذا؟ قال: حياتي شقاء لا يوصف، قلت ما السبب؟ قال: عندي كل أسبوع جلستان مطوَّلتان لتصفية الدم، إلى أن يأتي دوري أنتظر بضع ساعات، وأجلس تحت التصفية ثماني ساعات في كل مرة، وأدفع نفقات باهظة.
فأنت اجلس على ركبتيك، واستمع إلى تفسير القرآن، ليحفظك الله -عز وجل-، فمن تعلّم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت.
لماذا الحزن؟ الأمر كله بيد الله، والله أسماؤه حسنى، الأمر كله بيد الله، وهو رحيم، وسميع، وبصير، وعليم، وحكيم، وخبير، ورؤوف، هذه أسماؤه، والأمر كله بيده، من أين يأتيك الحزن؟ لا يحزن قارئ القرآن.
﴿
﴿
خالق الكون، خالق الأكوان يقول لك:
﴿
أليست هذه الآيات تشجعك أن تكون مع الله، أن تتوب إليه، إذا رجع العبد العاصي سطع نورٍ بين السماء والأرض، ونادى منادٍ من قِبَل الحق جل وعلا: أن أيتها الخلائق هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله، والله الذي لا إله إلا هو لا تُحَل مشكلة الواحد منا إلا إذا اصطلح مع الله، والصلح يتم في لمح البصر، تقول: يا رب، يقول لك: لبيك يا عبدي، إذا قال العبد: يا رب، وهو راكع قال الله: لبيك يا عبدي، فإذا قال العبد: يا رب وهو ساجد، قال: لبيك يا عبدي، فإذا قال العبد: يا رب وهو عاص قال الله -عز وجل-: لبيك، لبيك، لبيك يا عبدي.
إلى متى أنت باللذات مشـغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
فيا خجلي منه إذا ما قال لــي أيا عبدنا أما قرأت كتابنـــاُ
أما تستحي منا و يكفيك ما جرى أما تختشي من عتبنا يوم جمعنا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً إلينا و تنظر ما به جاء وعدنـا
فرح الله بتوبة العبد :
أيها الإخوة الأكارم، الذي لا يتوب إلى الله -عز وجل- في الدنيا أحمق، باب التوبة مفتوح،
(( للَّهُ أفرَحُ بتَوبةِ عبدِهِ منَ العَقيمِ الوالدِ ، ومنَ الضَّالِّ الواجِدِ ومنَ الظَّمآنِ الواردِ. ))
هذا الأعرابي الذي ضل الطريق فجلس لينام في ظل شجرة، وعلى ناقته طعامه وشرابه وحاجاته، استيقظ فلم يجد الناقة، فجعل يبكي موقناً بالهلاك، فلما أخذته سِنَةٌ من النوم واستيقظ راى الناقة فقال: يارب أنا ربك وأنت عبدي من شدة الفرح، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ))
أيا غافلاً تبدي الإســاءة والـجهلا متى تشكر المولى على كل ما أولى
عليك أياديه الكرام و أنت لا تـراها كأن العين عـميـاء أو حـــولا
لأنت كمسكون حوى المسك جيـبه ولكنه المحروم ما شـمه أصــلا
***
كيف قال أبو يزيد البسطامي: "لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليه بالسيوف" ؟ بماذا كان يشعر؟ هؤلاء المؤمنون، هؤلاء الأتقياء، هؤلاء الأولياء، بماذا يشعرون؟ وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ لو قُسِّمت السعادة التي في قلوبهم على أهل الأرض لسعدوا، تُقبِل عليه وتشقى؟
﴿ لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى(15)﴾
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) ﴾
من ذاق حلاوة القرب آثر الله على كل شيء، من عرف الله زهد فيما سواه.
فلو شاهدتك عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عـــــنا لغيرنا
***
هذا يلحق المال، فلان متجه نحو الشهوات المُنحَطّة، هذا يمضي وقته في لعب النرد، هذا يمضي وقته في الحديث عن الدنيا، هذا يقيم حفلات مختلطة يمتع عينيه بالنساء، هذا يفعل المنكرات.
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا بغيرنا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت ثياب العجب عنك وجئتنا
ولو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلا بحبنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمة لمت غراما واشتياقا لقربنا
ولو لاح من أنوارنا لك لائح تركت جميع الكائنات وجئتنا
فما حبنا سهل وكل من ادعى سهولته قلنا له قد جهلتنا
فأيسر ما في الحب للصب قتله وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا
هذا القلب بيت الرب، لا تُدنِّسه بسواه، املأه محبة لله، املأه صفاءً، املأه خشيةً، املأه مودةً للذي خلقك من قبل، ولم تكن شيئاً.
كلمة (خيراً) وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ نفسي لا تسخو أن أغادرها، القرآن بكامله ملخص في كلمة واحدة:
داؤك المعصية ، ودواؤك الطاعة :
داؤك منك، ودواؤك فيك، داؤك المعصية، ودواؤك الطاعة، لا تقل: ظروف، ضِيقة، حياة صعبة، قدر ساخر، قلب ليّ الدهر ظهر المِجَنّ، حظي تعيس، كل ذلك كلام فارغ، ليس له معنى هذا الكلام: حظي تعيس ما هو الحظ ؟ قلب ليّ الدهر ظهرَ المِجَنّ، من هو الدهر؟ الدهر إله آخر؟ لا إله إلا الله، معناها أنت جعلت الدهر إلهاً آخر، ظروفي صعبة، ما الظروف الصعبة؟ جعلها الله صعبة كي تعود إليه، هو الذي جعلها صعبة.
فلذلك حينما يقول الإنسان: ظروف، ضيقة، وصعوبات، وحياة خشنة، وأبواب مسدودة، وآمال معدومة، وهناك ضِيقٌ نفْسِي، والدهر غدار، والأيام تقلب لك ظهر المِجَنّ، والحظ تعيس، هذه كلها كلمات أهل الشرك، لا معنى لها، لا يوجد إلا آية وحدة.
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10)﴾
إن كنت مع الله -عز وجل- مستقيماً على أمره فأمورك من تيسير إلى تيسير، من توفيق إلى توفيق، من درجة إلى أعلى، تأكد أيها الأخ الكريم أن لكل منا خطًّا بيانيًّا، إما أن يكون صاعداً، وإما أن يكون هابطاً، إما أن يصعد صعوداً حاداً ليهبط هبوطاً مفاجئاً، وإما أن يصعد صعوداً مستمراً، تأكد أن خط بيان المؤمن في صعود مستمر إلى الأبد، وما الموت إلا نقطة على هذا الخط، هذا الأمر.
المحسن له في الدنيا حسنة :
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(201)﴾
يا أبتِ أعرفُ حسنة الآخرة، فما حسنة الدنيا؟ قال: يا بنيتي الزوجة الصالحة، قال بعض المفسرين: الزوجة الصالحة هي الحسنة في الدنيا:
وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ
إنه انتقال من لا شيء إلى كل شيء :
ينتقل الوليد من الرحم إلى سَعَة الدنيا، هذا الانتقال يشبه انتقال المؤمن من ضِيق الدنيا إلى سَعة الآخرة، أساس الرحم كالبيضة تماماً، 7.5 سنتيمتراً مكعباً، تصبح 750 سنتيمترًا بعد الحمل، تسعة أشهر، وهذا الصغير، كل الحجم الذي يسعه 700 سنتمتراً مكعباً، وحينما ينتقل هذا الطفل إلى الدنيا، يكبر ويسافر، ويركب طائرات، وينتقل من قارة إلى قارة، اجعل نسبة بين الرحم وبين الدنيا، بين من ركب طائرة سافر إلى أمريكا، أو إلى الصين، أو إلى القطبين، أو ركب مركبة فضائية فحلّق في الفضاء الخارجي، كان في الرحم، كذلك المؤمن يخرج من ضيق الدنيا إلى سَعة الآخرة.
النبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( واللهِ ما الدنيا في الآخرةِ إلا مثلُ ما يجعلُ أحدُكم إصبعَه في اليمِّ ، فلينظر بم يرجعُ ))
إبرة اغمسها في مياه البحر وانظر بمَ ترجع من مياه البحر؟
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ
أنت الآن في الدنيا هل لك ما تشاء؟ هل أي شيء تشاؤه تجده أمامك؟ ما أكثر الأشياء التي تشاؤها ولا تجدها، ولكن أهل الجنة أي شيء يشاؤونه إذا هو أمامهم، على الخاطر:
﴿
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
ساعة الموت أحلى لحظات المؤمن :
ما مِن ساعة أجمل في حياة الإنسان مِن ساعة الموت إذا كان الميت مؤمناً، وطيباً، وطاهراً.
﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ(46)﴾
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :
(( لَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَرْبِ الْمَوْتِ مَا وَجَدَ قَالَتْ فَاطِمَةُ : وَا كَرْبَ أَبَتَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ الْيَوْمِ، إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ مِنْ أَبِيكِ مَا لَيْسَ بِتَارِكٍ مِنْهُ أَحَدًا، الْمُوَافَاةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))
﴿ قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ(26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ(27)﴾
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ:
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. ))
أنت ضيف الرحمن، ضيف الله، الإله العظيم الذي أطعته طوال عمرك هو الآن ينتظرك، من اشتاق إلى لقاء الله اشتاق الله إلى لقائه
ليس من يقطع الطرق بطلاً إنما من يتقي الله البطل
إذا أعددت لهذا اليوم عُدّته فأنت بطل.
عن عبد الله بن المسور أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
(( عن عبد الله بن المسور : أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله، علمني من غرائب العلم قال: " ما فعلت في رأس العلم فتطلب الغرائب؟ " قال: وما رأس العلم؟ قال: "هل عرفت الرب؟ " قال: نعم، قال: " فما صنعت في حقه؟ " قال: ما شاء الله. قال: " عرفت الموت؟ " قال: نعم، قال: " ما أعددت له؟ " قال: ما شاء الله. قال: " انطلق فاحكم هاهنا ثم تعال أعلمك من غرائب العلم " . ))
ماذا أعددت لهذه الساعة ؟
هذا سؤال خطير، لو أن أحداً سألكم: هل تعرف الله ؟ تقول له: نعم، وما الموقف الذي وقفته من أجل هذه المعرفة؟ ماذا تركت من أجله؟ ماذا فعلت من أجله؟ مَن عاديت من أجله؟ مَن واليت من أجله؟ ما الشيء الذي تركته من أجله؟ ما الشيء الذي فعلته مِن أجله؟ مَن الصديق الذي صادقته مِن أجله؟ ما المجلس الذي حضرته من أجله؟ ماذا فعلت مِن أجله؟ ماذا صنعت في حقه؟ قال: ما شاء الله، قال: هل عرفت الموت؟ قال: نعم، قال: فماذا أعددت له؟ هذا سؤال ثانٍ، لو أن أحداً سألكم: هل أنتم موقنون أننا سوف نموت؟ تقول: نعم، وماذا فعلت من أجل هذه الساعة؟ ماذا أعددت لهذه الساعة؟ هل تفكر أن إنساناً يُزمِع السفر ولا يعد حقيبة! ولا يعد مبلغاً من المال! ولا يعد معلومات! أين سأذهب؟ أين سأنام؟ من يستقبلني؟ تأخذ أرقام هواتف، تتصل بالمطار، بأصدقائك، بأقربائك، من يذهب بلا خطة؟ بلا زاد؟ ماذا أعددت للموت؟ هل أعددت استقامة؟ هل أعددت مالاً حلالاً؟ هل أعددت نفساً طيبة؟ هل أعددت عبادة خالصة؟ هل أعددت علماً نافعاً؟ هل تركت ولداً صالحاً؟ هل عملت عملاً خيِّراً؟ هل تركت أثراً طيباً في الأرض؟ ماذا فعلت؟ لو أن أحداً أراد أن يؤبّن أحداً ميتاً، ماذا يقول؟ لو أن هذا الميت أمضى حياته في الدنيا وشهواتها، ماذا يقال في هذه الساعة؟ ماذا فعلت؟ لم يفعل شيئاً، فلذلك:
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(33)﴾
هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ
هذا ما ينتظره المعرضون عن الله : الموت أو الساعة :
الآية الثانية للذين أعرضوا عن الله، للذين أحبوا الدنيا، للذين كرهوا لقاء الله، للذين انصبّوا عليها، تهافتوا على مالها، على نسائها، على بيوتها، على مزارعها، على مركباتها، على مناصبها، على حُطامها، على مباهجها، هؤلاء الذي انغمسوا فيها إلى قِمّة رأسهم، ماذا ينتظرهم في الدنيا، استمعوا:
هذه الآية وضحها النبي عليه الصلاة والسلام، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوِ الدَّجَّالَ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ، فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
ماذا ينتظر أحدنا من الدنيا؟ هل ينتظر المُعرِض -المؤمن ينتظر كل خير- المُعرِض هل ينتظر من الله إلا هذه الأشياء السبعة .
﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ﴾
1500 سنة، ضرب 365، ضرب 2، والخير سيزداد ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾ هذه هي المصيبة الكبرى، حينما يخسر الإنسان نفسه.
هذه سنة المعرضين منذ الأزل :
﴿ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون(34)﴾
الله لا يظلم أحدا ، ولكن كل نفس مرهونة بعملها :
هذا الذي كانوا يستهزؤون به؛ أي كفرهم حاق بهم، أي قيّدهم، قال تعالى :
﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ(39)﴾
هؤلاء مقيّدون، كفرهم قيّدهم .
فيا أيها الإخوة الأكارم، هذا كتاب الله بين أيديكم، وهذه السورة، سورة النحل تحت سمعكم وبصركم، وهذه المعاني واضحة لكم، ما بقي علينا إلا التوبة، والاستقامة، والعمل الصالح، ومعرفة الله -عز وجل-، وخدمة الخلق، لعل الله -سبحانه وتعالى- يرحمنا في الدنيا والآخرة.
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ(61) ﴾
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، كل يوم اعمل حساباً، ماذا فعلت من عمل صالح؟ هذا اليوم كيف مضى؟
(( لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قرباً، لا بورك لي في طلوع يوم لم أزدد من الله علماً))
عندك شيئان، العلم والقرب، العلم علم، والقرب عمل صالح، لا بد من العلم، ولا بد من العمل الصالح، والعمل الصالح يرفعك.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.