- ندوات إذاعية / ٠09برنامج حياة المسلم - إذاعة حياة إف إم
- /
- ٠1برنامج حياة المسلم 1
مقدمة :
المذيع:
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وأتم الصلاة وخير التسليم على حبيب قلوبنا ، على نبينا ورسولنا محمد الصادق الأمين ، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، بتحية الإسلام نحييكم مستمعينا الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلاً ومرحباً بكم معنا على الهواء عبر أثير إذاعتكم حياة FM ، ولقاء إيماني جديد مع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً ومرحباً بكم شيخنا و أستاذنا .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
المذيع:
اللهم آمين ، حديثنا مستمعينا الكرام سيكون لهذه الحلقة : " محجوبون عن ربهم "، فتعالوا نتأمل قول الله تعالى :
﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾
شيخنا الدكتور محمد أولئك الذين يحجبون عن ربهم ؟
أكبر مصيبة في الحياة أن يحجب الإنسان عن ربه :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
أخي الكريم ؛ بارك الله بك ونفع بك ، الحقيقة الدقيقة أن أية معصية أو مخالفة أو عدوان أو عمل لا يرضي الله أحد نتائجه الأولى الآلية أن يحجب صاحبه عن الله عز وجل ، ولا أرى أن في الحياة مصيبة أكبر من أن تحجب عن الله عز وجل ، ذلك أن الله عز وجل خالق السموات والأرض هو الخالق ، وهو الرب ، وهو المسير، وصاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى ، هذا الإله العظيم لمجرد أن تقترب منه تسعد ، لمجرد أن تستنير بنوره تهتدي ، لمجرد أن تقبل عليه تطرب ، لذلك الكمال والجمال والنوال عند الله ، وما من إنسان على وجه الأرض إلا ويبحث عن ثلاثة ، عن الكمال وعن الجمال وعن النوال ، النوال هو العطاء ، وهذه الثلاثة التي هي بغية أي إنسان على وجه الأرض هي عند الله عز وجل ، لذلك:
(( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
أي التوفيق والنجاح والفلاح والتفوق والسعادة والطمأنينة والأمن كل هذه الكلمات التي تحتاج كل واحدة منها إلى مجلدات ، هذه الكلمات الإيجابية التي هي مقصد أي إنسان على وجه الأرض إنما تتأتى حينما تقبل على الله .
المذيع:
دكتور اسمح لي بسؤال ، ما المعنى حينما نقول : فلان قد حجب عن الله ؟ ما معنى الانحجاب عن الله عز وجل ؟
نور الله ينير حياة الإنسان في كل دنياه وآخرته :
الدكتور راتب :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾
هذا النور في هذه الآية الكريمة الصريحة الواضحة ، هذا النور يلقى في قلب المؤمن يرى به الحق حقاً ، والباطل باطلاً ، هذا النور يضيء للإنسان طريق سلامته وسعادته، هذا النور يبعده عن الشقاء ، هذا النور يبعده عن الخطأ ، فما دام الإنسان مستقيماً على أمر الله ، يعمل عملاً صالحاً ، يلقي الله في قلبه النور بنص الآية :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾
كفالتان ؛ رحمة في الدنيا ورحمة في الآخرة :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
قال العلماء : جنة في الدنيا وجنة في الآخرة .
﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾
تصور إنساناً يمشي في طريق وعر ليلاً ، فيه أكمات ، فيه صخور ، فيه مزالق ، فيه مجمع مياه ، وهو لا يرى شيئاً ، فالحادث حتمي ، أما إذا كان معه نور كاشف ، ضوء كبير ، فهذا الضوء يريه الحفرة حفرة ، والأكمة أكمةً ، والخطأ خطأً ، والحشرة حشرة ، والأفعى أفعى ، هذا النور الذي يلقى في قلب المؤمن يريه الخير خيراً والشر شراً ، هو أحد أكبر أسباب النجاة في الأرض ، فالمؤمن يستنير بنور الله ، والكافر في ظلمات بعضها فوق بعض ، إذا أخرج يده لم يكد يراها ، هذا الظلام يحيط بالكافر أو المعرض أو الذي يعصي الله ، لذلك :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾
كذلك كنت أعمى في الدنيا .
أخي الكريم بارك الله بكم وبإذاعتكم ، كل ما في الحياة يغدو إيجابياً وعطاءً مسعداً بالاتصال بالله ، تصور بيتاً فيه جميع الأجهزة الكهربائية من مكيفات إلى مراوح إلى أدوات تدفئة إلى وقود إلى أي شيء ، تصور أي آلة كهربائية في هذا البيت ، لكن لا يوجد كهرباء ، فكل هذه الآلات على ارتفاع ثمنها وعلى عظيم نفعها معطلة ، حجم بلا فائدة ، تحجز مكاناً بلا أداء، فإذا سرت الكهرباء في البيت كل هذه الآلات أعطت نفعاً كبيراً ، أي من دون إيمان لا يوجد معنى للحياة ، حياة مملة ، حياة فيها شقاء ، فيها سأم ، فيها ضجر ، فيها بعد عن الله ، فيها معيشة ضنك ، أما إذا اتصلت بالله فيصبح البيت جنة ، والزواج مسعداً ، والأولاد مسعدين، أي شيء مع الإيمان مسعد ، أي آلة كهربائية في البيت مع الكهرباء تقدم لك كل شيء ، أما إذا انقطعت الكهرباء فينقطع كل شيء .
المذيع:
دكتورنا الكريم حينما نقول : إن فلاناً حجب عن الله ، وكما أخبرتنا أن نور الله عز وجل ينير حياة الإنسان في كل تفاصيل دنياه وآخرته ، لماذا يحجب ذلك الإنسان ؟ هل المعاصي فقط هي التي تحجب الإنسان عن ربه لأننا كلنا نصيب المعاصي ؟
المعاصي والعدوان يحجبان الإنسان عن ربه :
الدكتور راتب :
المعاصي والعدوان ، الإنسان قد يعصي الله فيما بينه وبين الله فيحجب عن الله ، وقد يعتدي على إنسان فيحجب عن الله ، لو تركت الأمر فلم تأتمر ، وفعلت الذي نهاك الله عز وجل فلم تنته تحجب عن الله ، لا سمح الله ولا قدر ، لكن حينما يعتدي الإنسان على غيره ، يعتدي على ماله ، على جسمه ، على عرضه ، على سمعته ، أو يعتدي عليه بالإيذاء ، يحجب عن الله من باب أولى ، هناك معاصي سلبية وهناك عدوان إيجابي .
المذيع:
دكتور نحن نخاف أن نكون من أولئك الذي يحجبون عن الله ، وكلنا يصيب المعاصي ، صغيرها أو كبيرها فكيف نقي أنفسنا أو كيف نتدارك الأمر ؟
المعاصي بنوعيها الإيجابي والسلبي أكبر حجاب بين الإنسان وربه :
الدكتور راتب :
لا يمكن أن نصدق أن إنساناً ارتكب معصية وهو يعلمها معصية ثم قام ليصلي !! لا بد من أن يشعر أن هناك حجاباً بينه وبين الله ، المعاصي السلبية ، والمعاصي الإيجابية كالعدوان على الآخرين ، هذه المعاصي بنوعيها الإيجابي والسلبي أكبر حجاب بين الإنسان وربه ، والإنسان من دون اتصال بالله في شقاء ، الحياة متعبة ، والحياة مملة ، والحياة من دون إيمان رتيبة ، نمط يومي متكرر ، فمعظم الناس يخرجون من جلودهم ، يقول لك : الحياة ليس لها طعم ، لا يوجد فيها شيء .
اللذة و السعادة :
والحقيقة أن الله عز وجل لحكمة بالغة بالغة بالغة ما سمح للدنيا أن تمد الإنسان بسعادة مستمرة بل متناقصة ، فالإنسان حينما يشتري بيتاً جديداً خلال أسبوعين أو ثلاثة كلما جاءه ضيف أطلعه على البيت ، دله على ميزاته ، وعلى مساحته ، وعلى وعلى ، لكن بعد حين ألِف البيت ، اشترى مركبة ، بعد حين ألِف المركبة ، إن لم يكن متزوجاً فتزوج بعد حين ألِف الزواج ، لحكمة بالغة بالغة بالغة ما سمح الله للدنيا أن تمد الإنسان بسعادة مستمرة بل متناقصة، لذلك قالوا : هذه اللذائذ التي يسعى الناس إليها ، أنا دقيق في الفكرة ، قلت لذائذ ولم أقل سعادة ، اللذائذ حسية طابعها حسي ، واللذائذ تحتاج إلى وقت وإلى مال وإلى صحة ، ولحكمة بالغة بالغة بالغة دائماً ينقص الإنسان أحد هذه العناصر الثلاثة ، في البدايات الصحة طيبة والوقت موجود لكن لا يوجد مال ، في منتصف الحياة أسس تجارة ، عمل في وظيفة رفيعة، أسس معملاً ، صار هناك مال و صحة لكن لا يوجد وقت ، يعمل كل اليوم ، لما تقدمت به السن وسلم أولاده المعمل صار عنده مال ووقت لكن لا يوجد صحة ، لذلك الحكمة البالغة أن اللذائذ تحتاج إلى عناصر ثلاثة يفتقد الإنسان أحدها دائماً ، أما السعادة فحينما تنعقد الصلة مع الله عز وجل ، حينما تتصل بالغني ، بالرحيم ، بالحليم ، بالقوي ، بالمسعد ، أنت حينما تعقد صلة مع الله تنسى كل شيء ، تسعد بالله وتنسى كل شيء ، فلذلك يقولون : يتمتع المؤمن بسعادة والله لو وزعت على أهل بلد لكفتهم ، لأن هذا المؤمن عرف سرّ وجوده ، وعرف غاية وجوده .
المذيع:
دكتور اسمح لي أن أعود إلى بداية الآية الكريمة في سورة المطففين ، حينما يقول الله عز وجل :
﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
الآية الكريمة تتحدث عن أولئك الذين حجبوا عن الله عز وجل ، كانت تتحدث عن الذين ران الله على قلوبهم ، ما الرابط بين المعنيين ؟
الرابط بين ران الله على قلوبهم و حجبوا عن الله :
الدكتور راتب :
هذا القلب يا سيدي إما أن يكون له خط ساخن مع الله ، أو أن يكون محجوباً عن الله ، الران هي المعاصي تتمثل في حجب كثيفة تحول بين القلب وبين الله عز وجل .
المذيع:
ممكن نوضحها دكتور ؟
الدكتور راتب :
الران هي المعاصي والآثام والعدوان ، أي أشياء سلبية ؛ ما صلى ، ما صام مثلاً ، أو اعتدى ، أكل مالاً حراماً ، اعتدى على كرامة إنسان بالسخرية ، أحياناً بالضرب ، إما هناك عدوان ، أو تقصير ، هذه المعاصي الإيجابية والسلبية تكون حجاباً يحجب القلب عن ربه ، فإذا حجب عن الله عز وجل ، النوال ألغي ، والكمال ألغي ، والجمال ألغي ، بقي هناك ظلمة ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾
المذيع:
من يحجب عن الله فران على قلبه ، هذا الربط بين المفهومين في الآية الكريمة دكتور؟
الاستخلاف من قوانين الله عز وجل :
الدكتور راتب :
لكن قال تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴾
شيء آخر :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
إله ، خالق السموات والأرض يعد هذا المؤمن بحياة طيبة لذلك :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾
الاستخلاف من قوانين الله عز وجل ، والدليل :
﴿ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
فالمؤمن أو جماعة المؤمنين مستخلفون في الأرض أولاً ، وممكنون في الأرض ثانياً، وآمنون ثالثاً ، فإذا كان المسلمون ليسوا مستخلفين وليسوا آمنين هؤلاء على ثغرة من ثغر هذا الدين ، لكن لم يقدموا أسباب استقرارهم وقوتهم .
المذيع:
كلام مهم وكلام عميق دكتور محمد راتب النابلسي ، مع فاصل قصير ....
حياكم الله من جديد مستمعينا الكرام ، وأهلاً بكم على الهواء عبر أثير إذاعتكم الحياة FM ، متواصلين مع الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً دكتور .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم وأعلى قدركم .
المذيع:
اللهم آمين ، مازال حديثنا وهو جزء من قول الله عز وجل من سورة المطففين :
﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾
نتحدث في هذه الحلقة عن المحجوبين عن الله عز وجل ، ونسأل الله أن يزيد من علمنا وورعنا ، حدثنا الدكتور لماذا يحجب الإنسان ؟ وما معنى أن يحجب ؟ وما الرابط بين الشق الأول من الآية ران على قلوبهم وهي المعاصي التي تغلف القلوب ، والحجاب هو ذلك الذي يتولد في القلب بسبب المعاصي فيحجب القلب عن ربه ، نريد أن نتحدث معك دكتور عن العلاج إذا وقعنا في الذنوب والمعاصي كيف نمحو الران ؟
الاستقامة على أمر الله ضمان للسلامة و السعادة :
الدكتور راتب :
قبل العلاج هناك فكرة مهمة جداً بالموضوع ، أحياناً يكون للبيت بابان ، الأب يعطي تعليمات لأولاده أن يستخدموا باباً واحداً ، فحينما يأتي أحد أبنائه ويعصي أباه فيستخدم الباب الآخر يعاقب ، لكن لا يوجد علاقة علمية بين العقاب الذي أنزله الأب بابنه وبين الذي فعله ، ماذا فعل ؟ استخدم باباً للدخول أو للخروج هو في الأصل مصنوع لذلك ، لكن هذه العلاقة بين المعصية والعقاب علاقة وضعية ، الأب وضعها ، لكن حينما يضع الابن إصبعه على المدفأة المشتعلة تحترق ، احتراق اليد لا بعلاقة وضعية بل بعلاقة علمية ، لمجرد أن يضع الابن إصبعه على المدفأة المشتعلة تحترق ، أنا حينما أفهم أن العلاقة بين الأمر ونتائجه ، وبين النهي ونتائجه علاقة علمية عندئذ أستقيم على أمر الله ضماناً لسلامتي وسعادتي .
أي إذا كان هناك تيار عالي التوتر ، مكتوب : ممنوع الاقتراب ، توتر عال ، فالإنسان يجهل حقيقة الكهرباء بتوتر عال ، وكيف تحيل الشخص القريب منها إلى فحمة ، وإذا نظر يمنة ويسرة هل هناك شرطي يحاسبني ، القضية أكبر من شرطي ، القضية أن التيار نفسه يعاقبك ، أنا حينما أفهم أن أية معصية فيها بذور نتائجها ، وأن أية طاعة فيها بذور نتائجها ، فقبل أن نقول عوقب أو لم يعاقب ، المعاصي من خصائصها أنها تشتمل على بذور نتائجها ، والطاعات من خصائصها أنها تشتمل على بذور نتائجها ، فلمجرد أن تطبق منهج الله أنت في سعادة ، هذه ليست مكافأة من الله لكن طبيعة طاعة الله ، أنت آلة معقدة جداً ، ولك صانع عظيم ، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة .
المذيع:
دكتور هل الإنسان لمجرد ارتكابه للمعصية فوراً يحجب عن الله عز وجل أم له فرص توبة وإصلاح ؟
التوبة أوسع و أقرب باب إلى الله :
الدكتور راتب :
إذا ألف الاتصال بالله يشعر بالفرق فوراً ، الإنسان حينما يقتل كائناً متحركاً لا يجوز قتله يشعر بالخطأ فوراً ، فكلما كان حساسيته الإيمانية عالية جداً يشعر بسرعة ، أما إذا كانت الحساسية ضعيفة فيمر فترة طويلة حتى يحجب حجاباً كاملاً عن الله عز وجل .
المذيع:
لمن وقع في هذا الأمر وحجب عن الله لكثرة ما ارتكب من المعاصي رانت على قلبه كيف له أن يصطلح مع الله ؟
الدكتور راتب :
لا يوجد باب أوسع ولا أقرب من التوبة إلى الله ، قال تعالى :
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾
الله عز وجل غفور رحيم ، الله عز وجل ينتظرنا .
(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد ، والعقيم الوالد ، والظمآن الوارد ))
الله عز وجل ينتظرنا ، ورد في الأثر :
(( لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي إلى ترك معاصيهم ، لتقطعت أوصالهم من حبي ، ولماتوا شوقاً إليّ ، هذه إرادتي بالمعرضين ، فكيف بالمقبلين ؟ ))
الإنسان حينما يعرف الذات الإلهية يعرفها معرفة حقيقية ، الله عز وجل ينتظرنا ، ويفرح بتوبتنا ، ويفرح بسعادتنا ، ويفرح باستقامتنا ، أنت بهذا تكون من طرف الله عز وجل مرضياً عنك .
المذيع:
كلام مهم وكلام جميل ، الآن مجرد التوبة والاستغفار فوراً تزيح ذاك الحجاب لا تحتاج إلى وقت ...
التوبة الأولى أسهل توبة على الإطلاق :
الدكتور راتب :
الحقيقة أسهل توبة على الإطلاق التوبة الأولى ، أسهل توبة إنسان كان غارقاً بالمعاصي قال : يا رب لقد أذنبت كثيراً وتبت إليك ، كأن الله عز وجل يلقي في روعه وأنا يا عبدي قد قبلت ، لكن إذا أعاد الذنب مرة ثانية يجد صعوبة أكبر في التوبة ، إن أعادها مرة ثالثة يجد صعوبة أكبر وأكبر ، إن أعادها مرة رابعة يجد صعوبة أكبر وأكبر وأكبر ، لذلك البطولة أن الإنسان إذا تاب عليه أن يتوب توبة نصوحة ، التوبة النصوح لا رجعة فيها لكن بالنهاية ليس لنا إلا الله ، مهما الإنسان أسرف على نفسه ليس له إلا الله عز وجل ، إذاً التوبة لا بد منها ، لكن كملاحظة أول توبة أسهل توبة .
المذيع:
الإنسان الذي يرتكب معصية فإنه يكون بينه وبين الله حجاب ، كثرة المعاصي تصبح غلافاً على القلب التي هي قول الله عز وجل :
﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾
محو ذلك الغلاف وذلك الران بكثرة التوبة وبكثرة الاستغفار والثبات عليهما .
على الإنسان أن يصاحب من يرقى به إلى الله حاله :
الدكتور راتب :
من صفات المؤمن أنه مذنب تواب ، كثير التوبة ، نحن بعقيدتنا يوجد بحياة المسلمين إنسان واحد معصوم عن أن يخطئ في أقواله وأفعاله هو النبي عليه الصلاة والسلام، ما سوى النبي حتى أن بعض الصحابة قال :
((....نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا ... فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ))
معنى ذلك أن الإنسان بدرس علم ، بجلسة إيمانية ، بسهرة فيها عالم يتكلم عن الله، عن آياته ، عن شرعه ، عن محبته ، هذا المجلس مبارك ، العوام يسمون كلمة أنه يوجد تجلٍّ ، الحقيقة العبارة القرآنية : هناك سكينة ، السكينة تتنزل على المؤمنين ، هذه السكينة يسعد بها ولو فقد كل شيء ، ويشقى بفقدها ولو ملك كل شيء ، فالإنسان حينما يكون مع المؤمنين ، مع الجماعة ، يستقي من أخيه المؤمن ما عنده من أنوار في قلبه ، يستقي منه بعض التوجيهات ، لذلك قالوا :
(( لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ))
الشيء الثاني : لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله ، ولا يدلك على الله مقاله ، أي ينبغي أن تصاحب من يرقى بك إلى الله حاله ، هذا إذا كان أحببته ، ويدلك على الله مقاله ، الصاحب ساحب يا سيدي .
وأنا أقول لك كلمة دقيقة : إن للإنسان رموزاً بكل حياته ؛ الأب رمز ، والأم رمز ، والعالم رمز ، وأستاذ المدرسة رمز ، والشيخ رمز ، وأي توجيه رمز ، هذه كلها تأثيرها يقدر بأربعين بالمئة ، رفيق السوء ستون بالمئة ، يجب أن يعلم الأب من هو صديق ابنه .
المذيع:
هذه الحلقة مع الدكتور محمد راتب النابلسي وحديثنا فيها تحت عنوان :" كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" ، فاصل ونعود ...
حياكم الله من جديد أستاذنا الكريم ...
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
المذيع:
ما زال حديثنا مستمعينا الكرام عن قوله تعالى :
﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾
حديثنا عن أولئك المحجوبين عن الله عز وجل لا جعلنا الله منهم ، وكان حديثنا مع الدكتور عن شرح هذا ، كيف للإنسان أن يهتم بهذه القضية فلا يقع فيها من جديد ، أخبرتنا أن المعاصي حجاب بين الإنسان وبين الله ، وأن التوبة ..
الفرق الكبير بين أمراض النفس و أمراض الجسم :
الدكتور راتب :
باب النجاة ، أخي الكريم بارك الله بك ، الآية تقول :
﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
ما هو الكسب ؟ هو العمل الذي فكر به الإنسان وأراده ثم نفذه ، هذا الكسب إما أن يكون كسباً طيباً ، يكون ذخيرة للآخرة وللجنة ، أو يكون كسباً سيئاً ، إذا كان هناك عدوان ، أو تهكم ، أو غيبة ، أو نميمة ، أو سخرية ، أو استعلاء ، أو كبر ، هذه كلها أمراض النفس ، النقطة الدقيقة جداً جداً أن أمراض النفس كلها تبدأ عند الموت ، بينما أمراض الجسم كلها تنتهي عند الموت ، هناك فرق كبير جداً ، أمراض الجسم ولو مرض خبيث مات انتهى المرض ، لكن أمراض النفس ؛ الكبر من أخطر أمراض النفس ، الشح ، من يوق شح نفسه ، أمراض النفس الناتجة عن البعد عن الله عز وجل ، فالإنسان كلما اقترب من الله طهرت نفسه من أدرانها ، قال تعالى :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴾
لو إنسان معه مليارات ممليرة ، معه ألف مليون :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴾
عنده عشرة أولاد من أذكى الأبناء ، ويحتلون مناصب رفيعة في الأرض ، لا ينفعه أولاده :
﴿ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
ما القلب السليم ؟ العلماء قالوا : القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله .
المذيع:
كيف للإنسان أن يصل إلى هذه المرحلة دكتور ؟
كلما ارتقت نفس الإنسان إلى الله ارتقى إلى مستوى الشريعة :
الدكتور راتب :
كلما اقترب من الله ارتقت نفسه إلى مستوى الشريعة ، الإنسان أحياناً يكون عنده شهوات ، فلما تاب إلى الله تركها ، ترك هذه الشهوات لكنه هو يطوق إليها ، أي كان ممن يستمع إلى الأغاني فبعد أن تاب ترك استماع الأغاني ، لو ركب بسيارة عامة السائق فتح على أغنية يحبها ، يطرب لها ، لكن هو لا يحاسب على ذلك ، أما حينما ترتقي نفسه إلى الله فيشمئز من هذا الغناء ، فكلما ارتقت نفس الإنسان إلى الله ارتقى إلى مستوى الشريعة .
المذيع:
نفتح باب المشاركات الهاتفية من مستمعينا الراغبين على أرقام ...
أخت أم يحيى تفضلي .
شكراً للدكتور نفعنا الله بعلمه .
السؤال :
لما أتصدق عادة يأتيني شعور أن الصدقة ما قبلت ، لأنني دائماً بعد الصدقة يمرض أولادي ، أو يصير معي شيء أنا أتضايق منه ، فهل الصدقة ما قبلت أم أن هناك شيئاً آخر ؟
حسن الظن بالله ثمن الجنة :
الدكتور راتب :
والله دائماً الشيطان اللعين :
﴿ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾
معنى عن أيمانهم إذا إنسان تصدق يقول له : أنت ما أردت الله بهذه الصدقة ، كلما أراد أن يعمل عملاً صالحاً يأتي الشيطان يزهده في هذا العمل ، أو أنت محجوب عن الله عز وجل ، العمل غير مقبول ، هذا من الشيطان ، أنا أتمنى أن يفعل الإنسان الخير فقط ولا يفكر في توالي هذا الفعل ، الله عز وجل أجلّ وأكرم وأعظم وأرحم من أن تفعل شيئاً تبتغي رضوانه ثم لا يقبله منك ، لكن :
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾
يخوف أولياءه أنت نيتك ما كانت طيبة بهذه الصدقة ، أردت الرياء ، أنا أتمنى من الأخوة الكرام المستمعين أن يبتعدوا عن هذه المزالق الخطيرة للشيطان ، دائماً الشيطان يحب أن يحجب الإنسان عن ربه ، قال تعالى :
﴿ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾
من بين أيديهم - الأمام - يقول للإنسان : ما أدراك أن تموت كافراً مثلاً ؟ من قال ذلك ؟ إنسان عبد الله طوال حياته معقول أن تزل قدمه ؟ أبداً الله يحميه ، قال تعالى :
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
﴿ لَنَا ﴾
ما قال علينا ، حسن الظن بالله ثمن الجنة ، فالإنسان كلما كان أقرب إلى الله أحسن الظن به ، وساوس الشيطان خطيرة جداً :
﴿ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾
المستقبل :
﴿ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾
الماضي ، أنت لك ماض سيئ ، لكن الله تاب عليك ، لا ، لك ماض ، لا يتوب عليك ، وعن أيمانهم ، الفاتحة فيها عشر شدات ، وأنت ما أحضرتهم فصلاتك باطلة ، هذا من الشيطان ، أو عن شمائلهم المعاصي .
المذيع:
شيخنا الحبيب حينما نقول إن الحجاب عن الله :
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
ما هو البديل لمن يصطلح ويسير في شرع الله ، هو عكس الحجاب عن الله ؟
الإقبال على الله أجمل ما في الدين :
الدكتور راتب :
الإقبال ، الإقبال على الله ، أجمل ما في الدين السعادة المطلقة ، التفوق أن يكون لك استقامة وعمل صالح ، وأن تقبل بهما على الله ، انظر أول شيء آمنت بالله ، ثم ابتعدت عن كل المعاصي والآثام وفعلت الأعمال الصالحة ، أنت دفعت ثمن الإقبال على الله ، مثل طفل يحضر معه باقة ورد للصف يضعها أمام الأستاذ ، هو قدم شيئاً ، تجد الأستاذ ينتبه له أكثر ، يبتسم في وجهه أكثر ، يقول : أنت يا بني أجب ، باقة الورد للأستاذ فعلت مودة ، يأتي المؤمن له عمل صالح مع الله ، لا يكذب على عباده ، ينصحهم لا يغشهم ، بار بوالديه ، يعين المظلومين على أخذ حقوقهم ، أعماله صالحة و كثيرة ، تقبل على الله ، أنت تقبل على الله باستقامتك وبعملك الصالح كأن هناك خطاً ساخناً فيما بينك وبين الله عز وجل ، إذا كان هناك معصية الخط انقطع .
المذيع:
دكتور حينما نقول : عن ربهم محجوبون ، هل معنى ذلك أنهم حجبوا عن الله فلن يفتح لهم باب العبادة أم أنهم حجبوا عن كرامات الله ورزقه ؟
من حجب عن الله أعرض الله عنه :
الدكتور راتب :
أنت عندما تفتح الباب يأتي هواء ، فتح الباب وحده أحضر هواء ، لست أنا من ذهبت لإحضار الهواء ، هناك أشياء تتم آنياً ، الإنسان عندما يحجب عن الله دخل في الظلام، دخل في حالة البعد عن الله عز وجل ، الإعراض عن الله ، دخل في المعيشة الضنك آنياً ، إذا أقبلت على الله عز وجل ، الله يلقي في قلبك النور ، يلهمك الصواب ، الإنسان بوجهه ملك أو شيطان ، الشيطان يوسوس والملك يلهم ، فإذا كان مع الله تولى الملك إلهامه بفعل الخيرات ، وإذا كان مع الشيطان تولى الشيطان يوسوس له بفعل السيئات .
المذيع:
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
عن أي يوم الآية تتحدث دكتور ؟
الغفلة أخطر مرض يصيب الإنسان :
الدكتور راتب :
والله الإنسان يكون محجوباً في الدنيا لكن لأنه يشتغل ويأكل ويشرب ويسافر ويعمل نزهات مشغول في الدنيا ، انشغاله في الدنيا قد يبعده عن آثار الحجاب السلبية في الدنيا ، لكن حينما تنتهي الدنيا ، تنتهي الشهوات ، تنتهي الولائم ، السهرات ، النزهات ، دخل في القبر ، هنا المشكلة الآن لا يوجد شيء يقربه من الله ، عنده معاص وآثام الحجاب يكون عندئذ بحالة صعبة جداً :
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
يؤمئذ حينما يدخل في الدار الآخرة ، أو يدخل في الموت ، أما في الدنيا فأناس كثر محجوبون عن الله ، لكن اهتمامهم بطعامهم وشرابهم وسهراتهم ونزهاتهم قد تنسيهم حجابهم عن الله عز وجل ، هذه اسمها غفلة ، أخطر مرض يصيب الإنسان غافل عن الله ، غافل عن مصيره ، غافل عما ينتظره من عقاب ، الإنسان عندما يكون في غفلة هذه مشكلة كبيرة ، مثل هذا الهاتف الخلوي إذا أنت لم تشحنه صار قطعة بلاستيك ، أما إن وضعته في الشحن فصار هاتفاً ، تتكلم مع الناس به ، معنى ذلك أنت تحتاج إلى شحن ، يا أخي المؤمن ؛ أنت كالهاتف المحمول تحتاج إلى شحن ، الشحن هو الصلاة ، الشحن درس علم ، تحتاج إلى شحن علمي وشحن روحي ، الاتصال بالله شحن روحي ، سماع درس علم شحن علمي ، إذا كنت تشحن نفسك بدروس أسبوعية ، نصف شهرية ، يومية ، وسائل الدروس الدينية لا تعد ولا تحصى ، الدنيا كلها فيها معلومات دقيقة ، فالإنسان عندما يفكر يعرف الله ، يعرف الله من خلال الكون ، من خلال آياته الكونية ، من خلال آياته التكوينية ، أفعاله ، من خلال آياته القرآنية ، يحضر مجلس علم ، يسمع خطبة جامع لخطيب متفوق بالخطابة ، مخلص في دعوته ، يجلس مع مؤمنين ، هذه كلها مجالس العلم ، مجالس الإيمان ، سماع الخطب ، سماع الدروس ، فتح القرآن الكريم ، قراءته ، قراءة تفسيره ، قراءة الحديث ، تصاحب مؤمناً ، فالإنسان عندما يحاول أن يعيش مع المؤمنين ، أو يتغذى تغذية دينية ، أو حينما يصل إلى منبع ديني فهذه نعمة كبيرة.
أما جالس يتابع الأفلام باستمرار ، وسهرة كلها غيبة ونميمة ، ويقول لك : الحياة صعبة جداً ، والدخول قليلة ، والأعمال معقدة ، والحاجات كثيرة ، والأمور نحو الأسوأ ، يعيش حياة القهر والقلق والتشاؤم ، فهذا شيء صعب جداً ، لذلك قال تعالى :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
أما قوله تعالى :
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾
المذيع:
الله يفتح عليك ، دكتور في الآية الكريمة التي مطلعها وكان حديثنا عن الران ، هل توبة بسيطة سريعة تزيح ذلك الران أم شدة المعاصي تحتاج إلى توبة مختلفة ؟
من تاب توبة نصوحة عليه ألا ينقضها :
الدكتور راتب :
والله التوبة من المعصية سهلة جداً أول مرة ، أسهل توبة يا رب لقد تبت إليك ، كأن الله عز وجل يلقي في روعه وأنا يا عبدي قبلت ، لكن بعدما تاب توبة نصوحة زلت قدمه وأعاد الذنب نفسه ، الآن التوبة الثانية أصعب ، والثالثة أصعب ، والرابعة أصعب ، فأنا أتمنى على الأخوة المستمعين إذا تاب توبة نصوحة ألا يفكر أبداً أن ينقض للتوبة ، لأنه بعد ذلك قد يألف نقض التوبة ، وإذا ألِف نقض التوبة مشكلة كبيرة جداً .
المذيع:
الله يفتح عليك ، نريد دعاء لعل الله عز وجل يستجيب منا ومنكم دعاءنا .
الدعاء :
الدكتور راتب :
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين
اللهم احم دماء المسلمين في كل مكان ، واحقن دماءهم في بلاد الشام ، وانصرهم على أعدائهم يا رحمن يا رحيم ، وصلّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم ، واجعل هذا البلد إن شاء الله آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، احفظ لأهل الأردن إيمانهم وأهلهم وأولادهم وصحتهم ومالهم ، واحفظ لهم يا رب استقرار بلادهم ، والحمد لله رب العالمين .
خاتمة و توديع :
المذيع:
الحمد لله رب العالمين دائماً وأبداً ، كل الشكر لكم فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي لهذا الكلام الطيب والجميل جزاكم الله عنا كل خير .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
المذيع:
قد يكون انتهى حديثنا وكان تحت عنوان قول الله عز وجل :
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
أولئك الذين أغرقوا أنفسهم بالمعاصي فكانت كل معصية حجاب ، فتتالت الحجب فأصبحت راناً كما أخبرنا الله عز وجل ، أعاذنا الله وإياكم أن نكون من أولئك ، سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك ، والسلام عليكم .