- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (029)سورة العنكبوت
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
معنى لقاء الله:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الثالث من سورة العنكبوت.
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
وقال بعض المفسِّرين في لقاء الله عزَّ وجل: هو أن يلقى وعده ووعيده، وثوابَهُ وعقابه.
وقال بعض المفسِّرين في لقاء الله عزَّ وجل: هو أن تَلْقَى حكم الله في كل شيء،
أيها الإخوة الأكارم؛
كلُّ آتٍ قريبٌ:
أضرب لكم بعض الأمثلة: إذا جاء رمضان، في أول يوم من أيام الصيام تقول: ما أبعد العيد، وما هي إلا أيامٌ وليالٍ حتَّى يأتي العيد، إذا دخلت في العام الدراسي تقول: ما أبعد الامتحان، ما هي إلا أسابيع وأشهر حتَّى يأتي الامتحان، إذا دخلت في مشروع مُدَّة العقد فيه خمس سنوات، ما هي إلا أيام وليالٍ وأسابيع وأشهر وسنين حتَّى يأتي الموعد المَطلوب، كيف يمضي الصيف ويأتي الشتاء ويمضي الشتاء ويأتي الصيف؟ كيف وصلت إلى سن الأربعين والخمسين؟ كيف مضت هذه السنون؟ هكذا..
﴿ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا
هذا اليوم الذي سمَّاه الله يوم الدين، يوم الجزاء، يوم الحساب، يوم الدينونة، هذا اليوم سيأتي، وما دام سيأتي والوعد من قِبَلِ الله عزَّ وجل إذاً في حكم أنه قد أتى.
مِن إعجاز القرآن الإخبار عن المستقبل بصيغة الماضي:
من إعجاز القرآن قول الله عزَّ وجل:
﴿
أنا متى أستعجل الأمر؟ إذا لم يأتِ بعد، الله عزَّ وجل قال:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)﴾
قد تسأل أنت: والله أنا لم أرَ هذا الشيء، هذا خبر، كان يُتوقَّع أن يقال: ألم تسمع بخبر أصحاب الفيل؟ لمَ ربنا عزَّ وجل عَدَلَ عن قوله ألم تسمع بألم ترَ؟ قال: لأن إخبار الله عزَّ وجل في حكم الشيء المُشَاهد..
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ
إخبار الله عزَّ وجل في حكم المشاهدة، لذلك قال:
على المؤمن أن يرجو لقاء الله وأن يستعدّ له:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾
الحقيقة الإنسان ليسأل نفسه هذا السؤال: ماذا يرجو؟ هناك من يرجو مالاً، هناك من يرجو جاهاً، هناك من يرجو بيتاً، هناك من يرجو مركبةً، هناك من يرجو مكانةً، لكن المؤمن يرجو لقاء الله، يرجو الله واليوم الآخر، يرجو ما عند الله من ثواب، يرجو ما عنده من تَكْرِمَة، يرجو مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، هذا الذي يرجوه، لذلك الكلمة الشهيرة عند من أخلص قلبه لله عزَّ وجل: "إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي".
﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا
أن يقوم الناس لربِّ العالمين، أن يُحَجَّمَ الإنسان.
﴿
الله سميع للأقوال عليم بكل شيء:
بطولة الإنسان أن يهيِّئ جواباً لمن يطَّلع عليه في سرِّه ونجواه:
مرَّة استنصحني إنسان يعمل في وظيفة تبدو للناس مزعجة، بإمكانه أن يضبط هذا بمخالفةٍ، وأن يضبط هذت بمخالفة، والمخالفة جزاؤها السجن، فاستنصحني، فقلت له: افعل ما تشاء، اكتب كما تشاء، ضع الناس في المكان الفلاني ما تشاء، ولكن إذا كنت بطلاً حقيقةً فهيِّئ لله جواباً يوم القيامة عن كل عَمَلٍ تعمله، هذا الكلام الصحيح، أنت مدرِّس، أنت طبيب المريض بين يديك مستسلم واثق، قل له: تعال كل يوم، وادفع مئة ليرة يومياً يصَدِّق ويأتيك كل يوم، أنت محامٍ، أنت مهندس، أنت مدرِّس، قل ما تشاء ولكن هيِّئ لملك الملوك يوم القيامة جواباً، هيِّئ للواحد الديَّان جواباً، ماذا تقول يوم القيامة لربِّك؟ كان سيدنا عمر بن عبد العزيز ما من آيةٍ يُكْثِرُ تلاوتها كهذه الآية:
﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)﴾
هذا الكلام لنا جميعاً، كل منا له عمل، بإمكانه أن يصدق وأن يكذب، بإمكانه أن ينصح وأن يَغُش، بإمكانه أن يتساهل وأن يتعاسر، بإمكانه أن يُعطي أو ألا يعطي، بإمكانه أن يرحم أو أن يقسو، بإمكانه أن ينصف أو أن يظلم، الله عزَّ وجل جعلك في دار ابتلاء، جعلك في دار امتحان لينظر كيف تعملون؟ كيف تفعلون؟ ما الموقف الذي سوف تقفه؟ ماذا تفعل أتعطي أم لا تعطي؟ ترحم أم لا ترحم؟ "إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي"، تنصف أم لا تنصف؟ تقسو أم لا تقسو؟ فالبطولة أن تهيِّئ جواباً لمن يطَّلع عليك في سرَّك ونجواك، هذه البطولة..
﴿ الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)﴾
في هذه السورة..
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)﴾
إلى آخر الآيات.
إذا كنتَ على يقين بسمع الله وبصره فراقب أقوالك وأعمالك:
إذاً:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ
تمهيد بين يدي الآية:
الآن ننتقل إلى قوله تعالى:
مثلاً: المدرسة هل يُعْتَنى بأثاثها إلى درجة أن الإنسان إذا جلس على هذا الكرسي ينام؟ لا، كرسي عادي، لأن الهدف الأساسي من وجود الطالب في هذه المدرسة التَعَلُّم، إذاً المقعد طبيعي، عادي، المرافق عاديَّة، لكن هناك أماكن أخرى كالمتنزَّهات أماكن جميلة جداً.
الطبيب مثلاً إذا كان في غرفة العمليَّات له ثياب قد تكون ليست لائقة ولا أنيقة، لأن هنا أهمّ ما في الأمر أن تكون هذه الثياب مُعَقَّمة، أهم ما في الأمر أن تكون الآلات معقَّمة أيضاً، لكن في بيته يرتدي ثياباً أخرى، فيجب أن تعرف هذه الدنيا ما سرُّ وجودك فيها؟ إنما هو الابتلاء.
الدنيا مُرَكَّبةً على بذل الجهد:
لذلك يقول ربنا عزَّ وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)﴾
الكدح بذل أقصى الجهد..
طبيعة الحياة الدنيا تقتضي أن يَتَكَبَّدَ الإنسان المشاق:
شيءٌ آخر؛ ربنا سبحانه وتعالى يقول في الآية الأولى التي قلتها قبل قليل:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)﴾
أي أن طبيعة حياته، طبيعة الحياة الدنيا تقتضي أن يَتَكَبَّدَ الإنسان المشاق، فلمَّا يفهم الإنسان فلسفة الحياة الدنيا على أنها بذلٌ للجهد، وتحمُّلٌ للمشقَّة يتقبَّل فيها كل شيء، أما إذا فهم أنّ الحياة الدنيا راحة، واستمتاع، ورفاه، وإنفاق للمال، وتناول ما لذَّ وطاب من المأكولات، والاستمتاع بالمباهج حلالاً أو حراماً، فهذا شأن أهل الدنيا، هذا شأن البعيدين عن الله عزَّ وجل، هذا شأن الجُهَّال، يفهمون الدنيا على أنها مكانٌ للراحة، للاستجمام، للسرور، للنزهات، للولائم، للسياحة، للتمتُّع بمباهج الدنيا، هذا الفهم فهم خطير، أنت في دار عمل، أنت في دار ابتلاء، أنت في دار كَدْحٍ، أنت في دار تَكَبُّدٍ، أنت في دار جهادٍ، أما السرور، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ:
(( أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ. قالَ أبو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ:
الجزاء في الآخرة، التشريف في الآخرة، الاسترخاء في الآخرة، السرور في الآخرة، في جنَّةٍ لا نصب فيها، ولا حزن، ولا شقاء، ولا قلق، ولا مرض، ولا فاقة، ولا أي شيء.
أردت من هذا التمهيد أن الإنسان إذا عرف أن سرَّ الحياة أساسه بذل الجهد، لذلك ما هو التكليف؟ التكليف شيءٌ فيه كُلْفَة، الله عزَّ وجل خلق الإنسان على طبعٍ، وجعل التكليف مُناقضاً له، فهذا الجسم يميل إلى الراحة، وأنت مُكَلَّفٌ أن تصلي، هذا الجسم يميل إلى أن يستمتع، وأنت مكلَّفٌ أن تغضَّ بصرك عن محارم الله، هذا الجسم يميل إلى اللذَّة، وقد تؤمر أن تدع أيَّةَ لذَّةٍ لا ترضي الله عزَّ وجل، فأي شيءٍ كلَّفك الله به مبنيٌّ على بذل الجهد، مبنيٌّ على الكُلْفَةِ، ولا ترقى إلى الله عزَّ وجل إلا إذا كان هذا الأمر فيه كلفةٌ عليك، لذلك أُمرت بغضِّ البصر، أُمرت بأداء الصلوات، أُمرت بالصيام، أُمرت بالحَج، أُمرت بكف اللسان عن الغيبة والنميمة، أوامر كثيرة مأمورٌ بها تتناقض مع طَبْعِكَ، هذا هو الجهاد بذل الجهد في طاعة الله عزَّ وجل، وتحمُّل الشدائد والمشاق.
معاني الجهاد:
كلكم يعلم أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليعرفه، والحقيقة أن الجهاد ل معانٍ كثيرة: مثلاً: قال ربنا عزَّ وجل:
أنواع الجهاد:
1 ـ جهاد العدو:
الحقيقة المجاهدة أنواع: من المجاهدة أن تجاهد العدو، يقول لك: الجهاد.
2 ـ جهاد النفس والهوى:
ومن المجاهدة أن تجاهد النفس والهوى: رَجَعْنا مِن الجهادِ الأصغرِ إلى الجهادِ الأكبرِ، جهاد النفس والهوى.
3 ـ جهاد الشيطان والمغريات:
ومن المجاهدة أن تجاهد الشيطان والمُغْرِيَات، عندك مصدر إغراء: الشيطان والشهوات، ونفسك مصدر قَلِق مُقْلِق، والعدو، فإذا قلنا: الجهاد ؛ نعني به جهاد العدو، ونعني به جهاد النفس والهوى، ونعني به جهاد النفس ضدَّ الشيطان والشهوات.
4 ـ جهاد طلب العلم:
والجهاد يكون بالبذل ويكون بالصبر، بذل المال جهاد، بذل الوقت جهاد.
الإنسان إذا أتى إلى مسجدٍ ليتلقَّى درس علمٍ، ليتعرَّف إلى كتاب الله، إلى حديث رسول الله، إلى موضوعاتٍ في الفقه، إلى سُنَّة رسول الله، هذا جهاد لأنه بذل وقته، بذل وقته رخيصاً في سبيل معرفة الله عزَّ وجل.
إذاً:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا
صار معنى الجهاد فيه بذل وفيه تَحَمُّل، البذل إيجابي والتحمُّل سلبي، إذاً: معنى الجهاد الدقيق: "أن تبذل ما في وسعك وأن تتحمَّل المشاق قدر وسعك"، بذلٌ وتحمُّل.
من علامات المنافق كره بذل الجهد وتحمل المشقة:
إذا فهمنا الحياة الدنيا هكذا لا يعنينا الرفاه، والتَرَف، والسرف، وتهيئة الأمور بحيث تغدو مريحةً إلى درجةٍ ننسى فيها مهمَّتنا في الدنيا، نأكل، ونشرب، ونسكن، ونتزوَّج، ونعمل، ولكن بهدفٍ كبير دون أن تكون الدنيا هي محط رحالنا، ومنتهى آمالنا.
﴿
المنافق يكره بذل الجهد، يعطي نفسه ما تشتهي، ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟ قال: عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ. ))
تعلُّمُ القرآن وتعليمُه من الجهاد:
﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)﴾
كلمة ( به) تعود على القرآن الكريم، أي فهم كتاب الله، حسن تلاوته، أن تتلوه حقَّ تلاوته، أن تفقه معانيه، أن تتدبَّر آياته، أن تعمل به، هذا جهاد، معك كتاب مقرَّر ؛ فيه آيات، فيه قصص، فيه وعد، فيه وعيد، فيه أخبار الأمم السالفة، فيه بِشارات، فيه تحذيرات، أن تقف على معاني هذا الكتاب، أن تفهمها، أن تعمل بها، أن تعيشها، أن تدعو إليها، أن تُلَقِّنَها للناس، أن تعلِّمها لغيرك، هذا جهاد، قال تعالى:
﴿
ما الوسيلة؟
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ
أحياناً يأتي ما بعد الواو تفسيراً لما قبلها، ما الوسيلة؟ أن تجاهد في سبيل الله نفسك وهواك، إذاً: باللغة المُستعملة حديثاً ليست عربيَّة.. استراتيجية المؤمن في الحياة، مركز الثقل في الحياة عنده بذل الجهد، بينما أهل الدنيا أساس حياتهم التلقي، والراحة، والانغماس في الملذَّات، والاسترخاء، والاستمتاع بكل مباهج الدنيا، لذلك المؤمن حياته مجموعةٌ من المتاعب، المتاعب المقدَّسة في سبيل معرفة الله، في سبيل التعريف به، في سبيل التَقَرُّب إليه، في سبيل أخذ نفسِهِ بالعزائم، وحياة أهل الدنيا أساسها الراحة، والرفاهيَّة، والسرف، والترف، والانغماس في الملذَّات، لماذا كان العلم ضرورياً؟ من أجل أن تعرف سرَّ وجودك، فالمؤمن يعرف أن الله عزَّ وجل خلقه في الدنيا كي يعرفه..
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)﴾
أواخر سور القرآن تلخيص للسورة:
أواخر السور؛ كما عوَّدنا ربنا سبحانه وتعالى فيها تلخيصٌ للسورة كلها، فسورة البقرة تنتهي بقوله تعالى:
﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)﴾
أقول: مِن، من تفسيرات هذه الآية لأن القرآن الكريم حمَّال أوجه، ولا يستطيع إنسان على وجه الأرض أن يقول: هذه الآية هذا تفسيرها، هذا كلام الله، كلام الله لانهائي..
﴿ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا(109)﴾
فحينما تفسِّر، أو حينما تُدْلِي برأي في آيةٍ أو حديثٍ الأوْلى أن تقول: مِن، لأن من للتبعيض، من تفسيرات هذه الآية أن الله عزَّ وجل يقول:
الله تعالى هو المالك لكل شيء مُلْكَاً وتصرُّفاً ومصيراً:
لكن إذا قال الله عزَّ وجل: لِلَّهِ، أي هذا الكون مِلْكُهُ مُلْكَاً وتصرُّفاً ومصيراً، والملكيَّة تامَّة، والتصرُّف تام، والمصير لله عزَّ وجل، ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني قال:
العلاج الإلهي:
البطولة هناك طريقان للشفاء، كيف أن في الطب أيضاً طريقين: طريق المعالجة السريريَّة، وطريق العمل الجراحي، إذا انتبه أحد لنفسه في الوقت المناسب، وكان عنده رغبة صادقة في الشفاء قد يعالج علاجاً لطيفاً من دون إزعاج، من دون فتح بطن، من دون تخدير عام، من دون أن يسيل الدم، من دون أن يشعر بآلام ممضة، فإذا أصرَّ على خطئه، أصرَّ على ضلاله، على انحرافه، يأتي العلاج الجراحي، أي إذا خالف الإنسان، عصى، قصَّر، فعل شيئاً لا يرضي الله عزَّ وجل، إما أن يستغفر، ويتوب، ويصلح، ويقبل حتى يَطْهُر، وإما أن ينتظر العلاج الإلهي، وربنا عزَّ وجل علاجه دقيق، وعلاجه صعب أحياناً، ومصيبته مصيبة، إذا أصاب الله الإنسان بشيء، فالله سمَّاها مصيبة، لأنها تصيب الهدف تماماً.
هذه الآية سبحان الله تلخيص لسورة البقرة:
من لوازم أهل العلم أنهم يشهدون للخلق أن الله عادل:
هناك آية ثانية:
﴿
فربنا عزَّ وجل جعل من لوازم أهل العلم أنهم يشهدون للخلق أن الله قائمٌ بالقسط أي عادل، فأية قصَّةٍ، أو أي تفسيرٍ، أو أي توجيهٍ، أو أي حديثٍ، أو أية دعوةٍ، أو أية نظريَّةٍ، أو أية فكرةٍ، أو أية مبدأٍ يوحي بأن الله ليس بعادل فهذا باطلٌ في باطل، وهذا المتكلِّم جاهل بشهادة ربنا عزَّ وجل..
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)﴾
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ
﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ
﴿
شرح كيفية صلاة التسابيح:
ورد في الأثر أنه:
صلاة التسابيح عبارة عن ثلاثمئة تسبيحة يجب أن نقولها في أربع ركعات، التسبيحات هي سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، نبدأ بعد تكبيرة الإحرام بدعاء الاستفتاح، سبحانك اللهمَّ وبحمدك، ونعد خمس عشرة مرَّة سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويمكن للشخص بأصابعه أن يعد خمس عشرة مرَّة، وبعدها يقرأ الإمام الفاتحة، وما تيسَّر من القرآن، ونرجع نعد كذلك عشراً، بالركوع عشراً فصار العدد خمساً وثلاثين، وعند كل حركة عشر، أي في كل ركعة خمس وسبعون مرَّة.
تفسير الباقيات الصالحات:
الله عزَّ وجل قال:
﴿
في بعض التفاسير الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أما المال فقد يكون معك ألف مليون، ولكن (سبحان الله) أفضل.
في تفسير الآية إذا قلت: سبحان الله! أي سبَّحت الله، أي نزَّهته، ومجَّدته، هذه سبحان الله، والحمد لله حمدته، ولا إله إلا الله وحدَّته، والله أكبر كبَّرته، إذا سبَّحته وحَمِدته ووحدته، وكبرته فقد عرفته، وإذا عرفته هذه المعرفة أفادتك إلى أبد الآبدين، أما المال والبنون فينتهيان بموت الإنسان. فالآية جميلة المعنى جداً
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين