رمضان عبادة الإخلاص والمراقبة :

الدكتور محمد راتب النابلسي :
 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
 الشيء الدقيق : أن الكلمات إذا تعددت تنوعت ، أعالج الموضوع من جهة ثانية كمال الخلق - هذا الكون معجز - يدل على كمال التصرف ، ومن كمال التصرف أن هذا الخالق العظيم لابد من أن يدفعنا إلى طاعته .
 عندنا عبادة بمعناها الواسع : طاعةٌ طوعية ، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية ، أساسها معرفةٍ يقينية ، تفضي إلى سعادةٍ أبدية ، العبادة على مدى العام ، في كل يوم ، وفي كل صباحٍ ومساء، وفي كل أسبوع ، وفي كل شهر ، إلى نهاية العام ، ثابتة مستمرة دائمة ، إلى أن هناك دورات استثنائية ، رمضان دورة في العبادة استثنائية ، طبعاً نطبق برمضان ما كنا قبل رمضان، إلا أننا في هذا الشهر نمتنع عن المباحات .
 إنسان في بيته ، الحرارة إحدى وخمسون ، لا يوجد أحد بالبيت ، والثلاجة ممتلئة بكل ما لذّ وطاب ، فيها كل أنواع المشروبات ، لا يستطيع أن يضع في فمه قطرة ماء واحدة ، اسمها عبادة الإخلاص ، عبادة المراقبة ، فأنت حينما تمتنع عن كل شيء برمضان وأنت وحدك بالبيت دليل أنت موقن يقين قطعي أن الله يراقبك .

العبادة دعاء :

 الآن الدعاء ؛ لماذا تدعو إلى الله ؟ أنت مؤمن أنه موجود ، وأنه يسمعك ، وإن أضمرت الدعاء يعلم ، وهو قادر على تلبية رغبتك ، ويحب أن يكرمك ، وضع سبعة شروط في الدعاء ، صار الدعاء هو العبادة .

(( عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : الدُّعاءُ مُخُّ العبادةِ ))

[أخرجه الترمذي]

 العبادة دعاء ، هذا المخلوق الطارئ ، الحادث ، الخائف ، الشهواني ، يتصل بأصل الجمال والكمال والنوال ، الآن مكارم الأخلاق مخزونةٌ عند الله تعالى ، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً ، فأنا بالاتصال بالله أستمد منه الكمال ، الرحمة ، الإنصاف ، الحكمة ، كل الكمال الإلهي يشتق من الله عندما تعقد لك معه اتصال .
 الصيام استثنائي ، ترك الطعام والشراب ، ترك مقاربة الزوجة ، خوفاً من الله إرضاءً لله عز وجل ، فالصلاة برمضان استثنائية ، يوجد تراويح ، وقيام ليل ، وفجر في جماعة:

"من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح "

 صار عندنا الفجر في جماعة ، ترى أخوانك في المسجد ، والجماعة فيها رحمة ، فيها تنافس ، فيها انضباط ، في المساء الشيء نفسه ، معنى ذلك هناك مناسبات للاجتماع بالأخوة الأكارم ، المؤمنين ، الطيبين ، الطاهرين ، وهي مناسبة واحدة .

رمضان شهر القرب و الحب والقرآن :

 الآن صار رمضان أيضاً له ملمح صحي ، لكن إذا تصورت أن رمضان من أجل الصحة ، هو عبادة ، قبل أن تقول من أجل الصحة هو عبادة ، لكن له آثار صحية كثيرة جداً.
 على كل رمضان عبادة استثنائية ، شهر القرب ، شهر الحب ، شهر القرآن ، تقرأ كل يوم جزءاً ، شهر الإنفاق ، إنفاق المال ، شهر صلة الأرحام ، شهر العمل الصالح ، أنا أتمنى الآن تمنيات إذا كان هناك مشكلة كبيرة إما أن تحلها قبل رمضان ، أو أجلها إلى ما بعد رمضان ، داخل رمضان ليكون هناك صفاء ، هناك مشكلة صحية ، مشكلة اجتماعية ، مشكلة أسرية ، بالعمل مع شريكك ، إذا كان هناك مشكلات متفاقمة ، أو متفجرة ، أتمنى على الأخوة الكرام أن تحل قبل رمضان ، أو أن تحل بعد رمضان ، اترك الشهر صافياً ، لا يوجد مشكلات، شهر عبادة ، شهر تراويح ، شهر صلاة الفجر في المسجد ، شهر صلة أرحام ، شهر لك أقارب بأطراف المدينة في نهار رمضان زُر هؤلاء الأقارب ، خصهم بالزكاة أحياناً ، ثم الزكاة لك أن تدفعها في أول رمضان ، أو أول العشر الأخير ، أما يوم العيد فخذ الزكاة ، لأنه يريد أن يشتري ألبسة لأولاده ، ألبسة ، حاجات ، طعام ، شراب ، حلويات ، الزكاة تدفع في رمضان ، إن أكرمك الله بدفع الزكاة ، وفي أول الشهر لا يوجد مانع أبداً ، لكن الحد الأدنى أول العشر الأخير ، أما يوم العيد فصعب ، لا ، لك أن تدفعها قبل وقتها كي تحل حالات المسلمين .

رمضان آداب وقيم :

 لذلك رمضان آداب ، الأشياء البديهية كلكم تعرفونها أكثر مني ، أما كالآداب فالكلمات إذا تنوعت تعددت ، الآداب في هذا الشهر ، شهر إذاً الصلة بالله ، القرب ، القرآن ، صلة الأرحام ، الإكرام ، لم شمل الأسر دائماً ، هذا في رمضان ، أما مع الأسف الشديد أحياناً الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح أنا الذي أراه ولا أعمم ، والتعميم من العمى ، أن معظم الناس رمضان شهر الولائم والمسلسلات ، المسلسل أداة غربية خطيرة تهدم القيم كلها ، بيت فخم جداً ، ثلاث سيارات ، بيت على البحر ، بيت في الجبل ، بيت بالعاصمة ، ولقاء ، نساء كاسيات عاريات ، سهرات حميمة ، هذا الغني ، وآخر دين لكن أفقه ضيق جداً ، بيت صغير ، زوجة بعيدة عنه ، عند الجيران ، الأولاد بالحارة ، هم لم يهاجموا الإسلام ، أعطوك أبشع صورة عن المسلم ، هذا الإعلام ، الإعلام مهمته تفكيك العلاقات الدينية ، له مهمة خطيرة هي تسفيه القيم الإنسانية ، نقلك إلى قيم حضارية ساقطة ، قيم اللذة والشهوة .
مرة قلت كلمة عن أمريكا ، طبعاً البلاد الغربية كلها ، ونحن نمشي على طريقها : يعيش الإنسان لحظته فقط ، الآن لا يوجد كبر بالسن ، ولا شيخوخة ، ولا موت ، ولا جنة ، ولا نار ، لحظته همه الرفاه ، والعالم كله يمشي بهذا الطريق ، الإسلام أراد الله عز وجل أن ينقلك من وحي الأرض إلى وحي السماء ، يوجد قرآن كلام خالق الأكوان ، وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه .

بطولة الإنسان أن يكون له نقلة نوعية في رمضان :

 أرجو الله سبحانه وتعالى كل الإيجابيات في رمضان أن تستمر بعد رمضان .
 أقول كلمة لعلها قاسية : من عاد بعد رمضان إلا ما كان قبل رمضان ، والله في رأيي الشخصي – هذا اجتهادي - كأنه ما صام رمضان ، البطولة أن تنتقل نقلة نوعية في رمضان ، أن تتابع هذه النقلة إلى نهاية العام ، لا يفطر في صباح العيد إلا فمك فقط ، أما عدنا إلى الغيبة ، والنميمة ، والمسلسلات ، والسهرات الحارة ، واللقاءات التي لا ترضي الله ، والكلام الفارغ ، إلى آخره ، هذه العادات السلبية التي كسبناها من الغرب يجب أن نقلع عنها كلياً، بيتنا إسلامي ، صيامنا إسلامي ، كسبنا إسلامي ، لقاءاتنا إسلامية ، لا يوجد اختلاط ، ولا مسلسلات ، ولا شاشة مفتوحة ، هذا الذي أتمناه أن يكون هناك نقلة نوعية في رمضان لكل أخوتنا المستمعين ، وأنا والله مشتاقٌ لكم جميعاً ، أعضاء المجلس الإسلامي ، وأنا أتمنى أن ألتقي بكم إن شاء الله ، في الأيام القريبة نلتقي .