وضع داكن
18-04-2024
Logo
الدرس : 05 - سورة النحل - تفسير الآيات 16 – 23 ، عن الموازنة الدقيقة لمعرفة الحق
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الخامس من سورة النحل، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:

﴿  وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ(16)  ﴾

[ سورة النحل  ]


وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ


حرص الله على هداية العباد لمنافع الدنيا والآخرة :

 ﴿وَعَلَامَاتٍ﴾ هذه وحدها دليل على رحمة الله -سبحانه وتعالى- جل شأنه، فقد جعل لكل شيءٍ علامة، فإن كان حريصاً على أن نهتدي بالعلامات إلى الأشياء التي نحن بحاجة إليها، فحرصه على أن نهتدي إليه أشد. حينما قال الله -سبحانه وتعالى-:

﴿  وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ(9)  ﴾

[  سورة النحل ]

 هو أخذ على نفسه أن يكون في الأرض طريق سالك إليه، موصل، مستقيم، هنا: 

﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ لكل شيءٍ جعل له علامة كي تهتدي إليه، فإن كان حريصاً على أن يهديك إلى الأشياء؛ فحرصه على أن يهديك إلى ذاته من باب أولى، حريص على أن تهتدي إليه، وحريص على أن تهتدي لحاجاتك، ينبوع الماء له علامة، أماكن الفلزات لها علامة، لو درست وسألت، وتحققت وجدت أن لكل ظاهرة في الكون علامة، الأمراض لها علامة، الحالات الصحية لها علامة، المعادن لها علامة، الفواكه لها علامة؛ نضجها له علامة، طعمها الحلو من طعمها المر له علامة، ﴿وَعَلَامَاتٍ﴾ وهذه الآية جامعة مانعة: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ .

 إذاً: هو حريص على أن يهدينا إلى الأشياء، كما هو حريص على أن يهدينا إلى ذاته.

﴿  أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ(17)﴾

[ سورة النحل ]


أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ


ليس هناك مجال للموازنة بين الخالق والمخلوق :

 هناك معنى دقيق أتمنى أن يكون واضحاً لديكم، الإنسانُ اليومَ يوازن بين فرعين في الجامعة، أيهما أولى؟ أن أكون طبيباً أم مهندساً، أم مختصاً بالتاريخ، كلها فروع علمية، ربنا -عز وجل- يقول:

﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ ليس هناك مجال للموازنة، أن تكون عالماً أو أن تكون جاهلاً، ليست الموازنة بين فرعين بالجامعة، بين العلم والجهل، بين السعادة والشقاء، بين التوحيد والشرك، بين التوفيق والتعسير، بين السعادة الأبدية، وبين الشقاء الأبدي. 

﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ إن كنت مع الذي يخلق فأنت في حمايته، وأنت في رعايته، وأنت في توفيقه، وأنت تسعد بقربه، في الدنيا والآخرة، وإذا كنت مع من لا يخلق ماذا ينفعك؟ ماذا يضرك؟ ماذا يفيدك؟ هل يدفع عنك ضيماً؟ لا والله، هل يجلب لك نفعاً؟ لا يستطيع.

التشبيه المعكوس في الآية :

 ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ في الحقيقة العلماء قالوا: هذه الآية فيها تشبيه معكوس مقلوب أساسها: أفمن لا يخلق كمن يخلق، هؤلاء الشركاء الذين تزعمونهم من دون الله، هؤلاء يوازَنون مع خالق الكون؟ أحياناً يخيرك أحد بين نوعين من الطعام، تختار الأطيب، لكن بين أن تأكل طعاماً نفيساً، وبين أن يأكل الإنسان سماً ناقعاً!! بهذا الطعام يزداد صحة وقوة، وبهذا السُّم يهلك نفسه.

﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ كيف يقبل الإنسان أن يكون مع مخلوق؟ أن يهب حياته لمخلوق؟ أن يهب ذكاءه وإمكاناته لمخلوق؟ هذا المخلوق الذي يتوجه إليه هو نفسه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، أيعقل أن يكون المخلوق مكان الخالق؟ أيعقل أن يُطاع المخلوق ويُعصى الخالق؟! أيعقل أن نتجه إلى المخلوق ونعرض عن الخالق؟! 

﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ الفرق كبير جداً بين البياض وبين السواد، الفرق حاد جداً، وليس الفرق بالدرجة، ليس الفرق بين لونيين أحمرين، إنما بين الأبيض الناصع والأسود القاتم، بين التوفيق وبين التعسير، بين الأمل وبين الإحباط، بين السعادة وبين الشقاء، بين العلم وبين الجهل، بين أن تشعر بصحة نفسية، وبين أن تُشحَن النفس بمئات الأمراض النفسية. 


مَن كان مع الله كان في الركن القوي :


﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ إن كنت مع من يخلق فأنت قد التجأت إلى ركن ركين، وإن كنت مع من لا يخلق فقد عُذتَ بضعيف، بفانٍ، ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده أهل السماوات والأرض، إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق لم يكن شيئاً مذكوراً، ضعيفٍ، يجوع، يعطش، يصيبه البرد، يغضب، هذا يُعتَصم به؟! وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته، إلا جعلت الأرض هوياً من تحت قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه.

 أنتم الآن مدعوون إلى الخالق، وهناك من يدعوكم إلى مخلوق، إذا دُعيت إلى إرضاء زوجتك ومعصية ربك فأنت آثرت المخلوق على الخالق.

 إذا دُعيت إلى طاعة شريكك من أجل كسب المال الحرام فأنت قد آثرت مخلوقاً على خالق.

 هذه الآية يجب أن تقفوا عندها: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ ﴾ .


هذا هو الخالق فكيف تعصيه ؟


 أيوازَى؟ أتزهد بالذي يخلق؟ أتُهمل أمره؟ أتُعرض عنه؟ أتستخف بدينه؟ ماذا قال الغزالي رحمه الله؟ قال كلمة مخاطباً بها نفسه: " يا نفس، لو أن طبيباً منعك من أكلة لذيذة، ووعدك إن أكلتها بالمرض الشديد -وما من واحد منا يذهب إلى طبيب، ويقول له: هذا الطعام دعه، من أجل قلبك، من أجل شرايينك، من أجل الضغط يقول الطبيب: دع الملح كلياً، والطعام بلا ملح لا يؤكل، لا طعم له، لكن من أجل الحفاظ على صحتك، وعلى شرايينك، وعلى قلبك، وعلى ضغطك، تدع الملح كلياً! طبيب يقول لك: دع الملح وإلا فالوضع خطير، خالق الكون يقول لك: غضّ بصرك وإلا فالحساب عسير، أتصدق طبيباً وتكذب خالقاً؟!- هكذا أقنع الغزالي نفسه حين قال: " يا نفس، أيكون الطبيب عندك أصدق من الله -عز وجل-؟ إن كان كذلك فما أكفرك!! أم أن المرض أخوف عندك من نار جهنم؟ إن كان كذلك فما أجهلك!! بالمنطق، أيكون الطبيب أصدق من الله -عز وجل-؟ أيكون إنسان يمنع شيئاً فيُنفَّذ أمره بحذافيره، أيكون هذا الإنسان الذي منع شيئاً أصدق عندك من رب العالمين؟ من رافع السماوات بغير عمد؟! إن كنت كذلك، إن كانت النفس كذلك فما أكفرها!! أو أن يكون المرض أخوف عندك من جهنم؟ وإن كان الأمر كذلك، هذه النفس التي تؤثر صحتها على حياتها الأبدية فما أجهلها!!

﴿  أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ(17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(18)﴾

[ سورة النحل  ]


وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ


هل الإنسان يحب ربه أولاً ، أم أن الله يحب العبد أولاً ؟

 هنا نقطة دقيقة؛ يا ترى أيهما يبدأ بالمحبة؟ الإنسان يحب ربه أولاً؟ أم أن الله -سبحانه وتعالى- يحب العبد أولاً؟ بعضهم استنبط من قوله تعالى:

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(54)﴾

[  سورة المائدة ]

 أن محبة الله سبقت محبة العبد لربه.

 بعضهم يقول: الله -سبحانه وتعالى- خلق الإنسان، أعطاه الحواس الخمس، أعطاه الأجهزة الكاملة، أعطاه أماً وأباً يحنوان عليه، أعطاه الهواء، أعطاه الماء، أعطاه الغذاء، أعطاه الطعام، أعطاه الفكر، أعطاه الذاكرة، أعطاه التخيل، هذه النِّعم التي لا تعد ولا تحصى، بل إن النعمة الواحدة لا تحصى، وإذا كنت عاجزاً عن إحصائها، فأنت عن شكرها أعجز!! ألا يقتضي أن تحب خالق هذه النعم؟ فهناك ألف سببٍ وسبب، مليون سبب وسبب يدعوك لمحبة الله -سبحانه وتعالى-، ولكن الله متى يحبك؟ إذا رأى منك عفةً، إذا رأى منك استقامةً، إذا رأى منك انضباطاً، إذا رأى منك طاعةً، إذا رأى منك تقرُّباً، إذا رأى منك عملاً طيباً؛ فالمحبة مَيلٌ مبني على المجانسة. 


محبة الله للعبد شيء عظيم :


 قد يكون عند الأب أولاد عديدون، يعطف عليهم جميعاً، يطعمهم جميعاً، يكسوهم جميعاً؛ ولكن أحدهم لأخلاقه العالية، ولبرّه، وطاعته، وأدبه، يميل قلب الأب له، فمحبة الله شيءٌ ثمين جداً، لا يناله العبد إلا إذا دفع الثمن، ثمن محبة الله أن تكون كاملاً، وهذا الكمال لا يكون إلا باتصالك بصاحب الكمال، ولن تتصل بصاحب الكمال إلا إذا كنت مستقيماً على أمره، ولن تستقيم على أمره إلا إذا عرفته، تعرفه، تستقيم على أمره، تقبل عليه، تشتق من كمالاته؛ عندئذ يحبك. النبي عليه الصلاة والسلام رأى سيدنا معاذاً رضي الله عنه: 

(( أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي لأحِبُّكَ يَا مُعَاذُ، فَقُلْتُ: وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلا تَدَعْ أَنْ تَقُولَ فِي كُلِّ صَلاةٍ : رَبِّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ  ))

[  أخرجه النسائي  ]

 هل تعرفون معنى هذه الكلمة؟ والله الذي لا إله إلا هو لو حاز سيدنا معاذ على أعلى شهادات في العالم، لو أن الدنيا كلها بملكه، لا يرقى إلى هذه المرتبة (إِنِّي لأحِبُّكَ يَا مُعَاذُ) فإذا شعر أحدنا أن الله يحبه فهذه أعلى مرتبة يبلغها إنسان على وجه الأرض، خالق الكون يحبك، لماذا يحبك؟ لأنه رأى فيك كمالاً، من أين جئت بهذا الكمال؟ لأنك أقبلت عليه، كيف أقبلت عليه؟ لأنك استقمت على أمره، كيف استقمت على أمره؟ لأنك تفكرت في مخلوقاته فعرفته، عرفته، فخشيته، فاستقمت على أمره، فأقبلت عليه، فتجلّى على قلبك بالكمالات؛ عندئذ يحبك.

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ:

((  مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ  ))

[ أخرجه البخاري  ]


دين بلا محبة دين ميت :


 أيها الإخوة الأكارم، دين من دون محبة جسدٌ ميت، ثقافة، طقوس، عبادات، كهنوت، ولكن المؤمن يخفق قلبه بمحبة الله -سبحانه وتعالى-، كل إنسان لا بد له من أن يحب، هذا يحب الدرهم والدينار هو عبد له، وهذا يحب النساء إن كان منحرفاً، أو زوجته إن كان مستقيماً، فهو عبد لها، وهذا يحب العلو في الأرض، وهذا يحب المظهر الحسن، وهذا يحب الأثاث الفاخر، وهذا يحب التحف، وهذا يحب الرحلات، وهذا يحب الطوابع مثلاً، وهذا هوايته الرياضة، وهذا يلعب التنس، والمؤمن يحب الله -سبحانه وتعالى- ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ .

فمـا مـقصودهم جنـات عــدن  ولا الحور الحسان ولا الخياما

ســوى نظر الحبيب فذا مناهـم  وهذا مــطلب القوم الكـراما

***

 الإنسان يحاسب نفسه، هل نزلت من عينيك دمعة في يوم ما؟ شوقاً لله -عز وجل-، هل بكت عينك من خشية الله؟ هل اقشعرّ جلدك من تعظيم الله؟ هل تُليت عليك آية فازددت إيماناً؟ هل وضعت رأسك على الوسادة فتفكرت في ملكوت السماوات والأرض؟ هل استيقظت صباحاً والآخرة أكبر همك؟ هل أنت قلق في الحياة الدنيا، تخاف ألا تكون مَرضياً عند الله -عز وجل-؟ أين أنت؟ 

﴿  مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(154)  ﴾

[  سورة الصافات  ]

﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ(26) ﴾

[ سورة التكوير ]

ما الذي يشغلكم عن الله سبحانه وتعالى؟

إلى متى أنت باللذات مشــغول  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول

[ البوصيري ]

تعـصي الإله وأنت تظهر حبـه  ذاك لعـمري في المـقال بديع

لو كان حبـك صادقاً لأطـعـته  إن المحب لمن يحب يطيــع

[ الإمام الشافعي ]


لن تحصي نعمة واحدة عدًّا لفوائدها وشكرا للمنعم بها :


 ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ ذكرت في الدرس الماضي إعجاز هذه الآية، أن النعمة الواحدة لو أمضيت حياتك كلها في تعداد فوائدها، لانقضت حياتك، ولم تنقض فوائدها، فإذا كنت عاجزاً عن إحصاء النعم فأنت عن شكرها أعجز.

﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ غفور على ماذا؟ على عجزكم عن إحصائها، وعلى عجزكم عن شكرها. 


وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ


 هذه الآية:

﴿  وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ(19)﴾

[ سورة النحل  ]

 واضحة كالشمس، لكن هناك معانٍ خلف السطور، هناك استنباطات دقيقة:


الله يعلم ما تخفيه وتنويه فإياك وظلم الناس وخداعهم :


 الله -سبحانه وتعالى- يعلم الذي تعلنه للناس، ويعلم الذي تخفيه في نفسك، وإذا كان الله يعلم فمن باب أولى أنه يحاسب، الذي يعلم يحاسب، الإله إذا علم شيئاً حاسب عليه، فأنت مُحاسَبٌ على ما تُسِرُّ، وعلى ما تعلن، فإذا أعلنت لهذا الصانع أنك سوف تدخله في شركة هذا المحل، فذهب هذا الصانع امتلأ قلبه فرحاً، وحضوراً، واطمأن إلى مستقبله، أنت أعلنت ذلك، هل تعلم أن هذا الإعلان صار دَيناً عليك؟ الله يعلم أنك أعلنت ذلك، فكيف لا تفي بعهدك؟

أنت أعلنت حينما كنت في العمرة أنك لن تعصي الله -عز وجل-، إذاً سوف يحاسبك على إعلانك؛ هل كنت عند هذا العهد؟ أم خنت هذا العهد؟

﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ﴾ الشيء الذي تخفيه. شاركت هذا الإنسان، وفي نيتك أن تتعلم منه هذه الصنعة، فإذا أتقنتها وضعته خارج المحل، لذلك احتطت مسبقاً بأن تسجل آجار المحل باسمك وحدك، وقلت له وقتها: القضية شكلية جداً، لا قيمة لها، وأنت تضمر في نفسك أن تستقل بالمحل. 

﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ تزوجت هذه المرأة لِما لها من أموال طائلة، لكنها تكبرك سناً، وفي نيتك أنك إذا حصّلت من أموالها شيئاً ثميناً عندئذ تفتعل معها مشكلة، وتفجر الوضع، إلى أن تطلقها، ويبدو الطلاق وقتها مبرراً، وأنك لن تحتمل هذه الحياة، وأنها ذات طباع سيئة. 

﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ هذا الذي يتزوج امرأة وفي نيته أن يطلقها لو أمضى معها ثلاثين عاماً، فهذه الأعوام الثلاثون يمضيها معها زنىً؟ لأن الزواج على التأبيد، لا يصح عقد الزواج إلا على نية التأبيد، قد تطلقها بعد يومين، لكنك حينما قلت، حينما أجبت مأذون المحكمة بأنك قبلت هذا النكاح؛ فيجب أن يكون على نية التأبيد. 

﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ لذلك المؤمن نفسه صافية كالثلج، بيضاء نقية، لماذا بيضاء نقية؟ لأنه يعلم أن الله يراقبه، وأن قلب الإنسان منظر الله -عز وجل-؛ ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((  إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ  ))

[  رواه مسلم ]

﴿  يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾

[  سورة الشعراء ]

 الله -سبحانه وتعالى- ناظر دائماً إلى قلبك، هل فيه احتيال؟ فيه مخادعة؟ فيه غش؟ فيه نيات سيئة؟ هل هناك موقف يُعلَن عنه، وموقف خاص ضمني؟ هل هناك ازدواجية في المواقف؟ أيوجد تملُّق؟ نفاق؟ تدليس؟ مخاتلة؟ على الوجه ابتسامة صفراء، وفي القلب حقد دفين؟ كل هذا يعلمه الله -عز وجل، وسيحاسب عليه، فافعل ما بدا لك، قال تعالى: 

﴿  اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(40)  ﴾

[ سورة فصلت ]

 البر لا يبلى، والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان، لذلك قال بعضهم: " الله سبحانه وتعالى ربّ النيات " .

 زار رجل بستانين على ضفة نهر واحد، والذي زرع البستانين رجل واحد، والخبرات واحدة، والماء واحد، وكل شيء فيه مشترك، بستان يكاد القمح يزيد ارتفاعه عن ارتفاع الإنسان، والثاني لا يزيد طول سوق القمح عن أربعين سنتيمتراً، فسأل هذا الرجل الزائر: ما السر في هذين البستانين؟ بعد بحث وتدقيق، وبعد اطلاعٍ واستحلافٍ، وجد أن البستان الأول يملكه رجل له أولاد أخ أيتام، في نيته أن يعطيهم نصف المحصول، فأنبت الله له القمح مضاعفاً -الله رب النوايا- والبستان الثاني لرجل مرابٍ، يقرض الناس، ويبتز أموالهم، فأتلف الله له المحصول، الله رب النوايا، أخطر شيء في الدين هذا القلب.

عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

(( إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فمَن كانت هجرتُه إلى اللهِ و رسولِه ، فهِجرتُه إلى اللهِ و رسولِه، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ))

[  أخرجه البخاري  ]

 هذه الآية فيها تهديد: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ فيلزم عن علمه العقاب، والحساب، والجزاء، والتوفيق، والتعسير، والهلاك. 

﴿  وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ(20)﴾

[ سورة النحل ]


وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ


كلُّ جهة تُعبَد من دون الله تشملها هذه الآية :

 هؤلاء الأصنام إن كانوا أحجاراً، وهؤلاء الأصنام إن كانوا من نوع آخر، كل جهة تعبدها من دون الله هي مما تنطوي تحت هذه الآية، فإذا اتكأ الإنسان على إنسان له مكانته، وظن أن هذا الإنسان يحميه من كل مكروه، وأنه يرفعه إلى الأوج، وأنه يجلب له المنافع، وأنه يبعد عنه المضار، هو ممن ينضوي تحت هذه الآية: ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ .


لا يكون الخالق مخلوقا ولا المخلوق خالقا :


 أيعقل أن يكون الإله مخلوقاً، من أُولى لوازم الإله أن يكون خالقاً، أتعبد مخلوقاً؟ وتدع الخالق؟!

﴿  وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ(20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21)﴾

[  سورة النحل ]


أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ


 لهذه الآية معنيان:

المعنى الأول :

 الأول: أن هذه الأصنام التي تعبد من دون الله ميتة، لا حياة فيها، لا سمع، لا بصر، لا حركة، لا تعاطف، لا عقل، ميتة، حجر.

المعنى الثاني :

 المعنى الثاني: أن الذين يعبدون هذه الأصنام من دون الله ميتون، ولو أن فيهم بقية حياة لكرهوها، ولعافوها، ولعافت نفسهم عبادتها.


المعرضون عن الله أموات القلوب وإن كانوا أحياء الأبدان :


 ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾ وهذا وصف دقيق دقيق، فكل من أعرض عن الله -عز وجل- فهو ميت.

ليس من مات فاستراح بميتٍ  إنـما المـيـت ميـت الأحيـاء

[ ابن الرعلاء ]

 فالموت والحياة يأخذان معنى آخر، حياة القلب بمعرفة الرب، وموته بجهله، غذاء الروح الاتصال بخالق الكون، وموتها انقطاعها عنه، لذلك ربنا -سبحانه وتعالى- قال: ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ .


الموت بيد الله وليس بيد غيره :


 هذه آية دقيقة، زمام المبادرة ليس بأيديهم، أنت تقول: أنا بعد عشر سنوات سأفعل كذا وكذا، هذا كلام فيه غباء، ليست الأمور بيدك، من يضمن لك بعد هذه السنوات أن تبقى حياً؟

﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ حينما يأتي الأجل يتعطل كل شيء.

إن الطـبيب له عـلم يدل به إن  كـان للنـاس فـي الآجـال تأخـير

حتى إذا ما انتهت أيام رحلتــه  حــار الطبيب وخــانته العقاقيـر

***

﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ من منا يضمن أن يعيش إلى ساعة قادمة؟ أناس كثيرون كانوا معنا ـ بالعشرات ـ الآن تحت أطباق الثرى، حينما كانوا معنا أكانوا يتوقعون أنه لن يمضِيَ هذا العام إلا وهم تحت أطباق الثرى؟ لا والله. 

﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ جلست مع أناس كثيرين، جاء أجلهم، حينما كنت معهم حدثوني عن أعمال سوف يفعلونها بعد سنوات طويلة، هم الآن تحت الثرى، فموضوع الموت لحكمة بالغة أخفى الله ميعاده عن الإنسان، لا يدري، يا ترى هل يأتي عليه رمضان آخر؟ هل يدرك عيد الفطر وعيد الأضحى؟ هل يدرك الشتاء القادم؟ هذا البيت الذي وَقَّعَ عقده على الخارطة هل يراه في الطابق الثالث؟ أم يموت قبل أن يراه؟ لا يعرف، هذا الذي اشترى هذا البيت هل يسكن فيه؟ لا ندري.

 هذه الزوجة التي عقد قِرانه عليها هل يُزَفَّ إليها؟ لا أحد يعرف، كم من إنسان مات قبل عرسه، هذه الشهادة "الدكتوراه" التي حصّلها في بلد أجنبي، هل يُتاح له أن يعود إلى بلده بعدها، وينادى باسم دكتور؟ قد يموت في الطائرة، قد يموت هناك، قد يموت قبل إعلان النتائج.


لا أحد يعلم زمان ومكان وطريقة موته :


 ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ لا يدري، فالإنسان لا يعرف متى يموت؛ هل يموت في هذا البيت؟ إذا مات في هذا البيت أين يُغَسَّل؟ هل يموت في بيته؟ أم في الطريق؟ هل يموت صباحاً؟ أم مساء؟ أم في منتصف الليل؟ هل يموت فجأةً؟ أو بعد مرض طويل؟ وإذا مات أين يُدفَن؟ في المقابر الجديدة؟ أم في القديمة؟ الله أعلم ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ .

﴿ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ(22)﴾

[ سورة النحل ]


إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ


مسيِّر الكون هو الله وحده :

 هذه الآية أيضاً دقيقة جداً، الإله هو المسيِّر، مسيِّر الأرض واحد.

 أردت أن أوْضِّح هذه الآية بمثل: أنت حينما تركب هذه السيارات العامة، كان هناك جابٍ يقطع للركاب، ثم حلت الآلة محل الجُباة، لو سافرت إلى محافظة نائية، ووجدت النظام نفسه مُطبّقاً هناك، معنى ذلك أن كل هذه الشركات؛ شركات النقل، تُدار من العاصمة، فهذا الذي وجدته في هذه المحافظة يشبه ما وجدته في دمشق، إذاً: هناك إدارة عامة مركزية تعمم هذه الأوامر.

 أحياناً يشعر الإنسان أن هذا الإجراء على مستوى القطر، وأن الذي أمر به واحد، فيجب أن تعلم علم اليقين أن كل شيء في الأرض، في بلدنا وفي غير بلدنا؛ الرياح، الأمطار، الثلوج، الزلازل، البراكين، غزارة الأمطار، غزارة النبات، عوامل المرض، الفيروسات، كل شيء يُدار بيد واحدة، وإلهكم أيها البشر، ومسيِّركم، حركة الأرض حول نفسها، حول الشمس، الليل والنهار، الشمس والقمر، الصيف والشتاء، والخريف، والربيع، الأمطار، الرياح، العواصف، الزلازل، الصواعق، إنبات النبات، علاقتنا ببعضنا؛ هذا أقوى من هذا، هذا قويٌّ على هذا، هذا قهرَ هذا.

﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ قال تعالى في آية أخرى : 

﴿  وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)﴾

[  سورة البقرة ]


ألوهية الخالق تبعث الطمأنينة في النفوس :


 هذه الآية تبث في النفس الطمأنينة، أمور الكون كلها، صغيرها وكبيرها، جليلها وحقيرها بيد واحدة:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(10)﴾

[  سورة الفتح  ]

﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(17)﴾

[  سورة الأنفال ]

﴿  وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(123)﴾

[  سورة هود  ]

﴿  وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ(84)  ﴾

[  سورة الزخرف ]

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4)﴾

[  سورة الحديد ]

﴿  مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(2)﴾

[  سورة فاطر  ]

 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :

((  كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: يَا غُلامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ . ))

[  أخرجه الترمذي  ]

 الأمر كله لله.

﴿ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)﴾

[  سورة آل عمران ]

﴿ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(20)  ﴾

[  سورة غافر  ]

﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) ﴾

[  سورة الكهف ]

﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(41)﴾

[ سورة الرعد ]


كلّ أمورك بيد الله الرازق وحده :


 ﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ كل شؤونك؛ زوجتك ممتازة، بفضل الله -عز وجل-، مشاكسة بتقدير الله، لهدف كبير، عملك مريح، بفضل الله، متعب، بتقدير الله، دخلك كبير، هو الرزاق ذو القوة المتين، دخلك قليل: 

﴿  فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ(15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ(16)﴾

[  سورة الفجر  ]

 الرزق، والصحة، والمرض، والحياة، والموت، والسعادة، والشقاء، والانشراح الداخلي، والانقباض، والقوة، والضعف، والسعادة الزوجية، والشقاء الزوجي، أولاد أبرار، أولاد مشاكسون، جيران متعبون، جيران مريحون. ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ ﴿إِلَهُكُمْ﴾ أيها العباد ﴿إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ مركزي، كل شيء منه، هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.

 لذلك إذا قلت: فلان؛ فهذا شرك! عِلاّن؛ شرك! أعطاني؛ شرك! منعني؛ شرك! قهرني؛ شرك! ظلمني؛ شرك!

((  لا يخافنَّ العبد إلا ذنبه، ولا يرجونَّ إلا ربه  ))

[  أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، والبيهقي في شعب الإيمان من قول عليٍّ وهو ضعيف  ]

 إذا سقطت ورقة زيتون من على الشجرة، سِرْ في حقل زيتون في أيام الخريف، وافتح ورقة، واكتب كم ورقة زيتون تسقط؟ ربنا -عز وجل- قال:

﴿  وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ(59)﴾

[  سورة الأنعام  ]

 فإذا كان سقوط ورقة يعلمها، فمن باب أولى أنك إذا ضُيِّق عليك هذا بعلمه، وبتقديره، وبرحمته. 


فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ


غير المؤمن بالآخرة منكر بأسماء الله وكتبه ورسله :

 ﴿إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ﴾ لم يؤمن بالآخرة، أي لم يؤمن بيوم الحساب، وإن لم يؤمن بيوم الحساب فقد أنكر اسم الحق، في الحياة قوي وضعيف، عالم وغير عالم في الأرض، في الحياة غني وفقير، في الحياة صحيح ومريض، لا بد من يوم يُحَقّ فيه الحق؛ فإذا أنكرت هذا اليوم فقد أنكرت اسماً من أسماء الله -سبحانه وتعالى-، فالذي ينكر يوم القيامة كأنه ينكر وجود الله -عز وجل-، وإذا آمنت أن هناك إلهاً حقاً عدلاً فلا بد من يوم يحاسب فيه الناس.

﴿  الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4) ﴾

[   سورة الفاتحة ]

 من لوازم الإيمان بالله -عز وجل- الإيمان باليوم الآخر، كيف تؤمن بالله، ولا تؤمن باليوم الآخر؟ إنك تلحد بأسمائه، تلحد بعدالته، تلحد بأنه سيجمع الناس ليوم لا ريب فيه، تلحد بيوم الفصل، بيوم الدين، بيوم يقوم الناس لرب العالمين.

﴿  إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا(17) يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا(18)﴾

[  سورة النبأ ]

 فإذا أنكرت اليوم الآخر فقد أنكرت اسماً من أسماء الله، فلذلك: ﴿فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ﴾ منكرة لهذا الكتاب، ولهذا الحق، ولهذا الشرع . 

﴿وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ أخذتهم العزة بالآثم . 

﴿  وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(24)﴾

[ سورة النحل ]


وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ


كلمة قديمة متجدِّدة : أساطير الأولين :

 هذه غيبيات، الآن يعبِّرون عن الدين بالغيبيات؛ غيبيات، خرافات، خزعبلات، أوهام، مظاهر ضعف الإنسان.

﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ هذه المشاعر مشاعر التدين أساسها ضعف الإنسان أمام قوة الطبيعة، فلما قهر الطبيعة، وغزا الفضاء ليس بحاجة إلى هذه المشاعر.

﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ هذا العصر عصر العلم، لا يصلح فيه التدين، والعلم نفسه يؤكد وجود الله -سبحانه وتعالى-.

أحد أكبر علماء الذرة اكتشف نظرية لا يزال معظم العلماء يجهلونها، يقول هذا العالم: كل إنسان لا يرى من هذا الكون قوة هي أقوى ما تكون، رحيمة هي أرحم ما تكون، عليمة هي أعلم ما تكون، حكيمة هي أحكم ما تكون فهو إنسان حي، ولكنه ميت. 


لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ


﴿  وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ(25)﴾

[ سورة النحل ]

المضلُّون يحملون أوزار من أضلوهم :

 إذاً: إذا قلت فكرة مغلوطة، إذا قلت الباطل، وسمعك إنسان وصدقك، كل أعماله التي يعملها وفق هذه المقولة يُسجَّل وزرها في صحيفتك، كل ضلالة تُكتَب على شخصين؛ على قائلها، وعلى سامعها، فإياك أن تقول ضلالاً، لأنك إذا فعلت ذلك سُجِّل إثمه عليك ﴿لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ .


لماذا لا يحب الله المستكبرين ؟


 لماذا لا يحب الله -سبحانه وتعالى- المستكبرين؟ لأن هذا المستكبر يعطي نفسه حجماً غير حجمه، من ادعى أنه يحمل دكتوراه وهو لا يقرأ ولا يكتب، أليس هذا جريمة؟ لأنه لو كان يحمل هذه الشهادة، وقال: إنه يحمل هذه الشهادة، فلا مانع، أما إذا ادّعى أنه يحمل هذه الشهادة وهو لا يقرأ ولا يكتب فقد أجرم !!

إذاً: الاستكبار ادّعاء، هذا الادّعاء حجاب له عن الله -عز وجل-، المستكبر محجوب، حجبه كِبره واستكباره، فلذلك من علامات المؤمن التواضع، ومن علامات غير المؤمن التكبر، فربنا -عز وجل- لا يحب المستكبرين.

انظروا في الآيات التي تنتهي بقوله : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ

وأتمنى عليكم إذا قرأتم كتاب الله أن تستخرجوا منه الآيات التي تنتهي بقوله تعالى: إن الله يحب، وإن الله لا يحب.

﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) ﴾

[  سورة الحجرات  ]

﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(190) ﴾

[  سورة البقرة ]

انظروا في الآيات التي تنتهي بقوله : إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ

 فإذا أردت أن يحبك الله فافعل ما يحب، ودع ما لا يحب، بطريقة سريعة جداً احصِ الآيات التي يحبها: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ .

﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)﴾

[  سورة آل عمران  ]

﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ﴾

[  سورة آل عمران  ]

﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾

[  سورة البقرة  ]

﴿ بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) ﴾

[ سورة آل عمران ]

اجمع الآيات التي فيها: يحب، والتي فيها: لا يحب، افعل ما يحب، ودع ما لا يحب.

امرأة مؤمنة لما تزوجت قالت: " أما بعد؛ يا أبا أمية، إني امرأة غريبة، لا أعرف ما تحب ولا ما تكره، فقل لي ما تحب حتى آتيه، وما تكره حتى أجتنبه "


عليكم بالأشياء التي يحبها الله واجتنبوا ما يبغضه :


 ربنا -عز وجل- قال لكم وانتهى، قال لكم ماذا يحب، وما الذي لا يحب، فإذا أردتهم حبه، أن يحبكم، فافعلوا ما يحب، محبته مقننة، لها قوانين، لها قواعد، ليست مزاجية اعتباطية فوضوية، إن الله يحب القوم الصادقين.

﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)﴾

[  سورة لقمان ]

﴿ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) ﴾

[  سورة النساء ]

 يحب الأمانة لا الخيانة، يحب الصدق، لا يحب الكذب، يحب الإخلاص، لا يحب النفاق، يحب الإحسان. 

﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)﴾

[  سورة آل عمران  ]

 يحب العلم، وهكذا.

 إذاً :

﴿  لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ(23) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ(25)﴾

[  سورة النحل ]


أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ


أيّ حِمل يطيقه المضلون يوم القيامة :

 هذا الذي يضل بغير علم، لو علم لما أضل أحداً، لهدى الناس، فالعلم من لوازمه الهدى، والجهل من لوازمه الإضلال.

﴿أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ أصعب الأحمال يوم القيامة أن يكون الضلال عن طريقك، أن يكون الإنسان ضالاً مُضِلاً، أن يشيع فكرة غير صحيحة، أن يدعو إلى معصية، أن يدعو إلى ضلالة، أن يدعو إلى بدعة، أن ينكر حقيقة جاء بها الدين، أن يزوّر، أن يخدع، أن يدلّس، أن يغير الحق إلى باطل ﴿أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ إن هذه الأوزار سوف تسوءهم يوم القيامة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور