- محفوظات
- /
- ٠1جلسات إرشادية
مقدمة :
الدكتور عمرو عبد الكافي :
أحمد الله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد : للإنسان معالم في حياته ، ومن المعالم الكبيرة أن نلقى الأحبة العلماء ، الأجلاء ، الأتقياء ، الأصفياء ، الذين بمجالستنا لهم يزداد إيماننا كما كان يقول عمر لأخيه أبي موسى الأشعري : تعال لنؤمن ساعة ، فتعالوا نؤمن ساعة في جلسة خاصة مع أستاذنا وعالمنا الجليل المربي الفاضل الذي نحوم دائماً حول حدائق علمه ، أستاذنا الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم ورحمة الله .
الدكتور محمد راتب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الذي ذكرته بعض ما عندكم ، والله لا أبالغ .
الدكتور عمرو عبد الكافي :
رضي الله عنك ، بارك الله بك .
يقال مولانا : إن ملكاً من الملوك تاق إلى أن تنجب زوجته ولي عهده ، وانتظر ردحاً من الزمن ، ومع الأدوية والأعشاب ، المهم أنجبت ولداً بأذن واحدة ، حزن الملك ، وقال : إن ولي العهد عندما يكبر سوف يشعر بانكسار في نفسه أنه صاحب أذن واحدة ، له من أتباعه مجرم من المجرمين .
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا ﴾
قال له : جلالة الملك عليك أن تصدر أمراً بقطع أذن كل مولود ، بحيث أن كل الشعب ، وكل المواليد بأذن واحدة ، أصدر الملك هذا القرار ، وصار كل المواليد بأذن واحدة فما استشعر ولي العهد بأمر غريب ، دخل القرية طفل بأذنين ، فكل القرية ، أو المملكة أي الإمارة تقول : يا صاحب الأذنين ، أصبح شيئاً غريباً في هذه المملكة ، فلما كثر النقد عليه ذهب إلى الطبيب فقطع له أذنه ، حتى لا يعير بأنه بأذنين .
هذه القصة عملنا لها إسقاطاً الذي هو الإمعة ، مولانا دائماً الناس تحدثنا عن الإعاقات السلوكية ، هناك مجتمعات عندها إعاقات جماعية ، هذه الإعاقات الجماعية التي يصبح النقص فيها هو الكمال ، والانحراف فيها هو الاستقامة ، فالآن يوجد موجة من اليأس والإحباط نتيجة هذا العمل ، وهذه الجائحة التي انتشرت نسأل الله أن يرفع ابتلاءه عن الناس ، فالناس تأثرت ، تأثرت ، ويبدو أن الناس تتأثر بالسلبية أكثر من الإيجابية ، فنريد من فضيلة مولانا رضي الله عنك جرعة أمل ، تشاركنا بها حتى يستشرف بها الناس أن هذا قضاء الله وقدره ونتعامل معه ؟
تعلق إرادة الله بالحكمة المطلقة :
الدكتور محمد راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، من مسلمات التوحيد أن كل شيء وقع بالقارات الخمس من آدم ليوم القيامة أراده الله ، معنى أراده لا تعني أنه أمر به ، ولا تعني أنه رضيه ، ولكن سمح به .
الدكتور عمرو عبد الكافي :
أذن له .
الدكتور محمد راتب :
نعم ، طبيب متألق جداً تزوج امرأة أحبها كثيراً ما أنجب منها ، بعد عشر سنوات أنجب منها ولداً آية في الجمال ، تعلق به تعلقاً مذهلاً ، ثم اكتشف الأب الطبيب الولهان أن ابنه مصاب بالزائدة الدودية ، فسمح بفتح بطن ابنه مع تخديره واستئصال الزائدة .
فكل شيء وقع بالقارات الخمس من آدم ليوم القيامة أراده الله ، لا تعني أنه أمر به ولا تعني أنه رضيه ، بل تعني سمح به ، معكوسة ؛ وكل شيء أراده الله وقع .
الدكتور عمرو عبد الكافي :
لكن له حكمة .
الدكتور محمد راتب :
والإرادة الإلهية متعلقة بالحكمة المطلقة ، فالذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً ، والذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، فالشر المطلق لا يمكن أن يكون في الكون ، لأنه يتناقض مع وجود الله ، هذا الشر موظف ، موظف للخير المطلق .
الدكتور عمرو عبد الكافي :
الشر موظف للخير .
الدكتور محمد راتب :
أما شر مطلق فلا يوجد ، شر للشر لا يوجد ، لأنه يتناقض مع وجود الله ، ولكن هناك شر موظف للخير .
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
فكل مصيبة أرادها الله ، والمصيبة إذا أردها الله لها أهداف نبيلة ، وسامية ، عرفها من عرفها ، وجهلها من جهلها ، المؤمن يستسلم لقضاء الله وقدره ، والإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن .
الدكتور عمرو عبد الكافي :
الله أكبر ! نسقط هذا على الشهور الماضية إلى الآن ، فهذه الجائحة التي أربكت العالم كله سواء هي حقيقة مئة بالمئة كما نراها ، أو فيها يد من يلعب خلف الستار .
بطولة الإنسان أن يفهم على الله حكمته من كل شيء :
الدكتور محمد راتب :
فيما أتصور الناس في كل القارات ، في كل أطيافهم ومستوياتهم انشدوا إلى وحل الأرض ، أعرضوا عن وحي السماء ، ارتكسوا ، سقطوا في الشهوات والمصالح ، المنطلق الفكري المصالح ، والسلوكي الشهوات ، غرقوا في المصالح والشهوات ، أراد الله أن يرسل لهم رسالة .
أحياناً دولة عظمى ، حولها دول تناوئها ، تعمل عرضاً عسكرياً ، طيراناً ، صواريخ، العرض العسكري رسالة .
الله عز وجل من خلال هذا الفيروس أرسل رسالة إلى كل شعوب الأرض ، إلى كل أطياف البشر ، إلى كل مستوياتهم ، من الخفير إلى الأمير :
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
فمن لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر ، فالبطولة أن نفهم على الله ، الله عز وجل كل شيء بيده ، إذا أحبّ الله عبده ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، وإن شكر اقتناه .
مريضان عند طبيب ، الأول معه التهاب معدة حاد ، فالطبيب أخضعه لحمية قاسية جداً لستة أشهر على الحليب فقط ، والثاني معه ورم منتشر بكل جسمه ، الأول سأل الطبيب : ماذا آكل ؟ قال له : حليب فقط لأطول مدة ، الثاني ، قال له : كُلْ ما شئت ، أيهما أفضل ؟
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾
فحينما يعالج الإنسان هذا وسام شرف له ، هناك أمل بالنجاة ، إذا أحبّ الله عبده ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، وإن شكر اقتناه .
الدكتور عمرو عبد الكافي :
هو يصبر مولانا ، لأنه فهم الحكمة ، أو لأن يقينه .
الدكتور محمد راتب :
الحقيقة سيدي يصبر استسلاماً لله أولاً .
الدكتور عمرو عبد الكافي :
هذا الصبر الحقيقة .
الدكتور محمد راتب :
نعم ، الأول ، فإذا استسلم لله فتح عليه باب الحكمة ، أي أكرمه الله بعد استسلامه بالحكمة .
الدكتور عمرو عبد الكافي :
يؤتى الحكمة ، فإذا فهم الحكمة ازداد إيمانه .
هذا الذي طرد من عمله ، وهذا الآخر الذي فقد أخاه ، أو أباه ، أو ولده في هذه الجائحة ، وهذه التي ضاقت ذرعاً أنه في وجهها أشهراً كاملة حتى ملته ، وملها ، وكان بينهم ملل أساسي ، بنية أساسية ، هذه الابتلاءات علاجها الصبر والاستسلام ؟
المصيبة هي تعريف الإنسان بذنبه :
الدكتور محمد راتب :
لا ، لِمَ سميت مصيبة ؟ لأنها تصيب الهدف ، إنسان عنده كبر قليل ، يوضع في موقف حرج ، يتضعضع ، عنده إسراف في الإنفاق ، يوضع في مصيبة تناسبه ، تقتير في الدخل ، إنسان أهمل والديه يأتي ابنه يتطاول عليه ، عندما تأتي المصيبة من نوع الذنب نفهم على الله عز وجل .
الدكتور عمرو عبد الكافي :
فضيلتك تريد أن تقول : إن الابتلاء مفصل على الإنسان تفصيلاً .
الدكتور محمد راتب :
نعم ، إنسان عليه زكاة مال .
أذكر تماماً أخاً أعرفه ، زكاته كانت اثني عشر ألفاً وخمسمئة ليرة بالضبط ، فزوجته ضغطت عليه كي يطلي البيت ، فألغى دفع الزكاة وقام بطلاء البيت ، أي استجاب لها بمعصية الله ، بعدم دفع الزكاة .
الدكتور عمرو عبد الكافي :
أرضاها بسخط الله .
الدكتور محمد راتب :
عمل حادث سيارة ، كلفه اثني عشر ألفاً وخمسمئة ليرة ، هذه رسالة من الله .
الدكتور عمرو عبد الكافي :
الإنسان تأتيه مثل هذه الاختبارات القوية فلا يفتح عين قلبه ، ولا عين تدبره ، ولا عين فكره على حقائق الأمور .
على الإنسان معرفة سرّ وجوده وحكمة كل شيء أصابه :
الدكتور محمد راتب :
هؤلاء وصفهم الله :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ﴾
نبضه ثمانين مثالي ، وضغطه 8 ـ 12 مثالي ، عند الله ميت ، لأنه ما عرف الله .
الدكتور عمرو عبد الكافي :
﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ ﴾
الدكتور محمد راتب :
ما فهم سر وجوده ، ما فهم حكمة المصيبة .
﴿ أَمْوَاتٌ ﴾
شيء ثان :
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ﴾
خشبة ، نكمل :
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
ثم :
﴿ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ﴾
فالبطولة أن نتعظ بسلوك الله عز وجل ، بفعله ، فمن لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر .
الدكتور عمرو عبد الكافي :
جاءنا هذا الشاب ، أو هذه الإنسانة ، أو الزوج ، أو إلى آخره ، وهو محبط يائس ، لا يرى إلا من وراء نظارة سوداء ، لا يرى في العالم بارقة أمل ، ماذا يقال له ؟ كيف نصحح اتجاهه ؟
حاجة الدعوة إلى الله إلى حكمة و ممارسة :
الدكتور محمد راتب :
أنا أولاً لا أقبل العنف في الدعوة إلى الله ، العنف ليس له اثر إيجابي إطلاقاً ، أنا لي اجتهاد متواضع .
الدكتور عمرو عبد الكافي :
علمنا ؟
الدكتور محمد راتب :
أستغفر الله ، الإنسان إذا وقع في مخالفة أخفف أحكامها ، إن نوى أن يقع فيها أضخم أحكامها ، إذا وقع فيها أنا أعطيه الشيء الخفيف ، رحمة الله عز وجل .
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾
أما إذا كان يريد أن يفعلها ، أعطيه أشد أنواع الفتاوى ، الدعوة حكمة ، والدعوة إلى الله تحتاج إلى حكمة ، وإلى تجارب ، وإلى ممارسة ، وإلى قرب من الله عز وجل .
الدكتور عمرو عبد الكافي :
الله يجبرك مولانا .
الدكتور محمد راتب :
بعض ما عندكم .
خاتمة وتوديع :
الدكتور عمرو عبد الكافي :
جزاكم الله خيراً على هذه الكلمات الذهبية ، ما شاء الله ! تذهبون بالإيمان إلى أبعد الحدود .
الدكتور محمد راتب :
سيدي إذا كان كلماتي عيار ثمانية عشر ، أنت عيارك أربعة وعشرين .
الدكتور عمرو عبد الكافي :
رضي الله عنك وأعزك .
شكر الله لك ، وشكر الله بك ، نشكر بالنيابة عنكم مولانا وأستاذنا الفاضل الجليل الدكتور محمد راتب النابلسي ، متعه الله بالصحة والعافية ، ونفعنا ونفع الأمة به .
نلقاكم إن شاء الله ، ونطمع في أن نستأذنه في مقابلة أخرى إن شاء الله رب العالمين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته