وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 01 - سورة القصص - تفسير الآيات 1 - 9 أهمية التعامل بالطريق القصصي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

سورة القصص سورة مكية نزلت على قلب النبي لتكون تسليةً وتخفيفاً على أصحابه:


 أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الأول من سورة القصص، وقبل المُضيِّ في شرح آيات هذه السورة لابدَّ من أن يُلقَى ضوءٌ على مغزاها العام، وعلى أغراضها الكبيرة، بل على محورها إن صحَّ التعبير، ففي السبْحَة خيطٌ لا يُرى، ولكنه يجمع كل حبَّاتها، هذا الخيط الذي يُرى أثُره ولا تُرى عينه إنه محور السورة.

هذه السورة مكِّية، نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام وهو في مكة مع أصحابه، وكانوا مستضعفين، كانوا معذَّبين، كانوا مكذَّبين، وكفَّار قريش هم في أقوى مكان، وفي أعتى نفسيَّة، نزلت هذه السورة على قلب النبي عليه الصلاة والسلام في مكة المكرَّمة لتكون تسليةً وتخفيفاً على أولئك الأصحاب الخُلَّص، الذين دفعوا في سبيل إيمانهم بالله عزَّ وجل كلَّ غالٍ ورخيص، ونفسٍ ونفيس.

 

قصة موسى مع فرعون وقارون حقائق وعبر:


شيءٌ آخر، في هذه السورة قصةُ سيدنا موسى مع فرعون، وقصة سيدنا موسى مع قارون، فرعون يمثِّل قوة السلطان، وقارون يمثَّل قوة المال، وتبيّن هذه السورة أن في الكون قوةً واحدة، ألا وهي قوة الله عزَّ وجل، وفي الكون حقيقةٌ واحدة، ألا وهي الحقيقة الإيمانية الكبرى، وفي الكون قيمةٌ واحدة، ألا وهي قيمة الخُلُق، وكيف أن هذه القِيَم التي جاء بها القرآن، وهذه الحقيقة الكبرى تتصارع مع القوى العاتية، وكيف أن ملخَّص هذه السورة: إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ أيْ أنَّ الله عزَّ وجل مثَّل في هذه السورة أقوى قوةٍ يمكن أن توجد على وجه الأرض مع أضعف قوةٍ يمكن أن توجد على وجه الأرض، طفلٌ صغيرٍ رضيع، وملكٌ طاغيةٌ كبير، وكيف أن هذا الطفل الصغير الذي كان من المفروض أن يُذْبَح دخل إلى قصر فرعون، وتربَّى في حجره، وحينما كبر جاءته الرسالة، ودعاه إلى الإيمان، فلما استكبر وعلا في الأرض مشى ببني إسرائيل إلى البحر، وكيف أصبح البحر طريقاً يبساً، وكيف خرج سيدنا موسى وتبعه فرعون، فأغرق الله فرعون.  

 

أهمية معالجة الموضوعات بالطريق القصصي:


هناك حقائق كثيرةٌ جداً في هذه السورة، وربنا سبحانه وتعالى أحياناً يعالج الموضوع لا عن طريق الأفكار المجرَّدة، بل عن طريق القصص، ولَعَمْري إن معالجة الموضوع من خلال القصة هي معالجةٌ مثاليَّة، الإنسان أحياناً قد يرى ذاته في قصةٍ ما، قد يرى الأحداث التي يقرؤها في القصة تحلُّ له بعض الإشكال، فلذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول: 

﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)﴾

[  سورة يوسف ]

إذاً مغزى هذه السورة، في السورة قصتان أساسيتان، قصة سيدنا موسى مع فرعون، وقصة سيدنا موسى مع قارون، فرعون يُمَثِّل قوة السلطان، وقارون يمثل قوة المال، وكيف أن الله سبحانه وتعالى هو القوة الكبرى التي لا قوة معها في الكون، فإذا كنت مع الله عزَّ وجل نَم مطمئناً، إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكَّل على الله، وإذا أردت أن تكون أضعف الناس فتوكَّل على غير الله، والله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾

[ سورة الشعراء ]

 

حقائق التوحيد مهمة جداً:


ويا أيها الإخوة الأكارم؛ حقائق التوحيد خطيرةٌ جداً، لأنه ما تعلَّمت العبيد أفضل من التوحيد، ولأن نهايةَ نهاية نِهاية العلم هو أن تقول، وأن تعلم أنه لا إله إلا الله، إذا عرفت أنه لا إله إلا الله لا تخشى أحداً سوى الله، لا ترجُو أحداً سوى الله، لا تعصِي هذا الخالق العظيم من أجل إنسان حقير، صغير، ضعيف، فانٍ، لو أردت أن تعزو أكثر المعاصي، بل كل المعاصي لرأيت الشرك وراء كل هذه المعاصي، لو أيقنت أنَّه لا إله إلا الله لاستقمتَ على أمره قطعاً. 

 

سورة القصص نزلت تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام:


إذاً: هذه القصة أنزلها الله على نبيِّه عليه الصلاة والسلام في وقتٍ عصيب، في وقتٍ حرج، في وقتٍ كان فيه المسلمون مستضعفين، مضطهدين، يُنَكَّل بهم، يعذبون، فجاءت هذه القصة تسليةً لهم، تقويةً لعزيمتهم، بِشارةً لهم بأن العاقبة للمتقين، والذي حصل أن العاقبة كانت للمتقين: 

وقال سبحانه:

﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)﴾

[  سورة المجادلة  ]

 كتب الله..  


سببُ تسميتها بسورةَ القصص:


أمّا اسم هذه السورة فهي" سورة القصص"، من قوله تعالى لما وصل سيدنا موسى إلى بيت سيدنا شُعَيب، وقصَّ عليه القصص: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ ..

 

أثر البيئة في المسلم:


استنبط بعض العلماء أن الإنسان إذا انتقل من ديار الكفر إلى ديار الإيمان فقد نجا، واستنبط بعض العلماء أن البيئة لها أثرٌ كبيرٌ جداً في إيمانك، فإذا كنت مع أهل الكفر والفساد والضلال فإنَّهم لا شك سيصرفونك عما أنت فيه، إذا انتقلت إلى أهل الإيمان فإنك تسعد برفقتهم، فلذلك لما انتقل سيدنا موسى من بلاد مِصر إلى بلاد مَدْيَنَ حيث النبي الكريم سيدنا شعيب جاءت البُشرى: ﴿قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ ، وقد ورد في بعض الأحاديث أنه: عن جرير بن عبد الله :

(( مَنْ أقامَ مع المشركينَ ، فقدْ بَرِئَتْ مِنهُ الذِّمَّةُ ))

[  صحيح الجامع: خلاصة حكم المحدث : صحيح ]

الإنسان في نفسه أشياء تُشْبه البارود يسهُل تفجيرها، أودع الله فيه الغرائز، أودع  فيه الشهوات، فإن لم يكن على إيمانٍ عميقٍ عميق، قوي قوي، يُحَصِّن هذه الشهوات التي أودعها الله فيه فإن تفجيرها سهلٌ يسير، وإذا لم يكتمل إيمانُ الإنسان وذهب إلى بلاد الكفر فاحتمال أنْ يقع في الفواحش، والتُرُّهات، والأباطيل، والبعد عن الحقيقة الكبرى، احتمال كبير جداً.. (( من أقام مع المشركين فقد بَرِئت منه الذمَّة )) أنت مفروض عليك أن تهاجر من بلد يُعصى الله فيه إلى بلدٍ يذكَرُ فيه اسمه، أما الهجرة المعاكسة فأن تنتقل من بلدٍ كريمٍ طيِّب تقام فيه شعائر الدين على نحوٍ أو آخر إلى بلدٍ فاسقٍ فاجرٍ بعيدٍ عن الله عزَّ وجل، فهذه مغامرةٌ ومقامرة.

 

مقدمة تاريخية لسورة القصص:


إذاً كلمة القصص: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ هذه بعض الملاحظات التي تُقال عادةً بين يدي السورة.

ولكن إذا انتقلنا إلى تفصيلاتها فهناك مقدمةٌ تاريخية لابدَّ منها: كلكم يعلم أن سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام حينما كان أميناً على أموال مِصر، حينما ارتفع إلى أعلى درجة في مصر، وحينما جاء أبوه وإخوته إلى قصره، وأقاموا فيه، بعدها توالد بنو إسرائيل وازدادوا حتى إنهم بلغوا مِئات الألوف، هكذا يروي التاريخ، طبعاً اطمأنوا، وتمكَّنوا في الأرض، يبدو أنهم انحرفوا عن دينهم، دين أبيهم سيدنا إبراهيم، لما انحرفوا استحقوا المعالجة، فجاء فرعون، وكانت معالجتهم على يده، لأن القاعدة:" إذا عصاني من يعرفني سَلَّطت عليه من لا يعرفني"، العرب في إسبانيا فتحوا هذه البلاد، وكان الله معهم، فتحوا هذه البلاد، وأقاموا فيها شعائر الدين، فلما مالوا إلى اللهوِ، والموسيقى، والغِناء، فلما انغمسوا في الموبقات، والخمور، والجواري، والملاهي، تخلَّى الله عنهم، فقوَّى أعداءهم، ونَكَّلوا بهم كلَّ تنكيل، إذاً هذا قانون عام..،" إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني"، هذا يطبَّق على الجماعات وعلى الأفراد، وفي هذه السورة توضيحٌ بالغٌ لهذا القانون.

 

أقوال العلماء في الحروف المقطّعة: 


 بسم الله الرحمن الرحيم ﴿طسم﴾. . هذه الحروف التي تُبْدأ بها بعض السور لها تفسيراتٌ كثيرة، من هذه التفسيرات، وهذا التفسير لا يُكَلِّفُ شيئاً:" الله أعلم بمراده".   

من تفسيرات هذه الحروف أيضاً: أن هذا القرآن صيغ من مثل هذه الحروف، لكنَّ الإعجاز في صياغته، وهذه الحروف بين أيديكم، فإن كان بالإمكان أن تأتوا بسورةٍ من هذا القرآن، أو عشر سورٍ فافعلوا، الحروف بين أيديكم، إذاً هذا من إعجاز القرآن الكريم.  

والمعنى الثالث: أنها أوائِلُ أسماء الله تعالى.   

والمعنى الرابع: أنها أوائل أسماء النبي عليه الصلاة والسلام.

 وعلى كل فالقرآن حمَّال أوجُه، والقرآن كما يقول بعضهم: ليس ملك أحد.

 

صفات القرآن الكريم:


بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)﴾ .. أيْ أنَّ من شأن الكتاب أن يكون مبيناً واضحاً، لأنه كتاب الله عزَّ وجل، ولأنه موجهٌ إلى كلِّ الخلق، فلذلك ربُنا سبحانه وتعالى جعله مبيناً. 

وفي بعض الأحاديث الدين متوافق مع الفطرة، فالإنسان يعرف أحكام الدين بشكلٍ فطري، لأنَّ أصحاب النبي عليهم رضوان الله وصفهم الله عزَّ وجل فقال:

﴿ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36)﴾

[  سورة الرعد ]

 أي هذا الذي أنزل إليهم يتوافق مع فطرتهم لذلك هم يفرحون: عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

(( الْحَلالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ ، كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ . ))

[  صحيح البخاري ]

عن النواس بن سمعان الأنصاري: 

(( سَأَلْتُ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، عَنِ البِرِّ وَالإِثْمِ فَقالَ: البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ، وَالإِثْمُ ما حَاكَ في صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عليه النَّاسُ. ))

[ صحيح مسلم ]

عن أبي ثعلبة الخشني  :

(( البِرُّ ما سَكَنَتْ إليهِ النَّفْسُ، واطْمَأنَّ إليهِ القلبُ، والإِثْمُ ما لمْ تَسْكُنْ إليهِ النَّفْسُ ، ولمْ يَطْمَئِنَّ إليهِ القلبُ ، وإنْ أَفْتَاكَ المُفْتُون . ))

[ صحيح الترغيب ]

إذاً: الكتاب مبين، لأنه متوافقٌ مع الفطرة، والكتاب مبين، لأنه متوافقٌ مع العقل، والكتاب مبين، لأنه كلام رب العالمين.  

 

قصة موسى في سورة القصص:


﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(3)﴾. . كلمة: ﴿مِنْ﴾ للتبعيض، أي الله عزَّ وجل لم يذكر كل التفصيلات، وهذا توجيهٌ لنا، أنت إذا أردتَ أن تقصَّ علينا قصةً فاذكر مِن أحداث هذه القصة، ومن مواقف أبطالها، ومن الحوار الذي جرى بينهم ما له علاقةٌ بنا، وما له مغزى كبير، أمّا أن تأتي بكل التفصيلات التي لا طائل منها، التفصيلات التافهة، ليس هذا من شأن العُقلاء، فلذلك: ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإ ِ﴾ .. أي أن كل شيءٍ ذكره الله عزَّ وجل في هذه القصة له دلالة، وليس المعنيّ هذه الحوادث، ولا تلك المواقف، ولا هذا الحوار، المَعْنِي أن تخترق هذه المواقف إلى المغزى، إلى المدلول، الذي أراده الله عزَّ وجل. قصةٌ وقعت منذ آلاف السنين، وكلُّ أبطالها تحت أطباق الثرى، وقد مضى عليهم آلاف السنين، المغزى نحن، نحن المعنيُّون، لأن الله عزَّ وجل حينما شاء أن يجعلها من القرآن الكريم، أي جعلها تُتْلى إلى آخر الدوران، إذاً: هناك مغزى، كل من قرأ هذه السورة يأخذ منها العبر والدلائل، إذاً: ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى﴾ ، ﴿مِنْ﴾ للتبعيض، إذا أردت أن تتلو علينا قصةً فاختر من حوادثها، من مواقف أبطالها، من حوار أبطالها، من مظاهر البيئة فيها ما له مغزى وله علاقةٌ بحياتنا، ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ .. المؤمن يُخاطَب بالفروع، ولكنّ غير المؤمن يُخاطَب بالأصول، لا تحاول أن تثبت الملائكة لإنسانٍ لم يؤمن بالله بعد، أو الجن، أو البرزخ، هذا طريق مسدود، لا يخاطَب الكافر إلا بأصول الدين، بينما المؤمن يُخاطَب بفروعه، يخاطَب بتاريخه، بتاريخ الأرض، بالتفصيلات.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾

[ سورة البقرة  ]

الزكاة، الصيام كُلِّفَ بهما المؤمنون لإيمانهم بالله عزَّ وجل أولاً، ولإيمانهم بأن هذا الكلام كلامه، ولإيمانهم بحكمته، إذا هم ينصاعون إلى تنفيذ أمره. 

إذاً:﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ﴾ .. هذه ( الباء ) باء الملابسة، أي هذه التلاوة، وهذه القصة بالحق، أي إنها قصةٌ وقعت فعلاً، لا صغيرة فيها إلا وقد وقعت، هذه الرواية تطابق الواقع مطابقةً تامَّةً من دون زيادة ولا نقصان، هذا معنى بالحق..﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ إذاً المقصود من هذه القصة مغزاها، لذلك قالوا: من قرأ قصةً ولم يفهم مغزاها فكأنه ما قرأها، أو أنه لم يقرأ قصةً، القصة لها مغزى، فحيثما قرأت قصةً يجب أن تبحث عن مغزاها ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ .. فهي إذاً تفيد المؤمنين، كأنّ الله سبحانه وتعالى نزَّه قصته هذه عن أن تكون لمجرَّد الإمتاع، قد تقرأُ أدباً ممتعاً ليس بنافعٍ، قد تقرأ قصةً تُمتع ولا تنفع، وقد تقرأ مقالةً تنفع ولا تمتع، لكن القصة التي في القرآن تنفع وتمتع معاً، إذاً المقصود أيها المؤمن أن تستنبط منها ما تشاء من الاستنباطات.

 

استكبار فرعون على بني إسرائيل وجعلهم فرقاً وفئات:


إذاً: ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ قبل تحريك الحوادث، وقبل تحريك الشخصيِّات، وقبل تطوير الحوادث، كأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يضع لنا ـكما يقال فَرشاً تاريخياً، معالم البيئة، هذه القصة أين وقعت؟ وقعت في مصر، ما الذي كان في مصر؟ 

قال تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ .. أي ارتفع، استعلى على خَلق الله، بالَغَ في تمكين نفسه منهم، احتقر الذين معه: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ .. وكيف علا؟ ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعا﴾ أي استخدمهم فئاتٍ فئَاتٍ لأغراضه الشخصية، أو أنه فرَّقَهُم كي يسود عليهم، معنى جعل أهلها شيعاً أي فِرقَاً، ومعنى الشيعة: بعض أفراد كل شيعة يُشَايع البعض الآخر، نقول: شَيَّعت جنازته، أي سِرْتُ في جنازته، فالشِّيَع الفِرَق:

﴿ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)﴾

[ سورة الروم  ]

كل مجموعةٍ تتعاون، تتكاتف، تُشايع بعضُها بعضاً على حقٍ أو على باطل، إذاً المشايعة على باطل فهذه العصبية العمياء، فلذلك: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ أي استكبر، استكبر عن أن يعبد الله، استكبر عن أن يعترف بوجوده، واستكبر عن أن يكون في مستوى هؤلاء الذين يحْكمهم، علا عليهم، أي بنى مجده على أنقاضهم، بنى عزَّه على ذُلِّهِم، بنى غناه على فقرهم، هذا معنى علا في الأرض، بنى أمنه على خوفهم، بنى حياته على موتهم: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ وكيف علا؟ ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً﴾ فِرقاً، قسَّمَهم إلى فئات، وإلى شِيَع، وإلى أنواع منوَّعة، وإلى مجموعات، وأنشأ بينهم العداوة والبغضاء، وأرَّث بينهم الخلافات. 

 

تسلط فرعون على بني إسرائيل عند تقصيرهم في تطبيق أمر ربهم:


شيءٌ آخر؛ حينما جعلهم فرقاً، جعلهم فرقاً في خدمته، هذه من أجل هذه القضية، وهذه من أجل هذا الموضوع، وهذه من أجل كذا. 

النقطة الدقيقة أن بني إسرائيل الذين هم على دين إبراهيم كانوا مخالفين مخالفةً كبرى لدين فرعون الذي قال: 

﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾

[  سورة النازعات  ]

هؤلاء بنو إسرائيل وإن كانوا قد تركوا دينهم، لكن أصل دينهم عندهم، إيمانهم بأن الله سبحانه وتعالى هو خالق الكون، وإيمانهم بما جاء به سيدنا موسى، لكنهم قصَّروا في تطبيق أمر ربهم، فسلط الله عليهم فرعون الذي لا يعرف الله عزَّ وجل إطلاقاً، إذاً: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ﴾ .. هذه الطائفة هي بنو إسرائيل: ﴿يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ﴾ .. يروي التاريخ أن أحد الكَهَنَة قال له: رأيتُ في المنام أن طفلاً من بني إسرائيل سيقضي على ملكك، فبادر فرعون إلى قتل أبناء بني إسرائيل كلِّهم، الإنسان أحياناً لجهله بالله يظن أنه يستطيع أن يفعل لنفسه ما يشاء، وأن يفعل بعدوه ما يشاء، هذا من ضيق أُفُقِه، فقال: القضية بسيطة، ما دام هناك طفلٌ من بني إسرائيل سيقضي على ملكي فأنا سأذَبِّحُهم جميعاً، لكن هذا الطفل الذي سيقضي على ملكه ربَّاهُ في قصره، وهو لا يدري،  ﴿يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ﴾ .. حتى إن القابلات كُنَّ يطُفنَ على الحوامل من بني إسرائيل، ويسجِّلن عندهن حالات الحمل، فإذا وضعت هذه المرأة أُخِذَ ابنها وذبح، أيْ لم تستطع واحدة من نساء بني إسرائيل أن تنجو بابنها من الذبح ﴿يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ﴾ البنت يَدَعُها حيَّةً  لقطع نسلهم، وتقليل عددهم. 

 

الحكمة مِن تمكين فرعون من بني إسرائيل:


﴿إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ هذا وصف ربِّ العالمين. هذا الطرف الأول: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ .. ما الحكمة من ذلك؟ لماذا مكَّن الله هذا الفرعون من بني إسرائيل؟ لماذا مكَّنه في الأرض؟ لماذا جعله عالياً في الأرض؟ لماذا سمح له أن يذبِّح أبناءهم؟ لأنهم قصَّروا مع ربهم، وخرجوا مع دين أبيهم إبراهيم، وتهاونوا في تطبيق شريعة ربِّهم، فاستحقوا المعالجة، لكن هذه المعالجة هدفها إصلاح هؤلاء الضِعَاف ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ .. الله عزَّ وجل قال في آيةٍ واضحةٍ جداً: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾ نَمُنَّ عليهم أيْ أن نعطيهم عطاءً أبدياً، عطاءً جزيلاً.

 

آيات التوحيد تَبُثُّ الأمن والطمأنينة في نفس الإنسان:


لذلك إذا قرأتم قوله تعالى:

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾

[  سورة البقرة  ]

الله سبحانه وتعالى كما يقول دائماً:

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود ]

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)﴾

[ سورة محمد  ]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)﴾

[ سورة الفتح ]

﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)﴾

[ سورة الأنفال ]

﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ﴾ ..

﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)﴾

[  سورة الكهف ]

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)﴾

[  سورة الزمر  ]

﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾

[ سورة الأعراف ]

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾

[ سورة فاطر ]

﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

[ سورة هود ]

آيات التوحيد تَبُثُّ الأمن والطمأنينة في نفس الإنسان.


  ما فعله فرعون ببني إسرائيل سُمِحَ له أن يفعله لهدفٍ نبيل:


لذلك هذا الذي فعله سُمِحَ له أن يفعله، لهدفٍ نبيل، وهو: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ الإنسان على المستوى الفردي إذا ألَمَّت به مشكلة، أصابته مصيبة، ضيَّق الله عليه، لاح له شبحُ مصيبة، لا يخف ولا يحزن، لا يفْرق، لا تضعف معنويَّاته، ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾ هذه الآية يجب أن تكون أمام كل إنسان ابتلاه الله بشيء: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾ نمنُّ عليهم بالإيمان، نمنّ عليهم بمعرفة الله، نمنّ عليهم بطاعتهم لله، نمنّ عليهم بالعمل للآخرة، نمنّ عليهم بدفعهم إلى طريق الجنَّة. 

 

المصائب محضُ عطفٍ وحكمةٍ وعدلٍ من الله تعالى:


عندما يتلقى الإنسان معاملة معينة، معاملة قاسية، مثلاً: لو فرضنا أن طفلاً صغيراً شَبَّ على كُرْهِ الدراسة، وكان أبوه له بالمرصاد، وقسا عليه حتى صار في مستقبل حياته شخصيةً ذات شأن في المجتمع، وهو في بيته الفخم، وهو في مكانته العليَّة، وهو في نظافته الخُلُقِيَّة، وهو في سمعته العطرة عند الناس، يقول: رحمة الله على والدي، لولا قسوته عليّ حينما كنت صغيراً لما كنت في هذه الحال، حينما كان يضربه أبوه كان يتألَّم منه، ولكن بعد مضي السنين رأى أن هذا الضرب هو عين الرحمة، هو عين الحب، هو عين الحكمة، هو عين العطف، هو عين الحنان، هكذا يجب أن نَفْهَم المصائب، محضُ عطفٍ، محض لطفٍ، محض حكمةٍ، محض عدلٍ، الآية دقيقة جداً: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾ هذا الإنسان تائه، إنسان تائه، شارد، غافل، غائص في الدنيا إلى قمة رأسه، همُّه الدرهم والدينار، همه الشهوة، همه الزينة، همه البُهْرُجُ، همه مُتَع الحياة، نسي ربه، نسي آخرته، تأتيه مشكلة، كأنّ الله يقول له: استيقظ يا عبدي. 

إلى متى أنت في اللذات مشغولُ         وأنت عن كل ما قدمت مسؤول؟

* * *

ألم يأْنِ لك أن تخشع لذكري؟ فهذه المصائب رُسُل، مُذَكِّرات، كأنّ الله سبحانه وتعالى يدفعك إلى بابه، انظر: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾ ، ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ قد يقول: يا رب لماذا مَكَّنْتَه؟ لماذا سلَّطته؟ لماذا أعطيتَه هذه القوة؟ لماذا سمحتَ له يا رب؟ فيأتي الجواب: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾ هناك حكمةٌ بالغة يا عبدي، وراء هذا التعذيب عطفٌ كبير، وراء هذه المصيبة رحمةٌ بالغة، وراء هذا التضييق حكمةٌ بالغة، وراء هذا التنْكيل حرصٌ شديدٌ على مستقبلك، من فقر، من خوف، من قلق، من مرض، من مشكلة، من ضيق، من حزن، لو أن الله سبحانه وتعالى كشف لك عن كل شيء ساقه لك في الدنيا، واللهِ الذي لا إله إلا هو ينبغي أن تذوب كالشمعة حباً لله، تذوب كالشمعة تماماً، لذلك: لو كُشِفَ الغطاء لاخترتم الواقع: 

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾

[  سورة البقرة  ]

الطبيب أحياناً يحمي مريضه من أطيب الطعام، قد يكون مريضه غنياً، حالُه ميسور، يقول له: هذا الطعام ممنوع، هذا الطعام ممنوع، حقد هذا؟ حقدٌ من الطبيب؟ لا والله، تضييقٌ على المريض؟ لا والله، منعٌ له من هذا؟ لا والله، علمٌ ورحمةٌ: عن رافع بن خديج :

(( إذا أحبَّ اللهُ عزَّ وجلَّ عبدًا حماه الدُّنيا كما يَظلُّ أحدُكم يحمي سقيمَه الماءَ. ))

[ الترغيب والترهيب :  خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن  أخرجه الطبراني ]

إِنَّ اللهَ لَيَحْمِي صَفِيَّهُ مِنَ الدُّنْيَا كَمَا يَحْمِي الرَّاعِي الشَّفِيقُ غَنَمَهُ عَنْ مَرَاتِعِ الهَلَكَةِ ، إنها رحمة ما بعدها رحمة، هذا كلُّه من قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ .


  مرتبة الإمام أعلى من مرتبة الملك:


هنا نقطة دقيقة جداً، لم يقُل الله عزّ وجل: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض، ونجعلهم ملوكاً، أئمةً يَأْتَمُّ الناسُ بهم، وربما كانت مرتبة الإمام أعلى من مرتبة الملك، لأن الملك تنتهي مهمَّته في الدنيا، لو أنه حكم بالعدل، لو أنه فعل كلَّ شيء، لكن الذي يؤتمّ به فأعمالُهُ تستمر إلى أبد الآبدين، ما أراد الله من هذا التضييق أن يجعلهم ملوكاً مكان فرعون، لا: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ .. دنيا وآخرة، يرثون مُلْك فرعون، ويكونون أئمةً لأقوامهم، لذلك أذكِّرَكُم بقول سيدنا سعد من أجل أن تعرفوا قيمة هذا الكلام يقول: << ثلاثةٌ أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحدٌ من الناس.. من هذه الثلاثة: ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عَلِمْتُ أنه حقٌ من الله تعالى >>. قال عليه الصلاة والسلام: 

(( عن سهل بن سعد الساعدي أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ يَومَ خَيْبَرَ: لَأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَه، ويُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسولُهُ، قالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ: أيُّهُمْ يُعْطَاهَا؟ فَلَمَّا أصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطَاهَا، فَقالَ: أيْنَ عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ؟ فقِيلَ: هو -يا رَسولَ اللَّهِ- يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قالَ: فأرْسَلُوا إلَيْهِ. فَأُتِيَ به فَبَصَقَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في عَيْنَيْهِ ودَعَا له، فَبَرَأَ حتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وجَعٌ، فأعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقالَ عَلِيٌّ: يا رَسولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُهُمْ حتَّى يَكونُوا مِثْلَنَا؟ فَقالَ: انْفُذْ علَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلَامِ، وأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللَّهِ فِيهِ؛ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ. ))

[ صحيح البخاري ]

هناك شركات ميزانيتها كميزانيات عشر دول، لو أن هذه الشركة لك وحدك ما قولك؟ أضخم شركات العالم تبيع إنتاجها في كلِّ بقاع الأرض، ولها ميزانياتٌ تفوق أرقاماً فلكية، وهي لك، (( يَا عَلِيُّ، لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ )) لك كل المحلات التجارية في العالم، في كل العواصم، في كل الشوارع، الطابق الأرضي، والقبو، والعلوي، كلها لك، كل شركات الطيران في العالم لك، كلُّ معامل السيارات لك، كل معامل النفط لك..  (( يَا عَلِيُّ، لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ )) ، خير لك من الدنيا وما فيها، خَيْرٌ لَكَ مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فالتجارة الحقيقية، الربح الكبير أن تكون سبباً في هداية إنسان، إنسان شارد، ضائع، ضال، شقي، تعيس، مُتَمَزِّق، تأتي إليه تعرفه بربه، تحمله على طاعته، تدفعه للعمل الصالح، هذا هو العمل الطيب.

 

بالصبرِ واليقين تُنالُ الإمامةُ في الدين:


لذلك: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾ .. لكن أن تكون إماماً؛ قال تعالى:

﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)﴾

[  سورة السجدة ]

هل أنت صابر؟ هناك امتحان صعب، سُئل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:" يا إمام أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ فتبسم وقال:" لن تُمَكَّن قبل أن تُبْتلى"، أي أن تنال رتبة الإمامة، وأن تكون داعيةً إلى الله حقيقة من دون دفع ثمن باهظ جداً؟!! هذه الدكتوراه حتى يقال له: دكتور، تفضل دكتور، يكون ( ذاب بذر مخه ) ثماني سنوات، دراسات، ترجمات، أطروحات، مناقشات، أعد الفصل كله، أعده كله، أحياناً الأستاذ المشرف يستخدم طالبه لأعمال خاصة، كتبييض أشياء، لأنَّ مصيره معه، حتى يقال لفلان: دكتور، يكون قد بذل الغالي والرخيص، والنفس والنفيس، فأنت تريد جنة عرضها السماوات والأرض هكذا بركعتين صليتهما؟! بليرتين لفقير؟! شيء مضحك، لأن طلب الجنة من غير عملٍ ذنبٌ من الذنوب: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا﴾ ..

﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)﴾

[  سورة البقرة ]

﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)﴾

[ سورة الأحزاب ]

هذه من صفات الدعاة: ﴿وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ﴾ ، آيات كثيرة تُبَيِّن الثمن الباهظ الذي ينبغي أن تدفعه كي تكون إماماً.

 

تمكينُ الصالحين في الأرض بعد عبادتهم لخالقهم:


﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ(5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ ..

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) ﴾

[  سورة النور  ]

أي: يا عبادي، لكم عليّ أن أستخلفكم في الأرض، أن أجعلكم خلفاء، وتكون كلمتكم هي العُليا، أنتم مهيمنون، مسيطرون، لكم يا عبادي أن أجعلكم خلفائي في الأرض، لكم عليَّ أن أُمَكِّن لكم دينكم، تمارسون شعائره وأنتم مطمئنون، لا تخشون لومة لائم، لكم عليَّ أن أُبدِّل خوفكم وقلقكم أمناً، ولي عليكم شيءٌ واحد، أن تعبدوني فقط.. لذلك:

﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)﴾

[ سورة الزمر ]

لله عليك أن تعبده، عليك أن تعبده فقط، ودع ما سوى ذلك له؛ يرفعُك، يقرِّبُك:

﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) ﴾

[  سورة الشرح  ]

أيْ الاكتئاب لا يُحتمل، الاكتئاب والضيق، والخوف والقلق، والسوداوية والشعور بالتمزُّق: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ ، والله هذا شيء جميل، ﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ هناك أحياناً همومٌ تسحق، يقول لك: أنا مسحوق، والله أحسُّ أن عليّ هموماً كالجبال، كأنَّ جبلاً جاثماً على صدري: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)﴾ انسحقت فيه، ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ لك شأن، لك مكانة، الناس يحبُّونك: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾ الثمن باهظ ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6)﴾ الثمن: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ﴾ فانصب في طاعته، في تطبيق شرعه، في العمل بأحكامه: ﴿وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ أي أطعني مخلصاً، هذه معنى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)﴾ أي أطعني مخلصاً، هذا هو الثمن.

 

الظالمُ والمعين للظالم في حكم ومصيرٍ واحدٍ:


﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ(5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا﴾ .. من أعان ظالماً ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً على جبينه: آيسٌ من رحمة الله، من أعان ظالماً سلَّطه الله عليه. 

فالله ذكر فرعون، وهامان، ولكن ما شأن هامان؟ لأنه أعان فرعون، وما شأن الجنود؟ لأنهم أعانوا فرعون: ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾. . لذلك قيل:" الظالم سوط الله ينتقم به ثم ينتقم منه"، ينتقم به ليصلح المؤمن المُقَصِّر، ثم يُقَوِّي هذا المؤمن المُقَصِّر حتى يصلح هذا الذي لا يعرفه، ملخَّص هذه الآيات: إذا عصاني من يعرفُني سلَّطُّت عليه من لا يعرفني، واقرؤوا التاريخ؛ حينما التفت المسلمون في إسبانيا وفي الأندلس إلى الغناء، وإلى الموشَّحات، وإلى الطرب، وشربوا الخمور، واستمتعوا بالجواري والغِلمان، وطفح أدبُهم بالسقوط والخلاعة والانحراف، جاء الإسبان، وتمكَّنوا منهم، وقتَّلوهُم، وشرَّدوهم، فقالت أمُّ آخرِ ملك له:  

ابكِ مثل النساء ملكاً مُضاعَاً                 لم تحـافـظ عليه مثل الرجـال

[ * * * ]

وإذا عاد المسلمون إلى دينهم كانت لهم الغلبة، سيدنا صلاح الدين الأيوبي، كُلُّكم يعلم قصَّته، وقف في وجه أوروبا بأكملها، أيْ إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ هذا فَرشٌ تاريخي، تقديمٌ بيئي للقصة، القصة لم تبدأ بعد، أيْ هذه القصة التي سوف يتلوها علينا ربُّنا سبحانه وتعالى من نبأِ موسى وفرعون وقعت في مِصر، وفي عهد فِرعون، وكان الوضع كما يلي: فرعون علا في الأرض، وجعل أهلها شيعاً، وفعل كذا وكذا، والغاية النبيلة: ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ .

 

بدايات قصة موسى وحيُ الله لأم موسى بإرضاع ابنها:


أوَّل خيطٍ من خيوط القصَّة: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ هذا الوحيُ وحي إلهام؛ الله عزَّ وجل أوحى إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هذا وحي رسالة، أوحى إلى أم موسى وحي إلهام، أوحى إلى النحل؛ هذا وحيُ غريزة، هناك وحي غريزة، ووحي إلهام، ووحي إرسال ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ﴾ .. واللهِ كلامٌ لا يصدَّق، عجيب، ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ ترضعه، هو في حجرها، على صدرها، في عطفها وحنانها.

 

معية الله عامة وخاصة:


﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ لأنني معه..

﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى(46)﴾

[  سورة طه  ]

أين موجود أنا؟ الشعور أن الله معك شعور لا يقدر بثمن، طبعاً الله مع كل إنسان، هذه معيةٌ عامةٌ لا ميزة فيها للإنسان، وهو معكم أينما كنتم، لكنْ لمّا يقول اللهُ تعالى:

﴿ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)﴾

[  سورة البقرة  ]

﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)﴾

[ سورة البقرة  ]

هذه معيةٌ خاصة، معية الحفظ، معية التوفيق، معية العطف، الرعاية، النصر، التأييد، فالبطل هو الذي يجتهد ليستحقَّ أن يكون الله معه، العوام يقولون: خاطرك، الله معك، هذه (الله معك ) ليست قليلة، اجتهد كي تستحق أن يكون الله معك، فإذا كان معك فلا تخشَ بأساً.

 

من لطائف الآية أمران ونهيان وبِشارتان:


﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ في الآيةِ أمران:  ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ أول أمر، ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ﴾   أي هو محفوظ.

لكن هنا نحن أمام نقطةٍ دقيقة جداً، هي لو أنها أبقته في حجرها لحفظه الله عزَّ وجل، ولكن يبدو أنها خافت، فهي ليست نبيةً ولا مرسلةً، خافت فطمأنها الله سبحانه: ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾ العلماء فرَّقوا بين الخوف والحزن، الخوف توقُّع خطرٍ، أما الحزن فهو تحقُّق الخطر، شيء وقع وانتهى صار هناك حزن، شيء قد يقع يوجد خوف.. ﴿وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ ، هذه الآية تتضمَّن ستة أشياء؛ فيها أمران، ونهيان، وبشارتان: ﴿أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ .

قصة سيدنا يوسف نقْلة مفاجأةٍ، ما مغزاها؟ إخوة يوسف أقوياء أشداء، ائتمروا على قتله، وعلى وضعه في الجُب، ما الذي حصل في النهاية؟ أن جعله الله عزيز مصر، ودخلوا إليه صاغرين:

﴿ قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)﴾

[  سورة يوسف ]


أين مغزى القصة؟  


﴿ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)﴾

[ سورة يوسف  ]

لذلك في الأثر: أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلَّمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلِّم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد، ماذا أراد كفار قريش؟ أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجوه، قاتلوه، حاربوه، فلما شاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم قتلى في بئرٍ في بدر قال: عن أنس بن مالك :

(( أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عليهم فَنَادَاهُمْ، فَقالَ: يا أَبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ يا أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ يا عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ يا شيبَةَ بنَ رَبِيعَةَ أَليسَ قدْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فإنِّي قدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ يَسْمَعُوا وَأنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ما أَنْتُمْ بأَسْمع لِما أَقُولُ منهمْ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا ثُمَّ أَمَرَ بهِمْ فَسُحِبُوا، فَأُلْقُوا في قَلِيبِ بَدْرٍ. ))

[ صحيح مسلم ]

هم يسمعونني، إذا كنت بطلاً فكن مع القوي، والله هو القوي، الله أبدي سرمدي قوي.

﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)﴾

[ سورة الإسراء  ]

أيُ شيء كان باطلاً سواءٌ أكان فكرة، أو شخصاً، أو إنساناً: ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾ ، إذاً: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ فقالوا:

فموسى الذي رباه جبريل كافرٌ                وموسى الذي رباه فرعون مُرْسَلُ

* * *

فموسى الذي رباه جبريل كافرٌ، هذا موسى السامري، رباه الوحيّ فكان كافراً، وموسى الذي رباه فرعون مُرْسَلُ.

﴿ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18)﴾

[ سورة الشعراء ]

فرعون رباه فكان مرسلاً، تقول لي البيئة؟ البيئة لها أثر، ولكنَّه محدود، إنسان نشأ في قصر فرعون صار مرسلاً، وإنسان ربَّاه الوحي فكان كافراً، فالإنسان له اختيار، اختياره هو الحاسم، لذلك:

﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)﴾

[ سورة البقرة ]

 

العناية الإلهية بموسى عليه السلام:


﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾ .. دائماً الله عزَّ وجل يرخي الحبل، افعل ما تشاء، إلى أن يتوهَّم العبد أنه يفعل ما يشاء، ثم يشد الحبل فجأةً، هذا الابتلاء، هذا الامتحان، هذا هو بعينه ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً﴾ .. فمستحيل أن يلتقط إنسانٌ طفلاً، ويربيه عنده ليكون في النهاية عدواً وحزناً، لذلك علماء النحو حاروا في هذه اللام، هي لام التعليل، أنا أدرس لأنجح، النجاح واضح في ذهني، أما فرعون فالتقطه ليكون له عدواً وحزناً؟! مستحيل، لذلك أعرب النجاة هذه اللام وحدها لام المآل، أي هو التقطه وكانت النتيجة وقد آلَ المآل إلى أنّ هذا الطفل أصبح عدواً لهم وحزناً ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾ .. فالله عزَّ وجل بيده كل شيء، ألقى حبه في قلب امرأة فرعون ﴿لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا﴾ ، ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ عن النواس بن سمعان:

(( ما مِن قلبٍ إلَّا بينَ إصبعينِ من أصابعِ الرَّحمنِ ، إن شاءَ أقامَهُ ، وإن شاءَ أزاغَهُ وَكانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: يا مثبِّتَ القلوبِ، ثبِّت قلوبَنا على دينِكَ. قالَ: والميزانُ بيدِ الرَّحمنِ ، يرفعُ أقوامًا ويخفِضُ آخَرينَ ، إلى يومِ القيامةِ. ))

[ صحيح ابن ماجه ]

أنت الآن مع الناس، الله أحياناً يلقي في قلب إنسان محبتك فييسر لك أمرك، يلقي في قلب إنسان بُغضك فيُعَسِّر لك أمرك، يلقي في قلب إنسان أن يعينك فيعينك، يلقي في قلب إنسان أن يزعجك فيزعجك، كلُّ البشر عِصي بيدي الله عزَّ وجل، أدوات، علاقتك مع الله عزَّ وجل.

﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

[ سورة هود ]

 

على كل إنسان أن يجهد أن تكون مقاييسه وفق مقياس القرآن الكريم:


﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾. . الذي عند إحساس نامٍ، لما ربنا عزَّ وجل خالق الكون، الحق، الصادق، الخبير، العليم، الحكيم، يقول لك: أنت مخطئ، معنى هذا أنك مخطئ قولاً واحداً، فالإنسان أيضاً يجتهد ألا يكون مخطئاً في نظر القرآن الكريم، قد يكون عمله في منتهى الذكاء عند الناس، (والله هنيئاً لك) ، مجتمع الكفر والنفاق أحياناً يثني على عمل، والعمل مخالف للشرع مخالفة تامة، فيقال: يا أخي فلان شاطر، فلان فهيم، فلان دبَّر نفسه، المغزى أن يكون العمل وفق القرآن الكريم، بحسب الظاهر، بمنتهى الذكاء فعل فرعون وهامان ومَكَّن نفسه في الأرض، لكن الله قال: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ كان خاطئاً، والعاقبة ليست له، فأنت دائماً اجهد أن تكون وفق مقياس القرآن الكريم، أي أن تنطبق عليك آية كريمة.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8)﴾

[ سورة يونس ]

شيء جميل، إذا آمنت وعملت الصالحات انطبقت الآية عليّ، ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ ..

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)﴾

[ سورة فصلت ]

﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)﴾

[ سورة البقرة ]

اجهد ألا تكون في ميزان نصوص القرآن خاطئاً.. 

﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)﴾ أحياناً كما يدعو بعض الخطباء من على المنابر على اليهود: اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم، أي يدبرون ومن جرَّاء هذا التدبير دمروا، اجعل تدميرهم في تدبيرهم، وهم لا يشعرون أن هذا الطفل الصغير الذي أُلْقِيَت محبته في قلب امرأة فرعون، والتي منعت فرعون من أن يقتله ﴿عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً﴾ أنَّ هذا الطفل الصغير سوف يقضي على ملك فرعون.

القصة لها تتمة نتابعها إن شاء الله تعالى في درس قادم.

والحمد لله رب العالمين 

إخفاء الصور