وضع داكن
26-04-2024
Logo
محفوظات – جلسات إرشادية – الدرس : 005 - سهرة خاصة مع رابطة علماء الشام - كلمة بمناسبة المولد النبوي الشريف
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

البشر زمرتان ؛ الأقوياء والأنبياء :

الدكتور محمد راتب :
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أخي الكريم الحبيب ؛ بارك الله بكم على هذه الدعوة الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي ، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم .
 لكن خطر في بالي في هذه المناسبة أن أقول هذه الكلمات : يقع على رأس الهرم البشري في الأرض كلها زمرتان ؛ الأقوياء والأنبياء ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأنبياء ملكوا القلوب ، والأقوياء ملكوا الرقاب ، الأنبياء عاشوا للناس ، والأقوياء عاش الناس لهم ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم ، والأنبياء يمدحون في غيبتهم ، والناس جميعاً تبع لقوي أو نبي ، أين البطولة ؟ أن تكون أيها الأخ الكريم من أتباع الأنبياء لا من أتباع الأقوياء ، وإذا كنت مضطراً أن تكون من أتباع الأقوياء فتخلق بأخلاق الأنبياء حتى يحبك من حولك من الأتباع .

الاقتداء بالنبي لأنه المخلوق الأول عند الله :

 يا سيدي يا رسول الله يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ ، يا من قدست الوجود كله ، ورعيت قضية الإنسان ، يا من زكيت سيادة العقل ، ونهنهت غريزة القطيع ، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع ، فعشت واحداً بين الجميع ، يا من أعطيت القدوة ، وضربت المثل ، وعبدت الطريق ، يا من كانت الرحمة مهجتك ، والعدل شريعتك ، والحب فطرتك ، والسمو حرفتك ، ومشكلات الناس عبادتك ، أنت المخلوق الأول عند الله .
 يا سيدي يا رسول الله ! يا من كان لسان حالك يقول : المعرفة رأس مالي ، والعقل أصل ديني ، والحب أساسي ، والشوق مركبي ، وذكر الله أنيسي ، والثقة كنزي ، والحزن رفيقي، والعلم سلاحي ، والصبر ردائي ، والرضا غنيمتي ، والزهد حرفتي ، واليقين قوتي ، والصدق شفيعي ، والطاعة حسبي ، والجهاد خلقي ، وجعلت قرة عيني في الصلاة .
 يا سيدي يا رسول الله ! أشهد أن الذين بهرتهم عظمتك لمعذورون ، وأن الذين افتدوك بأرواحهم لهم الرابحون ، أي إيمان ، وأي عزم ، وأي مضاء ، وأي صدق ، وأي طهر، وأي نقاء ، وأي تواضع ، وأي حب ، وأي وفاء .
 يوم كنت طفلاً عزفت عن لهو الأطفال ، وعن ملاعبهم ، وأسمارهم ، وكنت تقول لأترابك إذا دعوك إلى اللهو : أنا لم أخلق لهذا .
 ويوم جاءتك رسالة الهدى ، وحُملت أمانة التبليغ ، قلت لزوجتك خديجة رضي الله عنها ، وقد دعتك إلى أخذ قسط من الراحة ، قلت لها : انقضى عهد النوم يا خديجة .
 ويوم فتحت مكة التي آذتك ، وأخرجت ، وكادت لك ، وائتمرت على قتلك ، وقد ملأت راياتك رايات النصر الأفق ظافرة عزيزة ، وقد قلت لخصومك بعد انتصارك عليهم ، وكان بإمكانك أن تلغي وجودهم : ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
 ويوم دانت الجزيرة العربية ، من أقصاها إلى أقصاها ، وجاء نصر الله والفتح ، ودخل الناس في دين الله أفواجاً ، ودانت لك الجزيرة كلها ، صعدت المنبر ، واستقبلت الناس باكياً وقلت لهم : من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليقتد منه ، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه ، ومن كنت شتمت له عرضاً هذا عرضي فليشتمه .
 ولا يخشى الشحناء ؛ أي المجادلة ، فإنها ليست من شأني ولا من طبيعتي ، من يقولها ؟ نبي ، قال بعد انتصاره الرائع ، والجزيرة كلها دانت له ، وبإمكانه أن يلغي وجودهم .
 ويوم دخلت على ثوبان ، وهو غلام فقير ، رأيته يبكي ، فسألته : ما يبكيك يا ثوبان ؟ قال : يا رسول الله ! إن غبت عني أشتاق إليك، فتبكي عيناي ، فإن تذكرت الآخرة وأني لن أكون معك في الجنة حيث أنت في أعلى عليين يزداد بكائي ، وعندئذٍ من أجل غلام صغير هبط جبريل الأمين على قلب سيدي المرسلين بقرآن كريم يقول :

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ﴾

[ سورة النساء: 69 ]

 وحي السماء يتنزل على سيد الأنبياء من أجل طفل صغير أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
 ويوم أقبل عليك رجل فظ ، غليظ القلب ، لم يكن قد رآك من قبل ، غير أنه سمع أن محمداً يسب آلهة قريش ، فحمل سيفه ، وأقسم ليسوين حسابه معك ، ودخل عليك ، وبدأ حديثه عاصفاً مزمجراً ، وأنت يا رسول الله تبتسم ، وتنطلق مع بسماتك أطياف نور ساطع ، وما هي إلا لحظات حتى انقلب الغيظ الغاضب حباً يكاد من فرط الوجد والحياء أن يذوب ، وانكفأ عليك ودمعه ينهمر من عينيه ، فلما أفاق قال لك : يا محمد والله دخلت عليك وما على وجه الأرض أبغض إليّ منك ، وإني ذاهب عنك وما على وجه الأرض أحب إليّ منك ، لقد أشرقت على هذا الرجل أنوار الحق والنبوة ، لأن محبة الخلق الكامنة في قلب هذا النبي الكريم فعلت في قلب هذا الرجل فعل السحر ، إنها نبوة الحق .
 ويوم غضبت صلى الله عليك من غلام كلفته في عمل فتأخر في تلبيته ، فقلت له : والله لولا خوف القصاص لأوجعتك بهذا السواك .
 ويوم كنت مع أصحابك في سفر ، أرادوا معالجة شاة ليأكلوها ، فقال أحدهم : عليّ ذبحها ، وقال الثاني : وعليّ سلخها ، وقال الثالث : وعليّ طبخها ، فقلت يا رسول الله : وعليّ جمع الحطب ، فقال أصحابك : نكفيك ذلك يا رسول الله ؟ فقال : أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه .

 

حاجة كل إنسان إلى تمثل أخلاق النبي الكريم :

 يا سيدي يا رسول الله ! نحن بأمس الحاجة إلى هديك الرباني ، الذي لا تزيده الأيام إلا رسوخاً وشموخاً ، ونحن في أمس الحاجة إلى سنتك المطهرة ، التي هي المنهج القويم والصراط المستقيم ، التي لا تزيدها الأيام إلا ثباتاً وانتشاراً ، ونحن بأمس الحاجة إلى أخلاقك العظمى التي لا يزيدها التأمل والتحليل إلا تألقاً ونضارة وظهوراً ، ونحن في أمس الحاجة إلى كل ذلك .
 لقد كنت بحق بين الرجال بطلاً ، وبين الأبطال مثلاً ، قلت لابنتك فاطمة الزهراء ابنتك ، فلذة كبدك : يا فاطمة بنت محمد ! أنقذِي نفسك من النار ، فأنا لا أغني عنك من الله شيئاً ، لا يأتيني الناس بأعمالهم ، وتأتوني بأنسابكم ، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه .
 وأما ما قاله جاهل حاقد ، أو قزم وضيع عن سيد الخلق ، وحبيب الحق ، سيد ولد آدم ، سنقول له : ما ضرّ السحاب نبح الكلاب ، وما ضرّ البحر أن ألقى فيه غلام بحجر ، ولو تحول الناس أعداء الحق إلى كناسين ليثيروا الغبار على هذا الدين ، وعلى سيد المرسلين ما أثاروه إلا على أنفسهم ، أنت سيد الخلق ، وحبيب الحق ، وسيد ولد آدم .

 والحمد لله رب العالمين
المذيع :
 جزاكم الله عنا خيراً .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور