وضع داكن
01-05-2024
Logo
حياة المسلم 1- إذاعة حياة إف إم- الحلقة : 090 - حلاوة الإيمان
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع:
  بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وأتم الصلاة وخير التسليم على نبينا ورسولنا محمدٍ الصادق الأمين ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين .
 السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم مستمعينا الأفاضل في لقاءٍ إيمانيٍ جديد مع الدكتور محمد راتب النابلسي .

(( عن النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، أنه قال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وألا يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار ))

[أخرجه الطبراني]

 فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي مرحباً بكم شيخنا .
الدكتور محمد راتب :
 بارك الله بكم ، ونفع بكم .
المذيع:
 حديثنا مع مستمعينا عن حلاوة الإيمان ، وأبدأ مع فضيلتكم بالحديث عن الإيمان ، وعن مفهومه ، وعن حلاوته .

المسافة الكبيرة بين حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان :

الدكتور محمد راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
 أخي الكريم بارك الله بك ؛ المتأمل في واقع المسلمين يجد أن كل شكليات الدين متوافرة ، لكن الصحابة الكرام هؤلاء قمم البشر ، كانوا أسعد الناس بإيمانهم ، وكانوا أقوياء ، وكانوا متعاونين ، وانتقلوا إلى الدعوة إلى الله ، وصلت جيوشهم إلى أطراف المعمورة ، إلى مشارف باريس في بواتييه ، كنتُ هناك ، وذكرت أن هذا المكان وصل إليه الفتح الإسلامي ، وإلى الصين ، هذه الحالة الرائعة جداً المتألقة التي شدت أبصار العالم إليها ، ما الذي حصل حتى فقدنا هذه الحلاوة ؟ هذه القوة ؟ هذا التماسك ؟ هذا الإقدام ؟ هذه الشجاعة ؟ هذه الحكمة ؟ هذا العلو بتواضع في الأرض ؟ الحقيقة أننا فقدنا حلاوة الإيمان .
 بالضبط أنت حينما تمتلك صورة رائعة جداً لأحدث مركبة ، بل ألبوم صور ، من الخارج ، من الداخل ، صورة المحرك ، وهي تمشي بجبل ، الألوان التي استخدمت فيها ، خصائصها ، مزاياها هذا كله ورق ، ومعلومات ، وصور، المسافة بين أن تمتلك هذا الألبوم وبين أن تمتلك السيارة نفسها مسافة كبيرة جداً .
 أنت أمام خارطة لقصر ، الأبهاء ، الشرفات ، الصالونات ، غرف الجلوس ، غرف النوم ، الإطلالات ، المسابح ، الشرفات ، لكن كله ورق ، وبين أن تسكن في هذا القصر المسافة كبيرة جداً ، بين معلومات علمية ، وصحيحة ، وعميقة ، لكن معلومات على ورق وبين أن تكون في هذا القصر تسكن ، بين معلومات عن مركبة حديثة جداً ، وبين أن تمتلك هذه المركبة .
 هذه المسافة الكبيرة جداً جداً جداً بين حقائق الإيمان وحلاوة الإيمان وردت في السنة المطهرة ، بل ورد في السنة المطهرة أسباب امتلاك حلاوة الإيمان ، لكن الشيء الكبير له مقدمات كبيرة ، من السذاجة ، والغباء ، أن تنتظر نتائج رائعة من مقدمات تافهة ، وكأن حال المسلمين اليوم ينتظرون معجزة من الله لينصرهم على أعدائهم ، أن تفتح لهم البلدان ، أن يحققوا أهدافهم ، دون أي حركة إيجابية في التقرب إلى الله ، ولا في تطبيق منهج الله ، ولا في الأخذ بأوامر الدين .
 فحينما تكون المقدمات عادية ، أو أقل من عادية ، لن تكون النتائج باهرة ، ويكون الإحباط ، وهناك حالة الآن مرضية اسمها : الإحباط ، تتالي النكسات ، والأزمات ، والتراجع ، وهذه الفرقة بين المسلمين ، وهذه الدماء التي تجري بين المسلمين ، وبين هذا الواقع المُر ، ليس أمرهم بيدهم ، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيلٍ وسبيل ، وهناك حربٌ عالميةٌ ثالثة معلنة على المسلمين كانت تحت الطاولة ، واليوم فوق الطاولة جهاراً نهاراً ، هذا الواقع لابد له من سبب ، إله ، لأمر كله بيده ، واحد أحد ، فرد صمد ، المخلوقات كلها بيده .

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) ﴾

[ سورة هود]

 فكيف نوفق بين الوعود الإلهية التي لا تنتهي وبين واقع المسلمين ؟ هذه الوعود كأنها لم تحقق أبداً ، ولِمَ ؟! هنا المشكلة .

من فقد حلاوة الإيمان أصبح الدين عبئاً عليه :

 لذلك الحديث الذي تفضلت فيه قبل قليل :

(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ))

 أول بند :

(( أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ))

 طبعاً لو أنك سألت ملياراً وثمانية مليون مسلم ، هذا الآن العدد الدقيق ، لو أنك سألت المليار والثمانية مليون مسلم : ألا تحب الله ورسوله أكثر من أي شيء ؟ الجواب : نعم ، ليس هذا هو المقصود ، عند التعارض ، حينما تتعارض مصلحتك المادية القريبة المتوهمة مع نصٍ شرعي ، وتقف مع مصلحتك ، فقدت حلاوة الإيمان ، صار الدين عبئاً ، قال :

﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) ﴾

[ سورة البقرة]

 الصلاة صعبة

﴿ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) ﴾

 أنت حينما تفتقد حلاوة الإيمان صار الدين عبئاً ، والدين أداة تفريق بوهم المقصرين ، أما حينما يطبق الإنسان منهج الله تماماً بإخلاصٍ عالٍ ، عندئذٍ يكتشف حلاوة الإيمان .
 يوجد ظاهرة أنا أعجبتني ، ولفتت نظري ؛ في الحروب التي خاضها المسلمون قديماً وحديثاً ، تجد أن هذا المجاهد يتمتع بسعادة لا توصف ، بُتِرت رجله ، ويتمنى أن يعود إلى المعركة ، ما الذي حصل ؟ أنا أتصور أن الله ألقى في قلبه السكينة ، بتعبير آخر ؛ التجلي، أما السكينة فقرآنية ، فإذا ألقى الله في قلب الإنسان السكينة سعد بها ولو فقد كل شيء، ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء ، هذه السكينة تتنزل على قلب المؤمن ، يرى بها الحق حقاً والباطل باطلاً ، يرى قُربَهُ من الله ، يرى هدفه الكبير ، يرى الآخرة أمامه ، يرى توفيق الله معه، يرى إكرام الله له ، هي السكينة ، هذا ما يفتقده العالم الإسلامي اليوم .
المذيع:
 دكتور ؛ هذه قصص الخاشعين ، وأولئك الذين يفتح عليهم في الجهاد ، فتبتر قدمه ويتمنى أن يعود من جديد ، حينما نستمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهيد الذي يُقتل في سبيل الله ، فلما طلب الله منه أن يختار ما يشاء تمنى أن يعود ليُقتَل من جديد ، اليوم الناس تُصلي ، وتصوم ، وتزكي ، وتتعبد ، لكنها لا تشعر بهذه الحلاوة ؟

من فقد إيمانه فقد اتصاله بالله :

الدكتور محمد راتب :
 أتريد جواباً حاسماً ؟
المذيع:
 نعم .
الدكتور محمد راتب :
 بيت فيه ثلاجة ، ومكيف ، ومروحة ، وغسالة ، أي فيه جميع أدوات الكهرباء الراقية ، وهناك خط كهرباء داخل للبيت ، هذا الخط إذا قُطع ميلي واحد ، كل هذه الأجهزة لا قيمة لها ، عبء ، كتل من الحديد أو البلاستيك ، لا تقدم ولا تؤخر ، فإذا اتصل التيار كل هذه الأجهزة تحركت ، وقدمت لك كل شيء .
 فالإنسان حينما يفقد إيمانه بالله عز وجل ، يفقد اتصاله بالله ، يكون الخط مع الله ليس ساخناً ، خط بارد ، مقطوع ، يصبح الدين عبئاً ، عبء كبير ، والآية دقيقة :

﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) ﴾

.
 فالإنسان حينما يُحكم استقامته إحكاماً دقيقاً ، والله أكاد أقول كلاماً أخشى من ألا يكون وقعه إيجابياً ، منهج الله عز وجل يتوهمه المقصرون صوماً ، وصلاة ، وحجاً ، وزكاة ، وشهادة .
المذيع:
 المقصرون ؟

الإسلام منهج تفصيلي :

الدكتور محمد راتب :
 المقصرون ، الإسلام منهج تفصيلي ، قد يصل لمئة ألف بند ، يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، من فراش الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، هذا المنهج ، كسب المال ، إنفاق المال ، علاقتك بالجيران ، علاقتك بإخوانك الكرام ، علاقتك بالوالدين ، علاقتك بالمجتمع ، علاقتك بأجهزة الإعلام ، علاقتك بما يقال وبما يشاع ، علاقتك بمن حولك ، بمن فوقك ، بمن تحتك ، بالأقوياء ، بالضعفاء ، بالطغاة ، هذا منهج تفصيلي ، افعل ولا تفعل ، نحن غفلنا عن هذا المنهج ، واكتفينا بالشعائر .
المذيع:
 فلم نجد حلاوة الإيمان .
الدكتور محمد راتب :
 طبعاً لا نجدها ، واحدة ، واحدة .
المذيع:
 لا تكفي الشعائر دكتور ؟
الدكتور محمد راتب :
 لا .
المذيع:
 عفواً ، صلاة ، صيام ، زكاة ، لا تكفي ؟
الدكتور محمد راتب :
 سأذكر لك واحدة ، واحدة :

(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباء منثوراً، قيل: يا رسول الله جلهم لنا؟ قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها))

[ ابن ماجه عن ثوبان]

 واضحة سيدي ؟
المذيع:
 واضحة دكتور .
الدكتور محمد راتب :

(( من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله تعالى بسائر عمله ))

[ مسند الشهاب عن أنس بن مالك]

 فأنا حينما أصلي الصلوات الخمس ، مع السنن ، وحينما أخلو بحيث لا يراني أحد أرتكب معصية ، معنى ذلك أنا بعيدٌ بعد الأرض عن السماء ، عن أن أكون المثل الأعلى كي أنال من الله وعوده ، هذه الصلاة ، واحدة واحدة ، الصيام :

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))

[أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي]

 هذا الصوم ، الزكاة :

﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (53) ﴾

[ سورة التوبة]

 الحج : من حج بمال حرام ووضع رجله في الركاب وقال : لبيك الله لبيك ، ينادى أن لا لبيك ولا سعديك ، وحجك مردود عليك .
 الشهادة :

((من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجبه عن محارم الله))

[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ]

 فهذه العبادات الشعائرية ، من نطقٍ بالشهادة ، وصلاةٍ ، وصيام ، وحجٍ ، وزكاة ، هذه العبادات إن لم ترافقها العبادة التعاملية ، كالصدق ، والأمانة ، واللطف ، والمعونةِ ، والإحسانِ ، والموضوعية - إن صح التعبير - لا جدوى من هذه العبادات الشعائرية ، لا أقول دعوها ، لا ، أقول : لن تنتفعوا بها ، لن تقطفوا ثمارها ، لن تكون أداةً لقربكم من الله ، الدين منهج تفصيلي .
المذيع:
 دكتور ؛ أنت الآن ركزت على ثلاثة بنود حتى تتحقق حلاوة الإيمان لدى المسلمين اليوم ، الذين غالبيتهم يفقدونها .
 الأولى : كما تفضلت أن يكون الله رقم واحد في أولوياته .
 والثانية : أن يتجنب محارم الله ، خصوصاً في الخلوات .
 والثالثة : أن يكون في معاملاته مع الناس كما يفترض أن يكون في عبادته مع الله .

الولاء والبراء :

الدكتور محمد راتب :

(( وأن يُحبَّ المرءَ لا يحبُّهُ إلَّا للَّهِ ))

 البند دقيق جداً ، هذا اسمه الولاء والبراء ، أي يا أخي الكريم المستمع يجب أن توالي المؤمنين ، ولو كانوا ضعفاء وفقراء .
المذيع:
 كيف أواليهم ؟ ما معنى الولاء ؟
الدكتور محمد راتب :
 أن تحبهم ، أن تعاونهم ، أن تهتم لمشكلاتهم ، أن تحمل همومهم ، أن تفرح لفرحهم ، أن تحزن لحزنهم ، هذا الانتماء ، ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً ، يجب أن تنتمي للمؤمنين ، فأنت حينما ترى القوة مع الآخر ، والمال مع الآخر ، وتوالي الآخر ، وتنسى إخوتك المؤمنين ، فقدت الولاء والبراء ، وكأن الولاء والبراء الفريضة السادسة ، يجب أن توالي المؤمنين ولو كانوا ضعاف وفقراء ، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء ، هذه هي المشكلة سيدي .
الثالثة :

(( وأن يَكْرَهَ أن يعودَ في الكفرِ بعدَ إذ أنقذَهُ اللَّهُ منهُ كما يَكْرَهُ أن يُقذَفَ في النَّارِ ))

 أنت بهذا السؤال - بارك الله بك - وضعت يدك على جرح الأمة ، يوجد مساجد رائعة جداً ، وصلوات ، وصوم ، وحج ، وزكاة ، لكن لا يوجد استقامة تامة ، لا يوجد خضوع كامل لمنهج الله ، من يتحرى الحلال في كسب ماله ؟ من يتحرى الحلال في إنفاق ماله ؟ من يتحرى منهج الله في علاقاته مع الآخرين ؟ في سهراته ؟ في خلواته ؟ أكثرها سهرات مختلطة ، كل واحد يتمتع بمفاتن امرأة صديقه دون أن يشعر أحد .
المذيع:
 ما المقصود :

(( وأن يَكْرَهَ أن يعودَ في الكفرِ ))

 خاصةً كيف لو طبقها اليوم وقد ولدنا على الإسلام لم نكن كفاراً فأسلمنا ؟

من هان أمر الله عليه هان على الله :

الدكتور محمد راتب :
 آية دقيقة :

﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) ﴾

[ سورة التوبة]

 يصلون ، كلمة كفر كبيرة جداً ، لكن العلماء قالوا : هناك كفرٌ دون كفر ، كيف ؟ مرة شخص أكرمني بالطريق ودعاني إلى محله التجاري ، قال لي : جاءني خاطب لابنتي ، وسيم الصورة ، يملك معملاً ورثه عن أبيه ، أي دخله فلكي ، تكلم بكلام غير معقول ، قال لي: لكن دينه ضعيف جداً ، فَبِمَ تنصحني ؟ قلت له : افتح القرآن الكريم ، الله قال لك :

﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) ﴾

[ سورة البقرة]

 بلغته ، والله بعد حين بلغني أنه زوج ابنته لهذا الشاب ، وبعد سبعة عشر يوماً من زواجه بها كان معها في نزهة في أحد مصايف دمشق الفاخرة ، فاختلف معها ، فتح باب المركبة وركلها بقدمه وعاد إلى الشام وحده ، ما صدق كلام الله ، فلما قال لي : هكذا صار ، قلت له : أنت عندما تقرأ القرآن وتنتهي من قراءته ماذا تفعل ؟ قال : أقول : صدق الله العظيم ، فإذا زوجت ابنتك لغير المؤمن أنت ما صدقت الله .
 الحقيقة أن توقع النتائج التي ذكرها الله مع المقدمات حتمي ، أما الناس فيؤخذون بالمظاهر ، فإذا هي فيها تقصير ، وهنا يوجد غش بالبيع والشراء ، وهنا مادة مسرطنة لكن ترفع السعر ، وهنا كذا بصناعتنا ، بزراعتنا ، بإنتاجنا ، الآن يوجد هرمونات مسرطنة ، الحبة تصبح كبيرة وقاسية ، أعون على تصديرها ، لكن يوجد بها هرمونات مسرطنة ، سيدي يوجد أشياء من الصعب أن تصدقها ، المسلم عندما قصر في أمر دينه ، يهمه الربح فقط ، فحينما هان أمر الله على الناس هانوا على الله ، هذه هي الحقيقة المرة التي أنا أراها أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، بكل المعلبات يوجد بنزوات الصوديوم ، مسموح ثلاثة بالمئة ، يضعون أحياناً ثمانية بالمئة ، لضمان سلامة المنتج ، لكن ثمانية بالمئة مسرطنة ، لا أحد ينتبه ، أنت تقدم مادة مسرطنة للناس ، كيف تصلي ؟ كيف تتوازن مع ربك ؟
المذيع:
 ما العلاقة دكتور بين أني أقدم مادة مسرطنة وأني أصلي ؟

المعصية وإيذاء الآخر حجابٌ بين الإنسان وربه :

الدكتور محمد راتب :
 المعصية وإيذاء الآخر حجابٌ بينك وبين الله .
 إذا شخص فرضاً جاءته امرأة تشتري قماشاً ، وملأ عينه من محاسنها ، بل أدار معها حواراً غزلياً مثلاً ، وأذن الظهر ، وذهب ليصلي ، بربك بالفطرة من دون أدلة ، هل يستطيع هذا الإنسان الذي أدار حديثاً غزلياً مع امرأة لا تحل له لفترة طويلة ، وملأ عينه من محاسنها ، أن يُقبل على الله ؟ لا يقدر ، هذه الحقيقة بالدين خطيرة جداً .
 ما لم تستقم على أمر الله لن تستطيع أن تقتطف من ثمار الدين شيئاً ، الدين من دون استقامة صار فولكلوراً ، يقول لك : أقواس إسلامية ، بيوت إسلامية ، تراث إسلامي ، قماش إسلامي دامسكو مثلاً ، هناك أشياء إسلامية ، تحف إسلامية ، لقاءات إسلامية ، أما الإسلام فمنهج تفصيلي ، يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان ، وينتهي بالعلاقات الدولية ، وما لم يطبق هذا المنهج لن نقطف ثماره ، بالضبط عندك خمسون جهازاً كهربائياً لكن لا يوجد كهرباء ، كله واقف ، والقطع قد يكون ميلي واحد فقط ، التيار ميلي ، أو متر ، مثل بعضها .
المذيع:
 يبقى هنا السؤال الكبير دكتور ، وأستأذن فضيلتكم لنستمع الإجابة بعد الفاصل ، بعد أن عرفنا عن أهمية حلاوة الإيمان ، وما الحائل بيننا وبين الوصول لها ، كيف لنا أن نصطلح مع الله ليرسل إلينا هذه الحلاوة ؟
من جديد مع فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي ، ومعكم مستمعينا الأكارم ، حلقتنا من هذا البرنامج ، نعود إليكم بعد الفاصل بحول الله .
 حياكم الله أيها الأخوة والأخوات من جديد ، مع فضيلة العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، وحلقتنا وحديثنا عن حلاوة الإيمان ، وكان تأصيل مبارك من شيخنا الكريم ، لِمَ هذه الحالة ؟ لماذا نصلي ؟ لماذا نصوم ؟ لماذا نزكي لكننا لا نستشعر فيما نفعل ؟ كثيراً ما نسمع عن حلاوة الإيمان ، لكننا نحن نفتقدها ولا نجدها ، أرحب بمشاركات مستمعينا الهاتفية ، في موضوعنا ، وفي حديثنا عن حلاوة الإيمان ، فمرحباً بكم .
 دكتور ، كنت قد طرحت على فضيلتكم سؤالاً قبل أن نقف مع الفاصل ، في ظل حديثنا عن حلاوة الإيمان ، ما المخرج ؟ ما الحل ؟ نصلي ولا نعلم كم ركعة صلينا دكتور ، والله أربع ، خمس ، لا يعلم الإنسان ، كيف نعود إلى حلاوة الإيمان ؟

كيفية العودة إلى حلاوة الإيمان :

الدكتور محمد راتب :
 والله تحتاج إلى صلح مع الله ، إذا رجع العبد إلى الله نادى منادِ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ، لابد من صلح مع الله ، لابد من محاسبةٍ ذاتية ، لابد من استقامةٍ على أمر الله .
 أخي الكريم بارك الله بك ، طريق فيه صخور على عرض الطريق ، ومعك أنت سيارة لا تستطيع أن تمشي ، ما الحل ؟ أولاً أن تزاح هذه الصخور عن الطريق ، الصخور هي المعاصي والآثام ، فما لم تزح المعاصي والآثام ، طبعاً المعاصي قد تصل للغير ، والآثام تبقى بجريرة صاحبها ، ما لم يتب الإنسان من معاصيه وآثامه ، لن يستطيع التقدم في الدين ، تماماً كطريق فيه صخور على عرض الطريق ، الآن أزحنا هذه الصخور ، هذه هي الاستقامة ، الاستقامة تحقق السلامة ، لكن لا تحقق السعادة ، السعادة شيء آخر ، السعادة حركة على هذا الطريق ، طريق مسدود بالصخور ، أزحنا الصخور ، صار الطريق سالكاً ، العمل الصالح حركة ، الاستقامة إزاحة العقبات .
المذيع:
 ويتبعها العمل الصالح .
الدكتور محمد راتب :
 إزاحة العقبات هي استقامة ، تحقق السلامة ، الآن العمل الصالح بذل من وقتك ، من جهدك ، من علمك ، من خبرتك ، بذل ، العمل الصالح إيجابي ، لكن العلماء قالوا : إن ذكرت الاستقامة والعمل الصالح المعنيان ينفردان عن بعضهما بعضاً ، أما إذا ذكرت الاستقامة وحدها فستعني العمل الصالح ، أما إذا ذكرت العمل الصالح فتعني الاستقامة ، أي إذا اجتمعا تفرقا ، وإن تفرقا اجتمعا .
المذيع:
 جميل ، إذاً النقطة الأساسية أن نوقف الحرام ، وأن نستغفر الله ونتوب ؟

حلاوة الإيمان سببها التوحيد والاستقامة والعمل الصالح :

الدكتور محمد راتب :
 حرام أكل المال ، حرام إنفاقه ، اللقاءات الاجتماعية ، لها حرمة إن كان هناك اختلاط ، الاختلاط فيه معصية كبيرة جداً ، إذا لم يكن هناك اختلاط باللقاءات الاجتماعية ، ولا غش ، ولا أكل مال حرام بالبيع والشراء ، الإنسان ما لم يستقم على أمر الله لن يقطف من ثمار هذا الدين شيئاً .
المذيع:
 مهما تعبد .
الدكتور محمد راتب :
 سيبقى الدين فولكلوراً ، تراثاً ، عادات ، تقاليد ، وعالمٌ واحد أفضل عند الله من ألف عابد ، العابد مقاومته هشة ، لأنه لا يمتلك العلم ، إذاً حلاوة الإيمان سببها التوحيد ، والاستقامة، والعمل الصالح .
المذيع:
 جميل ! التوحيد ، وأن يكون الله في أولوياتك .
الدكتور محمد راتب :
 التوحيد إيمانك ، أي أيديولوجيا ، المنطلقات النظرية ، الفهم ، العقيدة .
المذيع:
 ومن ثمَ الاستقامة على أمر الله ، وإيقاف المعاصي .
الدكتور محمد راتب :
 الاستقامة سلبية ، ما أكلت مالاً حراماً ، ما غششت ، ما كذبت ، والعمل الصالح .
المذيع:
 جميل ، هكذا يبدأ الإنسان بقطف ثمار الإيمان ، وحلاوته .
الدكتور محمد راتب :
 الآن التصور الصحيح العقيدة ، التصور الصحيح ، الأيديولوجيا ، العقيدة ، الجانب العقدي في الدين ، كلها منطلقات نظرية ، والاستقامة الجانب السلبي ، ما أكلت مالاً حراماً ، ما غششت ، ما اغتبت ، ما فعلت ، ما فعلت ، كلها ماءات ، وعملت عملاً صالحاً ، بذلت من علمي ، من مالي ، من جهدي ، من خبرتي ، الآن تنعقد الصلة مع الله عز وجل .
 أنا مرة زرت معمل سيارات بأمريكا ، قال لي الخبير : السيارة - السيارة كاديلاك في ذلك الوقت - مؤلفة من ثلاثمئة ألف قطعة ، ثلاثمئة ألف ، أنا كمستهلك سيارة ، أرى أن لها غلافاً معدنياً ، ومقاعد ، ومحرك ، وبنزين ، ومقود ، وعجلات ، خفضت العدد من ثلاثمئة ألف لخمس .
 الآن الدين فيه مليون كتاب ، لكن أساسه صحة العقيدة فوق ، أيديولوجيا ، ثانياً الاستقامة ، ترك المحرمات ، ثالثاً العمل الصالح ، رابعاً تأتي الصلاة .
المذيع:
 فيبدأ الإنسان بقطف ثمار الإيمان .
الدكتور محمد راتب :
 الصلاة اتصال بالله .
المذيع:
 الله يفتح عليكم شيخنا ودكتورنا ، أكرمكم الله .
 ومع مستمعينا بمشاركاتهم الهاتفية ، أبدأ معك أخي أبو جمال ، تفضل .
المستمع :
 السلام عليكم ، أشكر هذه الإذاعة القيمة ، وأتمنى من الله أن يرزقنا هدوء وطيب كلام الدكتور العلّامة محمد راتب النابلسي ، لكل المسلمين وليس لي تحديداً .
الدكتور محمد راتب :
 أستغفر الله ، بارك الله بكم .
المستمع :
 دكتور ، سؤال : أنا العبد لله أصلي بالمساجد من فضل الله ، وعندما لا أصلي الفرض بالمسجد ، بعد أن أصلي حاضراً في البيت ، أو حسب العمل ، أشعر أن هناك نقصاً معيناً ، منه حلاوة الإيمان ، هذه واحدة .
 ثانياً : صلاة الفجر ، هناك شخص ملتزم بصلاة الفجر ، أحياناً تضيع عليه هذه الصلاة يبكي لأنه لم يصلِّها بالمسجد ، هذا من حلاوة الإيمان أم أنه رياء ؟

من أخطأ بحق الله واستشعر بكِبر ما فعل فهذه علامة إيمان :

الدكتور محمد راتب :
 لا من حلاوة الإيمان ، هذا سيدي .
المستمع :
 بارك الله بك ، ومتابعة الصلوات هي من حلاوة الإيمان بالمساجد ، وليس بالبيوت ؟
الدكتور محمد راتب :
 من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح .
المذيع:
 دكتور ؛ قبل أن أنتقل لاتصال أخينا يوسف ، لكن سريعاً ، من تفوته صلاة فيبكي ألماً عليها هذه علامة خير ؟
الدكتور محمد راتب :
 والله علامة خير كبير ، علامة خير ورب الكعبة .
المذيع:
 جميل ! أن يتألم عند تفريطه بالصلاة .
الدكتور محمد راتب :
 لذلك سيدي دائماً المنافق ذنوبه كالذباب ، بينما المؤمن ذنوبه كصخرةٍ جاثمةٍ على صدره .
المذيع:
 أي من يُخطئ بحق الله ، فيستشعر بكبر ما فعل ، هذه علامة الإيمان ؟
الدكتور محمد راتب :
 علامة إيمان كبيرة .
المذيع:
 نقطة ثانية طرحها أخونا أبو جمال ، الصلاة في المساجد جماعةً ، خاصة للرجال تعيننا على تحقيق الإيمان وحلاوته ؟

الصلاة في المساجد جماعة تعين على تحقيق الإيمان وحلاوته :

الدكتور محمد راتب :
 طبعاً ، في الجماعة يكون الأجر سبعة وعشرين ضعفاً ، لأن الجو جو صلاة ، إمام قرأ صفحة قرآن بالفجر ، بصوت جميل ، أنت تأثرت ، يوجد أداء سنن ، أداء فرائض بعناية فائقة ، فرق كبير .
المذيع:
 أخي يوسف باتصال جديد .
الدكتور محمد راتب :
 لكن فقط رجاءً ، لو شخص أيقظ أربع بنات ، وثلاثة شباب ، وأمهم ، وصلوا الفجر مع بعضهم ، أنا أرى أن هذه جماعة أيضاً ، عندما ضمنت صلاة بناتك ، وأبنائك ، وزوجتك بجو إيماني هذه أيضاً جماعة .
المذيع:
 الله يتقبل يا رب ، أخي يوسف باتصال جديد ، تفضل .
المستمع :
 السلام عليكم ، أخي والله كلام الشيخ جميل جداً ، لكن ممكن نحن نختصره بآية بالقرآن الكريم ، أن الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) ﴾

[ سورة الأنعام]

 والله سبحانه وتعالى يقول :

﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) ﴾

[ سورة الحديد]

 ويقول :

﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) ﴾

[ سورة آل عمران]

المذيع:
 أخي يوسف عندك سؤال ، أم فقط أحببت أن تشاركنا بهذه الآية الكريمة ؟
المستمع :
 نعم ؟
المذيع:
 أقول : عندك سؤال تحب أن تطرحه على الدكتور أن تريد فقط أن تشاركنا بهذه الآية الكريمة ؟
المستمع :
 لا ، نحن نريد أن نختصر كل الحديث .
المذيع:
 أشكرك كل الشكر أخي يوسف ، بارك الله فيك .
 أم محمد باتصال جديد ، تفضلي .
المستمعة :
 السلام عليكم ، الله أريد أن أسأل بالنسبة لحلاوة الإيمان ، أنا دائماً أحب مثلاً قراءة القرآن ، أحب الصلاة ، أحب العبادات كثيراً ، لكن وقتي لا يسمح لي ، أحياناً تكون ظروفي لا تسمح لي ، فكيف أحصل على حلاوة الإيمان لو سمحت ؟
المذيع:
 أي في ظل الانشغالات الكثيرة التي نعيشها ، كيف نوفق في الوقت ؟
المستمعة :
 نعم ، لو سمحت أريد أن أسلم عليك وعلى الشيخ ، جزاه الله خيراً على هذا الذي يطرحه ، بارك الله به ، وكثر أمثاله إن شاء الله ، أنتم وجميع الإذاعة كلها .
المذيع:
 بارك الله بك أم محمد ، الدكتور معك ، شكراً لاتصالك أم محمد .

من ابتعد عن العدوان والتقصير رزق حلاوة الإيمان :

الدكتور محمد راتب :
 التقصير في أداء العبادات ، أو العدوان على من حولنا ، يوجد شيء سلبي ، و شيء إيجابي ، السلبي تقصير ، الإيجابي عدوان ، إذا الإنسان ابتعد عن أي تقصير ، وعن أي عدوان ، مهما يكن طفيفاً رزق حلاوة الإيمان .
المذيع:
 لو كان الإنسان مشغولاً دكتور ، عنده ارتباطات كثيرة ، كيف يمكن له أن يتفرغ لأداء العبادات بحقها ، سؤال أم محمد .

تنظيم الوقت لأداء العبادات بحقها :

الدكتور محمد راتب :
 الجواب : تنظيم الوقت ، مهما كان عندك مشاغل ، هذا فرض إلهي ، فأنت ممكن أن تنظم وقتك تنظيماً دقيقاً ، تعمل خطة ، الفجر الصلاة في البيت ، والمغرب والعشاء في البيت ، بقي الظهر والعصر ، بأي مكان كنت ، والله أعرف أشخاصاً بأعلى منصب ، أذن الظهر ترك ، صلى الظهر بالجامع ورجع ، بأعلى منصب ، أول نصيحة للنبي الكريم : الصلاة على وقتها ، يوجد راحة نفسية .
المذيع:
 هذا عندما سئل عن أحب الأعمال إلى الله عز وجل .
الدكتور محمد راتب :
 الإنسان عندما يؤخر الصلاة يشعر بقلق ، دخل للبيت ظهراً ليأكل ، أكل ، أكل كثيراً فتعب ، يريد أن ينام ، لا يصلي الظهر ، عنده قلق دائم ، صلّ وادخل للبيت ، ادخل للبيت صلّ أولاً تأكل بهناء ، صلّ العشاء واسهر مع أولادك ، تعبت قم لتنام ، إن كنت لم تصلِّ العشاء هناك قلق دائم .
المذيع:
 الله يفتح عليكم دكتور .
 أخي يزن باتصال جديد ، تفضل ، يزن معنا على الهواء ، تفضل .
المستمع :
 السلام عليكم ، نسأل الله أن يحفظ فضيلة الشيخ ، ويجعله في جنات النعيم إن شاء الله ، شيخنا أريد أن أسألك الآن :

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ' بادروا بالأعمال فِتنا كَقِطَع الليْلِ المظلم ، يُصبحُ الرجلُ مؤمِنا ويُمْسِي كافِرا ، ويُمسِي مُؤمِنا ويُصبْحُ كافِرا ، يَبيعُ دِينَهُ بِعَرَضِ من الدُّنْيا ))

[أخرجه مسلم والترمذي]

 يكون فقد حلاوة الإيمان ؟

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :

الدكتور محمد راتب :
 يكون فقدها قطعاً ، هي من علامات قيام الساعة .
المذيع:
 ممكن نوضحها دكتور .
الدكتور محمد راتب :
 إذا كان دُعيت لسهرة مختلطة ، وملأت عينك من محاسن النساء في هذه السهرة ، وأدرت معهن حديثاً غزلياً ، لا تشعر بحلاوة الإيمان ساعتها .
المذيع:
 كيف يمكن دكتور للإنسان أن يمسي مؤمناً ، وأن يصبح كافراً ، نخشى على إيماننا، إذا فهم سؤال أخونا يزن ؟
الدكتور محمد راتب :
 الجواب دقيق جداً :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾

[ سورة التوبة]

 أنت بحاجة لحاضنة إيمانية ، بحاجة لصديق مؤمن ، بحاجة لبيئة إيمانية ، إذا كانت البيئة غير إيمانية ، مهما فعلت لا تتحمل .

(( عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[أبو داود والترمذي]

 العلاقة الحميمة مع المؤمن ، الآن أنت موظف بدائرة ، تحترم مديرك العام احتراماً بالغاً ، هذا لا يقبح بدينك إطلاقاً ، لكن العلاقة الحميمة مع المؤمن المستقيم :

(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِنا ))

المذيع:
 يذكرونك بالله .
الدكتور محمد راتب :

(( ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

المذيع:
 الله يفتح عليك دكتور ، أختي أم أحمد باتصالٍ جديد ، تفضلي .
المستمعة :
 السلام عليكم ، أخي أريد أن أسأل لو سمحت الدكتور ، ما نعرفه عن السلف الصالحين ، في قيام الليل ، والتهجد بفترات طويلة ، هل يستطيع الإنسان اليوم أو المسلم اليوم أن يقوم بما قام به السلف الصالحون أم أن العصر اختلف ؟

استطاعة الإنسان اليوم أن يقوم بما كان يقوم به السلف الصالح من عبادات :

الدكتور محمد راتب :
 يستطيعون والله ، لأن قال الله عز وجل :

﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) ﴾

[ سورة البقرة]

المستمعة :
 أي لا تفرق طاقتهم عن طاقتنا ، نفس الشيء ؟
الدكتور محمد راتب :
 لا ، الآن الاستقامة أجرها أكبر ، قال : اشتقت لأحبابي , قالوا : أو لسنا أحبابك يا رسول الله ؟ قال : لا ، أنتم أصحابي ، أحبابي أناسٌ يأتون في آخر الزمان ، القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر ، أجره كأجر سبعين ، قالوا : منا أم منهم ؟ قال : بل منكم ، لأنكم تجدون على الخير أعواناً ، وهم لا يجدون ، لكن الآن جوابي :

﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

 أنت بحاجة إلى رفاق مؤمنين ، إلى حاضنة إيمانية ، إلى مجتمع مؤمن .
المذيع:
 دكتورنا الحبيب ؛ من لم يملك وقتاً ، مثلاً الآن دكتور يمكن الملهيات كثيرة ، وأحياناً يوجد أناس تداوم بوظيفة واثنتين ، وقد تكون مثل أم أحمد ممكن أن تكون موظفة في الصباح عندها دوام ، وبيت ، وكذا ، لا تملك وقتاً طويلاً مثلاً ، ثلاث أو أربع ساعات لقيام الليل ، هل يكفيها ولو ركعتان ؟

الاستقامة طريق التألق :

الدكتور محمد راتب :
 ركعتان فقط قبل الفجر ، ركعتان .
المذيع:
 ما شروط الركعتين ليحققوا الإيمان وحلاوته في القلب ؟
الدكتور محمد راتب :
 أقول لك الكلمة الدقيقة : ما دام هناك استقامة فهناك تألق ، الخط يصير مع الله ساخناً ، بلحظة يبكي ، بلحظة يناجي الله .
المذيع:
 لو بركعتين ؟
الدكتور محمد راتب :
 لو ركعة واحدة فرضاً ، بلحظة يرتقي إلى الله ، أنا أريد أن ألغي العقبات ، مادام هناك معاص ، وآثام ، وتقصير ، واحتيال ، وفتاوى غير صحيحة ، وأشياء ، هناك حجاب ، والحجاب يكون رقيقاً أو سميكاً ، كلما المعصية كبرت يصير سميكاً ، وكلما قلت يصير خفيفاً .
المذيع:
 وبالاستغفار يزول الحجاب بينك وبين الله .
 أختي أم عبد الرحمن باتصالها الأخير ، تفضلي .
المستمعة :
 السلام عليكم ، جزاكم الله خيراً يا رب على هذا البرنامج الإيماني الرائع ، وأريد أن أحيي الدكتور ، وعالمنا الجليل محمد راتب النابلسي ، ونحن رجال ونساء نغبط الأخ نديم الحسن على هذه الجلسة .
المذيع:
 أكرمك الله ، ورفع قدرك إن شاء الله ، تفضلي أختي أم عبد الرحمن .
المستمعة :
 أريد أن أسأل الدكتور سؤالاً يخطر في بالي كثيراً ، نحن نعرف أن الإيمان يزيد وينقص ، وأيضاً حلاوة الإيمان ، فهل قبول العمل عند الله أو عدم قبوله ، أي زيادة الإيمان وحلاوته وشعوره بالقلب دليل على أن ربنا قبل العمل أم لم يقبله ؟ جزاكم الله خيراً .
المذيع:
 سؤال مهم ، كل الشكر لك أختي أم عبد الرحمن .

الإيمان إقرار وإقبال :

الدكتور محمد راتب :
 أختي الكريمة ، الإيمان إقرار وإقبال ، الإقرار لا يزيد ، الله واحد لا يوجد حالة ثانية، الأشياء الدينية محددة ، أما ما الذي يزيد ؟ الإقبال ، أنت تطبق وتقبل على الله ، فالإقبال يزيد وينقص ، أما الجانب الأيديولوجي ، العقدي .
المذيع:
 هو الثابت هنا .
الدكتور محمد راتب :
 المنطلق النظري ثابت ، وهذا لا يزيد ولا ينقص .
المذيع:
 دكتور أم عبد الرحمن كانت تسأل : إذا استشعر الإنسان بحلاوة الإيمان ، هل هي علامة لقبول العمل ؟

من استشعر بحلاوة الإيمان فهذا دليل على قبول العمل :

الدكتور محمد راتب :
 طبعاً ، مثلاً : من وقف في عرفات ولم يشعر أن الله غفر له فلا حج له ، من كمال الله عز وجل إذا أحبك يلقي في روعك أنه يحبك .
المذيع:
 الله يفتح عليك دكتور ، دكتورنا نحن بأقل من دقيقة ، إذا ممكن أن نختم بدعاء هذه الحلقة .

الدعاء :

الدكتور محمد راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك ، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان ، واحقن دماءهم في الشام ، يا أرحم الرحمين ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم .

خاتمة وتوديع :

المذيع:
 الحمد لله رب العالمين ، بارك الله بك العلّامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك .
 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور