- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (029)سورة العنكبوت
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
فحوى دعوة الأنبياء أَنِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس السادس من سورة العنكبوت.
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)﴾
أي إذا قلت لي: هل بإمكانك أن تضغط الدين كله في كلمتين؟ قلت: نعم، أن تؤمن بأنه لا إله إلا الله، وأن تعبده، أمّا أن تؤمن بأنه لا إله إلا الله، فكل شيءٍ في الكون ينطق بهذه العقيدة.
وفي كل شيءٍ له آيةٌ تدل علـى أنه واحـد
* * *
وأمّا أن تعبده فالعبادة غاية الخضوع لله عزَّ وجل، مع غاية الحب، خضوعٌ مع الحب، لو أنه خضوعٌ فقط لا يسمى عبادة، لو أنه حبّ فقط لا تسمى عبادة، الخضوع والحب أساسه المعرفة.
العلم هو الطريق الوحيد إلى الله:
إذاً: العلم قبل كل شيء، إذاً الطريق الوحيدة التي لا ثاني لها إلى الله هي العلم، لذلك ربنا عزَّ وجل لم يعترف بأية قيمةٍ تواضعنا عليها، الجمال، والذكاء، والقوة، والغنى، والمال، أما العلم وحده في القرآن فهو قيمةٌ مُرَجِّحَة..
﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ
﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا(114)﴾
حبّ الوجود وسلامته وكماله واستمراره مطالب كل إنسان:
إذاً: أيها الإخوة الأكارم؛ من أجل أن ننجو وأن نسعد، لأن الإنسان مفطورٌ على حبّ وجوده، وعلى سلامة وجوده، وعلى كمال وجوده، وعلى استمرار وجوده، من أجل أن نكون كما فُطِرنا لا بدَّ من أن نعبد الله، ومن أجل أن نعبده لابدَّ من أن نعرفه، كيف نعرفه؟ إنَّ ذاته لا يمكن أن نراها ولكن نرى آثارها، نرى آياته، آياته الدالة على وجوده، آياته الدالة على وحدانيَّته، آياته الدالة على أسمائه الحسنى، آياته الدالة على صفاته الفُضلى، آياته الدالة على أنبيائه، آياته في كتابه، فإذا أُطْلِقَت كلمة (الآية) فإنما تعني الدليل على وجوده، وعلى وحدانيته، وعلى أسمائه الحسنى، وعلى صفاته الفضلى، وعلى نبوة أنبيائه، وعلى رسالة رسله، وعلى قضائه وقدره، أي الكون ينطق بوحدانيته، في خلقه، وأفعال الله عزَّ وجل لو تتبعتها لوجدت فيها أسماءه الحسنى وصفاته الفضلى، وكلامه لو قرأته وتدبرته لوجدت فيه الحق الصِّرف، إذاً:
عدم عبادة الله شقاء للإنسان:
لذلك منهج الله عزَّ وجل:
إذاً: الموضوع ليس اختيارياً، بمعنى إما أن تعبده، وإما ألا تعبده، لا، إما أن تعبده فتنجو، وإن لم تعبده فتهلك، هذا معنى قول الله عزَّ وجل:
مفهوم التقوى الشامل:
طاعة الله وتقواه خير لكم:
كل إنسان يعصي الله مدموغ بالجهل:
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ
لا قيمة لهم عند الله، لا شأن لهم عند الله، لهم صغارٌ عند الله، هؤلاء الذين يعصونه، لذلك: مَن أسعَد الناس ؟ أسعد الناس من كان في طاعة الله، كفاك على عدوك نصراً أنه في معصية الله، هذا أكبر نصر على عدوك إذا كنت أنت في طاعته وهو في معصيته، لا تعاقب من عصى الله فيك بأشدّ من أن تطيع الله فيه، هو عصى الله فيك، أنت أطع ربك فيه..
الشرك الجلي والشرك الخفي:
﴿
العلم يحتاج إلى جُهد، أكثر الناس يتوهَّمون أنهم بمجرد أن يقولوا: لا إله إلا الله، انتهى الأمر، صار مسلماً.
مثلاً: لو أن إنساناً قال: مليون ليرة، مئة مليون ليرة، ألف مليون ليرة، هل ملكها؟ فرقٌ كبير بين أن تقول: ألف مليون، وليس في جيبك ثمن رغيف خبز، وبين أن تقول: ألف مليون، وأنت تملك هذا المبلغ؛ فرق كبير جداً، فأن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله القضية سهلة، ينطقها كل إنسان، أما أن يكون لهذه الكلمة لها عندك رصيد، هذا الرصيد هو الذي يحملك على طاعة الله، وعلى أن ترضى بقضائه، وعلى أن تحبه، وعلى أن تتبع سبيله، وعلى أن ترى يده هي اليد الكبرى ﴿يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ إذا كان لك رصيدٌ من هذه الكلمة، رصيد كبير هذه تضفي عليك سعادةً وسكينةً، وأمناً وطمأنينةً، وتوازناً واعتدالاً، وثقةً وإقبالاً، وحكمةً وعزةً وكرامةً.
ثمار لا إله إلا الله:
1 ـ العزة:
من ثمار الإيمان بلا إله إلا الله العزة، لأنك تعلم علم اليقين أن أمرك كله بيد الله، وأن كلمة الحق لا تقطع رزقاً ولا تقرِّب أجلاً، وأن هؤلاء الناس جميعاً لا يملكون لك شيئاً ولو اجتمعت كلمتهم..
﴿
إن خليفة عظيمًا كان يحج البيت، التقى بتابعي جليل يُكنى أبا حازم، قال له: سلني حاجتك؟ قال: والله إني أستحي أن أسأل غير الله في بيت الله، فلما التقى به خارج المسجد، قال: سلني حاجتك؟ قال: والله ما سألتها من يملكها أفأسألها من لا يملكها؟ فلما قال له: سلني حاجتك؟ قال: أنقذني من النار، قال: هذه ليست لي، قال: إذاً ليس لي عندك حاجة، هناك غنى عند المؤمن.
قال أبو جعفر المنصور لأبي حنيفة: يا أبا حنيفة، لو تغشيتنا.. تعال إلينا، تفضل لعندنا، زرنا، نحن نحبك، نأنسُ بك، قال له: ولمَ أتغشَّاكم وليس لي عندكم شيءٌ أخافكم عليه؟ وهل يتغشَّاكم إلا من خافكم على شيء؟ قيل: "احتج إلى الرجل تكن أسيره، استغنِ عنه تكن نظيره، أحسن إليه تكن أميره"، من ثمار الإيمان بلا إله إلا الله العزة، فلا يوجد نفاق، لأن هناك رؤية، تدخل إلى دائرة مثلاً، لك معاملة سفر، يجب أن يوقعها المدير العام، هل تتوسل للآذن؟ لا تتوسل له لأن الأمر ليس بيده؟ هل تبذل ماء وجهك أمام الآذن؟ أمام موظف الاستعلامات ؟ أمام ضارب الآلة الكاتبة؟ أمام الحاجب؟ أمام مدير المكتبة مثلاً؟ أنا يهمني المدير العام، علاقتي كلها معه، هذه الدائرة ثلاثة طوابق فيها مئتا موظف، الذي يوقع الموافقة المدير العام، ما لي حاجة لأن أبذل ماء وجهي لغيره، هذه أشياء بسيطة جداً.
2 ـ راحة القلب وخلوه من الحقد:
لذلك إذا آمنت بأنه لا إله إلا الله سعدت بالدنيا، ارتاح قلبك، لم يعد عندك حقد أبداً، أَنَّى لك الحِقد؟ لأنه لا يقع شيءٌ بالكون إلا بعلم الله، وإلا بأمره، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن..
﴿ مِنْ دُونِهِ
فإذ آمنت بأنه لا إله إلا الله نجوت من الحقد.
3 ـ النجاة من الندم:
إذا آمنت بأنه لا إله إلا الله نجوت من النَدَم، يقول لك: محروقٌ قلبي ضاع البيت من يدي، لا، فما كان لك ليس لغيرك، وما كان لغيرك ليس لك. عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( لكلِّ شيءٍ حقيقةٌ، و ما بلغ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتى يعلمَ أنَّ ما أصابَه لم يكن لِيُخطِئَه، و ما أخطأه لم يكن لِيُصيبَه.))
هذا الإيمان، نجوت من الحقد، نجوت من الندَم.
4 ـ النجاة من الحسد:
نجوت من الحَسَد، الله سبحانه وتعالى هو الحكيم..
قل لمـن بات لي حاســـداً أتدري على من أسأت الأدب؟
أسأت على اللـه في فعله إذ لـم ترض لـــــــــــي مـا وهب
* * *
الحسود لا يرى حكمة الله عزَّ وجل، لا يرى علم الله، لا يرى عدالته، فإذا آمنت بأنه لا إله إلا الله نجوتَ من الحسد، نجوت من الحِقد، نجوت من الندم.
5 ـ النجاة من التبعثر والشتات:
نجوت من التبَعْثُر، اعمل لوجهٍ واحدٍ يكفِكَ الوجوه كلها، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها.
لك وجهة واحدة، مُجَمَّع، العدسة ضعها في أشعة الشمس، وضع تحتها ورقةً في محرقها تحترق الورقة، لماذا ؟ لأن هذه الأشعة كلها مجمعةٌ في نقطة واحدة، تفعل شيئاً عظيماً، أما إذا كانت هذه الأشعة مبعثرةً فلا تحرق شيئاً، فالمؤمن مجتمعٌ، وليس متفرقاً. عن زيد بن ثابت :
(( من كانت الدنيا همَّه فرَّق اللهُ عليه أمرَه وجعل فقرَه بين عينَيه، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما كُتِبَ له، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه جمع اللهُ له أمرَه، وجعل غناه في قلبِه، وأتتْه الدُّنيا وهي راغمةٌ. ))
هذا التوحيد، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، الموحد لا يرى مع الله أحداً، نفسه ملتفتة إلى الله عزَّ وجل:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ
الإيمان قول واعتقاد وسلوك:
الأوثان المادية والمعنوية:
﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)﴾
الهوى قد يكون إلهاً، أخي أنا هوايتي كذا، هوايتك كذا فهي إله من دون الله، تُضَيِّعَ من أجلها الصلاة والعمل الصالح، فإما أن تتخذ نفسك هواك وإلهك، وإما أن تتخذ الآخرين آلهةً من دون أن تقول: أنتم آلهة، لا، هذا الشرك الخفي، الشرك أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على جور، وأن تبغض على عدل.
لك صديق عنده خلل في سلوكه، عنده تقصير شديد، تحبه حُبَّاً جماً، محبتك لهذا الصديق الذي ليس مستقيماً هذه محبةٌ مشبوهة، فيها شرك خفي، وإذا قُدِمت لك نصيحة، وأخذتك العزة أن تقبلها، فهذا أيضاً شرك خفي، إذاً الأوثان أنواع، أوثان من أحجار، وأوثان من لحم ودم، وأوثان من شهوات، هذا قول: أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله، أي الشهوات إذا سيَّرتها في القنوات الشرعية النظيفة هذه ليست شركاً، الإنسان تزوج، هذه الشهوة سيّرها أو صبَّها في القناة الشرعية، كسب المال الحلال، أما الشهوة الخفية التي عناها النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث فهي التي تحملك على معصية الله، أو تحجبك عن طاعته، أو تبعدك عنه، لذلك: لا حقيقة في الكون إلا الله، أي شيءٍ قرَّبَكَ إليه عمل صالح، وأيّ شيءٍ أبعدك عنه عمل سيِّئ.
أربٌ يبول الثُعْلُبَانُ برأسه لقد ضلّ من بالت عليه الثعالب
* * *
إيهام الناس أن الأوثان مقدسة وإحاطتها بهالة من القُدْسِيَّة:
الرزق والتدبير بيد الله وحده:
﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ
يتوهَّم أحياناً بعضُ الكُبراء أن بإمكانهم أن يفعلوا شيئاً..
المستحق للعبادة هو الخالق الرازق المالك لكل شيء:
من الذي يستحق العبادة؟ الذي يملك أن ينزل الأمطار، والذي يملك أن ينبت النبات، نأكل طعاماً وشراباً وخبزاً، ولحماً وحليباً وجبناً، وفواكه وخضراوات، هذه من يخلقها؟ يجب أن تعبد الذي خلقك، والذي يرزقك، والذي إليه المصير.
الإمام الشافعي يرى عند قراءة الفاتحة أن تقرأ في الركعة الثانية مَلِكِ يوم، وفي الركعة الأولى مَالِك يوم الدين، فمَن هو المالك؟ قالوا: المالك هو الذي يملك ولا يحكم، والمَلِك هو الذي يحكم ولا يملك، ولكن الله عزَّ وجل مالكٌ ومَلِك، أيْ يملك كل شيء، ما معنى أن الله يملك؟ أي يملك ويتصرَّف وإليه المصير، قد تملك ولا تنتفع، وقد تنتفع ولا تملك، قد تسكن بيتاً ليس ملكاً لك، ولكنك منتفعٌ به، وقد تمتلك بيتاً، ولست منتفعاً به، وقد تمتلك بيتاً وتنتفع به، ولكن مصيره ليس لك، يجب أن تعبد الذي خلقك، وأن تعبد الذي يملك لك الرزق، هذا الهواء الله عزَّ وجل زود الغلاف الجوي بطبقة أوزون تمنع الأشعة القاتلة، في بعض الأماكن صار خلخلةٌ في هذه الطبقة لأسباب كثيرة. قرأت مقالةً أن عدداً كبيراً جداً من الأشخاص أصيبوا بسرطان الجلد لخلخلة هذه المادة، لو أن الله عزَّ وجل بقدرته أزال هذه المادة، ماذا نفعل؟ لو أنه حبس عنا الأمطار، ماذا نفعل؟ لو أن نِسَبَ الهواء تغيَّرت أصبح الهواء غير كافٍ، لحدث للإنسان ضيق نَفَس، لو أن هذا النبات لم ينبت ماذا نفعل؟ نعبد من إذاً؟ نعبد الذي خلقنا، والذي أمدنا بالرزق، بالهواء، بالماء، بالخبز، بالطعام، بالشراب، إذاً:
الترغيب في سؤال الله والترهيب من سؤال الناس من غير ضرورة:
لذلك الإنسان يطلب من الله الرزق.. من جلس إلى غني فتضعضع له، ذهب ثلثا دينه.. عن الزبير بن العوام:
(( أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ. ))
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( لَا يَفْتَحُ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ. ))
كن عن همومك معرضاً وكِلِ الأمور إلى القضا
وابشر بخيــــــرٍ عاجـــــــلٍ تنس بــــه ما قد مضــى
فلـــــــــــــــربَّ أمرٍ مســخطٍ لك فـــــــــي عواقبه رضـا
ولربما ضاق المضيـــــــق ولربمـــــــــا اتســع الفضا
الله يفعـــــــــــــل ما يشـــاء فـــــــــــــلا تكوننَّ معـترضا
اللـه عــــــــــــــوّدك الجميل فقس على ما قد مضى
* * *
هذه الأبيات تعقيبٌ على كلمة:
ملك الملــــــوك إذا وهب لا تسـألنَّ عن السبب
الله يعطي مـــــــــن يشـاء فقف علــى حدّ الأدب
* * *
اجعل لربك كل عزك يستقــر ويـثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
* * *
الله يغضب إن تركـــــــت سؤالــــــه وبنيّ آدم إن سألته قد يغضب
* * *
الله عزَّ وجل يغضب إن تركت سؤاله، إن الله يحب المُلحين في الدعاء، من لا يدعُني أغضب عليه، إن الله يحب من عبده أن يسأله شِسْع نعله إذا انقطع، كن مع الله لحوحاً، اسأله، قف ببابه،
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)﴾
أين كنت في عام ألف وعشرة؟ أين كنت في عام ألف وتسعمئة مثلاً؟ أين كنت؟
الرجوع إلى الله فتهيأْ لذلك اليوم:
أصلٌ مِن أصول النبوة: وَعَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البلاَغُ المُبِينُ:
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسام: مَن سلَك طريقًا يطلُبُ فيه عِلمًا سهَّل اللهُ له به طريقًا مِن طُرقِ الجنَّةِ، ومَن أبطَأ به عمَلُه لَمْ يُسرِعْ به نسَبُه. ))
إذاً:
حكمة اقتران الإيمان بالله بالإيمان باليوم الآخر:
يروون أن أحداً كان يطوف حول الكعبة ويقول: "رب اغفر لي ذنبي، ولا أظنك تفعل"، وكان وراءه رجل، قال له: "يا هذا، ما أشد يأسك من رحمة الله!"، قال له: "ذنبي عظيم"، قال له: ما ذنبك؟ فذكر له أنه دخل إلى بيت فرأى فيه رجلاً فقتله، وامرأةً فسألها أن تعطيه كل ما تملك، أعطته دنانير ذهبية، فقتل ولدها الأول، فلما رأته جاداً في قتل الثاني أعطته درعاً مُذْهَبَةً، أعجبته، فالدرع من الذهب، فإذا عليها بيتان من الشعر، قرأهما فأُغمي عليه:
إذا جار الأمير وحاجباه وقاضي الأرض أســرف في القضاء
فويـــلٌ ثم ويــــلٌ ثم ويـــلٌ لقاضي الأرض مـن قاضي السـماء
* * *
الإنسان كلما نما عقله نمت معرفته:
إذاً الإنسان العاقل يخاف من الله عزَّ وجل، الله عنده أمراض وبيلة، عنده أمراض عُضالة، عنده أمراض ماحقة، سبحان الله ذنوبٌ كثيرة يؤَخِّرها الله إلى الدار الآخرة إلا ذنب الكِبْر وذنب الظلم، هذان الذنبان من خلال تتبع الحوادث فالله سبحانه وتعالى يُعَجِّل عقابهما، فالإنسان كلما نما عقله نمت معرفته، ازداد خوفه، الطبيب يحرص على تنظيف الفواكه والخضار حرصاً شديداً، لماذا؟ نما علمه، مما يعاني كل يوم هؤلاء المرضى من جراثيم، أوبئةٍ، حالات إسهال، كله من تلوث الخضار والفواكه، فكلما نما علمه ازداد حرصه، وإذا كان للطاعة مؤشر فهذا المؤشر يتوافق مع مؤشر المعرفة، كلما ازدادت معرفتك ازدادت طاعتك.
مرة دخلت إلى بناء ضخم، فوجدت صاحب البناء في حالة همّ شديد، قلت: ما القصة؟ قال: تعالَ انظر؟ لا يوجد شيء البناء قائم، قال: انظر إلى هذا الشق في هذا الجسر، والله كان شقاً واضحاً، ولكن سمكه بقدر اثنين من المليمترات، قال جاء دكتور مهندس قال له: البناء خطر، لابدَّ من تدعيم الأساس، قلت: لو جاء بدهَّان لقال له: يحتاج إلى معجون، فبين أن تملأ هذا الشق بالجبصين، وبين أن تُدَعِّم الأساس مسافة كبيرة جداً بقدر العلم، فكلما ارتقى علمك ازداد خوفك، والذي يقول لك: أنا لا أخاف من الله، قل له: نعم، قولك حق، لأنك لا تدرك شيئاً، كلما ضعف العقل ضاق الأفق، عّمَّ الجهل، رافقه تفلُّت.
أقسام البشر:
البشر نوعان ؛ موصولٌ منضبطٌ محسن، مقطوع متفلت مسيء، ولا ثالث لهما، ما دمت عارفاً بالله عزَّ وجل، عارفاً لعدالته، عارفاً لحكمته، عارفاً للقاء معه يوم القيامة، تستقيم على أمره، وتخدم خلقه، وتحسن إليهم، فإذا كان هناك جهلٌ الإنسان يتفلَّت، إذاً كل هذه المعاصي، وهذا التفلت، وهذا الشِرك، واتباع الشهوات سببها عدم اليقين بالدار الآخرة.
أدلة اليوم الآخر عقلي ونقلي:
لهذا يقول الله عزَّ وجل:
لكنّ الدليل العقلي هو أنّ خالق الكون من خلال الكون خالقٌ عظيم، أسماؤه حسنى، صفاته فضلى، لا يعقل أن يَدَعَ عباده هكذا من دون حسابٍ أو عقابٍ أو جزاء، لأن هذا يتنافى مع عدالته، ومع كماله، فهناك غني، وهناك فقير، وهناك قوي، وهناك ضعيف، وهناك حاكم وهناك محكوم، وهناك مريض وهناك صحيح، فلابدَّ من أن يقف الناس جميعاً لربِّ العالمين، ويعطى كل إنسانٍ ما يستحق.
﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ
فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار،
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين