وضع داكن
21-11-2024
Logo
الدرس : 05 - سورة النور - تفسير الآيات 11 – 15، آيات الإفك
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الخامس من سورة النور، مرَّ معنا في الدرس الماضي حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، الذي أوردته كتب الحديث عن حديث الإفك، وها هي الآيات التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على نبيه الكريم يبرّئ فيها السيدة عائشة رضي الله عنها مما اتُّهمت به، فكل مُتَّهم بريء له بهذه السيدة العظيمة أسوة حسنة، إن الذي برّأها سيبرّئه، والحياة طافحة بمشكلات من نوع أن تُلصق بإنسان ما تهمة هو منها بريء، وهذا الذي يحدث له حكمة بالغة، وربنا سبحانه وتعالى يقول:

﴿  إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ(11)﴾

[ سورة النور ]


بين الإفك والغيبة والنميمة:


 الإفك هو الكذب، بل هو أشد أنواع الكذب، الإفك أن تختلق شيئاً لا أصل له، أن تقلب الحق باطلاً، والباطل حقاً، أن ينقلب الحق إلى باطل، والباطل إلى حق، أن تختلق شيئاً لا أصل له، وهو الذي يسميه العلماء استنباطاً من هذا الحديث الإفكَ، فالذي يغتاب فإنه يقول ما هو واقع، ومع ذلك يقول الله سبحانه وتعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)﴾

[ سورة الحجرات ]

 فالغيبة محرمة تحريماً قطعياً بنص القرآن الكريم، ولا اجتهاد في مورد النص، بمعنى أن الإنسان يقوم باجتهادات، فيقول: إن هذا الكلام مفيد، تجريح فلان مفيد، الحديث بالسوء عن فلان مفيد، لا اجتهاد في مورد النص، فإذا جاء نص قرآني قطعي يحرم الغيبة فلا يستطيع إنسان كائناً من كان أن يبيحها لنفسه، لكن علماء الفقه أجازوا الغيبة في حالات قصوى، حالات لها شروط معقدة، فإذا سئلت عن إنسان في موضوع زواج، أو موضوع شراكة فعليك أن تبين الحقيقة، ولو كانت مُرّة، فربنا عز وجل قال: ﴿وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ إنّ نقل خبر الغيبة من إنسان إلى إنسان هذا هو النميمة، فَعَنْ حُذَيْفَةَ قال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  

((  لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ  ))

[ أخرجه البخاري، مسلم، الترمذي، أبو داود، النسائي، أحمد ]

 القتات هو النمام، تحدث فلان عن فلان بسوء، فجاء فلان، ونقل الخبر لمن تُحدِّث عنه، فهذه هي النميمة، وربنا سبحانه وتعالى نهى أيضاً بنص القرآن الكريم، والنبي عليه الصلاة والسلام بيّن أنه لا يدخل الجنة قتّات، فالغيبة حديث واقع، لكنه يسوء صاحبه، والنميمة نقل هذا الحديث لصاحبه، لكن الإفك اختلاق موضوع لا أصل له إطلاقاً، موضوع مُختَلق بقضِّه، وقضيضه، جملة، وتفصيلاً، ليس له مستند واقعي، هذا هو الإفك، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى: 


إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ

  

﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ﴾ والعصبة جماعة تعصب بعضهم لبعض، ما هي العصبية؟ أن تنحاز انحيازاً أعمى لجهة، كقول الشاعر:

وهل أنا إلا من غزية إن غوت     غويت وإن ترشد غزية أرشد

[ دريد بن الصمة ]

 فالذي ينحاز انحيازًا أعمى من دون تبصُّر، مع فلان على الحق، أو على الباطل فهذا تعصب، فعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 

((  لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ ))

[ أبو داود واللفظ له، والنسائي، وابن ماجه ]

 ليس منا أبداً، فالنبي عليه الصلاة والسلام ينفي عن هذا الذي ينحاز انحيازًا أعمى من دون تبصر، على الحق، أو على الباطل، بشيء واقعي، أو شيء غير واقعي، بما هو خير، أو بما هو شر أن يكون من أمته، أن تنحاز انحيازًا أعمى إلى جهة ما، فهذا هو التعصب الذي يرفضه النبي عليه الصلاة والسلام، ففي حديث يبدو لإنسان غير متعمق أنه يدعو إلى التعصب، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((  انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا ؟ قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ  ))

[ أخرجه البخاري واللفظ له، ومسلم، وأحمد، وكلاهما عن جابر ]

 أيْ أن توقفه عند حده، أن تقف ضده، هذا نصر له، إنك إذا وقفت في وجه أخ، أو صديق، أو جار، أو ابن، أو قريب، وقفت في وجهه حينما يطغى، فأنت بهذا تعمل لمصلحته، تسعى لرده إلى الله ورسوله، تسعى لإيقافه عند حده، تسعى لتوبته (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ) لذلك هذا الذي يتعصب لابنه إذا تشاجر مع ابن الجيران، على الحق، أو على الباطل، هذا الذي يتعصب لأخيه، لشريكه، يجب أن تكون مع الحق، لا مع إنسان.

 يروى أن أبا حنيفة النعمان رضي الله عنه دخل على المنصور، وكان عند المنصور قاض يكرهه، ويضمر له العداوة، فأراد هذا القاضي أن يوقع بين أبي حنيفة وبين الخليفة المنصور، فقال على مسمع من المنصور: يا أبا حنيفة إذا أمرني الخليفة بقتل امرئ أأقتله، أم أتريث، فلعله مظلوم؟ إن قال له: اقتله: أغضب الله سبحانه وتعالى، وإن قال له: لا تقتله، ولا تأخذ بأمره أغضب المنصور، فهما أمران أحلاهما مرّ، فما كان من أبي حنيفة النعمان، وقد كان ذكيا إلا أن قال: يا هذا ! الخليفة على الحق أم على الباطل ؟ فقال: مع الحق، قال: أنت كن مع الحق. 

 انتهى الأمر، فيجب على المؤمن أن يكون مع الحق، وليس مع أخيه، أو جاره، أو شريكه، بل مع الحق، ومن صفات المؤمن أنه لا تأخذه في الله لومة لائم، وفي الحديث عَنْ جَابِرٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  

((  لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُ يَدَهَا فَقُطِعَتْ يَدُهَا ))

[ أخرجه البخاري (3288) عن عائشة، ومسلم(1689) عن جابر، واللفظ له ]

 فربنا عز وجل قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةُ﴾ أيْ جماعة انحاز بعضهم إلى بعض من دون تبصر، من دون دليل، من دون بينة، من دون برهان، الانحياز الأعمى هو التعصب بعينه. 


كل شيء وقع بإرادة الله: لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ


﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةُ مِنْكُمُ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ﴾ هذه نقطة دقيقة جداً، فكل شيء وقع أراده الله، وما دام أراده الله فلابد أن ينطوي على الخير، وما دام الله سبحانه وتعالى أراد هذا الشيء فإرادته متعلقة بالحكمة، والحكمة متعلقة بالخير المطلق، معنى ذلك أن الإنسان أحياناً يفعل شيئاً بضغط ما، أو برغبة ما، أو بإغراء ما، أو لمصلحة، أو بغفلة منه يفعل هذا الشيء، فأفعال الإنسان ليست كلها متعلقة بالحكمة، بعضها بالحكمة، وبعضها بالضرورة، وبعضها بالغفلة، وبعضها بالضغط، وبعضها بالإغراء، لكن أفعال الله سبحانه وتعالى غير ذلك، فهي متعلقة حتماً بالحكمة، ولا شيء غير الحكمة، فكل شيء وقع أراده الله، وما دام قد أراده الله فهذا الشيء لابد أن يتعلق بالخير، هذا الحديث الذي ارتجّت به المدينة، والذي أصاب المؤمنين بهزة عاطفية، والذي جعل القيل والقال، وجعل الناس يلغطون، ويتحدثون عن زوجة نبيهم عليه الصلاة والسلام، وما أصاب السيدة عائشة من غم، وهم ، وما بكت بكاءً مراً حتى كاد الدم يخرج من عينيها، وكيف أن النبي عليه الصلاة والسلام بقي شهراً يعتصر قلبه أسى، هذا الحديث، وهذا اللغط، وهذه المشكلة، وهذه القضية، وهذا الإرجاف في المدينة ﴿لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ .


إسقاط على واقعنا اليومي:


 نحن الآن يجب أن نقيس على هذا الحديث، إنه أحياناً تقع مشكلة في البيت، هذه المشكلة ما دامت وقعت فقد أرادها الله، وما دام الله أرادها فلابد أن يكون فيها الخير، قد تعرف من زوجتك ما لم تعرفه من قبل، قد تعرف من هذه المشكلة وفاءها لك، فتزداد حباً لها، قد تعرف منها عفتها، قد تعرف منها طهرها، أنت كنت قبل هذا في غفلة عن هذه المعاني، قد تعرف الصديق من العدو، قد يُفرَز الناس في هذه المشكلة، فالإنسان في علاقاته الاجتماعية، في بيته، مع أقربائه، مع إخوانه، مع أخواته، مع جيرانه، مع أصدقائه، مع من يحب، مع من يكره، تنشأ مشكلة قد تُبنى على غلط، تبنى على إشاعة، تبنى على تهمة، تبنى على بهتان، تبنى على إفك، فهذا المشكلة وقعت، وما دامت قد وقعت فقد أرادها الله، وما دام الله أرادها ففيها الخير، وهكذا يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ﴾ لأنّ الخير دائما يكون كامناً في الشر، يبدو لك شراً، فقد تقع مصيبة، أو قد تقع كارثة، قد يقع طلاق، أو يقع زواج، قد تنفجر قضية في بيت من البيوت، هذا الموضوع في ظاهره شر، لكنه في النهاية يعود بالخير على الجميع، لأن فعل الله كله خير، قال سبحانه:

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(26)﴾

[ سورة آل عمران ]

 وحده، لم يقل: بيدك الخير والشر.

﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فأنا أعوذ بالله من كلمة أنا عند كلمة: ﴿لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ﴾ .


مِنْ خالصِ التوحيد الخالصِ: الاستسلامُ لقضاء الله وقدره:


 هذه الكلمة نستنبط منها أشياء كثيرة، في حياتنا قد نخاف، فالخوف خير، وقد تشح السماء، وشح السماء خير، قد يأتي وباء، والوباء خير، قد تأتي قضية، قد نعاني من مأساة، إن جميع المصائب في ضوء هذه الآية تؤدي إلى الخير، لذلك المؤمن فهمه عميق، المؤمن متفائل تفاؤلاً حقيقياً، مبنيًّا على التوحيد، مبنيًّا على أدلة من كتاب الله.

﴿لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾ لذلك في الحكم العطائية لابن عطاء الله السكندري مجموعة من الحكم تتعلق بالخير والشر، كل هذه الحكم مستنبطة من قوله تعالى:

﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرِهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمٌونَ(216)﴾

[ سورة البقرة ]

 لذلك فإنّ قمة التوحيد أن تستسلم لله الواحد الديان: يا رب؛ أنا مستسلم لقضائك، راض بحكمك، ماض فيّ أمرك: 

فليتك تحلو والحياة مريرة     وليتك ترضى والأنام غضابُ

[ أبو فراس الحمداني ]

 إنّ النبي عليه الصلاة والسلام في الطائف ذاق القهر، وصل إليها من مكة ماشياً على قدميه، وبين مكة والطائف قرابة مئة ميل، قطعها مشيًا على قدميه، فلما وصلها وقف منه أهل الطائف موقفاً من أسوأ المواقف، استهزؤوا به، وبدعوته، وبرسالته، واستخفوا به، ردوه شرّ ردٍّ، أغروا به سفهاءهم، فألجؤوه إلى بستان، فقال:

((  يا رب، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي، فجاءه جبريل فقال: يا محمد ؛ أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين، فقال: لا يا أخي، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. ))

[ رواه الطبراني ]

 اعتذر لهم صلى الله عليه وسلم، وظهر بذلك معدنه النبيل، وظهر صبره، وظهرت حكمته، ورحمته، ولولا هذا الحادث لما انكشف النبي عليه الصلاة والسلام على حقيقته، هذه حقيقة النبوة، رحمة ما بعدها رحمة، حكمة ما بعدها حكمة، حنان ما بعده حنان، لطف ما بعده لطف، فاعتذر لهم بقوله: (فإنهم لا يعلمون) لذلك: 


لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ


  ﴿لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ﴾ هذه الآية تعلمنا الكثير، تعلمنا أن كل شيء يقع في حياتنا ما دام قد وقع فهو خير، ولابد أن يطلعك الله عز وجل على جانب الخيّر فيه، ولا بد أن يطلعك الله سبحانه وتعالى على جانب الخيّر في كل مأساة وقعت، قد يكون مرض الابن سبباً لهداية الأب، مَنْ أدراك؟ قد يكون إفلاس تاجر سبباً لهدايته، قد يكون فقد الحرية سبباً للصلح مع الله عز وجل، قد يكون هذا المرض هو الهادي إلى الله، فهذا المرض في الدنيا تنزعج منه، ولكن ينكشف في الحقيقة يوم القيامة على أنه هو السبيل الوحيد للعودة إلى الله عز وجل، لذلك عندما يطوف المؤمن في الجنة يقول:

﴿ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ(74) وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(75)﴾

[ سورة الزمر ]


وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ


 لهذا قال الإمام علي كرّم الله وجهه: << وَاللَّهِ لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ يَقِينًا >>

[ أبو نعيم في حلية الأولياء ]

 فيقينه برحمة الله وحكمته، وعظمته قبل كشف الغطاء كيقينه بعد كشف الغطاء فالإمام ابن عطاء الله السكندري في حكمه العطائية الشهيرة يفصّل بعضاً من المعاني التي وردت في الآية الكريمة: ﴿وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

 يقول الإمام السكندري: "مَن ظنّ انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره، وربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، أعطاك الدنيا فابتعدت عن الهدى، فهذا في الحقيقة منع، وربما منعك فأعطاك، منعك من الدنيا فاقتربت من الله عز وجل، فكان هذا المنع عين العطاء، وقد يكون العطاء من الخلق حرمان، والمنع من الله إحسان، إن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام، وكما يحمي أحدكم غنمه من مراتع الهلكة. 

ومتى فتح لك باب الفهم في المنع عاد المنع عين العطاء، فعندما يُثبت لك الطبيب أن هذه الأكلة تسبب التهاباً في الأمعاء أو التهاباً في المعدة، وهذا المريض معه بوادر التهاب في المعدة، وإن هذا الطعام فيه مواد ثقيلة، فيه مواد حريفة، وفيه مواد مخرشة، وهناك حالة مرضية ابتدائية في المعدة، فإذا أقنعك الطبيب أن هذا الطعام يؤذي المعدة، ويسبب التهاباً بدرجة عالية، فأنت حينما تفهم حكمة المنع ينقلب المنع عين العطاء. 

وإنما يؤلمك المنع لعدم فهمك عن الله فيه، الذي يؤلم في المنع أنك لا تعرف الحكمة، فلو عرفت الحكمة لم يعد المنع مؤلماً، فالذي بإمكانه أن يأكل ما لذ، وطاب إذا نصحه الطبيب بترك هذه الأكلة لا تؤلمه هذه النصيحة، بل يتلقاها بالقبول الحسن. 

ومتى أوحشك من خلقه، فليفتح لك باب الأنس به، أحياناً لا يقدّرك الناس، ولا يعرفون قيمتك فيتهجمون عليك، ويجحدون فضلك، ويتنكرون لك، ويبتعدون عنك، ويلغطون في حقك، هذا من حكمة الله سبحانه وتعالى، ومتى أوحشك من خلقه فليفتح لك باب الأنس به. 

وربما وجدت في الفاقات ما لا تجده في الصوم والصلاة، فقد ترفع المصيبة الإنسان عشرات الدرجات، حيث إن الصلاة نفسها لا يمكن أن تفعل فعلها في هذا الإنسان لذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ .


موقف المؤمنين من الإفك: حُسنُ الظن بزوجات النبي عليه الصلاة والسلام:


 هناك مؤمنون كثيرون أحسنوا الظن بنبيهم، وأحسنوا الظن بزوجاته الطاهرات، منهم أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه الذي قال لزوجته: هل تسمعين ما يلغط الناس؟ قالت: نعم! قال: بالله عليك أتخونين أنت لو كنت مكان السيدة عائشة من رسول الله؟ قالت: لا، والله! قال: واللهِ لا أفعل ما اتهم به صفوان، وصفوان أفضل مني، وعائشة أفضل منك.

 هذا المعدن الطيب ظهر، سيدنا أبو أيوب الأنصاري وكثيرون من الصحابة الكرام أحسنوا الظن بالنبي عليه الصلاة والسلام، وأحسنوا الظن بأخيهم صفوان، وأحسنوا الظن بالسيدة عائشة، فكان هذا الحديث بمثابة المِحَك الذي أظهرهم على حقيقتهم، وأظهر نبلهم، وأظهر حسن ظنهم بالنبي عليه الصلاة والسلام، وأظهر اعترافهم بالجميل، وأنهم يعرفون الحقيقة، فهذا من أبواب الخير. 

من الخير أيضا الذي ظهر من حديث الإفك؛ أن هؤلاء الذين امتنعوا عن مساعدة من روجوا هذا الحديث عاتبهم الله عز وجل عتاباً رقيقاً، فبين أن هؤلاء من أولي الفضل، ولا ينبغي لأولي الفضل أن يمنعوا فضلهم عن المسيئين، فكان حكماً شرعياً رائعاً، فإذا فعلت خيراً فاصنع المعروف مع أهله، ومع غير أهله، فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله فأنت أهله، فإذا فعلت الخير فلا ينبغي أن تنتظر من هذا الخير شكراناً، ولا اعترافاً، ولا مديحاً، ولا ثناء، هكذا قال ربنا سبحانه وتعالى:

﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا(9) ﴾

[ سورة الإنسان ]

 السيدة عائشة رضي الله عنها ظهر لها أن أخواتها أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنوا الظن بها، فلما سأل النبي عليه الصلاة والسلام زوجته زينب رضي الله عنها: "ما تقولين أنت في عائشة؟ فقالت: "واللهِ لا أعلم عنها إلا خيراً"، حتى الضرة التي يسميها الناس مُرّة أحسنت الظن بأختها السيدة عائشة. 


ظهور بشرية النبي عليه الصلاة والسلام:


  شيء آخر مهم جداً، إلى أن نزلت آيات تبرئة السيدة عائشة بين حديث الإفك، بين بداية الحديث وبين التبرئة شهر كامل، والنبي عليه الصلاة والسلام بشر لا يعرف الحقيقة، سأل بعض أصحابه، سأل بريرة الجارية التي لها علاقة بالسيدة عائشة، وهو لا يدري ماذا يصنع، فظهرت بشريته صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) ﴾

[ الكهف ]

 هكذا أمره الله عز وجل أن يقول:

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(188)﴾

[ سورة الأعراف ]

 أنا مثلكم، لا أعلم، لكن الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم، وهناك فرق كبير بين المخلوق والخالق

﴿ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى(7) ﴾

[ سورة طه ]


من أساليب المنافقين: الأسلوب الالتفافي:


 إنّ النبي عليه الصلاة والسلام وقف موقف الحليم، موقف المتبصر، هو يعلم طهارة زوجته، يعلمها قطعاً، ولكن كيف يقنع الناس بهذا؟ كيف يقول لهم: ليس للخبر أصل من الصحة؟ قال على المنبر:

(( يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ مَن يَعْذِرُنِي مِن رَجُلٍ قدْ بَلَغَ أَذَاهُ في أَهْلِ بَيْتي فَوَاللَّهِ ما عَلِمْتُ علَى أَهْلِي إلَّا خَيْرًا. ))

[ صحيح مسلم. ]

 ومع ذلك انتشر اللغط في أنحاء المدينة، لكن الله سبحانه وتعالى وضع حداً فاصلاً لهذا اللَّغَط، إذاً هذا الذي وقع خير، ظهرت براءتها، وعفتها، وطهارتها، وظهرت براءة هذا الصحابي الجليل الذي كان كله حياء، حينما لمح أم المؤمنين ابتعد عنها، وقال لها يا أماه، وأناخ لها الناقة، وأركبها، وأوصلها إلى مكان مستقرها، فماذا فعل هذا الصحابي الجليل؟ وظهرت عداوة المنافقين، وظهر خبثهم، وظهر لؤمهم، وظهر حقدهم، بل إن المنافقين حينما عجزوا أن يواجهوا الحق التفوا عليه بهذا الحديث الباطل، إن الذي يتحدث حديثاً مغلوطاً فيه اتهام، وافتآت وبهتان عن إنسان عظيم إنه بهذا يعبر عن عجزه عن مواجهة الحجة بالحجة، حينما عجزوا عن رد هذا الحق الناصع لجؤوا إلى أسلوب التفافي، وهو الحديث في السيدة عائشة رضي الله عنها، لذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ .


حادثة الإفك امتحان وفرزٌ:


 ثمة قصة تُروَى؛ أن رجلاً كان يبيع زعتراً برياً، وينادي عليه، فسمع آخر ما أعظم بِرِّي، فذابت روحه في محبة الله، وغيره سمع انظر ترَ بِرِّي، وثالث سمع زعتر بري، فأحياناً كلمة واحدة يفهمها كل واحد على هواه، على ما في نفسه، فالحادث أحياناً البريء يبرِّئ، والعفيف يظن العفاف، والمستقيم يظن الاستقامة، والخبيث يظن الخبث، واللئيم يظن اللؤم، فكأن هذا الحديث محّص من كان مع النبي عليه الصلاة والسلام، فالمنافقون سقطوا، والمؤمنون نجحوا في الامتحان، تجد مثلاً في الصف خمسين طالباً كلهم يلبسون لباساً موحداُ، ويجلسون جلسة نظامية، من هو المتفوق؟ من الكسول؟ من الذي يملك محاكمة قوية؟ الله أعلم، من الذي يملك ذاكرة قوية؟ من الذي سينجح؟ تأتي مذاكرة واحدة، يُطرح سؤال، تُوزع الأوراق..... 5 من عشرين، 3 من عشرين، 0 من عشرين، عشرين من عشرين، اختلف الأمر، فهذا الامتحان، وفي الامتحان يكرم المرء أو يهان، فهذا حديث الإفك امتحان لقول الله عز وجل:

﴿ مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ(179)﴾

[ سورة آل عمران ]

 وهذا الامتحان في كل زمان ومكان، المؤمنون كلهم مؤمنون، حادث واحد يفرزهم إلى مؤمنين من الدرجة الأولى، مؤمنين من الدرجة الثانية، أقل إيماناً، إلى منافقين، إلى كفار، في معركة الخندق قال ربنا عز وجل:

﴿ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا(11)﴾

[ سورة الأحزاب ]

  أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته، غير قادر على أن يبول، ويعدكم محمد، هكذا يقولون أن تفتح عليكم بلاد قيصر وكسرى، ظهر نفاقه وظهر كفره وظهر كفره بالدعوة.

﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا(23)﴾

[ سورة الأحزاب ]

 لذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الْإِثْمِ﴾


التحذير من مشاركة العاصي في معصيته:


 تُروى قصة لها هدف رمزي؛ أن حريقاً كبيراً شب في مكان ما، وأنه لو اجتمع ألف إنسان ليس في إمكانهم أن يطفئوه، تأتي الضفدعة فتملأ فمها ماء محاولة إطفاء هذا الحريق، ويأتي حيوان آخر فينفخ فيه ليزيد إضرامه، لا هذا أطفأه، ولا ذاك أشعله، ولكن هذا ظهر خيره، وهذا ظهر شره، هذه مواقف، وقع حدث أنت لم تسهم في فعله، بل أثنيت، لذلك عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ عَنِ الْعُرْسِ ابْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((  إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا، وَقَالَ مَرَّةً: أَنْكَرَهَا كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا. ))

[  أبو داود بإسناد حسن  ]

 لو وقعت معصية أمامك، وأنكرتها كنت كمن لو غبت عنها، (وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا) إذا قال لك رجل في آخرِ الدنيا: فعل فلان كذا وكذا، وأخذ ما ليس له، وقلت: هنيئًا له إنه ذكي، فأنت شاركته بالإثم، أنت في الشام، وهو في كندا، سمعت عن قصة فعلها، فيها إثم، وفيها معصية، فأنت لم تفعل شيئاً إلا أن أثنيت على عمله، فثناؤك على عمله جعلك تشركه في الإثم، فإذا رأيت معصية بأم عينك فأنكرتها كنت كمن غاب عنها، لهذا قال عليه الصلاة والسلام:

(( الذَّنْبُ شُؤْمُ عَلَى فَاعِلِهِ؛ إِنْ عَيَّرَهُ ابْتُلِيَ بِهِ، وَإِنِ اغْتَابَهُ أَثِمَ، وَإِنْ رَضِيَ بِهِ شَارَكَهُ  ))

[ السيوطي وهو ضعيف ]

 فإذا كان لك صاحب اقترف ذنباً، فإذا رضيته شاركته في الإثم، فإن ذكرته فقد اغتبته، إن عيرته ابتليت به، وإن رضيته شاركته في الإثم، وإن ذكرته فقد اغتبته، فإذا كان لك صديق أخ مؤمن وقع في خطيئة، وقع في ذنب فأنت بين أن تكون مغتاباً، وبين أن تكون شامتاً، وبين أن تكون راضياً، فإن كنت راضياً فأنت شريكه، وإن كنت شامتاً فلابد أن تقع فيه، وإن كنت ذاكراً لهذا الذنب فقد اغتبته، لذلك فالذنب شؤم على غير صاحبه، هذا الحديث؛ حديث الإفك يتكرر، ولا يخلو مجتمع، ولا مدينة، ولا قرية، ولا مجتمع، ولا فئة دينية، ولا جماعة دينية من قيلٍ وقال، وأخذ ورد، وفلان فعل، وفلان لم يفعل، فلان كيف فعل هذا؟ فهذا الحديث هناك من يصدق، وهناك من يكذب، هناك من يحسن الظن، وهناك من يسيء الظن، هناك من ينجح، وهناك من يرسب، هناك من يرقى، وهناك من يسفل بهذا الحديث، لذلك الحديث تمحيص " المصائب محك الرجال ".

﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ يا لطيف، هذا الذي روّج هذا الحديث، الحديث ليس له برهان، وليس هناك شهود، وليس هناك دليل، إنما هو ظن، فهذا الذي روّج هذا الموضوع، ونقله من إنسان إلى إنسان، ومن جهة إلى جهة، ومن فئة إلى فئة، هل سمعتم ما فعلت فلانة؟ هل سمعتم؟ أوصلكم هذا النبأ؟ بالله عليكم، ألم تسمعوا به، فاسمعوا. ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾

عبد الله بن سلول هو: الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ

  لذلك تأتي بعض الروايات لتبين أن الذي تولى كِبرَ هذا الحديث هو عبد الله بن أبي سلول، رئيس المنافقين، فحينما سمع أن الصحابي صفوان بن المعطل السلمي جاء بالسيدة عائشة على بعيره قال كلمته الشهيرة: لم تنجُ منه، ولم ينج منها، فروّج هذا الخبر، لذلك: ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ وإذا كان العظيم يقول عن العذاب بإنه عظيم، فما أعظم هذا العذاب!.

﴿  لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ(12)﴾

[ سورة النور ]


دعوة إلى حسن الظن وإنكار التهمة عن المسلم:


 هذه الآية دقيقة جداً، من معانيها أن ( لَوْلاَ ) هنا بمعنى هلاّ، وهو حرف حض، لولا أخذت هذا الموضوع فدرسته، أيْ هلاّ درسته، أي ادرسْه، فهلاّ أداة حض.

﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ سمعتم هذا الحديث، سمعتم ملابسات حديث الإفك، ما قاله عبد الله بن أبي سلول. ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ .


معنى: ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا


المعنى الأول: هل تفعل هذا أيها الصحابي ؟

 أنت أيها الصحابي هل تفعل هذا؟ لا والله، فصفوان أفضل منك، فإن كنت أنت لا تفعل هذا فهو لا يفعل أيضاً، وأنتِ أيتها الصحابية هل تخونين النبي، لو أنك زوجته؟ لا والله، لا أخونه، إذاً السيدة عائشة أفضل منك، فإن كنت أنت لا تفعلين وزوجك لا يفعل، أفيُعقل أن يفعل صفوان هذا وعائشة الزوج الطاهرة أن تفعل هذا؟.

 فربنا عز وجل يحضنا على أننا إذا سمعنا مثل هذه الأحاديث أن نظن بأنفسنا خيراً، فإذا كنت أنت لا تفعله فصفوان يفعله؟ هذا قياس رائع جداً، إذا كنت أنت على تواضعك، وعلى إيمانك المتواضع لا تفعل هذا، فهل يفعله صفوان؟ وفي بعض الروايات تروي، وهي روايات باطلة، وغير صحيحة، والنبي عليه الصلاة والسلام منها بريء، أنه كان يسير في طريق فرأى باباً موارباً، أي مفتوحاً، ورأى خلفه امرأة تغتسل، هي السيدة زينب، فقال: سبحان الله فوقعت في نفسه، نقول نحن للمؤمن العادي الذي جاء آخر الزمان، ولا يبلغ إيمانه مثقال ذرة من آخر صحابي جليل: يا أيها الأخ الكريم؛ أتفعل أنت هذا؟ إذا رأيت باباً مفتوحاً، أتنظر إليه أم تغض البصر؟ إن كنت أنت لا تفعل فهذا، فالنبي أعظم، وأسمى من أن يفعل هذا، وهذه قصة مختلقة، لذلك: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ فإذا كنتم مؤمنين أيها الرجال، وإذا كنتن مؤمنات أيتها النساء، فيجب أن تظنوا بأنفسكم خيراً، فإذا كنتم أنتم لا تفعلون هذا، أجروا هذه المحاكمة بأنفسكم، إذا كنتم أنتم فوق هذا، أيعقل أن يفعلها صفوان، أو أن تفعلها السيدة عائشة؟

المعنى الثاني: قيسوا ذلك على أنفسكم

 ﴿وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ الشيء الثاني؛ الوقفة عند: ﴿بِأَنفُسِهِمْ﴾ أيْ عليكم أن تقيسوا هذا على أنفسكم، هل تفعل أنت هذا؟ لا والله، لا أفعله، فهو أعظم منك، الذي تتهمه هو أعظم منك، هذا قياس رائع، المعنى الثاني أن هذا الذي تتحدث عنه هو أخوك، وأخوك هو عين ذاتك، إن تحدثت عنه فكأنما تتحدث عن نفسك، كيف عندما يتحدث الإنسان عن ابنه بالسوء فكأنه يتحدث عن نفسه بالسوء، لأن هذه تربيته، كيف إذا تحدثت الأم عن ابنتها بالسوء فكأنما تتحدث عن نفسها، كذلك المؤمنون وحدة متماسكة، فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  

((  تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى منه عُضْو تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى. ))

[ البخاري(5656)، مسلم(2586) ]

 إذا تحدثت عن أخيك فهو أخوك، فكأنما تتحدث عن نفسك، وفي آية مشابهة لهذه الآية يقول تعالى:

﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (188)﴾

[ سورة البقرة ]

 لم يقل الله تعالى: ولا تأكلوا أموال إخوانكم، بل قال: ﴿وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكَمْ﴾ لأنّ هذا المال الذي هو مال أخيك هو في الحقيقة مالك، يجب أن تحافظ عليه وكأنه مالك، فلأن تدع أن تأخذه ظلماً من باب أولى.

في القرآن الكريم لفتات رائعة جدا، فالمعنى الثاني أن المؤمن إذا تحدث عن أخيه المؤمن بالسوء فكأنما يتحدث عن نفسه، لذلك قالوا: من أساء الظن بأخيه فكأنما أساء الظن بربه، وكأنك تطعن في هذا الدين، هذا أخوك صائم، مصلّ، مستقيم، فإذا تحدثت عنه بالسوء فالحديث عن الدين بالسوء، إذا كان هذا شأن المسلم فاقرأ على الدنيا السلام، لذلك الحديث عن المؤمنين حديث خطير، وإن الله يدافع عن الذين آمنوا: 

((  مَن آذَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بالْحَرْبِ. ))

[ البخاري، وأحمد بلفظ: من أذل لي وليا فقد استحل محاربتي ]

 فلا تجعل همك تجريح الناس، فتضعضع ثفتهم بالدين، وتضعضع ثقتهم بأهل الحق، لا تجعل همك تتبع عورات الآخرين، ومن تتبع عورات الآخرين فضحه الله في عقر داره.

(( يا مَعْشَرَ مَن آمن بلسانِه ولم يَدْخُلِ الإيمانُ قلبَه، لا تغتابوا المسلمينَ، ولا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِم، فإنه مَن تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيه المسلمِ، تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه، ومَن تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه، يَفْضَحْهُ ولو في جوفِ بيتِه. ))

[ الألباني ]

﴿لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ الإفك يعني شيئاً مختلقاً من دون دليل، من دون برهان، فعوِّد نفسك أن تكون علمياً، لا تقبل قصة من دون دليل، من قال هذه القصة؟ عمّن سمعتها؟ هل سمعتها من إنسان موثوق؟ 


قاعدة جليلة: إن كنت ناقلا فالصحة، وإن كنت مدَّعيًّا فالدليل:


  عندنا قاعدة؛ هذه القاعدة لو طبقها المسلمون لسعدوا وأسعدوا، إن كنت ناقلاً فالصحة، وإن كنت مبتدعاً فالدليل، إذا نقلت خبراً توخى الصحة، من قال لك هذا الخبر؟ هل سمعه هو بأذنه؟ لا سمعه من إنسان، وهذا الإنسان ممن سمعه؟ من إنسان آخر، وفي النهاية فكرة، أو خاطر خطر لفلان، نقله إلى أخيه على أنه وقع من إنسان لإنسان لإنسان، فصار الخبر قطعياً، وهو خبر موهوم، لذلك "إذا كنت ناقلا فالصحة، وإذا كنت مبتدعاً فالدليل"، إن جئت بشيء جديد أين الدليل؟ لابد من دليل عقلي، ولابد من دليل نقلي، ولابد من دليل واقعي، إذا أردت أن تقول: أنا رأيي كذا، وكذا فلا بأس، لكن ما لدليل ؟ لا نقبل من دون دليل، ولا نرفض من دون دليل، لا نقبل قصة من دون صحة، ومن دون التأكد من صحة راويها لذلك:

﴿  لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ(13)﴾

[ سورة النور ]

 هل هناك شهداء أربعة رأوا بأم أعينهم هذه الخيانة. 


فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنَدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ


  ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ والكذاب يقام عليه حد القذف، لذلك أقام النبي عليه الصلاة والسلام الحد على ثلاثة من المنافقين، الذين ثبت أنهم روجوا هذا الخبر، ونقلوه بين الناس ليشفوا به غليل صدورهم، وحقدهم، وقد وقعوا في شر أعمالهم، وقد أقام عليهم النبي عليه الصلاة والسلام حد القذف بعد أن أنزل الله براءة أهله الأطهار.

﴿  وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(14) ﴾

[ سورة النور ]


وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ


 عملية كبيرة، فأنت حينما تنقل هذا الخبر تشكك بهذا النبي العظيم، أهكذا زوجته؟ أنت حينما تروج لهذا الخبر تشكك بهذا الدين، وتشكك بالوحي كله، لذلك فهذا الذي جاءت به هذه العصبة إفك مبين، وعمل كبير، وبهتان عظيم، ولولا رحمة الله عز وجل بأنه جعل حد القذف حداً لمن يتجاوز حرمة الآخرين لأهلك الله سبحانه وتعالى كل من روج هذا الخبر، لكن ربنا عز وجل يمهل، ولا يأخذ بالذنب الواحد.

﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ﴾ هذا الحديث، هذا اللغو، فالإنسان قبل أن يروج قصة، قبل أن ينقلها، قبل أن يتسلى بها، قبل أن يملأ فراغه بها، قبل أن يترنم بالحديث عنها ليحسب حساب العذاب الأليم، الذي توعد الله به كل معتد أثيم. 

﴿  إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ(15) ﴾

[ سورة النور ]


وجوب التأكد من الأخبار قبل نقلها: وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ


 التلقي يجب أن يكون بالقلب، تلقيت هذا الخبر فتريث، ادرسه، وازن، حلل، قِس، اسأل، تحقق:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(6)﴾

[ سورة الحجرات ]

 تأكد يا أخي، واسأل، وأعظِمْ بذاك الحديث المروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 

((  كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ.  ))

[ أخرجه مسلم، أبو داود  ]

 كفى بالمرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع، أيْ يكفيك إثماً، ويكفيك كذباً أن تنقل للناس كل ما سمعته، لأن هذا الذي سمعته يحتاج إلى تمحيص، إلى تدقيق، وإلى تحقيق، وإلى تنسيق، وإلى حذف، ويحتاج إلى مقص تقص منه كل كذب، أما الذي يسمع، ويروي ما يسمع دون تمحيص فهذا إنسان عند النبي عليه الصلاة والسلام كذاب، وعند النبي عليه الصلاة والسلام آثم. 

﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ سمعت الخبر، فكأن اللسان مثل مرآة عاكسة، تلقيته لا بأذنك، الأذن لها طريق إلى الدماغ، الأذن لها طريق إلى القلب، تلقيت الخبر بأذنك، فتريث، وادرسه، حلله، اسأل عن الأدلة، اسأل عن البراهين، اسأل عن المُخبِر فقد يكون إنساناً سيئاً، قد يكون فاسقاً، قد يكون له غرض بهذا الخبر، فقد يأتي الإنسانَ أحياناً هاتفٌ، ويكون قد خطب فتاة، فيأتيه هاتف، يصبح الزواج على كف عفريت، من أجل كلمة قالها فلان مجهول على الهاتف، فهذا الخبر تلقاه بالأذن، وتريث، أما هذا الذي يتلقى الخبر باللسان، وكأن اللسان مرآة عاكسة، فلمجرد أنه وقع على لسانه نطق به، عبارة رائعة جداً، تلقى هؤلاء المنافقون الخبر بالألسنة، ونطقوا به مباشرة. 

﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ قال سيدنا الصديق: 

" أيُّ أرض تقلُّني، وأيّ سماء تظلّني إذا قلت في القرآن برأيي " .

[ مصنف ابن أبي شيبة بلفظ: إن قلت ما لا أعلم، وانظر تفسير ابن كثير ]

 فلا تشهد إلا على مثل الشمس في كبد السماء، إذا كان الشيء كالشمس واضحاً فاشهد عليه.

﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ عظيم جداً أن تقول عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً يخدش مكانته، أن تقول على أهله الطاهرات شيئاً يخدش سمعتهن. 


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور