- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠1برنامج حياة المسلم 1
مقدمة :
المذيع:
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، وأتمّ الصلاة وخير التسليم على حبيب قلوبنا على نبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، بتحية الإسلام الجميلة نحييكم ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، و أهلاً ومرحباً بكم معنا على الهواء عبر أثير إذاعتكم حياة fm ، نرحب بكم ، ونرحب بفضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أهلاً ومرحباً بكم شيخنا و أستاذنا.
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم وأعلى قدركم .
المذيع:
أكرمكم الله وجزاكم عنا خير الجزاء ، شيخنا الكريم في حالات المودة حينما يتواصل الناس فإن العلاقات تكون بأفضل حالها ، ولكن حينما يكون هناك اختلاف في وجهات النظر فإنها نتشأ الخصومات ، والنبي حذرنا من بعض صفات المنافقين وإنه إذا خاصم فجر ، نريد في هذه الحلقة أن نتحدث عن آداب الخصومة ، والتي هي شيء طبيعي الخصومات بين البشر وبين الصالحين ، كيف لنا أن نتعامل بهذه الخصومة ولكن بشيء من الأدب ؟ وأبدأ في هذا الموضوع عن آداب الخصومة من فضيلتكم .
الابتعاد عن أسباب الغضب :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
بادئ ذي بدء ، حينما قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( .... لا تغضب ...))
يا ترى الغضب شيء إرادي ؟ أعتقد أنه لا إرادي ، فكيف ينهى النبي عن الغضب ؟ أنا أفهم هذا الحديث فهماً آخر ، أفهمه ابتعد عن أسباب الغضب ، الغضب لا تستطيع أن تمتنع عنه ، لكن أسباب الغضب ، دائماً الإنسان حوله أشخاص ؛ زوجته ، أولاده ، أخوته ، أخواته ، أصهاره ، من في عمله ؟ مدير عام ، نائب مدير ، زميل ، جار ، العلاقات الإنسانية أهم شيء على الإنسان ألا يتخذ قراراً وهو غاضب ، في الأعمّ الأغلب أن القرار عند الغضب غير صحيح ، وغير مناسب ، وغير واقعي ، واتخذ في ثورة بالمعنى الدقيق ثورة غضب ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام لما قال :
(( .... لا تغضب ...))
كأنه أراد أن نبتعد عن أسباب الغضب ، نبدأ بالزوجة ، لا شك أن الزوج يعلم علم اليقين ما الذي يغضب زوجته ، وهي تعلم علم اليقين ما الذي يغضب زوجها ، فإذا تجنب كل منهما أن يغضب الآخر انتهى الغضب كلياً ، هناك شيء اسمه استفزاز ، الإنسان كلما علا مقامه قلّ استفزازه ، أنا لا أنسى مرة كنت في المغرب بمؤتمر وعدت إلى بلدي وكنت في الطائرة قائد الطائرة تلميذي ، وضعني عنده في القيادة ، هناك كرسي ثالث بين الطيارين ، دخلنا إلى القطر من طرابلس رأيت بعيني هذه طرطوس ، وصيدا أربعمئة كيلو متر ، رأيتها بنظرة واحدة على ارتفاع اثني عشر ألف قدم ، أو ثلاثين ألف قدم ، على ارتفاع اثني عشر ألف متر لك أن ترى بنظرة واحدة أربعمئة كيلو متر ، أنا أستفدت بهذا المثل كلما ارتفع مقام الإنسان اتسعت رؤيته .
المذيع:
سيدي كيف يرتفع مقام الإنسان ؟
الاتصال بالله يرفع مقام الإنسان و يعليه :
الدكتور راتب :
إذا اتصل بالله ، الإنسان خلق ليعرف الله ، فالإنسان عندما يتعرف إلى الله أولاً من خلال آياته الكونية والتكوينية والقرآنية ، وحينما يلتزم منهج الله صار هناك خط ساخن مع الله ، الاتصال بالله ماذا يفعل بالإنسان ؟ يفعل حلماً ، يفعل ضبط أعصاب ، يفعل رؤية بعيدة، يفعل ما يترتب على هذا الموقف ، هذه رؤية والدليل القرآني :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾
أنا لا أبالغ الحروب العالمية بدأت بساعة غضب ، فإذا قال النبي الكريم : " لا تغضب " أي ابتعد عن أسباب الغضب ، لا تغضب ، أي لا تعمل عملاً خاطئاً تستفز الآخر أن يغضبك ، وأنت أيضاً لا تعمل عملاً تستفز إنساناً أن يغضبك .
المذيع:
سيدي الغضب هو طريق كبير يوصلنا إلى الخصومة وعنوانا اليوم ، حينما تحدث خصومة وهذا شيء فطري يحدث بين الناس ما هي الآداب عند الخصومة والاختلاف ؟
من آداب الخصومة القول اللين :
الدكتور راتب :
يا أخي بكل مجتمع ، بكل بيت ، بكل مكان ، بكل بلد ، بكل مدينة ، بكل قرية ، هناك مقولات لا أقول قوانين ، مقولات مستنبطة من حركة الحياة ، فأنت حينما ترى بعض هذه المقولات تتناقض مع منهج الله ، لا بد من أن تضعها تحت قدمك ، فحينما تعامل الآخر معاملة إنسانية ، يقول القرآن الكريم :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
وما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً ، فهذا الذي تخاصمه أو تستفزه أخوك بالله ، إذا كان الله عز وجل قال لسيدنا موسى وهو نبي كبير من أولي العزم :
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾
ما قولك إذا كان نبي من أولي العزم أرسله الله لمن قال :
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
والذي قال :
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾
لو فرضنا الزوج دخل إلى البيت ، أوصته زوجته على شيء ما فنسي ، قال لها: سامحيني ، فقط ، تسامحه لا تغضب ، و لكن هناك كلمات قاسية جداً ، تبدأ بكلمة وتنتهي بالطلاق ، فكلما اقترب الإنسان من الله عز وجل آتاه الحكمة .
المذيع:
سيدي النقطة الأولى في آداب الخصومة : القول اللين مع الخصومة .
الدكتور راتب :
﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ﴾
قرآن .
المذيع:
سيدي بيني وبين إنسان خصومة وأبقى على اللسان ليناً ؟ اللسان كما تفضلت يشحن مع الخصومة وبالتالي يرتفع صوته .
الحكمة أكبر عطاء إلهي على الإطلاق :
الدكتور راتب :
سيدي ارتفاع الصوت والكلام البذيء والقاسي لا يحل مشكلة ، يكبر المشكلة ، كلام دقيق ، يحلها المعاتبة بوقت آخر ، دائماً شخص أساء لك ، يكون الآن غضبان ، وغضبه سبب له الإساءة لك ، النبي في توجيهات دقيقة ، إذا غضبت فتوضأ ، إذا غضبت فاجلس ، جالس استلق ، اخرج من البيت ، لم يهدأ غضبك ، كنت واقفاً فاجلس ، جالساً فاضطجع ، الأمر بدأ يتفاقم اخرج من البيت ، أقول لك كلاماً : تسعة وتسعون بالمئة من مشاكل الزوجية هي ساعة غضب ، موقف غير مقبول ، عنف ، يوجد كتاب درسناه في الجامعة مؤلفه فرنسي ملخصه : كل العنف لا يلد إلى العنف ، لذلك المؤمن هين ، لين .
(( غَفرَ الله لرجل كان قبلكم سهلاً إذا باع ، سَهلاً إذا اشترى ، سهلاً إذا اقتضى))
أكبر عطاء إلهي على الإطلاق الحكمة ، الدليل :
﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾
المذيع:
كيف أكون سمحاً في حالة القضاء كما تفضلتم بالحديث سمحاً إذا اقتضى ، هناك خصومة إنسان أنكر عليّ حقي ، كيف أكون سمحاً معه ؟
الدكتور راتب :
أنا أطالبه وإن لم يدفع أقيم دعوى عليه من دون استفزاز ، من دون تجريح ، من دون حرق أعصاب ، أقيم دعوى أو أسامحه أو أنتظر عليه ، فإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة .
المذيع:
سيدي كلام طيب ، كثيراً ما تكون هناك خصومة فكرية بين الناس ، مثلاً شخص يعتقد مذهباً معيناً ، أو آراء ، أو مبادئ معينة ، عادة الناس الاستهزاء من أصحاب المنهج المخالف ، هل هذا مقبول ؟
على الإنسان أن يقدم ما عنده بهدوء و لطف دون استفزاز للآخر :
الدكتور راتب :
هذا ليس مقبولاً أبداً ، أنا بجلسة أنا مؤمن بوجود إله عظيم ، و يوجد إنسان ليس مؤمناً ، إنسان ملحد ، أنا أعرض ما عندي من بضاعة فقط ، ولا أسفه رأيه ، ولا أسبه ، ولا أحقره ، أنا أعرض ما عندي ، هذه اسمها : تدخل إيجابي في السوق ، أنا لا أصدق أن أقرأ مقالة بمجلة تموينية ليس لها علاقة بالدين إطلاقاً ، لكن عنوانها التدخل الإيجابي في السوق ، أنا عندما أريد أن أهاجم خصماً ، سوف أتحمل رده ، وقد يكون رده قاسياً جداً ، الرد القاسي أثار بي الغضب الشديد ، أنا أتدخل تدخلاً إيجابياً بكل علاقاتي ، أقدم ما عندي بشكل جيد ، بهدوء ، بلطف ، بأدلة فقط ، الطرف الآخر لو قال : أنا ما اقتنعت ، لا يقتنع ، أنا لست مضطراً أن أدخل معه بصراع ، ونحن الآن في أمس الحاجة إلى التعاون ، أنا أقول كلمة الآن مناسبة أن أتكلم بها : أعداء المسلمين وضعوا المسلمين في سلة واحدة ، فبطولتهم أن يقفوا جميعاً في خندق واحد ، وأي إنسان الآن يطرح قضية خلافية أنا أعتبره مجرماً بحق الأمة .
المذيع:
السؤال هنا دكتور وهنالك كثير من الطوائف وأصحاب الأفكار في أشياء فيها ضلالة واضحة ، كيف يفترض أن أتعامل معها وهناك أمانة أن أوضح الحق والباطل .
الدين النصيحة :
الدكتور راتب :
أولاً الأدب يقتضي والحكمة أن أتصل به ، وأطلب لقاء معه ، أنا أحاول أن أثني عليه ، أنت عندك دعوة مقبولة لكن عندك أشياء ليس لها دليل ، تعطيه الدليل القرآني والنبوي فإذا امتنع عن متابعة هذه الدعوة التي فيها خطأ كبير ، تكون أنت وفق الشرع تماماً نصحته وانتصح والدين هو النصيحة ، أما حينما يتابع دعوته بهذا الخطأ فمعنى ذلك أن هناك منفعة .
المذيع:
أصبح سلوكه سلوكاً متعمداً وليس خطأ .
الدكتور راتب :
لذلك أنا أضطر أن أتكلم عنه علناً ، طبعاً علناً ، كيف ؟ النبي علمنا : ما بال أقوام ؟ هناك دعاة يطرحون هذا الفكر ، وهذا الفكر غلط وهذا دليله .
المذيع:
من دون ذكر اسمه ، ألا تحذر الناس منه دكتور إذا كان فكره ضالاً ؟
الدكتور راتب :
إذا فتح المنبر لذكر أشخاص بالاسم هذه معركة لا تنتهي ، النبي علمنا : ما بال أقوام ؟ أنا أرفض هذه الفكرة ، أقول : هناك من يطرح هذه الفكرة ، ويدعي هذه الأدلة ، هذا الدليل غلط وهذا غلط ، والصواب كذا ...
المذيع:
الناس يفهمون عمن تتحدث ، ولا حاجة ، إذا زاد عن حده هل لي أن أتحدث عنه بالاسم ؟
الدكتور راتب :
إذا إنسان سألك عنه بالذات تنصحه ، هذه ليس فيها غيبة ، المبتدع لا غيبة له .
المذيع:
سيدي حتى أفهم عليك تماماً إنسان يروج لفكر خاطئ أبدأ بنصحه ، فإذا انتصح انتهى ، إذا لم ينتصح أحذر الناس من هذا المنهج .
الدكتور راتب :
من دون اسم ، هناك من يطرح هذا الموضوع ، من يقول كذا وكذا وكذا ويأتي بالأدلة غير الصحيحة كذا وكذا وكذا ، والصواب كذا وكذا .
المذيع:
سيدي إذا سألني إنسان عن الأستاذ فلان أو الداعية فلان ؟
الدكتور راتب :
ابتعد عنه ، هذه ليست غيبة ، هذه من تراخيص الغيبة ، المبتدع لا غيبة له .
المذيع:
هذا فقط في القضاء الشرعي أم في المعاملات الاجتماعية ؟
الدكتور راتب :
عامة ، أنت تعرف تاجراً ناشئاً ، ورأسماله محدود ، وتعامل مع مستورد تعرفه كذاباً ، وبضاعته غير صحيحة ، وعليها ماركة غير صحيحة ، وهو عنده قوة إقناع كبيرة جداً ، نبه هذا الإنسان .
المذيع:
أنا أذهب إليه وأنبهه أم إذا سألني ؟
الدكتور راتب :
إن سألك أفضل ، إذا كان هذا الشخص تاجراً مبتدئاً وهو يريد أن يشتري من عنده هذه البضاعة ، أنا أخاف على رأسماله أن يفنى فأنبهه .
المذيع:
أنبهه بالاسم ، التاجر الفلاني لا تتعامل معه وليس تشهيراً .
دكتور بعض الناس يدخلون في ذات شخص الإنسان ، بمعنى يختلفون مع داعية في قضية معينة ، لا يتوقفون عن النقد العلمي ، يتحدثون عنه وعن ذاته ، وأحياناً يدخلون في نواياه ونفاقه وما شابه .
الدكتور راتب :
خطأ كبير جداً جداً ، هذا يفتت الأمة ليس معقولاً دعوى تبنى على الهدم ، أنا أنصحه إذا ما انتصح أقول : هناك أشخاص يقولون كذا وكذا ، أما إذا شخص سألني عنه بالذات فأقول له : ابتعد عنه .
المذيع:
هل الرد على من يخالفني في قضية لكن فيه فسحة شرعية كالخلاف الفقهي ؟
الابتعاد عن إنكار شيء فيه فسحة شرعية :
الدكتور راتب :
لا ينكر الشيء إذا كان هناك فسحة شرعية ، إنسان مثلاً مسح على الجوربين هذه فيها رخصة لأبي حنيفة ، أنا ليس داخل في برنامجي أن أمسح على الجوربين ، لا ينكر الشيء إذا كان فيه فسحة شرعية . يمنع النهي عن شيء ليس منكراً ، لكن يسمون ذلك معنى احتمالياً .
المذيع:
سيدي حتى لو كان خلاف القضايا السياسية ، وهو في تخاذل بحق الأمة هل أرد عليه بمقال مشابه ؟
الدكتور راتب :
أرد عليه ولكن بدون تجريح ، بمناقشة و حوار ، الله حاور إبليس .
المذيع:
من حقي أن أذكر الاسم أن هذه المقالات ردّ على فلان .
الدكتور راتب :
إذا منشورة طبعاً ، إذا نشر أنا أرد عليه نشراً .
المذيع:
بعض الناس صاروا يستهزئون بالمخالفين ، مثلاً بيني وبين إنسان خلاف هل هذا الموقف مسيء دينياً ؟
النهي عن سبّ المخالفين بالرأي :
الدكتور راتب :
الصحابة سبوا شارب خمر ، فالنبي غضب ، صحابي شتم شخصاً شارب خمر ، هناك خلاف على الخمر ؟ قال : لا تشتموه إنه يحب الله ورسوله ، أحياناً إنسان يعصي الله ، مغلوب ، لا تكن عبئاً عليه أنت ، النبي نهي عن سبه ، إنه يحب الله ورسوله . حتى قال بعض العارفين ابن عطاء الله السكندري : رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً.
المذيع:
سيدي إذا كان هناك شخص ديدنه النصب والاحتيال ، هل من حقي أن أبلغ باقي التجار في حقل تجاري في وسائل التواصل الاجتماعي أحذر الناس منه ؟ المؤسسة الفلانية تعاملنا معها ونصبوا علينا ونحن في المحكمة ولدي دليل ولا أسيء لشخصهم بل فعلاً كانوا نصابين ؟
التشهير بالعاصي إن لم يرتدع :
الدكتور راتب :
أولاً : أنا قبل أن أشهر أذهب إليهم ينبغي أن تكفوا عن هذا السلوك .
المذيع:
لم ينتهوا شركة وهمية النصب بتعمد .
الدكتور راتب :
أنصح الناس لا يوجد مانع .
((اذْكُرُوا الْفَاسِقَ بِمَا فِيهِ يَحْذَرْهُ النَّاسُ))
المذيع:
ما هو تعريف الفاسق دكتور ؟
الدكتور راتب :
الذي خرج عن منهج الله ، فسقت التمرة أي نزعت عنها قشرتها .
المذيع:
سيدي قد يفهم الناس من هذا الحديث أن أي إنسان يفعل معصية لا بد لنا أن نشهر به .
الدكتور راتب :
ليس هذا هو المعنى ، إنسان يغش بالبضاعة بشكل ثابت ، ليس معقولاً أن يقدم بضاعة فاسدة ، بضاعة صناعة تايوانية ويكتب عليها : صنعت في إنكلترا ، وهذا ديدنه ، السعر يفرق أربعة أضعاف ، هذا ديدنه أن يحضر شريطاً ذهبياً مع مكواة صنع في انكلترا ويطبعه على القماش هذا إنكليزي .
المذيع:
لو توثقت من أنه نصاب مئة بالمئة من حقي أن أنصح الناس أن يبتعدوا عنه ، و أقول لهم : المحل الفلاني لا تتعاملوا معه .
الدكتور راتب :
معك دليل قطعي ؟
المذيع:
دكتور عند الخصومة نبدأ بنصح الطرف الآخر إذا انتصح انتهى الملف ، إن لم ينتصح نراعي الحكمة .
الدكتور راتب :
أول شيء ما بال أقوام ؟ لا نذكر اسمه ، إذا تابع وما سأل ننصح .
المذيع:
نذكر اسمه ، هناك قضايا تستدعي أن تذكر اسمه مثل القضايا التجارية ، حتى الناس تعرف أي مؤسسة تقصد ، وهناك قضايا فكرية ، كما تفضلتم لا يهمنا الشخص بذاته واسمه ، هناك قضية بعض الأشخاص الذين يخاصموننا يسيئون لنا ، هل يحق لنا أن نرد الإساءة بإساءة مثلاً جاء إنسان وصرخ عليّ أمام الملأ ، من حقي أن أعيد الصرخة في وجهه ؟
من عفا و أصلح فأجره على الله :
الدكتور راتب :
الجواب قرآني :
﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾
ما معنى عفا وأصلح ؟ عفا إذا غلب على ظنه أن عفوي عنه يصلحه يجب أن أعفو عنه ، سائق سيارة يسير على الخمسين ، مرّ طفل من أمامه صار معه حادث ، السائق لم يغلط لكن القانون مع والد الطفل ، إذا أنت عفوت عنه وأنقذته من عقاب كبير قد يكون ، أو من غرامة كبيرة ، أو سحب رخصة ، فأنت أصلحته :
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾
عندئذ أجرك عندي ، أي عند الله حينما يغلب على ظنك أن عفوك عنه يصلحه أن تعفو وانتظر من الله العطاء .
المذيع:
دكتور إذا كان العفو سيدعوه للتمادي في خطئه ؟
الدكتور راتب :
أنا أذكر أن لي صديقاً - القصة منذ ثلاثين سنة- جاء إلى الأردن ، بهذا البلد وفي مكان معين دهس طفلاً مشى فوقه ليس بالعجلات ، الطفل كان تحت السيارة ، الشيء الذي لا يصدق أن أهل هذا الطفل دعوه إلى البيت ، وذبحوا له ذبيحة ، والطفل ما أصابه شيء فقط أصيب بعدة رضوض ، استقبلوه وأكرموه وغدوه عندهم ، يقول لك : أموت ولا أنسى هذا الموقف :
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
سائق لا يعرف أحداً .
المذيع:
لو كان ظني أن هذا الإنسان لو عفوت عنه يتمادى ؟
الدكتور راتب :
ينبغي ألا تعفو عنه ، شاب أخذ سيارة والده وانطلق بها بسرعة جنونية ، ولم يعبأ لا يمكن أن أعفو عنه .
المذيع:
حتى لو كان نادماً ؟
الدكتور راتب :
لا إذا ندم وطلب مني أن أسامحه ممكن ، أما إن كان غير نادم فلا أسامحه ، إذا كان عفوك عنه يجعله يتمادى في خطئه ينبغي ألا تعفو عنه ، أما إذا غلب على ظنك أن عفوك عنه يصلحه ينبغي أن تعفو عنه ، وعندئذ انتظر من الله الجزاء .
المذيع:
دكتور يقاس على هذه الفكرة مبدأ التشهير بالناس ؟
العدل و الإحسان :
الدكتور راتب :
أخوتنا الكرام ؛ عندنا في الشام شارع تراثي اسمه سوق ساروجة ، فيه جامع اسمه جامع الورد ، خطيب هذا المسجد رأى النبي عليه الصلاة والسلام في المنام ، قال النبي له : قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة ، أنا لا أروي منامات ، ولكن هذا المنام مميز جداً .
خطيب محترم وتقي يرى النبي عليه الصلاة والسلام ، جاره فلان بقّال – سمّان- وهو خطيب معه شهادات فقه ، وتفسير ، وتجويد ، وأصول حديث ، وفقه مقارن ، وتاريخ الفقه، وجاره بقال ، طرق بابه في اليوم التالي قال له : لك عندي بشارة من رسول الله ، لن أقولها لك إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك حتى استحققت هذه البشارة ؟ لكن الرجل امتنع ، وبعد إلحاح شديد قال له : تزوجت امرأة ، ومضى على زواجي منها خمسة أشهر، وهي كانت في الشهر التاسع ، فالحمل ليس منه ، قال له : بإمكاني أن أطلقها ، أسحقها ، بإمكاني أن أفضحها ، وأهلها معي ، والدولة معي ، والناس معي ، والقانون معي ، والشرع معي ، لكنني أردت أن أصلحها ، جاء لها بولادة في الليل ولدت ، وبعد أن أذن الفجر حمل الوليد تحت عباءته ، وانتظر حتى بدأ الإمام بصلاة الفجر ، فدخل ووضع الوليد وراء الباب ، وصلى ، فلما انتهت الصلاة بكى الوليد ، فتحلق المصلون حوله ، وهو تأخر حتى تجمع الجميع حول الوليد ، ثم اقترب منهم ، قال : ما القصة ؟ قالوا : تعال انظر ، إنه طفل ، قال : أنا أكفله ، أعطوني إياه، أخذه عند أهل الحي على أنه لقيط ، ودفعه إلى أمه .
قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة ، أحياناً العفو بطولة كبيرة جداً ، أحياناً يسألني أخ يشك بزوجته ، أقول له : إذا مرة واحدة وأنت استوعبت الموضوع وسترتها الله ستير تكون بطلاً كبيراً ، الطلاق سهل و أن تفضحها سهل جداً ولا تؤاخذ .
المذيع:
دكتور هذا ليس للشاكك هذا للذي لديه دليل قاطع .
الدكتور راتب :
هي حامل بعد خمسة أشهر حملها بالشهر التاسع واضح ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾
أنت لست مأموراً بالعدل فقط وبالإحسان مأمور ، فإذا عفوت وهناك خطأ كبير هذا إحسان .
المذيع:
دكتور كما تفضلت قاعدة إذا ظننت أن عفوك عنه يصلحه ، أما إذا كان العفو يدعوه لمزيد من الفواحش فلا .
المذيع:
سؤال من أم أحمد ، ما رأيك بأشخاص كانوا أخوات لي ، خاصموني ، لذنب ليس لي به دخل ، وأفشوا أسراراً لي ماذا أفعل ؟
الابتعاد عن القطيعة و المواقف العنيفة :
الدكتور راتب :
والله أرى ألا يقطع الحبل كلياً .
(( أحْبِبْ حبِيبَك هَوْنا مَّا عسى أن يكونَ بَغِيضَكَ يوماً مَّا ، وأبْغِضْ بغيضَك هَوْنا مَا عسى أن يكونَ حبيبَك يوماً ما ))
دائماً لا تأخذ موقفاً عنيفاً ، ابتعد ، خفف زيارات ، أنا أقول : اتصال هاتفي لا يعد قطيعة ، يعد صلة ، هناك مشكلة بهذا البيت ...
المذيع:
دكتور أبو سيف ، السلام عليكم ، أنا أحب الشيخ بالله وأنا من مستمعيه ، وأنا الآن من أحد الجامعات والله أنا أدعو له في كل وقت .
الدكتور راتب :
كبرتني كثيراً ....
المذيع:
دكتور والله أحبّ أن أشاهدك وأسمع صوتك ، جزاك الله عنا كل خير ...
الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان :
نعود إلى موضوعنا ، إذا إنسان أساء لي الإحسان أن أعفو عنه ، ومن حقي أن أرد له الإساءة بمثلها .
الدكتور راتب :
﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ﴾
أنا لا أكيل له الصاع عشرة أصوع هذه ليست واردة .
المذيع:
دكتور إنسان شتمني الأولى لي كمسلم أن أشتمه بنفس المقدار أو لا أشتم ؟
الدكتور راتب :
عندنا نموذجان من الأخلاق :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾
هذا أين ؟ في ساحة المعركة ، أما في الحياة المدنية :
﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
آية متعلقة بالسلم ، وآية متعلقة بالحرب ، ينبغي ألا نخلط بينهما ، في السلم مكانتك بأخلاقك ، النبي عليه الصلاة والسلام معه مليون خاصة يمتاز بها ، و لما مدح مدح بخلقه قال تعالى :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
الإنسان قيمته بأخلاقه ، لذلك يقول ابن القيم الجوزية : الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان .
المذيع:
دكتور الخلق أن تعفو عن الناس لكن هل أنا آثم ؟
الدكتور راتب :
لا يعد عفوك عنهم دافعاً لهم للتجاوز الأكبر هذا غلط .
المذيع:
دكتور نحن نهينا في ديننا أن نكون من الفحاشين ، لكن إذا إنسان يتحدث معي بكلام فاحش ولا يتوقف وأنا أردت أن أضع له حداً ، هل أنا آثم لو تركته ؟
الدكتور راتب :
اصرم الفاسق هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام أي ابتعد عنه .
المذيع:
دكتور هل أكون معه شديداً أم أقطعه بشكل تدريجي ؟
قيمة الإنسان بأخلاقه :
الدكتور راتب :
الأخلاق ثابتة ، الآن يوجد ثورات في العالم العربي الثائر عندما يقلد الظالم ما عاد ثائراً ، صار هناك صراع بين قوتين ، إذا لم يكن هناك فرق ، هناك ذهب عياره أربعة وعشرين ، وواحد وعشرين ، وثمانية عشر ، وستة عشر ، وأحد عشر ، لكن كلها ذهب ، أما التنك فغير الذهب .
المذيع:
اتصال ، سؤال ، بيني وبين آخر شحناء اعتذرت منه ولم يقبل .
الدكتور راتب :
عندما أعتذر منه ولا يقبل عند الله أكبر ، وانتهى الموضوع ، خيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام وانتهى الأمر .
المذيع:
دكتور أحياناً إنسان يسيء ويقول : آسف ولا تكفيني هذه الكلمة لأنه سبب الإيذاء لي .
الدكتور راتب :
أنا عندي حالة ثانية إذا كان هناك إساءة كبيرة لا يكفي الاعتذار ، اعتذار وهدية تهادوا تحابوا .
المذيع:
اتصال الأخت دلال ، أشكر الدكتور أخوالي أراسلهم على الواتس أب وأنا عملت واسطة خير بينهم وبين خالتي ليتصالحوا ، أخوالي قطعوني الآن .
على كلّ إنسان أن يؤدي الذي عليه ويطلب من الله الذي له :
الدكتور راتب :
على الإنسان أن يؤدي الذي عليه ، ويطلب من الله الذي له ، البيان يطرد الشيطان ، بلغيهم أنا لست من طرف أحد ، أنا حيادية ، أنا أردت الاتفاق بينكما ، هل هناك أعظم من رسول الله ؟ يمشي مع امراة ، مرّ صحابيان قال : على رسليكما هذه زوجتي صفية . بيّن ، لا تقطعهم ، ابق على اتصال خفيف .
المذيع:
اتصال أخير أخي أيمن ، أنا لي قريب وهذا الإنسان تعلم في محلي ، وعلمته كل شيء ، وبعد ذلك انفصل وما شاء الله صار عنده محلات ، بداية أساء لي وأنا حججت 2009 وسامحته ، ثم أساء إساءات كثيرة ، سامحته أول مرة ، و ذهبت إلى محله ، وقابلني بإساءة مقابلها ، حتى أصبحت لا أستطيع أن أسامحه .
الدكتور راتب :
يكفي أن تتصل به بالهاتف في العيد وتهنئه فقط ، لا يوجد قطيعة .
المذيع:
نريد منك دكتور أن تتحفنا بدعاء في ختام هذه الحلقة ؟
خاتمة و توديع :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله نحمده ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين ، واجعل هذا البلد سخيا رخياً وسائر بلاد المسلمين ، واحقن دماء المسلمين في كل مكان ، واحقن دماء المسلمين في الشام ، و الحمد لله رب العالمين .
المذيع:
دكتور بارك الله بكم ، إلى هنا مستمعينا نصل معكم إلى ختام حلقتنا مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، حديثنا عن آداب الخصومة ، سبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك ، والسلام عليكم .