وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 04 - سورة العنكبوت - تفسير الآيتان 8 - 9 الإحسان إلى الأبوين- وأنواع الإحسان
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

كلام الله عزَّ وجل كلامٌ مترابط:


أيها الإخوة الأكارم؛ مع الدرس الرابع من سورة العنكبوت.

وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ .. من باب إظهار الروابط بين الآيات الكريمة، لأن كلام الله عزَّ وجل كلامٌ مترابط، قال تعالى:

﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)﴾

[  سورة هود ]

من معاني أُحكمت أنها ترابطت، فحينما قال الله عزَّ وجل: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ .. إذاً هناك فِتَن ؛ فتنٌ كبيرة، وفتنٌ صغيرة، فتنٌ خطيرة، وفتنٌ حقيرة، ربنا عزَّ وجل يُبَيِّن الآن من هذه الفتن إنسانٌ نشأ بين أبوين، عطفا عليه، حدبا عليه، أكرماه، كانا سبب وجوده، ربياه تربيةً بشكلٍ آو بآخر، فلما كبر هذا الغلام وأصبح يافعاً، هناك احتمالٌ أن يأتيه أمرٌ من والديه خلافاً لما جاء به القرآن الكريم، أو خلافاً لما أمر به الله عزَّ وجل، ما موقف الابن من هذه المشكلة ؟ هذه فتنة، بما أن الأب هو سبب وجود الإنسان، وبتربيته في الظاهر سبب بقائه، سبب وجوده من حيث الصورة، أما الحقيقة فهو الله عزَّ وجل، وسبب بقائه من حيث الصورة، أما الحقيقة فهو الله عزَّ وجل، ولكن ما من علاقةٍ في الحياة الدنيا أمتن من علاقة الأب بابنه والأم بولدها، فلو أن هذا الأب المُربي والأم المربية كانا على غير الحق، وأمرا هذا الابن بما لا يرضي الله عزَّ وجل، بشيءٍ خلاف المنهج الإلهي، هذه فتنة.

 

الغاية من الإحسان للوالدين:


لذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ .. وصينا بمعنى عَهِدْنَا، ووصينا هنا بمعنى أمرنا. 

ولماذا أمر الله الإنسان أن يحسن لوالديه؟ قال: لأن حُبَّ الأب لابنه، وحب الأم لابنها طبعٌ، لذلك لا تجد في القرآن الكريم ما يشير إلى أن يُؤمر الإنسان بأن يحب ابنه، أو أن تحب الأم ابنها، لأن هذا طبع، تحصيل حاصل، ولكن الذي أمر الله به الإحسان إلى الوالدين لأنه تكليفٌ، الإنسان قد يبني بيته، قد يعيش مع أهله، مع زوجته، وقد يرى في الإحسان إلى والديه عبئاً، ومشقةً، وكلفةً، لذلك ربنا سبحانه وتعالى أمر الإنسان بالإحسان إلى والديه، هذا تكليف. ومعنى تكليف أيْ أنَّ فيه كلفة، ومعنى أن فيه كلفة أي أن فيه رقيّاً إلى الله عزَّ وجل، كل شيء فيه كلفة فيه رُقيّ، كل شيء متوافق مع الطبع لا ترقى به، فإذا تناولت الطعام وأنت جائع، تناولك الطعام لا ترقى به إلى الله عزَّ وجل، لأنه توافَقَ مع طبعك، أما الشيء الذي ترقى به فهو الشيء الذي تُخالف فيه نفسك وهواك. 

قد يرى الإنسان الشاب أن سعادته في زوجته، وفي أولاده، وقد يرى في حالاتٍ نادرة أن أباه وأمه وقد تقدمت بهما السِّن عبءٌ عليه، لذلك جاءت توصية الله عزَّ وجل للإنسان أن يرعى أمه وأباه، وأن يكون باراً بوالديه، قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا﴾ أي عهدنا، وفي السياق أمرنا، الإنسان أي إنسان..﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ بالأم والأب، لذلك ورد: "ليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يغفر له"، وفي صياغة أخرى: "فلن يدخل الجنة"لأن الأب في الظاهر سبب وجودك، ورعايته لك حينما كنت صغيراً سبب استمرار وجودك، ربي اغفر لي ولوالدي، ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً، وجميع مبادئ العدل والإنسانية والرحمة تقتضي أن ترد هذا الجميل إلى أبويك.

 

سبب نزول الآيات:


﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ .. روى الترمذي عند تفسير هذه الآية أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ وأمه حمنة، اسمها حمنة بنت أبي سفيان، وكان باراً بأمه أشدّ البر، فقالت له: ما هذا الدين الذي أحدثته فينا؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت فتتعير بي أبد الدهر، حتى يقال: يا قاتل أمه، عَنْ سَعْدٍ قَالَ:

(( أُنْزِلَتْ فِيَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ، فَذَكَرَ قِصَّةً، وَقَالَتْ أُمُّ سَعْدٍ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالْبِرِّ؟ وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُ طَعَامًا، وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَكْفُرَ، قَالَ: فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُطْعِمُوهَا شَجَرُوا فَاهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي﴾ ، الْآيَةَ  ))

[ صحيح الترمذي  ]

هذه قصةٌ وردت في أسباب نزول هذه الآية.. ثم إنها مكثت يوماً وليلة لم تأكل، ولم تشرب، حتى قال ابنها سعد: يا أمي، لو أن لك مئة نفسٍ فخرجت واحدةً وَاحدةً ما كنت لأكفر بمحمد، فكُلي إن شئتِ، أو لا تأكلي.  

 

العبادة لله عزَّ وجل والإحسان للوالدين:


الآية دقيقة جداً، لكل إنسان حدود، لكل جهةٍ حقوق وواجبات، أما أن تختلط الأمور، الأب والأم يُحْسَنُ إليهما، ويُرعى حقهما إلى ما لا نهاية، أما أن يحملاك على معصية الله، أما أن يحملاك على أن تكفر بالله فهذا شيءٌ مخالفٌ لأمر الله عزَّ وجل، قال تعالى: 

﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)﴾

[  سورة الإسراء ]

العبادة لله وحده..﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ ، العبادة لله عزَّ وجل، والإحسان للوالدين، أما أن تختلِطَ الأمور فتصبح العبادة للوالدين، والإحسان لغير الوالدين فهذا شيءٌ ليس وارداً في أصل الدين.

 

مرتبة الإحسان والإيمان والإسلام:


إذاً قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾ ، كلكم يعلم أن هناك إسلاماً، أن تنصاع لأمر الله عزَّ وجل انصياعاً تاماً، وأنّ هناك إيماناً، والإيمان أن تُصَدِّق، وأن تُقْبِل، وأن تتجه، الإسلام طاعة، انصياع إلى كل أوامر الله وترك ما نهى الله عنه، هذه مرتبة الإسلام، مرتبة الإيمان أعلى من ذلك، أن تقبل على الله عزَّ وجل، أن تتجه إليه، لذلك:

﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)﴾

[  سورة الحجرات ]

مِن هذه الآية اتضح أن مرتبة الإيمان فوق مرتبة الإسلام، ولكن فوق المرتبتين مرتبة الإحسان، والنبي عليه الصلاة والسلام قال عن الإحسان: 

(( عن أبي هريرة وأبي ذر الغفاري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بازراً للناس، فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، ما الإيمان ؟ قال: أن تُؤمن بالله، وملائكته، وكتابه، ولقائه، ورُسُلِهِ، وتؤمنَ بالبعث الآخر، قال: يا رسول الله ما الإسلام ؟ قال: الإسلام أن تعبُدَ الله، لا تُشْركُ به شيئاً، وتُقيمَ الصلاةَ المكتوبة، وتؤدي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان، قال: يا رسول الله ما الإحسان ؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إن لم تره فإنَّه يراك، قال: يا رسولَ الله، مَتَى السَّاعَةُ ؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلَمَ من السَّائل، ولكن سأُحَدِّثُكَ عَنْ أشْراطها: إذا ولَدت الأمةُ ربَّتها. ))

[ متفق عليه  ]

 أي أنك إذا كنت في حضورٍ مع الله، من لوازم هذا الحضور الإحسان بمُطلق معانيه، إلى الخلق، إلى نفسك، إلى من هو قريب، إلى من هو بعيد، أي إذا أردت أن تضغط الدين كلَّه كله في كلمة واحدة إنه الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه، ولن تكون محسناً إلا إذا كنت في حالة حضورٍ مع الله عزَّ وجل.

الإنسان أحياناً يرغب الجزئيات والتفصيلات، ولكنه أحياناً أخرى يرغب الكلمات ذات المدلولات الكبيرة، وذات الإيجاز القليل، فالإحسان إذا كنت في حالة حضورٍ مع الله عزَّ وجل، من لوازم هذا الحضور، من علامات هذا الحضور أن تكون محسناً الإحسان: ((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)). .

 

أوّل أنواع الفتن في حياة الإنسان أن يُفْتَن بوالديه:


إذاً علاقة هذه الآية بالتي قبلها أنَّ الإنسان أقرب الناس إليه والداه، نشأ بين أحضانهما، نشأ في بَيْتِهِما، نشأ في حبهما، نشأ في رعايتهما، إذاً هناك علاقات وشيجة جداً، متينة جداً، علاقات مُتَمَيِّزَة، علاقات من الدرجة الأولى، بحكم الفطرة، بما أن الإنسان فطر على حبّ أولاده، وعلى العطف عليهم، وبما أن هذا الطفل الصغير تلقى العطف والرحمة والحنان، والشفقة والعناية والرعاية من أمه وأبيه، إذاً كانت هناك علاقات متينة جداً، هذه العلاقات إنما صممها الله عزَّ وجل كي يستطيع الأب أن يأخذ بيد ابنه إلى الله، هذا الحُب طريق الهدى، والحقيقة حينما تريد أن تهدي إنساناً لا تستطيع أن تصل إلى قلبه إلا بالإحسان، لذلك الإنسان الأول المؤهَّل ليهدي الإنسان الآخر هو الأب بالنسبة إلى الابن، لأن الأب كله إحسان، الأب كُتْلَةٌ من الإحسان والأم كذلك، إذاً هذا التصميم الأُسَرِي الذي صممه الله عزَّ وجل.

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾

[  سورة الروم ]

وهؤلاء الأولاد الذين هم ثمار هذه العلاقة، وثمار هذه المحبة، وثمار هذه المودَّة، إذا نشأ الأولاد في حجر آبائهم وأمَّهاتهم، هناك ميزة وهناك مشكلة، الميزة إذا كان هذا الأب مؤمناً فتِلك العلاقة المتينة جداً عاملٌ مساعدٌ على هِداية الابن، الذي له ابن، وبالغ في الإحسان إليه، وإكرامه، والعطف عليه، ورعايته، وتوجيهه، هذا الأب يستطيع قبل أيّ إنسانٍ آخر أن يأخذ بيده إلى الله ورسوله؛ لكن الأب الضال هناك مشكلة، إذا كان الأب مُنْحَرِفاً، أو الأب ضالاً، أو بعيداً عن جوهر الدين، أو لم يفهم الدين فهماً عميقاً، هذه العلاقة المَتينة التي أرادها الله بين الأب وابنه، هذه تغدو عُنْصُرَاً سلبياً في الدعوة إلى الله عزَّ وجل، إذاً أول أنواع الفتن في حياة الإنسان أن يُفْتَن بوالديه، ربنا عزَّ وجل قال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾ أي أيها الإنسان أنت مكلفٌ أن تُحسِن إلى أمك وأبيك ليس غير، أما العبادة فلله عزَّ وجل، وقد يفتن الإنسان إذا تلقَّى أمراً من أمه وأبيه بغير ما يرضي الله عزَّ وجل، هذه أول فتنة..﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ من هذه الفِتَن أن يكون الإنسان ذا علاقةٍ متينةٍ مع والديه، وقد يأمراه بغير ما يأمر به الله عزَّ وجل.

 

معنى الإحسان للوالدين:


الشيء الثاني: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾ معنى (حسناً) هذه الكلمة مصدر، حَسُنَ يَحْسُنَ حُسْنَاً، المقصود: ووصينا الإنسان بوالديه توصيةً حَسَنَةً، فأنت أيها الإنسان موصى من قبل الخالق بالإحسان لوالديك، وكلكم يعلم أن المحسن لوالديه له في الدنيا جزاءٌ، وفي الآخرة جزاء، له في الدنيا معاملةٌ طَيِّبَةٌ من لله عزَّ وجل، وتوفيقٌ في أعماله، وعوام الناس يعرفون هذه العلاقة، وله في الآخرة عند الله مقامٌ خاص لبره لوالديه، لِذا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:

(( قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُجَاهِدُ؟ قَالَ: لَكَ أَبَوَانِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ. ))

[ صحيح البخاري ]

إذا بر الإنسان أمه وأباه هذا العمل ربما يكفي كي تلقى الله وهو عنك راضٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: 

(( إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا. ))

[ صحيح الترغيب ]

القول الشائع: "الجنة تحت أقدام الأمهات"

 

الاستثناء من طاعة الوالدين:


﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ﴾ .. هنا المُشكلة، ربنا عزَّ وجل بدأ بالوصية الحسنة، هنا المشكلة، ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ ماذا تعني ما ليس لك به علم ؟ ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ﴾ .. أي وإن حملاك، وإن دفعاك، وإن أمراك، ﴿أَنْ تُشْرِكَ بِي﴾ أن تعبد غيري، أن تذعن لغيري، أن تطيع غيري، أن تعصيني، ﴿مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ هذه الآية أصلٌ في أن التقليد مرفوضٌ في المعصية وفي الإيمان، أي الإيمان لا يقبل تقليداً، لا يقبل إلا تحقيقاً، ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ لو سُمِحَ لإنسان أن يقلِّد إنساناً لكان هذا التقليد عذراً للضال، تقول: يا رب، تابعت فلاناً فأضلني، لذلك لا يقبل الإيمان إلا تحقيقاً عند أهل السنة والجماعة، وهذه الآية تؤكِّد ذلك: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ ، ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ ..

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)﴾

[ سورة محمد  ]

الآيات القرآنية التي تتحدَّث عن العقل، وعن أن العقل دليلٌ إلى الله عزَّ وجل، وعن أن الإنسان يجب أن يُعْمِلَ عقله في معرفة الله عزَّ وجل تقترب من ألف آية، وقد ورد: "أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً" .

 

لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق:


﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾ .. أي إذا كان الأب والأم على جانبٍ من الإيمان والتقوى والصلاح لا توجد مشكلة إطلاقاً، لأن أمر الأب والأم من أمر الله عزَّ وجل، وطاعاتهما عندئذٍ واجبة، ماذا قال سيدنا الصديق؟ << أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم >>

ولكن المشكلة أن ينشأ الإنسان في وسط غير مؤمن، في بيئة غير مؤمنة، له أب غير مهتدٍ إلى الله عزَ وجل، الأب له أمر ونهي، هذه من الفتن الكبيرة التي قد يتعَرَّض لها الإنسان حينما ينشأ في هذه الحياة الدنيا، يا أخي؛ قال لي أبي ذلك، أبي رباني، هذا توجيهٌ من الله عزَّ وجل، يقول الله عزَّ وجل: ﴿فَلَا تُطِعْهُمَا﴾ يا أمي لو أن لكِ مئة نفسٍ فخرجت واحدةً وَاحدةً ما كنت لأكفر بمحمد، فكلي إن شئتِ أو لا تأكلي، أما سيدنا سعد فقد كان باراً بأمه، هنا البطولة، أن تكون باراً، وأن تكون محسناً، وأن تكون راعياً، وأن تكون كريماً، أما في أمور العقيدة، أمور الدين، فهذه لله وحده. 

 

الابتعاد عن معصية الله لأن الرجوع إليه:


﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ .. هذه الكلمة دقيقة جداً، أنت الآن أيها الإنسان تعيش مع أمك وأبيك، تعيش إلى أمدٍ محدودٍ جداً، ربما بعد حين تستقل عنهما في بيت، أما إذا عصيتني وأطعت أمك وأباك، فالبقاء في النهاية معي، ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ العودة إلى الله عزَّ وجل، لن يكون معك أحدٌ يُدافع عنك، أو يحمل عنك التَبِعَة ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ من معنى: ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ نستفيد أنّ الإنسان:

﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) ﴾

[  سورة الغاشية ]

البطولة أن تنظر إلى هذا الرجوع إلى الله عزَّ وجل، لهذا الحساب الدقيق، لهذه الأبدية في الجنة أو في النار، هنا البطولة، لا أن ترعى حياةً مؤقتةً، أن ترعى حياةً فانيةً، سريعة الزوال، وشيكة الانتقال، ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ﴾ .. معنى فأنبئكم أي أنا معكم كنت في الدنيا؛ عليمٌ بحركاتكم وسكناتكم، عليمٌ بكل مقتضيات حياتكم، بكل أفعالكم، بكل نياتكم، إذاً ما دام الله عزَّ وجل معنا إذاً هو عليمٌ بأفعالنا، وما دامت الرجعة إليه.. ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ إذاً عنده الحساب، فالبطولة أن تحسب حساباً لهذه الرجعة، ولهذا العلم الإلهي الذي يعلم كل حركاتنا وسكناتنا.

 

مَن هُم الصالحون؟


﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ(9)﴾ .. من هم الصالحون؟ قال العلماء: هم الهداة، لقول الله عزَّ وجل: 

﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)﴾

[  سورة يوسف  ]

دعاء الأنبياء. دعاء نبي كريم:

﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)﴾

[  سورة الأنبياء  ]

أي الصالحون لعطائنا، الصالحون لإكرامنا، الصالحون لهذه الجنة الأبدية، السرمدية، الصالحون لإكرامنا.

 

من عرف الله واستقام على أمره دخل في زمرة المهتدين الذين أنعم الله عليهم:


إذاً الله سبحانه وتعالى حينما يقول: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾ بدأ بالتوصية بالحسنى، وثَنَّى بأنه من الفتن التي قد يتعرض إليها الإنسان أن يتلقَّى أمراً ممن كان سبب وجوده، وممن كان سبب استمراره في وجوده، برعايته، وتربيته، هذه العلاقة المُتميزة، إما أن تكون في عالم الإيمان عاملاً سلبياً أو عاملاً إيجابياً.. ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ ، هؤلاء الذين عرفوا الله عزَّ وجل، واستقاموا على أمره، هؤلاء دخلوا في الصالحين لعطائنا، دخلوا في زُمرة المهتدين الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.  

 

وقفة موجزة عند مرتبة الإحسان:


وقفة قصيرة عند مرتبة الإحسان؛ ما دام الله عزَّ وجل قال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾ الإحسان أيها الإخوة كما قال بعض العلماء: لُبُّ الإيمان، الإيمان؛ صلاة، وصوم، وحج، وزكاة، وأمر، ونهي، ومعاملات، وعبادات، وأخلاقيات، يمكن أن تلخِّص الدين كله بالإحسان، إذاً هو لُبُّ الإيمان، وروح الإيمان، وكمال الإيمان، مَن حسْنتْ عبادته، وساء عمله فقد ابتعد عن جوهر الدين، من صام وصلَّى وزعم أنه مسلم، ولم يكن محسناً إلى أقرب الناس إليه، إلى والديه، إلى أهله، إلى أولاده، إلى جيرانه، إلى من معه، إلى من هم فوقه، إلى من هم دونه ليس مسلماً، إذاً هو لُبُّ الإيمان، ربنا عزَّ وجل قال: 

﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)  ﴾

[ سورة الرحمن  ]

إنها آيةٌ جامعةٌ مانعة، أي سبق لك من الله إحسان، وجودك إحسان، أن يَمُدَّكَ بما تحتاج هو إحسان، أن يرشدك إليه هو إحسان، نعمة الإيجاد إحسان، نعمة الإمداد إحسان، نعمة الإرشاد إحسان، إذاً أنت حَسَنة من الله عزَّ وجل، أنت في مجملك إحسانٌ من الله: ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ﴾ يجب أن ترُدَّ الجميل، لذلك لما ربنا عزَّ وجل قال:

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)﴾

[ سورة البقرة  ]

وفي آية ثانية قال سبحانه:

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)﴾

[ سورة الجاثية ]

الكون كله مسخرٌ لك أيها الإنسان، تسخير تعريف وتسخير تكريم، ردُّ الفعل الأول أن تعرفه، وردّ الفعل الثاني أن تشكره، لذلك قال ربنا عزَّ وجل:

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾

[ سورة النساء ]

هذا درس موجز، أساسيات الدين..﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ﴾ وجودك إحسان، إمدادك إحسان، هدايتك إحسان، زوجتك إحسان من الله لك، أولادك، أجهزتك، أعضاؤك، ما حولك، الأرض بجبالها، بوديانها، بسهولها، بهذا الطعام الذي أعده الله لك، بهذه الأشياء التي حببها إليك، كُلُّكَ إحسان من الله عزَّ وجل..﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ﴾ كيف تكون محسناً؟ ((أن تعبد الله كأنك تراه)) إذا كنت في حالة حضورٍ مع الله عزَّ وجل عندئذٍ تكون محسناً، ((فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) وهذه المرتبة مرتبة الإحسان أعلى من مرتبة الإيمان، إسلامٌ فإيمانٌ فإحسان، وقد روي : "هل جزاء من علم أنه لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمدٌ إلا الجنة؟"ما هو الإيمان؟ أن تؤمن بأنه لا إله إلا الله، وأن تتابع النبي في سيرته، وفي سُنَّتِهِ، العملية إيمان وعمل، هذا هو الإحسان، ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ﴾ أن تعرف الله، وأن تنفذ أمره، ﴿إِلّا الإِحْسَانُ﴾ الجنة، الإحسان الأول الإيمان والعمل الصالح، والإحسان الثاني هو الجنة، وأنت في الأصل أثرٌ من أثر إحسان الله للإنسان، وعليك أن تفعل شيئاً يقابل هذا الإحسان بالإحسان، ورد: "هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة"..﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ﴾ إذاً: يجب أن تسعى إلى أن تكون حاضراً مع الله عزَّ وجل حتى تكون محسناً، حتى يكون إحسانك رداً لجميل الله فيك. 

 

أنواع الإحسان:


العُلماء بينوا أن الإحسان على أنواع أربع:   

1 ـ إحسان القصد:

أنت لك قصد من حضورك هذا المسجد لك قصد، إذا أردت الزواج لك قَصد، إذا أردت العمل لك قصد، أحياناً تغضب ولك من غضبك قصد، أحياناً تحزن، أحياناً تعطي، تمنع، تأخذ، تصل، تقطع، ما من حركةٍ يتحرَّكُها إنسانٌ عاقل إلا وله قَصْدٌ منها، الإحسان في القصد أن تكون مقاصدك متوافقةً مع الشرع، هذا الإحسان. 

نبدأ بالإحسان من مستوياته الأولى؛ حينما تفعل شيئاً، حينما تنبعث إلى فعلٍ شيءٍ، حينما تُقْدِمُ على عمل، حينما تقدم على تجارة، على وظيفة، على دراسة، حينما تقدم على زواج، حينما تقيم هذه الحفلة، حينما تذهب للتعزية، حينما تبتسم، حينما تعبس، حينما تضحك، حينما تغضب، حينما ترضى، لابدَّ من قصدٍ وراء هذه الأفعال إذا كنت عاقلاً، العاقل لابدَّ له من قصدٍ وراء كل أفعاله، الآن هنا السؤال: هل هذا القصد موافقٌ للشرع ؟ المحسن يحرص على أن يكون قصده في كل عملٍ موافقاً للشرع، حتى إذا اشتريت لأهلك طعاماً، ما قصدك؟ قصدك أن تعتني بهم كي تأخذ بيدهم إلى الله ورسوله، إذا اشتريت لِباساً ما قصدك؟ أن تمثِّل المؤمنين، يجب أن يكون مظهرك حسناً، اجعل قصدك التقرُّب إلى الله دائماً، هذا أحد أنواع الإحسان في القصد، يجب أن تهُذِّبَ القصد بالتَعَلُّم، كلما طلبت العلم جاءت مقاصدك موافقة لمقاصد الشريعة، أحياناً تدعو إلى وليمة وقصدك ليس إرضاء الله عزَّ وجل، إذاً من الإحسان أن تجعل قصدك مطابقاً لمقاصد الشريعة، هذا أحد أنواع الإحسان.   

2 ـ الإحسان في العزم:

الآن من الإحسان أن تجعل هذا القصد بعزيمةٍ صادقةٍ حقيقةً، أحياناً الإنسان يسمع عن قيام الليل، يقول لك: إن شاء الله أريد أن أقوم الليل، لكنه لا يملك الإرادة الكافية لذلك، الإرادة ضعيفة، كل واحد من المؤمنين له تمنيَّات كبيرة جداً، يا ترى واقعه مطابقٌ لتمنياته؟ الله أعلم، إذاً فضلاً عن ذلك يجب أن تمتلك عزيمةً تجعل هذا القصد الشريف واقعاً، ما قيمة هذه النيات الطيبة إذا كان لك واقع بعيداً عن الواقع الذي تطمح إليه؟ إذاً أول شيء في الإحسان أن يكون قصدك مطابقاً للشريعة، وسبيله العلم، الشيء الثاني أن تربي نفسك تربيةً بحيث تمتلك ناصيتها، الصوم يربِّي الإرادة، كل أمرٍ فيه معاكسةٍ لشهوات النفس، الأمر حقيقةً هو أمر، وفي حقيقته تربيةٌ لإرادة الإنسان حتى يستطيع أن ينتصر على ذاته.   

3 ـ إحسان الأحوال:

هناك شيء آخر؛ إحسان الأحوال، يجب أن يكون لك حالٌ مع الله، يجب أن يكون لك قصدٌ شريف، وعزيمةٌ صادقة، وحالٌ مع الله، والحال مع الله لا يتأتَّى إلا بطاعته، كلما أطعته كلما تجلَّى عليك، كلما أطعته كلما شعرت بالطمأنينة، كلما شعرت بالاستقرار، كلما شعرت بالثقة، كلما شعرت بالغنى، حال الغنى، والزهد، والشعور بالتوازن، والاستقرار، والطمأنينة، والأمن، هذه أحوال أهل القرب، تقترب من الله ثم تخاف؟! تقترب من الله ثم تشعر بالفقر؟ أنت من خوف الفقر في فقر، ومن خوف المرض في مرض، وتوقُّع المصيبة مصيبة أكبر منها، إذاً عندنا بالإحسان درجة ثانية أن يكون لك حال مسعد مع الله، طاعتك لله عزَّ وجل، وأعمالك الصالحة تشعرانك بالطمأنينة، تشعرانك بالقرب، لذلك سبيل أن تمتلك حالاً طَيِّبَاً تسعد به أن تكون مُتَقَصِّيَاً لطاعة الله عزَّ وجل في كل شيء، وأن تتقرب إلى الله بخدمة عباده، طاعته وخدمة عباده يجعلانك في حالٍ طيب تسعد به هذا من الإحسان. 

فالإحسان الثالث إحسان الأحوال، يجب أن تكون أحوالك حسنة، فيها قُرْبٌ مع الله عزَّ وجل، فيها تجلّ من الله عزَّ وجل، هذه الأحوال أسبابها طاعة الله عزَّ وجل، والتقرب إليه بخدمة الخلق، وصحبة الصادقين، لقول الله عزَّ وجل: 

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾

[ سورة التوبة  ]  

4 ـ إحسان العمل:

بقي علينا إحسان ثالث إحسان العمل، إحسان العمل أن يكون موافقاً للشرع، ما من شيءٍ إلا وللشرع حكمٌ فيه، هذا أمر، نهي، واجب، مستحب، مباح، مكروه، كراهة تحريمية، كراهة تنزيهية، مُحَرَّم، فإذا كانت أعمالك كلها مطابقةً للشرع جاء عملك حسناً، وإذا كنت فضلاً عن ذلك محسناً بالمعنى الدقيق، أي لك عطاؤك، ولك خدمتك، هذا أيضاً ينطوي تحت كلمة الإحسان في العمل.  

5 ـ الإحسان في الوقت:

وأما الإحسان في الوقت وهو من أخطر أنواع الإحسان، أي أن تجعل وقتك كله في طاعة الله، ألا يكون عملك نَوْبِيَّاً، أي ساعة لك وساعتان لربك، أو ساعة لك وساعة لربك، هذا ما يقوله عامة الناس، الإحسان في الوقت أن تجعل وقتك كُلَّهُ في طاعة، وفي عبادة، وفي خدمة، وفي تعلُّم، وفي تعليم، وفي الأمر بالمعروف، وفي النهي عن المنكر، لأن المؤمن لا يندم يوم القيامة إلا على ساعةٍ مَرَّت لم يذكر الله فيها. 

عندنا إحسان في القصد، وإحسان في العزم، وإحسان في الحال، وإحسان في العمل، وإحسان في الوقت، الإحسان في الوقت اجتهاد، أن تجعل جُلَّ أوقاتك في طاعة الله، في خدمة الخلق، في معرفة الحق، في التعليم، في التعلُّم، في الأمر، في النهي، في طلب مرضاة الله عزَّ وجل. 


ملخّص الموضوع:


 كلمة: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾ .. فَرَّعنا منها موضوع الإحسان الذي هو مرتبةٌ تفوق مرتبة الإيمان، وفي مُلَخَّص الموضوع، أنك إذا كنت في حالة حضورٍ مع الله عزَّ وجل، من لوازم هذا الحضور أنك تكون محسناً إلى نفسك، وإلى أهلك، وإلى من حولك، وإلى كل مخلوق، وهذا الإحسان ما هو إلا رَدّ لإحسان الله إليك، أحسن إليك إذ أوجدك، وأحسنَ إليك إذ أمَدَّك، وأحسنَ إليك إذْ هداك..

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)﴾

[ سورة الإنسان  ]

إحسانك ردّ لهذا الجميل، لبعض الجميل..﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ﴾ .

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور