- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (029)سورة العنكبوت
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
مكافأة الله للمؤمنين يوم القيامة:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس التاسع من سورة العنكبوت.
وصلنا في الدرس الماضي إلى قصَّة سيدنا لوطٍ عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام، ولكن نريد أن نقف وقفةً يسيرة عند آخر آيةٍ في قصَّة سيدنا إبراهيم، حينما قال الله عزَّ وجل:
﴿
شيءٌ مستحيل.
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)﴾
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)﴾
﴿
لذلك:
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾
كأن الله سبحانه وتعالى يحبُّ من المؤمن أن ترتفع معنوياته، يحبّ من المؤمن أن يكون واثقاً بعطاء الله عزَّ وجل، يحبّ من المؤمن أن يشعر أن له عند الله منزلة، أن له عند الله مكانة، أما هذا الذي يرى نفسه كغيره من غير المؤمنين، من العصاة، من الضائعين، من الشاردين، وأنه ينتظر بلاء الله عزَّ وجل، لابدَّ من أن تُمْتَحَن، لابدَّ من أن تُبْتَلَى، ولكن لابدَّ من أن تستقر أحوالك على الإكرام الإلهي، لأن الله سبحانه وتعالى هذا وعدهُ، هكذا وَعَد الله المؤمنين، قال تعالى:
﴿
والذي يُثلِجَ الصدر كما يقولون إن المؤمنين ارتباطهم بدينهم أكبر بكثير من مستوى قناعتهم، لأنهم حينما آمنوا بالله، وحينما اصطلحوا مع الله، وحينما تابوا توبةً نصوحاً، وحينما عملوا الصالحات بدَّل الله حياتهم، جعلها حياةً طيِّبة كما وعدهم، جعل نفوسهم طيِّبة، حياتهم طيِّبة، جعل قلوبهم مطمئنَّة، جعلهم يشعرون بأنهم عند الله من المقرَّبين.
إذاً تعليقاً على قوله تعالى:
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا
الفرق بين الأجر والأجرة والأجر والجزاء:
الآن ننتقل إلى قصَّةٍ ثانية، وهي قصَّة سيدنا لوطٍ عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام.
لا تنسوا أن كلمة الأجر تختلف عن الأُجرة، الأجرة في الدنيا، أما الأجر فيشمل الدنيا والآخرة.
ولا تنسوا أن كلمة الأجر تفترق عن الجزاء، فالأجر للخير، والجزاء للخير والشر، الأجر شيء، والأجرة شيءٌ آخر، الأجرة في الدنيا، أما الأجر ففي الدنيا والآخرة، والأجر غالباً هو العطاء الإلهي الذي يكون تعويضاً عن عبادة الإنسان لله عزَّ وجل العبادة الحقة، وأما الجزاء فالجزاء يشمل العقاب والإكرام، أما الأجر فيختلف عن الجزاء في أنه للإكرام فقط.
شيوع الفاحشة في قوم لوط:
الحسَن ما حسّنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع:
خطورة إعمال العقل وترك النقل:
الدليل الآخر؛ هناك أشياء كثيرة لو عُرِضَت على العقل البشري قبل سنواتٍ عدَّة لَكَذَّبها، الآن العقل يصدِّقها، إذاً هو قاصر، ما كان يكذِّبه في الأمس يصدِّقه اليوم، إذاً هو مقياسٌ، ولكنَّه يُستعمل في الحدود التي وضِعَ لها، وفي حدود المعطيات التي بين يديه، فلذلك الأصل هو الشرع، كما نقول دائماً: الدين نقلٌ، والعقل لفهم النقل، وإذا تعارض النقل مع العقلِ، واستحال التأويل فالنقل هو الأصل، ولابدَّ من أن يكتشف العقل بعد حين صواب النقل، لأن النقل عن الله عزَّ وجل، والله سبحانه وتعالى قرآنه وكلامه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنت إذا وجدت النقل، ولم تفهم حكمته فعليك أن تأخذ به بكلتا يديك، لأن العقل فيما بعد سيكتشف حكمته، والبشرية الآن تعاني ما تعاني لأنها أخذت بعقلها فقط، من هم الغربيون؟ أُنَاسٌ حكَّموا العقل في كل شيء، إلى أن فسدت حياتهم، حقَّقوا إنجازاتٍ حضاريَّة كما يقولون في الآلات، والأجهزة، وغزوا الفضاء؛ ولكن في علاقاتهم الاجتماعيَّة، وعلاقاتهم الأسرية لأنهم حكَّموا العقل، وألقوا بالشرع في عرض الطريق وراء ظهورهم، فجاءت حياتهم جحيماً لا يطاق.
قلت في الخطبة اليوم: إنَّ ربع مليون مصابون بمرض الإيدز، وقد ذكَّرني أخٌ كريم أن هذا الرقم هو الذي أُبْلِغَ عنه فقط، أما الحالات التي لم يُبَلَّغ عنها فحالاتٌ كثيرةٌ جداً، وإنَّ عشرة ملايين إنسان يحملون هذا المرض، وهذا مرض مخيف مدمِّر، مِن أين جاء هذا المرض؟ من انحراف الإنسان عن منهج الله عزَّ وجل، إذاً منهج الله هو الأصل، فإذا تعارض العقل مع النقل فالنقل هو الأصل، والعقل بعد حين يفهم حكمة النقل.
لذلك ينبغي للمؤمن أن يستسلم لله عزَّ وجل إذا رأى الكون، وما فيه من آياتٍ باهرات، ورأى الشرع، وما فيه من إعجاز، ورأى القرآن وما فيه من إعجاز، ورأى أفعال النبي عليه الصلاة والسلام الدالَّة على نبوَّته يجب أن يستسلم، حينما تصل بعقلِك إلى الله عزَّ وجل، وبعقلك إلى إعجاز هذا الكتاب، إذا جاءك في هذا الكتاب شيءٌ لم تَتَّضح لك حكمته يجب أن تستسلم له، لأنك بعد أن آمنت بالله بعقلك، وبرسوله بعقلك، وبكتابه بعقلك، لابدَّ من أن تستسلم، وأن تنتظر أن الله عزَّ وجل يكشف لك بعد حينٍ عن حكمة هذا الأمر.
الأمر التشريعي والأمر التكويني:
دائماً يجب أن يتَّضح لديكم أن حجم المؤمن، وأن عبوديَّة المؤمن، وأن مستوى المؤمن ليس في البحث عن الحكمة، وتعليق تنفيذ الأمر على معرفة الحكمة:
﴿
ولاسيما أنه يوجد عندنا أمران: هناك أمر الله التشريعي، وأمر الله التكويني، أي إذا قال الله لك:
﴿
هذا أمر تشريعي، أن تقول: هذا الشيء لا يُطبَّق في هذا الزمان، وأنا طاهرٌ عفيف لا أتأثَّر بالنظر، فهذا كلامٌ فارغ، معنى ذلك أنك تأتي بحكمٍ آخر، وإذا قضى الله شيئاً جعل هذا الإنسان عقيماً، جعل له ذريَّةً من البنات فقط هذا أمرٌ تكويني، يجب أيضاً أن تستسلم.
الله عز وجل فطر الإنسان فطرة معينة:
﴿
فكل رجلٍ أَوْدَعَ الله فيه حبَّ المرأة.. شيءٌ جميل.. لكن الله عزَّ وجل جعل لهذه الشهوة قناةً نظيفةً طاهرة نقيَّةً، إنها قناة الزواج، ما من شهوةٍ أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها طريقاً نظيفاً للسير فيه.
لنأخذ على ذلك موضوع النساء؛ بعد أن أودع الله في الإنسان حبَّ النساء سمح له بالزواج، فالزواج قناةٌ نظيفةٌ مشروعةٌ طاهرةٌ نقيَّةٌ بنَّاءَةٌ، وإذا زنا الإنسان خرج عن أمر الله عزَّ وجل، خرج عن شرعه، خرج عن منهجه، خرج عن تعليمات الصانع، فيدفع الثمن باهظاً، ولكنّ فعْلَ قوم لوط شيءٌ آخر، حتَّى لو زنا الإنسان فهذا الزنا فاحشة، وله مضاعفات، فيه اختلاط أنساب، فيه خيانات، فيه مشكلات كثيرة جداً، لهذا حرَّمه الله عزَّ وجل، بل إن الله عزَّ وجل أبلغ من أن يُحَرِّمه فقال:
﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
نفى عن المؤمنين أنهم يزنون، والنفي أبلغ من النهي عند علماء الأصول.
﴿
مراحل الإنسان في التعامل مع الغير؛ الإدراك والانفعال والسلوك:
هذه نقطة مهمَّة جداً أتمنَّى عليكم أن تكون واضحة عندكم؛ الإنسان في تعامله مع من حوله، مع المحيط الذي يحيط به في ثلاث مراحل؛ الإدراك، والانفعال، والسلوك.
مثلاً لو أن إنساناً رأى في بستان حيَّة، بحكم معلوماته ومفهوماته التي درسها في المدارس، أو ملاحظاته في بعض المتاحف الزراعيَّة، أو قراءاته، أو تجاربه السابقة، أو القصص يدرك أن هذه أفعى، حصل إدراك، إذا كان الإدراك صحيحاً لابدَّ من انفعال، ما الانفعال؟ أن يضطرب، وإذا كان الانفعال صحيحاً لابدَّ من سلوك، إما أن يهرب منها، وإما أن يقتُلها، جئت بهذا المثل لأنه ما من علاقةٍ مع المحيط الخارجي إلا وينتظمها هذا القانون، إدراكٌ فانفعالٌ فسلوك، أنت يمكن أن ترى وردةً جميلة، تدرك أنها جميلة، وتنفعل بجمالها، وتقول: سبحان الله! ما أجملها! إلى هنا لست مؤاخذاً على شيء، لو نظرت إلى وردة، إلى شجرة، إلى بيت، إلى حديقة، إلى بحر، إلى شيء جميل أودع الله فيه شيئاً من جماله، إنَّك إن أدركت، وإن انفعلت فلا شيء عليك، إلا في موضوع المرأة، الوردة لو قطفتها تُحاسَب، لو أخذتها من غير حقّ تُحاسب، لكن موضوع المرأة موضوعٌ آخر؛ محرَّمٌ أن تنظر، ومحرَّمٌ أن تنفعل، ومحرَّمٌ أن تخطو، لأن الله عزَّ وجل هكذا أمرنا، فقال:
الحكمة مِن تقديم غض البصر على حفظ الفرج:
يبدو أن تقديم غضِّ البصر على حفظ الفرج تقديمٌ دقيقٌ جداً، بمعنى أن الإنسان لا يستطيع حفظ الفرج ما لم يغضَّ البصر، فأن يأتي غضّ البصر قبل حفظ الفرج معنى ذلك أن غضّ البصر طريقٌ إلى حفظ الفرج، إنَّك في الوردة إن نظرت إليها، وأدركت جمالَها، وانفعلت بهذا الجمال، ولم تقطفها، ولم تعتدِ عليها، لا يحدث شيءٌ إطلاقاً، ولست آثماً في شيء، إلا أنك في موضوع المرأة، النظر يؤدي إلى الانفعال، والانفعال يؤدي إلى السلوك، هذه معصيةٌ فيها قوَّة جذب، وكل معصيةٍ فيها قوة جذبٍ حُرِّمَ عليك مُقَدِّماتها..
﴿ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ
الزنا خروج عن منهج الله واللواط خروج عن الفطرة:
لابدَّ من أن تدع هامش أمانٍ بينك وبين المُحَرَّمات المتعلِّقة بالنساء، ولكن هذا الإنسان الذي أودع الله فيه حبَّ النساء، واقترف جريمة الزنا.. الزنا جريمة.. ماذا فعل هذا الإنسان؟ خرج عن منهج الله، لكنَّه لم يخرج عن فطرته، الفطرة أن الله أودع في الإنسان حبَّ النساء، خرج عن منهج الله، خرج عن تنظيم الله عزَّ وجل، عن أمره ونهيه، ولكنَّه حينما اقترف هذه الجريمة لم يخرج عن فطرته، أما جريمة اللواط ففيها خروجٌ عن الفطرة الإنسانيَّة التي فطر الله الناس عليها، لأسباب كثيرة..
﴿
معنى الحرث مكان الزراعة، إنك تزرع هذا الماء فينبت ذلك الغلام، الذي يسميه بعض الأدباء: ثمرة القلب..
تفسيرات الآية التالية:
إذاً:
﴿
قُطِعَ هذا السبيل، قُطع النسل، قُطِعَت هذه العلاقة الطيِّبة، ولا أكتمكم أن هناك حقائق اجتماعيَّة في بلاد الغرب يندى لها الجبين، وقد لا تُصدَّق لهولها، الآن تجري عقود زواج في الكنائس في بلاد أمريكا وأوروبا زواج بين الشبَّان أنفسهم، أي هناك انحرافاتٌ لا يتصوَّرها العقل، انحرافٌ لا عن منهج الله بل انحرافٌ عن أصل الفطرة..
هناك تفسير آخر لهذه الآية،؛ وهو أن قوم لوط كان إذا مرَّ بهم شبَّانٌ أخذوهم عنوةً وفعلوا بهم الفاحشة، وعذَّبوهم، هذا المعنى الآخر التاريخي.
جرائم قوم لوط:
قرأت البارحة أن مليون طفل في أمريكا يُعْتَدَى عليهم من قِبَل آبائهم، في كتاب دراسة علميَّة، وتقارير أصوليَّة من قِبَلِ آبائهم، إذاً هذه جريمة رابعة أو خامسة.
موقف نبي الله لوط من عَمَل قومه التنبيه والتحذير:
سمعت مرَّة أنّ إنساناً يعمل في حقل ألغام استهزأ بالله، قال: إن كان موجوداً فليثبتْ وجوده، داس على لُغْمٍ من دون أن ينتبه فانفجر في وجهه، وفقد بصره، قلت: سبحان الله! الله سبحانه وتعالى أعطاه فرصة ليتوب، فكلَّما خوَّفتَ هؤلاء، وأنذرتهم، وحَذَّرتهم، وبيَّنت لهم قالوا:
ما هو النذير؟
1 ـ القرآن:
لذلك يوم القيامة يقول ربنا عزَّ وجل لهؤلاء الكفَّار المنحرفين:
﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ
يقول الإمام القرطبي في تفسيره: النذير هو القرآن، بيانٌ إلهي، تحذيرٌ ربَّاني، تفصيل مشاهد يوم القيامة..
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)﴾
فالقرآن نذير..
﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)﴾
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾
آياتٌ كثيرة في " جزء عَمَّ " فيها إنذار وتحذير، فالقرآن نذير.
2 ـ النبي الكريم:
والنبي عليه الصلاة والسلام نذير.
3ـ سنّ الأربعين :
وسِنُّ الأربعين نذير..
﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا
سنُّ النُضْجِ، والتعقل.. من بلغ الأربعين ولم يغلب خيره شرُّه فليتجهَّز إلى النار..
4 ـ سنّ الستين:
وسن الستين نذير.
5 ـ الشيب:
والشيب أيضاً، يقول الله عزَّ وجل في بعض أحاديثه القدسيَّة:
6 ـ المصائب:
والمصائب نذير.
7 ـ موت الأقرباء:
وموت الأقرباء نذير، لذلك قال ربنا عزَّ وجل:
الحقائق تُكشف بعد الموت:
يا أيها الإخوة الأكارم؛ القضية قضية وقت، هذه الحقائق لابدَّ من أن تُكشف عند الموت.
﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا
القضيَّة قضية وقت، قضية أن تعرف الحقيقة قبل فوات الأوان، فإذا ما عرفها الإنسان الآن فلابدَّ من أن يعرفها، ولكن بعد فوات الأوان.
الجهل بقدرة الله سبب استعجال العذاب:
إنسان آخر له صحَّةٌ جيِّدةٌ جداً ذوى كما يذوي العود، قالوا: لأن طحاله بدل أن يأخذ كرية الدم الميِّتة ليحلِّلها إلى عناصرها، صار يأخذ الكريَّة الحيَّة والميَّتة، فصار معه فقر دم، ومات بهذا المرض، واسم هذا المرض: نشاطٌ زائدٌ في الطحال، شيء غريب.
إنسان آخر مات من الرُّعاف، قَلَّت في دمه الصُفيحات الدمويَّة، فيمكن أن ينزف دمه كلُّه من الرُّعاف، ومات بهذا المرض.. فيا ترى هل يهتم الإنسان بالصُفيحات الدمويَّة أم بالأعصاب أم بالبنكرياس أم بالغدد أم بالطحال أم بالكبد أم بالنُخامية أم بالدرقيَّة أم بالكظر أم بالكليتين؟ هذا الذي يقول: ائتنا بعذاب الله إنسان جاهل جهلاً مطبقاً، لا يعرف الله، ولا يعرف نفسه، ولو عرف نفسه لعرف ربَّه، لو عرف أن كل هذه الأجهزة تعمل بانتظام.
الإنسان يقف على قدمين لطيفتين، لولا جهازٌ أودعه الله في الأذن الداخليَّة جهاز التوازن، أنصاف أقواس، ثلاثةُ أقواس فيها سائل وفيها شعيرات، فإذا مال الإنسان يمنةً أو يسرةً تنبَّهت هذه الشعيرات، فشعر باختلال توازنه فعدَّل توازنه، لولا هذه القنوات قنوات التوازن للزمه أن يسير على عكَّازين دائماً، أو أن تكون أقدامه باتساع خُفِّ الجمل كي يكون استناده مطمئناً أو مستقراً، هذا الذي يقول: ائتنا بعذاب الله هل يعرف من هو؟ لا تستيقظ صباحاً إلا وآلاف الأجهزة، والخلايا، والأنسجة، والغدد الصم وغير الصم تعمل بانتظام.
أعرف رجل جيداً - رحمه الله - خرج من معمله يبحث عن بيته فلم يجد بيته، بقي ساعةً من حيّ إلى حي، أصابه فقدُ ذاكرةٍ جُزْئِيّ، فما وصل إلى البيت إلا بعد أن ذهب إلى بيت ابنه وقاده ابنه إلى بيته، من أنت؟ هناك فقدُ ذاكرة، هناك فرط تذكُّر، دخل ابنٌ على أبيه، وكان مسافراً، من أنت؟ ما عرفه، فلذلك هذا الذي يقول: ائتنا بعذاب الله إنسان جاهل، لا يعرف نفسه، لو عرف نفسه لعرف ربَّه.
مئة وأربعون مليار خليَّة استنادية في الدماغ لم تُعْرَف وظيفتها بعد، أربعة عشر مليار خلية سمراء قشريَّة في الدماغ ؛ مركز المحاكمة، مركز التصوُّر، مركز التذكُّر، مركز السمع، مركز البصر، هذه العين، واللهِ الذي لا إله إلا هو العين وحدها آيةٌ دالَّةٌ على عظمة الله، هذه الشبكية عشر طبقات، وفي هذه الطبقات العشرة مئة وثلاثون مليون عُصيَّة ومخروط، كلُّها مرتبطة بأعصاب دقيقة جداً يجمعها العصب البصري الذي تعداده أربعمئة ألف عصب، تُجمعُ بعصب واحد، هذه الشبكيَّة بعُصياتها ومخاريطها تتأثَّر بالضوء، وينِشأ من تأثُّرها بالضوء تيارٌ كهربائيٌ متفاوت الشدَّة يُنْقَل إلى الدماغ فترى الصورة، لكن كيف ترى الصورة على حقيقتها؟ والله لا ندري، بحجمها الكبير؟ لا ندري، بألوانها الدقيقة؟ لا ندري، وفي العين عملية مطابقة معقدَّة جداً يعجز عن فهمها الأطبَّاء، فهذا الذي يقول: ﴿ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ جاهل، كتلة جهل متحرِّكة، ما الشلل؟ إنسان فجأة تجد أنه أصبح مشلولاً، شيء لا يحتمل، النقل تعطَّل، شريانٌ صغيرٌ في المخ لو ضاق عن حجمه الحقيقي لنسي الإنسان كل معلوماته، يقول أحدهم: واللهِ أنا كنت طبيباً.. خير إن شاء الله.. قد ينسى الإنسان كل معلوماته، وكل خبراته، وكل تجاربه إذا تضيَّق شريانٌ في الدماغ، إذاً دماغٌ، وسمعٌ، وبصرٌ، وذاكرةٌ، ومحاكمةٌ، وتصوُّرٌ، وقلبٌ.
القلب له مركز كهربائي مستقل عن الجسم، وهناك مركزٌ ثانٍ احتياط، ومركز ثالث، ثلاث عُقَد كهربائيَّة في القلب من أجل أن تضمن له ضرباته المنتظمة، هذا الذي يقول:
الفاحشة فساد كبير:
(( إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ.. وَقَوْلُهُ: الْحَالِقَةُ يَقُولُ: إِنَّهَا تَحْلِقُ الدِّينَ. ))
فساد علاقات اجتماعيَّة، فساد علاقات أسريَّة، فساد زواج، فساد اتصال.
الظلم سبب وجيه لإهلاك قوم لوط:
استبعاد إبراهيم عليه السلام أن يُهلِك الله لوط مع قومه:
﴿
هذه ميزةٌ لأمَّة سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، ما دامت محبَّة هذا النبي في قلوبنا، وما دامت سُنَّته في سلوكنا، فكأن الله سبحانه وتعالى طمأننا أنه لن يعذِّبنا، والمعنى الذي يَصِحُّ مع وجوده صلَّى الله عليه وسلَّم فيما بين قومه، ما دام النبي بين ظهرانيهم، أو ما دامت سنته مطبّقةً في سلوكهم، أو محبَّته قائمةً في قلوبهم فلن يُعَذَّبوا..
الله عزَّ وجل عَدْلُهُ مُطْلَق وحكمته مطلقة:
نجاة لوط ومن آمن به وتعذيب من كفر:
قالوا:
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)﴾
مجيء الملائكة إلى سيدنا لوط في أحسن صورة بَشَرٍ:
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) ﴾
إن على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين