وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 13 - سورة النور - تفسير الآية 35 الله نور السماوات والأرض.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثالث عشر من سورة النور، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى:

﴿  اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(35)﴾

[ سورة النور ]


الحكمة مِن ورود هذه الآيات بعد آيات أحكام الزنى وفروعه:


 أيها الإخوة المؤمنون، سورة النور بدأت بالحديث عن الزنى، والحديث عن حد الزاني، والحديث عن القذف، وبيان حد القذف، ثم آيات الملاعنة، ثم جاء حديث الإفك، وبعدها جاءت آيات الاستئذان، وآيات غض البصر، وآيات عدم إبداء الزينة، فكيف كانت هذه النقلة المفاجئة في قوله تعالى:

﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ بعضهم قال: إن الله سبحانه وتعالى عالج أغلظ ما في الإنسان، عالج هذا الشيء ليرققه، وليطهره، وليرفعه إلى آفاق النور، عالج عرامة اللحم والدم، شهوة العين والفرج، عالج رغبة التجريح والتشهير، عالج نزعة الغضب والغيظ، عالج الفاحشة، عالجها أن تشيع في النفس، عالجها أن تشيع في الحياة، عالجها أن تشيع في القول، عالجها بتشديد حد الزنى، عالجها ببيان حد القذف، عالجها بعرض نموذج شنيع للإفك والافتراء، ورمي المحصنات الغافلات، عالجها بالوسائل الوقائية؛ من استئذان قبل الدخول، وغض للبصر، وإخفاء للزينة، ونهي عن مثيرات الفتنة، وموقظات الشهوة، وعالجها بالإحصان، ومنع البغاء، وتحرير الرقيق، هذه الشهوة؛ الشهوة الجنسية التي أودعها الله في الإنسان ليرقى بها إلى رب السماوات والأرض، هذه الشهوة إما أن يحكم توجيهها فتأخذ ثمارها، وإما أن يغفل الإنسان عن توجيهها فتدمر صاحبها، الشهوة التي أودعها الله في الإنسان تشبه تماماً الوقود السائل، فلو وُضع في مخزنه الصحيح، وانتقل في القنوات الصحيحة إلى غرف توزيع هذا الوقود، ثم إلى غرف الانفجار، وانفجر هذا السائل في المكان الصحيح ولّد قدرة وحركة نافعتين، فإذا خرج هذا السائل عن مجراه الصحيح، وأصابته شرارة أشعل هذه المركبة، وأنهاها، وقضى عليها، لذلك سورة النور تعالج علاقة الرجل بالمرأة، العلاقة المحرمة، وحد الزنى، والحد الذي أوجده الله عز وجل ضماناً وصوناً لطبيعة الإنسان من أن تتشوه، ومن أن تشقى، بعد أن عالج الله سبحانه وتعالى هذه الشهوة، وحدّ الحدود، ووضع التدابير الاحترازية، بعد أن فعل ذلك نقل الإنسان برفق إلى الله نور السماوات والأرض، إذاً النقلة بين المعالجة العقابية، والمعالجة الوقائية لهذه الشهوة، التي حينما وُضعت إنما وُضعت لتكون أداة للإنسان لنقله إلى ملكوت السماوات والأرض، هذه الشهوة بالذات بعد أن تمت معالجتها بالتدابير العقابية وبالتدابير الاحترازية والوقائية، بعد هذا وذاك انتقلت الآيات إلى حديث آخر عن الله نور السماوات والأرض. 


اطمئنان النبي عليه الصلاة والسلام بعد براءة عائشة أم المؤمنين:


  وقبل الحديث عن تفسير هذه الآية، وكيف أن الله سبحانه وتعالى نقلنا بلطف ورفق من موضوع اجتماعي إلى موضوع روحي، طمأن النبي عليه الصلاة والسلام بعد حديث الإفك، فكان النبي عليه الصلاة والسلام بإنزال براءة السيدة عائشة رضوان الله عليها قرير العين، وقد قرت عين السيدة عائشة نفسها بعد أن تولى الله سبحانه وتعالى تبرئتها في الكتاب الكريم، وقد اطمأنت نفس سيدنا أبي بكر بهذه التبرئة، واطمأن النبي، واطمأن الجميع، وبين الله سبحانه وتعالى أن على المؤمن أن يفعل الخير ابتغاء وجه الله، أن يصنع المعروف مع أهله، وغير أهله، فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله فأنت أهله.

أيها الإخوة الأكارم بعد هذه النقلة من موضوعات العلاقات الاجتماعية، بعد هذا الحديث انتقل القرآن بنا إلى آية من آيات هذه السورة، بل ربما سميت هذه السورة بسورة النور استنباطاً من قوله تعالى ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾


اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ


 فالنور هو الضوء الذي يظهر بذاته، ويُظهِر غيره، وتعريف النور: هو الشيء الظاهر بذاته، والأشياء كلها التي أمامنا لا تظهر بذاتها، لا تظهر إلا إذا أُلقي عليها ضوء، فإذا انعدم هذا الضوء لا تظهر بذاتها، لكن الضوء شيء يظهر بذاته، ويُظهِر غيره، هذا هو المعنى الذي يعرفه عامة الناس من كلمة النور، لها معنى دقيق إشعاعات تنتج من مادة تسير بسرعة هائلة تزيد عن 300 ألف كم في الثانية؟ هذا المعنى وذاك يشكلان المعنى الحقيقي للنور، لكن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية يقول: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فهو الذي أوجد السماوات والأرض، وهو الذي نوَّر السماوات والأرض، أوجدها ونوّرها، الشيء إذا ألقيت عليه نوراً مادياً يبدو لك، لكن هذا الشيء ليس عين نور، لكن نور الله عز وجل هو الذي أظهر الكون، فهذا الشيء الذي ظهر بنور الله هو السماوات والأرض ظهرت بنوره، ونوَّرها الله بنوره، هذا معنى.

 عَنِ سَمِعَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: 

((  اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ... ))

[ البخاري، مسلم ]

 وقد سئل عليه الصلاة والسلام حينما كان في معراجه في السماء سئل: 

(( سَأَلْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، هلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قالَ: نُورٌ أنَّى أراهُ. ))

[ صحيح مسلم ]

﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.


معنى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ


 لابد من حديث تفصيلي عن معنى قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾


معاني ( مِنْ ) في قوله تعالى: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ


المعنى الأول:

 السماوات والأرض في القرآن الكريم تعني الكون، والله سبحانه وتعالى نور السماوات والأرض، فبنوره ظهرت هذه السماوات والأرض، وبنوره نُوِّرت هذه السماوات والأرض، ولكلمة نور معان دقيقة؛ من هذه المعاني: يعني هذا الكون فيه شمس، وفيه قمر، وفيه شموس، وفيه أقمار، من صمم إضاءة السماوات والأرض؟ كم من الأموال نحتاج لنضيء الظلام، كم من الليرات ندفع في الشهر لنضيء غرفتين أو ثلاث غرف؟ هذه الأرض بما فيها، وما عليها كيف أنها بنور الشمس تنعم بالضوء العميم؟ هذا معنى أن الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض، ونوَّرها بالنور المادي.

معاني ( مِنْ ) في قوله تعالى: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ

المعنى الثاني:

 ومعنى آخر: ربنا عز وجل خلق السماوات والأرض:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ(1) ﴾

[ سورة الأنعام ]

 وفي آية أخرى:

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا(1) ﴾

[ سورة الكهف ]

 فكأن الكتاب ينير لنا طريق الحياة، هذا الكتاب ينير لنا طريق المعرفة؛ معرفة الله عز وجل، هذا الكتاب ينير لنا طريق المنهج الصحيح الذي نحتاجه في الحياة الدنيا كي نسعد بها، إذاً: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ خلق الكون، وخلق ما ينير لك حقيقة الكون، أحياناً قد تكون حقيقة الشيء مخالفة لظاهره، فالأفعى لها ملمس ناعم، ولها ألوان متناسقة، ولكن في فمها السم الزعاف، فإما أن تنظر إلى الأفعى رؤية ظاهرية، فتراها انسيابية الخطوط، ناعمة الملمس، ولكنك تعرف حقيقتها لأن في فمها السم الزعاف، فالشيء في الحياة له صورة، وله حقيقة، قد تبدو لك صورة الشيء جميلة جداً، الذين يغرقون في الشهوات هؤلاء يمتعون حواسهم بمتع حسية، قد يعتقدون أن الشيء الذي يفعلونه شيء عظيم، وشيء ممتع، وشيء فيه بهجة، ولكنهم حينما يعلمون حقيقة هذا الشيء، وكيف أن في هذا الشيء سماً يسمم حياتهم كلها، لو علم الإنسان حقيقة الشيء لما شقي في الدنيا ولا في الآخرة، الإنسان إذاً مفتقد إلى نور يريه الخير خيراً والشر شراً، يريه الحق حقاً والباطل باطلاً، الإنسان حينما يتحرك في الحياة ما الذي يحركه؟ رؤية‍‍، فإما أن يكون على نور، وإما أن يكون في ظلام، فالذي يتخذ قراراً أحمق مثلاً لتطليق زوجته لسبب تافه، فهذا أعمى، لو أنه مستنير بنور الله عز وجل لما اتخذ هذا القرار، سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام حينما دعته امرأة ذات منصب وجمال قال: إني أخاف الله رب العالمين، وهناك آلاف وآلاف الأشخاص الذين تسنح لهم فرص كالفرصة التي عرضت لسيدنا يوسف، فلماذا هؤلاء يُقبِلون على الشهوة، وهذا النبي العظيم قال: 

﴿  وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ(23) ﴾

[ سورة يوسف ]

 سؤال دقيق: لماذا تعرض على إنسان مبلغاً حراماً فيقول: معاذ الله، ولماذا يأخذه إنسان آخر؟ لماذا تمشي في الطريق امرأة تلفت النظر؟ لماذا ينظر إليها رجل؟ ولماذا يغض عنها الطرف رجل؟ ما الذي جعل هذا ينظر، وهذا يغض الطرف؟ ما الذي يجعل هذا يأكل مالاً حراماً، وهذا يمتنع عنه؟ ما الذي جعل هذا يُقدِم على طاعة، وهذا يُقدِم على معصية؟ هؤلاء الناس متفاوتون في مواقفهم، ومتفاوتون في سلوكهم، لماذا يُقدم هذا، ويُحجم ذاك؟ لماذا يأخذ هذا، ويرفض ذاك؟ لماذا يعطي هذا، ويمنع ذاك؟ ما الذي يفسر هذه الظواهر؟ الذي يفسرها أن الإنسان المستنير ينظر بنور الله، فالمستنير يرى أن معصية الله مهلكة في الدنيا والآخرة، لذلك أي موقف فيه معصية لله عز وجل يقول: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ فهو مستنير، والذي يقدم على المعصية أعمى:

﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) ﴾

[ سورة الحج ]


ما الذي يضبط حركة الأشخاص ؟


 هذا الموضوع دقيق جداً، ما الذي يضبط حركة الأشخاص اليومية؟ رؤية، فمن يملك رؤية صحيحة يملك الموقف الصحيح، ويملك التصرف الصحيح، ويملك الموقف الأخلاقي، ويملك الحق، ويملك الإنصاف، ويملك السمو، يملك السعادة، أساس كل هذا رؤية صحيحة، والذي يرتكب الخطأ، ويأكل المال الحرام، ويعتدي على أموال الناس، ويعتدي على أعراضهم، ويظن هذا ذكاء ما الذي حمله على أن يفعل هذا؟ إنها رؤية منحرفة، أو عمىً غلّف بصيرته، أو ظلام يعيش فيه، فالقضية خطيرة جداً.


إمّا نورٌ أو ظلمات


 حينما يقول الله عز وجل: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي لا نور إلا نوره، فإما أن تكون مهتدياً بهذا النور، وإما أنت في عمىً، قولاً واحداً، لا يوجد في الإسلام حل وسط، مصدر النور هو الله عز وجل، مصدر الحقيقة هو الله، مصدر المعرفة هو الله، المنهج الصحيح من عند الله، فإما أن تكون على صلة بالله عز وجل، فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 

(( إسباغُ الوضوءِ شطرُ الإيمانِ، والحمدُ للَّهِ تملأُ الميزانَ، والتَّسبيحُ والتَّكبيرُ يملأُ السَّماواتِ والأرضَ، والصَّلاةُ نورٌ، والزَّكاةُ برْهانٌ، والصَّبرُ ضياءٌ، والقرآنُ حجَّةٌ لَكَ أو عليْكَ ))

[ صحيح النسائي ]

 وإما أن يكون الإنسان منقطعاً عن الله عز وجل، وبهذا الانقطاع هو في عمىً، لذلك آيات كثيرة تتحدث عن هذا الموضوع يقول تعالى:

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)﴾

[ سورة البقرة ]

 فبعلاقاته مع زوجته في ظلمات، يقسو عليها، يحمّلها ما لا تطيق، أو يطلق لها العنان، أو يتجاوز حده معها، أو يسمح لها أن تتجاوز حدها معه، هذه العلاقة مع الزوجة علاقة أساسها انحراف الرؤية، أو أساسها الظلمة التي يعيشها المقطوع عن الله عز وجل، العلاقة بالأولاد، العلاقة بالجيران، العلاقة مع الناس، العلاقة مع من هم فوقك، العلاقة مع من هم دونك، كل علاقات الإنسان، وكل حركته اليومية ما الذي يحكمها؟ إما نور ساطع يُقذَف في القلب فيرى به الخير خيراً والشر شراً، وإما ظلام يلفح هذه النفس فإذا هي تخبط خبط عشواء. 


الله سبحانه مصدر النور:


  لذلك: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ هو المصدر، فإذا كنت على صلة به كنت على نور، تعرف ما ينبغي أن تفعل، وما لا ينبغي، ما يجوز أن تفعل، وما لا يجوز، ما هو صالح، وما هو طالح، ما هو خير، وما هو شر، ما هو حق، وما هو باطل، ما هو مستحسن، وما هو مستقبح، ما يليق، وما لا يليق، ما ينبغي، وما لا ينبغي، هذا كله أساسه النور. لذلك: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ كان في أثناء صلاته على شيء من النور، فلما ترك الصلاة أصبح في عمى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ ويقول ربنا سبحانه وتعالى:

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15)﴾

[ سورة المائدة ]

 تصور أنك تقود مركبة، والطريق ضيقة، وفيها منعطفات عديدة، وفيها انحدار شديد، ومكان صعود حاد، وعلى جانبي الطريق وديان سحيقة، هل يمكن أن تسلم من دون ضوء شديد ينير لك الطريق؟ هذا المثل المادي؛ سائق المركبة إذا كان الطريق ضيقاً، والظلام دامساً، والمنعطفات شديدة، والانحراف شديد، والصعود حاد، وعلى جانب الطريق وديان سحيقة، هل يعقل لهذا السائق أن ينجو من حادث مروِّع من دون ضوء شديد ينير له الطريق؟ هذا المثل المادي طبقه على الحياة، في علاقتك مع أهلك، في علاقتك مع جيرانك، في كسب المال، في إنفاق المال، أنت في موقف مُعرَّض فيه لشهوة ضاغطة، أنت في موقف معرض فيه لإغراء شديد، معرض فيه لضغط شديد، ماذا تفعل؟ ما المواقف التي يجب أن تقفها؟ تحتاج إلى نور، تحتاج إلى بصيرة، تحتاج إلى من يهديك السبيل، لذلك: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ آية ثالثة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ يعني الظلمات والنور تعادل خلق السماوات والأرض.

 لذلك: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ويقول ربنا عز وجل:

﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (40)﴾

[ سورة النور ]

 فحينما ينقطع الإنسان عن مصدر النور لا يمكن أن يكون مستنيراً، لابد أن يخطئ، ولابد أن يشقى، ولابد أن يهلك، ولابد أن تزل قدمه، لابد أن يعتدي، لابد أن يُعتدَى عليه، هذه طبيعة الظلام، هذه طبيعة البعد عن الله عز وجل.

 آية رابعة:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا(43) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

 فيمكن أن نقول: إن الناس رجلان؛ مستنير وأعمى، موصول مستنير، ومقطوع أعمى، المستنير يعرف ما ينبغي أن يفعل، إنه يسير على طريق عريضة، ونوره الوضَّاء يكشف له جوانب الطريق، والمقطوع عن الله عز وجل في ظلام دامس، يخبط خبط عشواء ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ ويقول تعالى:

﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(22)﴾

[ سورة الزمر ]

 أنت مستنير بنور الله، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (الصَّلاَةُ نُورٌ)  قال عز وجل:

﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾

[ العنكبوت ]

 لماذا تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ أنت إذا رأيت حشرة سامة مخيفة قاتلة، ورأيتها بعينيك عن طريق نور وضّاء كشّاف، هل يعقل أن تقترب منها؟ ما الذي جعلك تبتعد عنها؟ هو ذلك النور الذي أراك حقيقتها، فلذلك يقول عز وجل:

﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ(19)﴾

[ سورة الرعد ]

 الحقيقة أن الإنسان حينما يكون حكيماً في علاقاته، وفي حياته، فهذه الحكمة مبعثها النور، وحينما يكون أحمق في علاقاته، وفي حياته، هذا الحمق، وهذا الضلال مبعثه الظلمة، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ: 

((  يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، قَالَ اللَّهُ:  ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ ))

[ الترمذي، واللفظ له، وأبو داود عن أبي هريرة  ]

 البر التقي مستنير، والفاجر الشقي في عمى، وفي ظلام شديد.

﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي لا جهة في الكون يمكن أن تلقي فيك نوراً ترى به الخير خيراً، والشر شراً إلا الله.

﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ وهذا النور الذي تتحدث الآية عنه إنما هو نور نقتبسه من الله عز وجل في أثناء الصلوات، لذلك: (الصَّلاَةُ نُورٌ)


تفسير هذه الآية في ضوء المعطيات الحديثة: النظرية النِّسبية:


 على كل؛ هذه الآية إذا أردنا أن نفسرها في ضوء المعطيات الحديثة، وفي ضوء العلم الحديث فهناك في بعض النظريات الحديثة جداً في الفيزياء، إشارة إلى أن الطاقة يمكن أن تتحول إلى ضوء، وأن الضوء أساسه المادة، لذلك هذه المواد المشعة إذا استمرت في إشعاعها تنقص كتلتها، فالجسم إذا سار بسرعة الضوء صار ضوءًا، والذي يعرفه الطلاب الذين يدرسون الفيزياء والكيمياء أن المادة مؤلفة من نواة، ومن كهارب، فإذا حُطمت كان الإشعاع، وهذا الإشعاع يستهلك كتلة المادة، فالمادة يمكن أن تكون نوراً، فهذا الكون العظيم هو من خلق الله عز وجل، هو من نور الله عز وجل.

 لذلك: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ هذه النظرية النسبية التي تقول: إن الزمن هو البعد الرابع للأشياء تعني أن الزمن له علاقة بالحركة، والحركة إذا زادت عن حد معين تجعل هذا الجسم نوراً صِرْفاً، لذلك أن يكون الكون كله مبعثه نور الله عز وجل، هذه الآية يمكن أن تُفسّر في ضوء المعطيات العلمية الحديثة بشكل دقيق جداً. 

على كلٍّ الشيء المبسط؛ أن مصباح الزيت، هذا الزيت يصبح في النهاية نوراً، فتيل الزيت يضيء، ويبدد الظلام على حساب هذه الكمية من الزيت، فإذا انتهى الزيت انتهى النور، كيف تحولت هذه الكمية من الزيت إلى نور؟ إذا قلنا: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ .


العلم نورٌ:


 أي أن الله سبحانه وتعالى هو مُوجد السماوات والأرض، وهو منوّر السماوات والأرض، لكن الآية في بعض معانيها تشير إلى أن العلم نور، أي أن الإنسان أحياناً حينما يجري عملية جراحية الطبيب يكون قد درس دراسة مفصلة كل مراحل العملية، كيف يخدر المريض، كيف يفتح البطن، كيف يغلق الشرايين بأجهزة خاصة، كيف يبدأ بشق المكان، كيف يستأصل المنطقة المرضية، فهذه المراحل الدقيقة التي يجريها الطبيب كيف عرفها؟ عرفها بالعلم، فكأن العلم الذي تعلّمه نور يكشف له طريقه في إجراء العملية، لذلك قالوا: العلم نور، فالإنسان العالم مستنير، هذه المعاني كلها بدءًا من المعاني المادية، إلى المعاني المجازية، إلى تلك المعاني الروحية التي تشير إليها الآية الكريمة مستنبطة من قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ الله سبحانه وتعالى أنزل آيات بينات، عرّفنا بها بذاته، فكان هذا القرآن نوراً لنا، والله سبحانه وتعالى بثّ الآيات الكونية في السماوات والأرض، وهذه الآيات دالة على ذاته، وعلى وحدانيته، وعلى أسمائه الحسنى، وصفاته الفضلى، فكأن الآيات الكونية والتنزيلية بشكل أو بآخر نور أنزله الله للإنسان، الإنسان لولا النور الإلهي كيف يهتدي، وكيف ينطلق في طريقه، وكيف يعرف الخير خيراً، والشر شراً؟

 يقول ربنا سبحانه وتعالى:

﴿ أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(122) ﴾

[ سورة الأنعام ]

 كان ميتاً، والله الذي لا إله إلا هو هذا الذي لا يعرف الله عز وجل، ولا يتصل به هذا في حكم الميت، وفي هذا يقول بعض الشعراء:

ليس من مات فاستراح بميت  إنما الميت ميت الأحياء

***

 هذا الذي يمتلئ حيوية ونشاطاً، ولكنه مقطوع عن الله عز وجل، هذا في حكم الميت، لذلك سيدنا علي يقول: << يا بني، العلم خير من المال، فإن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، مات خُزَّان المال، وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة >>.

 إذاً العلم هو الذي يشيع في الحياة السعادة، بسبب أن العالم مستنير بنور الله، يفعل ما أمر الله، ويجتنب ما نهى عنه الله، وبذلك يقبل عليه فيسعد، فعلى كل مسلم أن يكون عالماً بأوامر الله، ونواهيه، بحكمته، بقرآنه، بتفسير كتابه، بأحكام شرعه، وهكذا.

﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ وفي آية أخرى يقول الله عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(29)﴾

[ سورة الأنفال ]

 ما هو الفرقان؟ الفرقان نور تفرقون به الخير من الشر، وفي آية أخيرة في الآيات التي تتبع هذه الآية:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (28) ﴾

[ سورة الحديد ]

 أيْ كفالتين؛ كفالة في الدنيا، وكفالة في الآخرة، يضمن لكم دنيا تسعدون بها، ويضمن لكم آخرة تسعدون بها إلى الأبد ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾ فالذي يعرف الله عز وجل يعرفه عن طريق الاتصال به، ويعرفه من خلال شرعه، هذا له في كل موقف موقف، له في كل ظرف موقف، له في كل عرض موقف، له مع كل ضغط موقف، له مع كل إغراء موقف، له في كل علاقة موقف، هذا الموقف نابع من رؤيته الصحيحة التي استنبطها أو تنور بها من قِبل الله عز وجل.

 أحيانا يقولون: فلان نور الحي، أي كل من زاره، وعرض عليه مشكلة أشار عليه بما هو خير، ووجهه الوجهة الصحيحة، ودلّه على الطريق الصحيح، علمه الحكمة البالغة، فهذا الإنسان بوعيه، وإدراكه، واستنارة قلبه، واتزانه، واتصاله بالله عز وجل صار لهذا الحي نوراً.

 لذلك الأنبياء نوروا مجتمعاتهم بالحقيقة، وبالفضيلة، وبالمنهج، والله سبحانه وتعالى منبع هذا النور. ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ 

موضوع النور الإلهي ربما يأتي في آيات كثيرة مقترناً بتقوى الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)﴾

[ سورة البقرة ]


علاقة التقوى بالنور:


 الآن آيات التقوى لها علاقة وشيجة بآية النور، متى يتقي الإنسان؟ متى يتقي الخطأ؟ متى يتقي الشر؟ متى يتقي المعصية؟ متى يتقي الموقف اللاأخلاقي؟ متى يتقي أن يأكل ما ليس له؟ متى يتقي أن يعتدي على أعراض الناس؟ متى يتقي ذلك؟ إذا كان مستنيراً، لذلك أكثر آيات التقوى تقترن بآيات النور، فالصيام من أجل التقوى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ الآن نحن بحاجة إلى بيان مراحل دقيقة لوصول الإنسان لهذا النور، الإنسان في الأساس كائن فيه شهوات، وفيه رغبات، وفيه مطامح، وفيه صراعات، وفيه دوافع، وفيه حوافز، الإنسان أعقد ما في الكون، أودع الله فيه شهوة جنسية، وفي الطريق نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، وظروف الزنى متاحة، والظروف متاحة لأي انحراف أخلاقي، ويوجد اختلاط، وأودع في نفسه حب المال، ويوجد أموال، يمكن أن تؤكل حراماً، ويمكن أن تؤخذ عدواناً، يمكن أن تؤخذ اختلاساً، يمكن أن تؤخذ سرقة، يمكن أن تؤخذ غشاً وخداعاً، فأودع فيه حب المال، وحب المرأة، والمرأة والمال متاحان للناس، فكيف يستطيع الإنسان أن يتقي الله؟ كيف يستطيع أن يقاوم هذه الإغراءات؟ وكيف يستطيع أن يستجيب لله خالق السماوات والأرض؟ 


منهج الإنسان في اكتساب النور:


  إنّ الأساس في اكتساب هذا النور أن ينهج الإنسان المنهج التالي:

السبيل الأول: التفكر في مخلوقا الله عزوجل:

 أولا: لابد أن يفكر في خلق السماوات والأرض، لأنه إذا فكر في خلق السماوات والأرض، وتوصل من خلال البحث الدقيق البحث الذاتي إلى أن لهذا الكون خالقاً عظيماً، ربنا عز وجل يأمرنا، ويقول:

﴿ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ(101)﴾

[ سورة يونس ]

 ويقول:

﴿ فَلْيَنْظُرْ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24) ﴾

[ سورة عبس ]

 ويقول:

﴿  فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ(6)﴾

[ سورة الطارق ]

 ويقول:

﴿  أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ(20)﴾

[ سورة الغاشية ]

 هذا النظر، وهذا التدقيق، وهذا التأمل، وهذا التفكر في خلق الإنسان، في أعضائه، في أجهزته، في يديه، في رجليه، في سمعه، في بصره، في أنفه، في دماغه، في معدته، في أمعائه، لو فكر الإنسان في المريء فقط، لو أن الإنسان عُلّق من رجليه، وأُعطي كأساً من الماء، وشربه يصعد الماء نحو الأعلى بخلاف الجاذبية، كيف أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، كيف أنه سبحانه وتعالى زود المريء بعضلات دائرية، تنقبض تباعاً بحيث تنقل الطعام والشراب إلى الأعلى، فيما لو كان الإنسان متجهاً نحو الأسفل، أليست هذه آية؟ أليس هذا البلعوم الذي يعمل ثمانين عاماً دون كلل أو ملل، ليلاً ونهاراً، يغلق الطريق بإحكام، يغلق فتحة المريء بإحكام في أثناء التنفس، هذا التفكر ينقله بالتدريج إلى قناعة تامة أكيدة قطيعة إلى أن لهذا الكون إلهاً عظيماً، الإنسان يسأل هذا السؤال: هذا الإله العظيم الذي خلق الكون لماذا خلقه؟ بعضهم يقول: خلقنا ليعذبنا، وهذا محض افتراء على الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يقول:

﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119)﴾

[ سورة هود ]

السبيل الثاني: التقرب إلى الله بالطاعات:

 الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليرحمه، خلقه ليسعده، فالإنسان إذا توصل من خلال بحث دقيق ذاتي إلى أن لهذا الكون إلهاً عظيماً، له أسماء حسنى، وصفات فضلى، فلابد أن يسأل هذا السؤال: لماذا خلقنا الله عز وجل؟ إذا عرفت من خلال التأمل، أو من خلال القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى خلقك ليسعدك، وما جاء بك إلى الدنيا إلا لتستعد لدخول جنة عرضها السماوات والأرض، عندها تعرف طبيعة الحياة الدنيا، وتعرف أن لهذا الإله العظيم شرعاً لابد أن تطبقه، فإذا طبقته شعرت بثقة عارمة أن الله راضٍ عنك، إذا طبقت الشرع شعرت أن الله راض عنك، فإن شعرت أن الله راض عنك أقبلت عليه، فإن أقبلت عليه ألقى في قلبك نورًا، فكان هذا النور فرقانًا لك بين الحق والباطل، والخير والشر. 


الصَّلاَةُ نُورٌ:


 وهذا النور كما جاء في وصف النبي للصلاة بقوله: (الصَّلاَةُ نُورٌ) . يأتيك في أثناء الصلاة، فكلما استقمت قبل الصلاة، وأحكمت علاقتك مع غيرك قبل الصلاة جاءت الصلاة عروجاً للمؤمن، فالله سبحانه وتعالى جعل الصلاة قرباً، يقول تعالى:

﴿ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ(19) ﴾

[ سورة العلق ]

 وجعل الصلاة ذكراً:

﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ﴾

[ سورة طه ]

 وجعل الصلاة وعياً، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) ﴾

[ سورة النساء ]

 وجعل الصلاة مناجاة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لو يَعْلَمُ المُصَلِّي مَن يُناجِي ما انْفَتَلَ ))

[ ضعيف الجامع عن الحسن البصري ]

 وجعل الصلاة عروجاً، الصلاة هي الفرض الإسلامي الذي لا يسقط بحال، الصيام قد يسقط عن المريض أو المسافر، والحج قد يسقط عن غير المستطيع، والزكاة تسقط على من لا يملك النصاب، ولكن الصلاة لا تسقط بحال، لذلك قالوا: الصيام من أجل الصلاة، والحج من أجل الصلاة، والزكاة من أجل الصلاة، والصلاة من أجل الصلاة، والصلاة من أجل أن يقذف الله في قلبك نورًا ترى به الخير خيراً، والشر شراً، والصلاة من أجل أن يكون الله نور السماوات والأرض، أن يكون لك نور تهتدي بهديه، لأن الشيطان ينقل الإنسان من النور إلى الظلمات، لكن الرحمن سبحانه وتعالى ينقل الإنسان من الظلمات إلى النور. 


حقيقة التقوى:


 لذلك حينما يجلس الإنسان مع ربه جلسة، ويفكر في خلق السماوات والأرض تمتلئ نفسه تعظيماً لله عز وجل، وخشية له، وتوقيراً لجنابه، عندئذ تندفع إلى طاعته، وتطبيق أمره، والبعد عن نهيه، إذا أطاعته، وطبقت أمره، وابتعدت عن نهيه أقبلت عليه، فإذا أقبلت عليه قذف الله في هذه النفس النور، وهذه حقيقة التقوى. لذلك يقول ربنا سبحانه وتعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(18)﴾

[ سورة الحشر ]

 أي أن التقوى مرتبة فوق الإيمان، بل إن الإيمان درجات:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا(136)﴾

[ سورة النساء ]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾ والتقوى درجات، قال عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102)﴾

[ سورة آل عمران ]

 هذه الآية التي جاءت في سورة النور هي القرآن كله، لأن القرآن كله نور، في هذا البيان بيان خلق السماوات والأرض، وتوجيه الإنسان إلى بعض الحقائق، بيان ما حل بالأقوام السابقة، بيان ما سيكون مما أنبأ به القرآن الكريم، رسم المنهج الدقيق في العلاقات الاجتماعية، أحكام البيوع، أحكام الزواج، أحكام الطلاق، أحكام الميراث، هذا القرآن كله نور، بمعنى أنه علم، وإذا أقبلت على الله عز وجل قذف الله في قلبك النور، بمعنى أنه النور الإلهي الذي تفرق به بين الخير والشر، لذلك كانت هذه الآية التي في سورة النور: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فإما أن تكون على شيء من نور إلهي يهديك سواء السبيل، وإما أن يكون الإنسان أعمى ضالاً مُضلاً. 

أيها الإخوة الأكارم، الإنسان عنده شرع، ونور في قلبه، لو فرضنا أن النور لم يكن متألقاً كما يجب، فهناك حدود حدها الإسلام، حينما يدرس الإنسان الشريعة يعرف أن هذا حلال، وهذا حرام، هذا واجب، هذا فرض، هذا مندوب، هذا مستحب، هذا مكروه، فكل شيء في الأرض لابد أن ينطبق عليه أحد الأحكام الشرعية، فالإنسان إذا أقبل على الله عز وجل نشأت عنده أذواق، وهذه الأذواق تتطابق مع أحكام الشرع، فالذي ينهى عنه الشرع يترفع المؤمن عنه، يترفع من باب أن الله عز وجل ألقى في قلبه النور، فرأى ما فيه من انحراف، وانحطاط، ترفّع عنه، فأنت إما أن تنصاع للشرع، وتعرف أحكامه التفصيلية، وإما أن تقبل على الله عز وجل فيلقي في قلبك النور، هذا الشيء مجرب، فالإنسان أحياناً يبتعد عن شيء، ولم يبلغ علمه أن هذا الشيء محرم، ولكن من قبيل الذوق ومن قبيل النور الذي ألقاه الله في قلبه لذلك عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

(( اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ثُمَّ قَرَأَ:  ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ ))

[ ضعيف الترمذي ]

 نحن هذا الذي يلقيه الله في قلب الإنسان لابد أن يقابله شرع منضبط تمام الانضباط، الشيء الذي تحبه إذا كنت مستنيراً يؤكده الشرع، والشيء الذي تكرهه إذا كنت مستنيراً يؤكده الشرع، إذاً هناك شرع فيه تقنين لكل العلاقات، وكل الحالات، وهناك اتصال بالله عز وجل، هذا الاتصال إذا تكامل الاتصال مع معرفة أحكام الشرع كان الإنسان قد جمع المجد من طرفيه.

 على كل، نحن نريد في هذه الآية أن يكون للإنسان صلة بالله عز وجل، هذه الصلة لا يعرف طعمها إلا من ذاقها، بالاتصال بالله تكون في عين الله، أنت في حفظ الله، أنت في رعاية الله، وكأن الله سبحانه وتعالى ينور لك الطريق فترى به ملابسات هذه الطريق، ويمحولك هذا النور وحشة الحياة.

﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾


مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ


 عندنا مجموعة من الأسئلة:

ما هي المشكاة ؟

 ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ﴾ ما هي المشكاة؟ قال بعض العلماء: هي كُوَّة في حائط، وبعضهم قال: هي كصدر المؤمن، كوة في حائط، كوة غير نافذة، النافذة نافذة، لكن المشكاة نافذة غير نافذة، يعني كُوة، أيْ حفرة في حائط، وبعض علماء التفسير قالوا: هي صدر المؤمن.

﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ فيها مصباح متألق، هذا المصباح في زجاجة، هذه الزجاجة كأنها كوكب دري.

 وفي درس قادم إن شاء الله تعالى سوف نفصل في هذا التشبيه الرائع الذي مثّل الله به نوره، وهو في صدر المؤمن، ﴿الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ وماذا يعني ربنا سبحانه وتعالى بأن هذه الشجرة لا شرقية ولا غربية، هذا أيضا نتناوله في درس قادم إن شاء الله تعالى ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ .


دعاء:


الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى وجملنا بالعافية، وطهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور